-->

بحث عن علم تفسير القرآن الكريم

 بحث عن علم تفسير القرآن الكريم

     بحث عن علم تفسير القرآن الكريم
    علم تفسير القرآن الكريم

    نشأة علم التفسير وتطوره
    ترجع نشأة التفسير إلى عهد الرسولَ صلى الله عليه وسلم، فلقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فيوضح لهم عليه الصلاة والسلام ما غمض عليهم فهمه وإدراكه. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبسُواْ إِيمَانَهُم بظُلْمٍ}1[1] شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لا يظلم نفسه! فَقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه {يَابُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}2[2] 3[3] ".

    وقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم على تلقي القرآن الكريم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه وتفسيره. عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن، كعثمان بن عفان وعبد اللّه بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: "فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة [4] .
    ولم يكن تفسير القرآن الكريم يدوّن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كعلم مستقل بذاته، وإنما كان يروى منه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتعرض لتفسيره كما كان يروى عنه عليه الصلاة والسلام الحديث. ومضى عصر الصحابة رضوان الله عليهم على ما تقدم، ثم جاء عهد التابعين الذين أخذوا علم الكتاب والسنة عنهم وكل طبقة من هؤلاء التابعين تلقت العلم على يد من كان عندها من الصحابة رضوان الله عليهم، فجمعوا منهم ماروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الحديث، وما تلقوه عنهم من تفسير للآيات وما يتعلق بها فكان علماء كل بلد يقومون بجمع ما عُرف لأئمة بلدهم، كما فعل ذلك أهل مكة في تفسير ابن عباس رضي الله عنه وأهل الكوفة فيما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه من روايات التفسير، ثم توالى بعد ذلك التدوين في التفسير إلى عصرنا الحاضر [5]
    تعريف التفسير
    للغويين في معنى التفسير أقوال طريفة ومتعددة، وكلها تلتقي في معنى الإيضاح والبيان والكشف، فقد "ذكر الليث عن الخليل بن أحمد أنه قال : مأخذ التفسير من الفسر وهو البيان، قال والتفسرة اسم البول الذي تنظر فيه الأطباء وتستدل به على مرض البدن، وكل شيء يعرف به تفسير الشيء فهو تفسرته "(1) .
    وقد وردت لفظة (التفسير) في القرآن الكريم في موضع واحد وهو قوله تعالى: { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا }(2) ، 
    وقال ابن عباس في معنى الآية : أي تفصيلا(3) .
    ومن معاجم اللغة يتبين لنا أن التفسير يستعمل لغة في الكشف الحسي ـ ولعل قول الخليل السالف الذكر يقوم دليلا على ذلك ـ وقلما يستعمل في المعاني المعقولة.
    وأما التأويل في اللغة فهو من آل يؤول إلى كذا أي يرجع إليه، ويقول الرازي في مختار الصــحاح : " التأويل تفسير ما يؤول إليه الشيء، وقد أوله تأويلا وتأوله بمعنى ،وآل الرجل أتباعه وعياله ، وآله أيضا أتباعه " (1) .
    وقد وردت كلمة "التأويل" في سبعة عشر موضعا من القرآن الكريم، وكلها تحوم حول هذه المعاني :
    1- تأويل الأحاديث : { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث }(2) .
    2- تأويل الأحـلام : { وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين }(3) .
    3- تأويل الأعلام وبيان ما يقصد منها : { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا }(4) .
    4- ما يتعلق بالمتشابه الذي لا يعلمه إلى الله :{ وما يعلم تأويله إلى الله }(5) .
    والسياق الذي وردت فيه كلمة "التأويل" في القرآن الكريم يبين أن استعمالها يكون أكثر في الكشف عن المعاني المعنوية العقلية .
    ويرى جلة من العلماء أن التأويل مرادف للتفسير في أشهر معانيهما اللغوية (1) ، ومما يؤكد ذلك ما ذهب إليه الدكتور الجليند من أن التأويل بمعنى " نقل ظاهر اللفظ إلى ما يحتاج في إثباته إلى دليل، أي صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله اللفظ " لم يرد في المعاجم التي ألفت قبل القرن الرابع الهجري. ويخلص من ذلك إلى القول إن " كلمة التأويل كانت تستعمل على ألسنة اللغويين من رواة ومحدثين حتى بداية القرن الخامس الهجري في معنى: المرجع والمصير والعود. حيث لم يرد إلينا في المعاجم التي وضعت في هذه الفترة. وهي المصدر الوحيد لكل المعاجم التي وضعت بعد ذلك ما يخالف ذلك(2) . 
    وليس معنى هذا أن التفسير هو عين التأويل لغة، فقد أثبتت الدراسات اللغوية أن الترادف لا يعني التماثل والتوافق التام في المعنى، بل هناك تشابه في المعنى العام، مع وجود فروق دقيقة لابد من التنبيه إليها. ومن ثم يمكن القول إن التفسير يرتبط بتفسير الأمور الحسية في الغالب. أما التأويل فيستعمل ـ غالبا ـ في الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والنظر.
    وقد نبه الراغب الأصفهاني (ت502هـ) إلى ذلك حيث قال : " والتفسير أعم من التأويل، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ، والتأويل في المعاني، كتأويل الرؤيا والتأويل يستعمل أكثره في الكتب الإلهية والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها، والتفسير أكثره يستعمل في مفردات الألفاظ، والتأويل أكثره يستعمل في الجمل"(1).
    التفسـيــر والتــأويــل اصطـــلاحا :
    بسط العلماء القول في تعريف التفسير اصطلاحا، ولعل أجمع أقوالهم ما أثبته الزرقاني في كتابه "مناهل العرفان في علوم القرآن " حيث قال : " والتفسير في الاصطلاح : علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية "(2).
    ويستعان في التفسير ببعض العلوم المساعدة كعلم اللغة والقراءات، والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، والفقه وأصول الفقه، مع الإلمام بأصول الدين وقواعده. ويؤكد هذا المعنى قول الزركشي عند تعريفه لمصطلح التفسير فهو " علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها والإشارات النازلة فيها، ثم ترتيب مكيها ومدنيها ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومحكمها ومفسرها. 
    وزاد فيها قوم فقالوا : علم حلالها وحرامها . ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها "(1). 
    وأما مصطلح التأويل فمصطلح مشكل، ذلك أن استعمالاته تختلف من قرن لآخر، ومن قوم إلى آخرين، ومن بيئة ثقافية إلى أخرى، ومن ثم تعددت وتنوعت تعريفاته. فمنها ما يفتقر إلى الدقة العلمية، ومنها ما يتسم بالتدقيق والتحديد التام الذي يصبح معه دلالة المصطلح واضحة جلية .
    والتأويل كما يوضح ابن تيمية ينبغي في تحديد دلالته الإصطلاحية بالتفريق بين جيلين : 
    1- السلف الصالح . 
    2- متأخري المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم .
    فعند الأوائل نجد له معنيين :
    1- تفسير الكلام وبيان معناه، سواء أكان موافقا لظاهره أم مخالفا له، ومن ثم يكون التأويل والتفسير شيئا واحدا، أي مترادفين . 
    وهذا هو المعنى نفسه الذي استعمله محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) حيث يقول عند تفسيره لآي الذكر الحكيم : القول في تأويل قوله كذا وكذا . واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك . وكله محمول -كما أسلفنا - على التفسير والبيان .
    2- هو نفس المراد بالكلام، فإذا كان الكلام عن طلوع الشمس فالتاويل هو نفس طلوعها، أي هو نفس الحقيقة الموجودة في الواقع الخارجي، وهذا في نظر ابن تيمية -رحمه الله- هو لغة القرآن التي نزل بها.
    أما عند متأخري المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة : فالتأويل هو صرف اللغظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به(1). وهذا التأويل هو الذي نجد المتكلمين قد استعملوه في معظم كتبهم، ويتجلى ذلك في موقفهم من آيات الصفات. ومن ثم يتضح لنا أن القول بالباطن هو الأساس الذي جعلهم يقصرون دلالة التأويل على هذا المعنى. 
    واستغلت الباطنية المعنى الأخير للتأويل ـ بعد أن استندوا على حديث ينسب إلى الرسول صلى الله عليه و سلم " للقرآن ظهر وبطن " أو " للقرآن باطن " ـ فراحوا يفسرون القرآن الكريم وفق هواهم، وتبعا لأذواقهم ومواجيدهم الباطلة شرعا، وقد رد ابن تيمية ـ رحمه لله ـ هذا الحديث فقال : " أما الحديث المذكور فمن الأحاديث المختلفة التي لم يروها أحد من أهل العلم، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث "(2) .
    والتأويل بهذا المعنى ينقسم إلى قسمين: أحدهما يوافق العلم الظاهر، وهو إما صحيح مقبول أو باطل مردود أو ملتبس فيتوقف عنه.
    أما إذا كان التأويل مخالفا للعلم الظاهر فهو باطل شرعا، والقائل به إما ملحد زنديق أو جاهل ضال(1).
    والمتأول بالمعنى الأخير مطالب بأمرين : 
    1- أن يبين احتمال اللفظ للمعنى الذي حمله عليه وادعى أنه المراد منه.
    2- أن يبين الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح.
    وبدون ذكر ذلك يكون التأويل فاسدا وضربا من التلاعب بالنصوص، وحملها على الهوى وصرفها عن معناها الحقيقي المستفاذ من ظاهرها، وتعطيل لشرائع الله. وكل ذلك ملاحظ في تفاسير الفرق الضالة .
    وقد دأب العلماء على التفريق بين التفسير والتأويل، ولهم في ذلك أقوال متعددة، فمنهم مـن قال: " التفسير هو تحقيق المعنى وذلك لا يكون إلا من قبل الله تعالى، والتأويل هو على احتمال اللغات، فلكل واحد من أهل اللغة أن يتأول بلغته(1). 
    " ومنهم من قال التفسير هو ذكر القصص وما أنزل فيه، والتأويل هو ما يحتمله معنى الكلام "(2).
    ويشير الزركشي إلى السبب العلمي والمنهجي في التفريق بين التفسير والتأويل وجعل كل منهما ذا دلالة محددة وواضحة، ومتميزة ومخالفة لدلالة الآخر، وذلك حيث يقول : " والحق أن علم التفسير منه ما يتوقف على النقل كسبب النزول والنسخ وتعيين المبهم، وتبيين المجمل، ومنه ما لا يتوقف ويكفي في تحصيله التفقه على الوجه المعتبر، وكأن السبب في اصطلاح بعضهم على التفرقة بين التفسير والتأويل، التمييز بين المنقول والمستنبط، ليحمل على الإعتماد في المنقول، وعلى النظر في المستنبط، تجويزا له وازديادا، وهذا من الفروع في الدين(3) .
    ويفهم من هذا الكلام ومن الذي قبله أن التفسير يتعلق بالرواية، وأما التأويل فمرتبط بالدراية وإعمال النظر، ولكل منهما شروط صحة وقبول.
    وخلاصة القول أنه يتعين علينا التفريق بين جيلين من المفسرين، فالاول منهما كان يستعمل اللفظين بمعنى واحد، وعلى أساس أنهما مترادفان، أما الجيل الثاني منهما فقد فرق بينهما، فعين التفسير للمنقول، والتأويل للمعقول ولهذا دلالة واضحة على طبيعة التفسير ذاته. ذلك أن السلف الصالح كانوا يعتمدون في تفسيرهم النقل والعقل معا دون التفريق بينهما، وكان شعارهم في ذلك أن صريح المعقول يوافق صحيح المنقول، وهذا الاتجاه واضح في تفسير الإمام الطبري، والإمام ابن تيمية وابن كثير وغيرهم من مفسري أهل السنة .
    أما الخلف فقد أصبحت تفاسيرهم للذكر الحـكيم ـ في الأعم والأغلب ـ تشكل ثنائية ضدية حادة. فهناك تفاسير بنيتها الأساسية النقل، وأخرى تعتمد أساسا العقل، فكان تفريقهم بين اصطلاحي التفسير والتأويل تقريرا لواقع التفسير وطبيعته في عصرهم .
    وعلماء التفسير غالبا يقسمونه إلى منهجين أساسين هما: 
    1- التفسير بالمأثور .
    2- التفسير بالمعقول أو الرأي .
    ويرجعون إليهما كل ضروب وأنواع التفاسير التي ألفها العلماء، إلا أن هذا التقسيم يتسم بالخطورة والخلط. فخطورته تتجلى في مساهمته في إحداث انشطار شخصية وعقلية الإنسان المسلم إلى ثنائية ضدية حادة وصارمة: العقل والنقل. وكأن الأمرين لا يمكن الجمع بينهما، في حين يثبت واقع ديننا الإسلامي الحنيف أن النقل الصحيح لا يتعارض مع العقل الصريح، وهذا المبدأ المنهجي العظيم يخلصنا من الوقوع في مطب الإنشطار الذي جنى على أمتنا ولا زال. ويمكننا من تجاوز ثنائية العقل والنقل إلى حلول وإمكانات أخرى متاحة.
    أما الخلط فيتبين لنا في تجاهل أنواع التفسير الأخرى والتي لها مميزاتها وصفاتها التي تجعلها متميزة عن التفسير المأثور أو المعقول، كالتفسير الإشاري أو الصوفي، والتفسير الموضوعي، والتفسير الأدبي/الإجتماعي، والتفسير العلمي وغيرها من أنواع التفسير الكثيرة التي يعبر تجاهلها عن خلط في تصور طبيعة المناهج التفسيرية .
    ونشير هنا إلى أن الغالبية العظمى من تفاسير القرآن الكريم لا يمكن تصنيفها ضمن اتجاه أو منهج معين إلا بالتغليب والترجيح، وذلك أننا نجدها تستفيد من كل المناهج والمعارف والعلوم المتاحة، مما يجعلها تسمو وترتفع فوق التصنيف المقرر لتعبر عن شمولية الدين الإسلامي الحنيف، ولتبرهن عن تآزر النقل والعقل من أجل إبراز الحقيقة وتجليتها.
    وقد تنبه أهل السنة عند كتابتهم عن مناهج واتجاهات التفسير إلى أن اتجاهات التفسير ثلاث وهي :
    1- التفسير النقلي .
    2- التفسير العقلي .
    3- التفسير الصوفي .
    وهذا يتمشى وينطبق مع مبدئهم الأساسي، ألا وهو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، فتجاوزوا بذلك الوقوع في مطلب ثنائية الرواية والدراية، أو العقل والنقل .
    والمناهج التفسيرية ـ حسب ما يتضح لنا من استعراض المراحل التاريخية للتفسير ـ تختلف باختلاف ما يستعين به المفسر من أدوات علمية مساعدة، وهي التي يسميها العلماء بعلوم الآلة. كما أنها تختلف باختلاف مصادر التفسير، وباختلاف الاتجاه الفكري والسياسي، واختلاف الواقع المعيشي لمفسر الذكر الحكيم، وهذا هو ما سنحاول الكشف عنه عند تحليلنا لأهم تفاسير الذكر الحكيم الحديثة .
    ولهم في تناول هذا العلم والكتابة فيه أربعة أساليب: 
    أولاً: التفسير التحليلي : 
    يتولى فيه المفسرون بيان معنى الألفاظ في الآية، وبلاغة التركيب والنظم، وأسباب النزول، واختلاف المفسرين في الآية، ويذكر حكم الآية وأحكامها، وقد يزيد بتفصيل أقوال العلماء في مسألة فقهية أو نحوية أو بلاغية، ويهتم بذكر الروابط بين الآيـات والمـنـاســبـات بين الـســور ونـحــو ذلك. وهذا اللون من التفسير هو أسبق أنواع التفسير وعليه تعتمد بقيتها، ويتفاوت فيه المـفـسـرون إطناباً وإيجازاً، ويتباينون فيه من حيث المنهج ، فمنهم من يهتم بالفقهيات ، ومنهـم من يهتم بالبلاغيات ، ومنهم من يطنب في القصص وأخبار التاريخ ، ومنهم من يستطرد فـي سرد أقوال السلف ، ومنهم من يعتني بالآيات الكـونـيـة أو الصور الفنية أو المقاطع الوعـظـيـة أو بيان الأدلة العقدية. وبذلك يكون هذا اللون من التفسير هو الغالب على تواليف العلماء وأكثر كتب التفسير على هذا النمط. 
    ثانياً: التفسير الإجمالي : 
    وهو بيان الآيات القرآنـيــة بالتعرض لمعانيها إجمالاً مع بيان غريب الألفاظ والـربــط بين المعاني في الآيات متوخياً فـي عرضها وضعها في إطار من العبارات التي يصوغها مـن لفظه ليسهل فهمها وتتضح مقاصدها، وقد يضيف ما تدعو الضرورة إليه من سبب نزول أو قصة أو حديث ونحو ذلك. 
    وهذا اللون أشبه ما يكون بالترجمة المعنوية للقرآن الكريم،وهو الذي يستخدمه من يتحدث بالإذاعة والتلفاز لصلاحيته لعامة الناس ومن أمثلته (تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي ). 
    ثالثاً: التفسير المقارن : 
    وهـــو بـيــــان الآيات القرآنية باستعراض ما كتبه المفسرون في الآية أو مجموعة الآيات المترابطة، والموازنة بين آرائهم ، وعرض استدلالاتهم ، والكرّ على القول المرجوح بالنقض وبيان وجهه ، وتوجيه أدلته ، وبيان الراجح وحشد الأدلة وغير ذلك. 
    رابعاً: التفسير الموضوعي : 
    وهذا اللون من التفسير هو مجال بحثنا، ومدار حديثنا، ولأجله كتبت هذه الخلاصة: 
    أولاً: تعريفه : 
    يتألف مصطلح (التفسير الموضوعي ) من جزأين ركبا تركيباً وصفياً فنعرف الجزأين ابتداء ثم نعرف المصطلح المركب منهما. 
    فالتفسير لغةً : من الفسر وهو كشف البيان ، قال الراغب : "هو إظهار المعنى المعقول ". 
    واصطلاحاً: الكشف عن معاني القرآن الكريم.. 
    والموضوع لغةً: مــن الـوضـع ؛ وهو جعل الشيء في مكان ما، سواء أكان ذلك بمعنى الحط والخفض ، أو بمعنى الإلقاء والتثبيت في المكان ، تقول العرب : ناقة واضعة : إذا رعت الحمض حول الماء ولم تبرح ، وهذا المعنى ملحوظ في التفسير الموضوعي ، لأن المفسر يرتبط بمعنى معين لا يتجاوزه إلى غيره حتى يفرغ من تفسير الموضوع الذي أراده. 
    أما تعريف (التفسير الموضوعي ) علماً على فن معين ، فقد عرِّف عدة تعريفات نختار منها ما نظنه أجمعها وأخـصـــرهـا وهو: علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر.. 

    ثانياً: نشأة التفسير الموضوعي
    لم يظهر هذا المصطلح عَلَمَاً على علم معين إلا في القرن الرابع عشر الهجري ، عندما قُرِّرت هذه المادة ضمن مواد قسم التـفـسـير بكلية أصول الدين بالجامع الأزهر، إلا أن لبنات هذا اللون من التفسير كانت موجودة مـنــذ عهد النبوة وما بعده ، ويمكن إجمال مظاهر وجود هذا التفسير في الأمور التالية : 
    1- تفسير القرآن بالقرآن : لا ريب أن تفـسـيـر الـقـرآن بالقرآن هو لب التفسير الموضوعي وأعلى ثمراته. وجميع الآيات التي تناولت قضية واحــدة والجمع بين دلالاتها والتنسيق بينها كان أبرز ألوان التفسير التي كان النبي -صلى الله عـلـيــــه وسلم- يربي أصحابه عليها، فقد روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسر مفاتح الغيب في قوله تـعـالـى: ((وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ))[الأنعام 59] ، فـقــــال : مفاتح الغيب خـمـســة: ((إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ومَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان 34]. 
    ومن هذا القـبـيل ما كان يلجأ إليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من الجـمـع بين الآيات الـقـرآنية التي يُظنُّ بينها تعارضٌ. وقد وضع العلماء بعده قاعدة في أصول التـفـسير تقتضي بأن أول مــا يرجع إليه المفسر القرآن الكريم ، إذ ما أجمل في مكان قد فصل في آخر، وما أطــلـق فـي آيــة إلا قد قيد في أخرى، وما ورد عاماً في سورة، جاء ما يخصصه فـي سورة أخــرى، وهــذا اللون من التفسير هو أعلى مراتب التفسير وأصدقها إذ لا أحد أعلم بكلام الله من الله. 
    2- آيات الأحكام : قام الفقهاء بجمع آيات كل باب من أبواب الفقه على حدة، وأخذوا في دراستها واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما يظهر التعارض ، وذكروا ما نص عليه ومـــــا استنبط من القرآن بطريق الإشارة والدلالة الخفية، ونحو ذلك ، وكله داخل تحت مسمى التفسير الموضوعي. 
    3- الأشـبــاه والنظائر: وهو اتجاه نحاه بعض العلماء في تتبع اللفظة القرآنية، ومـحـاولة مـعـرفة دلالاتـهـــا المختلفة، مثال ذلك : كلمة (خير) وردت في القرآن على ثمانية أوجه حـسـبـما ذكره الدامغاني في كتابه (إصلاح الوجوه والنظائر) ، وهي : المال : كقوله ((إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْراً))[البقرة 180] ، والإيمان كقوله : ((ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ))[الأنفال 23] ، والإسلام كقوله : ((مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ))[القلم 2] ، وبمعنى أفضل كقوله : ((وأَنتَ خَـيْــرُ الرَّاحِمِينَ))[المؤمنون 109]، والعافية كقوله : ((وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُـــــوَ وإن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[الأنعام 17]، والأجر كقوله : ((لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ))[الحج 36]، والطعام كقوله : ((فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ))[ القصص 24]،، وبمعنى الظفر والغنيمة والطعن في القتال كقوله : ((ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً))[الأحزاب 25] 
    وهذا كما ترى لون من التفسير الموضوعي ، وهو أول وسيلة يلجأ إليها الباحثون في البحث عن مـوضـــوعات القرآن حيث يجمعون ألفاظ ذلك الموضوع من سور القرآن ثم يتعرفون على دلالة اللفظ في أماكن وروده. 
    4- الدراسات في علوم القرآن: اهـتــم العلماء بموضوعات علوم القرآن فأشبعوها، ومن بين هذه الموضوعات والدراسات،لون ينصبُّ على دراسة وجمع الآيات التي لها رابطة واحدة، كآيات النسخ والقسم والمشكل والجـــدل والأمثال وغير ذلك ، ومؤلفاتهم في ذلك يعز على الباحث حصرها وهي أشهر من أن تذكر. 
    كل هذه الأمور والحقائق تدلنا على أن التفـسـيـر الموضوعي ليس بدعاً من العلوم أفرزته عقول المتأخرين ، وغفلت عن الاهتمام به أفـهـام الأولين. لكن بروزه لوناً من التفسير له كيانه وطريقته لم يوجد إلا في العُصُر الأخيرة - تلبية لحاجات أهلها - التى وجد فيها من المذاهب والأفكار كما وجد فيها من الآراء والمــوضـوعـات ما اضطر علماء الشريعة إلى بحثها من وجهة النظر القرآنية ليقينهم بأنه الكتاب الـــــذي يحوي دراسة وعلاج كل موضوع يطرأ في حياة الناس ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ))[الملك 14] . 
    ومن ثم كثرت الدراسات القرآنية، وأصبحت المكتبة القرآنية تستقبل كل يوم مواداً جديدة من عالم المطبوعات ، ونظرة خاطفة إلى فهارس المكتبة تنبيك بكثرة ما كتب في هذا المجال ، وإن كان في الحقيقة قليلاً على مادة القرآن. ولشدة عناية الكاتبين بهذا الفن من التفسير قام جمع من الباحثين بخدمة هذا اللون من التفسير بوضع فـهـرســـة للقرآن على حسب الموضوعات منها ما هو في عداد المخطوطات ، ومنها ما طبع ككتاب المستشرق "جون لابوم " والذي عنوانه (تفصيل آيات القرآن الكريم )، وقد ترجمه إلى الـعـربـيـة محمد فؤاد عبد الباقي وترجم المستدرك الذي وضعه (إدوار مونتيه ) وخرجا في كتاب واحــد، وهو خطوة أولى في طريق طويل لا بد وأن تجد مستدركاً ومعقباً كعادة ما يكتب أولاً. 

    ثالثاً: ألوان التفسير الموضوعي : 
    الأول : أن يتتبع الباحث لفظة من كلمات القرآن الكريم ، ثم يـجـمــع الآيات التي ترد فيها اللفظة أو مشتقاتها من مادتها اللغوية. وبعد جمع الآيات والإحاطة بتفسيرها يحاول استنباط دلالات الكلمة من خلال استعمال القرآن الكريم لها. وقد أصبح كثير من الكلمات الـقـرآنية مصطلحات قرآنية كـ(الأمة، والجهاد، والذين في قلوبهم مرض، والخلافة.. )، وهذا اللون كما ترى قد اهتمت به كتب الأشباه والنظائر إلا أنها بقيت في دائرة الكلمة في موضوعها، ولكن يحاول مؤلفوها أن يربطوا بينها في مختلف السور، ممـا أبـقـى تفسيرهم للكلمة في دائرة الدلالة اللفظية.. 
    أما المعاصرون فقد تتبعوا الكلمة وحاولوا الربط بين دلالاتها في مختلف المواطن ، وأظهروا بذلك لوناً من البلاغة والإعـجـــاز القرآني ، وقد كان من نتائجها استنباط دلالات قرآنية بالغة الدقة، لم يكن بمـقـدورهم العثور عليها لولا انتهاجهم هذا السبيل ، ومـمــن اعتنى بهذا اللون من المـعـاصرين الدكتور أحـمد حسن فرحات في سلسلة سماها (بحث قـــرآنــي وضرب من التفسير الموضوعي ) أصــدر منها كتاب (الذين في قلوبهم مرض) ، و(فطرة الله التي فطر الناس عليها)، و(الأمة في دلالاتها العربية والقرآنية) وغيرها.. 
    الثاني : تحديد موضوع ما ، يلحظ الباحث تعرض القرآن المجيد له بأساليب متنوعة في الـعــــرض والتحليل والمناقشة والتعليق ، أو تطرأ مشكلة أو تطرح قضية فيراد بحثها من وجهة نظر قرآنية وهنا نشير إلى عجيبة من عجائب القرآن الكريم المعجزة، تدلنا على أن القرآن دستور حياة، ومنهج عمل ، فيه الشمول والعموم والكمال والبيان. 
    خلاصتها: أنه ليس بمستغرب أن يجد باحث اهتمام القرآن صريحاً بموضوع معين فيرى جوانب مـعـالجـــة الموضوع ودراسته في القرآن كافية وافية، ولكن الغريب حقاً أن تقترح موضوعاً فتلج إلى عـالــم القرآن كأنما أنزل فيه فيدهشك أن الموضوع قد استوفيت جوانب دراسته في القرآن كأنما أنزل القرآن من أجله. 
    وطريقة الكتابة في هذا اللون تتم باستخراج الآيات التي تناولت الموضوع ، وبعد جمعها والإحاطة بها تفسيراً وتـأمــلاً يحاول الباحث استنباط عناصر الموضوع من خلال ما بين يديه من آيات ، ثم ينسق بــيـن تلــك العناصر بحيث يقسمها إلى أبواب وفصول حسب حاجة الموضوع ويقدم لذلك بمقدمة حول أسلوب القرآن في عرض أفكار الموضوع. 
    ويكون منطلق العرض والاستدلال والــدراسة هو آيات القرآن الكريم لا غير، مع ربط كل ذلك بواقع الناس ومشكلاتهم ، وإن ذكر شيء من غير القرآن في الموضوع فيذكر من باب الاعتضاد لا الاعتماد. 
    وعلى الـبـاحـث أن يتجنب خلال بحـثـه التعرض للأمور الجزئية في تفسير الآيات ، فلا يـذكـــر القراءات، ووجوه الإعراب ونـحـــــو ذلك إلا بمقدار ما يخدم الموضوع ويتصل به اتـصـالاً أسـاسياً مباشراً. والباحث في كل ذلك يهتم بأسلوب العرض لتوضيح مرامي القرآن وأهدافه ومـقـاصـده ، ليتمكن القارئ من فهم الـمـــوضـوع وإدراك أسراره من خلال القرآن بجاذبية العرض الشائق وجودة السبك والحبك ورصانة الأسلوب ودقة التعبيرات ، وبيان الإشارات بأوضح الـعـبارات. وهذا اللون من التفسير الـمـوضوعي هو المشهور في عرف أهل الاختصاص ، وحتى أن اسم (التفسير الموضوعي ) لا يكاد ينصرف إلا إليه ، والمتتبع لهذا يجده جلياً، وسبب ذلك يتلخص في أمرين : 
    ا - غزارة الموضوعات التي طرقها القرآن وأشبعها دراسة وبحثاً. 
    2- تجــدد الموضوعـــات والمشكلات التي تحتاج إلى بحث من وجهة نظر قرآنية فالأولون صدروا مــن القرآن ، والآخـــرون وردوا إلى القرآن. وكلاهما بحر و لا ساحل له ، لا تكاد تنتهي موضوعاته أو تقـف عند حد. 
    3- البحـــث عن موضوع من خـــلال سورة من القرآن بتحديد الهدف الأساسي للسورة أو غيره من الأهداف ودراسته من خــلال تلك السورة. وهذا اللون شبيه بسابقه إلا أن دائرته أضيق. 
    وطريقة البحث فيه : أن يحدد الـبـاحث الهدف أو الأهداف الأساسية للسورة ثم يختاره أو يختار إحداها إن كانت ثمة أهداف مـتـعددة ثم يحاول إبراز عناصر بحث هذه السورة للموضوع وتـقـسـيـمـهـا وتبويبها، ثم يدرس عـــلاقة كل المقاطع بهذا الهدف بدءاً بمقدمة السورة، وانتهاءً بخاتمتها، مع التعرف على أسـباب نزولها، ومكان نزولها، وترتيبها من بـيـن ســـور القرآن ويبين علاقة كل ذلك بهدف السورة عنوان البحث ، وسيجد الباحث الصلة بـيــنــه وبين الرابطة جلية عند إحالة النظر وإمعان الفكر، وسيعلم أن للسورة هدفاً واضــحــــاً ترمي إلى إيضاحه وبيانه والاستدلال له وبه ، وتفصيل جوانبه وأبعاده ، وكل ســــورة من القرآن لها شخصية مستقلة تعلم عند البحث فيها، بل ويمكن أن يكون للسورة أهــداف متعددة بينها من الترابط والتعاضد والتداخل شيء يصعب معه التفريق بينهما أو إفراد إحداهما بالبحث مع إغفال البواقي. 
    وليعلم أنه ينبغي عند البحث في هذا اللون ألا ينطلق الباحث في دراسة موضوع السورة من آيــات لم ترد فيها، بل يـكـــون مـنطـلقه آيات ومباحث ومقاطع السورة وأما غيرها فتذكر استئناساً لا تأسيساً، وتوكيداً لا تأصيلاً، واستشهاداً لا استناداً. 
    وهذا اللــون ظفر بعناية القدماء بل جــــاءت في ثنايا تفاسيرهم الإشارات إلى بعض أهداف السورة ومحاولة الانطلاق منها لبيان تفسيرها، كالذي فعله البقاعي في كتابه (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور). وأما في العصر الحديث فقد أولع به سيد قطب في تفسيره (الظلال) حيث يقدم لكل سورة ببيان أهدافها الرئـيـسـية أو هدفها الوحيد، وينطلق في باقي تفسير السورة من خلال هذا المحور الذي تتحدث السورة عنه، وقد أفردت بحوث كثيرة في هذا اللون من التفسير الموضوعي منها سلسلة (من مواضيع ســــور القرآن ) التي يكتبها الشيخ (عبد الحميد طهماز) وقد صدر منها (العواصم من الفتن في سورة الكهف ). 
    رابعاً: أهمية التفسير الموضوعي : 
    ويمكن تلخيص أجدر جوانبها في الأمور التالية: 
    الأول : إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم ، فـكـلـمـا جَدّت على الساحة أفكار جديدة - من مُعطيات التقدم الفكري والحضاري - وجدها المفسر جلية في آيات القرآن لا لبس فيها ولا غموض بعد تتبع مواطن ذكرها في القرآن، فيسجل عندها سبق القرآن إليها، ويدلل بذلك على كونه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه ودلائل إعجازه. 
    الثاني : التأكيد على أهمية تفسير القرآن بالقرآن ، الذي هو أعلى وأجل أنواع التفسير، إذ قد يوجد من لا يلجأ إلى القرآن عند إرادة إيضاحه وتفسيره لقصور فيه أو تقصير منه ، وبالتفسير الموضوعي ندرك أهمية هذا اللون من التفسير فتزداد عنايتنا به، وتـتـعـاضـــد جهودنا لبيانه ، فَنُكفى بذلك الوقوف عند كثير من مشكل القرآن أو مواطن الخلاف بين علماء الأمة في تفسير آياته ، لورود ما يوضح المراد ويشفي العليل ويروي الغليل بالقرآن نفسه. 
    الثالث : إن تجدد حاجة البشرية، وبروز أفكار جديدة على الساحة الإنسانية وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة لا يمكن تغطيتها ولا رؤية الحلول لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم. إذ عندما نجابه بنظرة جديدة أو علم مستحدث فإننا لا نقدر على تحديد الموقف من هذا العلم وتلك النظرية وحل المشكلة القائمة، وبيان بطلان مذهب إلا عن طريق تتبع آيات القرآن ، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كل أولئك. 
    إن جمع أطراف موضوع ما من خلال نصوص القرآن والسنة يمكن الباحث من القيام بدور اجـتهــادي للتوصل إلى تنظير أصول لهذا الموضوع ، وعلى ضوء هدايات القرآن ومقاصده نستطيع معالجة أي موضوع يَجدّ على الساحة. 
    الرابع: إثــراء الـمعلومات حول قضية معينة. غالباً ما يُطرح موضوع أو قضية أو فكرة أو مشكلة للبحث ويبقى أيُّ من ذلك محتاجاً إلى إشباع البحث ومزيد الدراسة، ويتم تحقيق ذلك من خلال التـفـسـيـــر الـمـوضـوعـي بحيث تتبين لذوي الشأن أدلة جديدة، ورؤى مستفيضة، وتفتيق لشيء من أبعاد القضية المطروحة. 
    الخامس : تأصيل الدراسات أو تصحيح مسارها : 
    لقد نالت بعض علوم القرآن حظاً وافــــــراً من البحث والدراسة، إلا أن هناك علوماً أخر برزت جديدة تحتاج إلى تأصيل بضبط مسارها حتى يؤمن عثارها مثل (الإعجاز العلمي في القرآن )، فـقـد كثر الكاتبون حوله إلا أنه بحاجة ماسة إلى ضبط قواعده لِيُتَجَنَب الإفراط فـيـــه أو التفريط ، وهذا إنما يتم عبر دراســـــة موضوعية لآيات القرآن وهداياته في هـذا المجال. 
    وهناك علوم ودراسات قائمة منذ القدم لكن الـمـســــار الذي تنتهجه يحتاج إلى تصـحـيح وتعديل ، وإعادة تقويم كعلم التاريخ الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرض لسنن الله في الكون والمجتمع ، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكل واضح ، وهناك انحرافات مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نص عـلـيـه في القرآن الكريم ، ولن يتم تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلا بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها..