-->

محاضرة أشخاص القانون الدولي العام

محاضرة أشخاص القانون الدولي العام
    محاضرة أشخاص القانون الدولي العام
    أشخاص القانون الدولي

    أشخاص القانون الدولي العام :
    يخاطب القانون الدولي العام عدداً من أشخاصه كالدول والمنظمات الدولية وغيرهما ولبيان وصف هؤلاء الأشخاص لابد من التطرق إلى مفهوم الشخصية القانونيـــــــة الدولية .
    ماهية الشخصية القانونية الدولية
     من المسلم به أن وظيفة القاعدة القانونية تقرير حقوق أو فرض التزامات فــي الحالات التي تحدث فيها وقائع معينة ، ومن تقرر له القاعدة القانونية حقاً أو تفرض عليه التزاماً فهو المخاطب بهذه القاعدة ويسمى أو يطلق عليه الشخص القانونــــي . ومن الطبيعي أن يكون لكل نظام قانوني أشخاص تخاطبهم قواعده فترتب لهـــــــــم الحقوق وتفرض عليهم الالتزامات ، وهؤلاء الأشخاص هم أعضاء الهيئة التـــــــي ينظمها ويحكمها هذا النظام القانوني . فالشخصية القانونية ، هي التعبير عن العلاقة التي تقوم بين وحدة معينة ونظام قانوني محدد . ويترتب على ذلك أن الأشخــــاص القانونية لا توجد في نظام قانوني معين بطبيعتها وانما بفعل هذا النظام وفي الدائـرة التي يقوم برسمها . وقد تكون الوحدة المعينة شخصاً في نظام قانوني ما ، ولكن هذا لا يستتبع بالضرورة – أن تكون شخصاً قانونياً في نظام قانوني آخر . ذلك لأن كــل نظام قانوني يستقل بتعيين أشخاصه - . كما انه من الممكن أن تكون الوحدة المعيـنة شخصاً قانونياً في اكثر من نظام قانوني نتيجة لاكتسابها هذا الوصف في هذه النظـم عن طريق الاعتراف بالأهلية القانونية لها ، وعندئذ تكون هذه الوحدة المعينة محـلاً للتكليف بالقدر والأوصاف وفي الحدود التي يقوم بتعيينها كل نظام من هذه الأنظمـة القانونية . بيد أن هناك فريق من الفقهاء يرى انه لا يكفي لأثبات الشخصية القانونية لوحدة معينة أن تكون لها حقوق ، أو تقع على عاتقها التزامات بمقتضى نظام معين بل يضيفون إلى ذلك شرطاً آخر هو أن يعترف القانون الوضعي مبـاشـرة بـتـلــــك الحقوق والالتزامات للوحدة القانونية .
    واسترشاداً بما تقدم يمكن القول إن الشخصية القانونية تكمُن في القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية من رفع دعاوى لها أو عليها في حالة إخلالها بحقوق الغير . وكما هو معروف فقد كان القانون الدولي العام حتى بداية القرن العشرين يعتبر أن الدول وحدها هي التي تتمتع بالشخصية القانونـيــــــة الدولية ، لأن هذا القانون لم يكن لينظّم إلا علاقات الدول فيما بينها ، ولأن الـــــدول هي التي كانت تملك سلطة التصرف على الصعيد الدولي . ومع ذلك فقد بدأ الـفـقـــه الدولي وتحت ضغط الوقائع التي ترجع إلى ظهور متزايد لوحدات فــي الـمـجـتـمــع الدولي تقوم بدور فعّال في ميدان العلاقات الدولية من ناحية ، والى تدخل القانــــون الدولي لحماية الفرد ضد دولته من ناحية أخرى ، الأمر الذي اضطر الـفـقـــــــه إلى العمل على توسيع دائرة سريان القانون الدولي من حيث الموضوع ، وبالـتــالـــــــي الاعتراف بالشخصية القانونية لوحدات أخرى غير الدول متمثلة في المنظمات الدولية والأفراد .   

    الدولة وعناصرها :
    الدولة باعتبارها ظاهرة تمثل مرحلة تاريخية من مراحل حياة الإنسان ، حياة اجتماعية لا تزال تحظى باهتمام علم التاريخ والاجتماع والسياسة والقانون . والدولة بوصفها شخص القانون الدولي الرئيس في الماضي والحاضر ، انصب اهتمام القانون الدولي العام عليها ولا يزال . وعلى هذا الأساس سننطلق في دراستنا للدولة من زاوية محددة لا تتعدى نطاق أحكام القانون الدولي وقواعده ، متجنبين تناول هذا الموضوع من وجهة نظر الدراسات الدستورية المنصبّة اساساً على البحث في تكوين السلطة السياسية ووظائفها في المجتمع وتبيان العلاقة بينها وبين الأفراد . وعليه فان الذي يهمنا من دراسة الدولة في ضوء أحكام القانون الدولي وقواعده هو تحديد معناها وبيان عناصرها وأشكالها وموضوع الاعتراف بها . ويمكن تعريف الدولة بأنها ( مجموعة من الأفراد يقيمون–على سبيل الاستقرار – في إقليم محدد ، ويخضعون لسلطة حاكمة ، لها السيادة على الإقليم وعلى أفراد المجتمع )     يستخلص من هذا التعريف انه يشترط توافر ثلاثة عناصر أساسية للقول بوجود الدولة هي : الشعب والإقليم والسلطة أي الحكومة ، فإذا فُقد عنصر من هذه العناصر فانه لا يمكن القول بوجود الدولة من وجهة نظر القانون الدولي .
    الشعب : 
    الشعب هو مجموع من الأفراد من الجنسين – حتى يتحقق له استمرار البقاء – الذين يعيشون في إقليم الدولة ويرتبط بها برابطة سياسية وقانونية . فوجود الشعب عنصر ملازم لقيام الدولة مع ما يستتبع ذلك من اختصاصات في إطار السيادة الإقليمية . فليس من المتصور الحديث عن دولة بدون توافر عنصر الشعب ، وليس من المنطق في شيء قيام دولة في إقليم مهجور .  
    الإقليم :
     ينصرف اصطلاح إقليم الدولة إلى ذلك الجزء من الكرة الأرضية الذي تمارس الدولة عليه سيادتها ويقطن فيه سكانها ويسوده سلطانها . وهو يتكون من الأرض واليابسة وما يعلوها من الفضاء وما يحيطها من الماء . والعنصر الأصلي فيه هو القطاع اليابس ، إذ لا يوجد ولم يوجد من قبل إقليم بالمعنى المفهوم في القانون الدولي يتكون من عنصر الفضاء وحده أو من عنصر الماء . والإقليم أساسي في قيام الدولة ، ذلك إن مجموع الأفراد المكونين لعنصر الشعب لا يمكن أن يكون له كيان مستقل ما لم يقيموا في إقليم معين . فضلاً عن انه شرط جوهري لاكتساب الدولة الشخصية القانونية ، ذلك لان هذه الشخصية تقتضي وجود القدرة على التصرف في نطاق إقليم معين يقيم فيه الشعب بصورة دائمة ، وفي ضوء ذلك لا يتمتع بوصف الدولة القبائل الرحل التي لا تستقر في إقليم على الدوام .
    اولاً – صفات الإقليم :
     في مفهوم الدولة الحديث يجب توافر الصفات التالية في الإقليم :
      1.رقعة من اليابسة ، ولا يشترط القانون الدولي في هذه الرقعة مساحة معينة ، فلا يوجد في القانون الدولي حد أدنى مطلوب توافره في هذا الشأن . فقد تكون هذه الرقعة كبيرة جداً كما هو الحال في إقليم الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية والصين ، وقد تكون رقعة الإقليم صغيرة جداً بحيث لا تتجاوز بضعة كيلو مترات كما هو الحال في إمارة موناكو وسان مارينو واندروه و البحرين . إلا انه من الناحية الواقعية فان اتساع رقعة اليابسة تمنح الدولة قوة وفعالية من مختلف النواحي لكن ضيق هذه الرقعة لا يؤثر في وجودها وتمتعها بالشخصية القانونية الدولية .
      2. ليس شرطاً أن تكون رقعة الإقليم متصلة الأجزاء ، فقد يكون إقليم الدولة منفصلاً من بعض أجزائه عن بعض كما هو الحال في إندونيسيا والفلبين ، إذ يتكون الإقليم من مجموعة جزر متناثرة . كما انه قد يقع إقليم الدولة في قارات مختلفة كما هو الحال بالنسبة لتركيا .
      3. الثبات ، بمعنى إن شعب الدولة يقيم فوق أرضها من اجل الحياة الدائمة المستقرة وينبني على ذلك أن القبائل الرحل الذين يستقرون على أراضي الدولة بصورة مؤقتة ثم ينزحون عنها ، لا يصدق عليهم وصف الدولة ، وذلك لعدم استقرارهم في إقليم معين على الدوام .
      4.التحديد ، بمعنى أن يكون الإقليم محصوراً ضمن حدود واضحة المعالم ، ويتحدد ذلك بمدى سريان سيادة الدولة أو اختصاصها ، وعليه فلا عبرة للنظرية التي تبنتها روسيا السوفييتية في دستورها الأول في العام 1923م و أغفلها دستورها الصادر في العام 1936م والمعروفة بنظرية الإقليم المتموّج . ولا عبرة كذلك بالمذهب النازي الذي كان يتبنى نظرية المجال الحيوي التي كانت تنطلق من السماح للدولة بالتوسع في حدودها على حساب الدول المجاورة لإيجاد مجال حيوي يتناسب مع قوة شعب تلك الدول وحيويته ، للحصول على حاجاته الضرورية .
    ثانياً- عناصر الإقليم :
    يتكون الإقليم من عناصر ثلاث هي :
      1.الإقليم البري ، وهو ذلك الجزء اليابس من الأرض الذي تضمه حدود الدولة وما ينطوي تحته أو يقوم عليه من معالم الطبيعة الجغرافية مثل الجبال والصحارى والبحيرات والقنوات والأنهار التي تقع بأكملها في إقليم الدولة تعد أجزاء من هذا الإقليم . والشرط اللازم لاعتبارها كذلك وقوعها بأكملها داخل حدود الدولة .
      2.الإقليم البحري ، هو ذلك الجزء من إقليم الدولة الذي تغمره المياه ، وينقسم إلى قسمين ؛ مياه داخلية ، أي المساحات البحرية التي تضم الموانئ والمضايق وكل المياه الموجودة قبل الخط الأساسي للمياه الإقليمية وتباشر عليه الدولة جميع الحقوق المتفرعة عن سيادتها ، أما المياه الإقليمية فهي ؛ التي تباشر عليها الدولة سيادةً كاملة باستثناء قيد المرور البري للسفن الأجنبية .
      3. الإقليم الجوي ، ويشمل طبقات الجوالتي تعلو إقليمي الدولة البري والبحري .
    ثالثاً- تحديد نطاق الإقليم :
    يتم تعيين إقليم الدولة عن طريق خطوط تسمى بالحدود . ويقصد بحدود الدولة الخطوط التي تحدد المدى الذي تستطيع الدولة ممارسة سيادتها فيه ، إذ تبدأ عندها سيادة الدولة صاحبة الإقليم وتنتهي سيادة غيرها ، وتنتهي وراءها سيادتها وتبدأ سيادة غيرها من الدول .
    i- الحكومة
     إن الشعب والإقليم بدون حكومة لا يشكلان وحدهما دولة ، ولا دولة بدون حكومة . والدولة مجتمع سياسي ، وأي مجتمع سياسي يحتاج إلى سلطة منظمة تمارس صلاحيات الحكم فيه . وتتجسد الحكومة بالسلطات العامة المنظمة القادرة على القيام بوظائف الدولة في الداخل والخارج . وحيث أن الدولة شخص اعتباري لابد من وجود من يمثله ويعبر عن إرادته . وهكذا تعد الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية عناصر لازمة لأمكان ممارسة الدولة لصلاحياتها . وتؤخذ الحكومة في النطاق الدولي بالمعنى الواسع فهي لا تنحصر في السلطة التنفيذية وحسب وانما في مجموع السلطات العمومية ايضاً التي تؤلف تنظيماً حكومياً يتولى الأشراف على الشعب والإقليم وادارة المرافق العامة اللازمة لحفظ كيانها وتحقيق استقرارها ونموها بما تملكه من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية . ويجب أن تتوافر عدة شروط في الحكومة ، هي الفعلية ، السيادة والاستقلال .
     1. الفعلية :
     يقصد بشرط الفعلية ، وجود سلطة قادرة على إقامة نظام قانوني نافذ في نطاق إقليم الدولة بكامله ، وقادرة على الوفاء بالالتزامات التي يفرضها القانون الدولي عليها . وفي حالة حدوث تغييرات في تنظيم السلطات العامة أو في الأشخاص القائمين بها ، فالذي يهم القانون الدولي في مثل هذه الأوضاع قيام السلطات العامة الجديدة في الدولة فعلاً بالواجبات التي يفرضها القانون الدولي على الدولة . وتوضيح ذلك ، هو أن الدولة – كما هو معروف – باقية في جوهر كيانها مهما حدث في داخلها من تغييرات في تنظيم السلطة أو في أشخاص القابضين عليها. وهذا ما يلق عليه مبدأ استمرارية الدولة أو وحدة هويتها ، رغم التغيير الذي قد يطرأ على السلطة وأشخاص الحاكمين . كذلك فان الفعلية تفترض الشمولية والمانعية ، بمعنى أن يكون سلطان حكام الدولة شاملاً كامل الإقليم ومن عليه بشكل مانع ، أي لا يشاركها فيه مشارك . كما أن القانون الدولي لا يعني بالأساس الدستوري أو الشرعي للسلطة ولا بالشكل السياسي للحكم ، ولا في الفلسفة السياسية للسلطة ولا بعلاقة المواطنين بها . ذلك لان المبدأ هو حرية اختيار شكل الحكم وللدول أن تختارما تشاء من أشكال الحكم شريطة أن لا يمس حقوق الدول الأخرى أو يتعارض مع الثوابت في الحضارة الدولية . وكل ما يعني القانون الدولي– في هذا المجال – هو استمرار وجود السلطة عن طريق قيامها فعلاً باختصاصات الدولة الكفيلة ببقائها واستمرارها .
      2.  السيادة و الاستقلال      
    السيادة والاستقلال مصطلح يستعمل للدلالة على حق الدولة بأن تتخذ أي قرار تراه دون أن تخضع لسلطة خارجية ، مع تقيّدها بالالتزامات المنبثقة عن قواعد القانون الدولي . وقد ظهرت فكرة السيادة في البداية كمبدأ أساسي يجعل من الملك صاحب كل السلطات في مملكته . وعرفها المفكّر الفرنسي ( جان بودان ) بأنـــها (السلطة العليا على المواطنين التي لا تخضع للقوانين ) . واعتبرت السيادة فيما مضى سلطة مطلقة لا يقيّد الدولة في ممارستها غير أرادتها . وبقيت هذه الفكرة سائدة إلى عهد قريب ، وقد ترتب على هذا المفهوم نتائج خطيرة أدت إلى اشتعال الحروب بشكل مستمر ، كما أن الدول لم تعرف فيما بينها علاقات التعاون وكانت الريادة دائماً للدولة القوية ، ومثل هذا الوضع لم يساعد على إيجاد قواعد قانونية دولية لتنظيم علاقات الدول وضبطها . ونتيجة لتطور العلاقات الدولية تطور مفهوم السيادة واصبح ذا معنى قانوني ، ووجدت قواعد قانونية تحكم هذه العلاقات بين الدول ، وفي ضوء هذه التغييرات الجديدة اصبح يُنظر للسيادة من خلال هذه القواعد ، وغدت الدول تتقيد في تصرفاتها بما للدول الأخرى من حقوق يتعين عدم الإخلال بها في ضوء قواعد القانون الدولي . ومثل هذا التقيّد في تصرفات الدولة ليس فيه انتقاص من هذه السيادة ، وذلك لأن هذا التقيد عام يشمل الدول كافة وفي صالحها جميعاً ، والسيادة لا تتنافى مع الخضوع للقانون ، إنما الذي يتنافى معها هو الخضوع لارادة دولة أخرى . ولا يزال مبدأ السيادة من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي المعاصر ، بل ومن المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها النظام الدولي الراهن ، وهذا ما تضمنه مضمون المادة الثانية / الفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي جاء بها ( تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها) .  ويرتبط مبدأ السيادة بمبدأ الاستقلال ، وقد أكدت على ذلك القرارات الصادرة عن القضاء الدولي التي شدّدت على  مبدأ السيادة وتماثله بالاستقلال ، ففي قضية جزيرة (( بالماس)) صرح المحكم (( ماكس هوبر )) ( إن السيادة في العلاقات القائمة بين الدول تفيد استقلالهم ) .

    ii-  صفات السيادة
    لابد من توافر صفات معينة في السيادة هي 
    1.   وحدة السيادة ، بمعنى أن السيادة هي بحكم الضرورة ولاية الدولة في حدود إقليمها ولاية انفرادية يتوجب على الدول الأخرى احترامها . وقد أكدت محكمة العدل الدولية على ذلك في الحكم الذي أصدرته في قضية مضيق كورفو في العام 1949م بقولها ( إن احترام السيادة الإقليمية بين الدول المستقلة يعد أساسا جوهرياً من أسس العلاقات الدولية ) .
    2.   السيادة لا تقبل التجزئة ، يعني أنها لا تتعدد . وحتى في الدول المركبة ( أي الاتحادية ) فان السيادة تبقى واحدة بيد السلطة المركزية وكل ما هنالك هو تعدد مراكز ممارسة السيادة بين السلطة المركزية والسلطات المحلية في هذه الحالة .
    3.   السيادة لا تقبل التصرف ، أي عدم جواز التنازل عنها ، لأن الدولة التي تتنازل عن سيادتها تفقد وصفاً لشخصية الدولة القانونية .
    4.   واخيراً ، فان التقادم المكسب والتقادم المسقط لا محل لهما في نقل السيادة من دولة إلى أخرى ، فالسيادة لا تكتسب بمجرد مرور الوقت ولا تسقط لعدم ممارستها بالمدة الطويلة .
    التمييز بين السيادة ومظاهرها
          يتعين عدم الخلط بين السيادة كوضع قانوني وبين ممارستها في مختلف مضاهرها من الناحية الواقعية ، ذلك أن هناك دولاً تتولى إدارة شؤونها كلها أو بعضها دول أجنبية . ومثل هذا الوضع لا يؤدي إلى تجريد هذه الدولة من سيادتها ، بل على العكس تبقى محتفظة بشخصيتها الدولية المتميزة عن شخصية الدولة التي تتولى الإدارة والإشراف نيابةً عنها وهناك أمثلة كثيرة على مثل هذه الحالة ، منها البلاد المشمولة بنظام الوصاية ، حيث إنها تظل محتفظة بسيادتها القانونية على الرغم من تولي الدول ذات الولاية عليها ممارسة كل أو بعض مظاهر هذه السيادة ومن ذلك ايضاً ، انه في حالة الاحتلال الحربي تباشر سلطات الاحتلال السلطة الفعلية على الأراضي المحتلة ، إلا أن السيادة – كوضع قانوني – تظل محفوظة للدولة صاحبة الإقليم الأصلية .
    مظاهر السيادة    
    كنتيجة طبيعية لتوافر عنصر السيادة أو الاستقلال ، يكون للدولة الحق في مباشرة الاختصاصات المتعلقة بوجودها كافة كدولة على الصعيدين الداخلي و الخارجي .
    1.   المظهر الداخلي : ويتمثل في حرية الدولة في تصريف شؤونها الداخلية وتنظيم مرافقها العامة وفرض سلطاتها كافة على ما يوجد في إقليمها من أشخاص واموال وحقها في التشريع والقضاء .
    2.   المظهر الخارجي : ويتجلّى في أن تتولى الدولة إدارة علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى بإرادتها الحرة النابعة من ذاتها دون أن تخضع لسلطة أجنبية فتتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول الأخرى وتشترك في المؤتمرات وتبرم المعاهدات وتنضم إلى المنضمات الدولية أو الإقليمية إلى غير ذلك من ممارسة النشاطات الدولية الخارجية .

     * أشخاص القانون الدولي الآخرون:
     * المنظمات الدولية: (Organisitions Internationales)
    المنظمات الدولية هي (هيئات تنشئها مجموعات من الدول بإرادتها للأشراف على شأن من شؤونها المشتركة، وتمنحها اختصاصات ذاتية تباشرها هذه الهيئات في المجتمع الدولي، وفي مواجهة الدول الأعضاء نفسها). والمنظمات الدولية تشمل: المنظمات العالمية كعصبة الأمم في الماضي والأمم المتحدة في الوقت الحاضر، والمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية...، والمنظمات المتخصصة كمنظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.
    الاعتراف بالشخصية القانونية للمنظمات الدولية:
    إن الاعتراف للمنظمات الدولية بالشخصية الدولية، لم يتم إلا بعد مناقشات فقهية طويلة في مفهوم الشخصية الدولية. فقد أنكر الفقهاء الأولون تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية، وأكدوا إن الدولة هي شخص القانون الدولي الوحيد. أما المنظمات الدولية فهي في نظرهم مجرد علاقة قانونية وليست شخصاً قانونياً.
    غير أنه منذ القرن التاسع عشر، أخذ الفقهاء يغيرون موقفهم ويعترفون بوجود جماعات وهيئات غير الدول تتمتع بالشخصية القانونية الدولية وتخضع للقانون الدولي العام.
    ولا يوجد اليوم شك في تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية، لاسيما بعد أن اعترفت محكمة العدل الدولية بالشخصية القانونية للأمم المتحدة في رأيها الاستشاري الذي أصدرته في 11/4/1949، بخصوص التعويضات عن الأضرار الناجمة عن الخدمة في الأمم المتحدة (قضية مقتل (الكونت برنادوت) وسيط الأمم المتحدة في فلسطين على أيدي العصابات الإسرائيلية).
    وقد جاء في هذا الرأي الاستشاري (إن خمسين دولة، تمثل الأكثرية الواسعة من أعضاء المجتمع الدولي تملك، وفق القانون الدولي، صلاحية خلق كيان يتمتع بشخصية دولية موضوعية، وليس مجرد شخصية معترف بها من جانبهم فحسب). وأكدت المحكمة (إن تمتع الأمم المتحدة بشخصية دولية لا غنى عنه لتحقيق مقاصد الميثاق ومبادئه، وان وظائف المنظمة وحقوقها لا يمكن أن تفسر إلا على أساس تمتعها بقسط كبير من الشخصية الدولية).
    كما إن المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية تنص صراحة على تمتعها بالشخصية القانونية الدولية. فقد نص ميثاق الأمم المتحدة في المادة (104) على أن (تتمتع الهيئة في بلاد كل عضو بالأهلية القانونية التي يتطلبها قيامها بأعباء وظائفها وتحقيق مقاصدها). وتتمتع المنظمة أيضا في أرض كل عضو من أعضائها بالامتيازات والحصانات الضرورية لتحقيق أهدافها وكذلك يتمتع أعضاء الأمم المتحدة وموظفو المنظمة بالامتيازات والحصانات الضرورية لكي يمارسوا باستغلال وظائفهم بالنسبة للمنظمة.
    وبناء على التفويض الوارد في الفقرتين الأولى والثانية من المادة (105) من الميثاق، عقدت الأمم المتحدة في 13/2/1949، اتفاقية بشأن مزايا وحصانات الأمم المتحدة وقد وافقت عليها الدول الأعضاء. وتنص المادة الأولى من الاتفاقية على أن تتمتع الأمم المتحدة بشخصية قانونية، فلها حق التعاقد والتقاضي وشراء وبيع العقارات والمنقولات. كما فصلت المواد الأخرى الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الأمم المتحدة وموظفيهم في أراضي الدول الأعضاء.
    ونص ميثاق جامعة الدول العربية في المادة (14) على أن (يتمتع أعضاء مجلس الجامعة وأعضاء لجانها وموظفوها الذين ينص عليهم في النظام الداخلي بالامتيازات والحصانات الدبلوماسية أثناء قيامهم بعملهم. وتكون مصونة حرمة المباني التي تشغلها هيئات الجامعة). ولقد فصلت هذه الامتيازات والحصانات اتفاقية امتيازات وحصانات جامعة الدول العربية، التي صدق عليها مجلس الجامعة في 9/5/1953. وتنص المادة الأولى من الاتفاقية على أن تتمتع جامعة الدول العربية بشخصية قانونية، فلها أهلية تملك الأموال الثابتة والمنقولة والتصرف بها، وأهلية التعاقد، وأهلية التقاضي، كما بينت المواد الأخرى الحصانات التي تتمتع بها الجامعة وموظفوها.
    وأخيراً فأن ما ذكرناه عن الشخصية القانونية للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ينطبق كذلك على المنظمات المتخصصة.
    شروط تمتع المنظمات الدولية بالشخصية الدولية:
    يلزم لتمتع المنظمات الدولية أو الإقليمية بالشخصية الدولية توافر شروط ثلاثة:
    1- أن يكون للمنظمة حق تكوين أرادة ذاتية مستقلة عن أرادة الدول الأعضاء، ويكون ذلك عن طريق مجالسها وجمعياتها التي تصدر قراراتها بالأغلبية أو بالإجماع.
    2- أن يكون للمنظمة المنشأة اختصاصات محددة لا تظهر شخصيتها الدولية إلا في حدودها.
    3- أن تعترف الدول الأخرى صراحة أو ضمناً، بالشخصية الدولية للمنظمة. ويكون ذلك بقبول هذه الدول الدخول معها في علاقات دولية.
     * الاتجاهات الفقهية:
    أولاً: المذهب التقليدي:
    يذهب فقهاء هذا المذهب إلى أن القانون الدولي ينظم علاقات الدول فقط، ولا شأن له بالأفراد. فالدولة في نظرهم هي الشخص الوحيد للقانون الدولي. أما الأفراد فلا مكان لهم بين قواعد هذا القانون، وأن ما يتمتع به الفرد من حقوق أو ما يلتزم به من واجبات يعود إلى اختصاص القانون الداخلي. وقد عبر عن هذا المذهب الفقيه الإيطالي (انزلوتي) بقوله: (ان الدولة فقط هي أشخاص القانون الدولي، أما الأفراد فانهم أشخاص القانون الداخلي)
    وعلى ذلك فان الفرد - بموجب هذا المذهب - لا يتمتع بالشخصية الدولية، ولا يستطيع الاشتراك بطريقة ما في العلاقات الدولية، وان قواعد القانون الدولي لا يمكن أن تنطبق عليه مباشرة.
    ثانياً: المذهب الواقعي:
    يذهب فقهاء هذا المذهب إلى أن الفرد هو الشخص الوحيد للقانون الدولي كما في أي قانون آخر. وان الدولة ليست من أشخاص القانون الدولي وانما الأفراد وحدهم أشخاص هذا القانون.
    ولهذا فان قواعد القانون الدولي تخاطب الأفراد مباشرة سواء أكانوا حكاماً للدولة وهذا هو الوضع الشائع، كما أنها قد تخاطب المحكومين إذا ما تعلق الأمر بمصالحهم الخاصة.
    وبما أن الدولة تتكون من الأفراد المنتمين لمجتمع وطني، فان المجتمع الدولي يتكون من الأفراد المنتمين للمجتمعات الوطنية المختلفة، وان الدولة ما هي إلا وسيلة قانونية لأدارة المصالح الجماعية لشعب معين.
    لاشك ان كلا المذهبين لا يخلو من وجاهة، وان كان كل منهما يمثل تصوراً معيناً للحقائق الدولية. فأذا كان صحيحاً أن الفرد هو المخاطب الحقيقي بأحكام القانون الدولي، وهو بهذا يعتبر - من حيث الواقع - شخص القانون الدولي، فانه صحيح كذلك أن الفرد لا يتمتع - بوصفه فرداً - بالاختصاصات الدولية، إلا على سبيل الاستثناء. ولذا فهو - من الناحية القانونية - في وضع يتدنى عن وضع الدولة أو المنظمات الدولية.

     * التعامل الدولي:
    ان ما يجري عليه العمل المعاصر يؤكد المركز المتزايد الذي يختص به الفرد بوصفه فرداً مستقلاً عن الدولة. ويبدو ذلك في الأمور الآتية:
    أولا:- وجود قواعد دولية تخاطب الفرد مباشرة، فهذه القواعد قد تمس الفرد:
    أ‌- في حياته: مثال ذلك الأحكام الخاصة بمنع القرصنة حيث يعتبر مرتكب هذه الجريمة مجرماً دولياً ويجوز لكل دولة أن تعاقب. والقواعد التي تضمنتها اتفاقية منع إبادة الجنس البشري التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (260) الصادر في 9/12/1948، فقد نصت المادة الرابعة منها على معاقبة كل من يرتكب هذه الجريمة سواء أكانوا حكاماً مسؤولون، أو موظفين رسميين أو دوليين، أم أفراداً عاديين. كما وتنص المادة السادسة منها على أن يحاكم المتهم أما محاكم الدولة التي ارتكب على إقليمها الفعل أو أمام محكمة دولية تتفق عليها الدول. ان محاكمة المتهم هنا أمام محاكم الدولة المتضررة تضع المتهم في مركز مماثل للقرصان. فأذا كانت المحاكمة أما محاكمة دولية فان هذا أيضا يجعل من الفرد شخصاً دولياً لانه يدخل في علاقة مباشرة مع جهاز ليطبق عليه القانون الدولي مباشرة.
    ب‌- في حريته: كتحريم الرق والاتجار بالرقيق.
    ت‌- في أخلاقه: كحضر الاتجار بالمخدرات واستعمالها ومنع النشرات المخالفة للأخلاق العامة...الخ.
    ثانياً:- مسألة الفرد جنائياً: يرتب القانون الدولي المعاصر عدداً من القواعد التي تعاقب الفرد مباشرة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية أو ضد السلم العالمي(محاكمات نورمبرغ وطوكيو). والمحكمة الدولية  الجنائية الخاصة بيوغسلافية سابقاً. والمحكمة الدولية لراوندا.
    ثالثاً:- حق الفرد بالتقاضي أمام المحاكم الدولية: يسمح القانون الدولي الفرد أحيانا وبصفته هذه بالمثول أمام المحاكم الدولية. ومن أمثلة ذلك ما نصت عليه المادة الرابعة من اتفاقية لاهاي الثانية عشرة لسنة 1907، المتعلقة بإنشاء محكمة الغنائم الدولية، من حق أفراد الدول المحايدة أو المحاربة أن تتقاضى أمام هذه المحاكمة. ومعاهدة واشنطن المعقودة في 20/12/1907، بين جمهوريات أمريكا الوسطى الخمس التي قضت بإنشاء محكمة عدل لهذه الدول خولت رعاياها حق مقاضاة دولهم أمام هذه المحكمة بعد استنفاذ طرق التقاضي الداخلية. والمادة (304) من معاهدة فرساي لسنة 1919، التي قضت بإنشاء محاكم تحكيمية مختلفة ذات اختصاص في النظر بالدعاوى التي يقيمونها على بعضهم بشأن العقود التي سبق لهم عقدها قبل عام 1914، ثم أصبح الطرفان في تلك العقود تابعين لدول معادية لبعضها. والاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعقودة بين الدول الأعضاء في مجلس أوربا في 4/11/1950، منحت الفرد في الدول الموقعة عليها حق اللجوء إلى اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان ضد دولته إذا ما انتهكت حرياته الأساسية وفشلت الحلول الحبيبية التي رتبتها الاتفاقية في إيصاله لحقه. كما ان الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969، سمحت للجنة حقوق الإنسان بالنظر في الادعاءات المقدمة من الأفراد، بعد استنفاذ طرق التقاضي الداخلية. وكذلك اللجنة المنبثقة عام 1976، عن اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، في إطار الأمم المتحدة.
    رابعاً:- رتب ميثاق الأمم المتحدة حقوقاً للفرد، فقد نص الميثاق في مقدمته صراحة على أن تعمل الأمم المتحدة على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين وبلا تفريق بين الرجال والنساء، ثم تكرر النص على ضرورة احترام حقوق الإنسان عند الكلام عن مهام المجلس الاقتصادي والاجتماعي وعن الأقاليم غير الممتعة بالحكم الذاتي وعن نظام الوصية، واخيراً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (217) الصادر في 10/11/1948، والاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان (الاتفاق الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاق الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17/11/1966، واتفاقية القضاء على التمييز العنصري عام 1965، واتفاقية مناهضة التعذيب،