-->

محاضرة مصادر القانون الدولي العام

محاضرة مصادر القانون الدولي العام
    محاضرة مصادر القانون الدولي العام
    مصادر القانون الدولي

    مصادر القانون الدولي العام:
    أولاً:-  المعاهدات:
    المعاهدة: هي عبارة عن اتفاق يعقد بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام ترمي إلى أحداث أثار قانونية معينة. ويترتب على هذا التعريف أمران:
    أولاً:- لا يمكن أن يعد من قبيل الاتفاقات الدولية، الاتفاقات التي تبرم بين طرفين أحدهما في الأقل ليس من أشخاص القانون الدولي العام.  ومن أمثلة ذلك:
    ‌أ-    الاتفاقات التي تبرم بين شعوب أو قبائل لا يصدق عليها وصف الدول في القانون الدولي العام. مثال ذلك اتفاقات الحماية الاستعمارية التي أبرمتها بريطانيا مع المشايخ في شرق وجنوب الجزيرة العربية.
    ‌ب-  عقود الزواج التي تتم بين أعضاء الأسر المالكة، والتي تأخذ شكل معاهدة فهي عقود تخضع للقانون الداخلي وذلك لأن الأمراء يوقعونها بصفتهم الشخصية لا بصفتهم ممثلين لممالكهم.

    ‌ج-   الاتفاقات التي تبرم بين الدول والأفراد الأجانب. مثل عقود القرض، عقود امتياز المرافق العامة، كالاتفاق المعقود في 29/نيسان/1933. بين الحكومة الإيرانية وشركة النفط الإنكليزية – الإيرانية.
    ‌د-   الاتفاقات التي تبرم بين الأفراد الأجانب مثال ذلك، الاتفاق الذي أبرم في 31/تموز/1928. بين شركات البترول بشأن تحديد مناطق نفوذ كل منها في الشرق الأدنى، والذي يعرف باسم اتفاق الخط الأحمر.
    ثانياً:- تعد من الاتفاقات الدولية خلافاً لما تقدم ورغم كونها غير معقودة بين دولتين:
    ‌أ-    الاتفاقات التي تبرم بين الفاتيكان وإحدى الدول الكاثوليكية والتي تسمى كونكوردا (Concordats) لأنها تتم بين شخصين من أشخاص القانون الدولي العام.
    ‌ب-  الاتفاقات التي تبرم بين منظمة دولية وإحدى الدول. كالاتفاق المبرم بين منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في 26/حزيران/1947. بشأن الوضع القانوني الخاص بمقر هذه المنظمة.
    ‌ج-   الاتفاقات التي تبرم بين منظمتين دوليتين كالاتفاقات المعقودة في جنيف بين عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة. والاتفاقات التي عقدتها الأمم المتحدة مع المنظمات المتخصصة. والاتفاقات المعقودة بين المنظمات المتخصصة.
        & إبرام المعاهدات:
    تمر المعاهدات قبل أن يتم ابرامها نهائياً بأربع مراحل شكلية، المفاوضة، والتحرير والتوقيع، والتصديق، والتسجيل.
    1-  المفاوضة:  Negociation
    وهي وسيلة لتبادل وجهات النظر بين ممثلين دولتين أو أكثر بقصد توحيد آرائهما ومحاولة الوصول إلى حل أو تنظيم لمسألة أو موضوع معين، ووضع الحلول أو التنظيم الذي يتفقون عليه في صورة مواد، تكون مشروع الاتفاق المزمع إبرامه.
    وقد تجري المفاوضات في مقابلات شخصية أو في اجتماعات رسمية أو في مؤتمر دولي يجمع ممثلي الدولتين أو الدول المتفاوضة. وقد يقوم بأجراء المفاوضات رؤساء الدول مباشرة، ومن أمثلة ذلك، ميثاق الأطلنطي المعقود في 14/آب/1941، إذا كان أحد المتفاوضين والموقعين عليه (روزفلت) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك معاهدة التعاون والصداقة بين ألمانيا وفرنسا المعقودة في 22/كانون الثاني/1963، إذا كان أحد المتفاوضين في عقده والتوقيع عليه الجنرال (ديغول) رئيس الجمهورية الفرنسية. ولكن في الغالب يقوم في التفاوض وزراء خارجية الدول أنفسهم وقد يقوم به ممثلو الدول المتفاوضة.
    2-  تحرير المعاهدات وتوقيعها:
    إذا أدت المفاوضة إلى اتفاق وجهات النظر، تبدأ مرحلة تسجيل ما أتفق عليه في مستند مكتوب، وذلك بعد أن يتم الاتفاق على تحديد اللغة الواجب استعمالها في تحرير المعاهدة، فأذا كانت الدول المتفاوضة تتكلم لغة واحدة ففي هذه الحالة لا تبرز أية صعوبة إذ تستعمل هذه اللغة المشتركة في تحرير المعاهدة (كما هو الحال بالنسبة للمعاهدات التي تعقد بين الدول العربية).
    أما إذا كانت الدول المتفاوضة تتكلم لغات مختلفة فيتبع حينئذ أحد الأساليب الآتية:
    ‌أ-    تحرر المعاهدة بلغة واحدة تختارها الدول المتفاوضة وقديماً كانت اللغة اللاتينية هي اللغة الدبلوماسية ولغة الاتفاقات الدولية أيضاً، ثم حلت محلها اللغة الفرنسية وبعد الحرب العالمية الأولى أخذت الإنكليزية تنافس الفرنسية.
    ‌ب-  تحرر المعاهدة بلغتين أو أكثر، على أن تعطي الأفضلية لأحداهما بحيث تعتبر المرجع الأول الذي يعول عليه عند الاختلاف.
    ‌ج-   تحرر المعاهدة بلغات جميع الدول المشتركة فيها، وتتمتع جميعها بالقوة نفسها وهذا الأسلوب قد يؤدي عملاً إلى مشاكل كثيرة في تفسير المعاهدات الدولية. فمن الصعب في كثير من الأحيان التعبير عن المعني أو المقصود على وجه الدقة بلغات مختلفة.
     × التوقيع:  La signature
    بعد الانتهاء من تحرير المعاهدة يوقع عليها ممثلو الدول المتفاوضة لكي يسجلوا ما تم الاتفاق عليه فيما بينهم ويثبتوه، وقد يتم التوقيع بأسماء المفاوضين كاملة أو بالأحرف الأولى للأسماء، ويلجأ المفاوضون إلى التوقيع بالأحرف الأولى في حالة ما إذا كانوا غير مزودين بالتفويض اللازم للتوقيع أو في حالة ترددهم في الموافقة نهائياً على المعاهدة ورغبتهم في الرجوع إلى حكومات دولهم للتشاور معها قبل التوقيع النهائي.
    ويلاحظ أن التوقيع بالأحرف الأولى لا يعد ملزماً للدولة بالتوقيع النهائي على مشروع المعاهدة، ومن ثم يحق للدول المعنية الامتناع عن التوقيع النهائي إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق على غير ذلك.
    ولقد قننت اتفاقية فينا هذا الأسلوب في التوقيع وما قد ينجم عنه من آثار، فقررت في الفقرة الثانية من المادة الثانية عشرة انه:
    ‌أ-  يعتبر التوقيع بالأحرف الأولى على نص معاهدة من قبيل التوقيع على المعاهدة، إذا ثبت أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على ذلك.
    ‌ب- يعتبر التوقيع بشرط الرجوع إلى الدولة على معاهدة من جانب ممثل الدولة من قبيل التوقيع الكامل عليها إذا أجازته الدولة بعد ذلك.
    وبد إتمام التوقيع تصبح المعاهدة معدة للتصديق، وعلى الدول الأطراف الالتزام بعدم مخالفة ما سبق الاتفاق عليها وبضرورة إتمام إجراءات التصديق. غير أن ذلك لا يعني أن الدولة ملتزمة قانوناً بالمعاهدة فهذا لا يتحقق إلا بالتصديق.
    3-  التصديق:  La Ratification
    أن التوقيع على المعاهدة – باستثناء الاتفاقات ذات الشكل المبسط – لا يكفي لكي تكتسب أحكامها وصف الإلزام، بل لابد من أجراء آخر يتلو التوقيع هو التصديق. والتصديق أجراء يقصد به الحصول على إقرار السلطات المختصة في داخل الدول للمعاهدة التي تم التوقيع عليها وهذه السلطات هي أما رئيس الدولة منفرداً، وأما رئيس الدولة مشتركا مع السلطة التشريعية، أو السلطة التشريعية لوحدها، وذلك تبعاً للنظم الدستورية السائدة في مختلف الدول.
    ويكون التصديق إجراء لازماً، إذا ما نصت المعاهدة على ذلك، أو إذا ثبت بطريقة أخرى إن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق، أو إذا كان ممثل الدولة قد وقع على المعاهدة مع التحفظ بشرط التصديق، أو إذا بدت نية الدول المعنية في أن يكون التوقيع بشرط التصديق اللاحق من وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت عن ذلك أثناء المفاوضة. 
      × السلطة المختصة بالتصديق
    أن الدستور الداخلي لكل دولة هو الذي يحدد السلطة المختصة بالتصديق على المعاهدات. فقد يحصر الدستور حق التصديق بالسلطة التنفيذية وحدها، او بالسلطة التشريعية وحدها، أو قد يجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في آن واحد.
    أولاً:- التصديق من اختصاص السلطة التنفيذية:
    أن هذا الأسلوب، هو الذي كان متبعاً في ظل  الأنظمة الملكية المطلقة والدكتاتورية، فقد عرفته فنسا عندما كانت خاضعة للنظام الإمبراطوري (دستور عام 1852). واليابان منذ صدور الدستور عام 1889 حتى دستور عام 1946.
    ثانياً:- التصديق من اختصاص السلطة التشريعية:
    إن هذا الأسلوب، هو استثنائي أيضا، ويطبق في الدول التي تتبع نظام الحكم الجماعي، وهو النظام الذي كان متبعاً في تركيا منذ دستور عام 1924، واستمر حتى عام 1960. حيث كانت الجمعية الوطنية الكبرى تتمتع وحدها بحق التصديق على المعاهدات. 
    ثالثاً:- التصديق من اختصاص السلطتين التنفيذية والتشريعية:
    إن توزيع حق التصديق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، يعتبر القاعدة التي تتبعها غالبية الدول، غير أن تنظيم هذا التوزيع بين السلطتين يختلف من دولة إلى الأخرى.
    فأن معظم الدساتير الحديثة تنص على وجوب الحصول على موافقة البرلمان للتصديق على كل المعاهدات تارة أو على المعاهدات الهامة تارة أخرى، وتضع الدساتير عادةً لائحة بالمعاهدات الهامة التي تخضع لموافقة البرلمان، وهذا الأسلوب الأخير هو الأكثر شيوعاً.
    ففي فرنسا فأن رئيس الجمهورية يصدق وحده على المعاهدات الدولية باستثناء المعاهدات الآتي التي تتطلب موافقة البرلمان المسبقة، وهي: معاهدات الصلح، المعاهدات التجارية، والمعاهدات المتعلقة بالمنظمات الدولية، المعاهدات التي تلزم مالية الدولة، والمعاهدات التي تعدل أحكاماً ذات طبيعة تشريعية، والمعاهدات المتعلقة بحالة الأشخاص (كالمعاهدات المتعلقة بالجنسية والإقامة، والقنصلية، واسترداد المجرمين، وتنفيذ الأحكام، وحماية الرعايا والمساعدة القضائية). والمعاهدات المتضمنة إدخال تعديل على أقليم البلاد (من تنازل أو ضم أو تبادل)، ومعاهدات تخطيط الحدود. وقد أستثنى الدستور الفرنسي من موافقة البرلمان بعض المعاهدات الهامة على الصعيد السياسي. كمعاهدات التحالف والحماية والتحكيم وعدم الاعتداء والمساعدة المتبادلة.
    أما في إنكلترا والكومنولث: فأن رئيس الدولة يصدق وحده وبدون ترخيص على المعاهدات، ولكن سلطته هذه يرد عليها قيدان.
    ‌أ-  ما جرى عليه العمل في إنكلترا من عرض جميع المعاهدات الخاضعة للتصديق على البرلمان قبل ثلاثة أسابيع من تاريخ التصديق، والملكة لا تصدق إلا إذا خلال هذه المدة لم يطلب أحد أعضاء البرلمان مناقشة المعاهدة.
    ‌ب-المعاهدات التي تمس حقوق الأفراد يجب دمجها، بمقتضى أجراء تشريعي في القانون الداخلي للبلد. حتى يمكن تطبيقها من قبل المحاكم قبل التصديق. أو بعبارة أخرى أن المعاهدة التي تهم حقوق الأفراد، لا يمكن تطبيقها ما قبل المحاكم إلا إذا تدخل قبل التصديق، القانون الضروري.
    ولقد أخذت هولندا بهذا الأسلوب في التعديل الدستوري الجديد، وهو إيداع في البرلمان وتصديق في غياب الاعتراض.
     × التصديق الناقص:  Ratification imparfaite
    قد يشترط دستور الدولة للتصديق على المعاهدة ضرورة عرضها على السلطة التشريعية لأخذ موافقتها، فأن صدرت هذه الموافقة أمكن لرئيس الدولة التصديق عليها، ولكن قد يعمد رئيس الدولة إلى التصديق على المعاهدة، دون الرجوع مسبقاً إلى السلطة التشريعية، مخالفاً بذلك دستور دولتهم. فما هي القيمة القانونية لمثل هذا التصديق الذي أصطلح الفقه على تسميه بالتصديق الناقص؟
    يسود الفقه بهذا الصدد أربع نظريات:
    ‌أ-النظرية الأولى:
    وقد دافع عنها (لاباند، و وبيتنر، وكاره دوماليرغ)، من دعاة ازدواج القانون، فهي تقر بصحة المعاهدة المصدقة بشكل غير أصولي، وذلك حرصاً على صيانة العلاقات الدولية، والحيلولة دون تدخل بعض الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. بحجة مراقبة صحة إبرام المعاهدات ومطابقتها للإجراءات المنصوص عليها في الدستور. وقد أيد هذا الاتجاه الأستاذ (جورج سل)، منطلقاً من نظرية وحدة القانون مع علوية القانون الدولي، لأن أي حل آخر سيؤدي إلى إخضاع القانون الدولي إلى القانون الداخلي.
    ‌ب-النظرية الثانية:
    وقد دافع عنها (شتروب، وبوركان، لابرايل، وشارل روسو). وهي تذهب إلى بطلان المعاهدة المصدقة بشكل غير صحيح. وهي تستند إلى فكرة الاختصاص التي تقضي بعدم تولد أي أثر قانوني إلا من العمل الذي يقوم به المختص بأجرائه، أي السلطة المسموح لها بذلك بشكل قانوني، وعليه فأن رئيس الدولة متى تجاوز اختصاصه تصبح تصرفاته باطلة، ومن ثم لا تنتج الآثار التي كان من شأنها إنتاجها لو تمت صحيحة باتباع أحكام الدستور.
    ‌ج- النظرية الثالثة:
    وهي خاصة بالمدرسة الوضعية الإيطالية، (انزيلوتي، وكافاليري)، وهي تقضي بنفاذ المعاهدة المصدقة بشكل غير صحيح وذلك بالاستناد إلى فكرة مسؤولية الدولة من الناحية الدولية. فالدولة التي خالف رئيسها أحكام التصديق المقررة في دستور دولته تصبح مسؤولة عن أعمال رئيسها مسؤولية دولية، فالتصديق الناقص عمل غير مشروع، وبالتالي فأن الدولة لا تستطيع الإدعاء ببطلان المعاهدة، بدعوى أن التصديق الذي أجراه رئيسها غير مشروع إذ عندئذ لا تلومن إلا نفسها. وخير تعويض يمكن أن يترتب على مسؤولية الدولة عن أعمال رئيسها هو إبقاء المعاهدة نافذة منتجة لأثارها.
    ‌د-  النظرية الرابعة:
    قال بها (فردروس)، وهي تستند إلى فكرة الفاعلية التي تسود القانون الدولي، وهي تقر بصحة المعاهدة المصدقة بشكل غير صحيح. لأن القانون الدولي لا يستند على حرفية النصوص الدستورية ولكن على ممارستها الفعلية.
    أما ما جرى عليها العمل بين الدول فأنه يقر بصحة المعاهدة المصدقة بشكل غير صحيح. ولقد أكد القضاء الدولي ذلك في العديد من الأحكام التي أصدرها من ذلك الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولي الدائمة في 7/حزيران/1932، في قضية المناطق الحرة، والحكم الذي أصدرته نفس المحكمة في 5/نيسان/1932، في قضية (كرينلاند الشرقة).
    أما اتفاقية فينا فأنها لا تجيز الاستناد إلى كون التصديق ناقصاً لطلب أبطال المعاهدة إلا إذا كان العيب الدستوري الذي شاب التصديق عيباً واضحاً. فقد قررت في المادة (46) على أنه:
    1-  لا يجوز لدولة أن تتمسك بأن التعبير عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص في إبرام المعاهدات كسبب لأبطال رضاها، إلا إذا كان إخلالا واضحاً بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونها الداخلي.
    2-     يعتبر الإخلال واضحاً، إذا تبين بصورة موضوعية لأي دولة تتصرف في هذا الشأن وفق السلوك العادي وبحسن نيته.
    4-  التسجيل:  L Enregistremen
    نصت المادة الثامنة عشرة من عهد عصبة الأمم على أن (كل معاهدة أو اتفاق دولي يعقد بين أعضاء عصبة الأمم يجب تسجيله في سكرتارية العصبة وإعلانه في أقرب فرصة ممكنة ولا تكون أمثال هذه المعاهدات والاتفاقات الدولية ملزمة إلا بعد هذا التسجيل). وكان الباعث على تضمين عهد عصبة الأمم هذا النص، القضاء على الاتفاقات السرية، خصوصاً الاتفاقات العسكرية السرية التي تنطوي على تهديد للسلام العالمي.
    وقد اختلف الفقهاء في تفسير النص السابق. فذهب البعض (كاجزرج سل) إلى أن المعاهدة غير المسجلة معاهدة باطلة لأن التسجيل شرط من شروط صحة المعاهدات، وذهب البعض الآخر (كانزيلوتي)، إلى أن المعاهدة غير المسجلة معاهدة صحيحة وملزمة، وانما لا يمكن الاحتجاج بها أمام العصبة أو أحد فروعها، بما في ذلك محكمة العدل الدولية الدائمة. وقد أخذ بالتفسير الأخير ميثاق الأمم المتحدة في مادتها (102) إذ نص على أن:
    ‌أ-  كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة يعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وان تقوم بنشره بأسرع ما يمكن.
    ‌ب-لا يجوز لأي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقاً للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة.
    ثانياً:- العرف الدولي:  La Coutume internationale
    يعد العرف من أهم مصادر القانون الدولي العام، وأغزرها مادة، إذ أن أغلب قواعد هذا القانون ذات الصفة العالمية قد نشأت واستقرت في المحيط الدولي عن طريق العرف وتحت تأثيره، حتى ان القواعد الواردة في المعاهدات الشارعة كثيراً ما تكون تعبيراً أو صياغة لما أستقر عليه العرف قبل إبرامها.
    ويشترط لقيام العرف الدولي توافر ركنين: ركن مادي وآخر معنوي.
    1- الركن المادي:  Lelement-materiel
    ويقوم هذا الركن على تكرار الأعمال المتماثلة في تصرف الدول في أمور معينة فأذا ما ثبت أن الدول تسير على وتيرة واحدة في نوع من التصرفات الدولية فالقاعدة التي يمكن استخلاصها من ذلك هي قاعدة عرفية دولية.
    ويشترط في التصرف المادي أن يصادف القبول من الدولة أو الدول التي صدر في مواجهتها، وأن يستمر قبول الدول له إذا تكررت ممارسته في الحالات الجديدة المماثلة للحالة الأولى.ويشترط فيها أيضاً أن يكون عاماً، بمعنى أن تمارسه الدول على وجه العموم في جميع الحالات المماثلة التي تحدث في المستقبل. وليس معنى هذه العمومية أن جميع الدول تمارس هذا التصرف في الحالات المماثلة، بل يكفي أن تكون ممارسة التصرف صادرة من أغلبية الدول، لأن العمومية ليس معناها الإجماع، فقد يكون العرف عرفاً دولياً خاصاً أو إقليميا أي تنصرف أحكامه لتنظيم علاقات دول معينة، تتقارب حضاراتها أو تشترك في وحدة الجنس والتي تضمها مؤسسات إقليمية، ومثالها الدول الأمريكية حيث يوجد عرف خاص بها وكذلك الدول العربية والدول السلافية… الخ، أو أن يكون العرف الدولي عاماً وفي هذه الحالة تتواتر أغلبية الدول على التصرف وفقاً لأحكامه.
    2- الركن المعنوي:  Lelement-Psychologique
    وإلى جانب الركن المادي يشترط توافر ركن معنوي لوجود العرف، ويتمثل هذا الركن باعتقاد الدول بان التصرفات المادية التي تقوم بها أو تطبقها هي ملزمة لها قانوناً.
    ولقد أشارت المادة (38) من النظام الأساس لمحكمة العدل الدولية إلى الركن المعنوي حينما اشترطت أن يكون العرف مقبولاً بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال، كما أيدت محكمة العدل الدولية ذلك في الحكم الذي أصدرته في 20/تشرين الثاني/1950، والخاص بحق الملجأ.
    وللركن المعنوي أهمية كبرى في تكوين العرف تفوق أهمية تكرار التصرفات المادية. كما أن وجود هذا الركن هو الذي يميز العرف من العادة ومن المجاملات الدولية. فالعادة والمجاملات الدولية، لا تنطوي على الاعتقاد بصفتها الإلزامية. وأن كان تكرار العادة يساعد على إثبات القاعدة العرفية. غير أن العادة مهما تكررت فأنها لا تكسب قوة القاعدة القانونية العرفية إلا بعد أن تقابل برد فعل مناسب من جانب الدول أو المحاكم الدولية بحيث تتوافر القناعة العامة باعتبار تلك العادة بمثابة قاعدة قانونية إلزامية.
    فمثلاً لو اعتادت الحكومات على إعفاء الممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لديها من الضرائب والتكاليف المالية الأخرى، فان هذه العادة الاختيارية لا تصبح قاعدة عرفية إلزامية إلا إذا اقترن مسلك الحكومات في هذه الشأن بالاعتقاد بالصفة الإلزامية لتلك العادة.
    التصرفات التي ينشأ عنها العرف الدولي:
    اتجه الفقه في تحديد العوامل التي تشترك في تكوين العرف الدولي اتجاهين مختلفين:
    × الاتجاه الأول:
    ذو نزعة وضعية وقد نادى به الفقيه الألماني (شتروب)، وهو يعتبر القواعد القانونية العرفية ناشئة عن تصرفات أجهزة الدولة ذات الاختصاص الدولي، ويجعل العرف الدولي محصوراً بالسوابق الحكومية الداخلية دون السوابق القضائية. غير إن التعامل الدولي لم يقر هذا الاتجاه وذلك لأن كثيراً من القواعد الدولية العرفية جاءت عن طريق السوابق القضائية.
    × الاتجاه الثاني:
    فقد نادى به أنصار المذهب الموضوعي وعلى رأسهم (جورج سل) الذي يرى أن تصرفات المنشئة للقواعد العرفية يمكن أن تصدر من أي فرد يدافع عن مصالحة الدولية. غير أن التعامل الدولي لم يقر هذا الاتجاه أيضاً. والحقيقة فأن التصرفات الوحيدة التي يتولد عنها العرف الدولي هي التصرفات التي تصدر عن الهيئات القانونية المختصة في الشؤون الدولية. سواء كانت داخلية أو دولية.
    فضلا عن هذين المصدرين الأصلين هنالك مصدر ثالث هو مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة و هنالك مصادر تبعية و مساعدة كأحكام المحاكم و أراء و مذاهب كبار فقهاء القانون الدولي العام و مبادئ العدل و الإنصاف