الأمية في الجزائر
شهد مفهوم محو الأمية تطوراً كبيراً خصوصاً منذ بدء الاهتمام بالتنمية في أواسط القرن العشرين وصولاً إلى وقتنا الراهن. وقد بذلت منظمات دولية عدة مثل اليونسكو واليونيسف مجهوداً كبيراً في هذا المجال. وتعرّض مفهوم محو الأمية إلى تغيرات تناولت جوانبه بشكل جزئي، إلى أن وجدت مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي معاييرَ كمية (أساسًا) لاحتساب الأمية لتواجه بها دول العالم الثالث من خلال أرقام، حتى لو سلمنا جدلاً أنها حقيقية، فهي غير كافية فعلاً لتحديد الأمية.
ومهما تعددت تعاريف الأمية، إلا أن هناك تعريف أدنى يمكن الاتفاق عليه وهو عدم معرفة القراءة والكتابة بأي لغة كانت وفي سن معين. ويختلف مفهوم عدم معرفة القراءة والكتابة باختلاف المجتمعات لدرجة أن بعض الدول المتطورة تعتبر الأمي من لا يسمح له القدر الذي يعرفه من القراءة والكتابة بالتعامل مع الإعلام الآلي.
حجم الظاهرة في العالم العربي
جاء في تقرير للمجلس العربي للطفولة والتنمية أن نحو نصف سكان العالم العربي ممن تجاوزوا 15 عاما أميون، وإن أعدادا من الأطفال العرب لا يلتحقون بالمدارس وتتسرب أعداد أخرى من الملتحقين بها. وقدر المجلس - الذي تأسس عام 1987 برئاسة الأمير طلال بن عبد العزيز لدراسة مشكلات الأطفال العرب - أن عدد الأميين في الدول العربية "يقدر بـ60 مليونا من إجمالي عدد السكان فوق سن الـ15 بنسبة 48.4 %. وتفاوت النسبة بصورة كبيرة من بلد عربي إلى آخر فتزيد على 50 % في بعض الدول وتنخفض إلى حوالي 10 % في دول أخرى. وترتفع نسبة الأمية بين الإناث بشكل ملحوظ عنها بين الذكور في جميع الدول العربية وأن حوالي 10% من الأطفال العرب لا يلتحقون بمدارس.
كما ورد في تقرير للمنظمة العربية للثقافة والعلوم «الألكسو» أن عدد الأميين في العالم العربي سبعين مليون شخص - ما يعادل نسبة ربع الساكنة العربية - خلال سنة 2005، وقد أشار التقرير أيضاً إلى أن هذه النسبة تكاد تعادل ضعف المتوسط العالمي للأمية، وأن عدد الإناث في الرقم المذكور يقترب من ضعف عدد الذكور. ومن المعطيات الصادمة في هذه الوثيقة، نذكر أن مصر احتلت المرتبة الأولى بـ17 مليون أمي، يليها السودان ثم الجزائر والمغرب واليمن، في حين احتلت الرتب الأولى في باب نقص الأمية كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر، ثم البحرين والكويت. ومن المعلوم هنا أنه لا سبيل للمقارنة بين النتائج بحكم عدم تناسب الكثافة السكانية، وعدم تناسب الموارد الاقتصادية بين مجموعتي الدول الأولى والثانية..
ويزيد العدد الإجمالي لسكان الدول العربية الـ22 على 300 مليون نسمة يمثلون حوالي 5 % من سكان العالم ويحتلون المرتبة الرابعة بعد سكان الصين والهند والولايات المتحدة، ويعيشون أوضاعا اقتصادية متفاوتة، حيث يزيد متوسط دخل الفرد في أعلى الدول دخلا على 20 ألف دولار سنويا وينقص في أقل دولة دخلا عن 200 دولار.
ماذا عن الأمية في الجزائر ؟
يعرف الأمي في الجزائر بأنه الشخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة بأي لغة، وقد تجاوز السن العاشر من عمره. وهذا التعريف هو الذي اعتمد في تقييم وضعية الأمية في الجزائر إلى يومنا هذا.
الملاحظ على هذا التعريف الذي اعتمدته الجزائر في تقييم وضعية الأمية منذ الإحصاء الأول عام 1966، أنه لم يتطور بتطور بعض المعطيات خاصة المتعلقة منها بالتشريع الخاص بالمنظومة التربوية والمتمثل في أمرية 16 أفريل 1976 م والتي حددت سن التمدرس الإجباري إلى غاية 16 سنة، هذا التحديد الذي كان من المفروض أن يعيد النظر في السن الأدنى الذي ينطلق منه لتحديد الأمي، وهو السن الذي لا يسمح قانونيا أن يلتحق بعده الأمي بمقاعد المدرسة النظامية.
هذا وقد توصلت السلطات إلى خفض الأمية في الجزائر، بتسجيلها حسب آخر الإحصائيات للديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار تراجعا ملحوظا إلى حدود 26.5 %، بعد أعوام من الاقتصاد المفكك والتخلف وبلوغ نسبة أمية 85 %. وأشار الديوان إلى تخرج 10896 متحرر من صفوف محو الأمية (تمثل الإناث الأغلبية بـ 9049 متخرجة إضافة إلى 1847 متخرجا) من فصوله على المستوى الوطني خلال الموسم الدراسي 2005 – 2006. وتأكيدا لإحصائيات الديوان، كشفت الجمعية الجزائرية لمحو الأمية ''اقرأ''، أن الأمية في الجزائر تدنت إلى نسبة 21.36 % خلال سنة 2005 م، مقارنة بالسنوات الماضية التي بلغت فيها 31.90 %.
ويعود الفضل إلى تدني نسبة الأمية حسب الجهات المعني بمحو الأمية إلى تمديد مدة التمدرس الإجباري، وهو ما مكّن من مضاعفة تعداد التلاميذ الكلي بعشر مرات من ثمان مائة ألف إلى ثمان ملايين تلميذ. وهذا يعني أن ربع سكان الجزائر يزاول دراسته في حين أن هذه النسبة لم تكن تتعدى واحدا من اثني عشرة (1/12) سنة 1962 م. فيما نتج عن سياسة إجبارية التعليم، تمدرس 93 % من أطفال اليوم (المتراوحة أعمارهم ما بين 6 سنوات و15 سنة)، بينما كانت أقل من 30 % سنة 1965 م للبالغين من العمر 6 سنوات إلى 13 سنة. وسجل عدد التلاميذ الذين يلتحقون بالمدرسة لأول مرة ارتفاع قياسيا في السنوات الأخيرة، بنسبة الدخول المدرسي بلغت 97 % سنة الحالية 2006argin-top: 0.19in; margin-bottom: 0.19in"> كما ورد في تقرير للمنظمة العربية للثقافة والعلوم «الألكسو» أن عدد الأميين في العالم العربي سبعين مليون شخص - ما يعادل نسبة ربع الساكنة العربية - خلال سنة 2005، وقد أشار التقرير أيضاً إلى أن هذه النسبة تكاد تعادل ضعف المتوسط العالمي للأمية، وأن عدد الإناث في الرقم المذكور يقترب من ضعف عدد الذكور. ومن المعطيات الصادمة في هذه الوثيقة، نذكر أن مصر احتلت المرتبة الأولى بـ17 مليون أمي، يليها السودان ثم الجزائر والمغرب واليمن، في حين احتلت الرتب الأولى في باب نقص الأمية كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر، ثم البحرين والكويت. ومن المعلوم هنا أنه لا سبيل للمقارنة بين النتائج بحكم عدم تناسب الكثافة السكانية، وعدم تناسب الموارد الاقتصادية بين مجموعتي الدول الأولى والثانية..
ويزيد العدد الإجمالي لسكان الدول العربية الـ22 على 300 مليون نسمة يمثلون حوالي 5 % من سكان العالم ويحتلون المرتبة الرابعة بعد سكان الصين والهند والولايات المتحدة، ويعيشون أوضاعا اقتصادية متفاوتة، حيث يزيد متوسط دخل الفرد في أعلى الدول دخلا على 20 ألف دولار سنويا وينقص في أقل دولة دخلا عن 200 دولار.
سنة 2005، و83 % في السنوات الماضية، واستطاعت الجزائر اليوم أن توفر 23 ألف مؤسسة مدرسية منها 17 ألف مدرسة ابتدائية و4 آلاف إكمالية و1500 ثانوية (20 % من هذه الإنجازات تم تحقيقها منذ 1999 م).
وتوحي النسب المقدمة باستقرار مستوى التعليم، رغم أن نسب الدخول المدرسي تبقى غير متكافئة عبر التراب الوطني، فهي تقل في المناطق النائية التي تبعد فيها المدارس عن المداشر والمناطق السكنية، مما يقلل من حظوظ التعليم بها نتيجة عجز الأولياء عن توفير وسائل نقل لأبنائهم باتجاه المدارس البعيدة وعادة ما تكون الضحية الأولى لهذه الظروف جراء خشية الأولياء على أبنائهم ولانعدام ثقافة تدريس البنات بهذه المناطق نتيجة العقلية والعادات المتحجرة السائدة بها والتي تضطر الفتاة فيها مغادرة مقاعد الدراسة في سن مبكر رغم تفوقها الدراسي لمساعدة الأم في أشغال البيت وفي تربية اخوتها أو لتكوين أسرة. هذه الظروف ساعدت على ظهور نسب الأمية وسط الأطفال والتي بلغت 6 % وفق إحصائيات رسمية، رغم أن بعض الجهات والمصادر غير الرسمية أكدت أن نسبة الأمية لدى الأطفال تفوق النسبة المعلن عليها.
وفي هذا السياق كشفت جمعية "اقرأ" لمحو الأمية بأن الإحصائيات أظهرت بأنه لا يزال نحو 10 % من مجموع الأطفال الجزائريين أي ما يعادل 200 ألف طفل غير مسجلين على مستوى المدارس سنويا، و500 ألف طفل آخرين يتركون مقاعد الدراسة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون تحت وطأتها.
إطلالة تاريخية عن الأمية في الجزائر
ما من شك أن الكثير لا يعلم أن الأمية كانت منعدمة في القطر الجزائري قبل دخول الاستعمار، وخير دليل ما استدل به وأكده بعض الكتاب الغربيون والجزائريون.. ويقال إن نسبة الأمية في وسط المجتمع الجزائري يوم دخول الاستعمار سنة 1830 م كانت تقدر بـ5 % أي أن هناك 95 % من الشعب الجزائري يعرف الكتابة والقراءة، وكتب عن ذلك الرحالة الألماني "فيلهلم شيمبرا" حين زار الجزائر في شهر ديسمبر 1831 م، يقول: "لقد بحثتُ قصدًا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب"...
هذا وكانت نسبة المتعلمين في الجزائر تفوق نسبة المتعلمين في فرنسا، فقد كتب الجنرال "فالز" سنة 1834 م بأن كل العرب (الجزائريين) تقريبًا يعرفون القراءة والكتابة، نتيجة توفر مدرستين في كل قرية...
وقد لاحظ مؤرخون فرنسيون، أمثال الجنرال "ولسن استرهازي" و"إسماعيل أوربان" أن الجزائريين الذين يكتبون ويقرؤون كانوا في ذلك العهد أكثر عدداً من الفرنسيين؛ تزيد نسبتهم على 55 %، استطاع الجنود الفرنسيون الأميون الجهلاء تخفيضها إلى حدود بات معها الشعب الجزائري أقرب ما يكون إلى الأمية الشاملة، في أظلم حقبة زمنية مرت في تاريخه كله، وهذا بشهادة الجنرال الفرنسي "دوماس"؛ الذي قال سنة 1901 - أي بعد حوالي 70 سنة من الاحتلال – أن نسبة المتعلمين من الأهالي لا تتعدى 3.8 %، وبعد قرن من الاحتلال أصبحت نسبة الأميين من الجزائريين 92.2 % بين من تتراوح أعمارهم من 5 إلى 18 سنة، و90 % بين ما تجاوزت أعمارهم ثمانين عامًا. وتشرد أكثر من مليون ونصف المليون طفل جزائري في الشوارع، وهم في سن الدراسة، لأنهم لم يجدوا المكان ولا من ينفق عليهم...
ويرجع الدارسون السبب إلى تعسف السلطات الاستعمارية تجاه الأطر التعليمية الجزائرية، التي كانت موجودة آنذاك، بتعطل أداء المدارس التعليمية والخيرية؛ وإغلاقها الكتاتيب القرآنية والمدارس بحد القانون الاستعماري الجائر، وتعمد إقصاء انتظام الأبناء الجزائريين من التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعية الفرنسية، حيث لم تصل النسبة المئوية 5 % سنة 1941 م في سن الدراسة الابتدائية، وفي عام 1929 م بلغ عدد التلاميذ الجزائريين 6 % من مجموع تسعة مائة ألف تلميذ. ولم يكن مجموع ما يقبل من الطلبة الجزائريين، الذين يقبلون في التعليم الثانوي في المدارس الفرنسية يتجاوز سنويا 84 تلميذ قبل عام 1900 م، و150 تلميذا قبل عام 1914 م. وفي التعليم الجامعي فقلما تجد طالبا واحدا...
ومن هنا كانت النتيجة الحتمية لهذه السياسة الاستعمارية في مجال حق الجزائريين في العلم والتعليم والثقافة أن ظل تسعة أعشار أبناء الجزائريين لا يجدون مكانا بهم في المدارس، كما نتج عن ذلك، ازدياد الأمية في الجزائريين، والتي تجاوزت نسبتها مطلع الاستقلال 92 %.
بعد الاستقلال كان على الدولة رفع التحدي لمكافحة شبح الجهل، فعمدت إلى فرض إجبارية التعليم وفتح المدارس، وبناء الثانويات والجامعات، وكانت نتيجة ذلك بعد الإحصاءات العامة الأربعة أن تدنت الأمية إلى نسبة 26.5 %.
سجل أول إحصاء سنة 1966 م، حيث بلغت نسبة الأمية 74 % (60.30 % ذكور و85.40 % إناث)، فيما سجل الإحصاء الثاني سنة 1977 م نسبة أمية تقدر بـ 61 % (48.20 % ذكور و74.30 % إناث)، تلها إحصاء ثالث سنة 1987 م، بلغت نسبة الأمية فيه 43.60 % (31.80 % ذكور و56.66 % إناث)، وشهد الإحصاء الرابع سنة 1998 م انخفاض الأمية إلى نسبة 31.90 % (23.65 % ذكور و40.27 % إناث)...
ومن خلال تحليل المختصين لهذه المعطيات أقروا أن استمرار انخفاض نسب الأمية على نفس هذه الوتيرة سيؤجل القضاء على الأمية إلى ما بعد 3 عقود من الزمن مما سيتسبب في تجميع الهوة ما بين الجزائر والدول المتقدمة .
عام لمحو الأمية
تسعى الجزائر لأن تكون سنة 2007 سنة لمحو الأمية، وموازاة مع برنامج التعليم الذي سطر الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار، تسع جمعية ''اقرأ'' إلى بعث الثقافة القانونية لدى الأميين لتحسيسهم بحقوقهم، خاصة عنصر النساء الذي يشكل أكثر من أربعة أخماس المتعلمين في مدارس محو الأمية، وذلك من خلال مشروع كتاب ممثل لقانون الأسرة تم بالشراكة مع جمعيات مغاربية ممثلة لكل من الجزائر، المغرب وموريتانيا، وممول من قبل صندوق الدعم الدولي الذي تشرف عليه بريطانيا.
وتسهر الجهات المعنية بمحو الأمية إلى رفع التحدي لخفض نسبة الأمية إلى أقل من 10 % مع مطلع 2010، إلا أنه يبقى عليها أن ترفع تحدي آخر غير الأمية الأبجدية التي نتكلم عنها، وهي الأمية الوظيفية، أي حالة فقدان القدرة على أداء أعمال متقنة في سوق العمل وعدم التلاؤم مع احتياجاتها أصلاً، والأمية التقانية وهي نقص القدرة على التعامل مع التقانات الجديدة والتكيف معها وخصوصاً تقانات المعلومات والاتصالات التي أصبحت اليوم سمة من سمات العالم الرقمي والذي تحتاج "الجاهزية" فيه إلى تكوين مختلف عن التكوين الذي تعودنا على رؤيته في مدارسنا.