محاضرة : نظام الأوفشور (مقياس المالية الدولية )
إن نظام الأوفشور أو ما شاعت تسميته بالتسهيلات المصرفية لا يخلو عن كونه عبارة عن مراكز مالية مبتكرة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وهي منتشرة في أنحاء العالم.
وحتى نتمكن من إعطاء مفهوم شامل لنظام الأوفشور سوف نتطرق في هذا المبحث لتعريف وتطور نظام الأوفشور.وأهداف نظام الأوفشور وأهم أسواقه.إيجابيات وسلبيات نظام الأوفشور.
1- تعريف نظام الأوفشور وتطوره :
أ- تعريف نظام الأوفشور:
تعد بنوك الأوفشور أحد أوجه العولمة كما هو معروف هي الجزء الأكثر تطورا في النظام الرأسمالي, وبنوك الأوفشور هي مؤسسات مالية وسيطة عبر الحدود تقدم خدماتها لغير المقيمين, هذا لا يعني أن إنشاء مثل هذه البنوك يجب أن يكون على الحدود بين دولتين أو أكثر, فهناك بنوك أوفشور في داخل البلد مثل التسهيلات المصرفية الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية, وسوق الأوفشور في اليابان والتسهيلات المصرفية الدولية في بانكوك ومركز الأوفشور الدولي في لبوان وماليزيا.
ويعرف قاموس اكسفورد للتمويل والبنوك, بنوك الأوفشور بأنها ممارسة تقديم الخدمات المالية في مواقع تجذب الزبائن غير المقيمين إليها نتيجة انخفاض الضرائب, هذا يعني أن الفرق الأساسي بين البنوك التقليدية وبنوك الأوفشور هو أن خدمات الأخيرة هي عادة لا تكون لمواطني البلد الذي تعمل فيه.
ب- تطور نظام الأوفشور:
ظهرت بنوك الأوفشور نتيجة التشريعات المالية المصرفية الصارمة خلال فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي في الدول الصناعية مثل متطلبات الاحتياطي القانوني وتحديد معدلات الفائدة وفرض قيود على التعامل ببعض المنتجات المالية, والرقابة على رأس المال, وإجراءات الإفصاح المالي, وتعتبر الإجراءات الصارمة هذه السبب الأساسي لظهور وتطور بنوك الأوفشور.(1)
فإثر الإعلان عن هذا النظام الجديد قامت المصارف الأمريكية والمؤسسات المالية التابعة لها بإقامة مثل هذه المناطق الحرة (أسواق العملات) في أنحاء مختلفة من العالم, وخاصة في أوروبا وفي الشرقين الأوسط والأقصى و لعل أكثر هذه المراكز نشاطا هي تلك التي أنشأت في جزر الكاريبي والبحرين.
وأشارت التقديرات إلى أن حجم عملياتها يبلغ نحو 1500 مليار دولار سنويا والجدير بالملاحظة أن أهم مصادر تمويل نظام الأوفشور هي أسواق العملات الدولية, وبالدرجة الأولى سوق اليورو دولار وخصوصا بعد زيادة العائدات النفطية عام 1974-1975 وعام 1979 ونشوء ما سمي بالدولارات النفطية والتي تمثل هي الأخرى نوعا آخرا من الدولارات التي تقع خارج دائرة التأثير الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية.(1)
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد عام 1996 حصلت هناك زيادة كبيرة في التعامل بالحسابات المصرفية بغير الدولار, مما شجع على التوسع في إنشاء بنوك الأوفشور.
أما في ما يتعلق بظهور بنوك الأوفشور في قارة آسيا فقد بدأت نشاطاتها بعد عام 1968, عندما انطلقت في سنغافورة سوق الدولار الآسيوي, وإصدار الوحدات النقدية الآسيوية, وقد تم إنشاء سوق الدولار الآسيوي ليكون بديلا لسوق لندن لليورو دولار للاستثمار في الفائض النفطي في كل من اندونيسيا وماليزيا.
أما في أوروبا فكانت البداية من خلال جذب المستثمرين إلى لوكسمبورغ من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا في بداية السبعينات في القرن الماضي نتيجة انخفاض الضرائب على الدخول, والعمل بقاعدة السرية المصرفية, ونتيجة لذلك ارتفعت قيمة الأصول لهؤلاء المستثمرين بمعدل 8% سنويا للفترة من 1987-1997, أما في الشرق الأوسط فكانت البداية في دولة البحرين لتلعب دور مركز التحصيل للفائض للمنطقة خلال منتصف السبعينات بعد إصدار التشريعات المصرفية المناسبة وتقديم التسهيلات الضريبة التي قادت إلى إنشاء بنوك الأوفشور, وفي الوقت الحاضر هناك ما يزيد على 500 بنك اوفشور منتشرة في مختلف أنحاء العالم.(2)
ج- الرقابة على أعمال بنوك الأوفشور:
إن الحرية المتاحة لبنوك الأوفشور لا تعني أنها تعمل بحرية مطلقة دون رقابة على نشاطاتها, ففي عام 1975 كانت هناك أول محاولة للتقتيش والرقابة على عمل الأنشطة الدولية للبنوك بموجب اتفاقية بازل, وفي عام 1992 تم إصدار ما يسمى بالحد الأدنى للمعايير للرقابة على المجموعات المصرفية الدولية ومؤسسات عبر الحدود (الأوفشور) التابعة لها من قبل لجنة بازل, وفي عام 1996 صدر تقرير أطلق عليه تقرير 1996 حول الرقابة على الأنشطة المصرفية عبر الحدود تمت المصادقة عليه من قبل مراقبي البنوك من140 دولة, حيث تم تشكيل مجموعة عمل تضمنت أعضاء لجنة بازل ومجموعة مراقبي البنوك حيث قاموا بإعداد التقرير المذكور والذي تضمن 29 توصية تعالج العديد من المشاكل العلمية المرتبطة بتنظيم عمل بنوك الأوفشور, وتم تقسيم التقرير إلى قسمين:
القسم الأول: ركز على الوسائل التي يتمكن من خلالها مشرفو البلد المعين الحصول على المعلومات التي يحتاجونها للقيام بالرقابة الفعالة على نشاطات بنوك الأوفشور.
القسم الثاني: ركز على الحاجة إلى القيام بالرقابة الفعالة على جميع العمليات المصرفية لبنوك الأوفشور.(1)
2- أهداف نظام الأوفشور وأهم أسواقه :
أ- أهداف نظام الأوفشور:
تهدف بالدرجة الأولى إلى استعادة جزء من الدولارات الأمريكية المتسربة إلى الخارج وإعادة توطينها داخل الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق إعفاء البعض منها من الضرائب والقيود في حالة بقائها ضمن المناطق المالية الحرة، لكن الهدف الخفي من وراء هذه الخطوة أو النظام الجديد هو إحكام الهيمنة الأمريكية على النظام النقدي العالمي، عن طريق إخضاع الدولارات التي تجوب أنحاء العالم إلى سيطرتها وتوجيهها وفقا للسياسات التي تؤمن المصالح الأمريكية، وربما أحيانا إشاعة حالات الارتباك والفوضى في الأسواق المالية والعالمية، وتهديد الأنظمة الأوروبية الحليفة.(2)
ب- أهم أسواق الأوفشور:
ب-1- سوق اليورودولار: يعتبر جزءا هاما من أسواق الأوفشور والتي تعتبر مراكز مالية عالمية توجد في أماكن عديدة لا تخضع لقوانين أي بلد وليست مجبرة للخضوع لأية قوانين حكومية.
ب-2- جزر البهامس: أصدرت السلطات النقدية نوعين من التراخيص يدعى الأول العمل المباشر وهذا النوع يتطلب تواجد فعلي للوحدات.
والثاني يدعى العمل غير المباشر وهو لا يتطلب تواجد فعلي للوحدة في جزر البهامس، ولكن تم التسجيل فقط لدى الشركات النقدية بموجب بعض السندات.(3)
هذا بالإضافة إلى المراكز المالية الموجودة في سنغافورة والبحرين التي تم الحديث عنها في الفرع (ب).
بالإضافة إلى أسواق أخرى توجد بكل من لوكسمبورغ، قبرص، كيمان ...إلخ.
3- ايجابيات وسلبيات نظام الأوفشور :
أ- الإيجابيات:
بشكل عام يمكن القول أن من المبررات الأساسية التي تدفع الدول إلى الموافقة على إنشاء بنوك الأوفشور هو حرية الدخول إلى أسواق رأس المال الدولية.
- جذب المهارات والخبرات الأجنبية المطلوبة.
- إدخال عنصر المنافسة الجديدة إلى النظام المالي المحلي ولو انها تساعد في نفس الوقت على توفير الحماية للمؤسسات المحلية.
- بعض الدول تطمح إلى تحقيق الاستفادة من الأنشطة المربحة التي يتم تمويلها من قبل بنوك الأوفشور وخلق فرص عمل جديدة لأبناء البلد.
وتشرك جميع بنوك الأوفشور بوجود العناصر التالية:
1. انخفاض الضرائب أو عدم وجودها.
2. الخدمات المقدمة هي بشكل أساسي للزبائن من غير المقيمين.
3. هناك شرط توفر وسائل الاتصال المتقدمة والخدمات المصرفية المتطورة.
4. نظام قانوني يدعم المحافظة على السرية المصرفية.
5. درجة عالية من الاستقرار السياسي, فلا يوجد هناك مستثمر يرغب بالاستثمار في عملة بلد لا يستطيع توفير الحماية والأمان لعملته بما يضمن حقوق المستثمرين.
6. التركز في بلدان صغيرة ذات موارد طبيعية محدودة.
ب- السلبيات:
بالإضافة إلى وجود ايجابيات لبنوك الأوفشور توجد هناك سلبيات لها وتتمثل في:
1. إن بنوك الأوفشور تعمل على تزويد الأفراد والشركات بوسائل يمكن من خلالها تجنب دفع الضرائب بشكل متعمد، ومن المعروف أن دفع الضرائب يمثل التزام قانوني تجاه الدولة، وبالطبع فإن تقليص حجم الضرائب المدفوعة إلى الدولة سوف يؤدي إلى إضعاف قدرتها على تقديم المزيد من الخدمات.
2. إن خاصية سرية العمل المصرفي ومرونة القوانين والأنظمة التي تعمل بموجبها بنوك الأوفشور سوف تسمح بجذب المزيد من الأموال المتأتية من ممارسة نشاطات عالمية محرمة, فعلى سبيل المثال هناك تزايد ملحوظ في عدد هذا النوع من البنوك في انتجو وبربود (هي مراكز مالية للأوفشور) التي تشتهر بغسيل الأموال حسب ما ورد في أحد تقارير الحكومة الأمريكية في عام 1997، وقد ثبت ارتباط العديد من هذه البنوك مع بنوك أوفشور في روسيا وبلدان أخرى.
3. إن صفة الالتفاف على القوانين والأنظمة التي تعمل بموجبها بنوك الأوفشور جعلت من نشاطات وسمعة هذه البنوك موضع شك وتساؤل مستمر مما يقود البعض إلى الاعتقاد أنه سوف لا تكون هناك عملية انتشار وقبول واسع لهذه البنوك، كما هو الحال بالنسبة للبنوك الاعتيادية.
وفي دراسة لصندوق النقد الدولي عام 1999 قام بها كل من أريكو ومواسالي أشارت إلى تراجع دور بنوك الأوفشور بانخفاض قيمة الأصول بين الحدود، ورغم هذه النظرة التشاؤمية حول مستقبل بنوك الأوفشور هناك من يدافع عن بعض هذه البنوك باعتبارها أصبحت معروفة وتدار بشكل جيد مثل تلك الموجودة في سويسرا، لوكسمبورغ، البهاماس، سنغافورة، هونغ كونغ.(1)