-->

المسح العقاري

المسح العقاري
    المسح العقاري
    المسح العقاري

    نتناول في هذا المبحث الأول، مفهوم عملية المسح ( المطلب الأول )، ثم نتناول إجراءات المسح ( المطلب الثاني )، ونتطرق إلى آثار المسح وإشكالاته القانونية(المطلب الثالث).
    المطلب الأول: مفهوم عملية المسح العقاري
    نتناول فيه تعريف عملية المسح(الفرع الأول)، أسس عملية المسح العقاري (الفرع الثاني)، الهيئة المكلفة بإعداد مسح الأراضي العام (الفرع الثالث).
    الفرع الأول: تعريف عملية المسح: لم يعط المشرع الجزائري كبقية التشريعات تعريفا واضحا ودقيقا لعملية المسح، واكتفى فقط بتوضيح الغاية والهدف من وراء عملية المسح، وعليه فقد تكفل الفقه بإعطاء تعريفات مختلفة لهذه العملية، ويمكن تعريفها على أنها: عملية تقنية وفنية وقانونية وثابتة تقوم بها جهة رسمية بهدف وضع نظام عقاري عصري له ركيزة مادية هي " البنك العقاري "[13]، كما يمكن تعريفها بأنها " تحديد مواقع العقارات وأوصافها وتعيين الحقوق المترتبة عليها، وتعيين الأشخاص المترتبة لهم أو عليهم هذه الحقوق، وإجراء تسجيلها أول مرة في وثائق السجل العيني "[14].

    إن الأمر 75/74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 والمتعلق بإعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري، لم يعط كما أسلفنا تعريفا لعملية مسح الأراضي، وإنما اكتفى بتوضيح الهدف من العملية، وذلك في نص المادة 2 منه بقوله:" إن مسح الأراضي العام يحدد ويعرف النطاق الطبيعي للعقارات ويكون أساسا ماديا للسجل العقاري"، غير أن المشرع قام بموجب المرسوم 84/400 المؤرخ في 24/12/1984 بتعديل المادة الرابعة من المرسوم 76/63 المتعلق بإعداد المسح العام للأراضي، وذلك بتوضيح بمعنى أدق لنطاق عملية مسح الأراضي العام لتشمل عملية المسح تحديد العقارات المملوكة ملكية عامة وذلك بنص المشرع في المادة 6 من المرسوم 76/62 على أن تقدم الدولة والولايات والبلديات والمؤسسات والهيئات العمومية جميع التوضيحات اللازمة فيما يخص حدود ملكيتها، وإن وضع الحدود للعقارات الأخرى يتم بمساعدة مالكيها.
    ويقصد بموضوع عملية المسح مشتملات عملية المسح ونطاقها، أي ما هي العقارات التي تخضع لإجراء عملية المسح، هل هي تكون موضوع عملية المسح العقارات بجميع أنواعها، ومهما كان مالكها، وهل تكون موضوعا لعملية المسح.
    وحسب نص المادة 15 من المرسوم 76/62 فإن مسح الأراضي المقسم إلى أقسام والى أماكن معلومة، يقسم بدوره إلى أجزاء للملكية والى قطع للأرض، فالقسم المساحي هو جزء من الإقليم البلدي المحدد بطريقة ما، والمكان المعلوم يطابق تجمعا من أجزاء الملكية داخل نفس القسم، والذي يطلق عليه السكان عادة بعض التسمية، أما جزء الملكية فيتكون من مجموع الأملاك المتجاورة ( قطع الأراضي) ويملكه عادة مالك واحد، أو يعود إلى شيوع واحد في مكان واحد معلوم ويكون وحدة عقارية مستقلة تبعا للترتيب المعطى للملكية، أما قطعة الأرض هي قسم من جزء الملكية لقطعة واحدة ويمثل طبيعة واحدة لشغل أو تخصيص الأرض.
    ويطرح التساؤل هل تدخل الأملاك الوطنية ضمن عملية المسح العقاري[15]؟. الملكية العقارية حسب نص المادة 23 من القانون 90/25 المتعلق بالتوجيه العقاري تصنف إلى أملاك وطنية، أملاك الخواص أو الملكية الخاصة، الأملاك الوقفية، وتتكون الملكية الوطنية من أملاك وطنية عمومية وأملاك وطنية خاصة حسب نص المادة 2 من القانون 90/30 المتعلق بالأملاك الوطنية، وأخضع المشرع هذه الأملاك إلى عملية الجرد المنصوص عليه في المادة 8 من القانون 90/30 ويعني الجرد العام للأملاك الوطنية، التسجيل الوصفي والتقييمي لجميع الأملاك الخاصة والتابعة للدولة والولاية والبلدية، والتي تحوزها مختلف المنشآت والهيئات والمؤسسات، طبقا للمادة 2 من المرسوم 91/455 المؤرخ في 23/12/1991 المتعلق بجرد الأملاك الوطنية.
      ويحدد ضمن القوام المادي وطبيعة الأراضي، إن اقتضى الأمر أنماط المزروعات الفلاحية التي تنجز فيما يخص العقارات الريفية، والقوام المادي وطبيعة شغل أو تخصيصها ونمط استعمال النباتات المقامة عليها أو استغلالها ووصفها حسب كل طابق فيما يخص العقارات الحضرية، كما يتم تحديد الملاك الظاهرين وكذلك كيفية الاستغلال، حيث يجب أن تكون هذه العمليات مصحوبة بتحديد الملكيات العمومية والخاصة، ويجب أن تكون الحدود على اختلاف أنواعها وحسب الحاجة مجسمة بكيفية دائمة، إما بواسطة معالم من حجر وإما بواسطة علامات أخرى، وذلك طبقا لتعليمات مصلحة مسح الأراضي.
    إن لعملية المسح العقاري أهداف اقتصادية واجتماعية والأهم قانونية، وتهدف أيضا إلى تحديد محيط أقاليم البلديات، وتحديد وتعريف النطاق الطبيعي للعقارات ويكون أساسا ماديا للسجل العقاري، ووضع مخططات.
    إن إنشاء مسح الأراضي العام حقيقة يبقى الخيار الوحيد من أجل الوصول إلى هدفين، هما التطهير العقاري، وتجهيز التراب الوطني بمخططات وسندات مقيدة تخدم التطوير الاقتصادي والاجتماعي على حد السواء، ومسح الأراضي العام المنشأ بموجب الأمر 75/74 هو الأجدر للقيام بذلك، لذا يقتضي الأمر أن يستند إنشاؤه وتقويته على قواعد تقنية وقانونية تسمح بالحصول في نفس الوقت على تعيين دقيق لحدود كل ملك والتعرف على الملاك، ويخضع تأسيس مسح الأراضي إلى سيرورة والى قواعد وضوابط غالبا ما تكون عالمية على الصعيد التقني، ومستوحاة من القانون المدني على الصعيد القانوني[16].
    الفرع الثاني: أسس المسح العقاري
    يقصد بأسس عملية المسح العقاري، الوثائق والسندات وجميع الوسائل القانونية التي على أساسها يتم تسجيل الحقوق العينية العقارية لأول مرة في السجل العيني أي في مجموع البطاقات العقارية.
    وباستقراء نصوص الأمر 75/74 والمرسومين 76/62 و76/63 نجد أن المشرع ومن أجل القيام بعملية المسح، لم يستثن أية وثيقة معترف بها يمكن أن تساعد وتساهم في معرفة أصحاب الحقوق العينية، فقد تكون الوثائق عرفية وقد تكون رسمية، فلجنة المسح من مهامها حسب نص المادة 9 من المرسوم 76/62 البت بالاستناد إلى " جميع الوثائق " العقارية ولاسيما السندات وشهادات الملكية المسلمة على إثر عمليات المعاينة لحق الملكية المتممة في نطاق الثورة الزراعية في جميع المنازعات التي لم يمكن تسويتها بالتراضي، فعبارة جميع الوثائق لا تحصر الوثائق في نوع معين، ولو كانت الوثائق يشترط فيها شكلا خاصا لإثبات الحقوق لمَنَع القانون على اللجنة الاستناد إليه، كما أن المشرع رتب الترقيم المؤقت لمدة 04 أشهر بالنسبة للعقارات التي ليس لمالكيها الظاهرين سندات ملكية قانونية، والذين يمارسون حيازة طبقا للقانون[17]، كما رتب الترقيم المؤقت لمدة سنتين 02 بالنسبة للعقارات التي ليس لملاكها الظاهرين سندات إثبات كافية[18].
    الفرع الثالث: الهيئة المكلفة بإعداد مسح الأراضي العام
    تدخل مهمة المسح العقاري ضمن مهام واختصاص المديرية العامة للأملاك الوطنية، حسبما أسماها المرسوم التنفيذي رقم 95/54 المؤرخ في 15 فيفري 1995، والمرسوم التنفيذي رقم 95/55 الصادر أيضا بنفس التاريخ، الذي تضمن تنظيم الإدارة المركزية على مستوى وزارة المالية، فتضم المديرية العامة للأملاك الوطنية مديريتين، الأولى خاصة بعمليات أملاك الدولة والعقارية، والثانية إدارة الوسائل، وتشمل مديرية أملاك الدولة والعقارية أربع مديريات فرعية من بينها: المديرية الفرعية للحفظ العقاري ومسح الأراضي، وهي المديرية التي يعنيها نشاط المسح العقاري، حيث تشكل أعلى هيئة إدارية مركزية مكلفة بالقيام وبمتابعة مراقبة عمليات المسح، وإعداد المخطط العام له، ومن بين مهامها اقتراح وتحضير النصوص القانونية التي تدخل ضمن مهامها، ومتابعة وتفتيش ومراقبة المحافظات العقارية عبر شكاوى المواطنين والتقارير التي تصلها من المتعاملين، وكذلك متابعة عمليات مسح الأراضي، ومراقبتها ومراعاة مدى تطابقها مع القانون، والتنسيق مع الوزارات التي لها علاقة في إطار عملها كوزارة العدل والفلاحة والمالية.
    وبموجب المرسوم التنفيذي 89/234 المؤرخ في 19 ديسمبر 1989، تم إنشاء وكالة وطنية لمسح الأراضي، وهي مؤسسة عمومية ذات طابع إداري، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تحت وصاية وزارة الاقتصاد ( وزارة المالية حاليا ).
     وهي مكلفة بإنجاز العملية التقنية الرامية إلى إعداد مسح الأراضي العام في جميع أنحاء التراب الوطني.
    وتتلخص مهامها حسب المادة 5 من المرسوم التنفيذي 89/234 المعدل بالمرسوم التنفيذي 92/63 المؤرخ في 12 فبراير 1992 بما يلي في إطار إعداد مسح الأراضي العام:
    -         تنفيذ أعمال التحقيق العقاري الخاصة برسم الحدود والطبوغرافيا بأساليب أرضية.
    -         ترقيم العقارات الممسوحة في السجل العقاري.
    -    تحضير العقود والملفات المتعلقة بأشغال لجان مسح الأراضي ورسم الحدود المنصوص عليها في إطار التنظيم الذي يخضع له إجراء إعداد مسح الأراضي العام وتتولى الكتابة لها.
    -         القيام بتحرير مخططات مسح الأراضي العام والوثائق الملحقة بها وضبطها باستمرار.
    -         إنشاء البطاقات العقارية التي تسمح بتكوين السجل العقاري.
    -         تطبيق عمليات تطابق مسح الأراضي مع السجل العقاري الذي تمسكه إدارات الحفظ العقاري.
    -         تنظيم الأرشيف والاستشارة ونشر الوثائق المتعلقة بمسح الأراضي بوسائل الإعلام الآلي.
    -    مراقبة الأشغال المنجزة من طرف المسَاحين ومكاتب الدراسات الطبوغرافية التابعة للخواص لفائدة الإدارات العمومية.
    هذه المهام كانت من اختصاص إدارة أملاك الدولة والأملاك العقارية، وتم تحويلها بموجب نص المادة 30 من المرسوم 89/234 إلى الوكالة الوطنية لمسح الأراضي، وترتب على هذا التحويل:
    -    حلول الوكالة محل مفتشيات أقسام مسح الأراضي التابعة للولاية والأقسام التقنية لمسح الأراضي التابعة للإدارة المركزية في وزارة الاقتصاد ( المالية )، وانتهاء الصلاحيات التي تمارسها إدارة شؤون أملاك الدولة والأملاك العقارية في هذه المهام، وهو ما نصت عليه المادة 31 من المرسوم 89/234 .

    المطلب الثاني: إجراءات المسح
             سنتناول المرحلة التحضيرية(الفرع الأول)، والمرحلة الميدانية(الفرع الثاني).
    الفرع الأول: المرحلة التحضيرية
    أولا- افتتاح عملية المسح: يتم افتتاح عمليات المسح العقاري في كل بلدية، بناءا على قرار يصدره الوالي المختص إقليميا، ويبين فيه على الخصوص تاريخ افتتاح العمليات التي تبدأ على الأكثر بعد مدة شهر من تاريخ نشر هذا القرار.
    يتم نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية، وفي مجموعة القرارات الإدارية للولاية المعنية، ويكون محل نشر واسع في الجرائد اليومية الوطنية، كما يبلغ رئيس المجلس الشعبي البلدي المعني بذلك[19].
    وقبل افتتاح العملية بخمسة عشر يوما، يعلم المواطنون بهذه العمليات، بواسطة لصق الإعلانات في مقر الدائرة والبلدية المعنية، والبلديات المجاورة[20].

    ثانيا- لجنة المسح: بمجرد افتتاح عملية المسح على مستوى بلدية ما تنشأ لجنة بلدية للمسح، وتتكون من قاض من المحكمة التي توجد البلدية ضمن دائرة اختصاصها وهو يرأسها، ويتم تعيينه من طرف رئيس المجلس القضائي، وتتكون من رئيس المجلس الشعبي البلدي أو من يمثله ويكون هو نائب الرئيس، ومن ممثل للمصالح المحلية لإدارة الضرائب المباشرة، وممثل للمصالح المحلية للأملاك الوطنية، وممثل وزارة الدفاع، وممثل مصلحة التعمير في الولاية، وموثق تعينه الهيئة المخولة في المنظمة المهنية، ومهندس خبير عقاري تعينه الهيئة المخولة في المنظمة المهنية، والمحافظ العقاري المختص إقليميا أو ممثله، والمسؤول المحلي للوكالة الوطنية لمسح الأراضي أو ممثله[21].
    تجتمع لجنة المسح  بناءا على طلب مسؤول الولاية لمسح الأراضي وبناءا على دعوة من رئيسها،  طبقا للمادة 8 من المرسوم 76/62.
    إن مهام لجنة المسح تتمثل في:
    -         جمع الوثائق والبيانات من أجل تسهيل إعداد الوثائق المساحية، والتثبت إن اقتضى الأمر من اتفاق المعنيين حول حدود عقاراتهم، أو التوفيق بينهم في حالة عدم وجود اتفاق إن أمكن.
    -    كما يمكن لها البت بالاستناد إلى جميع الوثائق العقارية ولاسيما السندات وشهادات الملكية المسلمة على اثر عمليات المعاينة لحق الملكية المتممة في نطاق الثورة الزراعية في جميع المنازعات التي لم يمكن تسويتها بالتراضي[22].
    -    تتخذ اللجنة قراراتها بالأغلبية، ويجب أن يكون ثلث أعضائها على الأقل حاضرين، ويرجح صوت الرئيس في حالة تساوى الأصوات، وتنفذ قرارات اللجنة بموجب مقرر من الوالي[23].
    -    يعاب على هذه اللجنة أولا، أنها تتشكل من عدة أعضاء يصعب جمعهم بأكملهم في وقت واحد من أجل وضع الحدود في كل بلدية بمجرد افتتاح عمليات المسح، كما أن المشرع أعطى وجعل رئاسة هذه اللجنة منوطة بقاضي، أي إعطاء الصبغة القضائية للقرارات الصادرة عن هذه اللجنة غير أنها لا تنفذ إلا بقرار من الوالي وهو الصبغة الإدارية أي إفراغ الطبيعة القانونية لقرار اللجنة من الصبغة القضائية إلى الصبغة الإدارية. كما أن المشرع أغفل النص على الطعن في قرارات اللجنة صراحة وأشار إلى فترة ثلاثة أشهر الممنوحة إلى الأفراد بعد انقضاء ميعاد الإيداع القانوني لوثائق المسح في البلدية لرفع دعوى أمام القضاء، ولا يعتبر ذلك طعنا، وكان الأولى أن ينص المشرع على الطعن ويحدد كيفياته وآجاله كمرحلة أولى تسبق مرحلة اللجوء إلى العدالة، لأن ذلك قد يغني عن اللجوء إليها أصلا وهذا من باب تثمين وقت القضاء[24].

    ثالثا- جمع الوثائق لتحديد محيط إقليم البلدية: قبل البدء في عملية المسح، لابد من جمع الوثائق اللازمة التي تساعد على تحديد محيط إقليم البلدية، ويتعلق الأمر بالوثائق المعدة تطبيقا للقانون رقم 84/09 المؤرخ في 04/02/1984 التضمن التنظيم الإقليمي للبلاد، وكذا مخططات الوحدات الإدارية القديمة، هاتان الوثيقتان تعتبران مهمتين لمعرفة محيط الإقليم البلدي.
    وهناك وثائق أخرى تعد ضرورية لعمليات المسح المتعلقة بالأملاك التابعة للدولة والبلديات، كما وجدت قبل صدور الأمر المتضمن الثورة الزراعية، والأملاك التي كانت موضوع نزع الملكية على مستوى البلدية، وكذا المخططات الخاصة المتعلقة بالتنازل والتخصيص والتحويل، هذه الوثائق توجد على مستوى مصالح أملاك الدولة والوكالات الجهوية لمسح الأراضي، كما يجب طلب قائمة الملاك الذين لهم حقوق مشهرة من مصالح المحافظة العقارية، وكذا السجل الجبائي المتواجد على مستوى المصالح الجبائية[25].
    لقد أوجب القانون على البلديات القيام بتحديد محيط أقاليمها، ويقوم بهذا التحديد موظف مكلف بعمليات مسح الأراضي، وبحضور وتحت إشراف رئيس المجلس الشعبي البلدي للبلدية ورؤساء المجالس الشعبية للبلديات المجاورة، ويقوم وزير الداخلية بتفحص وحل الصعوبات التي تنجر عن تحديد حدود البلديات. ويجب على الدولة والولايات والبلديات والمؤسسات والهيئات العمومية تقديم جميع التوضيحات اللازمة فيما يخص حدود ملكيتها، كما أن وضع الحدود للعقارات الأخرى يتم بمساعدة ملاكها[26]. وتتم عملية وضع الحدود الإقليمية للبلدية أساسا في ثلاثة مراحل:
    أ‌-       أشغال الاستطلاع. ب- إعداد المخططات البيانية. ج - تحرير المحضر.

    رابعا- تقسيم البلدية: بعد جمع الوثائق والمخططات الموجودة على مستوى جميع المصالح العمومية المعنية، تأتي خطوة أخرى من الأعمال التحضيرية وتتمثل في تقسيم البلدية إلى قطاعات وأقسام، حيث توضع جميع المخططات لدى إدارة المسح التي تقوم بواسطة تقنييها المختصين بإجراء دراسة تقنية معمقة ويعتمد هؤلاء في تقسيمها على معايير فنية بحتة.
    وتقسم البلدية إلى : القطاع (secteur ) وهو رقعة جغرافية أرضية تمثل جزءا من تراب البلدية عادة ما تكون حدودا تنتهي إلى فواصل طبيعية أو ثابتة مثل الطرق، المجاري المائية، كالوديان والسدود والقنوات، الفواصل الحديدية، والى القسم (section ) وهو جزء من القطاع يحتوي مجموعة من أجزاء الملكية لها نفس طبيعة الوظيفة والتخصيص، وفي هذا الصدد يقوم تقنيو مسح الأراضي بإعداد مخطط لكل قسم حتى يسمح لهم بمتابعة الأشغال بكل دقة، وإجراء التحقيقات وعمليات التحديد بكل بساطة دون تعقيد.
    وفي هذه المرحلة هناك عمليات تقنية بحتة لا مجال لها في دراستنا هذه.

    الفرع الثاني: المرحلة الميدانية: ونتناول فيه التحقيق (أولا)، عملية وضع الحدود (ثانيا )، ثم إعداد مختلف وثائق المسح(ثالثا )، ثم إيداع وثائق المسح بمقر البلدية (رابعا )، ثم تقديم الشكاوى ودراسة الاحتجاجات (خامسا ).                                                                                
    أولا- التحقيق: وعملية التحقيق هي العملية التي تلي المرحلة التحضيرية، ويتم خلالها جرد وتحقيق للحالة العقارية في جوانبها الطبيعية والقانونية، وهي تهدف إلى جمع والتقاط كل العناصر الضرورية لمعاينة حق الملكية والحقوق العينية الأخرى أو أي أعباء تثقل العقار، وجمع المعلومات المتعلقة بتعريف هوية ذوي الحقوق وتطبيق هذه المعلومات.
    يتم سير التحقيق بالموازاة مع عمليات تثبيت الحدود، كما أن على المحققين حث الأشخاص على تقديم مساعداتهم ويشرحوا لهم موضوع التحقيق وهدف المسح الذي يرتكز على تمتين قانون الأملاك العقارية، وهنا فإن مساهمة الملاك أو الشاغلين بتنوير التحقيق ليس فقط بالوضعية القانونية لأملاكهم ولكن أيضا بأملاك الجيران[27].
    وفي هذه المرحلة يتم إجراء عملية إشهار واسعة، طبقا لنص المادة 3 و 10 من المرسوم 76/62، ويتم استدعاء كل شخص له علاقة بالعقار موضوع المسح بواسطة 03 استدعاءات، تفصل بين كل استدعاء مدة 15 يوما، وإلا فإن عملية التحديد تتم تلقائيا دون حضوره.
    ويجري إعداد تحقيق عقاري ورسم تخطيطي للعقارات، ويشرف على عملية التحقيق العقاري محققان، الأول من المحافظة العقارية والثاني من إدارة أملاك الدولة، بالإضافة إلى حضور عون من البلدية عند عمليات التحقيق بصفته ممثلا لهذه الجماعة فيما يخص الأملاك العقارية البلدية، وكل هؤلاء الأعوان يؤدون مهامهم تحت رئاسة رئيس فرقة المسح وهم مكلفون بفحص السندات والوثائق المقدمة لهم، وجمع أقوال وتصريحات الأشخاص المعنيين، وإثارة وجلب كل الآراء والملاحظات التي قد تنير التحقيق، كما يقدرون وقائع الحيازة المثارة، والكشف عن الحقوق المحتملة للدولة على العقارات موضوع التحقيق، والأهم هو مقارنة المعلومات المستقاة ميدانيا بتلك الموجودة بأرشيف المحافظة العقارية، أو الموجودة على مستوى إدارة أملاك الدولة والوثائق الأخرى المجمعة أثناء الأشغال التحضيرية وإعداد بطاقة التحقيق العقارية. كما تسلم للحائز وثيقة التحقيق ليوقع عليها هو والشهود الذين يثبتون حيازته ويسجل مؤقتا بها.
    وفي إطار التحقيق الذي يجري في هذه المرحلة، فإن المحققين عليهم الاستناد في إثبات حق الملكية إما بواسطة السند، وفي غيابه بواسطة التحري، فالإثبات بواسطة السند يرتكز على الفحص الدقيق للوثيقة المقدمة، وهنا يكون المحققون أمام السندات الرسمية ومن بينها، سندات الملكية المعدة من طرف إدارة أملاك الدولة في عهد التشريع العقاري القديم، العقود الإدارية المنشئة، الناقلة أوالمصرحة أو المثبتة، أو المعدلة للملكية العقارية، أو الحقوق العينية العقارية المعدة من طرف عامل عمالة أو رؤساء البلديات في السابق، العقود المتعلقة بالملكية أو حقوق عينية معدة من طرف الموثقين السابقين، كاتب ضبط الموثق، والخاضعة لإجراء الإشهار العقاري، وهناك عقود متعلقة بالملكية والحقوق العينية، معدة من طرف القضاة والموثقين سابقا والتي كانت المناطق الريفية خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، والقرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه.
    وإذا كانت هذه السندات لا تعكس الوضعية الحقيقية للعقارات فهذا الأمر لا يمنع من إجراء تحريات وبحوث دقيقة[28].
    أما السندات غير الرسمية، فهي العرفية التي لها تاريخ ثابت قبل 1 جانفي1971. [29]
    وفي حالة غياب السند، فإن التحقيق يتم عن طريق التحرَي، الذي يرمي إلى جمع كل العناصر الضرورية لتقدير وقائع الحيازة المثارة، والتأكد ما إذا كان الشخص المعني بالتحقيق يمارس الحيازة طبقا لمقتضيات القانون المدني.
    وعلى المحققين أو أعوان الفرق الميدانية بصفة عامة الانتباه إلى المعاملات العقارية التي قد تحدث أثناء وخلال التحقيقات العقارية، وذلك بواسطة التنسيق بين إدارة مسح الأراضي والمحافظة العقارية في البلدية محل المسح.
    عند نهاية عملية التحقيق العقاري يتحصل المساحون على الحالات التالية، إما عقار له سندات ملكية قانونية، أو عقار ليس له سندات الملكية، أو عقار تم التحقيق فيه ولم يكن موضوع تصريح ولم يدَع أي شخص تملكه بالحيازة.

    ثانيا- عملية وضع الحدود: يتم وضع حدود العقارات الموجودة في المناطق  الحضرية والمناطق الريفية، بحضور كل الأطراف المعنية، ويجب أن تكون الحدود على اختلاف أنواعها، وحسب الحاجة مجسمة بكيفية دائمة إما بواسطة معالم من حجر وإما بواسطة علامات أخرى، ويفضل أن تكون هذه العلامات متسمة بالثبات[30]. وتؤدي عملية وضع الحدود إلى نقل الحدود المرفوعة على " المخطط البياني لوضع الحدود ".

    ثالثا- إعداد مختلف وثائق المسح: بعد الانتهاء من عمليات التحقيق الميداني، وعملية تثبيت الحدود، تعد وثائق المسح وهي تحتوي:
    -         جدول للأقسام وسجل لقطع الأراضي.
    -         سجل مسح الأراضي.
    -         المخططات المساحية.
    ويجب أن ترسل فور إعدادها صور رسمية ونسخ لهذه الوثائق إلى البلديات والإدارات المعنية[31].
    رابعا- إيداع وثائق المسح بمقر البلدية: بمجرد الانتهاء من العمليات التقنية والتحقيقات العقارية وإعداد الوثائق، تودع وثائق مسح الأراضي بمقر البلدية لمدة شهر على الأقل لتمكين الجمهور من الإطلاع عليها وكل شخص معني بعملية المسح. وتسلم الوثائق من طرف رئيس مكتب المسح إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي، الذي يسلمه شهادة إيداع. ويلاحظ أن النص تناول الإيداع ولم يوجب إعلانه وكيفيته بشكل صريح، وتناول مدة الإيداع ولم يضبطها بدقة رغم ما لهذه العملية من أهمية، مما يترتب عليها من آثار قانونية، حيث أن انتهاء هذه المرحلة يجعل نتائج المسح بما فيها المخططات المنجزة والبيانات التي تحتويها نهائية. وأهمية الإعلان تكمن في أنه يؤدي وظيفتين الأولى هي إعلام المعنيين بانطلاق هذه المرحلة، والثانية أن يكون أساسا لبدأ حساب مدة الإيداع[32]. يقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بإعلام الجمهور بالإيداع عن طريق إشعار ممضي من طرفه، حيث ينشر في الأماكن المعتادة للصق المناشير للبلدية والبلديات المجاورة، وكذا بالوسائل أو الإعلانات الكتابية أو الشفوية[33].
    خامسا- تقديم الشكاوى ودراسة الاحتجاجات: قبل مرحلة الإيداع وطيلة مدة شهر بعد الإيداع، تكون وثائق المسح مؤقتة، حيث يمكن لأي شخص تم المساس بحقه تقديم احتجاج، مبينا فيه الدوافع والأسباب، سواءا إلى رئيس المجلس الشعبي أو إلى رئيس الفرقة الذي يكون مداوما بمقر البلدية، وتقديم الشكاوى كتابة أو شفاهة، ويتعين على ممثل الإدارة تسجيل خلاصة الشكوى في سجل خاص بذلك يوقع من طرف الشاكي أو المعترض، ويوضع سجل الاحتجاجات أمام لجنة المسح من أجل فحصها وإبداء رأيها فيما يخص الشكاوى المقدمة، وتحاول التوفيق بين المعنيين، فإذا فشلت في ذلك تحدد الحدود المؤقتة للعقارات كما كان يجب أن تكون عليه في المخطط مع الأخذ بعين الاعتبار الحيازة[34]، ويحرر محضر لهذا الخلاف، وتنبه الأطراف إلى منحهم أجلا قدره 03 أشهر، فيما يخص الأجزاء المتنازع عليها، من أجل رفع دعوى أمام الجهات القضائية المختصة، وعند انتهاء هذا الأجل فإن الحدود وبصفة مؤقتة تصبح نهائية ما عدا تلك التي احتوت على غلط مادي معترف به، أو ماعدا حقوق المالك الحقيقي الذي يأتي ويكشف عن نفسه والذي لا تكون لشكواه أي أثر إلا بينه وبين جيرانه المباشرين[35].

    المطلب الثالث: آثار المسح، والإشكالات القانونية له
    الفرع الأول: آثار المسح
    تنتهي مرحلة المسح العقاري بمجرد إيداع وثائق المسح بالمحافظة العقارية، لقيد الحقوق العينية العقارية في السجل العقاري، والمشرع الجزائري منح إمكانية الطعن في نتائج المسح، ولاسيما الترقيم المؤقت، مما رتب عليه حجة نسبية قابلة لإثبات العكس، ويظهر ذلك من خلال ما نصت عليه المادة 16 من المرسوم 76/63 بقولها:" لا يمكن إعادة النظر في الحقوق الناتجة عن الترقيم النهائي الذي تم بموجب المواد 12، 13، 14 من هذا الفصل إلا تغيير الحقوق الناتجة عن ترقيم لا يزال مؤقتا تطبيقا لأحكام المادتين 13و14 فإن هذا الترقيم يحافظ على طابعه المؤقت إلى غاية صدور حكم قضائي".  
    فيستشف من هذا النص إمكانية مراجعة جميع البيانات المسجلة في السجل العقاري في مجال الحقوق المرقمة، وذلك من طرف المحافظ العقاري، بمناسبة تقديم الأطراف المعنية الدعائم المجدية والمؤيدة لحقوقهم، أو توصُله شخصيا طبقا لما يمنحه القانون من صلاحيات للتحقيق، والفحص والتثبت من صحة الأسانيد، والادعاءات المطروحة أمامه، وذلك خلال مهلة السنتين، وفي حالة فشل المصالحة[36] يستطيع الطرف المعني اللجوء إلى القضاء بموجب دعوى قضائية يرمي من خلالها لتغيير وتعديل الحقوق الناتجة عن الترقيم المؤقت، ويرتب المشرع أثرا في هذه الحالة، ألا وهو بقاء الترقيم مؤقتا، إلى غاية صدور الحكم القضائي النهائي، مما ينتج عدة آثار أهمها بقاء الحقوق العينية العقارية معلقة وغير مستقرة إلى غاية صدور الحكم القضائي، وحتى بعد انتهاء فترة السنتين، أين بموجبها يتحول الترقيم المؤقت إلى نهائي.
    وقد أمهل المشرع في هذه الحالة مدة 06 أشهر من أجل رفع الدعوى مما يجعله أجلا مسقطا لرفعها.
    وتجدر الإشارة أن الطعن في نتائج الترقيم النهائي تتم مباشرة أمام القضاء، طبقا لما تنص عليه المادة 16 من المرسوم 76/63.
       ونخلص إلى القول أن المادة 16 من المرسوم 76/63 قللت من شأن القوة الثبوتية المطابقة للسجل العقاري، حيث خولت الحق للأشخاص المنازعة في الحقوق الناتجة عن الترقيم النهائي، وإعادة النظر في قرارات المحافظ العقاري، دون إمهالهم بأجل مسقط، مما يفتح المجال لرفع الدعاوى للطعن في البيانات المدونة بالسجل العقاري، وحتى بعد صدور الدفتر العقاري وتسليمه، مما يؤثر بصفة سلبية على استقرار نظام الملكية العقارية.

    الفرع الثاني: الإشكالات القانونية لعملية المسح
    يعد المسح عملية تقنية وميدانية، تتطلب توافر مجهودات جبارة، على العديد من المستويات، المادية والبشرية وحتى القانونية، وتوفير جميع الإمكانيات بالقدر اللازم يشكل حتما عائقا يحول دون إتمام وتعميم عمليات المسح عبر جميع التراب الوطني من جهة، ومن جهة أخرى فإن المساحات الشاسعة للقطر الجزائري وبقاء الملكية مجهولة أو غائبة المالكين، وانتشار التصرفات والعقود العرفية من شأنه خلق مشاكل عويصة تصادف أعوان المسح والدولة لإتمام عملية المسح، وما يهمنا في دراستنا هو التطرق للمشاكل والعوائق القانونية ومن أهمها:
    1- بقاء الملكية مجهولة المالك: تعد عقارات مجهولة المالك، الأراضي أو القطع التي يثبت أعوان المسح بعد إجرائهم للتحقيق العقاري ومحاولة معرفة المالكين بأنهم غير معروفين أو مجهولين، ويقيدون ذلك في وثائق يودعونها لدى المحافظة العقارية، أين يقوم المحافظ العقاري بتسجيل العقار مجهول المالك باسم الدولة، ويمنحه ترقيما مؤقتا لمدة سنتين، من أجل تلقي الاعتراضات، والاحتجاجات إن وجدت طبقا للمادة 15 من المرسوم 76/63 السابق الذكر.
    فإذا ما قدم للمحافظ العقاري اعتراض يسعى هذا الأخير للبت فيه بالطرق القانونية، وبناءا على ما تم تقديمه له من وثائق ومستندات، وهنا نفرق بين 3 وضعيات[37]:
    ·   الوضعية الأولى: تقديم المعترض لوثائق رسمية: إذا ما قدم المعترض وثائق ذات حجية قانونية كالعقد الرسمي، أو عقد عرفي ثابت التاريخ فإن المحافظ العقاري لا يملك سوى تسجيله باسم مالكه وإعطائه ترقيما نهائيا، فإذا ما تضمن العقد المساحة الإجمالية للعقار المسجل فلا يرتب أي إشكال، إنما يطرح الإشكال في حالة ما إذا قدم المعترض وثائق تغطي جزءا فقط من المساحة المسجلة في الترقيم المؤقت، هنا يجب إعداد محضر معاينة الحدود تحت إشراف مهندس خبير عقاري مع إخطار إدارة المسح بذلك، وبعد إلغاء الترقيم السابق يتولى المحافظ العقاري في كل الأحوال ترقيم القطعة أو العقار، وتسجيله بناءا على محضر المعاينة ووثائق القياس المقدمة من طرف الخبير.
    ·   الوضعية الثانية: افتقاد المعترض لوثائق رسمية: قد يتقدم الشخص باعتراض أمام المحافظ العقاري دون حيازته لوثائق أو سندات رسمية[38]، فلا يكون أمام المحافظ العقاري سوى توجيه الشخص المعترض إلى القضاء بعد تبليغه بقرار رفض الاعتراض، إلا أن هذه الوضعية خلقت عدة إشكالات أمام المحاكم والمجالس القضائية والتي غالبا ما تبقى بدون حلول. وإثر ذلك أصدر المدير العام للأملاك الوطنية مذكرة بتاريخ 04/09/2004 [39] ألزم بموجبها الإدارة المعنية في حالة عدم وجود سند، إجراء تحقيق عقاري معمق للتأكد من توافر عناصر الحيازة على الأقل من يوم شروع فرقة المسح في تحديد مجموعة الملكية المعنية، فإذا ثبت من خلال التحقيق أن الحيازة تعود إلى فترة ما قبل عمليات المسح، يمكن الترقيم العقاري شريطة أن تكون أقوال وتصريحات الحائز مدعمة بشهادة شخصين مصرحة أمام موثق، بالإضافة إلى أنه لا يمكن تسجيل القطعة باسم الحائز إلا بعد مراسلة مصالح أملاك الدولة، وإثباتها لعدم تبعية العقار لأملاك الدولة.
    ·   الوضعية الثالثة: عدم ظهور المجهول: في حالة عدم تسجيل أي اعتراض خلال مدة السنتين من الترقيم المؤقت، فإن المحافظ العقاري يتولى تسجيل العقار باسم الدولة، إلا أن الإشكال الذي يبقى مطروحا هو حالة ظهور معترض بعد مضي المدة، وتسجيل العقار باسم الدولة، وسواءا كان هذا الشخص المعترض يملك سندات رسمية أو عرفية ثابتة التاريخ، فالسؤال المطروح ما هو الحل القانوني لهذه الإشكالية؟، لاسيما وأن النزاع متعلق بين شخص طبيعي من جهة, مالك العقار وهو لا يمكن تجاهله، وبين إدارة أملاك الدولة التي تبقى كذلك مالكة للعقار باسم الدولة. في ظل هذا الإشكال القانوني لا يسعنا إلا الإلحاح على ضرورة تعديل القانون، ولاسيما المرسوم 76/63، أو إصدار قوانين أخرى من شأنها سد هذا الفراغ، والقضاء على هذا الإشكال.
    ثانيا: العقود العرفية: يعد انتشار العقود العرفية[40] من أهم المشاكل التي تعترض عملية المسح، خاصة وأن هذه العقود لا تحتوي على إشارات مدققة للمساحات العقارية، وأوصاف العقارات محل التصرف، وعدم ذكر أصل الملكية والحقوق العينية المثقلة بالعقار، وعدم ذكر أسماء المتعاقدين وهويتهم بالطريقة الدقيقة والواضحة، أو أسماء الورثة وهويتهم، كل هذه المعطيات من شأنها أن تشكل نزاعات عقارية عكست نتائجها بعد مرور ثلاث عقود من الزمن، في ظل العقود العرفية ولاسيما في الفترة الممتدة من الاستقلال، والى غاية 1970 تاريخ صدور القانون المتعلق بالتوثيق[41]، وحتى بعد صدور القانون المدني سنة 1975[42]، والقانون 88/27 المتعلق بالتوثيق، أين أوجب هذا الأخير مبدأ الرسمية في التعاقد ووجوب الشهر العقاري لكافة التصرفات الناقلة للملكية، ورغم كل هذه الثورة التشريعية وتجسيدها من خلال العديد من قرارات المحكمة العليا[43]، إلا أن الأفراد ولعدة اعتبارات لا يزالون يفضلون التعامل بالعقود العرفية، مما نتج عنه ظاهرة الترقيم المؤقت، وما ظهر عنها من نتائج انعكست بصفة سلبية على إتمام إجراءات المسح العقاري في كامل التراب الوطني.

    التهميش : 
    [13] - سماح ورتي، المسح العقاري وإشكالاته في الجزائر، رسالة ماجستير، جامعة تبسة، 2005/2006، ص12.
    [14] -  حسن طوايبية، المرجع السابق، ص24.
    [15] - حسن طوايبية، المرجع السابق، ص25.
    [16] - سماح ورتي، المرجع السابق، ص14.
    [17] - راجع المادة 13 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري.
    [18] - راجع المادة 14 من نفس المرسوم.
    [19] - أنظر المادة 02 من المرسوم 76/62، المؤرخ في 25/03/1976، والمتعلق بإعداد مسح الأراضي العام.
    [20] - أنظر المادة 03 من المرسوم 76/62.
    [21] - أنظر المادة 07 من المرسوم 76/62 والمعدلة بموجب المرسوم التنفيذي 92/134 المؤرخ في 07/04/1992.
    [22] - أنظر المادة 09 من المرسوم 76/62.
    [23] - أنظر المادة 8/2 من المرسوم 76/62.
    [24] - حسن طوايبية، المرجع السابق، ص35.
    [25] - التعليمة رقم 16 المؤرخة في 24 ماي 1998 المتعلقة بسير عمليات مسح الأراضي والترقيم العقاري صادرة عن المدير العام للأملاك الوطنية، منشورة في كتاب ليلى زروقي وحمدي باشا، المنازعات العقارية، ص297 وما بعدها.
    [26] - أنظر المواد 05 و06 من المرسوم 76/62.
    [27] - أنظر التعليمة رقم 16 المشار إليها سابقا.
    [28] - أنظر التعليمة رقم 16 السالفة الذكر.
    [29] -  المادة 328 من القانون المدني " يكون تاريخ انعقاد العقد ثابتا: من تسجيله، من يوم ثبوت مضمونه في عقد آخر حرره موظف عام، من يوم التأشير عليه على يد ضابط عام مختص، من يوم وفاة أحد الذين لهم على العقد خط أو إمضاء ".
    [30] - أنظر المادة 04 من المرسوم76/62 المعدل بالمرسوم 84/400 المؤرخ في 24/12/1984.
    [31] - المادة 08 من الأمر 75/74 والمادة 01 من المرسوم 76/62.
    [32] - حسن طوايبية، المرجع السابق، ص38.
    [33] - أنظر التعليمة رقم 16، المرجع السابق.
    [34] - المادة 12 من المرسوم 76/62.
    [35] - المادة 14 من المرسوم 76/62.
    [36] - أنظر المادة 15 من المرسوم 76/63، وما سيأتي ذكره في هذه المذكرة فيما يخص الترقيمات في المبحث الثاني من هذا الفصل.
    [37] - عمار بوضياف، المسح العقاري وإشكالاته القانونية، مقال منشور بمجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة تبسة، ص50،51.
    [38] - كالعقود العرفية غير ثابتة التاريخ.
    [39] - المذكرة رقم 004618، صادرة عن المدير العام للأملاك الوطنية إلى مدراء الحفظ العقاري.
    [40] - يعرف العقد العرفي على أنه : العقود أو الأوراق التي لا تحرر من طرف ضابط عمومي أو موظف عام، إلا أنه يجب أن يكون لها تاريخ ثابت من أجل الاحتجاج بها بالنسبة للغير.
    [41] - راجع الأمر 70/91 المؤرخ في 15/12/1970 المتعلق بقانون التوثيق.
    [42] - راجع المادة 793 من القانون المدني.
    [43] - أنظر قرار الغرف المجتمعة للمحكمة العليا رقم 13615 المؤرخ في 18/02/1997، المجلة القضائية 1997 رقم 10.