-->

علم النفس الاجتماعي

علم النفس الاجتماعي
    علم النفس الاجتماعي
    علم النفس الاجتماعي


    علم لنفس.

    ماهية علم النفس .

    لقد حاول الإنسان أن يفسر ما يحدث حوله وان يتنبأ بما سيواجهه في مستقبله ، فقد حاول أيضا أن يفهم شيئا عن نفسه ، حاول أن يتفهم سلوكه وسلوك الآخرين ، حاول أن يعرف شيئا عما يدفع الناس ويدفعه إلى ما يقوم به من نشاط ، حاول أن يفسر اختلاف الأفراد ، فيما يقوم به من نشاط ، حاول أن يفسر اختلاف الأفراد فيما بينهم ، وغير ذلك من أوجه الحياة الإنسانية .
    وقد مرة الإنسان في محاولته لتفسير سلوكه و سلوك الآخرين بالمراحل التي مرة بها في تفسيره لظواهر الطبيعة ، وكثيرا ما كان يرجع ما يستعصي عليه فهمه وتفسيره إلى عوامل خفية ، ونحن نتذكر كيف كانت الإصابة بالمرض العقلي تفسر على أنها من عمل شيطان ، وما كان يترتب على ذلك من عزل هؤلاء المرضى و تعذيبهم بوحشية حتى تصبح أجسام المرضى مكان غير مناسب للأرواح الشريرة التي سكنتها فتتركها ويشفى المريض ، وغير ذلك من تفسيرات سلوك الإنسان ، ولاشك أن ما حدث في تطور العلوم الطبيعية قد حدث في تطور علم النفس ، فقد تجمعت البيانات وتراكمت الخبرات وبدا بعض الأفراد يحاولون استخدام وربط وتنسيق هذه البيانات و المعلومات وبدء علم جديد يظهر وهو علم النفس . ويهدف علم النفس كغيره من العلوم إلى فهم الظواهر موضع الدراسة و التنبؤ بها بغية السيطرة عليها و التحكم فيها و تشمل هذه الظواهر موضع الدراسة في علم النفس سلوك الإنسان وغيره من الحيوانات .
    يهتم علم النفس بدراسة سلوك الفرد و العوامل المختلفة التي تؤثر على سلوكه ويهتم بطرق نموا الفرد و تطور سلوكه ، يهتم بالعمليات المحتفلة مثل : التعليم ، التفكير ، التذكر ، ويهتم علم النفس بدراسة الدوافع التي تدفع وتوجه الإنسان في سلوكه .
    وعلم النفس كغيره من العلوم له مجالاته التطبيقية ، فهو يخدم مجالات تربية الطفل وإعداده للحياة التي تتناسب وسماته وقدراته وميوله ، مثل : علم النفس التربوي ، و التوجيه المهني والتربوي ، وهو يخدم مجالات الحياة الاقتصادية المختلفة مثل : علم النفس الصناعي ، وعلم النفس التجاري وسيكولوجية الإعلام وهو أيضا لا يترك الحياة الاجتماعية و العلاقات المتعددة الموجودة بين الأفراد دون أن يهتم بها مثل : علم النفس الاجتماعي ، ثم هو أيضا يتفرع ليخدم المرضى وكل من انحرف في سلوكه عن العاديين مثل الإرشاد النفسي و العلم النفس المرضي و العلاجي وسيكولوجية الأطفال غير العاديين و التربية الخاصة وبصفة عامة فعلم 
    النفس لا يترك مجالا به فرد يسلك دون أن يسهم في دراسته . وقد يجدر بنا في هذا المجال أن نحدد ما نعنيه بالسلوك وان نبين لماذا يهتم علم النفس بدراسة سلوك الإنسان و الحيوان وتطوره .
    ماهية السلوك .
    يقصد بالسلوك جميع أوجه النشاط التي تصدر عن الإنسان و التي يستطيع أن يلاحظها شخص آخر أو يستدل عليها الباحث بوسائله و أجهزته الخاصة ، مثل : تناول الطفل لطعامه أو إمساكه بدميته وضحكه وسروره وبكائه .
    وقد يكون السلوك ظاهرا يسهل علينا ملاحظته وقد يكون غير ظاهر ، فالنشاط الحركي الذي يقوم به الفرد و تعبيرات الوجه التي تصاحب الحالات الانفعالية و التعبير اللفظي الذي بقوم به الفرد هي أنواع من السلوك الظاهر نستطيع أن نلاحظها إن راقبنا من يسلك .
    أما أنواع النشاط العقلية مثل : التفكير و التذكر و الإدراك وغير ذلك فنحن لا نستطيع أن نلاحظها بصورة مباشرة و إنما نستدل على حدوثها من ملاحظة نتائجها ، فإذا ما وجهت سؤالا مثلا إلى احد الأشخاص ، فأنت لا تستطيع أن تقول إن الفرد قد سلك لأنه قام بنشاط معين أمكن الاستدلال على حدوثه من ملاحظة نتائجه ، وهكذا يهتم علم النفس بدراسة تلك العمليات التي تؤدي إلى ما يقوم به الفرد من نشاط ، فليس اهتمام علم النفس قاصرا على الفرد في المواقف المختلفة مثل : تعبيره اللفظي أو ما يقوم به من حركات أو تعبيرات وجهه وغير ذلك من نشاط ظاهر ، بل هو يهتم أيضا بتلك العمليات و التغيرات التي تؤدي إلى هذا النشاط وغالبا ما نلجأ إلى أسلوب الاستدلال للتعرف على هذه العمليات .

    موجز عن تاريخ علم النفس .

    يعتبر علم النفس من العلوم الحديثة التي لم يمضي عن ظهورها أكثر من مئة عام تقريبا ، ونستطيع أن نقول بشيء من الدقة أن علم النفس لم يظهر كعلم إلا منذ عام 1860 م عندما نشر فشنر كتابه عن أسس السيكو فيزيقيا .
    ولا يعني هذا انه لم يكن هناك اهتمام بدراسة سلوك الإنسان وهو موضوع علم النفس قبل ذلك التاريخ فلقد اهتم الإنسان منذ القدم بملاحظة سلوك غيره و بمحاولة تفسيره بل وتنبئ به و إنما ما نقصد إليه هو أن علم النفس كعلم لم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
    لكن قبل ذلك الوقت كانت هناك نظريتان عن تكوين العقل ، ولم يكن لأي منهما أي سند تجريبي ، فهما نابعتان من الفلسفات التي انتشرت في ذلك الوقت .
    الأولى وكانت تعرف باسم نظرية الملكات ومؤدى هذه النظرية أن العقل يتكون من عدد من الملكات أو القدرات ، مثل : التفكير ، العاطفة ، الإرادة .... و التي تنقسم بدورها إلى عدد آخر من الملكات : كتذكر و التخيل ... الخ .
    أما النظرية الأخرى فكانت تعرف باسم النظرية الترابطية أو علم النفس الترابطي ، ونادت بان العقل يتكون من عناصر أساسية وهي : الإحساس ، المشاعر، والصور ، وان هذه العناصر تتكامل ، مكونة الأفكار التي بدورها تترابط ببعضها نتيجة للتشابه أو التضاد أو الاقتران الزمني مكونة نظاما اكبر من الأفكار ، وهي التي أطلقت عليها محتويات العقل .
    وجاء عام 1850 م وبدا فشنر تجاربه وابتعد عن الفلسفة مقتربا من العلوم الطبيعية و البيولوجية وبدء يدرس العلاقة بين الإحساس وبين شدة المثير ، وحاول أن يبتكر معادلة توضح هذه العلاقة .
    ونشر فشنر تجاربه في عام 1860 م وبدا علم النفس يدخل في إطار جديد وهو إطار العلوم ثم جاء فونت وأسس أول معمل لعلم النفس التجريبي في عام 1879 م وبدا في تجاربه ، وكان كل من فشنر و فونت متأثرين بالعلوم الطبيعية فقد اعتبرا أن وظيفة علم النفس هو تحليل العقل إلى عناصره الأولية تماما كما يفعل الباحثون في الكيمياء .
    وقد ظهر منافس لفونت ، في أواخر القرن التاسع عشر وهو " برنتانو " الذي نادى بان دراسة محتويات العقل ليس موضوع علم النفس و إنما موضوع علم النفس هو دراسة العمليات العقلية ، وتصور العقل كجهاز ديناميكي يقوم بعمليات معينة فعالم النفس يهتم بعملية الإدراك و ليس بالمدركات ، بعملية التفكير وليس بالأفكار ، بعملية الإحساس وليس بالمحسوسات .
    واتى عام 1900 م ونغير علم النفس واتجهت الأنظار إلى شخص آخر نشر كتاب سماه تفسير الأحلام وأعلن فيه أن الجهاز النفسي يتكون من جزأين رئيسيان و هما المنطقة الشعورية و المنطقة اللاشعورية ، وكان ذلك الرجل هو " سيجموند فرويد " مؤسس مدرسة 
    التحليل النفسي ، وكان هذا الإعلان تحدي مباشر لمجهودات علماء النفس الذين قصروا دراستهم على المنطقة الشعورية .
    ثم بعد ذلك ظهرت نظرية الجشتالت ، والسلوكية بجانب نظرية الاشتراطية وغير ذلك من النظريات .

    علم النفس الحديث .

    يتكون علم النفس الحديث من ثلاث مكونات رئيسية .
    1. معلومات تم اختبارها : يتكون العلم أساسا ، من مجموعة متماسكة ومنظمة من المعلومات اختبر صدقها ، وعلم النفس كغيره من العلوم يتكون من معلومات وحقائق خضعت للبحث و الدراسة وثبت صدقها . ويبذل علماء النفس جهدا كبيرا للالتزام بالأسلوب العلمي في الدراسة حتى يقترب علم النفس في دقته وموضوعيته من العلوم الطبيعية ، وعلى الرغم من هذه الجهود المبذولة فلا تزال هناك مسافة ليست بقصيرة بين علم النفس و العلوم الطبيعية .
    2. نظريات تفسر السلوك : ويتكون علم النفيس أيضا من مجموعة من النظريات التي تجمع الحقائق التي ثبت صحتها في بنيان منطقي متكامل ومتماسك وخال من التناقضات ، وقد تكون النظرية شاملة تقدم تفسيرا عن سلوك الإنسان ككل ، وقد تقتصر النظرية على تفسير جانب من جوانب سلوكه ، وعلم النفس مليء بهذه النظريات الجزئية ، خاصة في مجال التعليم و الشخصية و الإضرابات الانفعالية الاجتماعية . وتعمل النظرية على تنسيق المعلومات و الحقائق التي لدينا حول الظاهرة موضع الدراسة بما يساعدنا على الإلمام بها وفهمها ، كما تساعدنا النظرية على استنباط الفروض الجديدة التي تؤدي إلى ازدياد حجم المعلومات لدينا والتي تساعدنا في الوصول إلى فهم أدق لما ندرسه .
    3. أسلوب معين في البحث : وعلم النفس كالعلوم الطبيعية يلتزم بأسلوب معين أو منهج معين في البحث و الدراسة ويطلق على هذا الأسلوب ، الأسلوب العلمي أو المنهج العلمي . البحث العلمي نشاط يقوم به الباحث عندما يواجه مشكلة ينبغي لها حلا . ويلتزم الباحث في بحثه بشروط معينة حتى يصبح نهجه نهجا علميا ، وفيما يلي بعض هذه الشروط :
    1. الموضوعية : و الموضوعية اتجاه يتصف به الباحث وهي صفة تميز البحث العلمي ويتضمن هدا الاتجاه بعد الباحث عن التأثر بالعوامل الذاتية قد تؤثر على تفكير وإدراكه للأمور .
    2. الدقة في اختيار العينة :وترتبط هذه الصفة بالموضوعية والدقة و الأمانة فاختيار العينة من أهم مقومات البحث العلمي .
    3. الدقة في التعميمات : كثيرا ما يهدف الباحث أو يحاول أن يصل إلى تعميمات معينة يستنتجها من بحثه وهنا ينبغي عليه أن يحدد إطار هذه التعميمات ، فينبغي على الباحث أن يذكر أن ما وصل إليه من نتائج وما استخلصه من تعميمات ينطبق فقط على أفراد العينة المستخدمة أو على كل من تشابه مع أفراد العينة .

    علم النفس الاجتماعي .
    لمحة عن تاريخ علم النفس الاجتماعي .
    أول ما ظهر هذا المصطلح في مؤلف منشور كان احد مؤلفات غبريال تارد بعنوان دراسة في علم النفس الاجتماعي وقد كان تارد عالم اجتماع يخلط بين الموضوعية والذاتية ، وقد أقام تفسيره على مفهومين أساسيين هما الإقتداء و العلاقات السيكولوجية . وكان مشروعه هو إقامة علم اجتماع لا يغفل عن الآليات السيكولوجية الملاحظة في وضعيات تبادل العلاقات الاجتماعية ، هذه العلاقات التي هي أساس الإقتداء .
    وأول بحث ظهر في سنة 1908 م ، حيث ظهر بحثان أحداهما في أمريكا ، للباحث روس ، الذي اهتم بتطبيق عملي لقوانين الإقتداء . و الثاني في انجلترا، وهو مقدمة ماك دغال الذي وضع نماذج تفسيرية للسلوكات الاجتماعية . لقد ساهمة هذان الكتابان في تقدم علم النفس الاجتماعي .
    ومن بين الباحثين الفرنسيين الذين يستحقون الذكر بفضل مساهماتهم النظرية يمكن أن نذكر دور كايم الذي ألف كتاب بعنوان قواعد المنهج في علم الاجتماع و الذي يعتبر مرجعا مفضلا لكل الأبحاث المنهجية في ميدان العلوم الاجتماعية ، وهناك كذلك مارسيل موس حيث تتلخص رسالته إلى جمعية علم النفس الفرنسية يوم 10 جانفي 1924 م . تحت عنوان العلاقات الواقعية و العلمية بين علم النفس وعلم الاجتماع ، تتلخص فكرته في تبين الموضوعات المشتركة بين العلمين .
    و في نفس العصر تقريبا كان كورت ليفن يقوم بأبحاث مكنته من أن يترك لعلم النفس الاجتماعي نظاما منهاجيها و مفهوميا ومزال مستعملا إلى هذا اليوم .
    موضوع علم النفس الاجتماعي .
    إذا ربطنا بين موضوع علم النفس كما حددناه سابقا وموضوع علم الاجتماع ، يمكن القول أن علم النفس الاجتماعي هو الدراسة المنظمة للسلوك الاجتماعي للفرد ، حيث يهتم هذا علم بدراسة سلوك الفرد متأثرا ومؤثرا في سلوك غيره من الأفراد ، يركز اهتمامه على العلاقة بين الفرد والجماعة وبعبارة أخرى يهتم هذا الفرع بدراسة التفاعل الذي يحدث بين الفرد والجماعة . 
    يهتم علم النفس الاجتماعي بدراسة العمليات المختلفة التي تؤدي إلى اكتساب الفرد أساليب الجماعة السلوكية واتجاهاتها وقيمها . 
    كما يهتم بدراسة أساليب التفاعل الاجتماعي وديناميكية الجماعات و العوامل المختلفة التي تؤدي إلى زيادة قوة جذب الجماعة لأفرادها وكذلك العوامل المؤدية إلى إضعاف تماسك الجماعة . ويهتم أيضا بدراسة بعض الظواهر الاجتماعية النفسية مثل التغير الاجتماعي و التعصب وسلوك الجماهير و الشائعات وغير ذلك من الظواهر ، ويهتم أيضا بدراسة الزعامة كدور اجتماعي والدعاية كوجه من أوجه النشاط الاجتماعي وبعبارة عامة فهو يهتم بدراسة السلوك الاجتماعي للفرد في الجماعة . (( إن دراسة التفاعل هو موضوع علم النفس الاجتماعي ، و التفاعل هو التأثير المتبادل بين فرد وفرد أو بين جماعة وفرد وبين جماعة وجماعة ، وهذا التفاعل يكون على شكل منبهات واستجابات تتم على شكل دائري تقريبا ، بشكل تصبح الاستجابات نفسها منبهات تؤدي إلى استجابات أخرى قد تختلف نوعا وكما عن المنبهات والاستجابات الأولين ))(1) . 
    ـــــــــــــــــ

    (1) د. خير الله عصار، مبادئ علم النفس الاجتماعي، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1984م ص 23 .

    التفاعل الاجتماعي .

    نقل مصطفى سويف خريطة حدد فيها التفاعل الاجتماعي وعناصره بدقة فريدة(1).
    يعتبر مصطفى سويف أن مجال الدراسة في علم النفس الاجتماعي هو دراسة لمنبهات اجتماعية واستجابات اجتماعية هاته المنبهات والاستجابة تكون مباشرة وغير مباشرة وتكون بالنسبة للمنبهات الاجتماعية بسيطة ومركبة اما بالنسبة للاستجابات الاجتماعية فتدون إما مباشرة شائعة أو شاذة أو غير مباشرة سوية مرضية كل ذلك يسمى بالتفاعل.
    من الأمثلة على المنبهات الاجتماعية البسيطة التحية والرد عليها . أو عندما يناديك شخص باسمك أو يطلب منك فعلا بسيطا كأن تتجنب السيارة . و الاستجابة قد تكون شائعة كأن ترد على التحية بمثلها ، أو شاذة كأن تغضب مع أن الموقف لا يتطلب غضبا .
    من الأمثلة على المنبهات المباشرة المركبة هو التقاؤنا مع صديق يحدثنا عما جرى له في رحلة أو في حادث أو موقف معين . ما يقوله الشخص يعتبر تنبيهات عديدة مركبة مباشرة 
    ونرد عليها باستجابات مختلفة بعضها شائع وبعضها شاذ ، فقد نغضب أو ننفعل لمدة أيام وقد نقوم بأفعال معقدة استجابة لما سمعناه من أخبار ، وهذا يعني استجابات مباشرة . وقد يحدث أن نستجيب بصورة غير مباشرة ، كما حدث عندما قال احد المعلمين لتلميذ عنده ، انه لا يفهم ، فغضب التلميذ لكنه لم يبدي شيئا ، وصمم على الدراسة ، حتى حصل على شهادة عالية وصارت معارفه أكثر من معارف أستاذه .
    إن استجابته غير مباشرة ، ويمكن أن تسمى استجابة تراكمية لأنها تمت عبر فترة زمنية طويلة .
    هذا ويستجيب الأفراد بشكل مرضي أحيانا ، فحرمان الطفل من اللعب يشكل منبهات مرضية تؤدي إلى استجابات مرضية ، غير مباشرة ، كان يصبح الطفل عدوانيا يكسر الأشياء و يعبث بالنظام .
    إن الأشخاص المتكيفين هم أشخاص لهم استجابات متكيفة مع المواقف الاجتماعية التي يوجدون فيها ، أي أنهم يستطيعون تحقيق أهدافهم التي تنطوي على حاجاتهم باستعمال قدراتهم ومعارفهم لموجهة الأوضاع التي يوجدون فيها .
    وأحيانا يحدث التفاعل مع رموز اجتماعية ، فالضوء الأحمر هو منبه يؤدي إلى استجابة سلوكية عند سائق السيارة هي التوقف عن السير ، الضوء الأحمر رمز شانه شان الزهور المهداة ليست إلا رمزا للتعبير عن الصداقة والمحبة ، منبهات رمزية تؤدي إلى استجابات مباشرة كان يقول المرء : شكرا أو استجابة غير مباشرة كان يعترف المرء بهذا الجميل ويبقى حافظا للود لمدة طويلة من الزمن .
    هناك جانب آخر من التفاعل ، وهو ما يطلق عليه : دائرة المنبه ـــ الاستجابة . يقصد بهذا هو أن الاستجابات منبها لاستجابة أخرى على شكل دائري . إذا كنت أسير في الشارع وصدمت شخصا خطا ، فيمكن أن ينطلق شاتما . وشتمه هذا يصبح منبها يستجر غضبي ، الذي بدوره يجعله يغضب مما يؤدي إلى اللجوء إلى العنف .
    كل استجابة تصبح منبها سيؤدي إلى استجابة أخرى وهذا ينطبق أيضا على الممثل الذي يمثل على المسرح . فتصفيق الجمهور ، وحماسه أو فتوره وبرودته كلها تترك آثار على الممثل وعلى إنجازه لعمله ، إما ايجابيا أو سلبيا .
    يقول المثل : النجاح يؤدي إلى النجاح . فإذا حاول الفرد حل أمرا ما ونجح فيه ( منبه يؤدي إلى استجابة ) فانه سوف يتشجع ويحاول ثانية وفي الغالب سوف ينجح ثانية لان نجاحه الأول يشكل منبها لاستجابة ثانية ، ناجحة .
    عوامل الاستجابات.
    إن استجابات الأفراد والشعوب للمنبهات المختلفة تضبطها عوامل عديدة . فالأفراد والشعوب لا يستجيبون لنفس المنبهات بنفس الطريقة والدرجة والنوعية . وهذا يعود إلى عوامل كثيرة يمكن حصر معظمها كما يلي :
    1. عوامل حضارية ثقافية : إن الحضارة والثقافة لا توجد في الكتب بل في شخصيات الأفراد . فالمسلم المحافظ إذا وجد امرأته سافرة (منبه) قد يقوم بقتلها (استجابة).لكن الأوربي لا يفعل هذا أبدا ، بسبب حضارته وثقافته ومعايير الخير والشر عنده . وكلما قوي اتصال الشعوب مع بعضها وانتشرت وسائط النقل واللقاءات بين الشعوب كلما قويت الاستجابة المشتركة واقترب الناس من بعضهم .
    2. العوامل الفردية : توجد اختلافات فردية في الاستجابات يعود بعضها إلى الفروق البيولوجية بين الذكر والأنثى والفروق المكتسبة التي تلاحظ بين فرد و آخر بسبب اختلاف المهنة والتعلم والميول الفردية . نحن لا نستجيب بنفس الطريقة والنوعية للمنبهات المختلفة . فمثلا انقطاع وصول الجرائد الوطنية إلى أكشاك البيع ، توتر المثقف لكنها لا تحرك شيئا عند من لا يهتم بالجرائد وأخبارها .
    3. الحاجات والدوافع : عندما نكون جائعين ، نتنبه بقوة إلى رائحة الأطعمة و المطاعم و العكس صحيح عندما نشبع ، وتلهب الحجات و الدوافع أدوارا مختلفة في تقرير استجابتنا السلوكية .
    4. العادات والتقاليد : تعرف العادة بأنها الاستعداد المكتسب بالأفعال المتكررة . فالفرد عندما يكرر فعلا ما مرات عديدة ، يكتسب استعداد يدفعه إلى التصرف بحسب بتلك العادة . 

    ــــــــــــــــــ

    (1) د. مصطفى سويف : مقدمة لعلم النفس الاجتماعي ،مكتبة الانجلو ، مصر ، القاهرة 1978 ص 4 – 6 .

    نظريات السلوك الاجتماعي .
    تنقسم النظريات في علم النفس الاجتماعي إلى نوعين رئيسيين :
    1. النظريات التي تؤكد على الفرد . وهي تبدأ بالفرد ومكوناته العضوية والنفسية ، وما يرتبط بها من إشباع وسمات وخصائص نظرية و موروثة . هكذا تدرس هذه الجوانب من الفرد متجاوزين بذلك المواقف الاجتماعية و الظروف التي يوجد فيها الفرد . 
    2. نظريات وبحوث تؤكد على الجانب المجتمعي أي على المواقف وما يوجد فيها من متطلبات على الفرد وتوقعات من طرف الآخرين . فيقوم العالم بالتعرف على هذه
    المطالب الاجتماعية ويدرس أفرادا عديدين في مواقف متشابهة لمعرفة كيفية استجاباتهم لها ، وتفاعلهم معها .
    ويوجد في علم النفس الاجتماعي نظريتين محددتين احداهما تؤكد على الفرد و الأخرى على المواقف الاجتماعية . الأولى صاحبها هومان و الثانية نظرية فيستنجر .
    1. نظرية هومان : سميت بنظرية التبادل الاجتماعي يمكن تلخيص هذه النظرية كالتالي :
    •إذا كوفئ الفرد على فعل ما ، ففي الغالب انه سينجز هذا الفعل ثانية .
    •إذا ترافق حدوث منبه أو مجموعة من المنبهات في الماضي مع فعل ما حصل الفرد على مكافأة ما ، فان التشابه القائم بين المنبهات الحاضرة و الماضية ، يدفع الشخص إلى القيام بفعل مشابه للفعل الماضي .
    •كلما كانت المكافأة المرتبطة بالفعل بالنسبة لشخص ما ، ذات قيمة اكبر، كلما كان الشخص أكثر ميلا إلى القيام بالفعل أو بفعل آخر يشبهه.
    هذا عرض مختصر لنظرية هومان ، والتي يلاحظ فيها تأكيده على كيفية استجابة الفرد للمنبهات التي تنطوي على مكافآت ، فضلا عن المنبهات التي تنطوي على عقوبات و التي تدفع الفرد إلى تجنب الأفعال المرتبطة بها .
    2. نظرية فيستنجر : وهي نظرية المواقف الاجتماعية . تشتمل على ثلاث افكار هامة:
    •تتغير أراء الفرد بواسطة المنبهات آلاتية من المحيط ، بقدر الضغط الذي يتعرض له من اجل التماثل مع أراء الجماعة .
    •كلما كانت القوة الدافعة للفرد كي يبقى داخل الجماعة ، مرتفعة ، كلما كان أكثر ميلا إلى تغيير أرائه حسب اتجاه الجماعة .
    •ينقص مقدار التغيير في الآراء الناتج من بعض المنبهات الخاصة بموضوع ما، كلما ارتفعت درجة الترابط بين الآراء و الاتجاهات ذات العلاقة بالموضوعية مع العضوية في مجموعات أخرى .
    لقد جرت محاولا ت لربط النظريتين عن طريق ما أطلق عليه تحديد الموقف من طرف الشخص . فالموقف الاجتماعي الذي يكون الشخص فيه و الذي يستجيب له ، يفهم ويدرك بصورة ذاتية خاصة بذلك الشخص . إن الضغط الاجتماعي الذي يتعرض له الشخص في الموقف ، يدررك بناء على خبرات الفرد الماضية من جهة ، وبناء على خصائص الموقف
    المواجه من جهة أخرى . أي توجد فروق بين الأفراد لدى استجاباتهم إلى المواقف التي يتعرضون فيها إلى المنبهات ( الضغوط ) الاجتماعية من اجل التماثل مع أراء الجماعة .
    كيف يتم تحديد المواقف من طرف الشخص ؟
    توجد ثلاث أساليب لتحديد المواقف أي للكيفية التي يدرك بها الشخص الموقف الاجتماعي الذي يكون فيه :
    1. بالتوجه نحو البناء الاجتماعي ، أي المطالب التي تمليها علينا الأدوار التي يجب علينا القيام بها لكوننا أعضاء في الجماعة فضلا عن المكانة الاجتماعية التي نرى أننا نريد أن نكون فيها . فكون المرء طالبا مثلا ، يفرض عليه (كما يرى ذلك بنفسه) أن يستجيب للمواقف التي يواجهها كما يمليه عليه هذا الدور .
    2. بالتأثر بالحالة النفسية التي يكون فيها المرء ، مثل حالة التوتر النفسي ، أو أن يكون في وضع تنافسي مع الآخرين . فالغالب قد يتصرف في موقف تفاعلي طبقا لحالة الغضب التي يكون فيها ، و المناقش يريد ربح المناقشة .
    3. باعتبار المحيط العام للسلوك وهذا يعني بعدي الزمن و المكان وما يتضمنان من أنواع معينة من التفاعل يستجيب الفرد لها .
    هكذا يبدو الموقف بالنسبة للشخص . ولاشك ثمة فروق فردية تتضمن اختلافا في الاستجابات فالبعض يؤكد على دوره الاجتماعي في استجاباته وآخرون يتأثرون بحالتهم النفسية أو بالمكان و الزمان اللذين يكونون فيه . بعبارة أخرى ، إن التصور للمواقف يكون ذاتيا .
    هناك نظريتين مختلفتين في التفسير الذي ترتكز عليه أفعال الإنسان ، هما : النظرية السلوكية و النظرية الادراكية . 
    1. النظرية السلوكية : تؤكد النظرية السلوكية على أن التغير في السلوك يتبع حتما وبصورة نظامية التغير في المنبهات المحيطية ، الاجتماعية منها وغيرها ، أصحاب هذه النظرية لا يهتمون بما يجري في داخل الشخص حيث يرفض سكينر وأتباعه مفهوم الذهن و الحياة الشعورية عامة ، والتي يمكن دراستها بالاستنباط . بعبارة أخرى ، النظرية السلوكية ، تعتبر الإنسان كآلة اليكترونية ، تغذى ببرنامج للسلوك من الخارج ، فيصدر عنها السلوك المتوافق مع السلوك الذي ادخل إليها عن طريق المنبهات والاستجابات .
    2. النظرية الادراكية : بالنسبة للنظرية الادراكية (المعرفية) فعلى العكس . تؤكد على العمليات الفكرية الداخلية التي تجري في خضم الجانب الشعوري من النفس. الفرد يعي نفسه إلى حد كبير ، ويعي مجرياتها الداخلية ، هكذا تكون أفعاله السلوكية تعبيرا . عما يجري في داخله . فالأشخاص هنا لا يكونون مجرد أدوات تحركها المنبهات و الاستجابات الاجتماعية ، بل هم أنفسهم يكونون مصادر أفعالهم.
    عندما نقارن بين النظريتين نجد أن النظرية الادراكية (المعرفية) أكثر قبولا ، ذلك لان الإنسان يتصرف بحسب مكوناته الداخلية التي قد تكون رموزا اجتماعية تبناها ، مثل الشعور بالمسؤولية ، والحرية ، والكرامة ... الخ ، والتي تميزه عن الآلة التي جرت تغذيتها بالمعلومات الالكترونية ، هذا لا يعني أن الشخص لا يستجيب للتعزيزات الخارجية (المكافئة و العقاب) ، لكنه يقوم بعملية الاختيار والانتقاء لدى تفاعله مع هذه التعزيزات .
    لكن تبني النظرية الادراكية (المعرفية) وحدها لا يكفي فهناك الجانب الاشعوري من الفعل الإنساني ، فالعناصر الشعورية و اللاشعورية تتفاعل وتتداخل مع بعضها البعض في أي فعل إنساني ، ففي الكثير من الأحيان مثلا يقوم الفرد بفعل ما مندفعا ، ثم بعد مدة ، يلوم نفسه على اندفاعه ويعتذر حاسبا أخطاءه ، تتضمن عناصر لا شعورية وقع تحت تأثيرها .
    على العموم يمكن القول أن الاتجاه الأقوى في البحث النفسي الاجتماعي هو نحو الدراسة العمليات الواعية واتخاذ القرارات التي تحدد السلوك البشري . 
    في هذا المضمار تقدم هايدر بنظرية الانتساب .
    •نظرية ها يدر : العنصر الأساسي في هذه النظرية هو الكيفية التي بها ندرك الآخرين وأفعالهم . فعندما نلاحظ شخصا ما يقوم بعمل ، نقوم بعملية انتساب (نوع من التفسير) لما يتضمنه هذا الفعل من عوامل تؤدي إليه . وقد تكون هذه العوامل موضوعية أو ذاتية لدى الشخص الذي يقوم بالفعل تتعلق بمقاصده . فنحن نفسر الفعل أي ننسبه إلى : ماذا يقصد فلان بذلك ؟ ، وفي الغالب ما يهمل الناس العوامل الموضوعية ، وينسبون أسباب الأفعال إلى مقاصد الفاعلين ، موضوعيا أو ذاتيا .
    •نظرية فيستنجر الادراكية : هذا وتوجد نظرية أخرى تدخل في إطار النظريات الادراكية قدمها فيستنجر واسمها : نظرية التنافر الادراكي وهي تربط بين الاتجاه و السلوك . إن الفكرة الأساسية في هذه النظرية هي انه في حالة ما إذا كان الشخص يملك عناصر ادراكية (معرفية) متنافرة مع بعضها ، يقوم عندئذ بمحاولة لجعلهم منسجمين . فإذا كان الشخص يعتقد بقيمة الحياة الطويلة و الصحة الجيدة ، وإذا كان مدخنا ، ثم جاء من يخبره بما يفعله التدخين من أضرار ، عندئذ يقوم الشخص بعملية تغير في السلوك بشكل يحل الانسجام محل التنافر أي يتوقف عن التدخين . لكن من الممكن أن يصدر سلوك آخر ، حيث ينفي المدخن صحة المعلومات المتعلقة بمخاطر الدخان ويستمر في التدخين . بعبارة أخرى ، إذا عرف شخص انه يتصرف بطريقة تتنافر مع اتجاه له أهمية بالنسبة إليه ، فهذه النظرية تقرران سلوك أو الاتجاه لهذا الشخص لابد أن يتغير حتى يحدث الانسجام . هكذا فهذه النظرية تفترض وجود قدر من الوعي من طرف شخص يجعله يتجه نحو التخلص من التنافر. 
    فوائد علم النفس الاجتماعي .
    إن علم النفس الاجتماعي كباقي العلوم الإنسانية ، تكمن فائدته في الكشف عن العوامل التي تقرر سلوك الإنسان ، ويمكن تلخيص فوائده الخاصة كالتالي :
    •إن فهم سلوك الاجتماعي للأفراد يساهم في تحسين العلاقات بين الناس وتحقيق الوئام و التفاهم ، و التخفيف من التوترات بينهم .
    •باعتبار علم النفس الاجتماعي حقلا بين خصائص علم الاجتماع وعلم النفس ، فهو يساعدنا على فهم الظاهرة الاجتماعية كما تظهر في السلوك اليومي للأفراد . 
    هكذا نستطيع أن نؤثر على الظاهرة الاجتماعية من خلال الفرد وسلوكه ، ونؤثر على الفرد من خلال الظاهرة الاجتماعية .
    •علم النفس الاجتماعي لا غنى عنه لكل من يتعامل مع الأفراد في مواقف اجتماعية ، كالمعلمين ، والمحامين ، والسياسيين ، والإداريين . فيما انه يسهل عملية فهم الآخرين ، يساعد هؤلاء على القيام بواجباتهم بشكل أفضل .
    ــــــــــــــ
    قائمة المراجع .
    1. د .باسا غانا ، مبادئ في علم النفس الاجتماعي ، ت ، د . بوعبد الله غلام الله (الجزائر : ديوان المطبوعات الجزائرية 1983 م ) .
    2. د . مصطفى سويف،مقدمة في لعلم النفس الاجتماعي القاهرة:مكتبة الانجلو1978 م).
    3. د.عبد السلام عبد الغفار ، مقدمة في علم النفس العام ، (ط2 ؛ بيروت : دار النهضة)
    4. د. خير الله عصار ، مبادئ في علم النفس الاجتماعي ، (الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية 1984 م ).