-->

مفهوم والتطور التاريخي للتأمين

مفهوم والتطور التاريخي للتأمين
    مفهوم والتطور التاريخي للتأمين
    مفهوم والتطور التاريخي للتأمين

     1- التطور التاريخي: يعتبر نظام التأمين حديث النشأة ، حيث ظهرت الحاجة إلى التأمين في البداية في أوروبا في أواخر القرون الوسطى ، وكان التأمين البحري هو أول نوع من أنواع التأمين أسبق في الظهور حيث بدأ في الانتشار في أواخر القرن الرابع عشر وكان ذلك نتيجة تطور العلاقات التجارية بين مدن ايطاليا والبلاد الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط وقد كان مقتصرا على البضائع التي تنقلها السفن ، ولم يمتد إلى التأمين على حياة الركاب والبحارة[1]
    إذا كان التامين البحري هو أول أنواع التأمين ظهوراً ، فإن التأمين البري بدأ في الظهور في انكلترا خلال القرن السابع عشر ، وكانت اول صورة ظهرت من صور التأمين البري هي التأمين من الحريق ، وذلك عقب حريق هائل نشب في لندن سنة 1666 والتهم أكثر من ثلاثة عشر ألف منزل ونحو مائة كنيسة .ونتيجة لهذا الحريق ضمت شركات التأمين البحري إلى عملياتها العادية التأمين ضد أخطار الحريق ، وفي نفس الوقت نشات عدة  ونشأت في فرنسا الشركة الملكية للتأمينthe fire office شركات للتأمين ضد الحريق .فنشأ في انكلترا
    وتلتها عدة شركات أخرى في دول أوروبا [2].Compagnie royale d’assurance
    وبعد ذلك ظهرت صور جديدة للتأمين ، مثل التأمين من المسؤولية ، وظهر بانتشار الصناعة والآلات الميكانيكية وتعرض العمال لمخاطرها ، التأمين من حوادث العمل[3]
    ثم ظهرت صور جديدة للتأمين في غضون القرن العشرين،منها التأمين من السرقة والتبديد ، والتأمين من تلف المزروعات والآلات الميكانيكية، والتأمين من موت المواشي والتأمين من الإصابات ، والتأمين ضد مخاطر النقل البري والتأمين من حوادث النقل الجوي ، ثم التأمين من المخاطر الناشئة عن استخدام الذرة عن التجارب النووية والتأمين على الأقمار الصناعية.[4]
    وظهر إلى جانب ذلك كله ، التأمين الإجباري في بعض أنواع التأمين ، كالتأمين الإجباري من إصابات العمل والتأمين الإجباري من حوادث السيارات.
    أما فيما يتعلق بالجزائر ففي مرحلة الاحتلال الفرنسي كان التشريع الفر نسي هو المطبق في الجزائر حيث كان قانون 13 جويلية 1930 المنظم لعقد التأمين هو المطبق ، وكان قطاع التأمين في الجزائر مستغلا من طرف شركات أجنبية.
    استمر تطبيق التشريع الفرنسي بعد الاستغلال ما عدا ما كان يتنافى منه مع السيادة الوطنية ، ومن بين هذه التشريعات قانون 13 جويلية 1930 المتعلق بالتأمين البري وقانون 27 فيفري المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات .
    وقد كان قطاع التأمين عند الاستقلال مستغلا من طرف شركات أجنبية فرنسية في معظمها ، ولم تكن خاضعة لرقابة الدولة الجزائرية ولم تكن الجزائر تستفيد من هذه الشركات حيث كانت هذه الشركات تدفع إلى شركات إعادة التأمين الفرنسية ، وبذلك كان هناك تحويلا مستمرا لرؤوس الأموال إلى الخارج ، دون أن تستفيد الجزائر من ذلك ، ولهذا السبب قررت الجزائر سنة 1963 إنشاء إعادة التأمين وإحداث رقابة على شركات التامين ، فموجب قانون 63/197 الصادر سنة 1963 فرضت إعادة التأمين على جميع عمليات التأمين الجارية في الجزائر لدى الصندوق الجزائري للتأمين وإعادة التامين
    (CAAR) caisse Algérienne d’assurance et de Réassurance.[5]                                               
    وأحدثت رقابة الدولة على جميع شركات التأمين العاملة في الجزائر بموجب القانون رقم 63/201 الصادر سنة 1963 ، حيث تم فرض الاعتماد ، حيث يتعين على كل شركة أن تحصل عليه لممارسة نشاطها ، ويتضمن ذلك دفع ضمان مالي .
    وقد أدى هذا القانون إلى انسحاب أغلب شركات التأمين الأجنبية ، كما أن الشركات التي لم التي لم تقدم طلب اعتماد اعتبرت منسحبة وألزمت بالتصفية .
    ثم بعد ذلك ، وبموجب الأمر 66/127 المتعلق باحتكار الدولة لجميع عمليات التأمين حيث أشارت المادة الأولى منه على أنه ( من الآن فصاعدا يرجع استغلال كل عمليات التأمين للدولة).
    وقامت الدولة بإنشاء شركات تأمين جزائرية من أجل احتكار هذا النشاط مثل : الشركة الجزائرية للتأمين
     والشركة المركزية لإعادة التأمين (CAAR) والشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين    (SAA)
    [6] (CAAT)   والشركة الجزائرية لتأمينات النقل (CCR)
    وفي المرحلة الأخيرة ، صدر الأمر رقم 74/15 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات وهو من أهم النصوص القانونية التي صدرت في هذه الفترة.[7]
    وعندما صدر القانون المدني سنة 1975 بالأمر 75/58، فقد تضمن فصلا خاصا بعقد التأمين حيث اشتمل على أحكام عامة وأحكام خاصة تتعلق بأنواع التأمين ، غير أنه تم إلغاء المواد من 626 إلى 643 من القانون المدني وهي التي كانت تنظم الأحكام الخاصة بأنواع التأمين ، حيث تولى هذا التنظيم نص جديد وهو القانون رقم 80/07 المؤرخ في 9 أوت 1980 المتعلق بالتأمينات ، ويتناول هذا القانون كل ما يتعلق بالتأمين وتنظيمه سوى أكان التأمين البري أو الجوي أو البحري .
    وخلال هذه الفترة أعيد تنظيم مؤسسات التأمين وحدد اختصاص كل مؤسسة في فرع من فروع التأمين.
    وفي سنة 1995 عرف نظام التأمين نظاما جديدا وذلك بصدور الأمر رقم 95/07 المؤرخ في 25 انفي 1995 المتعلق بالتأمينات ،وقد ألغى هذا الأمر كل الأحكام المخالفة له، حيث ألغى الأمر 66/127 المتعلق بإنشاء أحكام الدولة لعمليات التأمين ،وكذلك القانون رقم 80/07 المتعلق بالتأمينات.
    وبذلك ستكون دراستنا لقانون التأمين انطلاقا من الأمر 95/07 والذي يمثل الاتجاه الجديد في الجزائر في مجال التأمينات حيث قضى على احتكار الدولة لقطاع التأمين ، وفت المجال لنظام جديد يكون للقطاع الخاص شأن فيه .
     2- مفهوم التأمين :  يمكن أن نتطرق في هذا المجال إلى التعريف القانوني والتعريف الفني للتأمين.
    * المفهوم القانوني للتأمين : تنص المادة 619 ق م ج على أن التأمين هو عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه بلغا من المال أو إيرادا أو أي عوض آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك مقابل قسط أو أي دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن.[8]
     وقد أعادت المادة 2 من الأمر 95/07 المتعلق بالتأمينات نفس التعريف تقريبا.[9]
     (L’assuré) ومن خلال ذلك ، فإن هناك علاقة قانونية ينشئها التأمين وهي علاقة بين طرفين : المؤمن له
     .(L’assureur) والمؤمن
    - المؤمن له يتعرض لخطر معين في ماله أو في شخصه.
    - المؤمن يتعهد بتغطية هذا الخطر عند حدوثه مقابل ما يتلقاه من المؤمن له من أقساط .
    كما أن هناك شخص ثالثا في هذا العلاقة القانونية ،حيث يمكن أن يشترط المؤمن له أن يدفع المؤمن مبلغ من التأمين في حالة حدوث الخطر إلى شخص آخر يتم تعيينه في العقد كأولاد المؤمن له أو والديه أو زوجه، .(Bénéficiaire)  هذا الشخص يسمى بالمستفيد
    من خلال هذا التعريف يمكن أن نستخلص عناصر التأمين وهي : الخطر والقسط ومبلغ التأمين.
     : هو الحادث الذي يحتمل وقوعه ، فقد يتحقق وقد لا يتحقق ، فإذا تحقق سمي كارثة le risque فالخطر
    .[10](le sinistre)
    : وهو المبلغ المالي الذي يلتزم المؤمن له بدفعه إلى المؤمن مقابل تغطية الخطر المؤمن منه.la prime والقسط
    : وهو الميلغ الذي يدفعه المؤمن للمؤمن له أو المستفيد l’indemnisation ومبلغ التأمين أو التعويض
    من أجل تغطية الخطر عند تحققه.[11]

    * المفهوم الفني للتأمين : التأمين هو عملية تقوم على أسس فنية منها :
    1-قانون الكثرة (الأعداد الكبيرة) وحساب الاحتمالات La loi des grands nombres et le calcul des probabilité
    ويقوم هذا المبدأ على فكرة أن المؤمن يجمع بين أكبر عدد ممكن من المؤمن لهم المعرضين للخطر المؤمن منه ، حيث أن فكرة التأمين تقوم على تبادل المساهمة في تحمل الخسائر بين المؤمن لهم الذين يجمعون أموالهم في شكل رصيد مشترك ولتحقيق هدف مشترك وهو تحمل الخسائر والأضرار التي تنتج عن الأخطار التي تهددهم فيتحمل كل واحد منهم جزء من الخطر الذي يتحقق بالنسبة لأحدهم .
     le calcul des probabilités        ويلجأ المؤمن إلى ما يسمى بحساب الاحتمالات
    بمعنى ساب عدد الفرص التي يمكن أن تتحقق فيها هذه الأخطار.
    فالمؤمن من خطر معين –الحريق مثلا- يجمع بين أكبر عدد ممكن من المؤمن لهم المعرضين لهذا الخطر ، ويقدر احتمالات تحقق الخطر-أي وقوع الحريق- بالنسبة لهؤلاء جميعا وطبقا لقوانين الاحصاء وإحصاء عدد مرات الحريق التي وقعت في الماضي ومبلغ أهمية كل حريق منها ، ومدى احتمال تحقق مثل ذلك أو قريب منه في المستقبل ، وهذا هو المقصود بتقدير الاحتمالات.[12]
     يحدث أن لا يستطيع المؤمن أن يفي بالتزامه نحو المؤمن لهم فقد يتعرض Réassurance2-إعادة التأمين
    المؤمن له لكارثة مثلا في أمواله أو مصنعه الذي أمنه لدى شركة التأمين (المؤمن) ، ويحدث أن تجد شركة التأمين نفسها أمام التزامات لم تضعها في الحسبان وذلك بسبب خطأ في حساب احتمالات وقوع الأخطار ، فلا يتطابق حساب الاحتمالات مع الواقع ، ويحدث فرق في الحساب بحيث يجد المؤمن نفسه أمام التزامات غير متوقعة، ولمواجهة هذا الخطر تلجأ شركات التأمين (المؤمن) إلى وسائل لمعالجة هذه الوضعية ، وتتمثل في :
      :Réassurance- أسلوب إعادة التأمين
    قلنا أن عملية التأمين تقوم على تقدير الاحتمالات طبقا لقوانين الاحصاء وعلى قانون الكثرة (الأعداد الكبيرة)
    وشركة التأمين تعمل كل ما في وسعها من أجل أن يأتي حسابها مضبوطا ، فإذا قدرت شركة التأمين في التأمين من الحريق مثلا أن كل ألف خطر تقوم بالتأمين عليه يتحقق ثلاثة أخطار ، وإذا فرضنا أن التأمين من الحريق يتعلق بالمنازل ، وكانت هذه الكوارث تتعلق بثلاثة منازل ، أي من بين ألف عملية تأمين من الحريق على المنازل وقعت ثلاث كوارث يبلغ مقدار التعويض فيها 3000000،00 د ج ، وجب أن يكون مقدار القسط الصافي هو 300،00 حتى تحصل الشركة من الألف المؤمن لهم على 3000000،00 تغطى الكوارث المقدرة.[13]
    غير أنه إذا قدرت الشركة أن كل ألف خطر مؤمن عليه يتحقق ثلاثة أخطار طبقا لقانون الكثرة وحساب الاحتمالات فإنها لا تستطيع أن تطمئن إلى هذا التقدير اطمئنانا كاملا في مواجهة التزاماتها ، بحيث يجب أن تدخل في حسابها أن هذا التقدير ما هو إلا تقدير تقريبي وقد تخطئ ، فقد تحترق أربعة منازل ويكون التعويض الواجب دفعه 4000000،00 د ج بدلا من 3000000،00 د ج ، وقد يحترق منزلان فقط غير أن التعويض عنهما يبلغ 5000000،00 د ج ، وفي هذه الحالات تقع الشركة في إشكال ، ومن أجل تجنب هذه المشكلة التي يمكن أن تقع ، تلجأ شركة التأمين (المؤمن) إلى أسلوب إعادة التأمين وذلك حتى تضمن التزاماتها تجاه المؤمن لهم وحتى يطمئن هؤلاء المؤمن لهم من ملاءة الشركة وإلى أن حقوقهم في ذمتها مكفولة .
    وبذلك فإن شركة التأمين تلجأ من أجل تأمين نفسها من الوقوع في هذا الاحتمال إلى شركات إعادة التأمين ،
    حيث تتفق مع شركة إعادة التأمين من أجل إعادة التأمين في حدود مليار أو مليارين سنتيم مثلا (10000000،00 د ج أو 20000000،00 د ج ) وبذلك تطمئن شركة التأمين على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في حالة وقوع هذا الاحتمال.
     (Assureur direct) إذن ، عقد إعادة التأمين هو عبارة عن عقد بين المؤمن المباشر
     ، يخول بمقتضاه الأول للثاني كل الأخطار التي يتحملها أو جزء منها ، وبذلك Réassureur والمؤمن المعيد
    يكون المؤمن (شركة التأمين ) طرفا في علاقتين : علاقة مع المؤمن له التي تنشأ عن عقد التأمين وعلاقة مع معيد التأمين التي تنشأ بمقتضى عقد إعادة التأمين .
    وقد عرفت المادة 4 من الأمر 95/07 المتعلق بالتأمينات عقد إعادة التأمين بأنه ( اتفاقية يضع بموجبها المؤمن أو المتنازل على عاتق شخص معيد للتأمين أو متنازل له جميع الأخطار المؤمن عليها أو جزءا منها).[14]
    والحقيقة أن إعادة التأمين تشتمل على أربع صور وهي :
    1- إعادة التأمين بالمحاصة Réassurance en participation (en quote-part)
    تتمثل هذه الصورة في أن يشترك المؤمن المعيد مع المؤمن في جميع عمليات التأمين التي يقوم بها هذا الأخير ، أو في مجموع العمليات الخاصة بنوع معين من أنواع التأمين التي يقوم بها ، بالنصف أو بالثلث أو بالربع أو بأي نسبة أخرى .[15]
    مثال : يتفق المؤمن ( شركة التأمين ) مع معيد التأمين على أن يشترك هذا الأخير معه في جميع وثائق التأمين التي يعقدها والمتعلقة بنوع معين بنسبة الربع مثلا في كل منها ، بحيث إذا عقد المؤمن وثيقة التأمين ، مبلغ التأمين فيها هو 200000،00 د ج(مئتا ألف دينار جزائري) ومقدار القسط هو 2000،00 د ج (ألفا دينار جزائري)، كان لمعيد التأمين في هذه الوثيقة الربع ، بحيث يكون نصيبه في القسط500،00 دج يتقاضاها من شركة التأمين (المؤمن) ويكون نصيبه من مبلغ التأمين (التعويض) هو 50000،00 د ج يدفعها لشركة التأمين (المؤمن ) وذلك في حالة تحقق الخطر.
    وفي هذا النوع من إعادة التأمين يكون معيد التأمين شريكا في جميع عمليات التأمين التي يعقدها متعلقة بهذا النوع من التأمين ، سواء أكان المؤمن (شركة التأمين) لا يستطيع تحمل هذه المخاطر وحده ، فتكون مشاركة معيد التأمين نافعة له ، لأن المؤمن لن يكون قادرا على الوفاء بالتزاماته تجاه المؤمن لهم ، أو كان المؤمن ( شركة التأمين ) يستطيع وحده تحمل مخاطره ، فتكون بذلك مشاركة المؤمن المعيد له غير ذات نفع بل فيها خسارة عليه حيث يشاركه في الأقساط المدفوعة من طرف المؤمن لهم  .
    2- إعادة التأمين فيما جاوز حد الطاقة Réassurance en excédent dé risque (en excédent de plein)
    في هذه الصورة لا يقوم المؤمن (شركة التأمين) بإعادة التأمين في جميع وثائق التأمين التي يعقدها ، بل يستغل بالعمليات التي يستطيع تحمل مخاطرها دون مشقة ، معنى العمليات التي لا تزيد على طاقته ، وبذلك لا يعيد التأمين فيها ، أما العمليات التي تزيد على طاقته فإنه يعيد التأمين فيها في حدود القدر الذي جاوزت به العملية الطاقة ، وفي هذه الحدود فقط[16]
    مثال: قامت شركة تأمين (المؤمن ) بعقد تأمين لمائة سيارة تأمينا من الحريق، وكانت قيمة السيارة الواحدة 1000000،00 د ج وهذا هو مبلغ التأمين (التعويض) الذي التزمت به شركة التأمين في حالة وقوع كارثة وبلغت الخسارة هذا المبلغ .وبما أن شركة التأمين أبرمت عقدا لمائة سيارة، فإن مجموع القيمة هو 10 مليار سنتيم.
    وقامت في نفس الوقت بإبرام عقد تأمين لمائة سيارة من خطر الحريق ، قيمة الواحدة 2000000،00 د ج فيكون قيمة مجموع هذه السيارات هو 20 مليارا سنتيم .
    ونفرض أن شركة التأمين قدرت احتمالات وقوع الكوارث بثلاث في جميع هذه العمليات.
    وكان مجموع الأقساط التي يتقاضاها من العمليات 100 مليون سنتيم ، ومجموع الأقساط التي يتقاضاها من العمليات الأخرى 200 مليون سنتيم.
    إذن مجموع الأقساط هو 300 مليون سنتيم فإذا تم تقدير الاحتمالات بثلاث كوارث في جميع هذه العمليات ، فإن شركة التأمين ستعوض هذه الكوارث بما قبضت من أقساط وهو 300 مليون سنتيم بمعنى أن شركة التأمين تتسع طاقتها لتعويض الكوارث الثلاث إذا وقعت جميعها في العمليات التي تبلغ قيمة كل منها 100 مليون سنتيم .
    لكن إذا وقعت الكوارث الثلاث  في العمليات التي يبلغ قيمة كل منها 200 مليون سنتيم فإن شركة التأمين ستدفع للمؤمن لهم 600 مليون سنتيم أي ضعف ما قبضته من الأقساط وهذا فوق طاقتها ففي هذه الحالة فإن شركة التأمين من أجل حل هذا الإشكال تعيد التأمين فيما جاوز حد طاقتها من هذه العملية بحيث أن شركة التأمين تعيد التأمين فقط في العمليات التي تبلغ قيمة العملية الواحدة 200 مليون سنتيم للسيارة الواحدة يقوم المؤمن ( شركة التأمين) بدفع مبلغ 300 مليون أي يدفع 100 مليون لكل صاحب سيارة ولا يجاوز هذا الحد لأن طاقته لا تسمح بأكثر من هذا المبلغ ،في حين أن 300 مليون الأخرى فقد أعاد التأمين فيها ، وبالتالي تتحملها شركة إعادة التأمين(معيد التأمين).
    Réassurance en excédent de Sinistres  3- إعادة التأمين فيما جاوز حدا معينا من الكوارث 
    في هذه الصورة شركة التأمين تعي التأمين بالنسبة لكل وثيقة ، فيما جاوز حدا معينا من التعويض الفعلي الذي يدفعه المؤمن إذا تحققت الكارثة.[17]
    هذا النوع من إعادة التأمين الذي تقوم به شركة التأمين، يستعمل غالبا في التأمين من المسؤولية ، حيث يضع المؤمن حدا معينا لكل وثيقة ، وإذا تحققت الكارثة في وثيقة معينة ، أي تحققت مسؤولية المؤمن له ورجع على المؤمن بمبلغ (التعويض) الذي دفعه للمضرور ، فإذا كان هذا المبلغ لا يجاوز الحد المعين في الوثيقة تحمله المؤمن كله ، أما إذا زاد المبلغ على الحد المعين في الوثيقة ، فإن المؤمن (شركة التأمين) يتحمل الحد المعين فقط ، ويتحمل معيد التأمين (شركة إعادة التأمين ) الزيادة وقد يكون الحد الذي يتحمله المؤمن هو عبارة عن نسبة مئوية كأن تكون مثلا 70 % ، فإذا كان مبلغ التأمين 100 مليون ووقع الخطر، وأصبح المؤمن مسؤولا تجاه المؤمن له على مبلغ التعويض ، فإن  بلغ مبلغ التعويض 70 %  وهو 70 مليون فإن شركة التأمين (المؤمن) تتحمل ذلك المبلغ كله ، أما إذا تجاوز هذا المبلغ تجاوز 70 % فإن شركة التأمين تتحمل المبلغ إلى 70 % من قيمة التعويض وترجع على شركة إعادة التأمين التي تتحمل المبلغ الزائد.
    Réassurance en excédent de perte4- إعادة التأمين فيما جاوز حدا معينا من الخسارة:  
    في هذه الصورة تتفق شركة التأمين مع شركة إعادة التأمين على نسبة معينة من مجموع الأقساط التي تتقاضاها شركة التأمين (المؤمن) في فرع معين من فروع التأمين مثل التأمين من الحريق أو التأمين من المسؤولية ......
    ولتكن مثلا 60 % ويجعل هذه النسبة المئوية حدا أقصى لمجموع التعويضات التي يدفعها في هذا النوع من التأمين خلال العام ، وما زاد على هذه النسبة يتحملها معيد التأمين.[18]
    نفرض مثلا أن شركة التأمين أبرمت ألف عقد تأمين في مجال التأمين من الحريق ، وقبضت الأقساط من المؤمن لهم ، وكان مجموع هذه الأقساط هو مليار سنتيم واتفق المؤمن (شركة التأمين ) مع معيد التامين (شركة إعادة التأمين ) على نسبة معينة من مجموع الأقساط التي يتقاضاها من المؤمن لهم في فرع التأمين على الحريق ويجعلها حدا أقصى لمجموع التعويضات التي يدفعها في هذا النوع من التأمين في خلال العام بأكمله ، ونفترض أن هذه النسبة المتفق عليها هي 60 %.
    ونفرض أن الكارثة وقعت ، فإذا بلغ مبلغ التعويض  60 % أو أقل من مجموع الأقساط التي هي مليار سنتيم ، بمعنى أن مبلغ التعويض سيكون 6 مليارات أو أقل ، ففي هذه الحالة فإن شركة التأمين ستتحمل هذا المبلغ كله دون الرجوع إلى شركة إعادة التأمين .
    لكن إذا بلغ التعويض أكثر من 60 % من مجموع الأقساط أي أكثر من 6 مليارات فإن شركة إعادة التأمين ما زاد على هذا المبلغ.

    موقف الفقه الإسلامي من التأمين
    انقسم الفقهاء بين معارض ومؤيد ومعتدل فيما يتعلق بموقفهم من التأمين
    1- الاتجاه المعارض للتأمين :
    يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى الأخذ بعدم مشروعية التأمين في جميع صوره لأنه في نظرهم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، وتتمثل حججهم فيما يلي :
    - عقد التأمين لا يدخل في العقود المعروفة في الفقه الإسلامي ، وأن هذه العقود قد وردت على سبيل الحصر ، وعقد التأمين هو عقد جديد ولا يدخل ضمن هذه العقود وبالتالي فهو عقد غير جائز.
    - نظام التأمين ليس من التعاون على البر والتقوى لأن الغني فيه يؤمن بمبلغ كبير فيعطى عند الكارثة مبلغا أكبر من ذلك الذي يعطيه الفقير المحتاج الذي يؤمن بمبلغ ضئيل .
    - عقد التأمين ينطوي على مغامرة ، وهو يشبه القمار والرهان ، وهما أمران لا يجوز الإقدام عليهما طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، حيث أن في كل منهما مخاطرة تعتمد على الحظ والصدفة والمخاطرة ، فشركة التأمين والمراهن يبني كل منهما حساباته على أساس احتمال وقوع الخطر .
    - التأمين هو أكل أموال الناس بالباطل ، وفيه عنصر الربا وذلك لعدم تساوي البلدين في عقد التأمين بين الطرفين ، وفيه عنصر المقامرة لأن دفع العوض من المؤمن معلق على وقوع الخطر ، وفيه عنصر المراهنة لأن المؤمن يجهل المال الذي سيدفعه ، وكل هذا محرم في الشريعة الإسلامية .[19]
    2- الاتجاه المؤيد للتأمين :
    يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى الأخذ بمشروعية التأمين ، وقالوا بأنه لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، ويرتكز رأي هؤلاء على مجموعة من المرتكزات هي :
    - إن الإسلام لم يحصر الناس في أنواع معينة من العقود المعروفة في صدر الإسلام ، فالعقود ليست محددة على سبيل الحصر،فالإسلام ترك الباب مفتوحا من أجل ابتكار أنواع جديدة من العقود التي تدعو الحاجة الزمنية إليها متى توافرت فيها الشروط الشرعية اللازمة مثل تلك المطلوبة في الراضي و المحل و السبب .
    -إن نظام التأمين يقوم على فكرة التعاون و التضامن على البر لقوله تعالى:"و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان"،فالتأمين يشكل حماية للأفراد من الخسائر المادية التي يتعرضون لها بسبب وقوع المخاطر. فالتعاون الجماعي على دفع التعويض عن طريق دفع الأقساط أو الاشتراكات يحول الخسائر الكبيرة إلى خسائر صغيرة و ذلك بتوزيعها على عدد من الأفراد،و ذلك يؤدي إلى بعث الطمأنينة في نفس الفرد من نتائج الأخطار التي إن تحملها لوحده ربما ذهبت ثروته20.
    -إن عقد التأمين إذا نظرنا إليه من وجهة النظر الاقتصادية فهو ليس عقدا احتماليا لا بالنسبة للمؤمن و لا بالنسبة للمؤمن له،فهو ليس احتماليا بالنسبة للمؤمن،حيث أن المؤمن (شركة التأمين)إنما يأخذ الأقساط من المؤمن لهم ثم يعيد توزيعها على من وقعت عليه الكارثة منهم،بعد أن يخصم مصروفات الإدارة،فهو إذا أحسن تقدير الاحتمالات و التزام الأسس الفنية الصحيحة في التأمين،لم يعرض نفسه لاحتمال الخسارة أو لاحتمال المكسب بأكثر مما يعرض نفسه لذلك أي شخص آخر يعمل في التجارة .
      كما أن عقد التأمين ليس احتماليا بالنسبة للمؤمن له،فالعقد الاحتمالي هو ذلك العقد الذي يتوقف على الحظ و المصادفة في حين أن المؤمن له إنما يقصد بعقد التأمين عكس ذلك تماما،فهو يريد أن يتوقى مبغة الحظ و المصادفة،و يتعاون مع غيره من المؤمن لهم على توزيع شرور ما يبيته الحظ لهم جميعا21.
    3-الاتجاه المعتدل (الاتجاه التوفيقي):
       صدرت العديد من الفتاوى في هذا المجال عن الهيئات و منظمات إسلامية،و من بين المنظمات النشطة في هذا المجال مجمع البحوث الإسلامية الذي أقر في مؤتمره الثاني المنعقد بالقاهرة عام 1965 هذا القرار:
    1-إن التأمين الذي تقوم به الجمعيات التعاونية و فيها يشترك المستأمنين لتؤدي  لأعضائها ما يحتاجون إليه من معونات و خدمات أمر مشروع و هو من قبيل التعاون على البر
    2-إن نظام المعاشات الحكومي أو ما يسمى بالضمان الاجتماعي في بعض الدول و نظام التأمينات الاجتماعية في دول أخرى،يعتبر جائزا شرعا،و يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية .
    3-إن أنواع التأمينات الأخرى التي تقوم بها الشركات مثل التأمين على الحياة و التأمين من المسؤولية و ما في حكمها فقد قرر المؤتمر الاستمرار في دراستها بواسطة لجنة تجمع علماء الشريعة و خبراء في القانون و الاقتصاد و علم الاجتماع22
      و ذهبت ندوة التشريع الإسلامي المنعقدة في طرابلس سنة 1972 حيث أوصت بأن يعمل على احتلال التأمين التعاوني محل التأمين التجاري الذي تقوم به شركات التأمين .كما أقرت أن التأمين على الحوادث و ما شابهه يرخص فيه مؤقتا للحاجة حتى يوجد بديل شرعي عنه.
      أما التأمين على الحياة بصورته بصورته القائمة محرم لاشتماله على الربا23
      كما أقرت الندوة تعميم الضمان الاجتماعي حتى تطمئن كل أسرة إلى إلى مورد يكفل رزقها عند وفاة عائلها أو عجزه أو غير ذلك من الأسباب.
      و توصل مجمع الفقه الإسلامي لنفس النتائج،كما أن اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي و التجاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورتها الخامسة المنعقدة باسطنبول(تركيا)عام1990 أوصت بوضع آلية لنظام تأمين الصادرات بم يتفق مع حكام الشريعة الإسلامية و ذلك بهدف مواجهة المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها المعاملات التجارية بين الدول الإسلامية.
      و كان نتيجة هذه التوصية أن تم إبرام اتفاقية بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي و البنك الإسلامي للتنمية سنة 1992 بطرابلس بليبيا و ذلك من أجل إنشاء "المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمارات و ائتمان الصادرات"
      و هذه المؤسسة تهدف إلى توسيع المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء في المنظمة،كما تقوم المؤسسة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية بتأمين و إعادة تأمين ائتمان صادرات السلع،وذلك بتعويض المؤمن له تعوضا مناسبا عن الخسائر الناجمة عن المخاطر
      و قد صادقت الجزائر على هذه الاتفاقية بمقتض المرسوم الرئاسي رقم96/144 المؤرخ في 23أفريل1996،كما وافقت على المساهمة في رأس مال هذه المؤسسة لموجب المرسوم رقم96/146 المؤرخ في 23أفريل1996