بحث عن النمص و حكمه
الزينة ليست محرمة لذاتها ، بل هي مطلوبة من الجنسين ولكن بضوابطها التي لا تخرجها عن حدود الشرع ، فلو خرجت لكانت من المخالفات الشرعية .. فإذا لم تكن الزينة بأمر منكر ثبت تحريمه بالشريعة بأن كانت حلالاً من غير إسرافٍ فلا مانع منها.
ومن المخالفات التي يقع فيها بعض النساء ، اتباعاً لموجة ثوران وطغيان الموضة والأزياء ـ والتي انتشر عدواها في سائر المعمورة ـ أصبح النساء مولعات بأضوائها، متابعات لقواعدها ، حتى ولو كانت مخالفة للنصوص الشرعية ... وفي هذا الخصوص نلقي الضوء على ما يسمى بـ " النمص " .
لمعرفة فصل الكلام حول مسألة النمص وأحكمها ، لابد من الوقوف أولاً على تعريف كلمة النمص ، ليكون المعنى هو الفاصل المبين بين المشروع والممنوع في أحكام وفقه بحث مسألة النمص .
ـ مسائل بين يدي البحث :
أولاً : تعريف النمص :
فالنمص ، يطلق غالبا على نتف شعر الوجه ، إلا أنه يختص على القصد منه بنتف شعر الحاجب لغلبة فعله .
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ [2] : " والمتنمصة التي تطلب النماص ، والنامصة التي تفعله ، والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش مناصاً لذلك ، ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما وتسويتهما ، قال أبو داود في السنن : النامصة التي تنقص الحاجب حتى ترقه . " ا.هـ
ثانياً : حكم النمص :
فإن الأصل في نمص الحاجبين التحريم ، وهو من الكبائر ، فلا يجوز فعله أو الإعانة على فعله بأي وجه كان . للخبر والأدلة التي وردت في تحريم النص ومنها ما يلي :
قال الله تعالى ـ حكاية عن إبليس ـ { وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِرُنَّ خَلقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللهِ فَقَد خَسِر خُسرَاناً مُّبِيناً } النساء
قلت : ومن تغير خلق الله ، النمص . فالشيطان أخذ على نفسه عهداً بإضلال الناس عن الهدي ، ومن بين أعماله في ذلك أن يأمرهم بتغيير خلق الله، ومنه النمص ففيه تغيير للخلقة الأصلية ـ وهو تغير ثابت ودائم لغير عذر معتبر شرعاًً ـ لأن الوجه ومنه الحواجب قد خلقه الله جلَّ وعلا في أحسن تقويم ، والنامصة حينما تقوم بعمل النمص فهي بذلك تقع في مصايد الشيطان، ومكايده وتكون من المغيرات لخلق الله . وقد فسر بعض المفسرين بأن المقصود بتغير خلق الله هنا في الآية هو الوشم والنمص والتفليج .
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ 3 في تفسير هذه الآية : " وقالت طائفة : الإشارة بالتغيير إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن ، قاله ابن مسعود والحسن . " ا.هـ .
قلت : قوله " وما جرى مجراه من التصنع للحسن " يقصد ما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ : " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى . مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ }." 4
فهذا دليل على أن هذه الأمور هي من تغير خلق الله تعالى . قال العلامة الشيخ عبد الله بن جبرين ـ حفظه الله ـ عن النمص : " .. فليس فيه جمال، بل تغيير لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد ورد وعيد في ذلك، ولعن من فعله، وذلك يقتضي التحريم . " ا.هـ [5] .
ومعنى تغير خلق الله على قسمين :
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ :" التجميل ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : ثابت دائم مثل : الوشر والوشم ، النمص .. فهو محرم بل من كبائر الذنوب لأن النبي لعن فاعله .
الثاني : ما كان على وجه لا يدوم، فإنه لا بأس به مثل التجميل بالكحل والورس لكن بشرط أن لايؤدي هذا إلى محظور شرعاً مثل أن يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، أو أن يكون ذلك من باب التبرج.. فإن هذا يكون محرماً لغيره لا لذاته " ا.هـ [6] .
قلت : ومن التجمل ، النمص وهو محرم لأنه من قسم تغير خلق الله الدائم الثابت.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ قَالَ : " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ : إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ . فَقَالَ : وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَقَالَتْ : لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ . قَالَ : لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } قَالَتْ : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ . قَالَتْ : فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ . قَالَ : فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا . فَقَالَ : لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا . " [7]
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ [8] : " فهذه الخصال محرمة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن فاعلها، ولا يجوز لعن فاعل المباح . " ا.هـ ومن هذه الخصال ، النمص ، وهو محرم بل هو من الكبائر للعن الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد عرف الإمام الذهبي ـ وغيره ـ الكبيرة بأنها : " كل معصية فيها حدٌّ في الدنيا أو وعيد في الآخرة باللعن أو العذاب ونحوهما . " ا.هـ [9]
وقال ابن حجر ـ عند نهاية شرحه لباب : " وصل الشعر " وفيه من أحاديث النمص ـ : " وفيه هذه الأحاديث حجة لمن قال يحرم الوصل في الشعر والوشم والنمص على الفاعل والمفعول به ، وهي حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه ، لأن دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات ، بل عندهم أنه من علامات الكبيرة . " ا.هـ [10] .
للضرر الواقع عند إزالة شعر الحواجب ، فقد قال الدكتور وهبة أحمد حسن : " .. إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية، فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه . " ا.هـ [11] .
والضرر ـ كما هو معلوم ـ بكل أنواعه محرم في الشريعة . فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. " [12] .
ثالثا : ما الذي يدخل في معنى وعلة النمص :
يدخل في معنى النمص ، مطلق الإزالة والتحسين بأي مزيل كان ، سواء كان نقشاً أو نتفاً أو بحف أو بقص أو بتخفيف أو بحلق أو بخيط أو بموس وغير ذلك ، لأن هذا كله يعد من النمص المحرم ، لاتحاد العلة وهي الإزالة و تغيير خلق الله تعالى .
فإن قيل : أين دليل هذا التعميم يا أبا تيميه ؟!! ..
الجواب : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْفِطْرَةُ خَمْسٌ ، الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ . " رواه البخاري
قلت : فإن الإبط ، منصوص على نتفه ، فلو قام بدلاً من النتف ـ كحلقه ـ لحصل المطلوب. وذلك لأن الشارع طلب إزالته ، فإن أزاله بأي مزيل فهو المطلوب .
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ : " قوله { ونتف الإبط } هو سنة بالاتفاق أيضا ً ، قال النووي : والأفضل فيه النتف إن قوي عليه ، ويحصل أيضاً بالحلق والنورة . وحكى عن يونس بن عبد الأعلى قال : دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه فقال الشافعي : علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع . " ا.هـ [13] .
وكذلك ، فإن النمص هو النتف ، والشارع منع النتف ـ النمص ـ فلو حصلت الإزالة بأي مزيل ، فهو يعد من النمص .. لأن المطلوب هو عدم الإزالة ، والحلق من الإزالة كما أن النتف من الإزالة ، وكلاهما يدخل في النهي لاتحاد العلة ..
وقد نهى الشارع عن النتف ـ النمص ـ لأن هذا هو الغالب من حال النساء في هذه المواضع لدقتها ، فلو كانت الإزالة بغير النتف ـ سواء كان الإزالة من الجذور أو كتقصيرها بالمقص ونحو ذلك ـ لكان النهي يشمل ذلك ، مع القول بأن هذا ليس هو الغالب على الفعل .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : " لا يجوز أخذ شعر الحاجبين، ولا التخفيف منهما، لما ثبت عن النبي أنه لعن النامصة والمتنمصة، وقد بيَّن أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص " ا.هـ [14] .
وقوله " أن أخذ شعر الحاجبين من النمص " يعم كل ما في مطلق معنى الأخذ والإزالة ـ سواء كان الأخذ من منبت أصول وجذور الشعر أو كان كتقصيره بالقص ونحو ذلك ـ وقد أشرنا ـ آنفاً ـ ما الذي يدخل أيضاً في معنى وعلة النمص ..
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ [15] : " إزالة الشعر من الحاجبين إن كان بالنتف ، فإنه هو النمص ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة ، وهو من كبائر الذنوب ، وخص المرأة لأنها هي التي تفعله غالبا للتجمل ، وإلا فلو صنعه رجل لكان ملعونا كما تُلعن المرأة والعياذ بالله . وإن كان بغير النتف ، بالقص أو بالحلق فإن بعض أهل العلم يرون أنه كالنتف ، لأنه تغيير لخلق الله ، فلا فرق بين أن يكون نتفا أو يكون قصا أو حلقا ، وهذا أحوط بلا ريب ، فعلى المرء أن يتجنب ذلك سواء كان رجلا أو امرأة . " ا.هـ
قال الشيخ عبد الله بن جبرين ـ حفظه الله ـ [16]: " لا يجوز القص من شعر الحواجب ، ولا حلقه ولا التخفيف منه، ولا نتفه، ولو رضي الزوج، فليس فيه جمال، بل تغيير لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد ورد وعيد في ذلك، ولعن من فعله، وذلك يقتضي التحريم . " ا.هـ
قالت اللجنة الدائمة ـ جواباً على سؤال عن النمص ـ [17] : " لا يجوز حلق الحواجب ولا تخفيفها ؛ لأن ذلك هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته أو طلبت فعله ، فالواجب عليك التوبة والاستغفار مما مضى وأن تحذري ذلك في المستقبل . " ا.هـ .
وسئلت اللجنة الدائمة : ما الحكم في إزالة المرأة لشعر جسمها ؟ فأجابت : " يجوز لها ما عدا شعر الحاجب والرأس ، فلا يجوز لها أن تزيلهما ، ولا شيئاً من الحاجبين بحَلق ولا غيره " ا.هـ [18] .
وهذا هو الراجح ، فيدخل في معنى النمص ، مطلق الإزالة والتحسين بأي إزالة كانت لاتحاد العلة وهي الإزالة و تغيير خلق الله تعالى .
رابعاً : متى يجوز فعل النمص المحرم :
فالنمص ـ وما في معناه وعلته ـ فعل محرم لذاته ، وبالتالي فما كان محرم لذاته فلا يباح إلا عند الضرورة فقط . والضرورة تعتبر شرعاُ إذا تحققت أحد الأمور الثلاث وهي كالتالي :
ما تركه سيؤدي إلى الهلاك
ما تركه سيؤدي إلى تلف وبتر عضو .
ما تركه سيؤدي إلى مفسدة عظيمة محققه .
فإن توفرت أحد هذه الأمور الثلاث للشخص ، فالعمل الذي كان محرم ، يتنزل إلى منزلة الإباحة ، لأن الضرورات تبيح المحظورات ، وقد يتعين الفعل باختلاف الأحوال والأشخاص .. ومن الحالات التي تتنزل منزلة الضرورة ما يلي :
أولاً : كأن يكون الأخذ منهما أو من أحدهما ، لضرورة العلاج الذي لا يتم إلا بالأخذ منهما أو من أحدهما :
كأن تضطر المرأة لإزالة شيء من شعر حاجبيها لتنظيف جرح ـ مثلاً ـ أو علاجه فلا بأس بذلك ، وإن أخذت من أحد شعر حاجبيها ، وبقى الحاجب الآخر في وضع غير طبيعي لها ، فإنها تنظر إلى البديل أولاً ـ كأن ترسمه فيترك عدة أسابيع فيخرج طبيعي ـ فإن لم تتمكن من ذلك فلها أن تسوي وتحف الحاجب الآخر بحيث يرجع إلى المعتاد ، فيخرج بالتسوية والتحديد من طور التشويه إلى طور الاعتدال . ولا يعد ذلك من النمص .
ثانياً : كأن يكون الأخذ منهما أو من أحدهما لضرورة الأذى والضرر الواقع على وجودهما :
كأن يكون شعر الحاجبين زائداً على المعتاد زيادة مشينة للخلقة ـ كأن يسقط على العين فتتأذى المرأة به ـ بحيث تصل إلى حد التشويه فهذا لا بأس بتعديله ولا حرج فيه .
وكذلك القول ، فيمن يكون وضع حاجبيها خارجا عن طور الحاجبين الطبيعيين ـ من غير حدوث أي جرح مسبق أو حادث أدى إلى ذلك ، بل قد يكون هذا من طبيعة خلقة المرأة ـ خروجاً ظاهر وملفتا للنظر ـ من قبل الزوج أو المحارم ، فإن الأصل في كشف وجه المرأة لا يجوز إلا للزوج أو المحرم ـ والازدراء والتنافر ، فإنه يجوز لها الأخذ منهما بالقدر الذي يجعلهما غير مشينتين .
وفي كل حالات الضرورة ، فإنه يؤخذ من شعر الحاجب بقدر ما يرجع به إلى المعتاد، ويخرج به من طور التشويه إلى طور الاعتدال . ولا يعد في ذلك من النمص
ومن الأدلة على إباحة النمص في حالات وأمور الضرورة ما يلي :
فإن المحرم لو حرم لذاته فلا يباح إلا عند الضرورة ، والقاعدة تقول كم قرر ذلك أهل العلم : " الضرورات تبيح المحظورات " مستدلين بأدلة منها ، قوله تعالى { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } الأنعام 119 .
وعَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ قَالَ : أُصِيبَ أَنْفِي يَوْمَ الْكُلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَاتَّخَذْتُ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ ( أي فضة ) فَأَنْتَنَ عَلَيَّ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنْ أَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ . " [19]
لكن ينبغي أن يُعلم ، أن الضرورة لها قيود وضوابط تضبطها وتقيدها ، حتى لا تخرج عن حدودها ، وكي لا تكون باب مفتوح للوقوع في المحرمات لكل من هب ودب تحت زعم " الضرورات نبيح المحظورات " .. فلمعرفة ضوابط استعمال الضرورة وقيودها ، لابد من الالتزام وتوفر هذه الشروط الثلاث في الضرورة وهي كالتالي :
الشرط الأول : أن يتعين المحظور طريقاً لدفع الضرورة :
أي : أن لا يكون هناك بديلا ، عدا الأخذ بضرورة النمص ، وبالتالي فإن النمص في هذه الحالة يتعين لعدم وجود البديل ، وبالتالي فإن المحظور ـ فعل النمص ـ يتعين فعله كي ندفع الضرورة الواقعة ولا يوجد مخرج إلا بفعل النمص ـ المحظور ـ لعدم وجود البديل ..
فأما لو كان البديل المباح موجود ، فيجب الأخذ به ولا يجوز ارتكاب المحظور ـ النمص ـ لدفع الضرورة ، ومن ذلك كوجود أحد الحاجبين ـ بعد العملية أو الجرح مثلاً ـ في غير اعتداله وطبيعته ، فإن المرأة عليها أن تنظر في وجود البديل أولاً قبل فعل المحظور ، فإن لم تتمكن من فعل البديل انتقلت إلى فعل المحظور ..
ومن البدائل ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ كأن ترسم المرأة موضعاً أسوداً للحاجب بدلاً من نتف الحاجب الآخر ، وبذلك لا ترتكب المحظور ، لأن الرسم زينة والنمص معصية .. وقد وجدنا البديل فلا يجوز لنا الإقدام على المعصية إلا عند انعدام البديل ولا انعدام حقيقي هنا ، وبالتالي فإن الرسم يتعين لدفع ضرورة أحد الحواجب المؤذية أو الغير طبيعية عن الأخرى ..
الشرط الثاني : أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة :
أي : أن يكون فعل المحظور وهو النمص ـ طبعا بعد التأكد من انتفاء الشرط الأول ـ مطلوب فعله في الحال وموجود ضرره وقائم في الحال .. وبالتالي فيعمل به إما عند وقوع الضرر والأذى حقيقتاً أو بعد وقوعه ، لا قبل وقوعه إلا إذا تيقن أو غلب على ظنه وقوعه .
وكذلك ، لو كانت الضرورة ـ ولا يوجد لها بديل إلا النمص مثلا ـ غير قائمة ولكنها منتظرة ، بحيث يكون ارتكاب المحظور في الحال أو عدم ارتكابه لا يؤثر على الشخص لأنه غير مضطر لذلك حقيقتاً .. فوجود الضرر يبيح المحظور وعدم الضرر يمنع الوقوع في المحظور ..
فلو كان لأحد حاجبي المرأة بعد الحادث ما يدل على عدم الاعتدال والتسوية ، ولكنها لا تكشف وجهها إلا لزوجها ـ وهو راض بهذا الجرح والحال ـ ومحارمها ـ وهم لا يهتمون بماهية حاجبها الغير معتدل والسوي ـ فليس لها أن تقع في المحظور وذلك لأن الضرر لم يقع عليها أصلاً، وارتكاب المحظور ـ بإزالة ـ مطلوب لدفع الضرر والأذى ولا ضرر عليها فماذا تدفع إذاً ..!!
فدفع الضرر أو عدمه لن يؤثر على المرأة ، وذلك لأن وجودها مع محارمها أو زوجها كعدمهم ، فلا يؤثر عليها بخلاف ما لو كانت تزور أصدقاءها أو كونها مدرسة لطالبة المدرسة .. فالأمر هنا فيه ضرر معنوي والأول ليس فيه شئ لا سيما لو كان شعر سلك طريقه في النمو والاعتدال ، وهذه هي الضرورة المنتظرة .
ولصاحبة الضرر الغير واقع أن ترسم الحاجب الغير معتدل والسوي ، لأن الرسم ليس بمحظور وإنما هو زينة ، والمحظور هو فعل الإزالة فلترسم حاجباً أسوداً معتدلاً في أي الأحوال السابقة مادام أنه مضبوط بحدود الشرع ..
الشرط الثالث : أن تقدر الضرورة بقدرها :
فلو كان المحظور متعين بفعل النمص ـ وهذا يعني عند عدم وجود البديل ـ فعلى المرأة أن تلتزم بقضاء ما يرجع حاجبها المتعين إلى المعتاد ، ويخرج بالتسوية والتحديد من طور التشويه إلى طور الاعتدال ولا يعد في ذلك من النمص ، فإن زادت على المقصود فإنه يحرم عليها ذلك وتزداد الحرمة كلما زادت ، والزيادة تسمى نمص .
وكذلك في حال المرأة التي تسكن في الغرب لوحدها ، فإن خرجت ـ وفيها الحاجب أو الحواجب الغير معتدلة ـ فلم يراها الأجانب لستر وجهها ، فهنا لا يجوز لها الإقدام على فعل المحظور وذلك لأن الضرر واقع حقيقة ولكن لا تدفع الضرر لعدم الضرورة في دفعه ، فهي مستورة عن الآخرين ، وإنما سيظهر الضرر ما لو اختلت بنفسها فكشفت عن وجهها ، ولكن لها أن ترسم حاجباً معتدلاً مضبوطاً حتى يأخذ الشعر بالنمو مساره .
وعليه ، فإن هذه هي ضوابط شروط الضرورة ، وللمرأة أن تقيس عليها ما ينزل بها من مستجدات بشرط الآخذ بمجموع ما ذكر في هذا البحث .. والحمد لله
فإن قيل : هل مجرد السخرية على التي لا تمارس النمص في حياتها يبيح لها فعله ؟
الجواب : فليست السخرية من المسوغات الشرعية للنمص ، فلو كانت السخرية حجة شرعية للتنازل عن الأمور الشرعية ، لضاع الدين وأصبحت الأحكام الشرعية عبث في يد لكل من هب ودب .
فالأذى والمضايقة بسبب التدين الصحيح أمر متوقع ، ومن سَلمِ من ذلك فهو مخالف للأصل ، مما يستوجب الشك في دعوته أو منهجه أو سلوكه أو عقديته .
فالمقصود من وراء هذا التصارع هو أن تتقبله المسلمة بحكمة وصبر وأن تحتسب كل ذلك عند الله تعالى ، فإن الموت يعمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا والله يحكم بيننا وسيعلم بعد ذلك الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون .
فالأذى والسخرية للمؤمنين المتقين ، إنما هي ضريبة لشدة تمسكهم بإيمانهم وثمن لسلعة الله الغالية ، ولو أننا كلما أحسسنا بالأذى تراجعنا في التزامنا وتنازلنا عن عقيدتنا ومنهجنا فقد وقعنا في أمرين خطيرين :
ترك الإقتداء والإتباع .
انسلخنا من شعائر ديننا الظاهرة إلى أن نصبح أداة أفيون ، لتمييع الدين وإسكات ظهور الحق وهذا ما يريده أعداء الدين في كل مكان وزمان .
فلتكن المؤمنة قوية واثقة متوكلة على خالقها ، ولا تبالي بسخط الناس وعجزهم عن فهم حقيقة معالم اتباع المؤمن لأوامر الله تعالى ..
خامساً : ما الذي لا يدخل في علة النمص ولا في معناه :
الأمر الوحيد ـ وهو القول الصحيح ـ الذي لا يدخل في علة النمص ـ تغير خلق الله ـ ولا في معناه ـ النتف والإزالة ـ هو صبغ الحاجبين .
ولبيان إتمام الفائدة ، أقول : فإن العلماء المعاصرون اختلفوا في حكم صبغ الحواجب ـ كتشقيرها أو تبيضها ـ بحيث تكون هذه الصبغة ـ التشقير ـ من فوق الحاجب ومِن تحته بشكل يُشابه صورة النمص ، من ترقيق الحاجبين ونحو ذلك ـ على قولين هما كالتالي :
القول الأول : المنع مطلقا ، وذهب لهذا اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ عبد الله الجبرين وغيرهم .
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي [20]: " انتشر في الآونة الأخيرة بين أوساط النساء ظاهرة تشقير الحاجبين بحيث يكون هذا التشقير من فوق الحاجب ومِن تحته بشكل يُشابه بصورة مطابقة للنمص ، من ترقيق الحاجبين ، ولا يخفى أن هذه الظاهرة جاءت تقليداً للغرب ، وأيضاً خطورة هذه المادة المُشقّرة للشعر من الناحية الطبية ، والضرر الحاصل له ، فما حُـكم الشرع في مثل هذا الفعل ؟
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت : " بأن تشقير أعلى الحاجبين وأسفلهما بالطريقة المذكورة : لا يجوز لما في ذلك من تغيير خلق الله سبحانه ولمشابهته للنمص المحرّم شرعاً ، حيث إنه في معناه ويزداد الأمر حُرمة إذا كان ذلك الفعل تقليداً وتشبهاً بالكفار أو كان في استعماله ضرر على الجسم أو الشعر لقول الله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " ، وبالله التوفيق ." ا.هـ
وقال الشيخ عبد الله الجبرين ـ حفظه الله ـ [21] : " أرى أن هذه الأصباغ وتغيير الألوان لشعر الحواجب لا تجوز فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصات والمتنمصات والمغيرات لخلق الله الحديث ، وقد جعل الله من حكمته من وجود الاختلاف فيها . فمنها كثيف ومنها خفيف منها الطويل ومنها القصير وذلك مما يحصل به التمييز بين الناس ، ومعرفة كل إنسان بما يخصه ويعرف به ، فعلى هذا لا يجوز الصبغ لأنه من تغيير خلق الله تعالى . " ا.هـ
القول الثاني : الإباحة مطلقاً : وذهب لهذا الشيخ محمد الصالح العثيمين وغيره ، وهذا القول هو الصحيح عندي .
فقد سئل الشيخ السؤال التالي : ما حكم صبغ شعر الحاجبين بلون يقارب لون البشرة ؟
الجواب : " الحمد لله . لا بأس به , لأن الأصل في هذه الأمور الإباحة إلا بدليل يقتضي التحريم أو الكراهة من الكتاب أو السنة . " ا.هـ [22]
ـ الرد على الشبه :
بعد النظر في أقوال المخالفين ، تبين وجود شبه ظاهرها قوي وتفنيدها أقوى ، وهما كالتالي :
الشبهة الأولى : الصبغ يشبه تغير خلق الله :
مسألة الصبغ شئ ومسألة تغير خلق الله شئ أخر ولا يجوز الخلط بينهما . فإن العلماء تكلموا على تغيير خلق الله تعالى وقالوا : إنما ذلك فيما كان باقياً ثابتاً دائماً ، فأما ما لا يكون باقياً كالحناء والكحل والتزين به للنساء ـ ومنه الصبغ ـ فليس من تغيير خلق الله . وقد أشرنا سابقاً في بيان أقسام معنى تغير خلق الله .
ثم لو قلنا فرضا ، أن الصبغ هو تغير لخلق الله ، فإن هذا يلزمنا أن نمنع صبغ شعر الرأس ، ونحن نعلم سنية صبغ الشعر عدا صبغه بالسواد ، فهل هذا يعد من تغير خلق الله كذلك .!!
فإن قيل : لا ـ ولابد ـ فلا يجوز إذاً أن نقول أن صبغ ـ وهو كصبغ شعر الرأس ـ الحواجب فيه تغير خلق الله ، لأنه يلزمنا بذلك منع صبغ الشعر ، ولم يقل ـ فيما أعلم ـ بذلك أحد من العلماء المتقدمين أو المتأخرين .
فلا شك أن الصبغ من هذا النوع ـ تشقير الحواجب ـ لا يعتبر تغييراً لخلق الله، ولو افترضنا أن صبغ الشعر يدخل في تغيير الخلق ، فهو مستثنى من تغيير خلق الله تعالى مثل : نتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، وغير ذلك مما جاء النص من الشارع بالإذن فيه، بل وفي طلبه . وبالتالي فإن حجة المنع لأن الصبغ فيه تغير لخلق الله ، حجة ضعيفة لا يلتفت إليها ..
الشبهة الثانية : الصبغ يشبه النمص ويدخل في معناه :
مسألة الصبغ شئ ، ومسألة النمص وما في معناه شئ أخر، فإن الصبغ هو عبارة عن تلوين للشعر فقط ، وأما النمص هو عبارة عن إزالة جذور الشعر أو بقاءها ولكن مع تقصير وقص .. فأين المشابهة في المعنى بين الصبغ والنتف ..!!
ثم إن نتف الإبط سنة ويحصل بالحلق والنورة ، كما أن نتف الحواجب منهي عنه ، ويحصل النهي في كل ما يدخل في معنى مطلق الإزالة ـ إزالة الشعر من الجذور أو تقصيرها وقصها ـ لأن المطلوب من نتف الإبط هو الإزالة ، كما أن المنهي عنه في نتف الحواجب هو إزالتها أو تقصيرها ، وبالتالي فإن وضع اللون على شعر الإبط لا يحصل به المقصود ، لأنه لابد من النتف والإزالة .. ووضع اللون في محل شعر الإبط يبقى الشعر الذي هو مخاطب بإزالته ، وبالتالي فإن الصبغ لا يؤثر في الحكم ..
وكذلك ، فإن وضع الصبغ على شعر الحواجب لا يحصل به النتف والإزالة ـ والمحرم هو النتف والإزالة ـ وذلك لأن الشعر المخاطب بإزالته باقي على أصله ، لا بقاءه وصبغه ـ ولو كان لون الصبغ من لون البشرة وأدى إلى صورة النمص ، ولكن هل هذا هو النمص حقيقتاً .. !! ـ وبالتالي وجود الصبغ أو عدمه لا يؤثر في الحكم ، وإنما النتف والإزالة هو الذي يؤثر في الحكم .. فتنبه !
ثم بعد كل هذا أقول : فإن الأصل في الأمور الإباحة ، ولا ينتقل المباح إلى أي حكم تكليفي آخر إلا بدليل يقتضي التحريم أو الكراهة أو الوجوب أو الندب من الكتاب أو السنة . فإن عدم الدليل ، بقي الحكم على الأصل وهو الإباحة .
وعليه ، فإن تشقير ـ الصبغ باللون الأشقر ـ أو تبييض الحواجب ، فالظاهر ـ والله أعلم وأحكم ـ أنه لا حرج فيه، ولا يدخل في معنى النمص ـ الإزالة والنتف ـ ولا في علته ـ تغير خلق الله ـ فلا مانع من تشقير الحواجب .
فإن قيل : متى يمنع التشقير ، أقول : يمنع التلوين عند توفر أحد ثلاث أمور :
أولاً : أن لا يقع ضرر ولا ضرار من وراء الصبغ .
فلو كان التشقير سيؤدي إلى ضرر المرأة ضرر مادي ـ كحدوث أمراض جلدية ونحو ذلك ـ أو معنوي .. أو سيتضرر غيرها من وراء الصبغ ـ كزوجها الذي يمنعها منه ولا يستحسنه ـ فإن التحريم يتعين لعموم الضرر المنهي عنه .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. " 23 .
ثانياً : أن لا يكون فيه تدليس على الخاطب .
يحرم فعل التشقير تدليساً على الخاطب ، وذلك عندما يتقدم الرجل للمرأة ، فإذا أخُبر أن له أن ينظر إليها النظرة الشرعية ، قامت بالتشقير لتحسن من منظرها ، فهذا العمل محرم . لأن الخاطب لا بد أن يرى المرأة على هيئتها الطبيعية ، وفي العادة نجد أن الخاطب لا يدقق عند رؤيته للمخطوبة لأول مرة، وبالتالي لن يظهر له التشقير الذي يراه القريب من المرأة في العادة ، ولاشك أن هذا من الغش ويدخل فيه كل ما كان فيه تدليساً ، ومن غشنا فليس منا ..
ثالثاً : أن لا يكون فيه تشبهً بالكفار أو الفساق والفجار .
يحرم التشقير إذا كان فيه تشبه بالكفار أو الفساق والفجار ، لأن الله تعالى نهانا عن التشبه بهم .
عن عبد الله بن عمر [24] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم . "
ولمعرفة ضوابط التشبه ، يلزمنا بيان بعض الضوابط التي من خلالها نستطيع أن نحكم على الشيء هل هو تشبه بالكفار أو الفساق والفجار أم انه ليس كذلك .. والضوابط هي كالتالي :
أولاً : أن تكون الصبغه شبيهة ، في جنسها ومقدارها ولونها ، بصبغ الكافرات أو الفاجرات الفاسقات ، التي تختص بهن .
وإن فتح مجلات النساء الكافرات وغيرهن التي تتواجد عند الصالونات النسائية أو الرجالية ، ثم يتم الاختيار منها هو من التشبه المنهي عنه .
ولكن على من تريد الصبغ أن تختار ما يجول في فكرها من دون أن تلتفت يمنه ولا يسره إلى الفنانة فلانة أو الممثلة فلانة .. بل تختار ما يناسب حال بشرتها وجمال وجهها من دون تقليد لونٍ أو مقدار لامرأة فاسقه ..
ثانياً : أن تكون الصبغة استعمالها الغالب يدور في الفساق والفجار . فإن انتشر الأمر بين النساء والرجال وصار هذه الأمر لا يتميز به ، فإن لون الصبغة وجنسها ومقدارها لا يعد تشبهاً إلا أن يكون محرما من جهة أخرى، كأن يكون الصبغ بالسواد ونحو ذلك .
وهناك أمور قد صارت عادة بين النساء والرجال ، فهذه خرجت عن حد الخصوصية بالكفارات وعن التشبه بهن ، إلا إذا صبغت المرأة لوناً لا تصبغه إلا لأن الكافرات يصبغون بهذا اللون ، فعندئذ يدخل هذا في التشبه بالمذموم ..
وبعد ما تبين حكم صبغ الحواجب ، وتبين أن الراجح فيه هو الإباحة ، وقد ذكرنا متى يمنع ..
فإن قيل : هل للمرأة أن تمتنع عن التشقير ورعاً لا تحريما ً ؟
الجواب : نعم لاشك ، فما دام أن المسألة صارت موضع شبهة لاختلاف العلماء فيها . فيكون الأولى والأحوط تركه .
لكن الأخذ به من باب الزينة جائز ـ بالشروط التي ذكرت سابقاً ـ وتركه زيادة في الورع .
قال الخرشي ـ رحمه الله ـ [25] في تعريف الأورع : " إن الأورع هو الذي يترك بعض المباح وأولى بتركه المشتبه، وأما الورع فهو الذي يترك المشتبه خوف الوقوع في الحرام . " ا.هـ .
ولكن من كان من أهل الاجتهاد عمل بما رآه ، ومن كان من أصحاب الأهلية في الترجيح عمل بما ترجح لديه ، والعامي يقلّد أوثق من يعلمه من علماء بلده أو من وصلت إليه فتواه .
ـ سؤال وجواب بين يدي البحث :
مسألة : حكم التجمل للزوج والتزين له بنمص الحواجب :
أقول: إن التجميل لا يخلو حاله من أمرين هما كالتالي :
الحالة الأولى : أن يكون التجمل لزيادة الحسن :
أي : كأن يكون تجمل المرأة ، بالنمص هو لزيادة جمالها ، وهو ما ليس لإزالة العيب بل لزيادة الحسن وهذا النوع محرم ، ويدخل في النمص المنهي عنه ولابد .
قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ في نيل الأوطار : " ... التحريم المذكور إنما هو إذا كان القصد التحسين لا لداءٍ ولا علة فإنه ليس محرم " ا.هـ
الحالة الثانية : أن يكون التجمل لتسوية العيب واعتداله إلى الحال الطبيعي :
أي : كأن يكون النمص هو لإعادة جمال واعتدال أحد الحواجب المشينة السيئة المظهر ، فهذا لا حرج فيه ، وهو يدخل في أحكام فعل النمص عند الضرورة ، كما بينا ذلك سابقاً .
ولكن إذا كان تعديل وتجميل الحاجبين الذين ليسا مشوهي الخلقة ، تشويها واضحا مشينا ، يستوجب فعل الضرورة ودفع الضرر والأذى ، فإن فعلها يعد من النمص الملعونة صاحبته على لسان محمد . ولا يجوز الأخذ منهما ولو كانا كبيرين أو كان فيهما شيب، ما لم يخرجا عن وضعهما المعتاد لأن ذلك من النمص الذي ورد النص النبوي بتحريمه، وأما الشيب فيكفي فيه الصبغ بغير السواد .
مسألة : حكم نمص الشعر الذي بين الحاجبين :
أقول : الشعر الذي بين الحاجبين أو تحت الحاجب أو على الجفن . من الشعر المسكوت عنه فلم يأت في الشرع ما يأمر بإزالتها أو وجوب إبقاءها ، ويدخل في الشعر المسكوت ، كشعر الساقين واليدين والشعر الذي ينبت على الخدين وعلى الجبهة وعلى الوجه وشعر كل الجسد عدا الحواجب والرأس .
فهذه المسألة اختلف العلماء فيها ، لاختلافهم في حكم الشعر المسكوت عليه :
فقال قوم : لا يجوز إزالته ؛ لأن إزالته تستوجب تغيير خلق الله كما قال تعالى – حاكياً قول الشيطان - : { ولآمرنَّهم فليغيرنَّ خلق الله } النساء / 119 .
وقال قوم : هذا الشعر يعتبر من المسكوت عنه وحُكمه الإباحة ، والعبد مخير في جواز إبقائه أو إزالته ؛ لأن ما سكت عنه الكتاب والسنة فهو من المعفو عنه . وهذا القول ـ وهو الصحيح ـ اختاره علماء اللجنة الدائمة كما اختاره أيضاً الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى . [26]
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة : " لا حرج على المرأة في إزالة شعر الشارب والفخذين والساقين والذراعين ، وليس هذا من التنمص المنهي عنه . " ا.هـ 27.
وسئلت اللجنة عن حكم الإسلام في نتف الشعر الذي بين الحاجبين ؟ فأجابت : " يجوز نتفه ؛ لأنه ليس من الحاجبين " ا.هـ [28] .
وسئلت اللجنة الدائمة : ما الحكم في إزالة المرأة لشعر جسمها ؟ فأجابت : " يجوز لها ما عدا شعر الحاجب والرأس ، فلا يجوز لها أن تزيلهما ، ولا شيئاً من الحاجبين بحَلق ولا غيره " ا.هـ [29].
( فائدة ) : اختلف العلماء في حكم إزالة شعر الوجه أيضاً بناء على اختلافهم في معنى النمص .
فذهب بعض العلماء إلى أن النمص هو إزالة شعر من الوجه ولا يختص ذلك بالحاجبين .
وذهب آخرون إلى أن النمص هو إزالة شعر الحاجبين خاصة ، وهذا القول اختارته اللجنة الدائمة ، وهو الصحيح .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة : " النمص هو الأخذ من شعر الحاجبين وهو لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة . " ا.هـ [30]
قلت : قال أبو داود ـ رحمه الله ـ في السنن : " النامصة التي تنقص الحاجب حتى ترقه . " ا.هـ [31]
( فائدة ) : الشعر المسكوت عنه يجوز إزالته إزالة دائمة من أصله ، بفعل استخدام المستحضرات الكيماوية ، بشرط انتفاء الضرر المادي أو المعنوي على الشخص نفسه أو على غيرهم وسواء كان هذا الضرر ظني الوقوع حالاً أو مستقبلاً .
مسألة : ما الحكمة من النهي عن النمص :
فإن سبب التحريم هو ـ وقد أشار الحديث على ذلك ـ كونه محاولة تغيير خلق الله تعالى، وفي ذلك نوع اعتراض على أمر الله تعالى، وعدم الرضا بما قضى . كما أن في النمص أيضاً غشاً وخداعاً حيث قد تبدو المرأة للزوج أو المحارم أو للخاطب في الجملة ـ مثلاً ـ كأنها رقيقة الحاجبين خلقة ، وليس الأمر كذلك .
وعلى كل فمن المؤكد أن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله، إما أن يكون خالياً من الخير مطلقاً وإما أن يكون ما فيه من خير أقل مما فيه من شر ، وقد قال الله تعالى عن الخمر والميسر { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } البقرة 219 .
فإن وجود المنفعة في الخمر والميسر ـ من ناحية البيع والشراء والربح ـ لم يكن حائلاً بينهما وبين إنزال حكم التحريم عليهما . وبالجملة فسواء علمنا الحكمة من تحريم النمص أم جهلناها، فالواجب علينا هو الامتثال والتسليم وانتفاء الحرج لحكم الله تعالى وحكم رسوله .
مسألة : هل يشترك الرجل مع المرأة في مسائل النمص .
أقول : فإن الأخذ من الحواجب لا يجوز لا للرجال ولا للنساء ، وإذا كان ذلك في حق النساء اللاتي يباح لهن من الزينة ما لا يباح للرجال فإن الرجال من باب أحرى . فالتحريم في حق الرجال أشد والنمص بالنسبة لهم أقبح .
وقد جاء في الموسوعة الفقهية أنه " يحرم على الرجل التنمص " ا.هـ [32] .
وقال الشيح ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ حكاية عن النمص [33] : " ... وخص المرأة لأنها هي التي تفعله غالبا للتجمل ، وإلا فلو صنعه رجل لكان ملعونا كما تُلعن المرأة والعياذ بالله ـ إلى أن قال ـ فعلى المرء أن يتجنب ذلك سواء كان رجلا أو امرأة . " ا.هـ
مسألة : حكم من خالف وشذ عن الأصل إلى القول بجواز النمص مطلقاً :
أقول : لا أعلم أحداً من علماء المسلمين أيد جواز النمص ولا قال بجوازه، وعلى افتراض وجود قول شاذٍ مؤيد للنمص ـ وهو أمر مستبعد جداً ـ فلا يجوز الأخذ بهذا القول ، ولا التقليد فيه لمخالفته للحديث الصحيح ..
فإن قيل : هل يجوز فعل النمص في غير ما سبق ذكره في البحث :
أقول : لا يجوز الإقدام على النمص إلا عند الضرورة ـ وقد بينا حالات وضوابط الضرورة سابقاً ـ سواء كان الإقدام عليه برضى الزوج أو الوالدين .. أو كان فعله لمرة واحد لحال من هي مقدمة على عرس ونحوه ، فلا يجوز الأخذ منه ولو كان خفيفاً ..
ولا يجوز للمرأة الإقتداء بمن يفعل ذلك من النسوة ، فإن الإقتداء لا يكون بمن خالفت الشرع ، وإنما القدوة فيمن كانت ملتزمة بالشرع من مثل أمهات المؤمنين ـ رضي الله تعالى عنهن ـ ومن عاصرهن من الصحابيات الجليلات، وغيرهن من نساء السلف الصالح ومن اهتدى بهديهن في العقيدة والسلوك ، فمن وفقت للتمسك بالالتزام بأحكام الله تعالى ، فعليها أن تكمل باقي الأوامر الشرعية من ترك ما نهى الله عنه ونهى رسوله ، ومن ذلك النمص .
فلا يجوز طاعة أي مخلوق في ذلك لأنه أمر محرم تحريماً غليظاً فلا يجوز الإقدام عليه، ولو كان الزوج يريده إذ " لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف " 34
والمسلمة تأخذ بما وافق الكتاب والسنة ولا تقدم عليهما قول أحد كائناً من كان ولتستحضر دائماً قول الله { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } النور : 63 . وقوله { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر : 7 .
فمن تبين ووضح له النص الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدل عنه لقول أحد ـ كائناً من كان ـ فإنه مشمول بالوعيد في قوله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } النساء : 115 .
وقال الإمام أحمد [35] ـ رحمه الله ـ : " نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وجعل يكررها ، ويقول : وما الفتنة ؟ الشرك ؛ لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه.
وقيل له: إن قوماً يدعون الحديث ، ويذهبون إلى رأي سفيان ! فقال : أعجبُ لقومٍ سمعوا الحديث وعرفوا الإسنادَ وصِحتَه يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره! قال الله تعالى: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وتدري ما الفتنة ؟ الكفر! قال الله تعالى { والفتنة أكبر من القتل } . فيدعون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي ؟! " ا.هـ
فلتكن المسلمة ـ الذكية ـ قول الله ورسوله هو الحَكم ، فتدور معه حيث دار وذلك هو الفوز العظيم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
مسألة : حكم خِطبة النامصة ، وكذلك الرجل في هذا سواء :
فعلى المسلم أن يضبط سلوكه وتصرفاته بما يرضي الله ، لا كما يغفل عنه بعض الناس ، كمن يرى أنه حر في سلوكه، فيصاحب من شاء، ويربط العلاقة بمن شاء .
والحق أن المسلم مقيد بالشرع ، فلا يصحب إلا من أذن الشرع في صحبته، ولا يربط العلاقة إلا بمن أذن الشرع في أن يربطها به، ومن جملة ما نهي عنه في هذا الباب هو النمص ـ فعل النمص في حالات الضرورة لا يعد فعل منهي عنه ، ولكن ما نقصده هنا هو النمص من دون عذر ولا داء ـ وهو مخالف لشرع الله ، وعلى من ابتلي أو ابتليت بذلك أن يتوب إلى الله عز وجل .
فمن ابتلي بمن تعمل النمص المحرم شرعاً ، فالواجب على الخاطب أن يأمر أهلها بأن يحملوها على ترك هذا المحظور ـ وغيرها من المحظورات لو كانت واقعة بها ـ وأن يعلموها أحكام الله في ذلك ، فإن رجعت فذلك هو المطلوب وإلا فليخبرها بواسطة إحدى قريباته أن لن يتقدم للزواج منها ما لم ترجع إلى الدين وتستقيم أمورها عليه، فإذا أصرت على معصيتها فلا يحق لك الزواج منها ، فلو كان بعض الدين لله والبعض الآخر لغيره فيجب منع الزواج منها والزواج ممن تمثل معالم الدين والتقوى لقوله " فاظفر بذات الدين تربت يداك . " [36]
وقد مر معنا حديث عبد الله بن مسعود وفيه ـ عندما قالت له أم يعقوب ـ " فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ . قَالَ : فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا . فَقَالَ : لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا . " [37] .
قال النووي ـ رحمه الله ـ " قوله " لو كان ذلك ما جمعتها " . قال جماهير العلماء : معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها . قال القاضي : ويحتمل أن معناه لم أطأها وهذا ضعيف والصحيح ما سبق فيحتج به في أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرهما ينبغي له أن يطلقها . والله أعلم . " ا.هـ 7 / 232 .
قلت : لو كان هذا الحال في وقوع الطلاق ـ طبعاً الأمر ليس على إطلاقه ، لا سيما لو كان لهم ذرية ، فإنه من الفقه أن يعمل بالنظر بين المصالح والمفاسد وتقديم أخف الضررين والمفسدتين على أدناهما ـ بعد عقده ، فمن باب أولى أن لا ينعقد ابتداءً عند الخطبة .
مسألة : حكم من كانت تفعل النمص ثم تابت :
الواجب على من تعاطى هذا الفعل فاعلاً أو مفعولاً به أن يتوب إلى الله عز وجل ومع أن فعلتها كبيره من الكبائر ، إلا أنه إذا تاب من هذا العمل ومن فعلته تاب الله عليه، وإذا مات قبل أن يتوب فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، ولكنه لا يخلد في النار إن مات لا يشرك بالله شيئاً إن كان موحداً .
ويكفر بعينه ـ بعد انتفاء موانع التكفير وتوفر شروطه ـ إذا استحل النمص ـ أي قال أن النمص حلالاً أو كان يتفاخر به ـ أو جحده ـ أي كذب حكم النمص ـ .
وإن من تمام التوبة وصدقها عدم العودة للمعصية ، وترك الحاجب على خلقتهما الأصلية، أما إذا نتج تشوه فيهما خارج عن الأصل بعد الإقلاع عن المعصية ، وكان شاذا يعد عيبا ـ كأحد الحالات السابقه في جواز النمص ـ فلها أن تزيل الزائد عن الحد الأصلي ، وأما إن عاد لطبيعته بعد ذلك ، فلا يجوز الإقدام على الأخذ منه فمن فعلت فإن نصوص تحريم النمص تنزل عليها ولابد .
مسألة : حكم من لا شعر حواجب لها :
حال هذه الحالة أمرها واسع ، فإما أن يرسم الحاجب وإما أن يزرع شعر جديد للحواجب من باب رد ما خلق الله تعالى وإزالة العيب المتحقق ..
سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم أخذ شعر من خلف الرأس وزراعته في المكان المصاب ، فقال [38] :
" نعم يجوز ؛ لأن هذا من باب رد ما خلق الله عز وجل ، ومن باب إزالة العيب ، وليس هو من باب التجميل أو الزيادة على ما خلق الله عز وجل ، فلا يكون من باب تغيير خلق الله ، بل هو من رد ما نقص ، وإزالة العيب ، ولا يخفى ما في قصة الثلاثة النفر 39 الذين كان أحدهم أقرع ، وأخبر أنه يحب أن يرد الله عز وجل عليه شعره ، فمسحه الملك ، فرد الله عليه شعره ، فأعطي شعرا حسناً " ا.هـ
مسألة : حكم الوضوء أو الغسل بوجود التشقير :
لا يخلو حال التشقير في موضع الشعر من حالتين ، فإما أن يمنع التشقير وصول الماء إلى العضو أو لا يمنعه .
فلو كان على العضو أجرام الصبغ التي بقيت من الصبغ ، وقد أزيل جرمه ولم يبقى إلا لونه ، فإنه لا تأثير لما يبقى من لونه على الوضوء أو الغسل ، وأما إن بقي جرم الصبغ وكان حائلاً دون الماء، فإن الوضوء أو الغسل لا يصح .
قال الشافعي [40] ـ رحمه الله ـ : " وإن كان عليه علك أو شيء ثخين فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد لم يجزه وضوء ذلك العضو حتى يزيل عنه ذلك أو يزيل منه ما يعلم أن الماء قد ماس معه الجلد كله لا حائل دونه . " ا.هـ .
ـ الخلاصة :
الزينة مطلوبة ، وتطلب وفق حدود وضوابط الشرع ومن الزينة المحرمة فعل النمص ـ وما في معناه وعلته ـ وفعله من دون عذر شرعي معتبر يعد من الكبائر، ولا يجوز فعله إلا في حالات ضيقه بضوابطها .. وأما صبغ الحواجب فهو أمر خارج عن ماهية وحقيقة معنى وعلة النمص فلا يأخذ حكمه شرعاً ..
وبعد [41]، إلى هنا ينتهي الحديث عن فقه أحكام النمص ، وبانتهائنا منه تنتهي ـ بفضل الله ومنته ورحمته ـ جميع مواد هذا البحث .. راجياً من الله العلي القدير أن يتقبله مني وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم .. وأن يضع له القبول النافع في البلاد وبين العباد .. ما دامت السموات والأرض ، إنه تعالى كريم ، سميع ، قريب ، مجيب .
وكان الانتهاء منه ـ بفض الله ومنته وتوفيقه ـ من إعداد وتأليف وتحديث مادة هذا البحث ظهر يوم الثلاثاء 26 رمضان ، لسنة 1425 من هجرة النبي المصطفى ، الموافق 9 / 11 / 2004 م .
الهوامش :
1 هذه نسخة جديدة ثانية لبحثنا " النمص .. رؤية شرعية شاملة " عزمت على إعادة النظر فيها واستدراك ما يستلزمها لتخرج للقارئ بثوبها العلمي المرتب والله من وراء القصد .
2 فتح الباري 10 / 532 .
3 تفسير القرطبي 5 / 392 .
4 رواه البخاري
5 فتاوى النساء 170
6 زينة المرأة بين الطب والشرع 42
7 رواه البخاري
8 المغني 1 / 129
9 قال ابن تيميه ـ رحمه الله ـ في الفتاوى 11 / 650 : " أمثل الأقوال في هذه المسألة القول المأثور عن ابن عباس ، وذكره أبو عبيد ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما : أن الصغير مادون الحدين : حد الدنيا وحد الآخرة . وهو معنى قول من قال : ما ليس فيها حد في الدنيا ، وهو معنى قول القائل : كل ذنب خُتم بلعنةٍ ، أو غضبٍ ، أو نار فهو من الكبائر . " ا.هـ
10 فتح الباري : 10 / 532 .
11 المتبرجات : للزهراء فاطمة بن عبد الله 94 .
12 صحيح ابن ماجه 2341 .
13 نيل الأوطار 1 / 122 .
14 فتاوى المرأة 167 .
15 نقلاً عن فتاوى علماء البلد الحرام ص577 .
16 فتاوى المرأة 170 .
17 فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 196 .
18 فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 194 .
19 صحيح الترمذي 1770 .
20 فتوى رقم ( 21778 ) وتاريخ 29/12/1421 هـ
21 فتاوى المرأة ص 134 ، جمع خالد الجريسي .
22 من فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة العدد 1741 7/2/1421هـ ص/36 .
23 صحيح ابن ماجه 2341 .
24 رواه أحمد
25 شرح مختصر خليل للخرشي 2 / 45 .
26 فتاوى المرأة المسلمة 3 / 879 .
27 فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 194 ، 195 .
28 فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 197
29 فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 194 .
30 فتاوى اللجنة الدائمة 5 / 195 .
31 فتح الباري 10 / 532 .
32 الموسوعة الفقهية ج 14 تنمص .
33 نقلاً عن فتاوى علماء البلد الحرام ص577 .
34 صحيح سنن أبي داود 2625 .
35 نقلا عن الصارم المسلول لابن تيميه 56
36 متفق عليه
37 رواه البخاري .
38 فتاوى علماء البلد الحرام ص 1185 .
39 رواه البخاري ومسلم .
40 الأم 1 / 44
41 جميع حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ، ولا يسمح بالطبع التجاري إلا بإذنٍ خطيٍ مني أو لمن أنبته عن توقيعي بإذنٍ خطيِ مني ، ويستثنى مما سبق : النشر والطبع للتوزيع المجاني أو اقتباس بعض مواد البحث بشرط عدم حذف أي كلمة من مواد البحث ، مع نسبت نشر أو طبع البحث للمؤلف وكذا عند الاقتباس من مواده وبالله التوفيق .