-->

الحركة الوطنية الجزائرية

الحركة الوطنية الجزائرية
    الحركــــــة الوطنية الجزائرية
    الحركة الوطنية الجزائرية

    - مسألة الاندماج وموقف النخبة الأهلية المثقفة منها في الفترة ما بين الحربيــن.
    - ظهور وتطور التنظيمات والأحزاب الوطنية ما بين الحربين
                    - نجــم شــــمال إفريقـــيا
                    - حزب الشـــــعب الجزائـري
                    - جمعية العلماء المسلمــين الجزائريين
                    - فرحات عباس وبيان الشعب الجزائري
                    - حــــوادث 8 مــاي 1945
                    - حركة انتصار الحريات الديمقراطيـة.
    مسألة الإندماج وموقف النخبة الأهلية المثقفة منها في الفترة ما بين الحربين:

    جماعة ابن التهامي (اتحادية الجزائر للمنتخبين الأهالي) أنموذجا:
    عرفنا سابقا أنّ تجربة الانتخابات في الجزائر سنة 1919، وّلدت تيارين كان لهما نفس المنطلق لكنهما اختلفا في أوجه النظر؛ وهما التيار الليبرالي الاندماجي بزعامة ابن التهامي، والتيار الوطني الذي يرأسه الأمير خالد حسب تصنيف الفرنسيين لهما. هذا المنطلق هو السعي لتحقيق المساواة مع الفرنسيين وبالتالي تحقيق مطمح الإدارة الفرنسية في نجاح سياستها الاندماجية، لكن هذه الأخيرة لم تحرك ساكنا أمام مطالب النخبة الجزائرية في تحقيق المساواة مع الفرنسيين إلا بعد نهاية الحرب العالمية نجدها تضع وتصدر إصلاحات حققت بعض الرقي والامتياز للأهالي الجزائريين كمقابل لمشاركتهم في الحرب، وأوجدت إصلاحات 1919، وكان من أهم بنودها حق الأهالي في دخول معترك الانتخابات في المجالس المحلية.
    فرغم أنّ  تيار الأمير خالد كان يدعو بدوره للاندماج، لكنه لم يلق الدعم والعون من الإدارة الفرنسية لأنه تشبث بالقيم العربية الإسلامية ورفض التخلي على الأحوال الشخصية التي محيت من أجندة  التيار الآخر بزعامة ابن التهامي. بدليل أنّها لم تحقق مطالب وأهداف الأمير خالد الذي دعا إلى التعايش الفرنسي الإسلامي وهذا يبرز بجلاء تبنيه الفكر الاندماجي، مما جعله يستقيل من المجالس النيابية ويبعد فيما بعد عن البلاد. وقربت إليها التيار المعارض للأمير خالد وهو تيار ابن التهامي الذي كان يعوّل كثيرا لتحقيق مطالبه على حسن نوايا الحكومة الفرنسية، فلا يخفى  علينا أنّ هذا التيار كان يؤمن كل الإيمان بخطط واستراتيجيات الإدارة الفرنسية، وإن كان عكس ذلك،  فكيف إذن  يساهم في إعادة العمل بقانون الإنديجينا لخمس سنوات أخرى وفق مرسوم 20 ديسمبر 1922؟.
    ولذلك لا نتفاجأ إذا علمنا بأنّ تيار ابن التهامي ساهم في تأسيس حركة سياسية ما هي في الحقيقة إلا صنيع سياسة الاندماج الفرنسية؛ ولم ترق إلى حزب وطني ذي ميول استقلالية. فبعد استغلالها الدائم لشيوخ الزوايا والطرق الصوفية الذين ساهموا في نجاح عدد من مخططاتها، وجهت الإدارة الفرنسية أنظارها إلى فرقة أخرى مشهورة بثقافتها الفرنسية ومعظم أعضائها من أبناء عائلات برجوازية تحض باحترام الأهالي.
    هذه الحركة هي اتحادية الجزائر للمنتخبين الأهالي؛ تأسست هذه الاتحادية أثناء مؤتمر عقد بالجزائر في 11 سبتمبر 1927 برئاسة الدكتور ابن التهامي، وكانت تضم قسما من الشباب الجزائري من أمثال فرحات عباس والدكتور ابن جلول الذي توّلى رئاسة الاتحادية فيما بعد. وكان هؤلاء الشباب-وجلهم من المنتخبين في المجالس المختلفة- ينتسبون إلى الأمير خالد، لكنهم لم يكونوا يشاطرون مطالبه كلها. وكان أكثرهم متعلمين بالفرنسية ومدمجين جزئيا، يمثلون فئة مثقفة الجديدة لم تكن تطعن في شرعية الإدارة الفرنسية، لكنها مع ذلك رفضت صفة الأهلي، وقد اختار هؤلاء النواب الدفاع عن قضية مواطنيهم، لكن ضمن إطار غير مناسب وبوسائل غير فعالة ومع ذلك كان نشاطهم إيجابيا، حتى لو كانت مواقفهم غير مطابقة لما يقتضيه الحل الحقيقي للمسألة الأهلية. فقد ساهموا بنشاطهم هذا في إيقاظ اهتمام الجزائري المسلم بالسياسة وانتشار الوعي شيئا فشيئا وسط المثقفين بالفرنسية، وتشجيع بقية الأهالي للتعبير عن آرائهم. وفي الوقت نفسه هؤلاء النواب (المنتخبون) وعلى سبيل المثال فرحات عباس، كانوا يتبرءون من صفة الوطنيين ذاتها. وبالتالي يعملون على بقاء السيطرة الفرنسية وعلى استمرارية عملية إقصاء الأهالي من الحقوق المدنية والسياسية التي كانت عنوان برنامجهم الحزبي؟!. وربما المبرر الوحيد الذي يشفع لهم ويجعلهم من القادة السياسيين الذي ساهموا في الحركة الوطنية؛ هو أنّهم كانوا يمثلون فئة من الأهالي لم تكن ترى في نشاطهم سوى حمايتها من تجاوزات الإدارة الفرنسية والمطالبة بالمساواة في الحقوق دون التفكير الجدي في التخلي عن الأحوال الشخصية. لقد كان هؤلاء المنتخبون قبل كل شيء ضحايا الوضع الاستعماري، في مرحلة حرجة تخلى الفرد الجزائري فيها عن الفكر الثوري والتجأ إلى نظام المائدة المستديرة (مقاومة الحوار). ومطالب هؤلاء المنتخبين (قادة الاتحادية) ثمرة تلك الوضعية الحرجة والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
    - تمثيل الأهالي في البرلمان الفرنسي.
    - المساواة في الأجور والتعويضات بالنسبة للعمال المهاجرين.
    - إلغاء قانون الأهالي.
    - تطبيق القوانين الاجتماعية الفرنسية بالجزائر.
    - إعادة تنظيم الهيئات الانتخابية في البلديات المختلطة المشكلة بموجب قانون 1910، والخاصة بانتخابات المجالس العامة واللجان المالية.
     جل هذه المطالب تصب في قالب الاندماج وترمي إلى إلحاق الجزائريين بالمجتمع الفرنسي. ولعل ما يؤكد ذلك ما جاء على لسان فرحات عباس في كتابه الشباب الجزائري، حيث يقول: »الجزائر أرض فرنسية، ونحن فرنسيون يحكمنا قانون الأحوال الشخصية الإسلامي. وليس في القرآن ما يحرم على الجزائري أن يكون فرنسي الجنسية قوي السواعد، حاد الذكاء، طاهر القلب، واعيا بالتضامن الوطني، لا شيء يمنع ذلك غير الاستعمار«. لقد انفصل المنتخبون وأغلبية النخبة المتطورة المتعلمة بالفرنسية عن حقائق بلدهم التاريخية وعن الطموحات العميقة للأهالي الجزائريين. لقد انجر هؤلاء إلى تيار الاندماج الدافق رغم رفض الحكومات الفرنسية المتكرر لمطالبهم المتواضعة.
    ظهور وتطور التنظيمات والأحزاب الوطنية ما بين الحربين:
    نجم شمال إفريقيا:
      قدمنا فيما سبق دراسة لسياسة الإدارة الفرنسية في الجزائر منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى وحتى سنة 1927، وعرفنا أن الإدارة الفرنسية ظلت على موقفها السابق وسلطت على الأهالي الجزائريين عقوبات جديدة وعلى رأسها إعادة العمل بقانون الإنديجينا وفقا لمرسوم 1922. ونتيجة لذلك كانت النخبة الجزائرية المثقفة باختلاف تياراتها إما تمارس سياستها داخل الجزائر وفق حدود رسمتها الإدارة الفرنسية وإما تبحث لها عن مقر بعيد عن أعين الإدارة الفرنسية المسلطة حولها في الجزائر. والغريب أن من فضل الهجرة من تلك النخبة وجد في باريس مقرا ملائما لتحقيق أهدافه ولممارسة السياسة بكل حرية!؟ وكانت أغلبية المهاجرين من المجندين المسرحين بالإضافة إلى أعداد أخرى من الجزائريين الذين هاجروا إلى فرنسا منذ زمن طويل قصد البحث عن عمل، والذي حفز هذه النخبة وكان دعما أساسيا لها الأحزاب اليسارية الفرنسية، وقد كان نجم شمالا إفريقيا وليد هذه الجهود الأهلية في فرنسا.
    يجمع المؤرخون على أن جمعية نجم شمال إفريقيا قد تأسست في أوساط الهجرة الجزائرية بفرنسا، وهـذا بعد الرسكلة المتعددة الإطراف في فترة ما بين (1924-1926)[12]، ويحدد شارل أندري جوليان تاريخ ميلاده في مارس 1926م[13]، والسؤال المطروح : ما هي ملابسات هذا الحدث؟
      يشير بانون آكلي في مذكراته أنه في سنة 1924م زار الأمير خالد باريس، وألقى فيها محاضرتين، الأولى كانت بقاعة المهندسين "نهج بلانش الناحية التاسعة"، والثانية بمركز النقابة "شارع بلا نكي الناحية الثالثة عشر"، وبعد ما افتتح خطابه بالعربية بالشكر للحاضرين وللحزب الشيوعي الفرنسي الذي أعانه على هذا الاجتماع، اعتذر بعدها وتكلم بالفرنسية[14].
    لقد بعثت فكرة الأمير خالد بالإعلان عن جمعية غير مصرح بها في مارس 1926م بعنوان "نجم شمال إفريقيا"[15]، عقدت أول اجتماع لها في 15 ماي 1926م في مقر الكونفديرالية العامة للعمال، ثم انعقد ثاني اجتماع لها في 20 جوان 1926م[16]، وأسندت رئاسة الحزب إلى حاج علي عبد القادر، الذي كان شخصية في الحركة العمالية، والذي تجنس بالجنسية الفرنسية منذ 1911م[17]، وقد بدأ حياته السياسية بالانتساب إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي، كما ناضل في صفوف الفرع الفرنسي للأممية العمالية[18]، انخرط في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي بعد مؤتمر تور، وكان ينتمي منذ 1920م إلى إتحاد المستعمرات مع هوشي منه، وقد ساهم في تحرير جريدة الباريا (Baria)، وانضم إلى الكونفدرالية العامة للعمال المتحدين، وفي هذه الأثناء جرف معه مصالي الحاج بعدما أصبح مسؤول خلية[19] في سنة 1922م، ويؤكد ذلك التأثير زواج مصالي الحاج من شيوعية تدعى إيميلي بيكان (Imili Bicane)[20].
     كان أغلب أعضاء نجم شمال إفريقيا من الجزائر، وتم تعيين الأمير خالد رئيسا شرفيا له. ولكن شيئا فشيئا فقد النجم أعضائه التونسيين والمغاربة وأصبح منظمة جزائرية خالصة، وكان هدفه الصريح هو الدفاع عن المصالح المعنوية والمادية لأهل إفريقيا الشمالية وتثقيف أعضائه وكانت أغلبيته الساحقة من العمال بالإضافة إلى الجنود السابقين وطلبة إفريقيا الشمالية الذين كانوا يعيشون في فرنسا.
     وإلى غاية 1930 كان اتصال النجم بالأهالي الجزائريين داخل الجزائر محدودا جدا ، وكان يلقى الدعم والتأييد من اليساريين الفرنسيين والأوروبيين والمنظمات المعادية للاستعمار. أما مطمح هدف النجم الحقيقي هو تحقيق استقلال إفريقيا الشمالية كلها، ومن أعضائه البارزين ونقصد الجزائريين بالطبع: محمد جفال ومحمد بن الأكحل وعمار إيماش  ومصالي الحاج؛ هذا الأخير الذي أصبح تدريجيا أحسن متحدث رسمي معروف باسم الحزب ولا سيما منذ فاتح الثلاثينيات من القرن العشرين، وكان ضمن الشباب الجزائري الذي شارك إلى جانب فرنسا في الحرب العالمية الأولى، وبقي في فرنسا بعد نهاية الحرب واشتغل في مصانعها.
    1- وسائل  نضال النجم:
    تمثلت وسائل نضال نجم شمال إفريقيا في المنشورات والصحافة والمؤتمرات وكان أسلوبه ثوري ومباشر، وما أن حلت سنة 1928 حتى بلغ عدد أعضاء هذا الحزب حوالي 3500 عامل. وكانت الوسيلة الوحيدة للنجم لإيصال أفكاره ومطالبه إلى الأهالي الجزائريين هي الاعتماد المطلق على الصحافة سواءً في الجزائر أو في فرنسا. وهناك صحيفتان خدمتا النجم بشكل جيد، أولهما جريدة "الإقدام" التي كان قد أنشأها الأمير خالد في الجزائر سنة 1919، وعندما نفي سنة 1923 توقفت الإقدام عن الصدور فأعاد النجم إصدارها مجددا تحت اسم "الإقدام الباريسي" وكانت هذه الصحيفة شهرية وباللغتين العربية والفرنسية، وفي أول فيفري سنة 1927 منعت السلطات الفرنسية توزيع هذه الجريدة لأن الكولون اشتكوا من أنّها كانت تشكل خطرا على استقرار منطقة شمال إفريقيا، ولكن النجم أعاد إصدارها مجددا تحت اسم "إقدام الشمال الإفريقي".
     وبعد أن حلت السلطات الفرنسية النجم سنة 1929 أصدر زعماؤه سنة 1930، جريدة بعنوان "الأمة[23]" وهي جريدة وطنية وسياسية للدفاع عن حقوق مسلمي إفريقيا الشمالية، وكان مديرها السياسي هو مصالي الحاج، الذي كان آنذاك المتحدث باسم النجم، أما مديرها ومحررها فقد كان عمار إيماش عضو الهيئة الإدارية للنجم.
      وفي سنة 1933 دعا النجم كل أهالي إفريقيا الشمالية أن يقرءوا جريدة الأمة وخاطبوهم  بالقول:»  تدافع عنكم، وتعلمكم، وتثقفكم. إنها ستكشف جميع الخونة، وكل المتعاونين، وكذا أعداء وطننا وقضيتنا، إنها ستقودكم إلى الاتجاه الصحيح دون خوف ودون هزيمة....فساعدوها وأحموها وحثوا غيركم على قراءتها، انشروها في كل مكان لكي تصبح الراية والمركز الذي تجتمع من حوله جميع القوى الحية في إفريقيا الشمالية المسلمة«.
    2- مطالب النجم: إن مطالب النجم كانت واضحة منذ البداية، لكنه عاد وأكد عليها، بخاصة بعد حركة العداء ضد الوطنية التي قادها الكولون في الجزائر والشيوعيون أصحاب الاتجاه اليساري في فرنسا لمواقف النجم[24]، فاستغل النجم فرصة انعقاد المؤتمر المعادي الاستعمار في بروكسل بين 10 و15 فيفري 1927، وشارك فيه كما شاركت فيه وفود من آسيا وإفريقيا وأوروبا، وأمريكا. وكان مصالي الحاج ممثلا للنجم وقدم مطالب الجزائريين أمام التجمع العالمي. والواقع أن أغلب مطالب النجم كانت معروفة لدى الأهالي الجزائريين، وهي نفس المطالب التي قدمتها الوفود الأهلية للحكومة الفرنسية في الفترة الممتدة ما بين 1900- 1914، وحركة الأمير خالد خلال العشرينيات، ولكن الفارق الوحيد أن مطالب النجم كانت تتسم بالجدية أكثر من سابقاتها، وزادت عليها بمطلب الاستقلال التام عن فرنسا. ويمكن تلخيص كل البرامج فيما يلي[25]:
    1- الاستقلال الكامل للجزائر.
    2- جلاء الجيش الفرنسي.
    3- إنشاء جيش وطني.
    4- مصادرة الأملاك الزراعية الكبيرة للكولون والشركات الإقطاعية.
    5- احترام الممتلكات المتوسطة والصغيرة للجزائريين.
    6- إرجاع الأراضي والغابات التي أخذتها الدولة الفرنسية إلى الجزائر.
    7- الإلغاء الفوري لقانون الأهالي وجميع القوانين الاستثنائية الأخرى.
    8- العفو العام عن الجزائريين الذين كانوا قد سجنوا، أو نفوا، أو كانوا يعيشون تحت الرقابة الفرنسية.
    9- حرية الصحافة، والاجتماع والتجمع ومنح الحقوق السياسية والنقابية كتلك التي منحت للفرنسيين في الجزائر.
    10- إحلال مجلس وطني جزائري منتخب بطريقة التصويت العام محل المجلس المالي.
    11- إنشاء مجالس بلدية منتخبة بطريقة التصويت العام.
    12- حق الجزائريين في التمتع بجميع مستويات التعليم.
    13- خلق المدارس باللغة العربية.
    14- تطبيق جميع القوانين الاجتماعية الفرنسية على الجزائر.
    15- زيادة القروض الفلاحية إلى الفلاحين الجزائريين الصغار.
     ومما لاشك فيه، أن استقلال الجزائر وجلاء القوات الفرنسية عنها وتكوين جيش ومجلس وطني ، والانتخابات عن طريق التصويت العام كانت أكثر الأمثلة وضوحا على تغير مسار الحركة الوطنية في الجزائر، فسياسة الاندماج كانت قد طويت صفحتها على الأقل بالنسبة لنجم شمال إفريقيا. في سنة 1929م بدأت حكومة  طارديو الضغط على مناضلي النجم، وقررت في 20 نوفمبر محكمة السين حله، واستدعى قاضي التحقيق المناضلين المسئولين لإبلاغهم خبر الحل والواقع أنه لم تكن هناك أية اتهامات محددة ضد هذه المنظمة. لكن محامي الجمعية "بيرطون" نصح القادة بأن لا يستجيبوا  للدعوة، وهكذا أصبح قرار الحل غير قانوني لأنه لم يطبق في الوقت القانوني[26].
     اتفق الكتاب الفرنسيون على سبب حل النجم أنّه كان ينشط مع تيارات تهدف إلى زعزعة السيادة الفرنسية، في حين يعزو الجزائريون سبب الحل إلى الضغط الذي قامت به فيدرالية رؤساء البلديات في الجزائر ونواب الكولون في فرنسا.
     لكن زعماء النجم واصلوا نشاطهم بدليل أنّ جريدة الأمة صدرت سنة 1930، وفي سنة 1932 أعادوا تكوين الحزب تحت اسم جديد هو" نجم إفريقيا الشمالية المجيد"، وبعد سنة واحدة (1933) نشروا دستورهم الرسمي، وكان رد فعل الحكومة الفرنسية أن قامت باعتقالهم وسجنوا مع دفع غرامة مالية سنة 1934، ورغم ذلك عادوا سنة 1937، وأسسوا حزب الشعب الجزائري الذي عبّر صراحة بأنّ النجم كان يمثل الجزائريين بالدرجة الأولى.

    3- برنامج النجم لسنة 1933[27]:
    وقد ضم قسمين، الأول:
    1- محو قانون الأهالي البغيض في الحال وإلغاء جميع القوانين الاستثنائية.
    2- العفو العام عن كل أولئك الذين كانوا قد سجنوا أو وضعوا تحت الرقابة الخاصة، أو نفوا لارتكابهم شيئا ضد قانون الأهالي أو قاموا بجرائم سياسية.
    3- الحرية المطلقة في السفر إلى فرنسا وإلى غيرها من البلاد الأجنبية.
    4- حرية الصحافة والاجتماع والتجمع وتوفير الحقوق السياسية والنقابية.
    5- إحلال مجلس وطني جزائري منتخب عن طريق التصويت العام محل المجلس المالي الذي لا ينتخب إلا عن طريق التصويت المحدود.
    6- إلغاء البلديات المختلطة والمناطق العسكرية وإحلال محلها مجالس بلدية منتخبة عن طريق التصويت العام.
    7- حق الجزائريين في تقلد جميع الوظائف العامة دون أي تمييز، مع المساواة في العمل وفي المعاملة للجميع.
    8- التعليم الإجباري للغة العربية وحق الجزائريين في التعليم على جميع المستويات، وخلق مدارس عربية جديدة، وكل الأعمال الرسمية يجب أن تنشر بالعربية والفرنسية في نفس الوقت.
    9- بخصوص الخدمة العسكرية (من الجزائريين في الجيش الفرنسي) يجب احترام الآية الكريمة       ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا...)
    10- تطبيق القوانين الاجتماعية والعمل على الجزائريين أيضا، وحق العائلات الجزائرية في الجزائر في الحصول على المساعدة من جراء البطالة، وفي المنح العائلية ، إلغاء تام للتأمينات الاجتماعية.
    11- زيادة القروض الفلاحية إلى الفلاحين الصغار، وتنظيم أكثر عقلانية لنظام الري وتطوير وسائل المواصلات، والمساعدة الحكومية ، غير المعوضة إلى ضحايا المجاعات الدورية.
    أما القسم الثاني:
    1- استقلال الجزائر الكامل.
    2- جلاء تام لجيش الاحتلال.
    3- تكوين جيش وطني.
    حكومة وطنية ثورية:
    1- مجلس تأسيسي منتخب عن طريق التصويت العام.
    2- التصويت العام في كافة الدرجات وصلاحية الترشح إلى كل المجالس بالنسبة لجميع السكان الجزائر.
    3- ستكون اللغة الجزائرية هي اللغة الرسمية.
    4- تسليم جميع الممتلكات إلى الدولة الجزائرية بما في ذلك البنوك والمناجم والطرق الحديدية والموانئ والمؤسسات التي اغتصبها المحتلون.
    5- تأميم الأملاك الكبيرة التي اغتصبها الإقطاعيون، حلفاء المحتلين والكولون والشركات الرأسمالية، وتسليم الأراضي المؤممة إلى الفلاحين واحترام الأملاك المتوسطة والصغيرة وإعادة الأراضي والغابات التي أخذتها الدولة الفرنسية إلى الدولة الجزائرية.
    6- حرية التعليم وإجباريته على جميع المستويات.
    7- تعترف الدولة الجزائرية بحق تشكيل الاتحادات والتحالفات وحق الإضراب وهي تتعهد بمناقشة القوانين الاجتماعية.
    8- المساعدة العاجلة للفلاحين بتخصيص قروض للفلاحة دون فائدة من أجل شراء الآلات والبذار والسماد ، وتنظيم الري وتحسين وسائل المواصلات، إلخ...

    حزب الشعب الجزائري:
      بعد حل نجم إفريقيا سارع مصالي ورفاقه بتأسيس حزب الشعب الجزائري بنانتير-باريس في 11 مارس 1937. ولقد أتى النجميون هذه المرّة بتسمية جديدة بعيدة عن الشعارات السابقة  (نجم شمال إفريقيا ونجم شمال إفريقيا المجيد)، واقترحوا في بادئ الأمر شعار الحزب الوطني الجزائري، لكنهم بعد مشاورات طويلة أعرضوا عن ذلك، لأنّ هذه الصراحة الصارخة من جانبهم قد تؤلب عليهم الحكومة الفرنسية وحتى الأحزاب الأهلية في الجزائر، انتهوا إلى قرار موّحد وهو حزب الشعب الجزائري؛ وهي تسمية توضح بجلاء انفصال مصالي وزملائه الجزائريين عن المغاربة.
    هذه الخطوة من طرف مصالي وزملائه، تؤكد استمرارية الفكر الاستقلالي، بل تزيد على ذلك لتعلن صراحة بأن النجم كان يمثل في الأساس الشعب الجزائري. وكعادتها سارعت الإدارة الفرنسية بالهجوم على قادة الحزب ، فأطلق بعض المعارضين على الحزب تسمية" الحزب الشعبي الجزائري" وهذا الأمر فيه تلميح واضح للحزب الشعبي الفرنسي الذي كان يرأسه آنذاك دوريو  من اليمين المتطرف صاحب التوجهات الفاشية. ولقد رد مصالي على افتراءات هؤلاء        بالقول: » اتهمونا بأننا نتعاون مع فرنكو وموسولوني، وبأكاذيب أخرى كان الحزب الشيوعي الفرنسي دائما يستعملها كسلاح للتخلص من الرجال الذين يقفون في وجهه...«. ولقد تبنى حزب الشعب نفس البرنامج الذي كان قد اقترحه النجم سنة 1933.

    برنامجه السياسي:
    قرر مصالي وأنصاره أن يكون الشعار الجديد لحزبهم: » لا للاندماج، لا للانفصال، نعم للتحرر«، ونستخلص من هذا الشعار أنّ مصالي الحاج قد اختار المرونة السياسية والابتعاد عن المواجهات التي قد تحطم حزبه ولهذا تخلى عن استعمال كلمة الاستقلال ورّكز جهوده  على مسألة تحرير البلاد من الهيمنة الفرنسية، وقد قدمت جريدة الأمة شرحا حول ذلك فقالت: » إنّ الجزائر المستقلة سوف تكون بمثابة الصديق الحليف لفرنسا ولكنها سوف تكون متمتعة باستقلالها السياسي والاقتصادي وتعمل مع فرنسا على استقرار الأمن وضمان المصالح المشتركة للبلدين، وأن ذلك سوف يقوم على التعاون الصريح والعادل بين الطرفين مثلما هو الأمر بين سوريا    وفرنسا...«. كما رفض حزب الشعب مشروع بلوم فيوليت الذي باركته الأحزاب السياسية الأخرى وزكته جمعية العلماء المسلمين، ذلك أنّ هذا المشروع يهدف إلى تفكيك المجتمع الإسلامي وخلق أقليّة متميزة، وفي أكتوبر 1937 أصدر الحزب بيانا حدد فيه أهدافه السياسية كما يلي:
    - النهوض بالجزائر ووضعها في مصاف الدول الأخرى التي تتمتع بكامل حقوقها.
    - إلغاء قانون الإنديجينا وقانون الغابات والقوانين الاستثنائية.
    - تأمين الحريات الديمقراطية.
    - احترام الشريعة الإسلامية.
    - تحويل النيابات المالية إلى مجلس جزائري ينتخب بالاقتراع العام دون أي تفرقة في الجنس أو الدين.
    - التفريق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وحرية السفر إلى فرنسا والبلدان الأجنبية.
    الجديد في البرنامج:
     لقد أدخل مصالي الحاج تعديلات جزئية على برنامج حزب الشعب؛ فقد اهتم بالجانب الاقتصادي وصار يركز على التجارة والفلاحة والإسلام ولعلّ هدفه هو الحصول على دعم التجار البرجوازيين، فقد طالب بحماية الصناعات والمنتجات المحلية ضد الواردات الأجنبية وحتمية مشاركة كل الجزائريين دون تمييز في جميع الوظائف مع تطبيق مبدأ المساواة في العمل والأجور وإلغاء الغرامات، وتسليم كافة المرافق الاقتصادية والعمرانية والمناجم والموانئ التي اغتصبها المحتلون إلى الدولة الجزائرية.
     أما اجتماعيا وثقافيا؛ فقد تمثلت أهداف الحزب فيما يلي:
    1- الاهتمام بأحوال سكان الصحراء الاجتماعية من خلال توزيع المياه ومنح القروض للسّكان لانتشالهم من حالة البؤس التي يعيشونها.
    2- الاهتمام بالمسائل التعليمية وتطوير التعليم باللغتين العربية والفرنسية وجعل التعليم العربي إجباريا لجميع الأهالي وفي مختلف المستويات.
    3- تطبيق كافة القوانين الاجتماعية والعمالية.
    4- تطوير الخدمات  الصحية والإسعاف العام.
    5- الرعاية الاجتماعية والنظافة وحماية الطفولة.
    6- رفض سياسة التبشير والتنصير.
    7- الانسلاخ من الأفكار الأجنبية والتمسك بالأصالة الوطنية للتعبير عن الذات وعن الشخصية الجزائرية الحقيقية.
    8- تكوين دولة جزائرية مرتبطة بماضيها الحضاري العربي الإسلامي.

    وسائل النضال:
     اعتمد حزب الشعب على وسيلة الاحتجاج والتظاهر، فلا تكاد تمر مناسبة وطنية أو عربية تستدعي اتخاذ موقف إلاّ سارع الحزب بإثبات وجوده ورفع صوته احتجاجا على تصرفات الحكومة الفرنسية سواء داخل الجزائر أو خارجها.
     وكان كلما ازداد الضغط البوليسي على مناضلي الحزب؛ يسارع هؤلاء إلى الاجتماعات الخاصة والولائم العامة والحفلات الساهرة والعائلية بهدف الالتقاء وتبادل الآراء، وكثيرا ما كان المناضلون يستغلون هذه المناسبات للتعريف بمبادئ الحزب وأهدافه. وما يدل على حماس وجرأة قادة الحزب أنّهم أسسوا جريدة في السجن عرفت "بالبرلمان الجزائري" سنة 1939 التي كانت تحرر وتدار داخل السجن، وتطبع وتوزع خارجه. كما كان الحزب يلجأ إلى المظاهرات العامة بهدف تجنيد المناضلين واستنفارهم من حين لأخر، والحفاظ على حيويتهم الحزبية، إضافة إلى الملصقات والشعارات على الجدران وتوزيع المنشورات في الشوارع وفي الاجتماعات العامة وإلقاء الخطب والإضراب.
     والجديد في الحزب هو دخوله معترك الانتخابات للمجالس المحلية في شهر جوان 1937 ولكن الحزب قد فشل في الحصول على الأصوات اللازمة في الانتخابات البلدية لمدينة الجزائر ولكنه من جهة أخرى حصل على نجاح كبير لأنّه أصبح معروفا في الأوساط الجزائرية. ورغم اعتقال زعماء الحزب في 27 أوت 1937، قرروا الترشح لانتخابات المجالس العمالية التي تجري في أكتوبر 1937، ورغم الدعم الكبير لقادة الحزب وخصوصا لمصالي الحاج ممثل الحزب في الجزائر العاصمة إلا أن الإدارة الفرنسية سارعت إلى تزوير الانتخابات وجعلتها لصالح محي الدين زروق مرشح الإدارة الفرنسية.      
    حل حزب الشعب في سبتمبر 1939، وأوقفت جرائده الأمة والبرلمان الجزائري عن الصدور، لكن تم إطلاق سراح مصالي الحاج في شهر أوت من نفس السنة، ثم أعيد سجنه في أكتوبر، وحكم عليه بالسجن 16 سنة مع الأعمال الشاقة في مارس 1941.
      هذا الأمر جعل حزب الشعب يختفي عن الساحة السياسية طيلة الحرب العالمية الثانية، ولكن ظل ينشط في سرية وخفاء، فقادته في السجون وتحت الإقامة الجبرية، ولم يكن بإمكان مصالي الحاج إدارة الحزب مباشرة، ورغم ذلك تولى مهام الحزب وإيصال صوته وإيضاح برنامجه الوطني، جماعة من الشباب لم يعرفوا حياة المهجر، ومع ذلك تحملوا أعباء النشاط الحزبي السري ومن بينهم محمد لمين دباغين الذي تحمل أعباء إدارة حزب الشعب منذ أكتوبر 1942[28].

    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
    احتفلت فرنسا بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر سنة 1349هـ / 1930م وكانت احتفالات صاخبة، أنفق الفرنسيون عليها ما يربو على 80 مليونا من الفرنكات. وعمدوا في هذه المناسبة إلى استعراض جيوشهم على النحو الذي دخلت فيه جيوش الكونت دي بورمون مدينة الجزائر من حيث اللباس والزينة والعدة والعتاد والموسيقى والأناشيد.
    وكانت هذه الاحتفالات التي استمرت ستة أشهر تمثل روح الاستعلاء للإدارة الفرنسية وكأنها أثبتت بما لا يدع مكانا للشك أن الجزائر صارت فرنسية ولن تعود مطلقا إلى ما كانت عليه من عروبة وإسلام. ولكن الإدارة الفرنسية لم تكن تدرك بأنّها بموقفها هذا أعادت نزف جرح الأهالي الجزائريين، الذين استنكروا هذه الاحتفالات وعلى رأسهم علماء الدين الذين سعوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف الإدارة الفرنسية وتنمي روح الوعي القومي لدى الفرد الجزائري وجعلوا لها شعارا يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم؛ هو "الإسلام ديننا.. العربية لغتنا.. والجزائر وطننا".
    بوادر الاصلاح:
        عشية الحرب العالمية الأولى غادر الجزائر جماعة من العلماء الشبان إلى تونس والمغرب والحجاز ومصر والشام؛ بغية الحصول على الثقافة العربية الإسلامية حيث معاهد العلم الكبرى، بعد أن حوصرت منابع العلم الأصيلة في الجزائر من طرف الإدارة الفرنسية، وقد شملت موجة المهاجرين الشبان: عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي والطيب العقبي وقد تأثرت هذه المجموعة بالأفكار الإصلاحية التي قادها محمد عبده ومحمد رشيد رضا، وبعد عودتهم إلى الجزائر عملوا على نشر الوعي القومي عبر الصحافة والمدارس وعقد الندوات وإلقاء المحاضرات، وكانت تراودهم فكرة إنشاء منظمة تجمع صفوفهم وتوحد جهودهم، وتكون منبرا لأفكارهم الإصلاحية، وجاءت احتفالات فرنسا في الجزائر لتحيل آمالهم إلى واقع ملموس.
    ميلاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
     في صباح يوم الثلاثاء، السابع عشر من ذي الحجة عام 1349هـ / 5 ماي 1931م اجتمع في الجزائر العاصمة، بنادي الترقي أكثر من سبعين عالما، كان منهم بعض مشايخ الطرق الصوفية وبعض الموظفين الدينيين الرسميين. وقد امتد هذا الاجتماع على مدى أربعة أيام، ليسفر عن إعلان ميلاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وقد توّلى الشيخ الإمام البشير الإبراهيمي-لما عرف عنه من قدرة وبراعة في اللغة- بكتابة قانونها الأساسي مختصرا، وصاغه بطريقة بأسلوب لا يثير شك الإدارة الفرنسية ولا يخيف مشايخ الطرق الصوفية الذين كان كثير منهم يتوجس خيفة من هذا التنظيم الجديد. حتى أن الإدارة الفرنسية لم تتردد في منح الترخيص والتصريح لها، لأنها لم تكن ترى في الجمعية على الأقل في ذلك الوقت ما يهدد مصالحها، والقارئ للقانون الأساسي للجمعية يفسر موقف الإدارة الفرنسية، لذلك اعترف الحاكم العام رسميا بتأسيس الجمعية بتاريخ 22 ماي 1931.
    القانون الأساسي للجمعية:
    إن المتصفح للقانون الأساسي لجمعية العلماء؛ يدرك عمق الفهم الذي كان عليه مؤسسوها وحسن تقديرهم ومعرفتهم بحقيقة وغاية الإدارة الفرنسية.
      لقد أصرت الجمعية من أول يوم على أن تنأى بنفسها عن المعارك السياسية مع الإدارة الفرنسية وأن تنصرف إلى تربية الشعب الجزائري وزرع بذور الإصلاح في أعماقه ليكون قادرا في المستقبل على التصدي لسياسات الإدارة الفرنسية.
    لقد كان ابتعاد الجمعية عن الخوض في المسائل السياسية مباشرة فهما عميقا لتلك المرحلة من الصراع مع المستعمر الذي لم يكن يتردد في القضاء بقوة وعنف على كل من يهدد وجوده ومصالحه في الجزائر.
    لقد كان من مواد القانون الأساسي للجمعية:
    1- لا يسوغ لهذه الجمعية بحال من الأحوال أن تخوض أو تتدخل في المسائل السياسية.
    2- القصد من هذه الجمعية هو محاربة الآفات الاجتماعية كالخمر والميسر والبطالة والجهل، وكل ما يحرمه صريح الشرع، وينكره العقل، وترفضه القوانين الجاري العمل بها.
    إننا إذا جمعنا هذه البنود مع ما سبق ذكره عن البشير الإبراهيمي أثناء إعداده قانون الجمعية الأساسي، أدركنا الأخطار التي كانت الجمعية تشعر بها، ولذلك عملت جهدها لتفادي ذلك حتى تضمن نجاح مسيرتها ومهمتها وبلوغ غاياتها. 
    أهداف جمعية العلماء:
    يمكن تلخيص الأهداف الأساسية للجمعية فيما يأتي:
    أولا: نشر العقيدة الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، صافية نقية، كما كان عليها الصحابة والتابعين، والوقوف في وجه بدع الشرك والخرافات التي كان يروّج لها أصحاب البدع والمنحرفون عن هدي الإسلام.
    وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الكبير، تولى الإمام ابن باديس تأليف كتاب (العقائد الإسلامية) لجموع الطلبة في مدارس الجمعية، روعي فيه شرح عقائد الإسلام، بعيدا عن أساليب المتكلمين المعقدة. ثم كتب الشيخ مبارك الميلي، أحد مؤسسي الجمعية كتابه (الشرك ومظاهره)، وفي هذين الكتابين وغيرهما تظهر عقيدة الإسلام الصحيحة، مبرأة من كل أنواع الشرك والبدع والخرافات والضلالات. ولذلك لا نستغرب رد فعل بؤر البدع والخرافات المؤيدة للإدارة الفرنسية وهي تهاجم الجمعية.
    ثانيا: التعليم؛ لقد سعت الإدارة الفرنسية بكل طاقاتها للحيلولة بين الأهالي الجزائريين وبين حقهم في التعليم، إدراكا منها بأن الأهلي إذا تعلم وتشبع بالثقافة العربية والإسلامية فهو سيشكل خطرا كبيرا على الوجود الفرنسي في الجزائر. لذلك بادرت إلى هدم بعض المساجد وتحويل البعض الآخر إلى كنائس، ومنعت بناء المدارس العربية وتدريس كتب اللغة العربية كتفسير القرآن الكريم وألفية ابن مالك، وكل الذي سمحت به هو دراسة تاريخ فرنسا وجغرافيتها، والتأكيد على اعتبار الجزائر جزءً من فرنسا، تاريخا وجغرافية وواقعا وحكما.
    ومن جهتها أدركت جمعية العلماء أن التعليم هو السبيل إلى التحرر، فالأمة الجاهلة لا يمكنها الحصول على الاستقلال ولا المحافظة عليه، ولأجل هذا انطلقت جمعية العلماء في نشر التعليم في سبيل الوصول إلى القضاء على الجهل ونشر الوعي الصحيح، ولأجل تحقيق هذا الهدف الكبير وضعت الجمعية في منهاج تعليمها ثلاث مواد أساسية:
    - القرآن الكريم
    - علوم اللغة العربية
    - التاريخ الإسلامي وتاريخ الجزائر.
    وكان اختيار هذه المواد ينم عن فهم عميق لدور التعليم في بناء شخصية الشعب الجزائري. فالهدف من تعليم القرآن هو أن يتخرج من أبناء الجزائر رجال "كرجال سلفهم، وعلى هؤلاء الرجال القرآنيين تعلق هذه الأمة آمالها"، أما تدريس اللغة العربية فلأنها "لغة الإسلام الرسمية وأن الذي يبتعد عن اللغة العربية يبتعد عن عبادة الله، والذي يبتعد عن الله يكسب إثما كبيرا". فاللغة العربية هي لغة القرآن، وإحدى مقومات الشعب الجزائري.
     أما تدريس التاريخ الإسلامي وتاريخ الجزائر، فلأن التاريخ يعتبر بمثابة شعور الأمة، وذاكرتها ووعيها بكيانها ، ولقد اهتمت الجمعية بهذا الجانب، فكان مبارك الميلي أول جزائري يؤرخ لتاريخ الجزائر، فألف كتابه المشهور تاريخ الجزائر في القديم والحديث، من أجل أن يعرف هذا الشعب جذوره وامتداده.
    ثالثا: السعي في رفع المعاناة الاجتماعية عن الأهالي: لم يكن دور جمعية العلماء مقتصرا على نشر الوعي الإسلامي والحفاظ على مقومات الشخصية الجزائرية، وإنما كان برنامجها شاملا لكل الأهداف الأخرى المتمثلة في رعاية الفقراء والمساهمة في المشاريع الخيرية، ورفع مستوى المعيشة للأهالي الجزائريين، والتأكيد على تحريم الظلم بكل أشكاله وألوانه، وتحريم صنوف الربا، وأداء الزكاة ، تحقيقا لمبدأ التكافل والتعاون الذي نادت به نصوص الشريعة الإسلامية، وسعيا إلى رفع الغبن عن الشعب الجزائري، حتى يمكنه أن يتطلع إلى هدف التخلص من المستعمر البغيض، وحتى يعلم أنّ في دينه من المبادئ والقيم ما يحقق له ذلك الهدف، ولا داعي لاستيراد الأفكار والمذاهب الغريبة عنه وعن مبادئه وقيمه.

    وسائل نضال الجمعية:
       اعتمدت الجمعية في نشر أهدافها ومبادئها على وسائل متعددة، شملت المسجد والمدرسة والنادي والصحافة، فالمسجد كان للوعظ والإرشاد بطريقة جديدة تعين على فهم الدين ودوره في الحياة، والمدرسة كانت لتربية النشء الجديد وتخريج أجيال جديدة متسلحة بالثقافة العربية الإسلامية، والنادي كان للتوعية والتوجيه الوطني بالخطب والمحاضرات والمسرحيات والأناشيد والصحافة لنشر المبادئ والأهداف والدعوة إلى اليقظة والدفاع عن الجمعية ضد خصومها. بالإضافة إلى وسائل أخرى كانت تستخدم حسب المناسبة، مثل الاحتجاج، والمقابلات،  وإرسال الوفود، والرحلات،  والمشاركة في التجمعات العامة.
      وقامت الجمعية بمشروعاتها الإصلاحية معتمدة على اشتراكات أعضائها، بالإضافة إلى اكتتاب الأهالي المسلمين في المشروعات التي تخطط وتدعو لها مثل مشروع معهد عبد الحميد بن باديس، حيث اكتتبت الأمة لشراء دار للمعهد في قسنطينة، وبهذه الطريقة تمكنت الجمعية من تدبير مواردها المالية التي تلزم لتنفيذ أفكارها الخاصة التي تهدف إلى المحافظة على صبغة الجزائر العربية الإسلامية. وتقاسم رؤساء الجمعية وزعماؤها العمل، فتكفل ابن باديس  بقسنطينة ، فكان يقوم هو ومعاونوه بنشر العلم وإرشاد المسلمين إلى مبادئ دينهم الصحيحة ومحاربة البدع والخرافات والآفات الاجتماعية عن طريق الوعظ والإرشاد التي كانت تقوم بها المراكز الدينية التابعة للجمعية. وكان ابن باديس يقوم أيضا بالإشراف على تكوين الجمعيات المحلية التي تقوم بإنشاء المدارس، وجمع الأموال اللازمة للإنفاق عليها وإمدادها بالكتب والوعاظ.
     وتولى البشير الإبراهيمي الإشراف على نشاط الجمعية في غرب الجزائر متخذا من تلمسان مركزا لعمله وجهوده. وتولى الطيب العقبي المهمة نفسها في الجزائر، وكان هناك تنسيق بين القادة الثلاثة وأعضاء الجمعية وفروعها وأنصارها في مختلف أنحاء الجزائر.
      وقد كان المركز الرئيس لتنظيم هذه الجهود وتوسيعها ما بين الأعضاء في الجمعية وتوزيعها: الجامع الأخضر (جامع سيدي لخضر) بقسنطينة، الذي كان الشيخ ابن باديس يدّرس فيه، وقد جعله مركزا لتخريج القادة من العلماء والوعاظ، فقد كان يضم طلابا من كل أنحاء الجزائر، وكان الشيخ ابن باديس يوليهم عناية فائقة، واهتماما خاصا من جميع النواحي التربوية والأخلاقية والغذائية والصحية والاجتماعية، وبلغ به هذا الاهتمام إلى درجة أنّه كان يحرص على توديع كل طالب عند بداية العطلة.
      وقد تنبهت الإدارة الفرنسية إلى خطر ما تقوم به جمعية العلماء على سياستها في الجزائر وخشيت من انتشار الوعي الإسلامي، فعطلت المدارس، وزجت بالمدرسين  في السجون، وأصدر المسؤول الفرنسي عن الأمن في الجزائر في عام (1352هـ / 1933) تعليمات مشددة بمراقبة العلماء مراقبة دقيقة، كما حرّم على غير المصرح لهم من قبل الإدارة الفرنسية باعتلاء منابر المساجد.
     وفي فترة الحرب العالمية الثانية ضعف نشاط الجمعية بسبب خضوع البلاد للأحكام العرفية ووفاة مؤسسها ورئيسها عبد الحميد بن باديس، ونفي خلفه في رئاسة الجمعية البشير الإبراهيمي إلى أفلو بصحراء  وهران، فكان يقود نشاط الجمعية في المنفى من خلال الرسائل التي  يتبادلها مع رفاقه من زعماء الجمعية.
     وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عاد النشاط وافرا للجمعية فقامت بجهود واسعة في نشر رسالتها التعليمية من خلال مدارسها ومساجدها، تدعمها تبرعات الشعب الجزائري ووقوفه خلفها، حتى بلغ عدد المدارس التي أقامتها الجمعية في سنة (1368هـ / 1948) نحو 140 مدرسة غطت مدن الجزائر وقراها.
     ثم تطلعت الجمعية إلى إنشاء مدارس ثانوية بعد أن كانت ترسل أبنائها لدراسة المرحلة الثانوية في تونس، فأنشأت معهد ابن باديس الثانوي سنة (1367هـ / 1947) وجعلت منه نواة لإنشاء 3 معاهد أخرى متى تهيأت الظروف في قسنطينة، الجزائر، وتلمسان، وقد نجح هذا المعهد في جذب الطلاب، حتى بلغ عددهم في سنة (1375هـ / 1955) 913 طالبا، وبلغ عدد المعلمين 275 معلما، راعت الجمعية في اختيارهم الكفاءة وحسن الخلق، ثم تشددت في انتقائها لهم واشترطت حصول المعلمين الجدد على المؤهلات العلمية مثل شهادة التحصيل من جامع الزيتونة وخصصت لهم 4 درجات على أساسها تصرف مرتباتهم.
    ولم تتوقف جهود الجمعية على المرحلتين الابتدائية والثانوية بل قامت بإرسال بعثات تعليمية إلى المعاهد والجامعات العربية، فأرسلت 18 طالبا وطالبة واحدة إلى مصر والعراق وسوريا وغيرها، حتى بلغ عدد بعثاتها في سنة (1375هـ / 1955) إلى 109 طالبا، ثم تزايد هذا العدد إلى بضع مئات بعد نجاح الثورة الجزائرية.
    موقف الجمعية من الثورة:
     لقد نص بيان أول نوفمبر 1954 على أن جبهة التحرير الوطني تتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية، وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية لتنضم إلي الكفاح التحريري من دون أي اعتبار آخر... ومن ثمة فقد فتح باب إمكانية انضمام الأحزاب الأخرى التي تشكل الحركة الوطنية الجزائرية، إلى الجبهة وتدعيم صفوفها.
    انطلق عبان رمضان من هذا المبدإ، ليقوم بسلسلة من المفاوضات مع كل من: الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، جمعية العلماء المسلمين، المركزيين، الحزب الشيوعي الجزائري، الحركة الوطنية الجزائرية (المصاليون). وذلك بهدف اندماجهم في الجبهة، فكانت النتيجة أن ظل موقف جمعية العلماء متحفظا إزاء جبهة التحرير، وتميز موقف أحد قادتها، الشيخ العربي التبسي، بمساندته للجبهة وفهمه بأن النضال في الاطار القانوني، يعد من الماضي، فتم اغتياله علي يد السلطات الفرنسية، وفي سنة 1956 انضم الكثير من مناضلي الجمعية إلي الجبهة كأفراد، كبقية التنظيمات مثل محمد شعباني، أحمد طالب الابراهيمي، عامر ملاح، ومحمد صالح اليحياوي.
    يقول علي كافي في مذكراته عن موقف جمعية العلماء من الثورة "مثل بقية الحركات الوطنية الأخرى، لم تكن قيادة الجمعية في الصورة يوم الانطلاقة وهي أيضا كانت تعاني أزمة صراع. فرئيسها الشيخ البشير الإبراهيمي كان في القاهرة ومصداقية نائبه الأول الرسمي ــ الشيخ العربي التبسي ــ كانت في الميزان. والحقيقة الموضوعية تؤكد بأن الشيخ العربي التبسي كان بأفكاره وتوجهاته وقناعاته أقرب إلى هضم الثورة وضرورة الإسراع في تأييدها. وهي أيضا سبقها مناضلوها حيث التحق بعض منهم بالثورة قبل 1956.
    وهي أيضا لم تصفق للثورة، بل حاول بعض قادتها التحالف مع مصالي، عدوهم الألذ، بغية تأسيس التجمع الشعبي الجزائري وكان الاتفاق بينهم على أن تحل أحزابهم بما في ذلك البيان. وهكذا بقي الجميع خاصة المصاليون والمركزيون يتسابقون علي كسب الحياديين.
     هذا ليس بالأمر الغريب عن الجمعية فمنذ نشأتها اصطبغت بالطابع الثقافي الديني، فإلى غاية  إعلان دستور الجزائر في 20 سبتمبر 1947، ظلت على موقفها وكانت قد عقدت في يوم 21 جويلية من نفس العام مؤتمرها التاسع حيث تمت المصادقة على قانون سياسي جديد والمصادقة على لائحة تتعلق بالوظيفة الثقافية والدينية وأكد المؤتمر الطابع الخاص للجمعية بأنها لا تعتزم القيام بعمل سياسي تقليدي. فمن الضروري التأكيد مجددا على أن موقف الحذر والريبة الذي اتخذته الجمعية ضد الثورة لم تنفرد به. فقد أجمعت القوي السياسية المتواجدة على الساحة عدم تزكية الثورة في بدايتها. بل ونقدها واعتبارها مغامرة عسكرية منعزلة وفاشلة. يشترك في هذا الموقف كل من فرحات عباس والحزب الشيوعي والمركزيون ومصالي الحاج.
     نفهم من هذا، أنّ من آمن بالثورة منذ انطلاقها كان أفراد من الجمعية وليست المنظمة في حد ذاتها ورغم التبريرات التي حاولنا إيجادها لتفسير تأخر الجمعية من الانضمام إلى الثورة حتى عام 1958، إلا أن السؤال يبقى مطروحا. لكن يكفينا أن نقول أنّ من ساهم وخطط لتفجير الثورة لم يكن ينتمي إلى هذا التيار الديني وإنما كان وليد التيار السياسي ومصطلح السياسة لم يكن من أولويات الجمعية.
    فرحات عباس وبيان الشعب الجزائري 1941-1944:
    كان حزب الشعب الجزائري قد اضطرته محاصرة الإدارة الفرنسية الدائمة له، من اعتقال ونفي إلى العمل السّري، وبالتالي توّقف نشاطه العلني في الساحة السياسية. حتى جمعية العلماء كانت قد نالت قسطا من هذا الحصار ابتدأ بنفي زعيمها محمد البشير الإبراهيمي إلى آفلو سنة 1940. وظل ينشط على الساحة السياسية الدبلوماسي المحنك فرحات عباس الذي لطالما سعى في أروقة الإدارة الفرنسية ينشد الاندماج والجنسية الفرنسية، وهو لم يكن يشكل خطرا على سلطة الإدارة الفرنسية في الجزائر وهذا ما حفزّه وشجعه على المواصلة في سياسة الإقناع (مقاومة الحوار)، وقد وجد الفرصة سانحة خاصة وأنّ أعمدة الحركة الوطنية في الجزائر كانوا رهن الاعتقال، وكونه ممثل شرعي للأهالي في المجالس الانتخابية. وكعادته اعتمد فرحات عباس على الأسلوب البياني حيث قام بتقديم العرائض والبيانات، واكتسى نشاطه طوال فترة الحرب العالمية الثانية أهمية خاصة بوصفه المنتخب الوحيد الذي تتوفر لديه إمكانيات التحرك السياسي.
    ابتدأ نشاط فرحات عباس بتوجيه تقرير إلى الماريشال بيتان في 10 أفريل 1941 عن طريق عامل عمالة قسنطينة ماكس بونافوس وقد علّل هو بنفسه سبب تقديمه هذا التقرير بقوله: «لماذا هذا التقرير عام 1941؟ أذكر بأنّ فرنسا كانت تخوض ثورة وطنية، والوقت –يبدو لي- مناسبا لسياسة تغيير.. في مثل هذه الظروف وضع عام 1870 مرسوم كريميو لصالح يهود الجزائر بعد الإمبراطورية، وقبل الجمهورية الثالثة».
    وقد افتتح التقرير بقوله:« مصير بلدنا يعتمد على الله، وعلى حكومتكم، أنتم الحكم في نزاع اشتدت وطأته على الجزائر، نزاع لا تملك أية حكومة الشجاعة والحرية لتواجهه وتحلّه».
    مجهودات فرحات عباس كانت فردية ومبادرة شخصية ولذلك لم تحظ هذه المبادرة باهتمام، حتى أنّ فرحات عباس نفسه لم يتعرض لها في كتابه ليل الاستعمار، ونبّه إلى ذلك حين أصدر كتابه الشاب الجزائري عام 1981 «بأنّ هذا العمل المتواضع (التقرير) بقي غير معروف لدى الجمهور في الجزائر، وأيضا في فرنسا».
    ظلت الأجواء السياسية تعرف هدوءَ وسكونا إلى غاية شهر نوفمبر 1942، وهو الشهر الذي نزلت فيه قوات الحلفاء بالشمال الإفريقي، وبنزولها ظهرت قيادة فرنسية جديدة باسم فرنسا الحرة وأطلق سراح الكثير من المناضلين في حزب الشعب الجزائري من السجون والمعتقلات مع فرض الإقامة الجبرية عليهم، وتّم العفو عن مناضلي الحزب الشيوعي.
     في فيفري 1943، نشر فرحات عباس رفقة 29 آخرين من النخبة الجزائرية نصا تحت عنوان «الجزائر في النزاع العالمي، بيان الشعب الجزائري»، وكان هذا بعيد الإنزال الذي قام به الحلفاء في الجزائر في شهر نوفمبر 1942، وبنزول الحلفاء ظهرت قيادة فرنسية جديدة باسم فرنسا الحرة وأطلق سراح الكثير من المناضلين في حزب الشعب الجزائري من السجون والمعتقلات مع فرض الإقامة الجبرية عليهم، وتّم العفو عن مناضلي الحزب الشيوعي.
    ساعدت حملة الإفراج عن المعتقلين على استئناف النشاط السياسي للجزائريين وكان على رأس العناصر السياسية فرحات عباس، الذي قام بسلسلة من الاتصالات انتهت بتقديم عريضة باسم المنتخبين إلى ممثلي انجلترا وأمريكا وفرنسا، دون أن تحظى هذه العريضة بعناية، لا من طرف ممثلي أمريكا وانجلترا، ولا من طرف الحاكم العام، لأنّ الشغل الشاغل لهؤلاء كما يدعون هو ملاحقة القوات النازية، وتحقيق الانتصار عليها.
    وبعد شهر من الانتظار اجتمع فرحات رفقة بعض العناصر السياسية نذكر منهم بومنجل، الدكتور تامزالي، قاضي عبد القادر، الدكتور الأمين دباغين، عسلة الحسين، الشيخ العربي التبسي، الشيخ خير الدين، أحمد توفيق المدني، الدكتور ابن جلول، الدكتور سعدان... وكان هؤلاء من النواب وحزبي الشعب الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وقد كلّف الحاضرون فرحات عباس بتحرير بيان جديد للإدارة الفرنسية.
    ومن خلال صيغة البيان وفحواه يتطور موقف فرحات عباس وتتغير لهجته نحو التشدد، فهو في مقدمة البيان ينتقد الاستعمار انتقادا شديدا ويندد بأنانيته التي لا تقبل المساواة مع الجزائر المسلمة إلاّ في مخطط واحد، وهو التضحيات في ميادين القتال، وحتى هنا، فإنّ الأهلي يسقط ويموت بعنوان أهلي بمرتب ومنحة مرتزق، حتى ولو كان صاحب شهادة واختصاص».
     هذا الموقف من طرف فرحات عباس يفسره تجربته في الحرب العالمية الثانية حيث وافق على الانخراط في الجيش الفرنسي كصيدلي احتياطي وكان برتبة سرجان ومع ذلك لاحظ التمييز العنصري والتفرقة بين الجزائرببن الذين كانت تنظر إليهم السلطة الفرنسيية كأهالي فلم يكونوا يتقضون نفس رواتب الفرنسيين، حتى الخبز لا يقدم لهم ما يقدم للفرنسيين[29].
    وفي البيان أيضا يبدو أنّه بدأ يتخلص من الاتجاه الاندماجي، ويعترف بأنّ المزج، أو بأنّ امتزاج الشعبين في شعب واحد غير ممكن، ويقول: «إنّ هوية وتكوين شعب واحد تحت حكومة واحدة أبوية، أظهرت فشلها، الكتلة الأوروبية والكتلة المسلمة تبقى متباينة، الواحدة مع الأخرى بدون روح مشتركة، من الآن فصاعدا، المسلم الجزائري لا يطلب إلاّ شيئا واحدا هو أن يكون جزائريا مسلما». ورغم التغير الجذري في مواقف فرحات عباس إلاّ انّه لم يتخلى عن الأسلوب السلمي أسلوب الحوار. وقد جاء في البيان ما يلي:
    1- استنكار الاستعمار وإزالته.
    2- تطبيق مبدأ تقرير المصير على جميع الشعوب.
    3- منح الجزائر دستورها الخاص خارج الدستور الفرنسي الذي يضمن حرية ومساواة جميع السكان بغض النظر عن العرق والدين، وإنهاء الملكيات الإقطاعية بإصلاحات زراعية كثيرة تضمن الرفاهية والرخاء لسواد الجماهير الفلاحية والاعتراف بالعربية كلغة رسمية على قدم المساواة مع الفرنسية، وحرية الصحافة وحق التنظيم والتجمع وحرية ومجانية التعليم لجميع الأطفال إناثا وذكورا وحرية العقيدة لجميع السكان وتطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة في جميع الأديان (إشارة إلى الدين الإسلامي الذي لم يبق إلاّ هو غير مفصول عنها).
    4- المشاركة الفورية والفعّالة للجزائريين في حكومة بلادهم كما فعلت بريطانيا في الهند وكما فعل الجنرال كاترو في سورية وكما فعل بيتان والألمان في تونس.
    5- تحرير كل المحكوم عليهم والمساجين السياسيين من جميع الأحزاب.
    هذا الموقف من طرف فرحات عباس شجع حزب الشعب لإظهار مواقفه ومطالبه خاصة وأنّه قد جرى لقاء بين مصالي الحاج وفرحات عباس وتمخضت نتيجة اللقاء في ملحق البيان[30]. هذا الأخير الذي طالب بالاعتراف بالأمة الجزائرية، الاستقلال التام للجزائر مباشرة بعد الحرب، أما عاجلا فتأسيس حكومة فرنسية جزائرية والمساواة المطلقة. فالأمر يتعلق إذن ببيان وطني وثوري وليس مجرد برنامج لإصلاحات[31].
     كان لحزب الشعب الجزائري دور بارز في إقرار هذه النقاط السابقة الذكر، كما ساهم البيان في رفع قيمة ومكانة حزب الشعب في أوساط الجزائريين، وكذلك زعيمه السجين مصالي الحاج، وارتفعت أصوات الجزائر جزائرية بعد الحرب العالمية الثانية، وصار لحزب الشعب مراكز في القبائل الكبرى، في قسنطينة، تلمسان، عين تموشنت، غزوات، ندرومة.
    ولكن الفرنسيين وعلى رأسهم بيروتون الحاكم العام أحسوا بخطورة اللهجة التي استعملها الجزائريون وأدركوا أهمية المطالب التي يطالبونهم بها، فتظاهروا بقبول البيان من حيث المبدأ وطلبوا من الوفد تقديم خطة عمل للإصلاح. وكان الهدف من ذلك كسب الوقت أيضا لأنّ فرنسا والحلفاء كانوا سنة 1943 في وقت حرج ومازالوا عندئذ لم يعبروا البحر الأبيض إلى أوروبا. هذا ما شجّع فرحات عباس على إضافة ملحق بعد الملاحظات والشروط التي تقدم بها الشعب الجزائري، ومهمة الملحق أنّ يوضح بعض المطالب من ناحية، ويدعم الاتجاه الوطني من ناحية ثانية، كما أنّه يسجَّل رغبة مسئولي حزب الشعب الجزائري في النص على دولة جزائرية.
    تضمن الملحق قسمين: القسم الأول عن الإصلاحات التي يمكن تأخيرها إلى ما بعد الحرب، والقسم الثاني عن الإصلاحات التي يجب تحقيقيها في الحال. ونص الأول على أنّه في نهاية الحرب تصبح الجزائر دولة لها دستورها الخاص يضعه مجلس تأسيسي منتخب عن طريق الاقتراع العام من جميع السكان.
    أمّا القسم الثاني منه فقد تضمن ثلاثة أجزاء:
    أ- الاشتراك الفوري والفعّال للممثلين الجزائريين في حكومة وإدارة الجزائر وتحويل الحكومة العامة الممثلة لفرنسا إلى حكومة الجزائر وتتألف من وزراء بعدد متساو بين الفرنسيين والجزائريين والتمثيل المتساوي للجزائريين والفرنسيين في جميع المجالس الجزائرية والتنظيمات الاستشارية وتحقيق الإدارة الذاتية للدواوير والبلديات المختلطة، ودخول الجزائريين لكل الوظائف العمومية على أساس المساواة مع الفرنسيين وإلغاء جميع القوانين الاستثنائية وتطبيق القانون العام على الجزائر.
    ب- المساواة أمام ضريبة الدم، إلغاء نظام التجنيد والخدمة العسكرية المعمول به تحت عنوان أهلي وتوحيد نظام التجنيد والمكافآت في الخدمة العسكرية ( الرتب، المعاش..إلخ)، ورفع العلم الجزائري في الفرق الجزائرية العاملة رفعا لمعنوياتها.
    ج- الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، إنشاء مصلحة للفلاحة الجزائرية لمساعدة الفلاحين وإنشاء وزارة عمل تشرف على تطبيق القوانين الاجتماعية للعمال الجزائريين، إنهاء التعليم المسمى بالأهلي ومنح الحرية في تعليم اللغة العربية وتوفير السكن، وحرية الدين الإسلامي، وحرية الصحافة باللغتين والترخيص بإنشاء صحف في العاصمة ووهران وقسنطينة لتطلع وتقود الرأي العام الجزائري. وقد حرر الملحق بتاريخ 26 ماي 1943. ويلاحظ على البيان وملحقه أنّهما وثيقة تحتوي على مزيج من المطالب السابقة لحزب الشعب والعلماء والنخبة، وإذا كنا قد لمسنا المرونة في البيان، فإنّ ملحقه كان أكثر صرامة.
     لكن ملحق البيان قوبل برفض شديد من طرف الحاكم العام كاترو الذي لم يكن مستعدا من أن يغيّر من عقلية الجزائر الفرنسية وأطلق على حركة البيان الجزائري اسم العاصفة التي وعد بوقفها مهما كان الثمن فقد اعترف في مذكراته أن الجزائريين قدموا بيانهم إلى سلفه، وهو يتضمن المناداة بإقامة جمهورية جزائرية ولكنه قال إنّ ذلك جاء نتيجة عاصفة من التحرر هبت من الشرق ومن وراء الأطلسي فوق شمال إفريقية، ولذلك فإنه من الحكمة وقف هذه العاصفة.
      في ذلك الحين أكّد مصالي الحاج لفرحات عباس بالقول: « أنا لا أثق مطلقا في فرنسا فرنسا لن تمنحك شيء، هي لا تعرف سوى لغة القوة، ولن تعطيك إلا ما تأخذه منها بالقوة». فالفكر الثوري والمسلح كان جزءً لا يتجزأ من مواقف مصالي الحاج وله تحفظات تجاه السياسة الفرنسية، في الوقت الذي كان فيه فرحات عباس لا يزال يؤمن بالمقاومة السلمية، فهما جمعتهما الأهداف لكن اختلفا في الخطط[32].
    أمام هذه السلبية من جانب الإدارة الفرنسية سارع فرحات عبّاس إلى تأكيد البيان بتحويله من عريضة مطالب إلى حركة سياسية في شهر مارس 1944 بمدينة سطيف عرفت باسم "أصدقاء البيان والحرية" والتي سجلت رسميا في مدينة قسنطينة وقد ضمت الحركة أعضاء من النواب ومن حزب الشعب الجزائري والطلبة والكشافة والعلماء، وكان فرحات عباس قد اتصل بمصالي الحاج في معتقله بقصر الشلالة وكذلك بممثلي العلماء وكوّن معهم جبهة متحدة أصبح هو المتحدث باسمها. كما عيّن فرحات عباس رئيس تحرير لجريدة المساواة الصوت الناطق والمعبر عن مطالب هذه الحركة الجديدة التي أخذت على عاتقها المحافظة على مبادئ ومطالب وأهداف بيان 1943.
    معظم النشطين داخل حركة أحباب البيان والحرية، كانت قاعدتهم حزب الشعب الجزائري هذا الأخير الذي اتخذ أحباب البيان والحرية كغطاء للنضال من أجل الاستقلال.[33] رغم أنّ حركة أحباب البيان والحرية قد شهدت تطورا وانتشارا في أوساط الجزائريين الذي وصل عدد المنتسبين منهم إليها حوالي نصف مليون في شهر مارس 1945، وحوالي 163 فرع موزع على القطر الوطني.
    حوادث 8 ماي 1945:
    امتاز الوضع العام قبل ماي 1945 بتحرك سياسي واسع لجميع الكتل الجزائرية (الأهلية) وأهم حركة تبنت القضية الأهلية واستمرت في نشاطها هي "حركة أحباب البيان والحرية" التي تمكنت من خلق وحدة وطنية  أثارت تخوف الإدارة الفرنسية، وجعلت الكولون وأصحاب اليمين المتطرف يشتدون في التحامل عليها، ومحاولة القضاء عليها، هذا الواقع خلق جوّا مكفهرا بين الجزائريين المتحمسين والفرنسيين المتشددين، ومن المنطقي أن يتحول هذا الصراع على الأقل من الجانب الفرنسي من الحرب الكلامية إلى المواجهة العسكرية.
    كانت أول مواجهة بارزة بين القادة السياسيين والسلطة الفرنسية، في 1 ماي 1945؛ أين انطلقت أصوات من مختلف أرجاء الجزائر تطالب علنا «أطلقوا سراح مصالي، والاستقلال». في الوقت الذي قام فيه أتباع حركة أحباب البيان بمسيرات سلمية هادئه سلمية دون أي كلمة أو شعار، لم يستطع قادة حزب الشعب كبح جماح المتظاهرين، مما أودي بمقتل 4 أشخاص في الجزائر، 1 في البليدة، 1 في وهران[34].
    هذه المظاهرات والمواجهات تسببت في توقيف عدد كبير من المسؤولين في حزب الشعب، كما لم يسلم الأعضاء النخبة، حيث تمّ توقيف فرحات عباس والدكتور سعدان وأطلق سراحهم حتى شهر مارس 1946. لكن كانت هناك مواجهة ثانية قريبة العهد وهي يوم 8 ماي 1945.
      قرر القادة الوطنيون الناشطون في أحباب البيان والحرية تنظيم مظاهرات في مقاطعات مختلفة في الجزائر منذ 1 ماي [35] وانطلقت بالفعل مظاهرات بالتزامن مع 8 ماي 1945 تاريخ انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، حملوا فيها رايات الحلفاء والراية الجزائرية، وصاحوا في وقت بنفس الكلمات الاستقلالية، وطالبوا بإطلاق سراح مصالي الحاج، لكن المظاهرات كانت أكثر حدة في المناطق الشرقية خصوصا في سطيف، قالمة، خراطة، عنابة، سكيكدة...
    من بين المشاركين في المظاهرات حوالي 7 إلى 8 آلاف شخص يتبع حزب الشعب بالإضافة إلى 200 عنصر من الكشافة الإسلامية، رفعوا اللافتات التي كتب فوقها «يحيا مصالي» «من أجل استقلال الشعب»، «تحيا الجزائر حرة ومستقلة»[36]. وكان أول القتلى الكشاف بوزيد سعال الذي كان يحمل العلم الجزائري ورفض إسقاطه، والذي قتل على يد أحد رجال الشرطة الفرنسية.
    سارعت الشرطة الفرنسية بالهجوم وإطلاق النار على المتظاهرين وساعدها في ذلك المستوطنون الأوروبيون الذين خرجوا بأسلحتهم لقتال الجزائريين، وهنا تحولت المظاهرة السلمية إلى مواجهة عسكرية، اقتصر سلاح الجزائريين فيها على المدي والعصا والحجارة.
    من الواضح أن الإدارة الفرنسية اعتبرت التظاهر بحمل العلم الوطني مساسا بالسيادة الفرنسية، ولهذا أصدر نائب عمالة سطيف أوامره بإطلاق النار، بعد محاولة لإنزال العلم وافتكاكه من الشاب الذي كان محاطا بمجموعة من الشبان أعدّت نفسها للدفاع عن العلم.
    لم تقتصر الأحداث على مدينة سطيف وحدها، بل امتدت إلى أكثر مدن وقرى ودواويرها، كما أنّ الفرنسيين بدون استثناء اشتركوا في الاستفزازات وعمليات القمع وكانوا يلقون القبض على الأهالي الجزائريين ويزجونهم في السجون بدون محاكمة ولا مراقبة. كما اشتركت القوات العسكرية الفرنسية جميعها في عمليات الإبادة، القوات البرية والبحرية والجوية فضلا عن الشرطة والدرك والميليشيات، وأسفرت العمليات على استشهاد ما يزيد على 45000 من الجزائريين، واقتياد عشرات الآلاف إلى السجون والمحتشدات، وإعدام العشرات عن طريق المحاكم.
    هذه الأحداث جمعت بين قادة حزب الشعب وحركة أحباب البيان والحرية، حتى أنّهما لقيا نفس رد الفعل من قبل السلطة الفرنسية التي قامت بتوقيف عناصر منهما حوالي 2500 موقوف. وهناك من صدر في حقه الإعدام وعناصر أخرى انتظرت حتى عام 1962 إلى أن تمكنت من الخروج من السجن.
    موقف الإدارة الفرنسية من حوادث ماي 1945:
    اعتبرت الإدارة الفرنسية أنّ حوادث ماي 1945 ما هي إلاّ مؤامرة وطنية انفصالية كان الهدف منها القيام بحركة عصيان عامة لإخراج الفرنسيين من الجزائر ولكي يؤثروا على هذه الإدارة ويدفعونها لضرب الحركة الوطنية وعدم القيام بأي إصلاح. هنا حاولت الإدارة الفرنسية أن تتلاعب بقادة الحركة الوطنية بتصنعها جهل من دعا إلى قيام هذه المظاهرات، ولكي تحاول جس نبض الجزائريين وعلى رأسهم قادة حزب الشعب وحركة أحباب البيان، وفيما إذا كان بإمكانها  التأثير على مواقفهم المتصلبة وعلى رأسها المطالبة بالاستقلال.
    وهناك من ادعى أنّ الجوع هو سبب انتفاض الأهالي الجزائريين، وادعاؤه هذا يحاول من خلاله إخفاء البعد السياسي لهذه الحوادث.
    موقف قادة الحركة الوطنية من حوادث ماي 1945:
    الحقيقة، أنّ حزب الشعب الجزائري لم يكن يسعى إلى سفك دماء الجزائريين في استغلال فرصة 8 ماي 1945، بل كان يسعى للتعريف والتأكيد على مطالبه بوسيلة سلمية وبعيدا عن العنف، لكن القاعدة الشعبية لم تكن تتمتع بالرؤية التي كانت لدى القادة، وحماسها الشديد هو الذي ساهم في إرباك السلطات الفرنسية هذه الأخيرة التي سلطت جام غضبها عليهم.
    أما زعماء الحركة الوطنية، فقد وصفوها على أنّها مؤامرة استعمارية دبرت من طرف الكولون وبعض أصحاب النفوذ والمال، والغرض منها إثارة الشعب الجزائري حتى يسهل عليهم قمعه والقضاء على الحركة الوطنية.

    حركة انتصار الحريات الديمقراطية 1946-1954:
    ظروف تأسيس الحركة:
    نتج عن حوادث ماي 1945 تفكك الوحدة الوطنية التي حققتها حركة أحباب البيان والحرية، فتفرّق النواب والعلماء وقادة حزب الشعب، وقرر هذا الأخير المضي قدما في سياسته السابقة وعدم العودة إلى العرائض والبيانات، وأدرك أنّ فرنسا لن تفي بوعودها وخير دليل على ذلك المجازر الفظيعة في 8 ماي 1945. ورغم ذلك وجد الحزب نفسه مترددا؛ فيما إذا كان سيواصل العمل السّري منذ أن حلّ سنة 1939 وهو أسلوب تعوّد عليه وساعده إلى حد بعيد في التحرك بين أوساط الجزائريين دون مضايقة من طرف السلطات الفرنسية، وبين الظهور العلني على غرار النواب بقيادة فرحات عباس، وهذا قد يضطره للتنازل عن أمور عدّة. ولا يخفى علينا أنّ فرحات عباس قد اكتسب شهرة واسعة بين الأهالي الجزائريين بعد بيان 1943، وهذا ما ساهم  ولو بطريقة غير مباشرة في ابتعاد الأضواء عن حزب الشعب الجزائري صاحب النزعة الاستقلالية. وكانت ضرورة اكتساب الصفة الشرعية للحزب أمام الإدارة الفرنسية ملّحة خاصة وأنّ الأحزاب الشرعية (معترف بها رسميا من قبل الإدارة الفرنسية) قد كانت تتحرك على نطاق واسع، وبعدد تردد طويل قرّر الحزب في شهر نوفمبر 1946 إبقاء "حزب الشعب الجزائري" المنحل من طرف الإدارة الفرنسية منذ عام 1939 يواصل عمله السّري، وإنشاء حزب شرعي يُعلن عنه لدى الإدارة الفرنسية، فأسس "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" كغطاء شرعي يسمح له بتحرك واسع، ويخوِّل له حق الترشح لمختلف المجالس، وأن يعرف بمطالبه وأهدافه أكثر فأكثر للجماهير الجزائرية. والحقيقة أن سبب الإبقاء على حزب الشعب الجزائري وعلى النشاط السّري كان مرّده رفض بعض قادة الحزب انتهاج الحزب سياسة الأحزاب الأخرى الملاينة والمسايسة للإدارة الفرنسية، وهذا الأمر قد يؤثر سلبا على مبدأ وهدف الحزب الأساسي ويبعده عن القضية الرئيسية وهي الاستقلال الوطني، لكن مصالي الحاج أقنع الأعضاء بأهمية العمل العلني، وفي نفس الوقت المحافظة على العمل السرّي في إطار حزب الشعب.

    تجربة الانتخابات:
    بعد أن فصل النقاش حول مصير حزب الشعب، تقدم هذا الأخير بعنوان جديد هو حركة الانتصار للحريات الديمقراطية-كما سبق وأن ذكرنا- كواجهة شرعية له، وخاض بهذه التسمية معترك الانتخابات في أواخر 1946، ومع ذلك لم يتقبل العديد من المناضلين المتمسكين بالسّرية، والعمل الثوري، ترشح الحزب للانتخابات، ورأوا في ذلك انحرافا عن الهدف الحقيقي وقد يضطر إلى التنازل وإلى قبول بعض القرارات التي لا تتجاوب مع مبدأ الاستقلال، لهذا تقرر عقد مؤتمر يضم إطارات الحزب يومي 15 و16 فيفري 1947. اجتمع القادة يوم 15 ببوزريعة ويوم 16 ببلكور لأسباب أمنية، وقد هاجم التيار المتحمس قيادة الحزب واللجنة المركزية لإنشائها حزبا شرعيا دون استشارة المناضلين، وأخيرا انتهى المؤتمر بتوصيات توفق بين التيارات.
    أمّا القرار الذي أرضى الطرفين فكان كما يلي:
    1- الإبقاء على حزب الشعب الجزائري في إطاره السّري القديم، للعمل على توسيع القاعدة الحزبية، ونشر الفكرة النضالية الاستقلالية.
    2- متابعة حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بمظهرها الشرعي، وإطارها القانوني لمساعيها ونشاطها في الأوساط الرسمية والشعبية لتوعية الجماهير بصفة عامة، وللتخفيف من المشاكل اليومية التي تواجه المواطنين في حياتهم اليومية لدى الإدارة الفرنسية.
    3- إنشاء منظمة شبه عسكرية سرية، عرفت فيما بعد "بالمنظمة الخاصة" أو "المنظمة السرية" (OS) تتولى الإعداد والتعبئة للعمل الثوري.
    وعوض أن يتصدع الحزب من جراء الانتقادات التي وّجهت إلى قيادته، سكنت المشاحنات بمجرد صدور قراره الخاص بالمنظمة الخاصة التي عيّن على رأسها محمد بلوزداد.
    بالنسبة للانتخابات 1946 تحمّس فرحات عباس زعيم الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري لفكرة الترشح للبرلمان الفرنسي، فرشح نخبة من خيرة عناصره المثقفة وتحصلت على 11 مقعدا من بين 13 مقعدا وقد عارض حزب الشعب الجزائري هذه الانتخابات، ثم عدل عنها وخاض بدوره معركة الانتخابات بغطائه الشرعي الجديد ونجح 5 من مرشحيه. إنّ نواب حركة انتصار الحريات الديمقراطية صرّحوا منذ البداية بأنّهم لا يعترفون بالقوانين الفرنسية، ورددوا داخل قاعات البرلمان  مطلب الاستقلال التام، رافضين في نفس الوقت السياسة الفرنسية المتبعة بالجزائر منذ عام 1830. وكان لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية الفرصة في المشاركة في انتخابات المجالس البلدية عام 1947، وتحصلت فيها تقريبا على جميع البلديات، وكان نجاحها برهانا على دعم الجزائريين لها وإيضاح رغبتهم الجامحة في نيل الاستقلال، ومع ذلك صادفت الحركة عدّة مشاكل على رأسها عدم التوفيق بين العمل الشرعي المقتصر على تحسين وتسوية مشاكل المواطنين والعمل السري الساعي للاستقلال.
    وفي عام 1948 جاء دور الترشح للمجلس الجزائري الذي تقرر تكوينه في الجزائر من 120 نائبا مناصفة بين الجزائريين والفرنسيين في الجزائر، ومخافة أن يصير الجزائريون على قدم المساواة مع الفرنسيين، شرعت الإدارة الفرنسية لتزييف الانتخابات التي حاك خيوطها آنذاك إيدموند نيجلان الذي اشتهر بالتزوير، وقام باعتقال المرشحين قبل يوم الانتخاب، ومنع المناضلين الوطنيين من الإشراف على مكاتب وصناديق الاقتراع، وبالتالي لم يفز إلاّ عدد ضئيل من مرشحي حركة الانتصار للحريات الديمقراطية ونفس الأمر بالنسبة لباقي الأحزاب الجزائرية الذين ضاعت أصواتهم في وسط أغلبية فرنسية.

    قائـــــمة المراجع المعتمدة:
    1- الكـــتب:
    1- الإبراهيمي (محمد البشير)، "أسباب انتشار الإلحاد بين الشباب"، سجل مؤتمر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الثالث، ، المطبعة الإسلامية الجزائرية، 1935، ص 63-64.
    2- الإبراهيمي (محمد البشير)، آثاره، جمع وتقديم أحمد طالب الإبراهيمي، ج3، (عيون البصائر)، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1997، ص 168.                                                    
    3- أجريتو (مارسيل)، الوطن الجزائري، ت: نوار عبد الله، سلسلة كتب سياسية، ع114، القاهرة، 1959، ص 17.
    4- أفيطبول (ميخائيل) وآخرون، اليهود في البلدان الإسلامية (1850-1950)، ت: جمال الرفاعي، سلسلة عالم المعرفة، ع197، الكويت، 1995، ص 384.
    5- الأشرف (مصطفى)، الجزائر الأمة والمجتمع، ت:حنفي بن عيسى، م.و.ك، الجزائر، 1983، ص 14.
     6- بقطاش (خديجة)، الحركة التبشيرية في الجزائر (1830-1871)، ، منشورات دحلب، الجزائر، 1992، ص 24-25
    7- بوحوش (عمار)، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1997، ص ص 215-216.
    8- بوعزيز (يحي)، ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين، ج1، ط2، منشورات المتحف الوطني للمجاهد.
    9- بوعزيز (يحي)، ثورة 1871(دور عائلتي المقراني والحداد)، الجزائر، 1978، ص ص 335-336.
    10-بوعزيز يحيى، سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية الجزائرية (1830-1954م)، الجزائر، 1983م، ص 90.
    11- تشرشل شارل هنري، حياة الأمير عبد القادر، ت أبو القاسم سعد الله، ش،و،ن،ت، الجزائر، 1982، ص ص 78-79.
    12- ابن عبد القادر محمد،  تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، ج1، دار اليقضة العربية للتأليف والنشر، الجزائر، 1964، ص 156.
    13- تركي (رابح)، الشيخ عبد الحميد بن باديس فلسفته وجهوده في التربية والتعليم (1889-1940)، ، ش.و.ن.ت، الجزائر، 1970، ص 25.
    14- حلوش  (عبد القادر)، سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر، ط1، شركة دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 1999، ص 66.
    15- حربي محمد، الثورة الجزائرية "سنوات المخاض"، ترجمة: نجيب عباد، (دت)، ص 176.
    16- خرفي (صالح)، الجزائر والأصالة الثورية، ش.و.ن.ت، الجزائر، د.ت، ص 171-172.
    17- الخطيب احمد، حزب الشعب الجزائري "جذوره التاريخية والوطنية، ونشاطه الاجتماعي والسياسي"، ج1، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986م، ص 116.
    18- جونسن (كوليت، فرانسيس)، الجزائر الثائرة، ت: محمد علوي شريف، هنري يوسف سردار، وزارة الإرشاد القومي، القاهرة، 1957، ص 40-41.
    19- دودو (أبو العيد)، الجزائر في مؤلفات الرحالة الألمان (1830-1855)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1989، ص 12.
    20- سعد الله (أبو القاسم)، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، ج2، ط2، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1990.
    21- سعد الله (أبو القاسم)، تاريخ الجزائر الثقافي، ج5، ط1، دار الغرب الإسلامي، 1998، ص 161-162.
    22- سعد الله )أبو القاسم(، الحركة الوطنية الجزائرية (1900-1930)، ج2، ط4، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1992.
    23- عباد (صالح)، الجزائر بين فرنسا والمستوطنين (1830-1930)، ديوان المطبوعات الجامعية، 1999.
    24- العسلي (بسام)، الأمير خالد الهاشمي الجزائري، ط2، دار النفائس، 1984، ص ص 38-39.
    25-المدني (أحمد توفيق)، كتاب الجزائر، ط2، نشر دار الكتب، الجزائر، 1963.
    26-العربي إسماعيل، العلاقات الدبلوماسية الجزائرية في عهد الأمير عبد القادر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1982، ص 68.
    27- صاري  (الجيلالي)، قداش (محفوظ)، المقاومة السياسية (1900-1954)، ت: بن حراث عبد القادر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1987، ص 234.
    28- زوزو (عبد الحميد)، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر المعاصر (1830-1900)، المؤسسة الوطنية للكتاب،  الجزائر، 1984.
    29- زوزو عبد الحميد، دور المهاجرين الجزائريين في الحركة الوطنية بين الحربين (1919- 1939م)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1974م، ص 59.
    30- قنانش محمد، قداش محفوظ، نجم شمال إفريقيا (1926- 1937م) وثائق وشهادات لدراسة تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 1984، ص 40.
    31- الهواري (عدي)، الاستعمار الفرنسي في الجزائر، سياسة التفكيك الاقتصادي الاجتماعي (1830-1960)، ت: جوزيف عبد الله، ، دار الحداثة، بيروت، ص 61.
    32- محمد العربي الزبيري، مذكرات أحمد باي ، ش،و،ن،ت، الجزائر، 1973 ص ص 17-20.
    33- مهساس احمد، الحركة الثورية في الجزائر- من الحرب العالمية الأولى إلى الثورة المسلحة-، دار القصبة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2003، ص 63.
    34- ناصر (محمد)، المقالة الصحفية الجزائرية من (1903-1931)، مج1، ش.و.ن.ت، الجزائر، 1978، ص 42.

    1- Ageron (Ch-R), Histoire de l'Algérie Contemporaine (1871-1954), P.U.F, Paris, 1974.               
    2- Ageron (Ch-R), "Jules Ferry et la question Algérienne 1892",  In Revue d'histoire Moderne  et contemporaine, Vol.10, Avril- Juin, 1963, pp131-139.                                                                   
    3- Agéron (Ch-R), Les Algériens Musulmans et la France, t1,  PUF, 1968 pp298-301.                     4- Benjamin, STORA, Algérie ; histoire contemporaine1830-1988, Casbah Editions, Alger, 2004.
    5- Berkada (Saddek), "Un patrimoine culturel, les publication de la société de géographie et d'Archéologie d'Oran (1878-1888)", In Revue Insaniyat, Vo3, N°12, Septembre-Décembre, 2000, p115.
    6- Bontems (Claude), Manuel des institution  Algériennes  de la domination turque à l'indépendance, la  domination Turque et le régime militaire (1518-1870), 1eed, Edition,   Cujas , 1976.
    7- Bourgois Stanilas (Le), La question du Gouvernement général de l'Algérie, Adolphe Jourdan , Alger, 1895.
    8- Bouveresse Jacques, Les délégations financières Algériennes 1898-1945 thèse Doct Université  de  Nancy, 2, 1979, p56-57.
    9- Boyer (P), "L'administration Française et le réglementation de la pèlerinage a la Mecque   (1830-1894)", in Revue d'histoire Maghrébine, N°9, Juillet, 1977, pp276-277.                                .   
    10- Colonna (Fanny), Instituteurs algériens 1883-1939, OPU, Alger, 1975.
    11- Combon Jules, Gouvernement général de l'Algérie 1891-1897, Paris, 1918.
    12- De peyrhimoff, Enquête sur les résultats de la colonisation officielle, (1871-1895), t1, Alger, 1905,  p31.                                                                                                                                                     
    13- Despermet (J), "manifestations", in l'Afrique Française, Septembre 1934.                                        
    14-Estoublon  (Robert ) et Le Febure (Adolphe), Code de l'Algérie annoté (1830-1895), pp,892-896.  
    15-Falck (Félix), L'Algérie un siècle de colonisation, notre domination coloniale, Paris1929.               
    16-  Favrod (Ch), Le F.L.N et l'Algérie, S.E,  Paris, 1962, pp197-199.                                                  
    17- Fréderic, Colonisation officielle et crédit agricole en Algérie, S.D.                                                  
      18- Gilbert Meynier : Histoire intérieure du FLN 1954-1962, Casbah  Editions, Alger,    2003.
          19-Hassan Remoun : "les Evénements de mai 1945, le mouvement  national et la société  Algérienne aujourd’hui In,  EL Watan du 8 mai 2005.                                                                                                                                                            
    20-Jimon Jacques, L’Etoile Nord -Africaine(1926-1937), PU.F , (SD),P320.                                           
    21- Julien (ch-A), Histoire de l'Algérie contemporaine, (1827-1871), PUF, Paris, 1964. pp 240-241.  
    22- Kaddache Mahfoud, L’Histoire de Nationalisme Algérienne question Nationale et politique en Algérie (1919-1951), p190.
    23- Khodja (Hamdan), Le miroir, Aperçu historique et statistique sur la régence d'Alger, ed  sindibad,  Paris, 1985, p45.
    24- Mahfoud KADDACHE et Djilali SARI, L’Algérie dans l’Histoire, OPU, Alger, 1989.                     
                      25- Marcel EMIRIT, une cause de l’expédition d’Alger, In Revue Africaine, 1952. 
                      26- Melia (Jean), L'Algérie et la guerre, p268.
    27- Mercier ( Ernest), L'Algérie et la question Algérienne,  Paris, 1883, p136.
    28- Marçais Georges, "L'enseignement primaire des musulmans d'Algérie de 1830 à 1946", in Documents Algériens, N°11, Série Politique, p21.
    29- Nadjia Bouzeghrane, "en finir par le mensonge"; entretien de mohamed Harbi, In, EL Watan , le 14 mai   2005.              
    30-Oppermann Thomas, Le problème Algérien, d Lecerf, F.Maspéro, Paris, 1961, p43. 
    31- Pierre PEAN; Main basse sur Alger  enquête sur un pillage, juillet 1830 Chihab Editions Alger, 2005.
    31-        Pottier (Réné) "Cardinal Lavigerie", in Encyclopédie Mensuelle d'Outre mer   Politique économique sociale, culturelle et scientifique, V1, 3année, Novembre, 1952, p326.
                  33-  "L'Algérie In", l'Afrique Française, Janvier, 1908.
                  34-   Sari (Djilali), La dépossession des Fellah, SNED, Alger, 1975, p15.  
                  35- Testa (Le Baron de), Recueil des traites de la porte ottomane avec les puissances étrangères, T1, Paris, S.D, pp 466-467.
                  36-Villacrose (A), Vingt ans en Algérie, Challamel Ainé, Paris, 1875, p176.
                  37- (X), Constitution de la propriété en Algérie dans les territoires, occupé par les Arabes , Imprimerie, A.Rouye, Alger, 1863, pp13-17.
                  38- Yacono (Xavier), "Peut on Evaluer la population de L'Algérie vers 1830", in Revue Africaine, 3e 4e trimestre, 1954, pp  277-307.

    2-الرسائل الجامعية والدوريات:
    1- بوصفصاف عبد الكريم، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وعلاقتها بالحركات الجزائرية الأخرى (1931-1955م)، بحث مقدم لنيل شهادة الماجستير في التاريخ المعاصر، جامعة قسنطينة، 1983م، ص 225.
    2- بورغدة (رمضان)، الجزائريون والعدالة الفرنسية في الجزائر، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة قسنطينة، 1996-1997، ص 57.
    3- التميمي (عبد الجليل)، "التفكير الديني والتبشيري لدى عدد من المسؤولين الفرنسيين في الجزائر في القرن 19"، المجلة التاريخية المغربية، ع1، جانفي، 1974، ص 14.
    4- توران (إيفون)، "المجابهات الثقافية في الجزائر المستعمرة من عام 1830 حتى عام 1880"، مجلة الأصالة، ع6، الجزائر، 1972، ص 135.
    5- صاري (أحمد)، " الجمعيات والنوادي الثقافية في الجزائر ودورها في الوعي الوطني الجزائري خلال الفترة (1900-1939)" أعمال المؤتمر الثاني المؤتمر الثاني لمنتدى التاريخ المعاصر حول الثقافات والوعي الوطني في العالم العربي المعاصر، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، زغوان، جويلية، 1999، ص 189-190.
    6- رايس (حسين)، "بعض جذور الإشكالية الثقافية حاليا بالمغرب العربي"، مجلة شؤون عربية، ع30، د.ت، ص 31.
    7- فركوس (صالح)،  فركوس (صالح)، احتلال ومقاومة المكاتب العربية بمقاطعة قسنطينة (1844-1871)، ج1،2، دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة منتوري، رسالة مرقونة، 2001.
    8- قشي (فاطمة الزهراء)، "الصحافة العربية الجزائرية بقسنطينة (1919-1956)"، في الكراسات التونسية، ع137-138، مج36، منشورات الجامعة التونسية، 1986، ص 88.

    الجرائـــد:
    1 - النجاح، ع 245، 10 نوفمبر، 1925.
     2-  Journal Rachidi du 26 Juillet 1912 .