-->

تاريخ الجزائر 1954- 1962 ثورة التحرير

تاريخ الجزائر  1954- 1962  ثورة  التحرير
    تاريخ الجزائر  1954- 1962 
    ثورة  التحرير

    الأجواء الممهدة لخيار الثورة التحريرية
    تمهيد :
     جاءت ثورة أول نوفمبر المجيدة سنة 1954 بعثا جديدا للجزائر في العهد الجديد، بكل أبعادها ومفاهيمها مستخلصة العبر من إخفاق المقاومات[1] السابقة التي عمت أرجاء الوطن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
     شهد العالم قيام عدة ثورات كان لها وقع كبير في تغيير مجرى الأحداث ودور في تغيير أوضاع البلدان الأخرى خارج حدودها وأهم هذه الثورات: الثورة الأمريكية 1767، الثورة الفرنسية 1789، الثورة الروسية 1917، الثورة الفيتنامية 1954-1973، الثورة الجزائرية 1954-1962، الثورة الكوبية.

     تميزت الثورة الجزائرية عن هذه الثورات بأنها قامت في وجه إستعمار أوروبي جاء من أجل الإستيطان في الجزائر، وبالتالي إذابة المجتمع الجزائري في المجتمع الفرنسي الأوروبي المسيحي.
    حققت الثورة الجزائرية عدة منجزات على المستويين الداخلي والخارجي: فعلى المستوى الداخلي بعد إنطلاقها وحتى أحداث 20 أوت 1955 التي عمت كل الشمال القسنطيني أبطلت الثورة من خلالها كل ما كانت تدعيه فرنسا من عدم أصالة الثورة الجزائرية ووطنيتها وذلك بزعم تلقيها الدعم المادي والمعنوي من الخارج. ليأتي مؤتمر الصومام المنعقد بتاريخ 20 أوت 1956 ليؤكد وجود شخصية ثورة الجزائر السياسية، وكفاءتها العسكرية، ومقدرتها على تسيير شؤون الحرب. فمن خلال وضع إطار لجيش التحرير الوطني أصبح جيشا منظما في مستوى الجيش الفرنسي وهذا بدوره يفند ما كان يدعيه المستعمر بأن من يقوم بالعمليات في الجزائر ما هم إلا قطاع طرق "وفلاقة" وعصابات من السهل القضاء عليهم.
    ولكي تكون الثورة  الجزائرية ثورة شاملة ومنظمة تم تقسيم الجزائر إلى ست ولايات كقرار تمخض عنه مؤتمر الصومام، وهذا لكي تسهل عملية تنظيم الثورة وتحديد المسؤوليات. ولكي تضفي الثورة على نفسها الهيبة والمكانة المحترمة بين الأمم في المحافل الدولية وتكون في موقف قوة لا ضعف، فكرت قيادة الثورة في تأسيس هيئة قانونية وهي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية لكي تقف في وجه فرنسا الند للند، أي حكومة في مواجهة حكومة. واستطاعت الحكومة المؤقتة أن ترغم ديغول ومن ورائه فرنسا أن تتراجع عن مقولته أن الجزائر قطعة فرنسية وبالتالي الإعتراف بالسيادة الوطنية ومن ثمة الإستقلال.
    أما على المستوى الخارجي فقد حتمت الثورة الجزائرية على فرنسا تغيير سبع حكومات فرنسية بداية من حكومة فرانس إلى حكومة ويلمار، وهذه نقطة إيجابية تحسب لصالح الثورة الجزائرية التي أنشأت دبلوماسية متمكنة إستطاعت أن تسجل حضورها في أغلب المحافل الدولية التي تنعقد في كل الدنيا، وجمهوريتين حيث سقطت الجمهورية الرابعة وجاءت الخامسة[2].

    1- نمو فكرة  الثورة إلى انطلاقها:
    أ- مظاهرات ماي 1945:
    كانت هناك عدة عوامل مهدت للمواجهة المسلحة بين الجزائريين وقوات الإحتلال منها: تأثير الحرب العالمية الثانية ودعاية الحلفاء وعزيمة مناضلي حزب الشعب في المرور إلى الفعل المسلح. كما كان هناك عزيمة المعمرين في التصدي لنضال الوطنيين الجزائريين بكل الوسائل ومنها الإستفزاز خلال المظاهرات. ومن هنا فقد كان هناك هذا الحقد بين الأوروبي في الجزائر وبين الوطنيين الجزائريين، وقد حذر الدكتور سعدان خلال الجمعية العامة بقسنطينة سنة 1944 قائلا: "إذا لم تتخذ إجراءات سوف تحدث إنقلابات خطيرة بين الأهالي..".
    - الأحداث: خلال شهر جويلية شهدت الأحياء التي يسكنها المسلمون بمدينة سكيكدة هجوم قوات مسلحة أسفرت عن مقتل حوالي ثلاثين شخصاً وقد تدخل الشعب وواجه قوات الأمن. ويمكن أن نعتبر هذا الحدث ثانويا ولكن له بعده السياسي إذ استغلت السلطات الفرنسية هذه الفرصة لتحويل مصالي الحاج إلى سجن القليعة.
    وفي هذه الأثناء بدأ الحديث عن مؤامرة وطنية في شرشال، وكان هناك حديث عن دعم أمريكي لثورة عربية ووصول أسلحة من دول أجنبية ومساعدة مصرية وتنظيم الألمان مناطق تدريب في الجزائر، وهناك حدث وعي جديد وروح جديدة لدى الجزائريين.
    - روح جديدة لدى الجزائريين: تذكر بعض الروايات أن تلميذة في منطقة بجاية كتبت على كراسها "أنا جزائرية الجزائر وطني" خلافا للنموذج المقترح من طرف معلمها "أنا فرنسي وفرنسا وطني" . وهناك تلميذ آخر رد على معلمه عندما كان يتحدث عن وضعية العبيد في العصر الروماني يقول: "مثلنا تماما".
    وفي مدينة البليدة اتهم معلم بتهمة تدريس معاني الوطنية لطلبته واشتكى ستة من ممثلي المجلس العام في ولاية قسنطينة من الحقد الذي أظهره الموظفون والتجار المسلمون تجاههم. وكان هناك حالة من عدم الأمن إشتكى منها المعمرون في الميلية وغيرها. وصار العمال الجزائريون يرفضون العمل في الورشات الخاصة وممتكلات المعمرين.
    - الإجراءات المتخذة من طرف السلطات الإستعمارية: كان خطر المواجهات الدامية واضحا للعيان، ففي أفريل 1945 صرح الجنرال هنري مارتن بأن حزب الشعب كان يحضر لثورة عامة في مدينة سطيف، وأن الإقبال على الإنخراط في هذا الحزب كان شديدا. وقامت السلطات المدنية والعسكرية خلال أكتوبر 1944 بوضع قائمة للمناطق الحساسة الخاضعة لدعاة الثورة، وكان من يبنها: الجزائر، وهران، قسنطينة، منطقة القبائل الكبرى والصغرى، وجبال تلمسان، والأوراس[3]. وإتخذت إجراءات هامة لحفظ الأمن وكان هناك نقاط حساسة أخرى: سطيف، تبسة، بسكرة، الأوراس، وكانت أقل المناطق تأثرا بالوطنية هي منطقة وهران. وخلال 30 أفريل 1945 تم تحويل مصالي الحاج إلى سجن برازافيل.
    مظاهرات 1 ماي 1945:
    كان حزب الشعب عازما على إظهار مدى قوته في الساحة السياسية واستغل هذه الفرصة للإحتجاج ضد تحويل مصالي الحاج إلى الصحراء أولا، ثم إلى برازافيل بعد ذلك. وكانت هناك مسيرات عامة في منطقة قسنطينة خصوصا إلى تبسة والقل وخنشلة وعين البيضاء وسطيف وهناك أظهر الوطنيون في حزب الشعب قدرتهم على تأطير الجماهير.
           كان الغرض من هذه المظاهرات هو الإثبات للحلفاء أنه كانت هناك حركة وطنية منظمة وقوية، ولكن رد فعل الحلفاء والسلطات الفرنسية والأحزاب الأوروبية كان مخيبا لكل الآمال والوطنية.
    نتائج مظاهرات 1 ماي 1945:
    قامت الإدارة الإستعمارية باتخاذ إجراءات قمعية ضد منظمي المظاهرات من حزب الشعب أمثال حسين عسلة، هني محمد، حفيظ عبد الرحمان، أحمد مزغنة، سامي محمد، واختفى مسؤولون آخرون.. وهنا أخرج 12 فرحات عباس من طرف الأمن العام لولاية الجزائر باعتبار الأعضاء الذين شاركوا في المظاهرات كانوا من حزب أحباب البيان والحرية AML وهنا قام الحزب الشيوعي الفرنسي CGT.
    ب- حوادث 8 ماي 1945:
    كانت أحداث 8 ماي 1945 منعرجا جديدا في تاريخ الأحزاب السياسية الجزائرية إذ رسخت في عقول الجزائريين فكرة لا جدال فيها أن الإستعمار لا يفهم إلا لغة واحدة وهي لغة الحديد والنار[4].
    ففي 8 ماي كان العالم في غيبوبة النصر فكانت الإحتفالات والأفراح بنصر الحلفاء، فخرج الشعب الجزائري في يوم 8 ماي 1945 وعبر عن المشاعر الوطنية وعن تعلقه بالحرية كغيره من الشعوب في العالم.
    وقد كتب السيد فرحات عباس عن هذه الأحداث يقول: "الثامن ماي 1945 كان يوم ثلاثاء وهو يوم سوق أسبوعية، تستقبل مدينة سطيف في مثل هذا اليوم ما بين 5 و15 ألف شخص من الفلاحين والتجار القادمين من المناطق المجاورة".
    ولم تمر الساعات الأولى من الثامن ماي حتى حدث الإصطدام إثر إطلاق محافظ الشرطة الفرنسة في مدينة سطيف أشياري على الكشاف الشاب سعال بوزيد الذي كان يحمل العلم الجزائري ويتقدم المظاهرة فأرداه قتيلا، مما أدى إلى إنفجار الجماهير الجزائرية التي لم تجد أمامها من وسيلة للدفاع عن نفسها إلا الإلتجاء إلى العصي والشواقير والخناجر.. وإلى أي سلاح عثروا عليه[5].
     ولم تقتصر الإستفزازات على مدينة سطيف وحدها، بل إمتدت إلى أكثر مدن وقرى ودواوير القطر خاصة في قالمة ونواحيها وخراطة ودواويرها. وقد إشترك في عمليات التقتيل والقمع كل الفرنسيين بدون إستثناء، بما في ذلك العناصر اليسارية التي تجند بعضها في مليشيات تقوم بإلقاء القبض واغتيال العناصر الوطنية بدون محاكمة ولا مراقبة. وأسفرت العمليات على إستشهاد ما يزيد عن 45000 من الجزائريين وإقتياد عشرات الآلاف إلى السجون والمحتشدات وإعدام العشرات عن طريق المحاكم.
     أعلنت فرنسا القانون العرفي وفي الريف كان الجنود السنغاليون وجنود اللفيف الأجنبي ينهبون ويحرقون ويغتصبون النساء. ودمرت الطائرات 44 مشتى وهي مجموعة من المساكن تعد من 50 إلى 100 ساكن.
    إن مجازر الثامن ماي التي مست بصورة أساسية مناطق قالمة وسطيف وخراطة لم تجعل الشعب الجزائري يتقهقر إلى الوراء، وإنما كانت درسا جديدا مليئا بالعبر ومدعاة للتفكير الجاد. بل كانت بداية مرحلة جديدة تتطلب إعادة النظر في الإستراتيجية وفي وسائل العمل والكفاح للمرحلة القادمة، بعد أن تم الإقتناع أن إنهاء الوجود الإستعماري لن يتحقق بالطرق السياسية بل من خلال أسلوب الكفاح المسلح الذي يتلاءم مع طبيعة المستعمر الفرنسي المتعنت. ومنذ ذلك بدأ التفكير الجاد في التخطيط للثورة بتكوين التنظيمات السرية[6].

    تشكيل المنظمة الخاصة OS
    تقرر تكوين المنظمة الخاصة في المؤتمر الأول لحركة إنتصار الحريات الديمقراطية في فيفري 1947، وهي منظمة شبه عسكرية يتمثل دورها في إقتناء السلاح وتدريب الأفراد الذين يخوضون معركة التحرير في المستقبل.
    وقد أسندت إلى السيد محمد بلوزداد مهمة قيادة المنظمة، يساعده أحمد محساس الذي باشر عمله وفق مبدأين: إختيار أحسن المناضلين في الحزب لتجنيدهم في المنظمة الخاصة والفصل التام بين المنظمة الخاصة والتنظيمات الأخرى التابعة للحزب محافظة على السرية.
    تكونت المنظمة الخاصة من ثمانية عناصر هم: محمد بلوزداد رئيسا. حسين آيت احمد نائبه السياسي. محمد ماروك على منطقة الجزائر. الجيلالي بالحاج نائبه العسكري. أحمد بن بلة مسؤول منظقة وهران. محمد بوضياف على منطقة قسنطينة. ارجيمي الجيلالي عن منطقة متيجة. وأحمد محساس كعضو.
     ومما جاء في نظامها الداخلي مايلي: " تجنيد محدود -العضو المجند يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية: الإقتناع، السرية، الشجاعة، الفعالية، الإستقرار، القدرة الجسمية، الخدمة غير المحدودة، العضو المجند لا بد أن يخضع للإمتحان وأن يؤدي القسم وأن لا يغادر التنظيم في الوقت الذي يشاء وإذا حدث ذلك فإنه يعد هاربا.
     تلك بعض البنود الخاصة بالتجنيد في نظام المنظمة الخاصة الداخلي، أما هدفها فكان يتمثل في العمل من أجل إعداد ضباط الجيش الجزائري تمهيدا لخوض غمار الكفاح المسلح.
     عقدت اللجنة أول إجتماع لها في منزل بلوزداد في القبة في 13 فيفري 1947، لكن بلوزداد أصيب بمرض نقل على إثره إلى فرنسا في ديسمبر 1949 للعلاج، حيث توفي هنالك يوم 14 جانفي 1952، فخلفه في منصبه المسؤول الأول عن المنظمة الخاصة وهو الشاب حسين آيت احمد الذي قام بعمل رائع ونجح في تجنيد حولي 1000 شخص للقيام بالعمل العسكري.
     ولم تقتصر المنظمة العسكرية السرية على مدينة الجزائر فقط إذ يقول السيد عمار بن عودة: "كانت منتشرة تقريبا في كل القطر الجزائري، مما يفسر بأن المنظمة سارعت إلى فتح فروع لها ولم تكتف بالمركز، وذلك حتى تضمن تجنيدا وتدريبا لأكبر عدد ممكن من أبناء الشعب الجزائري المتحمسين للثورة وأسست لها فروعا في الأوراس سنة 1947 بقيادة مصطفى بن بولعيد.
     إستطاعت المنظمة الخاصة في فترة وجيزة أن تفرض نفسها وأن تطور الوضع النضالي في الحزب، فعلى الرغم من إفتقارها إلى الإمكانيات المادية إلا أنها استطاعت أن تثبت وجودها بنشاط أفرادها فصارت بذلك تجلب إليها متابعات الشرطة الفرنسية. ولم تكتف برفع الشعارات بل قامت بتنفيذ بعض العمليات العسكرية المسلحة، فجلبت أنظار السلطات الفرنسية منها عملية قام بها سويداني بوجمعة مع بعض المناضلين سنة 1949 بالهجوم على مقلع الرخام بفليفلة[7]. وكذلك عملية بريد وهران التي تم التخطيط لها بقيادة أحمد بن بلة يوم 7 أفريل 1949 وأسفرت عن غنم أموال البريد التي إستعملت في شراء الأسلحة.
     إن هاتين العمليتين وخصوصا الأخيرة دليل على عزم المنظمة على القيام بالعمل المسلح ولتبرهن على وجودها بخلق جو من القلق في الإدارة الإستعمارية التي وجهت إتهاماتها إلى حركة إنتصار الحريات الديمقراطية، غير  أن الحزب تبرأ من هذه العمليات وقررت قيادته حل المنظمة وتجريد أعضائها من ممارسة أي مسؤولية تفاديا لتكرار مثل تلك الحوادث المحرجة..
     في شهر ديسمبر 1949 حدث تغيير في قيادة المنظمة الخاصة حيث تغير رئيس المنظمة السيد حسين آيت احمد بسبب الأزمة البربرية التي عاشها الحزب في فرنسا خاصة عامي 1948-1949 مما أدى إلى إبعاده عن قيادة المنظمة الخاصة، وتم تعوضه في خريف 1949 بأحمد بن بلة. وأعقب ذلك تحويل في قيادة المنظمة عين إثره بوضياف على رأس منطقة الجزائر، في حين إستخلف بن بلة على وهران عبد الرحمان سعيد. وزج ببعض أعضاء المنظمة الخاصة بمدينة قسنطينة في سجون المستعمر الفرنسي بينما تمكن الآخرون من الفرار محصنين بالجبال التي أصبحت الحصن لثوار نوفمبر.لكن العملية التي كانت مضرة بالمنظمة الخاصة التي تعتبر الجناح العسكري لحركة إنتصار الحريات الديمقراطية هي عملية تبسة التي تم تنفيذها يوم 18 مارس 1950، وتكمن هذه العملية في إقصاء عبد القادر خيار الملقب برحيم من صفوف حركة إنتصار الحريات الديمقراطية في تبسة، وهذا أدى إلى إفشاء الأسرار التي كانت بحوزته في المنظمة الخاصة، وإرتكب بذلك خطأ فادحا حمل المنظمة على تأديبه وقد إستطاع الفرار إلى محافظة الشرطة بما كان لديه من معلومات من أسماء أفراد المنظمة. وشملت حملة الإعتقالات التي تلت عملية الإعلان عن إكتشاف المنظمة الخاصة حوالي 450 مناضل في مقدمتهم مسؤولها الأول أحمد بن بلة وأقرب مساعديه: بلحاج، ارجيمي، ومحساس، ويوسفي[8].

    الإنشقاق داخل الحركة الوطنية:
    بدأت الخلافات بين زعيم الحزب مصالي الحاج وأعضاء اللجنة المركزية بسبب إعتراضهم على منحه صلاحيات خاصة وقد وصل الخلاف ذروته في سنة 1953 [9]، حين قرر مصالي الحاج إستغلال فرصة إجتماع إطارات اتحادية الحزب بفرنسا ليطرح الخلاف لأول مرة على المناضلين مباشرة [10].
     وكان الموضوع الرئيسي الذي خلق هذا الإنشقاق في صفوف حركة إنتصار الحريات الديمقراطية هو التحالف مع بقية الأحزاب الجزائرية بقصد خلق جبهة مشتركة موحدة للمشاركة في الإنتخابات التشريعية التي تجري في 17 جوان 1951 [11].
     لجأ زعيم الحزب لحل اللجنة المركزية فلم يذعن أعضاؤها لقراره وبذلك إنشق الحزب إلى قسمين: الرئيس وأنصاره واللجنة المركزية وأنصارها. وقد تطورت الخلافات بينهما وتبادلا التهم باحتكار المناصب الحزبية العليا والإبتعاد عن المبادئ والأهداف المنشودة، الأمر الذي أدى بكلى الكتلتين إلى عقد مؤتمرين أحدهما في بلجيكا، وقد دعا إليه السيد مصالي والثاني بمدينة الجزائر. وقد دعا إليه السيد حسين لحول وجماعته أي المركزيون وكان ذلك في صيف 1954[12].
     أدت هذه الخلافات الهامشية إلى إنشغال الحركة الوطنية عن هدفها الأساسي ضد الإستعمار الفرنسي وذلك للحصول على الإستقلال الوطني، وكذلك المجهودات التحضيرية الجبارة التي قامت بها النخبة الثورية المؤمنة بالعنف الثوري. ولم يقف أعضاء المنظمة الخاصة موقف المتفرج من الشقاق الذي حدث داخل الحزب على الرغم من موقف كلا الطرفين المتخالفين إزاء المنظمة الخاصة وأصحابها المنادين بتعجيل العمل الثوري[13].
     وقد كانت المنظمة الخاصة تعتبر الطرف الثالث داخل حزب حركة إنتصار الحريات الديمقراطية، وقرر أعضاؤها حجب الثقة عن زعيم الحزب وعن أعضاء اللجنة المركزية جميعهم، وقرروا الإنتقال إلى العمل الثوري من خلال تأسيس حركة قوية تأخذ على عاتقها مهمة إعادة بناء حركة إنتصار الحريات الديمقراطية تكون قيادتها جماعية وقراراتها إجتماعية وسياستها الكفاح المسلح وأطلقوا عليها إسم اللجنة الثورية للوحدة والعمل[14]

     دوافع تفجير الثورة
     من خلال نداء أول نوفمبر تظهر الدوافع الحقيقية والمباشرة لتفجير الثورة. ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
    1 – لقد إعتبرت المجموعة التي إتخذت ذلك القرار الشجاع والحاسم أن الهدف من كل حركة وطنية أصيلة هو الوصول إلى تحرير الوطن، وأن الحركة الوطنية في الجزائر بلغت مستوى من النضج يجعل الشعب الجزائري يلتف حول قضية الإستقلال الوطني ويمكن الإعتماد عليه من أجل إحتضان الثورة.
    2- لقد ظهر جليا بعد سنوات من النضال السياسي أن فرنسا لا يمكن أن تمنح الإستقلال للجزائر بطرق سلمية، فمجازر 8 ماي 1945 والتزوير في الإنتخابات لمنع القوى الوطنية من إيصال مطلب الإستقلال بشكل سلمي أكد على سوء نية السلطات الفرنسية وتشبثها الأعمى بالنظام الإستعماري في الجزائر.
    3- إن تفجير الثورة كان السبيل الوحيد لتجاوز أزمة حركة إنتصار الحريات الديمقراطية، هذه الأزمة التي حولت مسار الصراع من صراع ضد المستعمر إلى صراع بين الأشخاص (مصاليين ومركزيين) وأصبحت تهدد وحدة الشعب والحركة الوطنية. فالثورة كانت السبيل لوضع الجميع أمام وضع سياسي جديد إما يختارون الإلتحاق بها أو يظهروا كعملاء للنظام الإستعماري.
    4- إن تطور الوضع على المستوى الخارجي، كان في آن واحد يشجع على إنطلاق الثورة من جهة ويفرض التعجيل بذلك من جهة أخرى. فالنضال ضد النظام الإستعماري الفرنسي الذي إحتد في تونس والمغرب والذي أوشك أن يصل إلى نهايته في الفيتنام أظهر هشاشة هذا النظام وفرض على الوطنيين النزهاء  الإنضمام إلى هذه الحركة العالمية لدعمها والإستفادة منها في آن واحد.
    5- لقد فهمت المجموعة التي فجرت الثورة أن التماطل في العمل الثوري سيعرض الحركة الوطنية للخطر، لأن فرنسا كانت مستعدة لتحرير تونس والمغرب من أجل الحفاظ على الجزائر نظرا للعدد الكبير من الأوروبيين المتواجدين بها وللمصالح الإستراتيجية التي كانت لفرنسا في هذا البلد. وقد  بين تطور الأحداث بعد إندلاع الثورة صحة هذا التحليل،  فعلى المستوى المغاربي كانت الحركة الوطنية منذ نشأتها تطالب بتحرير المغرب العربي وتسعى من أجل توحيد النضال ضد المستعمر الفرنسي. ويعتبر تفجير الثورة في فترة كانت حاسمة بالنسبة لتونس والمغرب إمتدادا للتوجه المغاربي الإستراتيجي.
    6- لقد إعتبر قادة الحركة الثورية في نوفمبر 1954 أن التأخر في تفجير الثورة كان يمثل خطرا على عملية الإستقلال، فقد أدركت القيادة أن فرنسا ستتخلى عن مستعمراتها الأخرى آجلا أو عاجلا مع الحفاظ على علاقات متميزة معها وستركز كل قواتها على الجزائر نظرا لعدد المعمرين بها وقوتهم السياسية و لموقع الجزائر الإستراتيجي وخيراتها.
    7- كما تحصلت قيادات الثورة على ضمانات لدعمها من طرف بلدان العالم العربي والإسلامي بصفة خاصة من طرف مصر التي خرجت منتصرة من ثورتها ضد النظام الملكي بقيادة جمال عبد الناصر.
    وأخيرا الوضع العالمي الذي كان يتميز بالحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغربي كان يسمح بالتحرك على المستوى الديبلوماسي من أجل تدويل القضية[15]. 

    اللجنة الثورية للوحدة والعمل CRUA:
    نتيجة  لأزمة الحركة الوطنية وتصدع حزب إنتصار الحريات الديمقراطية تحاول مجموعة  من مناضلي المنظمة الخاصة الذين كانوا يؤمنون بضرورة اللجوء إلى الحل العسكري تجاوز الأزمة وما  ترتب عنها من تردد وشلل وذلك بخلق تنظيم جديد هدفها إعادة توحيد الصفوف للإنطلاق في العمل المسلح، ألا وهي اللجنة الثورية للوحدة والعمل" (CRUA)، وذلك يوم 6 مارس 1954 وحاولت هذه اللجنة  الإتصال بالأطراف المتنازعة ولكنها  فشلت في مسعاها.
           بعد الإنتهاء من النقاش والموافقة النهائية الجماعية على الشروع في العمل على إنطلاق الثورة المسلحة قام أعضاء مجموعة 22 بانتخاب محمد بوضياف بالإقتراع السري كمسؤول وطني وكلف بتشكيل أمانة تنفيذية تتولى قيادة الحركة الوطنية وتطبيق القرارات التي إتخذتها مجموعة 22 في ذلك الإجتماع التاريخي بالمدية[16]. وكلل أول إجتماع للجنة الستة الذي عقد بمحل المناضل عيسى كشيدة بشارع بربروس في أعالي القصبة بوضع نظام داخلي للجزائر ودراسة لائحة الـ22 وكيفية تطبيقها وإتخاذ عدد من القرارات منها:
    - تجميع العناصر السابقة في المنظمة الخاصة والشروع في هيكلتها.
    - إستئناف التكوين العسكري إعتمادا على دفاتر المنظمة الخاصة التي أعيد طبعها لهذا الغرض.
    - تدريب مختصين في صنع المتفجرات إستعدادا لساعة إعلان الثورة وتم في نفس الإجتماع توزيع المهام بين أعضاء اللجنة[17]. ثم أصبحوا تسعة أعضاء بعد أن أضيف إليهم الوفد المستقر بالقاهرة محمد خيضر، حسين آيت احمد، أحمد بن بلة، وذلك من أجل الإعداد للثورة المسلحة وتلت هذا الإجتماع إجتماعات سرية كثيرة ونتج عنها بلورة العمل الثوري وتنظيم المناطق للعمليات عبر مستوى التراب الوطني وكان تقسيم التراب الوطني إلى ستة مناطق هي:
    المنطقة الأولى- الأوراس: وعلى رأسها مصطفى بن بولعيد.
    المنطقة الثانية - الشمال القسنطيني: وعلى رأسه ديدوش مراد.
    المنطقة الثالثة -  القبائل: وعلى رأسها كريم بلقاسم.
    المنطقة الرابعة -  العاصمة وضواحيها: وعلى رأسها رابح بيطاط.
    المنطقة الخامسة- وهران: وعلى رأسها محمد العربي بن مهيدي.

    مجموعة 22
    1. بوضياف محمد
    2. مصطفى بن بولعيد
    3. العربي بن مهيدي
    4. مراد ديدوش
    5. رابح بيطاط
    6. عثمان بلوزداد
    7. محمد مرزوقي
    8. الزبير بوعجاج
    9. لخضر بن طوبال
    10. عمار بن عودة
    11. مختار باجي
    12. دريش الباس
    13. بوجمعة سويداني
    14. أحمد بوشعيب
    15. عبد الحفيظ بوصوف
    16. بن عبد الملك رمضان
    17. محمد مشاطي
    18. عبد السلام حباشي
    19. رشيد ملاح
    20. السعيد بوعلي
    21. يوسف زيغود
    22. عبد القادر العمودي

     إتخذت مجموعة الستة في إجتماعها ببونت بيسكاد (الرايس حميدو حاليا) قرارا بتقسيم التراب الوطني إلى خمس مناطق وتعيين مسؤوليها وهم:


    الصورة مأخوذة عن: http//www.moujahidine-dz historia evenement/E25HTM

      وفي الإجتماع الموالي أي يوم 23 أكتوبر 1954 تم الإتفاق على:
    - إعطاء إسم جبهة التحرير الوطني للحركة الجديدة وتنظيمها العسكري جيش التحرير الوطني.
    - تحديد يوم إنطلاق العمل المسلح: بأول نوفمبر.
      وفي اليوم الموالي 24 أكتوبر تمت المصادقة على محتوى وثيقة نداء أول نوفمبر 1954 الذي يؤكد على:
     - إعادة بناء الدولة الجزائرية الديمقراطية الإجتماعية ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
    - إحترام جميع الحريات الأساسية.
    - التطهير السياسي.
    - تجميع وتنظيم الطاقات السليمة لتصفية الإستعمار.
    - تدويل القضية الجزائرية.
    وغير ذلك من النقاط الهامة، وقد تم توزيع هذا النداء يوم أول نوفمبر 1954 غداة إندلاع الكفاح المسلح.
    وقد حضره من العاصمة: عثمان بلوزداد، الزبير بوعجاج، أحمد مرزوقي، إلياس دريش. ومن وهران حضره كل من: عبد الحفيظ بوالصوف، رمضان بن عبد المالك. ومن البليدة: بوجمعة سويداني، احمد بوشعيب. ومن قسنطينة: يوسف زيغود، بن عودة مصطفى، عبد الله بن طوبال
    من جنوب قسنطينة: عبد القادر العمودي. ومن ناحية سوق اهراس: مختار باجي، ولم يحضر محمد امعيزة، عبد الحميد مهري عضوا اللجنة المركزية رغم الدعوة الموجهة لهما[18] .
    ترأس الإجتماع مصطفى بن بولعيد الذي كان من منظمي هذا الإجتماع مع كل من بوضياف وبن مهيدي وديدوش مراد وبيطاط وتمثلت النقاط المطروحة في ما يلي:
    - تاريخ المنظمة الخاصة من نشأتها إلى ذوبانها.
    - تقرير حول فضح الهيئة المخربة لإدارة الحزب[19].
    - أزمة الحزب وأسبابها العميقة من أجل معرفة الصعاب بين خط إعادة البناء للإدارة والتخمينات الثورية للقاعدة، الأزمة التي كانت نتيجتها مقاطعة الحزب وعدم صلاحياته.
    - تفسير وضعية أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل بالنسبة للأزمة والمركزيين إعتبارا من هذه الوضعية ووجود الحرب التحريرية في تونس والمغرب[20]
    وبعد مناقشات ومداولات موضوعية قرر المجتمعون دعم صفوفهم وذلك بتقوية إرتباطهم بالقاعدة الشعبية، مع ضرورة التأكيد على العمل المسلح غير المحدود. كما تم في هذا الإجتماع إنتخاب مكتب تنفيذي للجنة المكونة من 22 عضوا ويتألف المكتب التنفيذي من ستة أعضاء وهم على التوالي: مصطفى بن بولعيد، محمد بوضياف، مراد ديدوش، العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، كريم بلقاسم.
    وفي شهر سبتمبر من نفس السنة اجتمعت اللجنة لدراسة بعض القضايا:
    - نتائج الاتصالات والتحركات.
    - قضية التنظيمين السياسي والعسكري.
    - السلاح وكيفية الحصول على الأمور الضرورية.
    - مواصلة الاتصالات بالأحزاب والهيئات لجس نبضها والتعرف على مواقفها في ما إذا إنفجرت الثورة[21].

    جبهة التحرير الوطني وعوامل قيامها[22]
     أحرز الجناح العسكري لحزب الشعب على إنتصار معتبر في أول مؤتمر لحزب حركة إنتصار الحريات الديمقراطية الذي عقد يوم 15 فيفري 1947 ففي هذا المؤتمر تقرر إبقاء الحزب الذي يشتغل بطريقة سرية وإنشاء المنظمة الخاصة OS التي تعتبر الجناح العسكري للحزب، وتزعم هذا الجناح آنذاك محمد بلوزداد الذي أصابه مرض خطير وتوفي سنة 1952 وخلفه في هذا المنصب حسين آيت احمد بمساعدة الدكتور الأمين دباغين ومسعود بوقادوم.
      إجتمع قادة المنظمة السرية ي منزل محمد بلوزداد يوم 13 نوفمبر 1947 بحي القبة بالجزائر العاصمة وهم: محمد بلوزداد، حسين آيت احمد، جيلالي بلحاج، أحمد بن بلة (وهران)، محمد بوضياف (الشرق)، جيلالي ارجيمي، أحمد محساس، محمد ماروك.
      وحسب خطة هذه المنظمة التي بلغ أعضاؤها حوالي 1500 مناضل فإن التدريبات للثورة ستأخذ حوالي سنة. لكن في سنة 1949 وقع تغيير في قيادة المنظمة حيث حل أحمد بن بلة محل حسين آيت احمد الذي اتهم بكونه قد سكت عن المجموعة البربرية بزعامة رشيد علي يحي وعندما حاولت مجموعة من المنظمة السرية تأديب المدعو عبد القادر خيار في تبسة، تمكنت السلطات الفرنسية من إكتشاف المنظمة الخاصة وألقت القبض على نسبة كبيرة من المسؤولين فيها يوم 18 مارس 1950. وهكذا نجحت فرنسا في تشتيت أعضاء المنظمة السرية حيث إستطاعت أن تعتقل رئيس المنظمة أحمد بن بلة ورفيقه أحمد محساس وتضعهما في سجن البليدة، ولكنهما تمكنا من الفرار إلى القاهرة سنة 1952. أما آيت احمد فقد سافر إلى القاهرة سريا وبقي هناك، أما محمد بلوزداد فقد عانى من مرضه إلى أن توفي يوم 14 جانفي 1952[23]. وأما محمد خيضر الذي يعتبر المفكر الكبير والمستشار للمنظمة السرية فقد قرر الالتحاق بالقاهرة وخلق التأييد السياسي والعسكري للثورة، وذلك بعد أن رفض تسليم نفسه للعدالة الفرنسية في الجزائر مثلما طلبت مبادئ الحزب.
    في المؤتمر الثاني لحركة إنتصار الحريات الديمقراطية الذي إنعقد بالجزائر في 6 أفريل 1953 برزت قوة المنظمة الخاصة وبشكل واضح، حيث طالب رمضان بن عبد المالك بإنشاء منظمة عسكرية للحزب. وتقرر في ذلك المؤتمر إعادة تنظيم المنظمة الخاصة ومشاركة مصالي الحاج فيها بالإضافة إلى مصطفى بن بولعيد.
    لم يكن مصالي الحاج يتصور الثورة عملا مسلحا آنذاك مثلما تمت عملية 1 نوفمبر 1954 بل كان يريد أن  يخرج الحزب من الجمود وأن يدخل المواجهة بعمل جماهيري وإذا تطلب الأمر تمكن من اللجوء للعمل العسكري[24].
     وكان قادة المنظمة السرية يتأهبون للعمل الثوري على مستوى المغرب العربي، وذلك بقصد أن لا تبقى الحركة الثورية في الجزائر منعزلة عن بقية المغرب العربي، خصوصا وأنه كانت لدى فرنسا خطة للتفاهم مع التونسيين والمغاربة مقابل عدم تعاونهم مع الجزائريين. ولتجنب العزلة قام أعضاء المنظمة بإنشاء مكتب للحزب بالقاهرة. وإتصل بن بلة بالحبيب بورقيبة في تونس عدة مرات، وذهب عبد الحميد مهري إلى العراق حيث حصل على السلاح من نوري السعيد. وتمكن الجزائريون من الحصول على دعم مالي من المملكة العربية السعودية ثم تحويله إلى الجزائر عن طريق مصر.
    إتصل محمد بوضياف بزملائه في المنظمة الخاصة بعد عودته إلى الجزائر العاصمة أمثال مصطفى بن بولعيد العربي بن مهيدي ورابح بيطاط. ومن خلال هذا اللقاء إنبعثت فكرة إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي برزت إلى الوجود بصفة رسمية يوم 23 مارس 1954[25]. وكانت تضم الحياديين وهم: محمد بوضياف، مصطفى بن بولعيد، بشير دخلي، رمضان بوشبوبة.
    تضمن إعلان اللجنة الثورية للوحدة والعمل ما يلي:
    1- المحافظة على وحدة الحزب من خلال عقد مؤتمر موسع وديمقراطي للحزب لضمان الإلتحام الداخلي والخروج بقيادة موحدة وثورية.
    2- دعوة المناضلين إلى إلتزام الحياد وعدم الإنضمام إلى أي فريق من المصاليين أو المركزيين.
    وكانت خطة بوضياف وبن بولعيد تتمثل في الإستيلاء على القاعدة للبدء بالكفاح المسلح.. وفي يوم 25 جوان 1954 إجتمع الأعضاء الثوريون وعددهم 22 وقرروا الإنتقال من العمل السياسي إلى العمل المسلح، بعد أن عجزت قيادة الحزب عن الإنتقال من مرحلة النضال السياسي إلى العمل العسكري. وقد ترأس الإجتماع الذي إنعقد بمنزل مصطفى بن بولعيد وقام محمد بوضياف والعربي بن مهيدي بتقديم تقارير عما يجري في الساحة السياسية آنذاك وانتهى الإجتماع بالمصادقة على اللائحة التالية:
    1. إدانة إنقسام الحزب والمتسببين فيه.
    2. الإعلان عن عزيمة مجموعة من الإطارات على محو آثار الأزمة وإنقاذ الحركة الثورية للجزائر من الإنهيار.
    3. ضرورة القيام بثورة مسلحة كوسيلة وحيدة لتحرير الجزائر وتجاوز الخلافات الداخلية. تكونت لجنة المناضلين 22 من الآتية أسماؤهم:
    الرئيسيون: محمد بوضياف (مولود في المسيلة)، مصطفى بن بولعيد (آريس)، العربي بن مهيدي (عين امليلة)، مراد ديدوش (مولود في الجزائر)، رابح بيطاط (مولود بالوادي).
    من العاصمة المشاركون هم: عثمان بلوزداد (مولود الجزائر العاصمة)، محمد مرزوقي (مولود بالجزائر العاصمة)، الزبير بوعجاج (مولود بالجزائر العاصمة)، إلياس دريش صاحب المنزل الذي إنعقد فيه الإجتماع (العاصمة).
    المشاركون من البليدة هم: بوجمعة سويداني (مولود بقالمة)، احمد بوشعيب (مولود بعين تموشنت).
    المشاركون من وهران: عبد الحفيظ بوالصوف (مولود بميلة)، رمضان بن عبد المالك (مولود بقسنطينة).
    المشاركون من قسنطينة: محمد مشاطي (مولود بقسنطينة)، عبد السلام حباشي (مولود بعنابة)، رشيد ملاح (مولود بالميلية)، السعيد بوعلي (الميلية).
    المشاركون من شمال قسنطينة: يوسف زيغود (مولود بالسمندو)، لخضر طوبال (مولود بقسنطينة)، عمار بن عودة (مولود بعنابة)، مختار باجي (مولود بسوق اهراس).
    المشارك الوحيد من جنوب قسنطينة: عبد القادر العمودي (مولود في بسكرة)[26].
     وبعد النقاش والمصادقة الجماعية على الشروع في العمل المسلح إنتخب محمد بوضياف كمسؤول وطني وكلف بتشكيل أمانة تنفيذية تتولى قيادة الحركة الثورية وتطبق قرارات لجنة 22. وفي اليوم الثاني قام بوضياف بتشكيل الأمانة التنفيذية المكونة من: بوضياف محمد: رئيساً، العربي بن مهيدي، مصطفى بن بولعيد، مراد ديدوش، رابح بيطاط: أعضاء.
    وفي أول إجتماع لها بحي القصبة بالحزائر العاصمة في منزل عيسى كشيدة شارع بربروس، عقدت الأمانة التنفيذية إجتماعها الأول ودرس الأعضاء الخمسة لمجموعة 22 اللائحة المصادق عليها في إجتماع 25 جوان 1954 ووضعوا قانوناً داخليا وقرروا مايلي:
    - تقوية المنظمة الجديدة عن طريق ضم الأعضاء السابقين في المنظمة الخاصة وهيكلتهم في التنظيم الثوري الجديد.
    - إستئناف التكوين العسكري إعتماداً على كتيبات المنظمة الخاصة التي أعيد طبعها.
    - تكوين الفرق التي تتولى جمع السلاح ووضع المتفجرات اللازمة للثورة المسلحة.
    وتقرر في هذا الإجتماع تكليف ديدوش مراد بصفته مسؤولا عن منطقة العاصمة أن يتصل بجماعة القبائل الكبرى ويحاول إقناعهم بالإنضمام إلى مجموعة 22 حتى تكون الثورة عارمة.

    1- أصول جبهة التحرير[27]:
    تعود أصول الجبهة إلى نشأة اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي ظهرت في مارس 1954 بهدف إيجاد قيادة ثورية موحدة تنبثق من مناضلي حركة انتصار الحريات الديمقراطية وأعضاء المنظمة الخاصة الذين يؤمنون بالكفاح المسلح وأعضاء اللجنة المركزية التي كانت تتنازع مع رئيس الحركة مصالي الحاج. وعملت اللجنة الثورية على تحقيق وحدة المناضلين، ولما فشلت إجتمع أعضاء المنظمة الخاصة في جوان 1954 بالجزائر العاصمة وعرف إجتماعهم مجموعة 22 التي قرروا فيها تنظيم الثورة المسلحة والإسراع باندلاعها للحفاظ على وحدة الشعب الجزائري وتحقيق إستقلاله الكامل.
    وقد إنبثقت عن هذه المجموعة قيادة عرفت بلجنة الخمسة ثم الستة ثم التسعة أعضاء أوكلها تنظيم الثورة وتقسيم التراب الوطني إلى مناطق وتحديد موعد إندلاع الثورة، والإتصال مع باقي المناضلين الفعالين المؤمنين بالعمل الثوري كوسيلة لتحقيق الإستقلال.
    2- برنامج الجبهة السياسي:
    يعتبر بيان أول نوفمبر 1954 أول برنامج سياسي لجبهة التحرير الوطني حددت فيه أهدافها المتمثلة على وجه الخصوص في العمل على تحقيق إستقلال الجزائر التام، وذلك عن طريق إعلان الثورة المسلحة ضد الإستعمار الفرنسي والوصول إلى تحقيق هدف الثورة وهو الإستقلال الوطني، وإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية والإجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية تحترم فيها جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.
    ويمكن تتبع برنامج الجبهة في مواثيق مؤتمر الصومام ومؤتمر طرابلس ومؤتمر الجزائر.
    3- التنظيم الهيكلي لجبهة التحرير:
    عرفت الجبهة تنظيما هيكليا حققت به هيكلة التراب الوطني سياسيا وإداريا وعسكريا. وكان التنظيم القاعدي لجبهة التحرير يرتكز على لجان ثلاثية من القسمة إلى الناحية إلى المنطقة فالولاية. وقد توصلت عن طريق هذا التنظيم الدقيق إلى توزيع مختلف شرائح الشعب والمجموعات السكانية في مجموعات وفصائل وأفواج وخلايا مرتبطة في شبكة محكمة النسيج، عجزت مختلف المصالح الإستعمارية والمصالح الإدارية أن تصل إلى أسرارها في هذا التنظيم المحكم الذي لم تتمكن من إختراقه.
    وقد لعبت المرأة دورا بارزا في هذا الإطار. بالإضافة إلى ذلك إعتمدت جبهة التحرير في نشر أهدافها والرد على الدعاية الإستعمارية المغرضة على وسائل الإعلام المكتوب والمسموع. وكان لسانها الناطق هو جريدة المجاهد التي أدت دورا فعالا.
    وبعد إنعقاد مؤتمر الصومام، إنضمت إلى جبهة التحرير مختلف الشرائح الشعبية من طلبة وتجار وغيرهم، وصارت الجبهة أكثر تنظيما مع صدور مواثيق مؤتمر الصومام التي حددت مسؤوليات المجلس الوطني للثورة الجزائرية ولجنة التنسيق والتنفيذ ثم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

     فيدرالية جبهة التحرير في فرنسا[28]
    مقدمة:
    تعتبر فدرالية الجبهة النفس الثاني للثورة التحريرية، والقوة الضاربة لها داخل التراب الفرنسي. وقد ألقي على عاتقها مسؤولية نقل إيديولوجية جبهة التحرير الوطني والتعريف بها لدى الأوساط الجزائرية المغتربة التي كانت تدين بالولاء للمصاليين، وهو ما صعب من مهمتها الوطنية المتمثلة في إقناع هذه الشريحة المغتربة بضرورة المساهمة في إنجاح الثورة.
    1- تأسيس فدرالية جبهة التحرير الوطني:
    يعود تأسيس فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا إلى الزعماء الأوائل من مفجري الثورة التحريرية الذين رأوا أنه من الضروري نقل النضال والكفاح إلى داخل التراب الفرنسي، وذلك من خلال إنشاء خلايا لجبهة التحرير الوطني في المهجر مع الإرتكاز على فرنسا نظرا لأهمية الجالية الجزائرية المغتربة في دعم الكفاح المسلح داخل التراب الوطني وخارجه، وقد تم الاتصال الأول بين هذه الجالية وجبهة التحرير الوطني عن طريق السيد محمد بوضياف المدعو سي الطيب الذي دعا إلى عقد إجتماع سرّي مع بعض المناضلين الأوائل المؤسسين لفدرالية جبهة التحرير من حركة انتصار الحريات الديمقراطية حيث تم فيه الإتفاق على تشكيل النواة الأولى للفدرالية.
    2- تقسيم فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا:
    نظرا لصعوبة المهام الملقاة على عاتق مناضلي جبهة التحرير أمام قوة المصاليين داخل التراب الفرنسي، فإنهم رأوا ضرورة تقسيم المهام بين أعضاء الفدرالية حيث تم تقسيم فدرالية جبهة التحرير إلى فرعين أساسيين، هذا التقسيم الذي جاء نتيجة لاجتماع لوكسامبورغ عام 1954، الذي شّخص أوضاع المهاجرين، ووقف على مواطن الضعف دون الدخول في مواجهات مع المصاليين من جهة، والسلطات الفرنسية من جهة ثانية.
    3- التطور التاريخي لفدرالية جبهة التحرير بفرنسا:
    مرت فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا بمراحل تاريخية، ميزتها مضايقات الشرطة الإستعمارية لأعضائها وفرض الرقابة على نشاطهم الحزبي، وهذا ما أدى في إحدى مراحلها الأولى إلى اكتشاف أمر القيادة الأولى واستطاعت بذلك إلقاء القبض عليها. لكن هذه العملية لم تمنع أعضاء الفدرالية من مواصلة نشاطهم والعمل على تنظيم صفوف المغتربين الجزائريين. وهذا ما ميز المراحل التاريخية التي مرت بها فدرالية جبهة التحرير، والتي كانت وراء تحقيق نجاحات متتالية تمثلت بالدرجة الأولى في كسب ثقة الجالية المهاجرة ثم كسب تأييد المتعاطفين مع الثورة الجزائرية من الفرنسيين ومنهم أعضاء شبكات الدعم الأوروبية، وكان الهدف ا الأساسي لهذا النشاط هو التعريف بحقيقة الثورة التحريرية بعمقها الشعبي داخل التراب الوطني والتأكيد على ضرورة نقل هذا النضال داخل التراب الفرنسي. وتحمل الجالية الجزائرية مسؤوليتها في المهجر والرامية إلى تعريف الرأي العام الفرنسي بعدالة القضية الجزائرية وعدم السقوط في فخ أجهزة السلطات الفرنسية القائمة على دعم صراع الإخوة الأعداء، وقد كانت من أصعب المراحل التي عانت منها الفدرالية وهذا ما دفع بقيادتها إلى تبني طريقة سلمية بعد عام 1956 تتمثل في كسب الساحة الفرنسية دون الدخول في المواجهات مع إخوانهم المصاليين بعد إنتقال الحركة الوطنية المصالية إلى فرنسا، وقد برزت هذه المنهجية في العمل بعد تشكيل القيادة الجديدة لفدرالية الجبهة برئاسة عمر بوداود مابين 1957 و1962 مع بعض المناضلين، واستطاعت هذه القيادة أن تحقق نجاحات كبيرة في كسب عدد كبير من المهاجرين خاصة بعد تقسيم التراب الفرنسي جغرافيا وإقليميا، وهو ما أربك السلطات الفرنسية في قدرتها الكبيرة على قلب الموازين من خلال تحريك المهاجرين في القيام بمظاهرات كبيرة هي مظاهرات 17 أكتوبر 1961 في قلب العاصمة الفرنسية باريس وكانت الدليل القاطع على إكتساح الساحة الفرنسية، وبذلك أثبتت هذه الفدرالية أنها قادرة على توحيد الصفوف وإيصال صوت الشعب وقضيته العادلة من العاصمة الفرنسية نفسها وأنه من واجبها نقل الثورة داخل التراب الفرنسي، وهذا ما أحس به الجنرال ديغول الذي أجبر على قبول مبدأ المفاوضات.
    4- العمليات الفدائية داخل التراب الفرنسي[29]:
     وقد كانت هذه العمليات الدليل القاطع على جدية جبهة التحرير الوطني في ضرب فرنسا ليس في الجزائر فقط إنما داخل ترابها وهو تحد كبير برهنت من خلاله فدرالية الجبهة على قدرتها في التحكم في الأوضاع داخل فرنسا، ولذلك فإن العمليات المسلحة التي نفذها أعضاء الفدرالية جبهة التحرير داخل التراب الفرنسي أكدت للسلطات الإستعمارية قوة الجبهة في ضرب المؤسسات الإقتصادية ورموز القمع والإضطهاد، وبالتالي كان نقل المعركة على التراب الفرنسي يهدف أساسا إلى فتح جبهة أخرى لإضعاف القدرة الفرنسية الاستعمارية ودفعها إلى الاقتناع بأن الجزائر ليست أرضا فرنسية.
     في 10 أكتوبر 1954 إجتمع قادة المناطق الخمس وهم: بن بو العيد، ديدوش، كريم  بلقاسم، رابح بيطاط، بن مهيدي، مع بوضياف لوضع اللمسات الأخيرة قبل تأسيس جبهة وجيش التحرير الوطني وإعداد نصوص التصريحات وتحديد اليوم الموعود في أول نوفمبر 1954 على الساعة الصفر[30].       
    أهداف اللجنة:
    كان هدف اللجنة بالأساس هي العمل على تعبئة المناضلين وتجنب التمزق من أجل إعادة بناء وحدة حركة الإنتصار والعمل على تحضير الكفاح المسلح. وركزت اللجنة على المطالبة بعقد مؤتمر لحركة الإنتصار يوحد جميع الطاقات الوطنية، يكون عملهم هادفا إلى إيجاد وسيلة ثورية حقيقية قادرة على تحطيم الإستعمار الفرنسي. وجاءت أهداف اللجنة واضحة فيما عرف باسم بيان تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل.
    برنامج اللجنة:
    تلخص برنامج اللجنة في عدة نقاط عملية نلخصها فيما يلي:
    أ/ وضع مسؤولية جميع القادة على بساط البحث باعتبار المشكلة تقع على مستوى
    قمة الحركة وإصلاح ذات البين.
    ب/ العمل على توحيد صفوف الحركة والبحث في ذلك من خلال طرح أسباب الصراع وتوضيح الموقف للقاعدة التي يجب إبعادها عن الصراعات وإجراء مداولات ديمقراطية وتصفية الجو وتوحيد صفوف الحركة.
    ج/ تركيز جهد الحركة على مسألة الكفاح المسلح ضد الإستعمار ومباشرة العمل الثوري.
    إجتماع مجموعة 22:
    كان أعضاء المنظمة الخاصة مقتنعين بمبدأ الكفاح المسلح وهو ما دفعهم بعد إنسحاب المركزيين من اللجنة لثورية للوحدة والعمل إلى الدعوة إلى إجتماع قدماء أعضاء المنظمة الخاصة ووجهوا دعوتهم إلى المركزيين إلى التخلي عن دعوة عقد المؤتمر ضد المصاليين، وتسليم أموال الحركة لشراء الأسلحة والإعداد للثورة. وواجه أعضاء المنظمة الخاصة دعاية المركزيين والمصاليين التي ركزت على التماطل والتأجيل للعمل المسلح، وأصبح السباق مع الزمن هاجس الثوريين. فكانت دعوة قدماء أعضاء المنظمة خاصة إلى إجتماع خاص بهم لدراسة الموقف وإتخاذ الإجراءات اللازمة لإعلان الكفاح المسلح. وهكذا كان الإجتماع في نهاية جوان 1954 بالجزائر العاصمة برئاسة مصطفى بن بو العيد وعرف باجتماع مجموعة 22.

    هجومات 20 أوت 1955
    في شهر جويلية وقع إجتماع في دشرة الرمان على الطريق الرابط بين سكيكدة والقل بين مسئولي الناحية الثانية، ثم تبعه إجتماع موسع لجميع جنود المنطقة الثانية في دوار المجاجدة. ومن بين الذين حضورا إجتماع الرمان عمار بوقلاز بمرافقة إثنين عن ناحية سوق اهراس، حيث كانت تابعة للمنطقة الثانية تسلموا الأوامر والتعليمات من زيغود يوسف إستعدادا لليوم المشهود وكذلك عبد الله بن طوبال، مصطفى بن عودة حيث وصل كل منها على حدة وبعد إنتهاء الاجتماع وصل كل من لخضر بن طوبال وعمار بن عودة[31].
     وكانت لهجومات الشمال القسنطيني أهداف داخلية وأخرى خارجية رسمت له على مستوى القريب والبعيد.
    من الأهداف الداخلية:
    - بالنسبة للمنطقة الثانية حتى تنهض وتكون قوة في وجه الإستعمار الذي ضيق على الثورة والشعب[32].
    - فك الحصار عن المنطقة الأولى التي كانت في خطر.
    - تسليم مشعل الثورة للجماهير.
    - يعتبر هجوم المنطقة الثانية عبارة عن رسالة إعلامية موجهة إلى كل المناطق الأخرى، حيث كانت الاتصالات معدومة بينهم ولا يعرفون أخبار بعضهم إلا عن طريق الجريدة الفرنسية.
    - فكر قادة المنطقة الثانية في الهجوم حتى يجعلوا كل الجرائد الفرنسية تتكلم عنهم ويعلموا مجاهدي المناطق الأخرى بأن المنطقة الثانية لم تمت وبذلك تعم العمليات كل التراب الوطني. وكان الهجوم سببا في إجهاض كل المناورات الفرنسية، التي تمثلت في الإصلاحات الهزيلة التي جاء بها الحاكم سوستيل.
    - تسبب إنضمام كل التيارات الحركة الوطنية والشخصيات الجزائرية المرتبطة بالأحزاب في صفوف جبهة التحرير الوطني.
    - رفع معنويات المجاهدين وتحطيم أسطورة الإستعمار ووحشية جلاديه وإعادة الثقة وتعزيز الروح القتالية للمجاهدين والشعب.
    - بث الرعب وعدم الإطمئنان في نفوس المعمرين وتكذيب أقاويل وإدعاءات الإستعمار بتبعية الثورة الجزائرية لبعض العواصم الخارجية وإثبات وطنيتها وشعبيتها.

    الأهداف الخارجية: وتمثلت في:
    - تعبير الشعب الجزائري عن تضامنه وتكاتفه مع شقيقة المغربي بعد نفي الملك محمد الخامس طبقا لمعاهدة التضامن والتنسيق المبرمة معهما، وهذا الهدف يدخل ضمن توحيد المغرب العربي.
    - لفت أنظار العالم قبل إنعقاد الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة وخاصة أن الكتلة الأفرو آسيوية في مؤتمر باندونغ قررت أول مرة عرض الفضية الجزائرية على المنظمة الأمم المتحدة.
    القضاء على التعتيم الإعلامي الغربي وإسماع صوت الثورة التحريرية في المحافل الدولية[33].
    قبل 20 أوت بحوالي أسبوع كانت وحدات الكومندوس قد تمركزت في المواقع المحددة لها، كما أعطى زيغود يوسف تعليماته بأن يتم توزيع الجنود والفدائيين والمسبلين ويتوجه كل إلى الجهة التي يعرفها جيدا ضمانا للنجاح، وحددت ساعة الصفر في منتصف نهار السبت 20 أوت 1955[34].
    وما أن أشارت عقارب الساعة إلى منتصف النهار من يوم السبت الموافق 20 أوت 1955 حتى إنطلقت مدوية أكثر من 39 عملية هجوم، عبر كامل مناطق الشمال القسنطيني وتحولت مدينة سكيكدة عن آخرها مع مدن سمندو (زيغود يوسف)، الحروش، القل، عين اعبيد، سيدي مزغيش، عزابة، قالمة، الخروب، قسنطينة إلى أهداف إنقض عليها المجاهدون بقيادة الشهيد البطل زيغود يوسف. وكان ذلك بأسلحة جد تقليدية تمثلت في القارورات المعدنية والكبريت والخناجر والفؤوس وكميات قليلة من البنزين ساعدت هذه المواد ببساطتها في إنجاح إستراتيجية الهجومات.
    وقد كانت المواقع المستهدفة تحص الثكنات العسكرية ومراكز البوليس والجندرمة والمؤسسات الإقتصادية ومعاقل الأوروبيين[35].
     أما فيما يخص سير العمليات فقد اتفق أن تستمر ثلاثة أيام في اليوم الأول 20 أوت يكون الهجوم على المدن جيشا وشعباً. وفي اليوم الثاني 21 أوت تصد للجيش الفرنسي عن طريق الكمائن في كل الطرقات. وفي اليوم الثالث 22 أوت تنفيذ حكم الإعدام في الخونة في المدن.
    ويعود إختيار يوم السبت 20 أوت 1955 يوما لانطلاق العمليات إلى سببين، الأول رأس السنة الهجرية الجديدة والثاني حلول الذكرى الثانية لخلع محمد الخامس ملك المغرب[36].
    ردود الأفعال على الهجومات:
    أما بخصوص رد فعل الإستعماريين حول هذه الهجومات، فقد قاموا خلال عدة أيام تلت بحملة تقتيل إرهابية جماعية في صفوف المواطنين، وسوف لن تزول الآثار التي تركتها المأساة في ذاكرة سكان سكيكدة والخروب عين عبيد القل وغيرها. وقد تصدرت أحداث 20 أوت 1955 الصحف الفرنسية بعناوين سوداء ضخمة على صفحاتها الأولى، تصور الوضع المأساوي وهو عدم الاستقرار الذي أصبح يهدد الفرنسيين والمعمرين على الأخص، وهو ما يفسر من وجهة نظر أخرى فزع الفرنسيين من تصاعد المد الثوري في الجزائر، بحيث أصبح لا يرتاح لهم قرار على كل أرض كل ما كان عليها يبغض الإستعمار ويتطلع إلى الكفاح المسلح وسيلة للحرية والإنعتاق.
    ومهما يكن من الخسائر الجسيمة التي خلفتها هجومات 20 أوت 1955 في صفوف الجزائريين العزل الذين إرتكبت في حقهم مجزرة لا تضاهيها مجزرة أخرى سوى مجزرة الثامن ماي 1945 -فرغم الأرواح التي سقطت- لم تحد من عزيمة الثوار في الإستمرار بالثورة وقد كان لهجومات 20 أوت 1955 نتائج هامة تستوجب التوقف عندها:
    - تدعيم إيمان الشعب بثورة بعد أن شاهد هجومات الثوار في وضح النهار، وإلتحاق الشباب بعد ذلك بصفوف الثورة.
    - تهاوي عظمة فرنسا في نظر السكان بل وفي نظر جنود العدو أيضا، وهكذا أخذ العدو في التقهقر وأخذت الثورة في التوسع والشمول.
    - تأكدت الشعوب الصديقة والشقيقة أن الثورة في الجزائر نصرها أكيد وهي ثورة شعبية فهي أجدر بالمساندة والعون[37].
    - بلورة التضامن الشعبي وتعميق القناعة الثورية وتكريس المصير وتجسيد الشمولية.
    - بفضل 20 أوت تمكن جيش التحرير في داخل الجزائر من القضاء على إستراتيجية الجيش الفرنسي والتي كانت تقوم على أساس أن التمرد يجب أن يدفن حيث يولد.
    - تكريس جبهة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا.
    - تكييف القطاع الوهراني لعمليات العسكرية والفدائية.
    - تزايد عمليات التطوع في صفوف جيش التحرير الوطني
    - وضع حد فاصل ونهائي بين مؤيد للثورة وعدوها سواء بين الأوروبيين أو الجزائريين.
    - وضع الأحزاب نهائيا أمام مسؤولياتها التاريخية بأن يكون الانضمام فرديا[38].
    - أحداث 20 أوت زعزعت الجزائريين وخاطبتهم بلغة يفهمونها لا مفر من الجهاد ولا مفر لمسلمين من واجب التضامن والمساندة أما العملاء والمعتدلون فمصيرهم مصير المرتدين يعنى الموت.
    - إن عجز الزعماء المعتدلين تجاه القمع الوحشي أفقدهم ثقة الرأي العام.
    - بدأ العدو يقتنع بأن الثورة حقيقة قد إندلعت وتبخرت فكرة التمرد والخارجون عن القانون ومجموعة من قطاع الطرق.
    - القضاء على فكرة الإندماج التام التي كان سوستيل يومها يدعو لها.
    - تراجع فرنسا عن إجراء الإنتخابات التشريعية التي كانت مقررة يوم 2 جانفي 1956.
    - تصدع الرأي العام الفرنسي بشأن الوضع المستقر في الجزائر.
    - فرض حالة الطوارئ.
    - إقامة المناطق المحرمة لأول مرة.
    - حطم 20 أوت الحصار الإعلامي الفرنسي والغربي إذ تلقت جبهة التحرير دعوة الحضور في ندوة باندونغ وهو حدث ترك صداه في العالم الثالث الذي بدأ يسطع نوره.
    - في 20 سبتمبر طالبت 15 دولة من كتلة باندونغ بتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة العاشرة للأمم المتحدة[39].
    - بعد عمليات 20 أوت المظفرة رجع كل مسؤول من المنطقة الثانية إلى موقعه لتقييم العملية وإعداد تقرير مفصل إستعدادا للمؤتمر المحلي الذي دعا إليه زيغود يوسف في الأول من نوفمبر 1955 الذكرى الأولى للإنطلاقة، وذلك في المكان المسمى تايرا دوار بني صبيح. وبالفعل عقد الإجتماع وحضره حوالي 400 مجاهد من مسؤولين وجنود ولم يقتصر جدول أعماله على نتائج 20 أوت فقط بل كان تقييما لجميع ما تم خلال السنة الأولى من الثورة. وفي أول مرة في حياة الجزائر الثائرة أنشئ ما عرف بالمجالس الشعبية[40].
    - في أول أكتوبر بدأت العمليات المسلحة في منطقة وهران التي تشمل وقت داك النواحي الواقعة بين ندرومة والغزوات وتلمسان وسبدو وناحية مغنية.
    - في نفس الشهر سقطت حكومة إدغاردفور وتسلم السلطة على إثرها الإشتراكيون حيث عين زعيم الحزب الإشتراكي غي موليه لرئاسة حكومة فرنسا في جانفي 1956 وقد قام بزيارة للجزائر في 6 فبراير.
    - في 2 مارس أعلنت فرنسا استقلال المغرب وفي 20 منه إستقلال تونس[41]
      
    الإنطلاقة 1954- 1956
    ليلة  أول نوفمبر:
    في ليلة الأول من تشرين الثاني، نوفمبر 1954 قام الثوار بشن أكثر من 30 هجوما في مختلف أنحاء القطر، وقامت التشكيلات الثورية الأولى بالإغارة على ثلاثين نقطة خاصة في شمال قسنطينة وفي منطقة الأوراس[42]، وقد بلغ عدد هؤلاء الثوار ما يقارب ثلاثة آلاف رجل من رجال جيش التحرير الوطني في لحظة واحدة وكانوا مسلحين بأسلحة خفيفة أغلبها بنادق صيد كما استخدموا القنابل المحرقة.
    وتم في هذه الليلة توزيع المنشور الأول على المواطنين، الذي يتضمن الإعلان عن الثورة وتحديد المبادئ التي قامت عليها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وتضمن أيضا الأسباب التي دعت إلى إندلاعها ودعا الشعب إلى مساندتها والإلتفاف حولها لخوض المعركة حتى النصر.
     كانت العمليات موزعة عبر كامل أنحاء القطر الجزائري توزيعا مخططا ومدروسا وقد شملت العمليات العسكرية كل التراب الوطني باستثناء الصحراء[43]. وفيما يخص إختيار بوم الاثنين أول نوفمبر بداية للثورة فيرجع إلى عدة إعتبارات منها ما هو عام حيث إن القوات التي كانت يخشى بأسها كقوات الجيش والشرطة والدرك تكون متمتعة بإجازة الإحتفال بعيد القديسين           LA TOUSSAINT. كما أن قدسية يوم الاثنين كانت تفاؤلاً بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم وإستلهام معاني الجهاد منه.
    أما الإعتبارات الخاصة فتتمثل في كون هذا الشهر يأتي في آخر فصل الخريف، وهو فصل جمع تخزين المحاصيل الزراعية، وبذلك يستطيع المجاهدون أن يحصلوا على ما يكفيهم لمدة ستة أشهر أو أكثر. كما أن آخر هذا الشهر هو بداية فصل الشتاء وتهاطل الأمطار وسقوط الثلوج مما يصعب التنقل على القوات الفرنسية[44].
      أما فيما يخص التوقيت الزمني فله أيضا دلالته:
    - أن تعرف فرنسا ويعرف العالم بأن العملية ليست عملية مصادفة أو أنها أحداث عفوية.
    - كما أن لوحدة الساعة المحددة للعمليات منها: أن الجميع يكونون في حالة نوم عميق واسترخاء ومن هنا يمكن توقع ما يحدده ذلك الحدث العظيم من مفاجأة واستطلاع لما يجري التوحيد الزمني يجعل فرنسا تحسب ألف حساب لكل شبر من أرض الجزائر.
    - التوحيد الزمني يرفع من معنويات الشعب عندما يدرك أن الجزائر من أقصاها إلى أقصاها تكافح في وقت واحد[45]
    - وقعت الحوادث الأولى للثورة في مختلف أنحاء الوطن. وبعدد قليل من الرجال أغلب سلاحهم يتمثل في بنادق صيد وبعض بقايا من أسلحة الحرب العالمية الثانية تم جلبها من قبل المنظمة الخاصة عن طريق وادي سوف.
    ولقد كانت إستراتيجية الثورة في بدايتها تعتمد على:
    - سرعة الحركة وذلك بالإعتماد على مجموعات خفيفة تعمل في أماكن متعددة ومتباعدة.
    - العمل على ضرب المصالح الإستعمارية.
    - القيام بتجنيد وتعبئة كافة أفراد الشعب للإنضمام لجبهة التحرير الوطني.
    - الوصول بالعمل العسكري والسياسي والإجتماعي إلى القطيعة التامة مع النظام الإستعماري. وهذه الإستراتيجية تحكمت في صنعها الظروف التي كانت سائدة آنذاك والتي تمتاز بـ:
    - إحتدام  الصراع داخل صفوف "حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية".
    - فشل العمل السياسي الذي أجهضته الدوائر الإستعمارية باختراق وتزوير الإنتخابات.
    - الدعاية الفرنسية الزاعمة بأن الداعين للإستقلال ما هم إلا مجرمون وفلاقة.
    رد فعل السلطات الفرنسية على انطلاقة الثورة
    ركزت القوات الفرنسية إهتمامها منذ بداية الثورة على منطقة الأوراس التي إعتبرت معقل الثورة، فالعمليات العسكرية لم تتوقف في تلك المنطقة. تحملت المنطقة الأولى -الأوراس- العبء الأكبر بحيث كثف العدو حصاره بها، مما جعل ذلك من الإنشغالات الكبرى لقادة المنطقة الثانية التي كانت هي الأخرى تواجه ظروفا صعبة جدا، وهو ما دفع بقيادتها إلى القيام بعملية عسكرية ضخمة بهدف فك الحصار المضروب على المنطقة الأولى، ونتيجة لذلك حدثت هجومات 20 أوت 1955م على الشمال القسنطيني بقيادة زيغود يوسف.
    على إثر الهجوم الشعبي في 20 أوت 1955 ترتكب القوات الفرنسية  مجزرة في ملعب  سكيكدة. وتعد عمليات 20 أوت أول إلتحام حقيقي بين جيش التحرير الوطني والشعب من أجل فك الحصار على الثورة في كل مكان وإثبات وحدة الشعب وجيش التحرير الوطني في كفاح واحد حتى الإستقلال التام. ومن أبرز النتائج المترتبة عنها:
    - تخفيف الضغط العسكري الذي كان مسلطا على المنطقة الأولى.
    - إنتشار فكرة الثورة في الأوساط الشعبية.
    - التأكيد على أن جيش التحرير الوطني مستعد لمواجهة الجيش الفرنسي في وضح النهار وفي المدن الكبرى.
    - إبراز شعبية الثورة ووطنيتها وذلك باشتراك أكبر عدد من أفراد الشعب.
    - إعطاء الدليل القاطع للأمم المتحدة على أن ما يجري في الجزائر هو ثورة وطنية وليست مجرد تمرد كما تدعي السلطات الفرنسية، خاصة وأن الأحداث جاءت عشية إنعقاد الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
    - إبراز وحدة النضال على المستوى المغاربي وتعاطف الثورة الجزائرية مع الشعب المغربي في الذكرى الثانية لنفي الملك المغربي محمد الخامس.

    مؤتمر الصومام وإعادة هيكلة الثورة
    لقد كان مؤتمر الصومام ضرورة لتقييم المرحلة الأولى من الثورة المسلحة، ولوضع الخطوط العريضة لمواصلة الكفاح المسلح والتخطيط للحل السلمي من أجل إسترجاع السيادة الوطنية كما أنه كان إجراء حتميا لتزويد الثورة بقيادة مركزية وطنية موحدة، تقوم بتنظيم وتسيير الكفاح المسلح زيادة على توحيد التنظيم العسكري وتحديد المنطلقات السياسية والإيديولوجية التي تتحكم في مسار المعركة وتوجهها، وكذلك تدارك النقائص خاصة فيما يخص نقص التموين وقلة التمويل وضعف الاتصال بين المناطق. كل هذه العوامل أدت إلى عقد مؤتمر الصومام الذي يعد أول إجتماع للمسؤولين السياسيين.
     بعد سلسلة من الاتصالات بين مختلف قيادات المناطق إختيرت المنطقة الثالثة لاستضافة المؤتمرين لتوفر شروط الأمن والنظام والسرية، وكانت قرية إيفري أوزلاقن المجاورة لغابة أكفادو مكانا لانعقاد المؤتمر. ترأس جلسات المؤتمر الشهيد العربي بن مهيدي مع إسناد الأمانة للشهيد عبان رمضان . وبعد دراسة مستفيضة لحصيلة إثنين وعشرين شهرا من مسار الثورة من قبل مندوبي كل المناطق (ماعدا المنطقة الأولى والوفد الخارجي وذلك لتعذر حضورهما). أما منطقة الجنوب فقد أرسلت تقريرها للمؤتمر.
    إستعرض المؤتمرون النقائص والسلبيات التي رافقت الإنطلاقة الثورية، وانعكاساتها على الساحة الداخلية والخارجية. وبعد عشرة أيام من المناقشات أسفرت جلسات المؤتمر، عن تحديد الأطر التنظيمية المهمة التي يجب إثراءها، وصيغت هذه الأطر في قرارات سياسية وعسكرية مهمة ومصيرية، مست مختلف الجوانب التنظيمية للثورة الجزائرية السياسية العسكرية والإجتماعية والفكرية. وتمحورت الأطر التنظيمية فيما يلي:
    1-            إصدار وثيقة سياسية شاملة: تعتبر قاعدة إيديولوجية تحدد منهجية الثورة المسلحة مرفقة بتصور مستقبلي للآفاق والمبادئ والأسس التنظيمية للدولة الجزائرية بعد إستعادة الإستقلال.
    2-            تقسيم التراب الوطني إلى ست ولايات:كل ولاية تتضمن عددا من المناطق والنواحي والأقسام وجعل العاصمة منطقة مستقلة وهذا كله من، أجل تسهيل عملية الاتصال والتنسيق بين الجهات.
    3-            توحيد التنظيم العسكري: وذلك من خلال الإتفاق على مقاييس عسكرية موحدة لمختلف الوحدات القتالية لجيش التحرير الوطني المنتشرة عبر ربوع الوطن، فيما يتعلق الأقسام الرتب والمخصصات والترقيات والمهام والهيكلة.
    4-            التنظيم السياسي: تناول فيه المؤتمرون التعريف بمهام بالمحافظين السياسيين والمجالس الشعبية واختصاصاتها والمنظمات المسيرة للثورة وكيفية تشكيلها.
    5-            تشكيل قيادة عامة موحدة للثورة: مجسدة في كل من المجلس الوطني للثورة وهو بمثابة الهيئة التشريعية، ولجنة التنسيق والتنفيذ كهيئة تنفيذية لتسيير أعمال الثورة.
    6-            علاقة جيش التحرير بجبهة التحرير: تعطى الأولوية للسياسي على العسكري. وفي مراكز القيادة يتعين على القائد العسكري السياسي أن يسهر على حفظ التوازن بين جميع فروع الثورة.
    7-            علاقة الداخل بالخارج: تعطى الأولوية للداخل على الخارج، مع مراعاة مبدأ الإدارة المشتركة.
    8-            توقيف القتال، المفاوضات، الحكومة المؤقتة، أمور مختلفة.

    صدى الثورة التحريرية في الخارج[46]
    لقد أطلق على شبكات الدعم الأوروبية للثورة الجزائرية تسمية حملة الحقائب وهي التسمية التي أطلقت على مجموعة الأوروبيين، وبالأخص الفرنسيين الذين دعموا الثورة الجزائرية ووقفوا إلى جانب أعضاء فدرالية جبهة التحرير في فرنسا. كما أنهم واجهوا كذلك سياسة بلادهم القمعية خلال مرحلة الثورة، وقد تميز نشاط هؤلاء بالسرية التامة إلى جانب تنظيمهم في شكل شبكات دعم شملت شرائح من المجتمع.

    1- تشكيل شبكات الدعم الأوروبية للثورة الجزائرية:
    لقد تشكلت شبكات الدعم إبتداء من عام 1957 واستمرت في نشاطها إلى غاية عام 1962، وضمت مجموعة من الفرنسيين الذين وقفوا إلى جانب القضية الجزائرية وآمنوا بحق الشعب الجزائري في نضاله ضد سياسة بلادهم، لذلك راحوا يؤيدون جبهة التحرير الوطني كممثل وحيد للشعب الجزائري وتشكلت الغالبية من أعضاء بشبكات الدعم من شخصيات اليسار الفرنسي، إلى جانب بعض الشخصيات الدينية المتنورة الذين تعاطفوا هم أيضا مع عدالة قضية الشعب الجزائري ووقفوا معه كذلك في محنته، وقد جعلوا من أوروبا ميدانا لنشاطهم إنطلاقا من التراب الفرنسي، وكان تاريخ 2 أكتوبر 1957 التاريخ الفعلي لتأسيس هذه الشبكات. حيث بدأ إنخراط الفرنسيين في شبكات الدعم بشكل ملحوظ وكانت الإنطلاقة من منزل السيد فرانسيس جانسون مؤسس هذه الشبكات إلى جانب صديقه هنري كوريل وكذلك إتيان بولو.
    2- اللقاء الأول بين مسؤول الفدرالية ورئيس شبكات الدعم:
    كان من الضروري على فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا أن تتحرك لاحتواء شبكات الدعم حتى لا تقع في يد خصومها من المصاليين الذين سيطروا سيطرة تكاد تكون شبه كلية على المهاجرين الجزائريين، لذلك سارع مسؤول فدرالية جبهة التحرير السيد عمر بوداود الذي التحق بباريس عام 1957 وبأمر من القيادة إلى عقد لقاء مع السيد فرانسيس جانسون وترسيمه باسم جبهة التحرير الوطني، وبناء على هذا اللقاء تم إعادة النظر في كيفية تنظيم شبكات الدعم في أوروبا انطلاقا من فرنسا، و التي كانت تهدف أساسا إلى تسهيل مهام أعضاء فدرالية الجبهة داخل التراب الفرنسي وخارجه، ولذلك فإن اللقاء الرسمي بين رئيس الشبكة ومسئول الفدرالية كان دفعا قويا لنضال جبهة التحرير في فرنسا وتجنبها العديد من المشاكل التي بالإمكان أن تؤثر على نشاطها السلب.
    3- مهمة شبكات الدعم:
    لقد كان لمهمة شبكات الدعم أو ما اصطلح عليه بجملة الحقائب الدور الإيجابي في توسيع نشاط فدرالية جبهة التحرير داخل التراب الفرنسي وخارجه، وقد وجد أعضاء الفدرالية في حمله الحقائب الدعم القوي حتى أنهم كانوا وراء بقاء العديد من مناضلين الفدرالية على قيد الحياة، وقد تميزت مهمة حملة الحقائب بالخطورة والمجازفة وكانت مهمة صعبة لا يقوم بها إلا صاحب مبادئ، لذلك جازف هؤلاء بأرواحهم وأموالهم للمحافظة على الوجه الثاني لفرنسا من خلال رفض الهيمنة والعبودية وفكرة الإستعمار من أساسها، وهذا ما أدى بهم إلى تعرض العديد منهم إلى المضايقات والسجن والمداهمة دون سابق إنذار بحيث أصبحت السلطات الفرنسية تعتبرهم خطرا على مصالحها الداخلية حتى وإن هم فرنسيون. 
    4- المضايقات التي تعرض لها أعضاء شبكات الدعم:
    أدركت السلطات الفرنسية أن نشاط فدرالية جبهة التحرير على أراضيها في معظمه ملقى على عاتق أعضاء الشبكة لذلك أمرت أجهزتها الأمنية بمراقبة تحركات المشتبه فيهم من الفرنسيين أصحاب النزعة اليسارية، وبدأت مضايقات الشرطة الفرنسية التي تعددت أشكالها من مراقبة ومداهمة وتفتيش دون سابق إنذار. وقد إستمرت هذه المضايقات التي كانت ترمي أساسا إلى تفكيك الشبكات، ومن خلالها يمكن إلقاء القبض على أعضاء فدرالية جبهة التحرير الوطني وتفكيك نشاطهم المدعم من طرف حملة الحقائب الفرنسيين، وقد إستدعت الوضعية في مرات عديدة إلى تغيير خطط نشاطهم والإستمرار في العمل السري بالتنسيق مع أعضاء الفدرالية الذين هم كذلك تعرضوا إلى السجن والحجز والتعذيب وحتى الإعتقال وكل أنواع المضايقات الأخرى، وهذا ما حدث في باريس عندما تم إلقاء القبض على الجزائريين الذين حاولوا قتل جاك سوستال، وعن طريق إستنطاقهم وتعذيبهم تعرفوا على أحد أعضاء الشبكة السيد بوردو سك.

    مـرحـلـة الـتـفاوض وتقرير المصير[48]   
    سلم الجنرال ديغول بعد إستعمال كل الوسائل بضرورة فتح مفاوضات مع الثورة الجزائرية على أساس مبدأ تقرير المصير، فطرح الموضوع على الشعب الفرنسي الذي صادق عليه في إستفتاء 8 جانفي 1961م، وكان رد فعل قادة الجيش الفرنسي سريعا، إذ أعلن أربعة ضباط متقاعدون التمرد على حكومتهم يوم 22 أفريل 1961م  إلا أن الإنقلاب فشل في غضون أيام قليلة.
    ولكن قبل أن يدخل الجنرال ديغول جديا في عملية التفاوض سبق له أن دعا إلى محادثات في "مولان" في الفترة مابين 25 و29 جوان 1960م إذ أرسلت الحكومة الجزائرية مبعوثين هما محمد الصديق بن يحيى وأحمد بومنجل، إلا أن اللقاء لم يكتب له النجاح بسبب المعاملة غير اللائقة التي عومل بها الوفد الجزائري في باريس.
    فوض إذن الشعب الفرنسي لرئيسه أمر "تحقيق تقرير المصير" فبدأت الاتصالات الأولى بين مبعوثين فرنسيين منهما جورج بومبيدو (G.Pompidou) (الذي أصبح رئيسا خلفا لديغول) ومبعوثين جزائريين هما أحمد بومنجل والطيب بولحروف. لكن المناورات الفرنسية لم تغب عن هذه الاتصالات الأولى التي بدأت في 30/ 3/ 1961م. في سويسرا، وفى 11/ 4/ 1961م صرح الجنرال ديغول "إن الجمهورية الجزائرية ستكون لها سيادة في الداخل والخارج"، وذلك كمحاولة لتقريب وجهات النظر وكمناورة لفرض الشروط الفرنسية فيما يتعلق بمسائل جوهرية مثل:
    1. مفهوم التعاون الذي يراه ديغول "شراكة". حقوق الفرنسيين المقيمين التي يراها ديغول متميزة قد تصل إلى تخصيص جزء من البلاد لهم، من ذلك جاءت فكرة التقسيم والمشاريع العديدة التي وضعت في هذا الشأن مثل مشروع  "بيرفيت" "A.Peyrefitte ".
    2. وحدة التراب الوطني التي يراها ديغول دون الصحراء التي يعتبرها فرنسية.
    وأمام هذه المطالب إنسحب الوفد الجزائري معتبرا الهوة شاسعة بين الطرفين، ويتجدد اللقاء بعد شهرين في 20/ 5/ 1961م بافــيـان ولوعران "Evian/Lugrin" فتغيرت شروط الفرنسيين بعض الشيء إذ إستبدل مفهوم الشراكة بالتعاون، مع بقاء الخلاف حول الوحدة الترابية ووحدة الشعب الجزائري، وتنقطع المفاوضات مرة أخرى لتعود في سبتمبر 1961م في نفس المكان، وتراوغ السلطات الفرنسية إلى أن ينتهي بها الأمر إلى الإعتراف نهائيا بوحدة التراب الوطني وبوحدة الشعب الجزائري، وذلك في آخر مرحلة من مراحل المفاوضات في بداية مارس 1962م، ولكنها كانت قد قامت بمسعى أخير لتفريق الصفوف بمحاولة كسب تأييد شعبي لمشروع فصل الصحراء عن الجزائر، ولكن المشروع قوبل بالرفض من طرف الأعيان وكذلك من طرف الشعب الذي خرج في ورقلة في مظاهرة شعبية عارمة، فاضطرت إلى تسليم موافقتها على ما إتفق عليه.
    خرج  الشعب في مظاهرات عارمة في ورقلة لرفض فصل الصحراء ودعما لموقف جبهة التحرير في المفاوضات. وهكذا دعي المجلس الوطني للثورة الجزائرية للمصادقة على مشروع الإتفاقيات التي وقعت في 18/ 3/ 1962م على الساعة الخامسة والنصف بعد الظهر وعرفت بــ "إتفاقيات إفيان" وبذلك تطوى صفحة الإستعمار في الجزائر.
    لكن المتربصين بالجزائر لم يتركوا لها فرصة تضميد الجراح، فقد عمدت "منظمة الجيش السري" "OAS" إلى تطبيق سياسة الأرض المحروقة ووجهت ضرباتها إلى الطاقات الحية في البلاد وكذلك إلى كل المنشآت التي يمكن أن يستفيد منها أبناء الشعب في ظل الإستقلال والحرية، فاغتيل الرجال وأحرقت المدارس والجامعات والمكتبات.
    الوفد المفاوض في إيفيان[49]:
    وبعد التوقيع على الإتفاقيات أعلن عن توقيف القتال الذي دخل حيز التطبيق يوم 19/3/1962م على الساعة الثانية عشر. وشرعت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في الترتيب لاستفتاء تقرير المصير ولإعلان الإستقلال في 5/ 7/ 1962م أي مباشرة بعد إعلان النتائج، ووجه الجنرال ديغول في هذا اليوم رسالة إلى السيد "عبد الرحمن فارس" رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة التي أشرفت على تسيير المرحلة الإنتقالية، أرسل له رسالة كان نصها:
    "نظرا للنتائج التي أسفر عنها إستفتاء تقرير المصير، فإن الصلاحيات الخاصة بالمقاطعات الفرنسية السابقة في الجزائر تحول إبتداء من اليوم إلى الهيئة التنفيذية المؤقتة للدولة الجزائرية...".

    حصيلة الحرب:
           لقد كانت  تضحيات الشعب الجزائري ثقيلة جدا:
    - مليون ونصف مليون من الشهداء.
    - عشرات الآلاف من الأرامل واليتامى.
    - مليوني لاجئ.
    - أكثر من مليون مسجون.
    - آلاف القرى المدمرة.
    - إقتصاد مشلول.
    - خزينة عامة لا يوجد بها سنتيم واحد.
     وأما الحصيلة العامة فقد إستعادت الدولة الجزائرية مكانتها بين الأمم التي راحت تعترف بدولتها منذ تأسيس الحكومة المؤقتة إلى أن رفع علم الجزائر في مبنى الأمم المتحدة يوم 8 أكتوبر 1962.