-->

محاضرة المسؤولية الدولية ( القانون الدولي العام )

محاضرة المسؤولية الدولية ( القانون الدولي العام )
    محاضرة المسؤولية الدولية ( القانون الدولي العام )
    المسؤولية الدولية

    يمكن تعريف المسؤولية الدولية بأنها عبارة عن نظام قانوني تلتزم بمقتضاه الدولة التي تأتي عملاً غير مشروع، طبقاً للقانون الدولي العام بتعويض الدولة التي لحقها ضرر من جراء هذا العمل.
    من هذا التعريف يتضح أن العنصر الأساس الأول للمسؤولية الدولية هو عدم مشروعية العمل، والعنصر الثاني لهذه المسؤولية يرتكز على تقدير عدم المشروعية بالنسبة لقواعد القانون الدولي العام.
    ويراد بالعمل غير المشروع كل مخالفة لالتزام دولي تفرضه قاعدة من قواعد القانون الدولي. فأذا ما أخلت مثلاً دولة ما بأحكام معاهد سبق لها أن تقيدت بها، فأنها تتحمل المسؤولية الدولية الناشئة عن هذا الإخلال، وتلتزم بالتالي بتعويض الدولة التي لحقها ضرر من جراء هذا العمل.

    والقواعد القانونية التي تحكم المسؤولية الدولية وهي قواعد عرفية، فقد فشلت محاولات تدوينها في مؤتمر لاهاي سنة 1930، إلا أن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، تقوم في الوقت الحاضر بتدوين قواعد القانون الدولي المتعلقة بالمسؤولية الدولية.
    طبيعة المسؤولية الدولية وأنواعها:
    الطبيعة القانونية للمسؤولية الدولية:
    المسؤولية: هي علاقة بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام. بموجب الرأي السائد في الفقه الدولي، أن المسؤولية الدولية لا تكون إلا بين دولتين أو أكثر، وقد أستقر القضاء الدولي على ذلك فقد جاء في القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الدائمة في 14/6/1938، في قضية الفوسفات المغربي أنه (لما كان الموضوع يتعلق بعمل مسند لأحد الدول ويتعارض مع أحكام الاتفاقية القائمة بينها وبين دولة أخرى فأن المسؤولية الدولية تنشأ مباشرة في نطاق العلاقات القائمة بين هاتين الدولتين).
    وتثار المسؤولية الدولية عندما تدعي دولة بأن ضرر قد أصابها وتطالب بالتعويض. وهذا الضرر يمكن أن يكون:
    أ‌- خطأ مباشراً (كالاعتداء على علم الدولة أو أهانتها).
    ب‌- إخلالا بالقانون الدولي (كانتهاك أحكام معاهدة).
    ت‌- ضرراً واقعاً على أحد رعايا الدولة، إذ من حق هذه الدولة أن تحمي رعاياها الذين تضرروا من جراء الأعمال المخالفة للقانون الدولي التي ترتكبها دولة أخرى، إذا لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم بالطرق العادية.
    ذلك أن الأضرار التي تصيب الأفراد لا تنشأ عنها مسؤولية دولية مباشرة بين هؤلاء الأفراد والدولة التي يقيمون في إقليمها. بل تكون المسؤولية بين الدولة التي ينتمي لها الأفراد وبين الدولة المسؤولة عن الضرر، أي الدولة التي يقيم الأفراد في إقليمها ويدخلون في علاقات قانونية معها.
    أنواع المسؤولية الدولية:
    تنقسم المسؤولية الدولية إلى مسؤولية مباشرة ومسؤولية غير مباشرة.
    أ‌- المسؤولية الدولية المباشرة:
    توجد هذه المسؤولية حينما يوجد إخلال مباشر من جانب الدولة بالتزاماتها الدولية.
    ب‌- المسؤولية الدولية غير المباشرة:
    وتوجد عندما تتحمل دولة ما المسؤولية الدولية المترتبة على دولة أخرى، بسبب انتهاكها قواعد القانون الدولي العام. وهذه المسؤولية تتطلب وجود علاقة قانونية خاصة بين الدولتين المعنيتين، وتتواجد هذه العلاقة في الحالات الآتية:
    1- الحماية: إذ أن الدولة الحامية تكون مسؤولة عن التصرفات غير المشروعة المنسوبة للدولة المحمية. وهذه المسؤولية نتيجة طبيعية لنظام الحماية، إذ تتولى الدولة الحتمية جميع الاختصاصات الدولية. وقد أكدت محكمة العدل الدولية مسؤولية الدولة الحامية في الحكم الذي أصدرته في 28/10/1952، في القضية الخاصة بحقوق الرعايا الأمريكيين في مراكش.
    2- الانتداب: إذ تتحمل الدولة المنتدبة المسؤولية عن التصرفات غير المشروعة دولياً والصادرة عن الدولة الخاضعة للانتداب. وقد طبقت محكمة العدل الدولية الدائمة هذا المبدأ في الحكم الذي أصدرته في 30/8/1924، في قضية (مافر ماتيس).
    3- الوصاية: حيث تكون الدولة القائمة بإدارة أقليم خاضع لنظام الوصاية بنفس الوضع السابق ذكره بالنسبة للدولة المنتدبة.
    شروط المسؤولية الدولية:
    لقيام المسؤولية الدولية لابد من أن يقع فعل ويكون هذا الفعل منسوباً لدولة، وغير مشروع وأن يكون قد ألحق ضرراً بدولة أخرى. أو بعبارة أخرى لا يتصور قيام المسؤولية الدولية ما لم تتوافر شروط ثلاثة:
    1-  يجب أن يكون الفعل منسوباً للدولة.
    2-  يجب أن يكون الفعل غير مشروع.
    3-  أن يترتب على الفعل غير المشروع ضرر.
    أولاً:- شروط نسبة الفعل إلى الدولة:
    يعد الفعل منسوب إلى الدولة، إذا كان صادراً من أحدى سلطاتها أو هيآتها العامة اخلالاً بقواعد القانون الدولي، وان كانت هذه الأفعال لا تتعارض مع أحكام قانونها الوطني. والسلطات والهيئات التي تتحمل الدولة المسؤولية الدولية نتيجة تصرفاتها المخالفة للقانون الدولي، هي قبل كل شيء السلطات الثلاثة في الدول التشريعية والتنفيذية والقضائية.
    1- مسؤولية الدولة عن تصرفات السلطة التشريعية:
    تعد الدولة مسؤولة عن كافة التصرفات غير المشروعة دوليا الصادرة من سلطتها التشريعية، سواء أكان التصرف أو العمل الصادر عن السلطة التشريعية إيجابياً كأصدراها قوانين تتعارض مع الالتزامات الدولية، أم سلبياً كامتناعها عن إصدار القوانين الضرورية لتنفيذ التزامات الدولة دوليا. كما لو أمتنع البرلمان عن الموافقة عن تشريع لابد من صدوره لتنفيذ معاهدة معينة، أو أمتنع عن الموافقة على اعتمادات مالية معينة لابد منها لتنفيذ التزامات الدولة في المجال الدولي.
    2- مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية:
    تسأل الدولة عن التصرفات الصادرة عن موظفيها كافة، سواء أكانت التصرفات قد صدرت من السلطات المركزية أو المحلية، أو قد أتاها كبار الموظفين مثل أعمال المخلة بالالتزامات الدولية التي يأتيها الموظفون عند تجاوزهم لحدود اختصاصاتهم، فينفي المسؤولية عن الدولة ويسمح للأشخاص المتضررين برفع الأمر إلى محاكم الدولة ومقاضاة الموظف المذنب.
    أما اليوم فأن الرأي الراجح في الفقه يذهب إلى أن الدولة تسأل عن كل الأفعال المخلة التي يأتيها الموظف بصفته هذه، سواء كان يعمل في حدود اختصاصه أو كان قد تعدى هذه الحدود، لأنه في كلتا الحالتين يعمل بأسم الدولة، ومن واجب الدولة أن تحسن أختيار موظفيها وتراقب أعمالها، فتجاوز الموظف لحدود اختصاصه يعتبر تقصيراً من الدولة في القيام بهذا الواجب. وقد اخذ بهذا الرأي معهد القانون الدولي في دورة انعقاده في لوزان سنة 1927 عندما حمل الدولة مسؤولية الأعمال التي تقع من موظفيها خارج حدود اختصاصهم (ما دام أن هؤلاء الموظفين قد قاموا بها باعتبارهم إحدى الهيئات الرسمية للدولة واستخدموا الوسائل التي تحت تصرفهم بصفتهم هذه).
    3- مسؤولية الدولة عن تصرفات السلطة القضائية:
    تسأل الدولة عن الأحكام التي تصدرها محاكمها إذا كانت هذه الحكام متعارضة مع قواعد القانون الدولي العام. وهنا لا يمكن للدولة الاحتجاج بمبدأ استقلال القضاء، لأن هذا المبدأ يشكل قاعدة داخلية تطبق في نطاق علاقة السلطة القضائية بغيرها من سلطات الدولة ولا شأن للدول الأجنبية لهذه العلاقة. ثم لأن الدولة في ميدان العلاقات الدولية تواجهها الدول الأخرى كوحدة مسؤولة عن تصرفات سلطاتها المختلفة.
    ولما كان الأجنبي يمثل أمام المحاكم الوطنية بصفته مدعياً أو مدعى عليه أو متهماً، وفي كل هذه الحالات تسأل الدولة إذا كان في أحكام محاكمها إخلال بالتزام دولي ملقى على الدولة. كما لو أخضعت لقضائها ممثلاً دبلوماسيا، أو كما لو كان اختصاص الدولة محددا في اتفاقات دولية وخرجت المحاكم على هذه الاتفاقات، أو أهملت المحاكم في تطبيق القانون الدولي أو طبقته تطبيقاً خاطئاً
    كما تسأل الدولة في حالت إنكار العدالة ويظهر إنكار العدالة في الحالات الآتية:
    ‌أ- عندما تمتنع محاكم الدولة، رغم اختصاصها، عن النظر في دعوة تقدم بها أحد الأجانب.
    ‌ب- عندما تتباطأ هذه المحاكم في الفصل في الدعوى دون مبرر، أو بقصد حرمان الأجنبي من الحصول على حقه.
    ‌ج- عندما تفصل هذه المحاكم في الدعوى فتصدر ضد الأجنبي حكماً ضالماً تعسفياً سببه الخضوع لشعور عدائي ضد الأجانب أو الرغبة في الإساءة لهم.
    4- مسؤولية الدولة عن التصرفات التي تصدر عن رعاياها:
    يحدث كثيراً أن يقوم بعض الأفراد في أقليم دولة ما بأعمال عدوانية مخلة بالقواعد الدولية ضد دولة أجنبية، كالأعتداء على رئيسها أو ممثلها الرسمي، أو أهانة علمها، أو مساعدة حركة ثورية أو أنفصالية فيها، أو الأعتداء على رعاياها - فهل تسأل الدولة صاحبة الأقليم عن هذه التصرفات أمام الدول الأجنبية التي تعرضت أو تعرض رعاياها للأعتداء؟ الرأي السائد هو أن الدولة تتحمل هنا مسؤولية دولية مباشرة لأنها أخلت بأحد ألتزاماتها الأساسية، وهو المحافظة على الأمن والنظام العام في أقليمها.
    وهذا الألتزام ذو وجهين: إذ يشمل واجب المنع أو الحيطة قبل وقوع الضرر، وواجب القمع بعد وقوعه.

    أ‌- واجب المنع:
    إن واجب الدولة أن تحول دون وقوع التصرفات الضارة بالأجانب من جانب الأفراد وأن تحمي عند الاقتضاء الأجانب المهددين فيها، وواجب المنع هذا يفرض على الدولة أن تحتاط لكل أمر وتتخذ بصورة دائمة التدابير اللازمة لحماية بعض الأمكنة (كالسفارات ومناطق الحدود)، أو بعض الأجانب (كرئيس الدولة أو وزراءها أو ممثليها الدبلوماسيين)، وفي بعض الظروف كحدوث تظاهرات أو إضرابات. 
    لكنه توجد من الناحية العملية صعوبة كبيرة في إثبات أن الدولة لم تقم بواجبها في حماية الأجانب. إلا إن هناك بعض التصرفات التي يمكن أن تتخذ كمعيار في هذا الشأن، ومنها:
    1- رفض الدولة اتخاذ التدابير اللازمة، على الرغم من مطالبة الممثلين الدبلوماسيين أو الأشخاص المعنيين بذلك كرفضها إرسال قوة مسلحة لحماية الأجانب في منطقة خطرة.
    2- أشتراك الجنود أو الشرطة أو الموظفين في أعمال العنف الموجهة ضد الأجانب.
    3- عدم أكتراث الموظفين العموميين بعمل غير مشروع يشاهدونه أو تورطهم بالمشاركة فيه. وبالعكس هناك تصرفات من شأنها أن تجرد الدولة من كل مسؤولية، منها:
    ‌أ- حصول الضرر من عمل أشترك فيه الأجنبي، أو تم بتحريض منه.
    ‌ب- رفض الأجنبي العمل بنصائح دولته التي دعته إلى مغادرة إقليم الدولة المقيم فيها. وكثيراً ما تعطي هذه النصيحة من جانب الحكومات الأجنبية لمواطنيها في حالة الحرب الأهلية أو في حالة التوتر الدولي.

    ب‌- واجب القمع:
    ويكون بعد وقوع الضرر. في هذه الحالة يتعين على الدولة أن تبذل كل جهد لمعاقبة المجرمين وتأمين التعويضات المناسبة للمتضررين، وتتحمل الدولة مسؤولية دولية إذا صدرت عنها التصرفات الآتية
    1- إذا رفضت أو أهملت عمداً ملاحقة المجرمين.
    2- إذا رفضت معاقبتهم.
    3- إذا رفضت محاكمتهم.
    4- إذا تهاونت في مرغبتهم مما سهل لهم الفرار.
    5- إذا أصدرت عفواً عاماً أو خاصاً بعد صدور الحكم.

    5- مسؤولية الدولة في حالة قيام ثورة أو حرب أهلية:
    ينبغي التفرقة في مجال مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق بالأجانب خلال الثورات والحروب الأهلية بين ثلاث أنواع من الأضرار.
    ‌أ- الأضرار التي تصيب الأجانب بسبب القتال: لا تسأل الدولة عن الأضرار التي تلحق بالأجانب نتيجة لأعمال القتال التي تدور بين القوات الحكومية وقوات الثوار، وذلك بناءاً على فكرة القوة القاهرة وعلى هذا الأساس لا يستطيع الأجنبي الذي تقصف داره أثناء قارة حربية أن يطالب بالتعويض عليه.
    وقد أكد القضاء الدولي هذا المبدأ من ذلك القرار التحكيمي الذي أصدره الأستاذ (ماكس هوبر) في 1/5/1925. في قضية طلب الحكومة البريطانية التعويض عن الأضرار التي لحقت برعاياها في المنطقة الأسبانية من مراكش، والذي جاء فيها (لا يمكن أن تعتبر الدولة مسؤولة عن نتائج تدابير التي تتخذها لفرض النظام أو مقاتلة العدو بالقوة المسلحة لأن عملها هذا يعتبر من واجباتها الأساسية. كذلك ليست الدولة مسؤولة عن الأضرار الناشئة عن العمليات العسكرية التي تقوم بها جيوشها).
    ‌ب- الأضرار التي تصيب الأجانب بسبب أعمال الحكومة خارج نطاق القتال:
    تسأل الدولة عن الأضرار التي تلحق بالأجانب بسبب الأعمال التي تتخذها الدولة خارج نطاق القتال كما لو استولت على أموال الأجانب، أو دمرت ممتلكاتهم بدون أن تكون هناك ضرورة عسكرية، أو قتلهم خارج ميدان القتال.
    ‌ج- الأضرار التي تصيب الأجانب بسبب أعمال الثوار، وهنا يميز القضاء بين حالتين:
    1- حالة هزيمة الثوار:
    لا تعد الدولة مسؤولة عن أعمال الثوار إذا اقترنت ثورتهم بالفشل. ويبرر الفقهاء هذا الحل بالفكرة التالية: أن الحكومة الشرعية التي هزمت الثوار لا تعتبر مسؤولة عن الأضرار التي تسببوا في إلحاقها بالأجانب لان الثوار كانوا متمردين وخارجين على القانون، ولان المسؤولية تزول عندما تختفي السلطة الفعلية والدائمة. على ان هذا المبدأ لا يخلو من محاذير لانه يدفع الأجانب المقيمين في أقليم الدولة على التخلي عن حيادهم إزاء الفريقين المتنازعين ومساعدة الثوار على الفوز من أجل تأمين تعويضاتهم ولكن ترد على هذا المبدأ استثنائيين:
    أ‌- تتحمل الدولة المسؤولة الدولية في حالة إثبات تقصيرها في واجب الحيطة إذا لم تتخذ كل ما يمكن اتخاذه من تدابير للمحافظة على الأجانب.
    ب‌- تتحمل الدولة المسؤولة الدولية كذلك في حالة عفوها عن الثوار (كأن تعطي لزعمائهم مثلاً وظائف عامة)، لأن العفو يفترض قبول الدولة لتحمل جميع المسؤوليات التي ولدتها الثورة أو الحرب، ولأن العفو يشبه المصادقة اللاحقة على الأفعال التي أرتكبها الثوار.
    2- حالة انتصار الثوار:
    إذا نجحت الثورة وتسلم الثوار مقاليد الحكم، فأن الدولة تتحمل في هذه الحالة المسؤولية الدولية عن الأضرار التي لحقت بالأجانب نتيجة لأعمال الثوار. وذلك على اعتبار إن الشعب قد رضي عن الثورة واقرها فتنسب أعمالها للدولة ومنذ قيام الثورة. وقد تأكد هذا المبدأ بالقرار الذي أصدرته لجنة الادعاءات الفرنسية - المكسيكية في عام 1928، في قضية (J.Pisson).
    وقد جاء فيها (لا يمكن أن تعتبر الدولة التي نشبت فيها حركة ثورية مسؤولة عن تصرفات الثوار القانونية فيها وغير القانونية ما لم يكتب لها النجاح). وتطبيقاً لهذا المبدأ فقد قررت اللجنة مسؤولية المكسيك عن جميع الأعمال التي أرتكبها الجيش منذ تاريخ سقوط الرئيس (مادور) في 13/1/1913، حتى تاريخ تأليف الحكومة الشرعية الجديدة في 1/5/1917.
    ثانياً:- شرط عدم مشروعية الفعل:
    يجب أن يكون الفعل المنسوب للدولة غير مشروع دولياً، ويكون الفعل غير مشروع إذا كان يتضمن مخالفة لأحكام القانون الدولي العام الاتفاقية أو العرفية أو لمبادئ القانون العامة.
    ثالثاً:- شرط أن يترتب على الفعل غير المشروع ضرر:
    ويلزم أخيراً لقيام المسؤولية الدولية أن ينتج عن الفعل غير المشروع ضرر يصيب دولة من الدول. ويشترط في هذا الضرر أن يكون مؤكداً ولا يكفي أن يكون محتملاً أو لا يقع. سواء أكان ذلك الضرر الذي يصيب الدولة مادياً (كالاعتداء على حدود الدولة أو على سفنها أو طائراتها) أو معنوياً. (كامتهان كرامتها أو عدم احترام أنظمتها ورؤسائها أو الاعتداء على علمها). وقد يكون الضرر المعنوي في مجال العلاقات الدولية أفدح بكثير من وجهة نظر الدولة التي حل بها الضرر من الكثير من الأضرار المادية.
    أما الضرر الذي يصيب رعايا الدولة، فأما أن يكون ضرراً مادياً يلحق بالممتلكات أو جسمانياً يلحق بالأشخاص، واما أن يكون معنوياً يلحق بالكرامة والسمعة، وقد يجتمع الضرران المادي والمعنوي نتيجة لعمل واحد.
    آثار المسؤولية الدولية:
    إن النتيجة الرئيسية للمسؤولية الدولية هي التزام الدولة المسؤولة بتعويض الضرر الذي نشأ عن الفعل غير المشروع. وقد أكد القضاء الدولي هذا المبدأ في العديد من الأحكام نذكر منها: قرار التحكيمي الذي أصدره الأستاذ (ماكس هوبر) في 1/5/1925. في القضية الخاصة بالأضرار التي لحقت في بعض الرعايا البريطانيين في مراكش الأسبانية وقد جاء فيه (إن النتيجة التي تؤدي إليها المسؤولية هي دفع التعويض). والحكمان الصادران من محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية (شورزو) بتاريخ 26/7/1927، و 13/9/1928، وقد جاء فيهما من المبادئ المقررة في القانون الدولي إن خرق الالتزامات يستوجب التعويض بشكل ملائم. ويتخذ التعويض في المسؤولية الدولية الصور الآتية:
    أولاً:- الترضية (Satisfaction).
    تكون الترضية هي التعويض المناسب عندما لا يترتب على العمل المسبب للمسؤولية أي ضرر مادي. والترضية تعني قيام الدولة المسؤولة بعدم إقرار التصرفات الصادرة عن سلطاتها أو موظفيها. ومن صورها تقديم اعتذار دبلوماسي أو إبداء الأسف، أو تحية العلم في حالة الإهانة، أو فصل الموظف المسؤول أو أحالته إلى المحكمة، ومن أمثلة الترضية ما حدث عندما قبض رجال البوليس الأمريكي على أحد رجال السلك الدبلوماسي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1934، لقيادته السيارة بسرعة شديدة .
    ثانياً:- التعويض العيني:
    ويكون بإعادة الأمر إلى ما كان عليه قبل وقوع الفعل غير المشروع، كإعادة الأموال التي صودرت بدون وجه حق من الأجانب. وقد أكد القضاء الدولي ذلك في الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الدائمة في 13/9/1928، في قضية مصنع (شورزو)، والذي جاء فيه (إن الطريقة التي تتبعها المحاكم عادةً في احتساب التعويضات هي أن التعويضات تعمل على إزالة جميع آثار العمل غير المشروع واعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع هذا العمل ويتم تسوية ذلك بالتعويض العيني...).
    ثالثاً:- التعويض المالي:
    ويكون بدفع مبلغ من المال لتعويض الضرر الناتج عن الفعل غير المشروع. وهذا هو الشكل الشائع للتعويض كما جاء في قرار محكمة التحكيم الدائمة الصادر في 11/11/1912، من أنه (ليس بين مختلف مسؤوليات الدول فروق أساسية، ويمكن تسويتها جميعاً بدفع مبلغ من المال).
    ويتم تحديد مبلغ التعويض بالاتفاق بين أطراف  النزاع أو عن طريق التحكيم أو القضاء، وفي الغالب يتم الاتفاق على التعويض نتيجة للمفاوضات تتم بين الأطراف المعنية يعقبها اتفاق يبين مقدار ونوع التعويض. مثال ذلك الاتفاق المبرم بين الحكومة المصرية ومساهموا شركة قناة السويس في 29/4/1958.
    وينبغي أن يماثل التعويض الضرر مماثلة حقيقية بحيث لا يقل عنه أو يزيد، كما ينبغي أن يشمل ما لحق الدولة المتضررة من خسائر كافة وما فاتها من كسب نتيجة الفعل غير المشروع، ففي حالة الاحتجاز غير المشروع لسفينة صيد أجنبية، على سبيل المثال، ينبغي أن يتضمن التعويض مبلغاً موازياً لما كان ينتظر أن تحققه السفينة من ربح لأصحابها خلال مدة الاحتجاز غير المشروع.