-->

الفلسفة وأنواعها لمادة الأصول الاجتماعية و الفلسفية للتربية

الفلسفة وأنواعها لمادة الأصول الاجتماعية و الفلسفية للتربية

     مقدمة

    الفلسفة كلمة مشتقة من فيلاسوفيا ، و هي كلمة يونانية الأصل معناها الحرفي "محبة الحكمة" . حتى السؤال عن ماهية الفلسفة " ما هي الفلسفة ؟ " يعد سؤالا فلسفيا قابلا لنقاش طويل . و هذا يشكل أحد مظاهر الفلسفة الجوهرية و ميلها للتساؤل و التدقيق في كل شيء و البحث عن ماهيته و مظاهره و قوانينه . لكل هذا فإن المادة الأساسية للفلسفة مادة واسعة و متشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم و ربما بكل جوانب الحياة ، و مع ذلك تبقى الفلسفة متفردة عن بقية العلوم و التخصصات . توصف الفلسفة أحيانا بأنها " التفكير في التفكير " أي التفكير في طبيعة التفكير و التأمل و التدبر ، كما تعرف الفلسفة بأنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي يطرحها الوجود و الكون . شهدت الفلسفة تطورات عديدة مهمة ، فمن الإغريق الذين أسسوا قواعد الفلسفة الأساسية كعلم يحاول بناء نظرة شمولية للكون ضمن إطار النظرة الواقعية ، إلى الفلاسفة المسلمين الذين تفاعلوا مع الإرث اليوناني دامجين إياه مع التجربة و محولين الفلسفة الواقعية إلى فلسفة اسمية ، إلى فلسفة العلم و التجربة في عصر النهضة ثم الفلسفات الوجودية و الإنسانية و مذاهب الحداثة و ما بعد الحداثة و العدمية . الفلسفة الحديثة حسب التقليد التحليلي في أمريكا الشمالية و المملكة المتحدة ، تنحو لأن تكون تقنية أكثر منها بحتة فهي تركز على المنطق و التحليل المفاهيمي conceptual analysis . بالتالي مواضيع اهتماماتها تشمل نظرية المعرفة ، و الأخلاق ، طبيعة اللغة ، طبيعة العقل . هناك ثقافات و اتجاهات أخرى ترى الفلسفة بأنها دراسة الفن و العلوم ، فتكون نظرية عامة و دليل حياة شامل . و بهذا الفهم ، تصبح الفلسفة مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية و ليست محاولة لفهم الحياة . في حين يعتبر المنحى التحليلي الفلسفة شيئا عمليا تجب ممارسته ، تعتبرها اتجاهات أخرى أساس المعرفة الذي يجب إتقانه و فهمه جيدا

    ما الفلسفة؟

    من أهم الأسئلة الفلسفية التي جاءت في كتب الفلسفة :

    من أين جئنا وكيف سنعيش ولماذا اخترنا هذا المذهب من التفكير؟ ما طبيعة النفس البشرية؟ هل هي طبيعة خيِّرة كما قال روسو (1712 – 1778 م) وأن النفس صفحة بيضاء كما يرى جون لوك (1632 – 1704 م)؟ كيف تتم عملية التعلم ونقل الثقافة وصياغة أهداف التربية؟ ما ضوابط النقاش في المسائل التربوية لتوضيح وتكييف الأفكار؟ ما هي السعادة وكيف نحققها؟ ما حقيقة العلم والحياة؟ كيف نصل إلى الحقائق؟ وكيف نتعامل مع الاختلافات؟ ما القيم الثابتة؟ ما المراد بالحرية؟

    نقصد بالأصول التربوية الفلسفية حصيلة الأفكار القديمة والجديدة التي تحاول بصورة منهجية أن تفهم الأسس المؤثرة في التربية ومصادرها وأهدافها وقضاياها الكبرى. تساعدنا الفلسفة في الإجابة عن الأسئلة الكبرى مثل: لماذا نتعلم؟ وماذا نتعلم؟ ومتى نتعلم؟ وأين نتعلم؟ وكيف نتعلم؟

    كلمة الفلسفة Philosophy يونانية الأصل، ومركبة من مقطعين هما "فيليا" أي مُحب و"صوفيا" أي الحكمة فيكون معناها محبة الحكمة أو حب المعرفة. أول من أطلق هذه الكلمة على الحكمة هو فيثاغورس الفيلسوف اليوناني والعالم الرياضي المشهور الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد. قال فيثاغوس: إن الحكيم الحق هو اللّه سبحانه وتعالى وليس للإنسان أن يزعم بأنه يملك الحكمة وكل ما يسمح له به هو أن يحبها وأن يطلبها.

    نجد في التراث الإسلامي تعريفات عديدة لكلمة فلسفة مع مبررات تشرح مقاصدها وتكشف أوجه القصور والانحراف فيها. "علم الفلسفة ويسمى عند بعضهم علم الأخلاق وتدبير المنزل: علم بأصولٍ تعرف بها حقائق الأشياء والعمل بما هو أصلح. وفائدته: العمل بما اقتضاه العقل من حُسن وقبح".

    وتعرف الفلسفة بأنها البحث عن طبيعة الأشياء وهي السعي إلى حياة سعيدة باستخدام العقل كما عرفها ابن سينا بقوله: الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر طاقتها . تحتوي الفلسفة على تصورات اجتهادية كلية لقضايا مصيرية تمس كينونة الإنسان في الماضي والحاضر والمستقبل إذ أن الفلسفة تتطرق إلى طبيعة النفس البشرية وتدرس الغاية من هذه الحياة إلى آخر القضايا الجوهرية في حياة الناس. المعطيات الفلسفية لها انعكاسات واضحة على صياغة الأهداف وعلى خطط التعليم والسياسات الضابطة للعمل التربوي. يميل كثير من الباحثين إلى الحديث عن الفلسفة الإسلامية ولكن من الإشكاليات التي تبرز أن الفلسفة بوتقة للأفكار الوضعية وهي كلمة ارتبطت تاريخياً بالآراء النسبية والآراء التي قد تصيب وقد تخطئ مما دفع ببعض الباحثين إلى التحفظ على مصطلح "الفلسفة الإسلامية". يعرض الدين الإسلامي حقائق كلية سالمة من النقص والتناقض ومصدر الدين الوحي لا العقول البشرية. ارتبطت كلمة الفلسفة بجملة من المصطلحات الفكرية المتناقضة بل والمنكرة للدين. وعليه فإن آراء المفكرين كلها قابلة للنقاش حتى آراء كبار علماء الإسلام أما ثوابت وقطعيات الدين الإسلامي فلا مجال في معارضتها لمن آمن واستنار قلبه وعقله.

    يؤكد الكاتبون في ميدان أصول التربية على أن الفلسفة التربوية طريقة لا تنظر في الأفكار المجردة فحسب ولكنها أيضاً طريقة تعليمية تنظر في كيفية استخدام الأفكار بطرق أفضل. تقودنا الفلسفة التربوية إلى معرفة الأسس التي نحتاجها في عملنا في التعليم والتربية فهي مجموعة من المعتقدات التي ترشدنا إلى ما ينبغي عمله في ممارسة التعليم وكيف يتعلم وينمو الإنسان بالشكل الصحيح. يظن بعض الناس أن الفلسفة التربوية من الموضوعات النظرية غير الهامة والحقيقة أن هذا التصور في حقيقته فلسفة تربوية ولا يمكن أن نعزل فلسفة التربية عن حياتنا فالأسرة التي تختار مدرسة خاصة أو عامة أو دينية أو مهنية لأطفالها يتم اتخاذ القرار على ضوء فلسفة تتبناها الأسرة. وعليه فكل معلم عنده فلسفة تربوية تجعله يقرر وسائله التعليمية وتصرفاته التربوية وتعامله مع الطلاب .

      وجاء في الموسوعة العربية  (1996) "ومهما يكن من الأمر فإن الأقدمين كانوا يطلقون لفظ الفلسفة بأعم معانيها على مجموع ثمرات العقل، وقد بقيت هذه التسمية تدل على ذلك مدة طويلة. وكلمة (فلسفي) لم تكتسب معناها الصحيح إلا في المذهب الذي قام بنشره سقراط. فلما جاء أفلاطون حصر ذلك المعنى في مجال أضيق. فكان الفيلسوف في عرفه هو الذي يستطيع أن يدرك الموجود الذي لا يتغير بحال من الأحوال. وهذا الموجود الذي لا يتغير كان عنده يقابل الكائن الذي يتغير وليس له من الوجود إلا ظاهره فقط. فلم تكن الفلسفة علماً خاصاً ولكنها كانت إذ ذاك مجموع العلوم كلها. وأما الفلسفة العصرية المسماة بالفلسفة الوضعية فإنها حاولت بناء فلسفة خالية من التصورات العقلية، ومبنية على الأمور الحسية بدون الاستعانة بالروايات الدينية التي كان يتخيلها الفلاسفة المتقدمون" .

    قال ابن حزم عن حقيقة وغاية الفلسفة "الفلسفة على الحقيقة: إنما معناها، وثمرتها، والغرض المقصود نحوه بتعلمها ليس هو شيئا غير إصلاح النفس بأن تستعمل في دنياها الفضائل، وحسن السيرة المؤدية إلى سلامتها في المعاد، وحسن السياسة للمنزل والرعية، وهذا نفسه لا غيره هو الغرض في الشريعة، هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من العلماء بالفلسفة، ولا بين أحد من العلماء بالشريعة. فيقال لمن انتمى إلى الفلسفة بزعمه - وهو ينكر الشريعة بجهله على الحقيقة بمعاني الفلسفة، وبُعده عن الوقوف على غرضها ومعناها: أليست الفلسفة بإجماع من الفلاسفة مبينة للفضائل من الرذائل، موقفة على البراهين المفرقة بين الحق والباطل؟ فلا بد من نعم ضرورة. فيقال له: أليس الفلاسفة كلهم قد قالوا: صلاح العالم بشيئين: أحدهما باطن، والآخر ظاهر. فالباطن: هو استعمال النفس للشرائع الزاجرة عن تظالم الناس وعن القبائح. والظاهر: هو التحصين بالأسوار، واتخاذ السلاح لدفع العدو؛ الذي يريد ظلم الناس والإفساد، ثم أضافوا إلى إصلاح النفوس بما ذكرنا إصلاح الأجساد بالطب؟ فلا بد من نعم ضرورة" .

    ولقد فند الغزالي حجج الفلاسفة في كتابه تهافت الفلاسفة ولكن ابن رشد انتصر للفلسفة فكتب كتابه تهافت التهافت ويُعد الكندي من أبرز الفلاسفة في التاريخ الإسلامي. "يَعْقُوْبُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ الصَّبَّاحِ الكِنْدِيُّ  الفيلسوفُ، صَاحِبُ الكُتُبِ. كَانَ رَأْساً فِي حكمَةِ الأَوَائِلِ وَمنطقِ اليونَانِ وَالهيئَةِ وَالتّنجيمِ وَالطبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. لاَ يُلْحَقُ شأوهُ فِي ذَلِكَ العِلْمِ المَتْرُوْكِ، وَلَهُ بَاعٌ أَطْوَلُ فِي الهندسَةِ وَالمُوْسِيْقَى. كَانَ يُقَالُ لَهُ: فيلسوفُ العَرَبِ" .

    من أهم سمات الفلسفة أن ميادينها واسعة والجدل في مسائلها عظيم والخلاف في صحة وصدق النتائج محل نظر وقبول ورد عند البعض.  الفلسفة اليونانية بسطت رؤاها على معظم ميادين الفلسفة فمعظم المسائل الكلية المطروحة في الفلسفة سبق التعرض لها في كتابات اليونانيين فهم الرواد الأوائل لهذا العلم. الفلسفة في مجملها مجموعة من الأفكار المفترض أنها منظمة تتصل بطبيعة الأشياء وحقيقتها وتجيب عن الأسئلة المتفرعة منها مثل: ما طبيعة الإنسان؟ ما هي المعرفة وكيف وماذا ولما يتعلم الإنسان؟ وهذه الأسئلة تدريجياً ستقودنا إلى مفهوم العدل والصدق والجمال. وكلما اتضحت الإجابة واقتربت من الصواب ونجحنا في تطبيق النتائج كلما انعكس هذا على تحقيقنا للمقاصد المنشودة.

    الخلاصة أن الفلسفة سلسلة من الخطوات تقود الفكر نحو تكوين تصورات مبدئية لفهم قضايا إنسانية شائكة تمس اهتمامات الفرد والمجتمع. وتسعى الفلسفة إلى تحقيق عدة أهداف منها:

    تشجيع النقد الإيجابي، والجدل المنطقي، والشك المنهجي.

    تحليل الأفكار والنظم والقيم.

    دراسة الطرف المخالف لنا في الرأي وفتح الحوار الموضوعي.

    محاولة فكرية دائمة للوصول إلى حقائق الأمور.

    الإطلاع على أفكار الفلاسفة.

    تنشيط العقل وتشجيع طرح الأسئلة وفتح أبواب الحوار.

    تاريخ الفلسفة

    يعمد الغربيون عادة إلى تقسيم التاريخ الفلسفي بين شرقي و غربي ، الفلسفة الشرقية هي الفلسفة التي أنتجتها دول الشرق الأقصى بالخص الهند و الصين و اليابان و هي فلسفات ذات طبيعة دينية روحانية أكثر منها عقلانية ، في حين يقسمون تاريخ الفلسفة الغربية إلى فلسفة قديمة و إغريقية ، ثم فلسفة العصور الوسطى ثم الفلسفة الحديثة .

    إنتاجات الفلاسفة المسلمين تعتبر غالبا من وجهة النظر الغربية ناقلة للفلسفة الإغريقية و غير ذات إنتاج فعلي ، و قد استمرت هذه النظرة نتيجة ضعف الدراسات الأصيلة للكتابات الفلسفية العربية الإسلامية إلى أن شهد العالم العربي مؤخرا نهضة فلسفية مهمتها إعادة بناء النهضة على أساس التراث العربي و محاولة نقده ، أبرز هذه المحاولات بالنسبة للمغرب العربي: نقد العقل العربي لمحمد عابد الجابري و إصلاح العقل في الفلسفة الإسلامية لأبو يعرب المرزوقي ، وأبرزها بالنسبة للمشرق العربي: مشروع التراث والتجديد لـ حسن حنفي(مقدمة في علم الاستغراب-التراث والتجديد-من العقيدة إلى الثورة-من النقل إلى الإبداع-من النص إلى الواقع-الدين والثورة في مصر-..وغيرها من مؤلفاته)، والمشروع الهرمنيوطيقي ل نصر حامد أبو زيد، و الثابت والمتحوّل ل أدونيس، ومحاولات الطيب تزيني و حسين مروة وغيرهم          

    مواضيع فلسفية

    تطورت مواضيع الفلسفة خلال فترات تاريخية متعاقبة وهي ليست وليدة يومها وبحسب التسلسل الزمني لها تطورت بالشكل التالي:

    •              أصل الكون وجوهره.

    •              الخالق (الصانع) والتساؤل حول وجوده وعلاقته بالمخلوق.

    (للمسلمين لا يجب التساؤل في وجود الخالق و لا الصانع لأنهما اسمان لله تعالى فهو الواجد لهذا الوجود الذي يضم عالم الغيب و الشهادة فالإسلام يأمر بالإيمان بالغيب فلا تبيعوا إيمانكم والله اثبت وجوده من خلال الديانات السماوية و خاصة القران و تذكروا الإعجاز العلمي فانه الدليل الكافي على أن القران وحي الله فالله من هدانا إليه و ليس نحن من سنهتدي له )

    •              صفات الخالق (الصانع) ولماذا وجد الإنسان؟

    •              العقل وأسس التفكير السليم.

    •              الإرادة الحرة ووجودها.

    •              البحث في الهدف من الحياة وكيفية العيش السليم.

    من ثم أصبحت الفلسفة أكثر تعقيدا وتشابكا في مواضيعها وتحديدا بعد ظهور الديانة المسيحية بقرنين أو يزيد .

    يتأمل الفلاسفةُ في مفاهيم كالوجود أَو الكينونة، أو المبادئ الأخلاقية أَو طيبة، المعرفة، الحقيقة، والجمال. من الناحية التاريخية ارتكزت أكثر الفلسفات إمّا على معتقدات دينية ، أَو علمية. أضف إلى ذلك أن الفلاسفة قد يسألون أسئلةَ حرجةَ حول طبيعةِ هذه المفاهيمِ .

    تبدأُ عدة أعمال رئيسية في الفلسفة بسؤال عن معنى الفلسفة. وكثيرا ما تصنف أسئلة الفلاسفة وفق التصنيف الآتي :

    •              ما الحقيقة؟ كيف أَو لِماذا نميّز بيان ما بأنه صحيح أَو خاطئ، وكَيفَ نفكّر؟ ما الحكمة؟

    •              هل المعرفة ممكنة؟ كَيفَ نعرف ما نعرف؟

    •              هل هناك اختلاف بين ما هو عمل صحيح وما هو عمل خاطئ أخلاقيا (بين القيم ، أو بين التنظيمات )؟ إذا كان الأمر كذلك، ما ذلك الاختلاف؟ أَيّ الأعمال صحيحة، وأَيّها خاطئ؟ هَلْ هناك مُطلق في قِيَمِ، أَو قريب؟ عُموماً أَو شروط معيّنة، كيف يَجِبُ أَنْ أَعيش؟ ما هو الصواب والخطأ تعريفا؟

    •              ما هي الحقيقة، وما هي الأشياء التي يُمْكِنُ أَنْ تُوْصَفَ بأنها حقيقية؟ ما طبيعة تلك الأشياءِ؟ هَلْ بَعْض الأشياءِ تَجِدُ بشكل مستقل عن فهمنا؟ ما طبيعة الفضاء والوقت؟ ما طبيعة الفكرِ والمعتقدات؟

    •              ما هو لِكي يكون جميل؟ كيف تختلف أشياء جميلة عن كل يوم؟ ما الفن؟ هل الجمال حقيقية موجودة ؟

    في الفلسفة الإغريقية القديمة، هذه الأنواع الخمسة من الأسئلة تدعى على الترتيب المذكور بالأسئلة التحليلية أَو المنطقيّة،أسئلة إبستمولوجية، أخلاقية، غيبية، وجمالية.

    مع ذلك لا تشكل هذه الأسئلة المواضيعَ الوحيدةَ للتحقيقِ الفلسفيِ.

    يمكن اعتبار أرسطو الأول في استعمال هذا التصنيفِ كان يعتبر أيضاً السياسة، و الفيزياء، علم الأرض، علم أحياء، وعلم فلك كفروع لعملية البحث الفلسفيِ.

    طوّرَ اليونانيون، من خلال تأثيرِ سقراط وطريقته، ثقافة فلسفية تحليلية، تقسّم الموضوع إلى مكوّناتِه لفَهْمها بشكل أفضلِ.

    في المقابل نجد بعض الثقافات الأخرى لم تلجأ لمثل هذا التفكر في هذه المواضيع ، أَو تُؤكّدُ على نفس هذه المواضيعِ. ففي حين نجد أن الفلسفة الهندوسية لَها بعض تشابهات مع الفلسفة الغربية، لا نجد هناك كلمةَ مقابلة ل فلسفة في اللغة اليابانية، أو الكورية أَو عند الصينيين حتى القرن التاسع عشر، على الرغم من التقاليدِ الفلسفيةِ المُؤَسَّسةِ لمدة طويلة في حضارات الصين .فقد كان الفلاسفة الصينيون، بشكل خاص، يستعملون أصنافَ مختلفةَ من التعاريف و التصانيف .و هذه التعاريف لم تكن مستندة على الميزّاتِ المشتركة، لكن كانت مجازية عادة وتشير إلى عِدّة مواضيع في نفس الوقت .

    استعمالات غير أكاديمية

    تطلق كلمة فلسفة في أغلب الأحيان بشكل شعبي، للدلالة على أيّ شكل من أشكال المعرفة المستوعبة . فهي قَدْ يُشيرُ أيضاً إلى منظورِ شخص ما على الحياةِ (كما في "فلسفة الحياة") أَو المبادئ الأساسية وراء شيء ما ، أَو طريقة إنْجاز شيء ما (كما في "فلسفتي حول قيادة السيارة على الطرق السريعةِ"). هذا أيضاً يدعى عموماً باسم رؤية كونية.

    يطلق لفظ ( فلسفي ) أيضا على ردّ الفعل الهادئ ( الفلسفي ) على مأساة مما قد يعني الامتناع عن ردودِ الأفعال العاطفيةِ لمصلحة الانفصال المُثَقَّفِ عن الحدث المأساوي. هذا الاستعمال نَشأَ عن مثالِ سقراط، الذي ناقشَ طبيعةَ الروحِ بشكل هادئ مَع أتباعِه قبل شربه لجرعة السم حسب حكم هيئةِ محلفي أثينا. يقوم الرواقيين على أثر سقراط في البحث عن الحرية من خلال عواطفِهم، لذلك الاستعمال الحديث للتعبيرِ رواقي للإشارة إلى الثبات الهادئ.

    كما أن العامة من الأفراد أو كما يطلق عليهم رجل الشارع يستخدم كلمة ”فلسفة” في التعبير عن المفاهيم الغامضة أو المركبة و التي يصعب علية استيعابها لتصبح الكلمة تعبر عن الشعور السلبي للفرد تجاه موضوع ما أو حول موقف معين

    ثقافات فلسفية

    قام أعضاء العديد من المجتمعات بطرح أسئلة فلسفية و قاموا ببناء ثقافات فلسفية مستندة على أعمالهم أو أعمالِ شعوب سابقة. تعبير "فلسفة" في السياق الأكاديمي الأمريكي الأوربي قَد تحيل بشكل مُضَلَّل إلى الثقافة الفلسفية في الحضارة الأوربية الغربية أو ما يدعى أيضاً "فلسفة غربية "، خصوصاً عندما توضع في مقابلة مع "فلسفة شرقية "، التي تتضمن الثقافات الفلسفية المنتشرة بشكل واسع في آسيا.

    يجب التأكيد هنا على أن الثقافات الفلسفية الشرقية والشرق الأوسطية أَثرت بشكل كبير على الفلاسفة الغربيين. كما أن الثقافات اليهودية والروسية، و الثقافات الفلسفية الأمريكية اللاتينية والإسلامية كانت ذات تأثير واضح على مجمل تاريخ الفلسفة.

    من السهل تقسيم الفلسفة الأكاديمية الغربية المعاصرة إلى ثقافتين ، فمنذ استعمال التعبيرِ "فلسفة غربية" خلال القرن الماضي اكتشفت في أغلب الأحيان تحيزات تجاه واحد من مكونات الفلسفة العالمية .

    الفلسفة التحليلية تتميز بامتلاكها نظرة دقيقة تقوم على تحليل لغة الأسئلة الفلسفية. بهذا يكون الغرض من هذه الفلسفة أَن يَعرّي أيّ تشويش تصوري تحتي كامن. هذه النظرة تسيطر على الفلسفة الإنجليزية الأمريكية، لكن جذوره ممتدة في قارة الأوروبية، تقليد الفلسفة التحليلية بدأَ به فريجه في منعطف القرنِ العشرون، و واصله مِن بعده بيرتراند رسل، جي. إي . مور ولودفيج فيغينشتاين.



    أما الفلسفة القارية فهو تعبير يميز المدارِس المختلفة السائدة في قارة أوروبا، لكن يستخدم أيضاً في العديد من أقسام العلوم الإنسانية الناطقة بالإنجليزية، التي قَدْ تفحص لغة، نظرات غيبية، نظرية سياسية ، perspectivalism، أَو سمات مختلفة أو الفنون أو الثقافة. إحدى أهم اهتمامات المدارِس الفلسفية القارية الأخيرة هي المحاولة لمصالحة الفلسفة الأكاديمية بالقضايا التي تظهر غير فلسفية.

    إن الاختلافات بين الثقافات في أغلب الأحيان تستند على الفلاسفة التاريخيين المُفضَلين في هذه الثقافات ، أَو حسب التأكيدات على بعض الأفكارِ أو الأساليبِ أَو لغةِ الكتابة. أما مادة البحث و الحوارات كُلّ يُمْكِنُ أَنْ يُدْرَسها باستعمال طرقِ مختلفة اشتقت مِنْ أخرى، وكانت هناك نواح شائعة هامّة وتبادلات بين كافة الثقافات . الثقافات الفلسفية الأخرى، مثل الأفريقية، تعتبرُ نادرة في الدراسات حيث لم تتلق الاهتمام الكافي من قبل الأكاديميين الغربيين. بسبب التأكيد الواسع على الانتشار للفلسفة الغربية كنقطة مرجع.



    **فلسفة غربية**


    بدأت الثقافة الفلسفية الغربية عند اليونانيون واستمرت إلى الوقت الحاضرِ.

    الفلاسفة الرواد في الغرب  :

    سقراط، أفلاطون، أرسطو، ايبيكوروس، سيكستوس ايمبيريكوس، أوغسطين، بويتيوس، أنسيلم كانتربوري، وليام أوكام، جون سكوت، توماس الأكويني، ميتشل دي مونتان، فرانسيس بيكون، رينيه ديكارت، سبينوزا، نيكولاس ماليبرانش، غوتفريد لايبنتز، جورج بيركيلي، جون لوك، ديفيد هيوم، توماس ريد، جان جاك روسو، إمانويل كانت، جورج ويلهيلم فريدريك هيغل، آرثر شوبنهاور، كيرغيكارد، فريدريك نيتشه، كارل ماركس، فريجه، ألفريد وايتهيد، بيرتراند رسل، هنري بيرغسون، إدموند هوسرل، لودفيج فيتغينشتاين، مارتن هايدجر، هانز جورج غادامير، جين بول سارتر، سايمون دي بوفوار ، ألبرت كامو و كوين.

    فلاسفة غربيون آخرون معاصرون مؤثرون :

    دونالد ديفيدسن ، دانيال دينيت، جيري فودور، يورجن هابرماس، ساول كريبكي، توماس كون، توماس نايجل، مارثا نوسباوم، ريتشارد رورتي، هيلاري بوتنم، جون راولز ، وجون سيرل.

    الفلسفة غربية تقسّم أحياناً إلى الفروعِ المُخْتَلِفةِ مِنْ الدراسةِ، مستندة على نوعِ الأسئلة خاطب. إن الأصناف الأكثر شيوعاً:

    ميتافيزيقيا، نظرية المعرفة، أخلاق، وعلم جمال. المجالات الأخرى تتضمّن : المنطق، فلسفة العقل، فلسفة اللغة، وفلسفة سياسية . للمزيد من المعلومات، انظر فلسفة غربية.



    **فلسفة شرقية**


    كونفوشيوس كما يصوره كتاب "أساطير الصين"يندرج تحت مصطلح (الفلسفة الشرقية) ثقافات واسعة نَشأتْ في، أَو كانت منتشرة ضمن،مصر و الهند القديمة والصين. الفلاسفة الرئيسيون في هذه الفلسفة:

    قابالاه، بوذا، أكشابادا غوتاما، ناغاريونا، كونفوشيوس، اللاو زي (اللاو تزو)، ابن سينا ،ابن رشد ،ابن خلدون ، الفارابي.

    الفلسفة الهندية ربما كانت الأكثر مقارنة إلى فلسفةِ الغربية. على سبيل المثال، هندوسية فلسفة نيايا مدرسة فلسفة هندوسية القديمة كانت تَستكشفُ المنطق كبَعْض الفلاسفةِ التحليليينِ الحديثينِ ؛ بنفس الطريقة مدرسة كارافا كانت تعمد إلى تحليل القضايا بشكل أو تجريبي.



        الدوافع والأهداف والطرق

    كلمة "فلسفة" مشتقة أساسا من اللغة اليونانية القديمة (قَدْ تُترجمُ ب "حبّ الحكمة". أو مهنة للاستجواب، التعلّم، والتعليم ) . يكون الفلاسفة عادة متشوّقين لمعرفة العالم، الإنسانية، الوجود، القيم، الفهم و الإدراك ، لطبيعة الأشياء.

    يمْكن للفلسفة أَنْ تميّز عن المجالاتِ الأخرى بطرقِ استقصائها للحقيقة المتعددة. ففي أغلب الأحيان يُوجّهُ الفلاسفةُ أسئلتُهم كمشاكل أَو ألغاز، لكي يَعطوا أمثلةَ واضحةَ عن شكوكِهم حول مواضيع يجدونهاَ مشوّشة أو رائعة أو مثيرة. في أغلب الأحيان تدور هذه الأسئلةِ حول فرضياتِ مختبئة وراء اعتقادات ، أَو حول الطرقِ التي فيها يُفكّر بها الناسِ .

    يؤطر الفلاسفة المشاكل نموذجياً بطريقةٍ منطقيّة، حيث يَستعملُ من الناحية التاريخية القياس المنطقي و المنطق التقليدي. منذ فريجه وراسل يستعمل على نحو متزايد في الفلسفة نظام رسمي ، مثل حساب التفاضل والتكامل المسند، وبعد ذلك يعمل لإيجاد حل مستند على القراءة النقدية والتفكير.

    كما كان سقراط فإن الفلاسفة يبحثون عن الأجوبة من خلال المناقشة، فهم يردّون على حجج الآخرين، أَو يقومون بتأمل شخصي حذر. و يتناول نقاشهم في أغلب الأحيان الاستحقاقات النسبية لهذه الطرق. على سبيل المثال، قد يتساءلون عن إمكانية وجود "حلول" فلسفية جازمة موضوعية ، أو استقصاء بعض الآراء الغنية بالمعلومات المفيدة حول الحقيقة. من الناحية الأخرى، قَدْ يتساءلون فيما إذا كانت هذه الحلولِ تَعطي وضوحَ أَو بصيرةَ أعظمَ ضمن منطقِ اللغةِ، أو بالأحرى تنفع كعلاجِ شخصيِ. إضافة لذلك يُريدُ الفلاسفةُ تبريراً للأجوبة على أسئلتهم.



    اللغة الفلسفية تعتبر الأداة أساسية في الممارسة التحليلية،فأي نقاش حول الطريقةِ الفلسفيةِ يوصل مباشرةً إلى النِقاشِ حول العلاقةِ بين الفلسفةِ واللغة.

    أما ما بعد الفلسفة، أي "فلسفة الفلسفة"، التي تقوم بدراسة طبيعة المشاكلِ الفلسفية، و طرح حلول فلسفية، والطريقة الصحيحة للانتقال من قضية إلى أخرى. هذه النِقاشِ يوصل أيضاً إلى النقاشِ على اللغة والتفسيرِ.

    تحاول الفلسفة أيضاً مقاربة و فحص العلاقات بين المكوّنات، كما في البنيوية والتراجعية.        

     الفلسفة التطبيقية

    مع أن الفلسفة غالبا ما تصنف باعتبارها فرعا نظريا ، فإن الفلسفة لا تعدم بعض التطبيقات العملية. التطبيقاتَ الأكثر وضوحاً تظهر في مجال الأخلاق : الأخلاق التطبيقية بشكل خاص وفي الفلسفة السياسية .

    الفلسفات السياسية الأهم تعود للفلاسفة :

    كونفوشيوس، كاوتيليا، سن تزو، جون لوك، جان جاك روسو، كارل ماركس، جون ستيوارت ميل، المهاتما غاندي، روبرت نوزيك، وجون راولز و الدراسات تشير إلى أن معظم هذه الفلسفات تشكلت لتبرير تصرفات و نزعات الحكومات المختلفة في العصور المختلفة .

    فلسفة التعليم تستحقُ إشارة خاصة أيضا، فالتعليم التقدمي كما قادها جون ديوي كان ذو تأثير عميق على الممارساتِ التربوية في الولايات المتحدة في القرن العشرونِ.

    التطبيقات المهمة الأخرى يمكن أَن توجد في فلسفة المعرفة، التي قد تساعد المرء على تنظيم أفكارِه من معرفة، دليل ، واعتقاد مبرر.

    عموماً، فإن "الفلسفات المختلفة، " مثل فلسفة القانون، يمكن أَن تزود العاملين في الحقول المختلفة فهما أعمق لدعامات حقول اختصاصهم النظرية و العملية.





               
    أنواع الفلسفة
    1) الفلسفة المثالية
    2) الفلسفة الواقعية
    3) الفلسفة البرجماتية
    4) الفلسفة الطبيعية
    5) الفلسفة الوجودية
    6) الفلسفة الإنسانية
    7) الفلسفة الإسلامية
    8) الفلسفة الرأسمالية
    9) الفلسفة الجماعية
    10)الفلسفات الحديثة


    الفلسفة المثالية و الواقعية

    الجدل السوفسطائي والحوار السقراطي والمناظرات في نقد المسلمات من أشكال الثقافة التي انتشرت في بلاد اليونان فنشأت الكثير من الحركات الفكرية المتناقضة ولكن أهمها وأكبرها الفلسفة المثالية ثم الواقعية. الفلسفة المثالية (Idealism) ورائدها أفلاطون الذي يرى - مثل أستاذه سقراط (470 ق.م – 399 ق.م) - أن القيم والفضائل ثابتة لا تتغير وأن التربية يجب أن تعتني بالتأمل والخيال بينما ترى المدرسة الواقعية  ورائدها أرسطو (384 ق.م – 322 ق.م) - أن العناية بالحواس أهم من التركيز على الخيال وتتفق مع المثالية في كون الفضائل ثابتة. لا شك أن النزعة المثالية متأصلة في جذور الفكر الهندي والصيني مما يعني أن المثالية لا تعني ميلاد مدرسة فكرية غير معروفة على الإطلاق قبل اليونان.
    أعلت المدرسة الواقعية من شأن الحواس وأنزلت الفلسفة من سماء التأمل والُمثل إلى عالم الواقع والحواس وبذلك اتسعت ساحة المناهج التعليمية لأنها بدأت تشمل العلوم الفلكية والرياضية علاوة على العلوم الأدبية التقليدية. ترى المثالية طبيعة الإنسان على أنه يتكون من ثنائية الروح والجسد ولا بد من مراعاة هذه الثنائية لتنشئة الفرد بالشكل القويم. يجب أن تسمو التربية بالروح دون إهمال للجسم ولأن عالم المُثل هو غاية السمو الروحي فإن الفضائل حقائق مقبولة عالمياً والقيم الكبرى ثابتة لا تتبدل. يمثل الروح العالم اليقيني الأزلي أما عالم الجسد و المحسوسات فإنه عالم مؤقت خادع لذلك فإن الرقي الفكري خير من كسب المعاش. التأمل في عالم الروح مرحلة من مراحل الكمال.
    قدمت الفلسفة المثالية للتعليم فكرة التوليد السقراطي الذي يقوم على إثارة العقل ودفعه للبحث الذاتي. "كان سقراط يقول بأنه يحترف صناعة أمه، فهي قابلة تولد النساء وتشهد مخاض الأولاد، وهو يُولد النفوس ويشهد مخاض الأفكار" .
    يهتم التعليم عند المثاليين بقضايا فلسفية تجريدية روحية كما أصبحت الطرق القديمة الرتيبة -القائمة على إعلاء شأن التفكير التجريدي وحفظ المعلومات- تحتل أوسع مساحة في المدارس.
    أيَّد جون لوك (1632 – 1704 م) المدرسة الواقعية لأنها أعطت الفكر النقدي مجالا أوسع ولأنها ترى أن التجربة والواقع والحواس -لا المثال والتجريد- أساس المعرفة وأسلم طريق للحصول على العلم، والبحث فيه، والاستفادة منه. الطفل كما يرى لوك صفحة بيضاء تستقي سطورها من مداد تجارب الواقع. جاءت هذه الفلسفة لتؤكد على ضرورة دراسة الظواهر الطبيعية إلى جانب العناية بالرياضيات وسائر العلوم.
            يعد القسيس جون آموس كومينوس (1592-1670 م) من رواد المدرسة الواقعية الحسية وهو فيلسوف تشيكي. كان كومينوس أول من ألف كتاباً مصوراً للأطفال سماه عالم المحسوسات المصورة، ولم يقتصر اهتمامه على الأطفال فقط إنما شمل به الأمهات، حيث أقام لهن مدرسة متخصصة لتثقيفهن.
    قبل أكثر من أربعمائة سنة قدَّم كومينوس عمله المنهجي المبتكر في عالم الطفل عندما ألَّف كتابا عن عالم المحسوسات المصورة ليجعل الصورة من أهم أساليب تعليم الطفل في المدارس مع التركيز على تعليم الطفل حقائق الحياة وقد استخدم في كتابه "طريقة عرض الأشياء بدلاً من الكلمات والرموز وذلك بعرض الأشياء نفسها مصورة".
    ولا عجب أن يراه الباحثون كأول مؤسس للتربية الحديثة الخاصة بالطفل وأنه معلم الأمم. وإلى هذا اليوم يعتز الأوربيون بهذا العَلم لأنه اعتنى بالتربية العقلية والأخلاقية على حد سواء علاوة على أنه وضع منهجه الحسي في التدريس فأثَّر لعدة قرون في الفكر التربوي العالمي.
    رغم أن حياته المضطربة كانت مليئة بالمحن والاضطهاد إلا أنه أسعد أطفال العالم بوسائله التعليمية.
    رسخت الواقعية منهج التجريب والنقد العلمي والشك المنهجي وشجعت المتعلم على ملاحظة الظواهر الطبيعية بصورة منتظمة ونادت بإعمال العقل في التحليل واستغلال الحواس للتوصل للحقائق اليقينية. عكس الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596 – 1650م) جانباً من جوانب هذا المنهج في مقولته الشهيرة "أنا أفكر، وإذن فأنا موجود". لا يمكن الوصول للحقائق الدينية والدنيوية إلا من خلال منهج الشك. المنهج الشكي هو الطريق الصحيح لمعرفة وجود الله، ولمعرفة الحياة، ولمعرفة الحقيقة.
    وهكذا لم تفرق هذه المدرسة بين عالم المثل والروح وبين عالم الجسد والواقع ولم تتوسع في التأمل العقلي كما فعل أفلاطون. من محامد الواقعية كحركة فكرية أنها اهتمت بالتربية المهنية ودعت إلى ضرورة ربط المناهج التعليمية بالمجريات اليومية والحاجيات الحياتية الفعلية.


    **نقد على الفلسفة المثالية**
    1) إهمال الجوانب المهارية والأنشطة الإنسانية الأخرى , والتركيز على الجانب المعرفي.
    2) أعلت من شأن الروح, وأهملت أمر الجسد, ولذلك فهي ركزت على المعلومات والمعارف, وجعلت لها كياناً مستقلاً بعيداً عن اهتمام الطالب وميوله مما أدى إلى انفصال التلميذ والمدرس عن البيئة الاجتماعية والمادية التي يعيش فيها كل منهما.
    3) أما النقد الموجه إلى المنهج المثالي فهو أن هذا المنهج مصمم من أجل صقل العقل , وصفاء الروح , ونقل التراث الثقافي.وتقدم المواد الدراسية بصورة منطقية مرتبة لكنها لا تدرس على أساس فهم العلاقات فالتاريخ مثلاً يدرس بوصفه تاريخاً أي حسب التعاقب الزمني , لا على أساس أنه منهج مشكلات الحاضر وتوقعات المستقبل, ولا يهتم أصحاب المنهج المثالي بتعلم المهارات لاعتقادهم بأن هذا التعلم يفسد التلميذ ويتلف عقليته. ولذلك فالمثاليون يضعون المنهج الدراسي ثابتاً مطلقاً غير قابل للتغيير , وذلك إيماناً منهم بأن الطبيعة الإنسانية ثابتة لا تتغير.

    **نقد على الفلسفة الواقعية**


    1)لم تهتم التربية الواقعية بالتلميذ وميوله ورغباته , اعتقاداً منها أن الرغبات والميول ما هي إلا أمور أو نزعات طارئة وعارضة وهي أشياء متغيرة. لكن الحقائق والأساسيات العملية التي يحتويها المنهج هي أمور جوهرية لأنها ثابتة غير متغيرة.
    2)  اعتمدت الثنائية إذ قسمت العالم على مادة وصورة, وأهملت الجانب الروحي للإنسان, وهدفت الواقعية إلى التكيف مع البيئة المادية دون الروحية.
    3) أن هناك من الحقائق ما لا يمكن للعقل أن يصل إليها عن طريق أدواته المعروفة وبهذا يكون العقل قاصراً.
               

    أفلاطون    (الفلسفة المثالية)

    أفلاطون (باليونانية: Πλάτων پْلاَتُونْ) (عاش بين 427 ق.م - 347 ق.م) فيلسوف يوناني قديم, وأحد أعظم الفلاسفة الغربيين، حتى أن الفلسفة الغربية اعتبرت أنها ما هي إلا حواشي لأفلاطون. عرف من خلال مخطوطاته التي جمعت بين الفلسفة والشعر والفن. كانت كتاباته على شكل حوارات ورسائل وإبيغرامات(ابيغرام:قصيدة قصيرة محكمة منتهية بحكمه وسخريه يعرف أرسطو الفلسفة بمصطلحات الجواهر ، فيعرفها قائلا أنها علم الجوهر الكلي لكل ما هو واقعي . في حين يحدد أفلاطون الفلسفة بأنها عالم الأفكار قاصدا بالفكرة الأساس اللاشرطي للظاهرة . بالرغم من هذا الاختلاف فإن كلا من المعلم و التلميذ يدرسان مواضيع الفلسفة من حيث علاقتها بالكلي ، فأرسطو يجد الكلي في الأشياء الواقعية الموجودة في حين يجد أفلاطون الكلي مستقلا بعيدا عن الأشياء المادية ، و علاقة الكلي بالظواهر و الأشياء المادية هي علاقة المثال ( المثل ) و التطبيق . الطريقة الفلسفية عند أرسطو كانت تعني الصعود من دراسة الظواهر الطبيعية وصولا إلى تحديد الكلي و تعريفه ، أما عند أفلاطون فكانت تبدأ من الأفكار و المثل لتنزل بعد ذلك إلى تمثلات الأفكار و تطبيقاتها على أرض الواقع.

    أفلاطون هو أرسطوقليس، الملقَّب بأفلاطون بسبب ضخامة جسمه، وأشهر فلاسفة اليونان على الإطلاق. ولد في أثينا في عائلة أرسطوقراطية. أطلق عليه بعض شارحيه لقب "أفلاطون ". يقال إنه في بداياته تتلمذ على السفسطائيين وعلى كراتيلِس ، تلميذ هراقليطس ، قبل أن يرتبط بمعلِّمه سقراط في العشرين من عمره. وقد تأثر أفلاطون كثيرًا فيما بعد بالحُكم الجائر الذي صدر بحقِّ سقراط وأدى إلى موته؛ الأمر الذي جعله يعي أن الدول محكومة بشكل سيئ، وأنه من أجل استتباب النظام والعدالة ينبغي أن تصبح الفلسفة أساسًا للسياسة ، سافر إلى جنوب إيطاليا ، التي كانت تُعتبَر آنذاك جزءًا من بلاد اليونان القديمة. وهناك التقى بـالفيثاغوريين. ثم انتقل من هناك إلى صقلية حيث قابل ديونيسوس ، ملك سيراكوسا المستبد، على أمل أن يجعل من هذه المدينة دولة تحكمها الفلسفة. لكنها كانت تجربة فاشلة، سرعان ما دفعته إلى العودة إلى أثينا ، حيث أسَّس، في حدائق أكاديموس ، مدرسته التي باتت تُعرَف بـأكاديمية أفلاطون. لكن هذا لم يمنعه من معاودة الكرة مرات أخرى لتأسيس مدينته في سيراكوسا في ظلِّ حكم مليكها الجديد ديونيسوس الشاب، ففشل أيضًا في محاولاته؛ الأمر الذي أقنعه بالاستقرار نهائيًّا في أثينا حيث أنهى حياته محاطًا بتلاميذه.

    **مؤلفات أفلاطون**
    تمتاز مؤلفاته بتمثيلها لمراحل حياته الفكرية الثلاث:

    فالمجموعة الأولى من مؤلفاته هي التي كتبت في الفترة التي قضاها في أثينـا، والتـي أحاطت بموت أستاذه سقراط وقبل رحلاته خارج أثينا، وتمثل كتبه في تلك الفترة فلسـفة أستاذه سقراط.

    أما المجموعة الثانيـة فقد كتبها بعد رحلته إلى ميغاري وغيرها من البلاد، وآراؤه فيها خليط من آراء أستاذه سقراط وصديقه إقليدس الذي تعرَّف عليه في ميغـاري، وآرائـه الشخصية التي تمثل فلسفته وتفكيره الخاص.

    وأما المجموعة الثالثة: فقد كتبها بعد استقراره في أثينا، ووصله إلى درجـة من النضج والصفاء الذهني، وتلك المجموعة من المؤلفات هي التي تعبر عن استقلاله في التفكير الفلسفي.

    **فلسفة أفلاطون**
         شملت فلسفة أفلاطون موضوعات متعددة، وأهمها ما يلي:

    1 ـ نظريته في المعرفة من حيث مراحلها وكيفية تحصيلها.

    2 ـ نظريته في المثل، وهي بحث عن الحقيقة المطلقة فيما وراء الطبيعة.

    3 ـ نظريته في الطبيعة، وموضوعها الطبيعة، وتبحث في ظواهر الوجود من حيث هـو مادة يلازمها ملازمة ضرورية كل من المكان والزمان.

    4 ـ الأخلاق وتبحث في واجبات الفرد نحو غيره.

    5 ـ السياسة وتبحث في واجبات الإنسان نحو المجتمع، وفيها وضع أفلاطون نظريته في الحكم الجمهوري، وفي المدينة الفاضلة، وهو ما يعرف بجمهورية أفلاطون.

    أرسطو(الفلسفة الواقعية)

    **نشأته**
    ولد أرسطو عام 384 قبل الميلاد في مدينة ( ستاغيرا ) في شمال اليونان، وكان والده طبيبا مقربا من البلاط المقدوني ، وقد حافظ أرسطو وتلاميذه من بعده على هذا التقارب . وقد كان لوالده تأثير كبير عليه لدخوله مجال التشريح ودراسة الكائنات الحية التي منحته القدرة على دقة الملاحظة والتحليل . وفي عام 367 رحل أرسطو إلى أثينا للالتحاق بمعهد أفلاطون ، كطالب في البداية ، وكمدرس فيما بعد . وكان أفلاطون قد جمع حوله مجموعة من الرجال المتفوقين في مختلف المجالات العلمية من طب وبيولوجيا ورياضيات وفلك . ولم يكن يجمع بينهم رابط عقائدي سوى رغبتهم في إثراء وتنظيم المعارف الإنسانية ، وإقامتها على قواعد نظرية راسخة ، ثم نشرها في مختلف الاتجاهات ، وكان هذا هو التوجه المعلن لتعاليم وأعمال أرسطو.

    **مكانته**
    ثاني أكبر فلاسفة الغرب بعد أفلاطون. مؤسس علم المنطق، وصاحب الفضل الأول في دراستنا اليوم للعلوم الطبيعية، والفيزياء الحديثة. أفكاره حول الميتافيزيقيا لا زالت هي محور النقاش الأول بين النقاشات الفلسفية في مختلف العصور، وهو مبتدع علم الأخلاق الذي لازال من المواضيع التي لم يكف البشر عن مناقشتها مهما تقدمت العصور. ويمتد تأثير أرسطو لأكثر من النظريات الفلسفية، فهو مؤسس البيولوجيا (علم الأحياء) بشهادة داروين نفسه، وهو المرجع الأكبر في هذا المجال. وشعره يعتبر أول أنواع النقد الدرامي في التاريخ، وتأثيره واضح على جميع الأعمال الشعرية الكلاسيكية في الثقافة الغربية وربما غيرها أيضا . ويرجع سبب هذا التأثير إلى أن أعمال أرسطو كانت شاملة، وتحيط بجميع الجوانب الحياتية، وتروق لجميع أنواع البشر والثقافات.



    **المجموعة الارسطوطالية**
    1) المنطق

    2) الطبيعة

    3) ما وراء الطبيعة ( الميتافيزيقيا )

    4) الأخلاق و السياسة

    5) الخطابة والشعر



    **وفاته**
    بعد موت أرسطو، استمر التقليد الفلسفي الارسطوطالي سائدا خلال الحقبة الهلنسية ( الإغريقية ) من خلال المدرسة المشائية التي أسسها ، وقد ساعد ظهور النزعات الانتقائية والكلاسيكية المحدثة خلال القرن الأول قبل الميلاد على تنصيب أرسطو كمرجعية فلسفية وحيدة لجميع الفلاسفة وخصوصا في المنطق والعلوم الطبيعية . أما في الفترة من القرن الثالث وما تلاه ، فقد كانت الفلسفية الاقلوطينية هي السائدة حينذاك ، وذلك لأنها ناسبت الحياة الدينية المسيحية التي انتشرت في ذلك العهد . وقد تبنى رجال الدين المسيحيين في عصر الدولة الرومانية والبيزنطية والإسلامية التوجه الأفلاطوني ، ونبذوا الفلسفة الارسطوطالية باعتبارها نوعا من الهرطقة . ومع ذلك فإن الفلسفة النصرانية ( الاسكولاستية ) في القرون الوسطى في أوروبا قد ظهرت وتطورت بفضل استيعاب الفلسفة الارسطوطالية بالرغم من محاربة رجال الدين ، وقد أدى هذا التقارب المشبوه بين النصرانية الارسطوطالية إلى فقدان الارسطوطالية لسمعتها الطيبة ، إلى أن أعيدت لها تلك السمعة مع بداية القرن التاسع عشر بفضل ظهور الفيلسوف الألماني هيغل الذي أعاد للفلسفة الارسطوطالية اعتبارها وجعل منها الأساس الذي قامت عليه الفلسفة الحديثة..

    **تأثيره**
    لقد أثر أرسطو كثيرا في مفكري العالم بعلم المنطق الصوري الذي جاء به و الذي يعتبر أول القواعد التي عرفتها البشرية و يمكن فيه أن نميز بين مجموعة من المفاهيم مثل: التصور و هو فكرة عامة تعبر عن مظهر من مظاهر الواقع كقولنا شجرة، إنسان ... الحد: وهو اللفظ أو الكلمة التي نعبر بها عن التصورات. الكليات الخمس: وهي أساس القيام بالتعريف المنطقي وهي الجنس، الفصل النوعي، النوع، الخاصة و العرض العام. يمكن التمييز بين نوعين من الاستدلال الأرسطي: مباشر و فيه تقابل القضايا وعكس القضايا.



    **من مقولاته**
    _الفقر والد الثورة والجريمة.

    _أن تدرك يعني أن تعاني.

    _الشيطان يجمع الرجال معا.

    _السعادة مرهونة بنا نحن.

    الفلسفة البراجمماتية و التقدمية

      ترجع أصول الفلسفة البراغماتية (Pragmatism) إلى كتابات هريقليتس (535 – 475 ق.م) المفكر اليوناني وكونتليان (35م – 95 م) الخطيب الروماني و شارلز بيرس ووليم جيمس (18420-1910 م). تسمى البراغماتية بالأدائية والذرائعية والنفعية والعملية. أفرزت الفلسفة البراغماتية لاحقاً الفلسفة التقدمية وهي مدرسة إصلاحية تؤكد على دور المدرسة على أن تكون مرآة مصغرة للبيئة لأنها يجب أن تعكس أنشطة الحياة خارج أسوار المدرسة في منظومة ديناميكية متكاملة متجانسة. ربطت هذه الفلسفة التربية بخدمة المجتمع مع إعطاء المتعلم قدرا كبيرا من الحرية في اختيار ممارساته. رسخ جون ديوي معالم هذه النظرية ودفع بها إلى عالم الشهرة والأضواء حتى غدت من أكثر المدارس الفلسفية انتشاراً في العالم الغربي والعربي. وقام إسماعيل القباني (1898 – 1963 م) –المربي المصري- ببذل جهودٍ علمية وعملية ضخمة لنشر هذه الفلسفة في مصر وسائر أرجاء الوطن العربي ونذر حياته الحافلة لذلك الغرض وجعلها من أولويات التربية العربية المعاصرة.
    تدور جميع محاور المدرسة التقدمية حول مفهوم الخبرة والممارسة وخطوات التفكير العلمي القائمة على مهارة حل المشكلات (Problem-Solving Skills) وخدمة المجتمع الديمقراطي وتبني مبدأ المشاريع كوسيلة من وسائل التعلم. وتؤكد أيضاً على ضرورة تجاوز الماضي والمتعلم أحوج ما يكون إلى ثقافة اليوم والغد يأخذ منها على قدر حاجته للحياة الفاعلة المفعمة بالخبرات الناجحة. لا شك أن هذه المدرسة قامت بثورة فكرية تاريخية ضد المدارس التقليدية التي اهتمت بالمعلومات وقللت من شأن المهارات. لا تؤمن هذه المدرسة بثبات القيم بل الأخلاق نسبية تتحدد وفق قناعات المجتمع فالقيم تتفاوت حقيقتها حسب وضع وزمن المجتمع وقناعات الفرد. من هنا فلا حاجة كبيرة للدين والموضوعات النسبية في المناهج و المناشط التعليمية. أهم محور في هذه الفلسفة أن الطريق لكسب المعرفة يكون بالممارسة الحسية ولا يتحقق بالمدارسة التأملية.
    مهدت الفلسفة البراغماتية للتربية التقدمية (Progressivism) ويعتبرها البعض التطبيق التربوي لها. ظهرت هذه المدرسة في أمريكا في بداية القرن العشرين وأبرز روادها هو الفيلسوف والمربي الشهير: جون ديوي. نشطت الحركة التقدمية واكتسحت الساحة التربوية الأمريكية في الفترة ما بين 1920-1945م. دعت هذه الحركة الضاغطة إلى دعم العملية التعليمية بمزيد من الجهود الإنسانية والطاقات المتخصصة، والإمكانات المتاحة. من الواضح أن الحركة التقدمية تجاوزت الجدل الفلسفي النظري وأنزلت الفلسفة من برج الجدل العالي إلى واقع الناس الفعلي. لفترة طويلة كانت الفلسفة تائهة في دهاليز المثاليات ولم تر نور العمل الإجرائي إلا قليلاً، وكثيرا ما كانت الأفكار تحتقن ثم تختنق في عروق الفلاسفة لأنها تغذت بالنظريات من دون أن تعرف طريقها إلى عالم التجارب.
    جاءت المدرسة التقدمية كثورة عارمة على سلبيات النظام التعليمي التقليدي العقيم الذي يقوم على التمحور حول المعلم والكتاب المقرر وطرائق التعليم الجامدة. أكدت المدرسة التقدمية على الآتي:
    1- الخبرة المباشرة مع البيئة المحيطة أفضل مناخ للتعلم. فلسفة التربية تسند إلى قاعدة أساسية وهي أن التعلم الفعال ينتج من خبرات تعليمية ممتعة قائمة على مبدأ الإبداع وحل المشكلات.
    2-الاعتماد على الكتاب المدرسي والمنهج والتقوقع في إطاره لا يناسب المتعلمين إذ أن التعلم الجيد يجب أن يقوم على أساس مبدأ الحرية والمرونة والخبرة والشمول.
    3- المعلم كالموجه الإداري الذي يتيح ويوفر الأجواء المناسبة للتعليم من خلال طرح الأسئلة وتوجيه اهتمامات المتعلمين إلى الميادين الإنتاجية.
    4- مراعاة الفروق الفردية لكل متعلم بحيث يتعلم الطالب كيف يسأل عن البيئة المحيطة به ويستفيد منها وهذه من أهم المهارات الحياتية.
    5-المدرسة عليها أن لا تنحصر في نفسها وعليها أن لا تنعزل عن المحيط الاجتماعي الخارجي الذي يحيط بالمدرسة واليوم ذهب بعض رواد المدرسة التقدمية إلى أبعد من أطروحات جون ديوي حيث اقترحوا: أن تكون جميع البرامج الدراسية من المواد التي يريد المتعلم دراستها ويرغب تعلمها ومن الواضح أن هذا التوجه الجديد عليه انتقادات كثيرة.
    6- جميع العلوم والقيم نسبية متغيرة والمدارس يجب أن تركز على أسلوب حل المشكلات وأن تقوم بتزويد المتعلم بالمهارات التي تساعده على التغيير لا المعلومات التي قد تتغير في المستقبل.

     جون ديوي ((1854_1952))


    ولد جون ديوي بمدينة (برلنجتون_ولاية فيرمونت) في الولايات المتحدة الأمريكية وقد تلقى تعليمه في (جامعة فيرمونت) ثم انتقل إلى جامعة (جون هوبكنز) فحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة .
    وهو مربي وفيلسوف وزعيم من زعماء الفلسفة البراغماتية ،ويقال انه هو من أطال عمر هذه الفلسفة واستطاع أن يستخدم بلياقة كلمتين قريبتين من الشعب الأمريكي هما(العلم و الديمقراطية)
    فقد كان ديوي يطمح لبناء مجتمع ديمقراطي وفلسفة علمية فهو يطمح لوضع توازن فيه قيمة الفرد مع قيمة الجماعة والمجتمع . وبرأي ديوي أن النظام الصحيح هو الذي يحقق المرونة بعلاقة الفرد بالمجتمع الذي ينتمي إليه ويعيش فيه ، وقد تجلت عبقرية جون ديوي في ربطه ربطا ًواعيا بين التربية والمجتمع والحياة ،فالحياة تطورت في أوروبا وأصبح المجتمع الأمريكي مجتمع صناعي وبرأيه أن المدرسة يجب أن تكون مجتمع صغير تدب فيه الحياة ، ويدعو ديوي إلى التربية المستمرة التي لا تتوقف عند سن معين فالتربية من المهد إلى اللحد فهي ليست جرعة تعطى مرة واحدة والى الأبد بل هي بحاجة إلى الاستمرار لان العلم لديه دائما شيء جديد يوافينا به. وله نظرية ركز فيها على أربعة نقاط أساسية وهي ....التعلم من خلال العمل والعمل اليدوي وحل المشاكل بطريقة سيكولوجية دون جرح مشاعر الطلاب وكذلك يرى بأن المدرسة هي مختبر وليست قاعة محاضرة . ويرفض ديوي نظرية (جون لوك) التي ترى بأن ((الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء خالية من الكتابة )) فالعلاقة الصحيحة برأي ديوي قائمة على التفاعل وهذا يعني أن طريقة التدريس الملائمة هي التي تعتمد على الحوار وحل المشكلات والتعلم الذاتي ، والفكر الحقيقي لديوي يبدأ من موقف إشكالي من عقدة أو عقبة تعترض مجرى التفكير فالطبيعة تتغير باستمرار وتغتني وتزداد ثراء وتغير الفكر معها وهكذا فان العملية مستمرة فلا حقائق مطلقة ولا المعرفة ثابتة فكل شيء يعتريه التغير .
    ولقد وضع ديوي كتاب سماه ((كيف نفكر وكيف نحل المشاكل)) ووضع خمس مراحل لحل المشكلة وهي

    _1 الشعور بالمشكلة  2_ تعريف المشكلة وتحديدها 3_ وضع الفرضيات واقتراح الحلول
    4_التحقق من التجربة أي اختبار الفرضيات 5_الوصول إلى النظرية والتعميم .

    لقد أكد ديوي على العلاقة الوثيقة بين التقدم العلمي والنظام الديمقراطي ولقد استفادت أمريكا من أفكار جون ديوي في موضوع التربية وجذب العقول واستقطاب كل علماء الأرض ، ويعتبر ديوي الفلسفة سلطة تشريعية مهمتها نقض القيم الحاضرة واقتراح قيم جديدة تواكب التغيرات الحاصلة في الحياة ومن مهمة الفلسفة أيضا تفسير نتائج العلم الاختصاصي .

    لقد كانت حياة جون ديوي تعج بالنشاط والحركة ، حيث تعدى تأثيره الولايات المتحدة الأمريكية وامتد إلى بقية العالم فترجمت كتبه إلى لغات عديدة واستشارته الحكومة الروسية عقب ثورتها ليضع نظامها التعليمي على أسس تقدمية ، وزار محاضرا كلا من اليابان ، الصين ، تركيا ، المكسيك ، وكانت لنظرياته وطرائقه أعمق الأثر في توجه التربية في سائر الأمم الناطقة باللغة الانكليزية والمتأثرة بثقافتها.

    الفلسفة الطبيعية

    هناك العديد من البواعث التي دفعت المفكرين إلى بلورة المدرسة الطبيعية (Naturalism) في أواخر عصر النهضة بعد اضمحلال التعليم وبعد أن "انتشر الزهد وسادت النزعة الدينية وضعفت الحركة الإنسانية" .
    ظهرت الفلسفة الطبيعية لتنادي بالرجوع إلى المناشط التعليمية التي تتماشى مع القوانين الطبيعية الأصيلة كتشجيع الخبرات المباشرة والرحلات الميدانية. من هنا فإن العقاب البدني يتنافى مع أبجديات هذه الفلسفة القائمة على تشجيع الذاتية ورفض التعسف الذي يقمع تنمية الميول الطبيعية للطفل.
    اهتم جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau (1712 – 1778 م) بالبُعد الإنساني وأخذ في بلورة الفلسفة الطبيعية وذلك في كتابه إميل فرسم للتربويين مسار التعليم ورسخ دور الطبيعة لا المدرسة في تنمية الأطفال. قصة إميل تجسد أهمية الطبيعة في تربية الطفل تربية صحيحة تحرره من المدارس والأنشطة الصفية التي تُكَبل النفس بقيود كثيرة، وتكبل الفكر بكوابح عديدة، وتمنع الطفل من الانطلاق والتعلم والتمتع بالعالم الفسيح من حوله والذي يحتوي على خبرات ثرية تفي بحاجته وتلبي طموحاته. طالب روسو بتلبية احتياجات الطفل وضرورة إزالة العقبات التي تواجهه وفقا لمتطلبات بيئته على أن لا تتنافى طرائق التعليم مع حرية الطفل ونموه.
    يري بعض الباحثين في مجال الطفولة أن جان جاك روسو من الذين أحدثوا تغييراً هاماً في النظرة إلى الطبيعة الإنسانية وحاجات المجتمع وأنه من أوائل مَن نادى بالتعلم الذاتي دون فرض أو إكراه وعليه فإن حرية الطفل وحقه في التعبير وعدم إرهاقه بالمسئوليات من أهم المبادئ التربوية التي تتفق مع الطبيعة وقوانينها فالطبيعة تسمح بالنمو الحر الطليق فينمو الطفل وفق فطرته الخيرة .
    جان جاك روسو من الفلاسفة غير المنصفين للمرأة ففي كتابه إميل يقول: «المرأة وجدت خصيصاً لإسعاد الرجل.. وإذا كان على الرجل أن يسعدها في المقابل فإن ذلك أقل أهمية ففضيلته تكمن في أنه قوي. بل كان روسو يعتقد بوجود فوارق في «الطبيعة الأخلاقية» بين الجنسين. فهناك قيم خاصة بالمرأة وأخرى خاصة بالرجل، ومن أجل ذلك طالب بأن يكون تعليم المرأة موجهاً للهدف من وجودها وهو إسعاد الرجل. الليبراليون ... يجمعون على أنه بما أن المرأة لم تحظ بالقدر المساوي من التعليم والتنشئة الاجتماعية ذاتها التي حظي بها الرجل، فإننا لا يمكن أن نجزم بوجود فرق جوهري بين الجنسين. والواقع أن التطبيق الغربي رغم عدم مثاليته في بعض الجوانب، أثمر ازدهاراً حضارياً ورفاهية لم تعرفها البشرية عبر تاريخها المرأة المثقفة عند روسو وبال على زوجها وأسرتها ومجتمعها وعليها أن تأخذ من التعليم قدراً محدوداً كي ترعى منزلها فقط كأن تتعلم الطهي والتطريز والموسيقى.
    يتفق هربرت سبنسر (1820 – 1903) مع الفلسفة الطبيعية في كثير من مسلماتها ولكنه نادى بأهمية العقاب بما يتماشى مع الطبيعة كطريقة لتعليم الطفل .
    من منظور الفلسفة الطبيعية نجد أن الطبيعة قادرة على تشكيل النفس الإنسانية السوية كي تتكيف مع المجتمع. نادت هذه الفلسفة بضرورة احترام الفروق الفردية وحماية الطفل من الضغوط المجتمعية التي تحدث باسم التنشئة وتمارسها الأسرة أو المدرسة دون اعتبار لذاتية الفرد. أنصار هذا المذهب مثل يوحنا هنري بستالوزي (1746 – 1827 م) وفردريك فروبل (1782 – 1852م) وروسو وسبنسر عملوا على إرساء دعائم تربوية ذات صبغة نفسية للتعامل مع الأطفال على أساس تشجيع واحترام حرية الطفل في كيفية تنمية الملكات النفسية والعقلية والجسدية. التعليم المدرسي يُفسد النفس الخيِّرة للمتعلم ويفسد طبيعته السوية فالواجب أن نعرف المراحل العمرية والمناشط التعليمية المناسبة لسيكولوجية النمو في كل مرحلة. وبما أن الطبيعة والخبرات التي تتناغم معها هي أساس التعامل مع النفس فإن الطبيعة وكل ما ينسجم مع نواميسها هي مصدر المعرفة ومنها نستقي أصول التربية وبالتالي فإن الضغوطات الخارجية مثل الواجبات المدرسية والاختبارات تعكر صفو النمو الطبيعي.

    جان جاك روسو

    (28 يونيو 1712-2 يوليو 1778)
    فيلسوف فرنسي، كان أهم كاتب في عصر العقل. وهو فترة من التاريخ الأوروبي، امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلاديين. ساعدت فلسفة روسو في تشكيل الأحداث السياسية، التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية. حيث أثرت أعماله في ا لتعليم والأدب والسياسة. حياته المبكرة. وُلد روسو في مدينة جنيف فيما يُعرف الآن بسويسرا. وكانت أسرته من أصل بروتستانتي فرنسي، وقد عاشت في جنيف لمدة مائتي عام تقريبًا. توفيت أمه عقب ولادته مباشرة، تاركة الطفل لينشأ في كنف والده، الذي عُرف بميله إلى الخصام والمشاجرة. ونتيجة لإحدى المشاجرات عام 1722م، اضطر والد روسو إلى الفرار من جنيف. فتولى عم الصبي مسؤولية تربيته. وفي عام 1728م، هرب روسو من جنيف، وبدأ حياة من الضياع، ومن التجربة والفشل في أعمال كثيرة. ولكنه كان دائمًا تستهويه الموسيقى. وظل لسنوات مترددًا بين احتراف الكتابة أو الموسيقى. وبعد وقت قصير من رحيله عن جنيف، وهو في الخامسة عشرة من عمره، التقى روسو بالسيدة لويز دي وارنز، وكانت أرملة موسرة. وتحت تأثيرها، انضم روسو إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. ومع أن روسو كان أصغر من السيدة دي وارنز باثني عشر أو ثلاثة عشر عامًا، إلا أنه استقر معها بالقرب من مدينة شامبيري، في دوقية سافوي. وقد وصف سعادته بعلاقتهما في سيرته الذاتية الشهيرة اعترافات التي كتبت في عام 1765 أو 1766م - 1770م، ونُشرت عامي 1782م و 1788م، ولكن العلاقة لم تدم، فقد هجرها روسو أخيرًا عام 1740م. وفي عام 1741م أو 1742م، كان روسو في باريس يجري وراء الشهرة والثروة، وقد سعى إلى احتراف الموسيقى. وكان أمله يكمن في وضع نظام جديد للعلامات والرموز الموسيقية قد كان ابتكره. وقدم المشروع إلى أكاديمية العلوم، ولكنه أثار قدرًا ضئيلاً من الاهتمام. في باريس، اتَّصل روسو بـالفلاسفة وهي جماعة من مشاهير كتاب وفلاسفة العصر. وحصل على التشجيع المادي من مشاهير الرأسماليين. ومن خلال رعايتهم، خدم روسو أمينًا للسفير الفرنسي في البندقية خلال عامي 1743، 1744م. كانت نقطة التحول في حياة روسو عام 1749م، حين قرأ عن مسابقة، تكفَّلت برعايتها أكاديمية ديجون، التي عرضت جائزة مالية لأحسن مقال عن الموضوع، وهو ما إذا كان إحياء النشاط في العلوم والفنون من شأنه الإسهام في تطهير السلوك الأخلاقي. وما أن قرأ روسو عن المسابقة حتى أدرك المجرى الذي ستتّجه إليه حياته. وهو معارضة النظام الاجتماعي القائم، والمضيّ فيما بقي من حياته في بيان الاتجاهات الجديدة للتنمية الاجتماعية. وقدم روسو مقاله إلى الأكاديمية تحت عنوان: بحث علمي في العلوم والفنون عام 1750 أو 1751م، حمل فيه على العلوم والفنون لإفسادها الإنسانية. ففاز بالجائزة، كما نال الشهرة التي ظل ينشُدها منذ أمد بعيد. حياته المتأخرة. عندما تحول روسو إلى المذهب الكاثوليكي، خسر حقوق المواطنة في جنيف. ولكي يستعيد هذه الحقوق تحول مرة أخرى عام 1754م إلى المذهب البروتستانتي. وفي عام 1757م اختلف مع الفلاسفة؛ لأنه استشعر منهم الاضطهاد. وتتسم آخر أعمال روسو بالإحساس بالذنب وبلغة العواطف. وهي تعكس محاولته للتغلب على إحساس عميق بالنقص، ولاكتشاف هويته في عالم كان يبدو رافضًا له. حاول روسو في ثلاث محاورات صدرت أيضًا تحت عنوان قاضي جان جاك روسو كُتبت في المدة بين عامي 1772 - 1776م، ونُشرت عام 1782م، حاول الرد على اتهامات نقاده، ومن يعتقد أنهم كانوا يضطهدونه. أما عملُه الأخير، الذي اتسم بالجمال والهدوء، فكان بعنوان أحلام اليقظة للمتجول الوحيد (كُتبت بين عامي 1776 و1778م، ونُشرت عام 1782م). كذلك، كتب روسو شعرًا ومسرحيات نظمًا ونثرًا. كما أن له أعمالاً موسيقية من بينها مقالات كثيرة في الموسيقى ومسرحية غنائية (أوبرا) ذات شأن تسمى عرّاف القرية، ومعجم الموسيقى (1767م)، ومجموعة من الأغنيات الشعبية بعنوان العزاء لتعاسات حياتي (1781م). وفضلاً عن ذلك، كتب روسو في علم النبات، وهو علم ظل لسنوات كثيرة تتوق نفسه إليه
    أفكاره. قام روسو بانتقاد المجتمع في رسائل عديدة. ففي رسالته تحت عنوان: بحث في منشأ وأسس عدم المساواة (1755م)، هاجم المجتمع والملكية الخاصة باعتبارهما من أسباب الظلم وعدم المساواة. وكتابه هلويز الجديد (1761م) مزيج من الرواية الرومانسية والعمل الذي ينتقد بشدة زيف المبادئ الأخلاقية التي رآها روسو في مجتمعه. وفي كتابه العقد الاجتماعي (1762م)، وهو علامة بارزة في تاريخ العلوم السياسية، قام روسو بطرح آرائه فيما يتعلق بالحكم وحقوق المواطنين. وفي روايته الطويلة إميل (1762م) أعلن روسو أن الأطفال، ينبغي تعليمهم بأناة وتفاهم. وأوصى روسو بأن يتجاوب المعلم مع اهتمامات الطفل. وحذر من العقاب الصارم ومن الدروس المملة، على أنه أحس أيضًا بوجوب الإمساك بزمام الأمور لأفكار وسلوك الأطفال. كان روسو يعتقد أن الناس ليسوا مخلوقات اجتماعية بطبيعتهم، معلنًا أن من يعيشون منهم على الفطرة معزولين عن المجتمع، يكونون رقيقي القلب، خالين من أية بواعث أو قوى تدفعهم إلى إيذاء بعضهم بعضًا. ولكنهم ما إن يعيشوا معًا في مجتمع واحد حتى يصيروا أشرارًا. فالمجتمع يُفسد الأفراد من خلال إبراز ما لديهم من ميل إلى العدوان والأنانية. لم يكن روسو ينصح الناس بالعودة إلى حالة من الفطرة. بل كان يعتقد أن الناس بوسعهم أن يكونوا أقرب ما يكونون إلى مزايا هذه الحالة، إذا عاشوا في مجتمع زراعي بسيط، حيث يمكن أن تكون الرغبات محدودة، والدوافع الجنسية والأنانية محكومة، والطاقات كلها موجهة نحو الانهماك في الحياة الجماعية. وفي كتاباته السياسية، رسم روسو الخطوط العريضة للنظم التي كان يعتقد، أنها لازمة لإقامة ديمقراطية يشارك فيها كافة المواطنين. يعتقد روسو أن القوانين يتعيّن عليها أن تعبر عن الإرادة العامة للشعب. وأي نوع من الحكم يمكن أن يكتسب الصفة الشرعية مادام النظام الاجتماعي القائم إجماعيًا. واستنادًا إلى ما يراه روسو، فإن أشكال كافة الحكم تتجه في آخر الأمر إلى الضعف والذبول. ولا يمكن كبح التدهور إلا من خلال الإمساك بزمام المعايير الأخلاقية، ومن خلال إسقاط جماعات المصالح الخاصة. وقد تأثر روبسْبيير وغيره من زعماء الثورة الفرنسية بأفكار روسو بشأن الدولة، كما أن هذه الأفكار كانت مبعث إلهام لكثير من الاشتراكيين وبعض الشيوعيين. نفوذه الأدبي. مهد روسو لقيام الرومانسية، وهي حركة سيطرت على الفنون في الفترة من أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلاديين؛ فلقد ضرب روسو، سواء في كتاباته أو في حياته الشخصية، المثل على روح الرومانسية، من خلال تغليبه المشاعر والعواطف على العقل والتفكير، والنزوة والعفوية على الانضباط الذاتي. وأدخل روسو في الرواية الفرنسية الحب الحقيقي المضطرم بالوجدان، كما سعى إلى استخدام الصور الوصفية للطبيعة على نطاق واسع، وابتكر أسلوبًا نثريا غنائيًا بليغًا. وكان من شأن اعترافاته أن قدمت نمطًا من السير الذاتية التي تحوي أسرارًا شخصية.

    الفلسفة الوجودية

    تؤمن الفلسفة الوجودية Existentialism بالحرية الإنسانية المطلقة في الحياة وهي بالتالي ثورة حقيقية متواصلة على كل القيم المتوارثة وجميع الفلسفات السابقة. الوجودية "رؤية فلسفية للوجود الإنساني، ظهرت في أوربا – عقب الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918 م) – في ألمانيا أولاً ثم في فرنسا".
    لا يساورنا شك في أن الوجودية كنظرية وتطبيق ليست حركة جديدة بل جذورها في هذا المضمار ضارب في القدم وعندما تحررت أوربا من سلطة الكنيسة أصبح المفكر لا يخاف من نشر خواطره الخطيرة فاستغل البعض أجواء الحرية لنسف كل الحدود الدينية وجميع السدود المجتمعية. تنقسم هذه المدرسة إلى قسمين: القسم الديني المؤمن بالنصرانية، والقسم الملحد. القاسم المشرك بين القسمين أنهما يحاولان فلسفياً بيان ماهية الوجود الإنساني. الوجودية الملحدة هي المعروفة والأكثر شهرة في الثقافة العربية والعالمية ولقد تلقفها –للأسف- مجموعة غير قليلة من المسلمين ضمن سلسة الاختراق الثقافي الإيديولوجي، ونحن هنا سنتعرض لمرتكزات هذا القسم مع بيان مجمل للتطبيق التربوي. تلغي هذه الفلسفة خصوصيات الإنسان ككائن اجتماعي يتأثر بمعطيات المجتمع فلا يمكن أن يتغافل عن محيطه الذي يعيش فيه كما أن النظرة الوجودية تحرم الإنسان من الصلة الروحية بخالقه فلا تعطي أي وزن للمضامين الدينية.
    يقوم هذا المذهب الذي نبت في أوربا على فكرة أساسية تنص على أن "الوجود الإنساني الذي هو الحقيقة اليقينية الوحيدة ... ولا يوجد شيء سابق عليها، ولا بعدها، وتصف الوجودية الإنسان بأنه يستطيع أن يصنع ذاته وكيانه بإرادته ويتولى خلق أعماله وتحديد صفاته وماهيته باختياره الحر دون ارتباط بخالق أو بقيم خارجة عن إرادته، وعليه أن يختار القيم التي تنظم حياته". "ترجع بذور مذهب الوجودية إلى الكاتب الدانمركي كيركا جورد 1813-1855م وقد نمى آراءه وتعمق فيها الفيلسوفان الألمانيان مارتن هيدجر الذي ولد عام 1889م، وكارك يسبرز المولود عام 1883م. وقد أكد هؤلاء الفلاسفة على أن فلسفتهم ليست تجريدية عقلية، بل هي دراسة ظواهر الوجود المتحقق في الموجودات" .
      الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر (1905 - 1980 م) أكبر منظر لهذه المدرسة التي لا تقيم وزناً للدين والقيم الثابتة. انتشرت أفكاره في النصف الثاني من القرن العشرين وخاصة في ميدان القصة والشعر. من نتائج التحرر التام من أنظمة المجتمعات: الدعوة العلنية للإباحية الجنسية، وتسفيه الأديان، والاستهتار بالمبادئ العامة، وتقديس الإنسان، وقمع الحِس الجماعي، ونبذ مكارم الأخلاق. استغلت الحركة الصهيونية هذا المذهب الهدام لزعزعة النظام وتحقيق مآربها الضالة.
    تظهر الملامح التربوية الرئيسية في الفلسفة الوجودية في النقاط التالية:
    "تكون الفلسفة أكثر فائدة إذا بنيت على الحقيقة" كما يقول سارتر فالمعرفة الحدسية أساس الفلسفة الكلية.
    الإنسان هو الغاية في الحياة. الحياة رحلة يبحث فيها الإنسان عن إجابة للأسئلة المحيرة كي يسعد ولا يستبد به الشك.
    التربية بكل مناهجها التعليمية وأنشطتها الفصلية يجب أن تحقق ذاتية الفرد لا أهداف المجتمع.
    التحرر من الأخلاق أساس السلوك البشري كله.
    تشجيع الشك في كل المسلمات، وتمجيد العقل، والترحيب بالحوار بلا حدود.
    لا تعترف الوجودية بالحق المطلق والفضائل الأخلاقية بل هي العدو اللدود للعقل وللوجود.
    "تنكر الوجودية على المعلم استخدام العقاب أو التوبيخ أو الإذلال حتى لو كان الطالب مخطئاً لأن أهمية التربية ليست بحجم المادة التي يتعلمونها بل بمقدار أو بكيفية الاستفادة مما يتعلمون" .
    المتعلم هو محور الحركة التعليمية وجميع الخبرات التثقيفية.
    "المدرسة في رأي الفلاسفة الوجوديين مسئولة عن فتح المجال أمام التلاميذ للبحث والتدقيق في أي مجال يرغبونه" .
    "لقد أجادت الوجودية استخدام الفن والأدب، بما في ذلك المسرح في نشر فلسفته" .
    الجانب العملي المستمد من الواقع المادي هو الطريق المؤدي إلى صياغة الشخصية الإنسانية المؤمنة بذاتها، المستقلة عن غيرها. تهاجم الوجودية التعليم المهني والتخصصي إذا كان يقيد مستقبل الإنسان لأنه يقلل فرص الاختيار للعمل وهذا يخدم المجتمع لا الفرد.
           لقد جاءت التربية الوجودية بعد مخاض طويل واضطراب كبير لتعالج الفوضى التي أصابت أوربا الصناعية بعد اشتعال الحروب الطاحنة وفشل الدين النصراني في إيجاد إجابة وافية واستجابة مقنعة لقضايا العصر. نجحت الوجودية في جوانب عديدة في توجيه سهام النقد للحضارة الغربية وتوجهاتها الفكرية. جاءت النظرية الوجودية لتحل المشكلات بمنهج الشك ولتبدد الحيرة في النفوس ولكن الأمر ازداد غموضاً واضطرابا فقام الغربيون بتفنيدها. الباحث المسلم لا يمكن أن يغض الطرف عن خلل وتحلل الفلسفة الوجودية في ميدان الاعتقاد والعمل لأنها من أخطر المذاهب التي تنخر جيل الشباب خاصة وتدفع بهم إلى هاوية الشرك، والقنوط، والعزلة فكيف تطمئن القلوب، وتقر النفوس؟ لا ريب أن الملحد الذي ينكر خالقه قد جحد دلالات العقل، وأنكر شواهد الفطرة، وأهمل مسلمات الحواس، وجهل الأخبار الصادقة المتواترة، وجميعها آيات بينات تشهد بوجود الخالق.

    جون بول سارتر

    **حياته**
    هو فيلسوف وروائي ومؤلف مسرحي فرنسي . بدأ حياته العملية أستاذاً. درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. حين احتلت ألمانيا النازية مع فرنسا، انخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السرية.
    بعد الحرب أصبح رائد مجموعة من المثقفين في فرنسا. وقد أثرت فلسفته الوجودية، التي نالت شعبية واسعة، على معظم أدباء تلك الفترة. منح جائزة نوبل للآداب عام 1964. تميزت شخصياته بالانفصال عنه وبدت وكأنها موضوعات جدال وحوار أكثر منها مخلوقات بشرية، غير أنه تميز بوضع أبطاله في عالم من ابتكاره.
    لم يكن سارتر مؤلفاً مسرحياً محترفاً، وبالتالي فقد كانت علاقته بالمسرح عفوية طبيعية. وكان بوصفه مؤلفاً مسرحياً، يفتقر أيضاً إلى تلك القدرة التي يتمتع بها المحترف بالربط بين أبطاله وبين مبدعيهم. كما كان يفتقر إلى قوة التعبير الشاعري بالمعنى الذي يجعل المشاهد يلاحق العمق الدرامي في روح البطل الدرامي.
    تميزت موضوعات سارتر الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأزق أو الورطة. ومسرحياته " الذباب" " اللامخرج" "المنتصرون" تدور في غرف التـعذيب أو في غرفة في جهنم أو تحكي عن طاعون مصدره الذباب. وتدور معظمها حول الجهد الذي يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها كما يرغب والصراع الذي ينتج من القوى التقليدية في العالم التقليدي الذي يوقع البطل في مأزق ويحاول محاصرته والإيقاع به وتشويشه وتشويهه.
    وإذا كان إدراك الحرية ووعيها هي الخطوة الأولى في الأخلاقية السارترية فإن اسـتخدامه لهذه الحرية وتصرفه بها - التزامه- هو الخطوة الثانية. فالإنسان قبل أن يعي حريته ويستثمر هذه الحرية هو عدم أو هو مجرد "مشـيئ" أي أنه أقرب إلى الأشـياء منه إلى الكائن الحي. إلا أنه بعد أن يعي حريته يمسي مشـروعاً له قيمته المميزة.
    في مسرحيتيه الأخيرتين "نكيرازوف" (1956) و"سجناء التونا" (1959) يطرح سارتر مسائل سياسية بالغة الأهمية. غير أن مسرحياته تتضمن مسائل أخرى تجعلها أقرب إلى الميتافيزيقيا منها إلى السياسة. فهو يتناول مواضيع مثل: شرعية اسـتخدام العنف، نتائج الفعل، العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين الفرد والتاريخ. من مسرحياته أيضاً : "الشـيطان واللورد" و"رجـال بلا ظـلال".
    **فلسفته**
    برز كأحد أكبر الفلاسفة الوجوديين المعاصرين .

    الفلسفة الإسلامية

    **مفهوم الفلسفة في الإسلام**
    أقرب كلمة مستخدمة في النصوص الإسلامية الأساسية (القرآن والسنة) لكلمة فلسفة هي كلمة (حكمة)، لهذا نجد الكثير من الفلاسفة المسلمين يستخدمون كلمة (حكمة) كمرادف لكلمة ( فلسفة ) التي دخلت إلى الفكر العربي الإسلامي كتعريب لكلمة Philosophy اليونانية. وإن كانت كلمة فلسفة ضمن سياق الحضارة الإسلامية بقيت ملتصقة بمفاهيم الفلسفة اليونانية الغربية، فإن عندما نحاول أن نتحدث عن فلسفة إسلامية بالمفهوم العام كتصور كوني وبحث في طبيعة الحياة : لا بد أن نشمل معها المدارس الأخرى تحت المسميات الأخرى : وأهمها علم الكلام وأصول الفقه وعلوم اللغة .

    و أهم ما يواجه الباحث أن كلا من هذه المدارس قد قام بتعريف الحكمة أو الفلسفة وفق رؤيته الخاصة واهتماماته الخاصة في مراحل لاحقة دخل المتصوفة في نزاعات مع علماء الكلام والفلاسفة لتحديد معنى كلمة الحكمة التي تذكر في الأحاديث النبوية وكثيرا ما استخدم العديد من أعلام الصوفية لقب (حكيم) لكبار شخصياتهم مثل الحكيم الترمذي. بأي حال فإن لقب (فيلسوف/فلاسفة) ظل حصرا على من عمل في الفلسفة ضمن سياق الفلسفة اليونانية ومن هنا كان أهم جدل حول الفلسفة هو كتابي (تهافت الفلاسفة للغزالي وتهافت التهافت لابن رشد.)

    **بدايات الفلسفة الإسلامية**
    إذا اعتبرنا تعريف الفلسفة على أنها محاولة بناء تصور ورؤية شمولية للكون والحياة، فإن بديات هذه الأعمال في الحضارة الإسلامية بدأت كتيار فكري في البدايات المبكرة للدولة الإسلامية بدأ بعلم الكلام ، ووصل الذروة في القرن التاسع عندما أصبح المسلمون على إطلاع بالفلسفة اليونانية القديمة والذي أدى إلى نشوء رعيل من الفلاسفة المسلمين الذين كانوا يختلفون عن علماء الكلام.

    علم الكلام كان يستند أساسا على النصوص الشرعية من قرآن وسنة وأساليب منطقية لغوية لبناء أسلوب احتجاجي يواجه به من يحاول الطعن في حقائق الإسلام، في حين أن الفلاسفة المشائين، وهم الفلاسفة المسلمين الذين تبنوا الفلسفة اليونانية، فقد كان مرجعهم الأول هو التصور الأرسطي أو التصور الأفلوطيني الذي كانوا يعتبرونه متوافقا مع نصوص وروح الإسلام. و من خلال محاولتهم لاستخدام المنطق لتحليل ما اعتبروه قوانين كونية ثابتة ناشئة من إرادة الله، قاموا بداية بأول محاولات توفيقية لردم بعض الهوة التي كانت موجودة أساسا في التصور لطبيعة الخالق بين المفهوم الإسلامي لله والمفهوم الفلسفي اليوناني للمبدأ الأول أو العقل الأول.



    تطورت الفلسفة الإسلامية من مرحلة دراسة المسائل التي لا تثبت إلا بالنقل والتعبّد إلى مرحلة دراسة المسائل التي ينحصر إثباتها بالأدلة العقلية ولكن النقطة المشتركة عبر هذا الامتداد التاريخي كان معرفة الله وإثبات الخالق. بلغ هذا التيار الفلسفي منعطفا بالغ الأهمية على يد ابن رشد من خلال تمسكه بمبدأ الفكر الحر وتحكيم العقل على أساس المشاهدة والتجربة. أول من برز من فلاسفة العرب كان الكندي الذي يلقب بالمعلم الأول عند العرب، من ثم كان الفارابي الذي تبنى الكثير من الفكر الأرسطي من العقل الفعال وقدم العالم ومفهوم اللغة الطبيعية. أسس الفارابي مدرسة فكرية كان من أهم أعلامها : الأميري والسجستاني والتوحيدي. كان الغزالي أول من أقام صلحا بين المنطق والعلوم الإسلامية حين بين أن أساليب المنطق اليوناني يمكن أن تكون محايدة ومفصولة عن التصورات الميتافيزيقية اليونانية. توسع الغزالي في شرح المنطق واستخدمه في علم أصول الفقه، لكنه بالمقابل شن هجوما عنيفا على الرؤى الفلسفية للفلاسفة المسلمين المشائين في كتاب تهافت الفلاسفة، رد عليه لاحقا ابن رشد في كتاب تهافت التهافت.

    في إطار هذا المشهد كان هناك دوما اتجاه قوي يرفض الخوض في مسائل البحث في الإلهيات وطبيعة الخالق والمخلوق وتفضل الاكتفاء بما هو وارد في نصوص الكتاب والسنة، هذا التيار الذي يعرف "بأهل الحديث" والذي ينسب له معظم من عمل بالفقه الإسلامي والاجتهاد كان دوما يشكك في جدوى أساليب الحجاج الكلامية والمنطق الفلسفية. و ما زال هناك بعض التيارات الإسلامية التي تؤمن بأنه "لا يوجد فلاسفة للإسلام"، ولا يصح إطلاق هذه العبارة، فالإسلام له علماؤه الذين يتبعون الكتاب والسنة، أما من اشتغل بالفلسفة فهو من المبتدعة الضَُّلال".

    في مرحلة متأخرة من الحضارة الإسلامية، ستظهر حركة نقدية للفلسفة أهم أعلامها : ابن تيمية الذي يعتبر في الكثير من الأحيان أنه معارض تام للفلسفة وأحد أعلام مدرسة الحديث الرافضة لكل عمل فلسفي، لكن ردوده على أساليب المنطق اليوناني ومحاولته تبيان علاقته بالتصورات الميتافيزيقية (عكس ما أراد الغزالي توضيحه) وذلك في كتابه (الرد على المنطقيين) اعتبر من قبل بعض الباحثين العرب المعاصرين بمثابة نقد للفلسفة اليونانية أكثر من كونه مجرد رافضا لها، فنقده مبني على دراسة عميقة لأساليب المنطق والفلسفة ومحاولة لبناء فلسفة جديدة مهدت للنقلة من واقعية الكلي إلى اسميته.

    **التناقض مع الفلسفة اليونانية**
    كان مفهوم الخالق الأعظم لدى الفلاسفة اليونانيين يختلف عن مفهوم الديانات التوحيدية فالخالق الأعظم في منظور أرسطو وأفلاطون لم يكن على إطلاع بكل شيء ولم يظهر نفسه للبشر عبر التاريخ ولم يخلق الكون وسوف لن يحاسبهم عند الزوال وكان أرسطو يعتبر فكرة الدين فكرة لا ترتقي إلى مستوى الفلسفة.

    طاليس يعتبره البعض أول الفلاسفة اليونان تمكن من تقسيم الفلسفة اليونانية القديمة بصورة عامة إلى مرحلتين:

    مرحلة ما قبل سقراط التي اتسمت برفضها للتحليلات الميثولوجية التقليدية للظواهر الطبيعية وكان نوع التساؤل في حينها ( من أين أتى كل شيء ؟) وهل يمكن وصف الطبيعة باستعمال قوانين الرياضيات وكان من أشهرهم طاليس الذي يعتبره البعض أول فيلسوف يوناني حاول إيجاد تفسيرات طبيعية للكون والحياة لا علاقة لها بقوى إلهية خارقة فعلى سبيل المثال قال أن الزلازل ليس من صنيعة إله وإنما بسبب كون الأرض اليابسة محاطة بالمياه وكان أناكسيماندر أيضا من ضمن هذا الرعيل وكان يؤمن بالقياسات والتجربة والتحليل المنطقي للظواهر وكان يعتقد أن بداية كل شيء هي كينونة لا متناهية وغير قابلة للزوال وتتجدد باستمرار، من الفلاسفة الآخرين في هذا الجيل، بارمنيدس، ديمقراطيس، أناكسيمين ميلتوسي .

    مرحلة سقراط وما بعده والتي تميزت باستعمال طريقة الجدل والمناقشة في الوصول إلى تعريف وتحليل وصياغة أفكار جديدة وكان هذا الجدل عادة ما يتم بين طرفين يطرح كل طرف فيهما نظرته بقبول أو رفض فكرة معينة وبالرغم من أن سقراط نفسه لم يكتب شيئا ملموسا إلا أن طريقته أثرت بشكل كبير على كتابات تلميذه أفلاطون ومن بعده أرسطو.من وجهة نظر أفلاطون فإن هناك فرقا جوهريا بين المعرفة والإيمان فالمعرفة هي الحقيقة الخالدة أما الإيمان فهو احتمالية مؤقتة  أما أرسطو فقد قال إنه لمعرفة وجود شيء ما علينا معرفة سبب وجوده ووجود أو كينونة فكرة الخالق الأعظم حسب أرسطو هو فكرة التكامل والمعرفة على عكس فكرة المخلوق الباحث عن الكمال .

    استفاد أرسطو من نظرية سقراط القائلة إن كل شيء غرضه مفيد لابد أن يكون نتيجة لفكرة تتسم بالذكاء واستنادا إلى هذه الفكرة استنتج أرسطو أن الحركة وإن كانت تبدو عملية لا متناهية فإن مصدرها الثبات وإن هذه الكينونة الثابتة هي التي حولت الثبات إلى حركة وهذه الكينونة الأولية هي انطباع أرسطو عن فكرة الخالق الأعظم لكن أرسطو لم يتعمق في كيفية وغرض منشأ الكون من الأساس .

                  **الفلسفة اليونانية في الفلسفة الإسلامية المبكرة**
    في العصر الذهبي للدولة العباسية وتحديدا في عصر المأمون بدأ العصر الذهبي للترجمة ونقل العلوم الإغريقية والهلنستية إلى العربية مما مهد لانتشار الفكر الفلسفي اليوناني بشكل كبير وكانت المدرسة الفلسفية الأكثر شيوعا خلال العصر الهلنستي هي المدرسة الأفلاطونية المحدثة Neoplatonism التي كان لها أكبر تأثير في الساحة الإسلامية في ذلك الوقت. تحاول الفلسفة الأفلاطونية المحدثة التي أحدثها أفلاطون أساسا الدمج بين الفكر الأرسطي والأفلاطوني والتوفيق بينهما ضمن إطار معرفي واحد وتصور وحيد لعالم ما تحت القمر وما فوق القمر. الأفلاطونية المحدثة أيضا ترتبط ارتباطا وثيقا بالمفاهيم الغنوصية التي تتوافق مع بعض أفكار الديانات المشرقية القديمة. أهم تجليات هذه الأفلاطونية المحدثة و الغنوصية تجلت في أفكار أخوان الصفا في رسائلهم والتي شكلت الإطار الفكري المرجعي للفكر الباطني.

    لاحقا بدأت تظهر من جديد عملية فصل للمدرستين الأفلاطونية والأرسطية، حيث ظهر العديد من المعجبين بقوة بناء النظام الفكري الأرسطي وقوة منطقه واستنتاجه وكان أهم شارحيه وناشري المدرسة الأرسطية هو ابن رشد.            

                  **تاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي**


    علم الكلام والمعتزلة

    كان علم الكلام مختصا بموضوع الإيمان العقلي بالله وكان غرضه الانتقال بالمسلم من التقليد إلى اليقين وإثبات أصول الدين الإسلامي بالأدلة المفيدة لليقين بها. علم الكلام كان محاولة للتصدي للتحديات التي فرضتها الالتقاء بالديانات القديمة التي كانت موجودة في بلاد الرافدين أساسا (مثل المانوية والزرادشتية والحركات الشعوبية) وعليه فإن علم الكلام كان منشأه الإيمان على عكس الفلسفة التي لا تبدأ من الإيمان التسليمي، أو من الطبيعة، بل تحلل هذه البدايات نفسها إلى مبادئها الأولى  . هناك مؤشرات على إن بداية علم الكلام كان سببه ظهور فرق عديدة بعد وفاة الرسول محمد صلي الله عليه و سلم ،ومن هذه الفرق:

    المعتزلة (القدرية) لإنكارهم القدر.

    الجهمية (الجبرية) أتباع جهم بن صفوان كانوا يقولون إن العبد مجبور في أفعاله لا اختيار له.

    الخوارج

    الزنادقة

    الاشاعرة و الماتريدية والصوفية والسلفية.

    الامامية والزيدية والاسماعيلية

    الاباضية

    كان نشأة علم الكلام في التاريخ الإسلامي نتيجة ما اعتبره المسلمون ضرورة للرد على ما اعتبروه بدعة من قبل بعض "‏الفرق الضالة" وكان الهدف الرئيسي هو إقامة الأدلة وإزالة الشبه ويعتقد البعض إن جذور علم الكلام يرجع إلى الصحابة والتابعين ويورد البعض على سبيل المثال رد ابن عباس وابن عمر وعمر بن عبد العزيز والحسن بن محمد ابن الحنفية على المعتزلة، ورد علي بن أبي طالب على الخوارج ورد إياس بن معاوية المزني على القدرية والتي كانت شبيهة بفرضية الحتمية. كان علم الكلام عبارة عن دراسة "أصول الدين" التي كانت بدورها تتمركز على 4 محاور رئيسية وهي:

    الألوهية : البحث عن إثبات الذات والصفات الإلهية.

    النبوة: عصمة الأنبياء وحكم النبوة بين الوجوب عقلاً، وهو مذهب المعتزلة والجواز عقلاً، وهو مذهب الاشاعرة.

    الامامة : الآراء المتضاربة حول رئاسة العامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي محمد.

    المعاد: فكرة يوم القيامة وإمكان حشر الأجسام. ويدرج البعض عناوين فرعية أخرى مثل "العدل" و"الوعد" و"الوعيد" و"القدر" و"المنزلة"

    الفارابي

    أبو نصر محمد الفارابي (ولد عام 260 هـ/874 م في فاراب وهي مدينة في بلاد ما وراء النهر و هي جزء مما يعرف اليوم بتركستان وتوفي عام 339 هـ/950 م) فيلسوف مسلم شيعي أتقن العلوم الحكمية، وبرع في العلوم الرياضية، زكي النفس، قوي الذكاء، متجنباً عن الدنيا، مقتنعاً منها بما يقوم بأوده، يسير سيرة الفلاسفة المتقدمين، وكانت له قوة في صناعة الطب وعلم بالأمور الكلية منها، ولم يباشر أعمالها، ولا حاول جزئياتها.

    اسمه الكامل هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان، كردي من مدينته فاراب، وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان وكان أبوه قائد جيش، وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى سوريا وتجول بين البلدان وعاد إلى مدينة دمشق واستقر بها إلى حين وفاته. يعود الفضل إليه في إدخال مفهوم الفراغ إلى علم الفيزياء. تأثر به كل من ابن سينا وابن رشد.

    من أشهر كتبه:
    كتاب الموسيقى الكبير

    آراء أهل المدينة الفاضلة

    الجمع بين رأي الحكيمين — حاول فيه التوفيق بين أفلاطون وأرسطو

    التوطئة في المنطق

    السياسة المدنية

    احصاء العلوم والتعريف بأغراضها

    جوامع السياسة


    العلاقة بين الفيلسوف والنبي
    التمييز الذي قام به الفارابي بين النبي من ناحية والفيلسوف من ناحية: المعرفة تكون بتجريد المعاني الكلية من المحسوسات، النبي والفيلسوف كلاهما يتلقى حقائق وينقلها للآخرين. يقول الفارابي أن معرفة الحقائق القصوى كلها مصدرها الله لكن فرق بين حقائق النبي وحقائق الفيلسوف فالفيلسوف يتلقى الحقائق بواسطة العقل الفعال فتكون طبيعتها عقليه وليس حسية، الرسول تأتيه المعارف منزلة من عند الله بتوسط الملك جبريل ويتلقى الوحي بالمخيلة ثم يتم تحويل الصور المتخيلة إلى صور ومعاني تنقل للناس. المعارف النبوية هي معارف المخيلة أساس فيها.

    فلسفته السياسية والأخلاقية

    ما تميز به الفارابي بعد تميزه بالمنطق هو السياسة والأخلاق ومن أشهر كتبه: 1- آراء المدينة الفاضلة 2- الموسيقى الكبير

    آراء أهل المدينة الفاضلة: خير المدن الممكنة على الأرض بالنسبة للبشر، وقضية الكاتب هي قضية السعادة التي يطلبها جميع الناس ويقسم الكتاب إلى قسمين: قسم يبحث فيه الفارابي نظرية الوجود ونرى فيها التمييز بين الممكن والواجب، القسم الثاني خاص بالمدينة وآراء أهل الجماعة الفاضلة القسم الأول يقابله القسم الثاني والمدن المضادة للمدينة الفاضلة. يبني الفارابي المدينة على غرار الوجود بأسره، فكما للوجود مبدأ أعلى كذلك المدينة الفاضلة لها مبدأ أعلى وهو الرئيس. والفارابي يقول أن القصد في المدينة الفاضلة الإبانة عن الجماعة التي تسود فيها السعادة والمدينة الفاضلة هي التي يطلب جميع أهلها السعادة والمدن المضادة يطلب فيها أهلها أشياء مضادة. السعادة عند الفارابي مرتبطة بتصوره للتركيبة الإنسانية والنفس الإنسانية والسعادة تكون عندما تسيطر النفس العاقلة (وفضيلتها الحكمة) على النفس الغضبية (وفضيلتها الشجاعة) والنفس الشهوانية (وفضيلتها العفة) فيصل الإنسان للسعادة.

    المدينة الجاهلة: عكس المدينة الفاضلة، يطلب أهلها السعادة الآتية من النفس الغضبية والشهوانية.

    المدينة الفاسقة: هي التي عرف أهلها المبادئ الصحيحة وتخيلوا السعادة على حقيقتها ولكن أفعالهم مناقضة لذلك.

    المدينة المبدلة: أيضا مضادة للمدينة الفاضلة ويكون السلوك فيها فاضل ثم يتبدل.

    المدينة الضّآلة: ويعتقد أهلها في الله والعقل الفعال آراء فاسدة واستعمل رئيسها التمويه والمخادعة والغرور ويصّور الله والعقل الفعال تصوير خاطئ وكانت سياسته خداع وتمويه.

    وجعل الفارابي مجموعة سمات مميزة لأهل المدينة الفاضلة: معرفة السبب الأول وصفاته (أي الله) معرفة العقول والأفلاك معرفة الأجرام السماوية معرفة الأجسام الطبيعية معرفة الإنسان يعرفون السعادة ويمارسونها أي معرفتهم كاملة بالوجود وبكل الموجودات وعلى رأس المدينة الفاضلة يضع الفارابي الرئيس مثلما للوجود رئيس هو الله وللإنسان رئيس هو القلب. والذي يقول على المدينة الفاضلة (الرئيس) له صفات: - تام الأعضاء - جودة الفهم والتصور - جودة الحفظ - جودة الذكاء والفطنة - حسن العبارة في تأدية معانيه - الاعتدال في المأكل والمشرب والمنكح - محبة الصدق وكراهية الكذب - كبر النفس ومحبة الكرامة (أي تقدير الذات) - الاستخفاف بأعراض الدنيا - محبة العدل بالطبع وكره الجور - قوة العزيمة والجسارة والإقدام - ويتوج هذه الصفات بالحكمة والتعقل التام - جودة الإقناع - جودة التخيل - القدرة على الجهاد ببدنه.

    ابن رشد

    محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي وكنيته أبو الوليد " الحفيد " (520- 595 هـ= 1126-1198م)، المعروف بابن رشد، عالم مسلم ولد في قرطبة بالأندلس، من أسرة عرفت بالعلم والجاه. وتوفي في مراكش. يعدّ ابن رشد في حقيقة الأمر ظاهرة علمية مسلمة متعددة التخصصات، فهو فقيه مالكي، وهو قاضي القضاة في زمانه، وهو ذاته طبيب نطاسي تفوق على أساتذته حتى أن أستاذه ابن زهر قال عنه: "ابن رشد أعظم طبيب بعد جالينوس"، وهو عينه فيلسوف عقلاني، وهو أيضا مترجم لأعمال أرسطو المرجعية للمسلمين، وهو أيضا فلكي ذو أعمال جليلة في المضمار، وهو نفسه المتكلّم الذي تصدى لنقد المتكلمين باسم توافق المعقول والمنقول وعلى رأسهم الإمام الغزالي كما كان نحويا لغوياً محدثاً بارعاً يحفظ شعر المتنبي,إلى جانب هذا كله متواضعا ً،دافئ اللسان،جم الأدب،راسخ العقيدة، يحضر مجالس حلفاء الموحدين وعلى جبينه أثار ماء الوضوء.‏

    عرفت عائلة ابن رشد بالمذهب المالكي، وجده أبو الوليد محمد (توفي 1126) كان كبير قضاة قرطبة تحت حكم المرابطين، وشغل والده ذات المنصب حتى مجيء الموحدين.

    يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام. دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين عام 1182م فعينه طبيبا له ثم قاضيا في قرطبة.

    تولّى ابن رشد منصب القضاء في أشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، وكان قد دخل في خدمته بواسطة الفيلسوف ابن طفيل، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات التحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص.

    لكن الحكمة والسياسة وعزوف الخليفة الجديد (أبو يوسف يعقوب المنصور 1184 - 1198) عن الفلاسفة، ناهيك عن دسائس الأعداء والحاقدين، جعل المنصور ينكب ابن رشد، قاضي القضاة وطبيبه الخاص، ويتهمه مع ثلة من مبغضيه بالكفر والضلال ثم يبعده إلى "أليسانه" (بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود)، ولا يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب.

    وبعد أكل النيران لعصارة فكر ابن رشد إثر سخط اتهام بمروق الفيلسوف وزيغه عن دروب الحق و الهداية ، عاد الخليفة فرضي عن أبي الوليد وألحقه ببلاطه، ولكن كليهما قد توفيا في العام ذاته (1198 للميلاد)، في مراكش.

    ملخص عن ابن رشد فكره و فلسفته

    ابن رشد أحد أهم الفلاسفة، ويشاع أن الفلسفة الإسلامية انتهت بوفاته، اسمه باللاتينية "أفيروس" "Averroes"، ولد في عاصمة الفكر الإسلامي قرطبة في الأندلس وكان أبوه قاضي وجده قاضي فدرس القانون، وأتاح له ذلك أن يكون قاضي لأشبيلية. درس الطب وعلم الكلام والفلسفة والفقه، لقب بالشارح الأكبر لأنه أفضل من شرح ما جاء به أرسطو.

    لم يجلس ابن رشد على عرش العقل العربي بسهولة ، حيث انه أمضى عمره في البحث والتأليف، حتى شهد له معاصروه بأنه لم يترك القراءة والتأليف إلا ليلتين اثنتين: ليلة وفاة أبيه وليلة زواجه.

    أخذ الطب عن كبار علماء عصره أبي جعفر هارون وأبي مروان بن جبيرول الأندلسي.وبالرغم من بروزه في حقول الطب، فإن شهرته كانت من خلال نتاجه الفلسفي الخصب.عكف فيلسوفنا على نصوص المعلم الأول أرسطو حتى اقتنع بأنها الفلسفة الحق.

    تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات التحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص.

    كانت هناك ضغوط لقطع حبل الصلة بين الخليفة وابن رشد لكن الحكمة والسياسة جعلت المنصور يبعده ، ويتهمه مع بعض من مبغضيه بالكفر ثم يبعده إلى"أليسانه "بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود، وأحرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب حبس ابن رشد لكن لم يطل حبسه وانتقل إلى مراكش ومات هناك. أثّر ابن رشد في العالم الإسلامي والمسيحي وأوروبا وقد بحث عن أسباب انتهاء حضارة المسلمين في الأندلس فرأى أنها بسبب تراجع دور المرأة آنذاك. دارت حول شروحه نقاشات عديدة في جامعة السربون وترجمت كل شروح ابن رشد للعبرية. ولقد أكد ابن رشد على كروية الأرض. من مؤلفاته: شروح أعمال أرسطو، تهافت التهافت.

    هناك 3 مسائل مهمة في ابن رشد وهي:

    أنه يمثل ردة الفعل الفلسفية على الهجمة القوية على الفلسفة التي أقدم عليها الغزالي. فابن رشد يمثل محاولة رد اعتبار الفلسفة بعد أن أصابها الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة ووضع هذا الجهد في كتابه تهافت التهافت.

    ابن رشد يجسد خير من شرح مؤلفات أرسطو، وشروح ابن رشد على أرسطو هي أفضل شروح نعرفها في تاريخ الفلسفة وهو شارح لأرسطو أكثر من كونه فيلسوفا مبدعا ذا فلسفة خاصة، بل إن البعض اعتبروه تلميذًا لأرسطو- رغم وجود 16 قرن بينهم- مع تبنيه معظم آرائه في الطبيعة وما وراء الطبيعة.

    قدّم نظرية أو موقف متميز وخاص ومهم في مسألة العلاقة بين الشريعة والحكمة أي بين الدين والفلسفة وذلك في كتاب "فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال"، المسألة التي شغلت جميع الفلاسفة من الكندي، الفارابي، الغزالي، ابن سينا، وابن رشد. والغزالي وحده اعتقد أن الفلاسفة يخرجون عن الدين عندما كفّرهم في قضايا ثلاث وبدّعهم في سبع عشرة أخرى. إذ يستأنف ابن رشد موقف الكندي مع شيء من التعديل ويقول أن لا تعارض بين الدين والفلسفة، أي لا اختلاف بين الأمرين (الشريعة والحكمة)، وإذا كان هناك من تعارض فالتعارض ظاهري بين ظاهر نص ديني وقضية عقليه، ويرى بأن حله متاح بالتأويل وفقا لقواعد وأساليب اللغة العربية.

    عندما ننظر إلى كتاب فصل المقال لابن رشد نجد أن ابن رشد قد آخى بين الفلسفة والمنطق فجعلهما مرتبطتين.

    تعريف ابن رشد للفلسفة: تعني المصنوعات التي يصنعها الصانع تدل عليه، وكلما عرفنا الموجودات معرفة أتم تكون معرفتنا بصانعها أتم. و الشرع ندب (المندوب أي المستحب) إلى اعتبار الموجودات والنظر بها وبيان دلالتها. حيث دعا الشرع إلى اعتبار الموجودات لأن النظر في الموجودات نظر عقلي، وهناك أكثر من آية تشير إلى اعتبار الموجودات بالعقل

    "فاعتبروا يا أولي الأبصار"

    "أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض"

    "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت"

    "ويتفكرون في خلق السموات والأرض"

    وهذا النصوص- وفقًا لابن رشد- تشير إلى وجوب استعمال القياس العقلي.وبهذا يتضح تشديده على كلمات النظر، والاعتبار، والتفكر، والرؤية، ويعتبرها أدلة دينية على وجوب النظر العقلي في الموجودات. يفسر ابن رشد كلمة الاعتبار فيقول أننا من مقدمات معلومة نستنتج نتيجة مجهولة، أي من مقدمة كبرى فمقدمة صغرى نستنتج نتيجة، إذا سلمنا بالمقدمات الكبرى والصغرى ينتج عنها بالضرورة نتيجة، وبهذا الشكل سوّغ ابن رشد دراسة المنطق.

    يميّز ابن رشد بين أنواع الأقيسة: القياس البرهاني: القياس الذي كلتا مقدمتاه صادقة. (وهو القياس السليم عنده) مثل: كل إنسان فانٍ..سقراط إنسان.. إذن سقراط فانٍ.

    القياس الجدلي: القياس الذي إحدى مقدمتيه احتمالية أو كلتا مقدمتيه احتماليتان.

    القياس المغالطي: هو القياس الذي فيه إحدى المغالطات.

    أقر ابن رشد بشرعية المنطق، وأكد القياس بآية "واعتبروا يا أولي الأبصار". ويقول ابن رشد مثل قول الكندي في أننا يجب أن نأخذ الحقائق حتى لو كان قائلها من ملة غير ملتنا، وأن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع وأن الفرد لا يستطيع أن يحصل العلم وحده ويجب أن نستفيد من بعضنا البعض ومن السابقين. شرعيا، أوجب ابن رشد النظر العقلي في القضايا التي توصل إلى الله وينبغي أن يتوفر في من ينظر بهذه العلوم أمران:

    ذكاء الفطرة.

    العدالة الشرعية والفضيلة الخلقية.

    ويقول ابن رشد إذا غوى (أي ضل وانحرف) غاوٍ بسبب النظر في الوجود لا يمكن أن ننكر الصنعة نفسها عن الأكفاء بالنظر فيها ودراستها لأن بعض غير الأكفاء للنظر قد أخطأ.

    قال ابن رشد أيضا أن الناس مختلفون في جبلتهم فهناك أناس يجري عليهم القياس البرهاني وأناس القياس الجدلي. نظر ابن رشد إلى العلاقة بين الدين والفلسفة وخلاصة موقفه في المسألة:

    إذا قررنا قضية مثل قضية العالم مخلوق، فلا يخلو هذا الوضع (أي خلق الوجود) أن يكون الشرع قد سكت عنه أو قال قولا ما. اليقين الفلسفي البرهاني حق ولا يمكن أن يتعارض مع حقيقة ذكَرَها الشرع:

    قول سكت عنه الشرع: يجوز الكلام فيه.

    قول قرر بشأنه الشرع قولا ما: إما قرر بشأنه قولا موافقا لما قدره العقل: فلا نتكلم فيه، أو إما قرر بشأنه قولا مخالفا لما قدره العقل: فنلجأ للتأويل.

    تتلخص أطروحة ابن رشد في هذه المسألة في:

    أن الشرع أوجب النظر بالعقل في الوجود و أوجب دراسة المنطق من ناحية مفسرا آية "واعتبروا يا أولي الأبصار". معنى الأبصار القياس، وأوجب النظر في الوجود من علل الموجودات.

    الوجه الثاني أن هذا النظر ليس بدعة وينبغي أن نأخذ به و لا يمكن أن يتحقق لفرد واحد فهو إسهام لأفراد كثيرين فيجب أن نلجأ للأمم الأخرى.

    العلاقة بين ما يقرره العقل البرهاني وما تتفق به الشريعة، كل منهما يعبر عن الحق، والقضايا البرهانية العقلية هي حق، وما نطق به الشرع حق، والحق لا يضاد الحق بل يؤكده ويشهد له، أي ليس هناك تناقض بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة.

    فيكون مرجع ابن رشد النهائي هو العقل

    من مؤلفاته :
    لابن رشد مؤلفات عدة في أربعة أقسام: شروح ومصنفات فلسفية وعملية، شروح ومصنفات طبية، كتب فقهية وكلامية، وكتب أدبية ولغوية, ولكنه اختص بشرح كل التراث الأرسطي.

    أحصى جمال الدين العلوي 108 مؤلف لابن رشد، وصلنا منها 58 مؤلفاً بنصها العربي


    المراجع

    الكتب:
    1-     مدخل إلى الفلسفة بنظرة اجتماعية_ لعبد المجيد عبد الرحيم_ الطبعة الأولى 1976.
    2-     مدخل جديد إلى الفلسفة _ د.عبد الرحمن بدوي_ الطبعة الثانية 1979.
    3-     مبادئ الفلسفة و اشكالياتها _ أ.د.عبد الوهاب جعفر.
    4-     دراسات في الواقعية ترجمة_ د. نايف بلور_ الطبعة الثالثة 1985.
    5-     صحوة العقل مع تاريخ المذاهب الفلسفية _د.عصام الدين محمد علي.
    6-     المرجع في الفكر الفلسفي_ د. نوال الصراف الصايغ.
    7-     معاني الفلسفة _لأحمد الاهواني _الطبعة الأولى 1947.
    8-     أفلاطون_ لمصطفى غالب.
    9-     النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد _ د. عاطف العراقي _الطبعة الخامسة1993 .
    10- فيلسوفان رائدان الكندي و الفارابي_ د. جعفر آل ياسين.
    11- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام _ لعلي سامي النشار.
    12- مشكلة الصراع بين الفلسفة و الدين_ د. رضا سعادة.
    13- الفلسفة مدخل حديث _ا.د.عزمي طه السيد احمد.
    14- دراسات في الفلسفة الوجودية _ د.عبد الرحمن بدوي.

    **المواقع الالكترونية**
    1-  منتديات مجلة أقلام

    2- الموسوعة العربية

    3- موقع تربية نت

    4- موقع يوتوبيا

    5- مدونات مكتوب

    6- الموسوعة الحرة

    7- موسوعة شبوة الإسلامية

    8- موقع قصة الإسلام

    9- شبكة الفلك الثقافية

    10- موقع المعرفة

    11- مركز الشعاع الإسلامي

    12- موقع الفلسفة

    13- بوابة الفلسفة و البكالوريا التونسية

    14- موقع فلاسفة العرب

    15- شبكة دهشة (موسوعة دهشة)

    16- المنتدى الشامل

    17- منتديات السبورة

    18- منتديات مواهبنا

    19- مدونة كركور

    20- مفكرة الإسلام

    21- منتدى الأصلين