-->

الولاء والبراء (في ضوء القرآن الكريم)

الولاء والبراء (في ضوء القرآن الكريم)

    للدكتور / جمال محمود محمد الهوبي
    أستاذ مشارك بقسم التفسير وعلوم القرآن
    في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية – غزة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ملخص البحث
    الولاء والبراء في ضوء القرآن الكريم
                  تناول هذا البحث عقيدة مهمة وخطيرة جداً من عقائد المسلمين ، بها يتحقق الإسلام والإيمان ، وبدونها تكون الردة والخطايا والآثام ، وكثير من المسلمين يجهلون المعلومات التفصيلية عنها ، وبعضهم أعطى ولائه للكفار .
                  وقد تناول البحث موضوع (الولاء والبراء) بالدراسة الموضوعية القرآنية ، المبنية على الاستدلال والتحليل والاستنباط والترجيح ودقة الربط والعرض والنتائج .
                  وقد فصّل المبحث الأول معنى وحكم الولاء والبراء ، وبين المبحث الثاني حقيقة الولاء والبراء ، وفصل مظاهره المشروعة لله ورسوله والمؤمنين ، ووضح المبحث الثالث مظاهر الولاء للكفار ، والأعذار في الولاء والبراء ، وقد أثبت البحث أن المسلمين لو طبقوا عقيـدة الولاء والبـراء لتغيـر وجـه الأرض ، ولتغير مجرى التاريخ ، ولصاروا في أحسن حال .


    In the name of God the Merciful
    Abstract
    Loyalty and Enmity in the light of the Quran

    This research dealt with the doctrine of a very serious and important doctrines of the Muslims, Islam and achieved by faith, without which apostasy, sins, and sins, and many Muslims are ignorant of the detailed information about, and some of them gave his loyalty to the infidels.
    The discussion dealt with the subject (loyalty and disavowal) substantive study of the Koran, based on reasoning and analysis and inference and weighting and accuracy of the binding and presentation and results.
    The separation of the first part, and the rule of the meaning of loyalty and disavowal, and the second part, the fact of loyalty and disavowal, separation of legitimate manifestations of God and His Messenger and the believers, and the third part, broad expressions of allegiance to the infidels, and excuses: loyalty and repudiation, Research has proved that Muslims had applied the doctrine of Loyalty and Enmity to change the face of the earth, and to change the course of history, and became the best.

    المقدمة
                  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين  ، أما بعد :
    أولاً : أهمية البحث :
    تتمثل أهمية البحث في تعريف المسلمين بعقيدة الولاء والبراء المهمة والخطيرة ، التي بها يتحقق الإسلام والإيمان ، وبدونها تكون الردة والخطايا والآثام ، وذلك بالعلم المبني على الأدلة من القرآن والسنة والمعزز بأقوال العلماء وذلك بتوضيح المعنى والحكم والحقيقة والمظاهر والأعذار .
    ثانياً : أهداف البحث :
    1- وجوب وضرورة العلم بعقيدة الولاء والبراء ، وفي هذا إرضاء لله  .
    2- بيان وتوضيح وتفصيل عقيدة الولاء والبراء لأهميتها وخطورتها دينياً وواقعياً دنيوياً .
    3- توجيه المسلمين إلى وجوب الولاء لله ورسوله والمؤمنين ، وفي هذا سعادتهم دنيا وآخرة .
    4- تحذير المسلمين من الولاء للكفار ، وفي هذا شقاؤهم دنيا وآخرة .
    5- إثبات أن تطبيق عقيدة الولاء والبراء يغير وجه الأرض ، ومجرى التاريخ ، وحياة المسلمين للأفضل .
    ثالثاً : منهج البحث :
    تناول الباحث موضوع (الولاء والبراء في ضوء القرآن الكريم) بالدراسة الموضوعية ، والمنهج الوصفي التحليلي المبني على : الاستدلال والتحليل ، ودقة الربط والترجيح ، وعمق الاستنباط ، وحسن التطبيق .
    رابعاً : خطة البحث :
                  ولتحقيـق أهداف البحث وفائدته جعلته في ثلاثة مباحث وخاتمة وفهرس كما يلي :
    المبحث الأول : معنى الولاء والبراء والحكم .
    المطلب الأول : معنى الولاء والبراء .                            المطلب الثاني : حكم الولاء والبراء .
    المبحث الثاني : حقيقة الولاء والبراء ومظاهره المشروعة .
    المطلب الأول : حقيقة الولاء والبراء .                            المطلب الثاني : مظاهر الولاء لله  .
    المطلب الثالث : مظاهر الولاء للنبي  .              المطلب الرابع : مظاهر الولاء للمؤمنين .
    المبحث الثالث : مظاهر الولاء للكفار والأعذار .
    المطلب الأول : مظاهر الولاء للكفار .                    المطلب الثاني : الأعذار في الولاء والبراء .
    الخاتمة : أهم النتائج والتوصيات .
    فهرس المصادر والمراجع .                                                          تأليف : د. جمال محمود الهوبي

    المبحث الأول
    معنى وحكم الولاء والبراء

    المطلب الأول : معنى الولاء والبراء :

    أولاً : معنى الولاء :
    أ- معنى الولاء لغة :
                  الوَلْيُ : الواو واللام والياء أصلُ صحيحٌ ، وهو المصدر ، ويدل على : القرب والدنو والمحبة والنصرة ، وله اشتقاقات كثيرة منها :
                  وَلِيَ : الفعل ، والاسم المفرد : وليّ ، والمثنى : وليّان ، والجمع : أولياء وأولية .
                  الموالاة : المحبة ، وهي ضد المعاداة .
                  الوَليةُ والتّولِّ والولاء والوِلايَة والوَلاية والوَليُ : كلها بمعنى القرب والدنو والنصرة .
                  الوليُّ : ضد العـدو وهـو المحب والناصر ، والنصير ، والصديق ، والتابع ، يقال : تولاه .
                  المولى : ويطلق على الرب والسيد والناصر والمحب والمنعم والمُعتِق والمُعتَق والصاحب والحليف وابن العم والجار ، وكلها تقوم وتدل على : القرب والدنو والمحبة والنصرة ([1]) .
                  قال الراغب الأصفهاني : "ولي : الوَلاء والتوالي : أن يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهمـا ، ويستعار ذلـك للقـرب من حيـث المكان ، ومن حيـث النسبة ، ومن حيـث الديـن ، ومن حيـث الصداقـة والنصرة والاعتقاد ، والولاية : النصرة" ([2]) .
                  (قلت) : من خلال هذه المعاني اللغوية يتبين للباحث أن الولاء في اللغة يأتي على معاني متعددة منها : القرب والدنو والمحبة والنصرة والصداقة والإتباع والتحالف بين اثنين فأكثر ، أو جماعتين فأكثر ، وقد يكون في الخير ، وقد يكون في الشر .
                  ومما ينبغي التنويه إليه أن كثيراً من هذه الاشتقاقات ومعانيها اللغوية ورد في القرآن الكريم ، كقوله تعالى : [وَإِنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ...] {مريم:5} .
    ب- معنى الولاء شرعاً :
                  لتحديد معنى الولاء شرعاً لا بد من تفصيل الحديث عنه كما يلي :
    1- معنى الولاء لله ورسوله والمؤمنين :
                  يقول القرطبي : " [وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ] {المائدة:56} أي : من فوض أمره إلى الله ، وامتثل أمر رسوله ، ووالى المسلمين فهو من حزب الله" ([3]) .
                  ويقول ابن كثير : "فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ، ومنصور في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال تعالى في الآية الكريمة : [وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ...]" ([4]) .
                  ويقول د. محمد ياسين : "فاعلم أن هذا اللفظ ]الموالاة[ مشتق من الولاء ، وهو الدنو والتقرب ، والولاية ضد العداوة ، والولي عكس العدو ، والمؤمنون أولياء الرحمن ... لقرب الفريق الأول ]المؤمنين[ من الله بطاعته وعبادته ..." ([5]) .
                  ويقول د. نسيم ياسين : "فالولاء في الله تعالى هو : محبة الله ونصرة دينه ، ومحبة أولياءه ونصرتهم ، والبراء هو : بغض أعداء الله ومجاهدتهم ([6]) .
                  (قلت) : ويرى الباحـث أن الولاء والموالاة والولايـة بمعنى واحد وهو : التقرب إلى الله  والنبي  والمؤمنين بالمحبة والنصرة والطاعة وغير ذلك من مظاهر الولاء .
    2- معنى الولاء للكفار :
                  الولاء للكفار اصطلاحاً هو : القرب والدنو منهم ، وإظهار الود لهم بالأقوال والأفعـال والنوايـا كنصرتهـم ، ومحبتهـم ، ومعاضدتهم ، والتعاون معهم ، ومحالفتهم ،
    ومعاشرتهم ([7]) .
                  (قلت) : ويخلص الباحث إلى أن المعاني اللغوية والشرعية للولاء متقاربة جداً ، ووجهة الولاء للحق أو الباطل هي التي تفرق بين تلك المعاني .
    ثانياً : معنى البراء :
    أ- معنى البراء لغة :
                  البرء : الباء والراء والهمزة أصل صحيح إليه ترجع فروع الباب ، وهو المصدر ، والبراء والبرئ سواء ، وهو عكس الولاء ، ويدل على التبرؤ والتخلص والتنزه والتباعد والتنصل والتزايل وغير ذلك .
                  والفعل منه : برأ ، ويقال للمذكر : برئ ، والأنثى : بريئة ، والمثنى بريئان وبريئتان ، والجمع : برءاء وبريئون ، وبريئات وبرايا .
                  وقوله تعالى : [بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ...] {التوبة:1} أي : إعذار وإنذار وتنزه ([8]) .
    ب- معنى البراء شرعاً :
                  (قلت) البراء هو : التبرؤ والتخلص والتنزه والتباعد والتزايل والتنصل من الكفر والكافرين ، بعد إعذارهم ، وإنذارهم إلا ما خصه الله  من معاملات خاصة بأهل الذمة ونحوهم ، لقوله تعالى : [لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] {الممتحنة:8} وسيأتي بيانه .

    المطلب الثاني : حكم الولاء والبراء :

    أولاً : حكم الولاء لله ورسوله والمؤمنين :
                  الولاء لله  ولرسوله  وللمؤمنين الملتزمين شرعه القويم ، فرضٌ وواجبٌ ([9]) بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ، بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة .
                  فأما من القرآن ، فالأدلة كثيرة ومتضافرة :
    1- منها قوله  : [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ] {المائدة:55} .
                  (قلت) : فالآية الكريمة فيها أمرٌ بصيغة الخبر ، أي : يجب عليكم أيها المؤمنون أن تعطوا ولائكم للمذكورين في الآية ، أي : وَالُو المذكورين في الآية ، و(إنما) في اللغة العربية أداة حصرٍ وقصر ، أي : لا ولاء في الإسلام إلا لله  ورسوله  والمؤمنين الملتزمين شرعه القويم ، وعبر بالمضارع بدل الماضي في قوله : [... الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ...] ، وقوله : [وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {التوبة:71}  ليدل على أن المؤمنين الذين نواليهم هم الثابتون والمستمرون والمحافظون على إقـام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الله  ورسوله  .
                  وقال الرازي : "أمر في هذه الآية بموالاة من يجب موالاته ، وقال : [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ...] أي المؤمنون الموصوفون بالصفات المذكورة" ([10]) .
                  وقال الكلبي : "ذكر الوليّ بلفظ المفرد إفراداً لله تعالى بهما ، ثم عطف على اسمه تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين على سبيل التبع ، ولو قال إنما أولياؤكم لم يكن في الكلام أصل وتبع" ([11]) .
    2- ومنها قول الله  : [وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ] {المائدة:56} .
                  وأما من السنة فالأحاديث كثيرة ومنها :
    1- قول النبي  : (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله ، والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله) ([12]) .
    2- وما رواه الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله  بايعه على أن : (تنصح لكل مسلم ، وتبرأ من الكافر) ([13]) ، وفي رواية : (... والنصح لكل مسلم وعلى فراق المشرك أو كلمة معناها) ([14]) .
                  وأمـا الإجمـاع فهـو منعقـد علـى ذلـك ، بل هـو مـن المعلـوم مـن الديـن بالضرورة .
    ثانياً : حكم الولاء للكفار :
                  الولاء للكفار حرامٌ بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ، وهو كبيرة من أكبر الكبائر ، بل هو عند جمهور من العلماء كفرٌ بعد إيمان ، وردة بعد إسلام .
                  فأما من القرآن فالآيات كثيرة ومتضافرة :
    1- منها ما تعلق بالولاء لأهل الكتاب كقوله  : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] {المائدة:51} ، (قلت) : فالآية الكريمة تدل على أن الذي يتولى اليهود فهو ظالم من اليهود ، والذي يتولى النصارى فهو ظالم من النصارى ، والذي يتولاهما معاً فهو ظالم منهما معاً ، أي : من تعدادهما وجملتهما ، وهكذا بقية أصناف الكفار .
    2- ومنها ما تعلق بالولاء للمشركين الوثنيين ، كقوله  : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {المائدة:57} ، ذهب المفسرون إلى أن المراد بقوله : (الذين أوتوا الكتاب) هم اليهود والنصارى ، والمراد بقوله : (والكفار) هم المشركون كمشركي العرب ([15]) .
    3- ومنها ما تعلق بالولاء للطاغوت ، قال تعالى : [اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] {البقرة:257} ، والمراد بالطاغوت : "يعني الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله" ([16]) ، أي : كـل ما عبد من دون الله من شجر أو حجر أو كوكب أو إنس أو جن ، أو ملك أو حيوان ... الخ .
    4- ومنها ما تعلق بالولاء للظلمة كالمنافقين ، قال تعالى : [... وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ] {الجاثية:19} ،               والمراد بالظالمين : قال ابن عباس وابن زيد : "يريد أن المنافقين أولياء اليهود" ([17]) .
                  (قلت) : والظالم يشمل الذي يتبع غير المنهج الحق ، ويخاصم أهل الحق ، فهو ظالم لنفسه وغيره ، وأمثال هذا يوالي بعضهم بعضاً ، والله أعلم .
    5- ومنها ما تعلق بالولاء للشياطين والجن الكفار ، قال تعالى : [... وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا] {النساء:119} ، وقال : [وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ...] {الأنعام:128} ، ومن المعلوم أن سلطان الشيطان على أوليائه وليس على أولياء الرحمن ، لقوله  : [إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * ِإنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ] {النحل: 99-100} .
    6- ومن النصوص القرآنية التي يدل ظاهرها على كفر وارتداد من يوالي الكفار قوله  : [لَا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ...] {آل عمران:28} ، قال الطبـري فـي تفسـير الآية : "ومعنى ذلك : لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار طهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم ، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين ، وتدلونهم على عوراتهم فإنه (من يفعل ذلك فليس من الله في شيء) يعني بذلـك فقـد برئ من الله وبرئ الله منـه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر" ([18]) .
    7- ومنها قوله تعالى : [تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ] {المائدة: 80-81} ، "فبين  أن الإيمان بالله والنبي مرتبط بعدم ولاية الكفار ، فثبوت موالاتهم يوجب عدم الإيمان ، لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم ، ومن جهة أخرى فقد رتب الله تعالى على موالاة الكافرين سخطه والخلود في العذاب ، وأخبر أن موالاتهم لا تحصل من مؤمن ، فإن أهل الإيمان يعادونهم ولا يوالونهم" ([19]) .
    8- ومنها قوله تعالى : [بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا] {النساء: 138-139} ، "فجعل  اتخاذ الكافرين أولياء من أخص خصائص النفاق وأهله" ([20]) .
    9- ومنها قوله  : [لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ...] {المجادلة:22} ، فالله  نفى وجود قوم مؤمنين ويوادون من عادى الله ورسوله أي الكفار ، ولو كانوا أقاربهم ، ومفهوم المخالفة موالاة الكفار تتنافى مع الإيمان .
                  وأما من السنة فالأحاديث كثيرة ومتضافرة :
    1- منها ما رواه ابن إسحاق عن عروة بن الزبير وغيره أن حاطب بن أبي بلتعة كتب كتاباً إلى قريش وبعثه مع امرأة يخبرهم فيه أن النبي  سيسير إليهم وذلك لفتح مكة ، فلما علم النبي  بذلك دعا حاطباً فقال : (يا حاطب ما حملك على هذا ؟) فقال : يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكن كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق ، فقال رسول الله  : (وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فأنزل الله تعالى في حاطب : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ ...] {الممتحنة:1} ([21]) ، فسبب نزول الآية يدل على أن التجسس على المسلمين للكفار من الولاء لهم ، ومن النفاق وحكمه القتل ، كما قال عمر  وأن النبي  لم يعترض على قول وحكم عمر  وهو  لا يسكت على باطل غير أنه أخبره أن الله تعالى قد غفر للبدريين ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر .
    2- ومنها إن النبي  نهانا عن مجرد مجاورة الكفار الأعداء غير الذميين فضلاً عن موالاتهم لقوله  : (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) قالوا : يا رسول الله ، لم ؟ قال : (لا تراءى ناراهما) ([22]) ، أي : نار المسلم ونار الكافر .
    3- ومنها قولـه  : (أوثـق عـرى الإيمان المـوالاة فـي الله ، والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله) ([23]) .
                  وأما الإجماع فهو منعقد على ذلك ، بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة .
                  وهذه بعض أقوال المفسرين والعلماء في حكم المستفاد من قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] {المائدة:51} .
    1- قال الطبري : "... فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين ، فهو من أهل دينهم وملتهم فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه ، وصار حكمه حكمه" ([24]) .
    2- قال الشوكاني : "أي : فإنه من جملتهم وفي عدادهم ، وهو وعيد شديد ، فإن المعصية الموجبة للكفر هي التي قد بلغت غاية ليس وراءها غاية ، وقوله : [إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] تعليل للجملة التي قبلها : أي أن وقوعهم في الكفر هو بسبب عدم هدايته سبحانه لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر كمن يوالي الكافرين" ([25]) .
    3- قال القرطبي : "[وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ] وجوابه ، أي لأنه خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا ، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم ، ووجبت له النار كما وجبت لهم ، فصار منهم أي من أصحابهم" ([26]) .
    4- وقال ابن عطية : "... ومن تولاهم بمعتقده ودينه فهو منهم في الكفر واستحقاق النقمة والخلود في النار ، ومن تولاهم بأفعاله من العضد ونحوه دون معتقد ولا إخلال بإيمان فهو منهم في المقت والمذمة الواقعة عليهم وعليه" ([27]) .
    5- وقال سيد قطب عن معنى الولاية : "إنها تعني التناصر ، والتحالف معهم ، والتعاون" ([28]) وقال عن حكمهـا : "والفـرد الذي يتولاهـم من الصـف المسـلم ، يخلـع نفسـه من الصف ، ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف – الإسلام – وينضم إلى الصف الآخر ... وبسـبب من ظلمـه هذا يدخله الله في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولائه" ([29]) .
    6- وقال الشنقيطي عند تفسيره لهذه الآية : "ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً ، رغبة فيهم أنه كافر مثلهم" ([30]) .
    7- وقال ابن حزم : "صح أن قول الله تعالى : [وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ] إنما هو على ظاهره : بأنه كافر من جملة الكفار ، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين" ([31]) .
    8- وقال أبو بكر الجزائري : " [وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ] أي : أيها المؤمنون (َفَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ، لأنه بحكم موالاتهم سيكون حرباً على الله ورسوله والمؤمنين ، وبذلك يصبح متهم قطعاً وقوله : [إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] جملة تعليلية تفيد أن من والى اليهود والنصارى من المؤمنين أصبح مثلهم فيحرم هداية الله تعالى لأن الله لا يهدي القوم الظالمين ... وهذا الموالي لليهود والنصارى قد ظلم بوضع الموالاة في غير محلها حيث عادى الله ورسوله والمؤمنين ووالى اليهود والنصارى أعداء الله ورسوله والمؤمنين" ([32]) .
    9- وقال النسفي : "[وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ] من جملتهم ، وحكمه حكمهم ، وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجـوب مجانبة المخالفين في الدين [إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفرة" ([33]) .
    10- وقال الماوردي : "[وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ] يحتمل وجهين : أحدهما : موالاتهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر . والثاني : موالاتهم في الدين فإنه منهم في حكم الكفر ، وهذا قول ابن عباس" ([34]) .
    11- وقال ابن تيمية : "وتبين أن موالاة الكفـار كانـت بسبب ارتدادهم على أدبارهم ؛ ولهذا ذكر في (سورة المائدة) أئمة المرتدين عقب النهي عن موالاة الكفار ، قوله : [وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ] ([35]) .
    12- وقال أبو بكر الجزائري عند تفسير آية أخرى : "ينهى الله عباده المؤمنين من اتخاذهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أي : أعواناً وأنصاراً ، يبادلونهم المحبة والمناصرة على إخوانهم المؤمنين ، وأعلمهم تعالى أن من يفعل ذلك فقد برئ الله تعالى منه ، وذلك لكفره وردته حيث والى أعداء الله وعادى أولياءه ، فقال تعال : [لَا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ...] ([36]) .
    13- وقال د. محمد ياسين عن هذه الآية وما شابهها : "تلك بعض النصوص والتي يدل كل واحد منها على ردة من يوالون الكفار والمشركين فكيف إذا اجتمعت ، وجمعت معها غيرها مما لم يذكر ، وعرفت تناقض موالاة الكفار مع الشهادتين" ([37]) .
                  ويخلص الباحث من أقوال العلماء وأدلتهم إلى ما يلي :
    أ- أجمع العلماء على أن من تولى الكفار في الدين ، أي : بمعتقده ودينه ، فهو كافر مرتد .
    ب- ذهب بعض العلماء إلى أن من تولـى الكفـار بأفعالـه من العضد ونحوه دون معتقد ولا إخلال بإيمان فهو منهم في مخالفة الأمر والمقت والمذمة ، أي : مرتكب لكبيرة ، وهو قول ابن عطية والماوردي وغيرهما .
    ج- ذهب فريق من العلماء إلى أن من تولى الكفار بأفعاله كالنصرة والتحالف والتعاون والمعاضدة فهو كافر مرتد للأدلة التالية :
    1- ظاهر آيات الولاء والبراء يدل على ذلك كما قال ابن حزم والجزائري وغيرهما .
    2- الولاء والنصرة للكفار يدل على الرضا بهم وبدينهم وما هم عليه كما قال الطبري .
    3- ذكر آيات الردة بعد آيات الولاء للكفار يدل على ردة من يتولاهم كما قال ابن تيمية .
    4- من والى الكفار فسيكون محارباً ومعادياً لله ورسوله والمؤمنين ، وهو بذلك يكون قطعاً من الكفار ، كما ذهب الجزائري .
                  (قلت) والنتيجة : من والى الكفار بمعتقده ودينه فهو كافر بالإجماع ، ومن والاهم بأفعاله فقط فهو كافر ومرتد عند فريق من العلماء ، ومرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر عند بعض العلماء .
                  (وقلت) وبذلك يتضح لنا الخطر العظيم المحيط والمحدق بكل من يوالي الكفار ، فهو على شفير جهنم يوشك أن يقع فيها إن لم يتب توبة نصوحاً ويصلح ويحسن !؟
    ثالثاً : حكم البراء من الكفار :
                  البراء من الكفر والكافرين حكمه : الفرض والوجوب ، أي : يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتبرأ من الكفر والكافرين ، وهذا الوجوب ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ، بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة .
                  أما من القرآن فالآيات التي توجب على المسلم التبرؤ منهم ومن كفرهم عديدة :
    1- منها ما نص على وجوب التبرؤ من المشركين ، كقوله  : [وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ...] {التوبة:3} ، (قلت) : والمؤمنون أيضاً بالتبع بريئون وبرءاء مما تبرأ الله  منه ورسوله  ، وسورة التوبة آخر سورة نزلت من القرآن كما ذهب المفسرون ([38]) ، أي : لا منسوخ فيها .
    2- وكقوله : [وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ] {التوبة:114} ، أي : لما توضح لإبراهيم  أن أباه آزر الذي كان يصنـع الأصنام من الخشب ويعبدها من دون الله عدو ومعادي ومحارب لله  (تبرأ منه) أي : تنزه وتخلص وتنصل منه ، فمدحه الله  مباشرة أنه  كثير التأوه والتأسف وكثير الحلم .
    3- ومنهـا ما هـو متعلق بكفر وشرك الكافرين المشركين ، كقوله  آمراً نبيه  : [... قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ] {الأنعام:19} ، وكإخبـاره  عـن خليلـه  : [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ] {الزُّخرف: 26-27} ، أي : أن الأنبيـاء عليهـم السـلام بريئون من كفر الكافريـن ، ومن شرك المشركين ، ومن كل عبادتهم للأنداد والأوثان والأصنام ونحوها .
    4- ومنها ما هو متعلق بالكفار وكفرهم معاً ، كقوله تعالى : [قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ ...] {الممتحنة:4} . فالله جل ثناؤه يأمرنا في الآية الكريمة بالتأسي والاقتداء والتشبه بخليله أبي الأنبياء  وأصحابه المؤمنين معه ، وذلك بالتبرؤ والتنصل من الكفار وما يعبدون من دون الله وببغضهم ومعاداتهم حتى يؤمنوا بالله  وحده .
                  هذا وكل الآيات القرآنية التي تنهانا عن الولاء للكفار ، يفهم منها أنها تأمرنا بالبراء منهم ، لأنه لا يتحقق أحدها إلا بوجود الآخر لأنه يستحيل الجمع بين المتناقضين ، فعدم الولاء للكفار معناه التبرؤ منهم ، والتبرؤ من الكفار معناه عدم الولاء لهم .
                  وأما من السنة النبوية المطهرة فالأحاديث كثيرة في ذلك ومنها :
    1- قال النبي  : (أوثق عـرى الإيمان الموالاة في الله ، والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله) ([39]) .
    2- أن رسول الله  بايع جرير بن عبد الله البجلي على أن (تنصح لكل مسلم ، وتبرأ من الكافر) ([40]) .
    3- قال النبي  : (أنا برئ من كل مسلم بين أظهر المشركين) ، ثم قال  : (لا تراءي ناراهما) ([41]) .
                  فالحديث يدل بوضوح على وجوب التبرؤ والتنزه والبعد عن كل مشرك حتى لا يرى المسلم نارَ المشرك ، ولا يرى المشرك نارَ المسلم .
                  وأما الإجماع فهو منعقد على ذلك ، بل هو من المعلوم من الدين بالضرورة .

    المبحث الثاني
    حقيقة الولاء ومظاهره المشروعة

    المطلب الأول : حقيقة الولاء والبراء :

                  إن الولاء والبراء ليس كلمة تقال باللسان ، أو شعار يعلن به بين الأنام ، وإنما هو اعتقاد بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعملٌ بالأركان ، أي له : حقيقة تنبثق عنها مظاهر ومستلزمات تشمل أعمال القلوب وأعمال الجوارح ، وبذلك تتحقق هذه العقيدة ، وتحيا كواقع عملي ملموس .
                  والباحث للأهمية الكبرى لهذه الحقيقة سيثبتها بالأدلة من القرآن والسنة ، وسيؤيدها باللغة والاصطلاح والقياس والمعقول ، وسيعززها بأقوال العلماء ، والتفصيل كما يلي :
    أولاً : أدلة القرآن الكريم :
                  الآيات القرآنية الكريمة التي تربط بين الولاء والبراء وبين حقيقتهما ومستلزماتهما ومظاهرهما كثيرة ، ومنها ما يلي :
    1- قوله جل ثناؤه : [اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] {البقرة:257} ، فالآية الكريمة بينت أو الولاء لله  يخرج من الكفر ويدخل في الإيمان ، وأن الولاء للطاغوت وهو كل ما يعبد من دون الله يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر .
    2- وقوله  : [وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ] {المائدة:81} ، فالآية تدل على نفي الإيمان عن الذين يتخذون الكفار أولياء ، وهذا يدل على الربط بين الإيمان والولاء .
    3- وقوله تبارك وتعالى : [قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ] {الأنعام:14} ، فالآية توضح العلاقة الوثقى بين الولاء لله سبحانه وبين الإسلام من جهة ، والنهي عن الشرك من جهة أخى ، والنهي عن الشرك يقتضي الأمر بالإيمان .
    4- وقولـه  : [وَالمُؤْمِنُــونَ وَالمُؤْمِنَــــاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {التوبة:71} ، فالآية الكريمة تـدل بوضوح وبما لا شك فيه أن أعمال الجوارح مما ذكر في الآية هي من حقيقة ومستلزمات ومظاهر الولاء في الإسلام .
    5- وعن التطبيق العملي لعقيدة الولاء والبراء بمظاهرها قال تعالى في حق النبي  وأصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار : [إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ...] {الأنفال:72} ، فالآية بينت أن الإيمان والهجرة والجهاد والإيواء والنصرة من مظاهر الولاء ، وقال عن المنافقين واليهود : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ...] {المائدة: 51-52} ، أي : المنافقون كعبد الله بن أبي يسارعون في موالاة يهود بمودتهم في الباطن والظاهر وبمعاونتهم والتحالف معهم ([42]) ، ويتعذرون بحجة موهومة ، وباطلة شرعاً .
    ثانياً : أدلة السنة النبوية :
                  السنة النبوية أفضل مفسر للقرآن بعد تفسير القرآن بالقرآن ، وقد قال  : [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى] {النَّجم: 3-4} ، والأحاديث النبوية التي تربط بين الولاء والبراء ، وبين حقيقتهما ومستلزماتهما ومظاهرهما عديدة ، ومنها ما يلي :
    1- قال النبي  : (أوثـق عرى الإيمان الموالاة في الله ، والمعاداة في الله ، والحب في الله ، والبغض في الله) ([43]) ، فالحديث ربط بين الإيمان والولاء والبراء ، وأشار إلى أعمال القلب بالحب والبغض ، وإلى أعمال الجوارح بالمعاداة التي تشتمل على جهادهم في سبيل الله ، وهو من أعمال الجوارح .
    2- قال النبي  : (من أعطى لله ، ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، وأنكح لله ، فقد استكمل إيمانه)([44]) ، فالحديث جمع بين أعمال القلب من حب وبغض ، وأعمال الجوارح من إعطاء ومنع .
    3- قال النبي  : (أنا برئ من كـل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) ثم قال : (لا تراءي ناراهما) ([45]) ، فالحديث يبين أحد مظاهر البراء من المشركين وعدم توليهم ، وهو البعد
         عن سكناهم حتى لا يرى كل منهم نار الآخر .
    4- إن رسـول الله  بايـع عبد الله البجلي على أن : (تنصح لكل مسلم ، وتبرأ من الكافر) ([46]) ، فالحديث أشار إلى أن النصح للمسلم من مظاهر الولاء له ، وأن التبرؤ من الكافر من مظاهر عدم موالاته .
    ثالثاً : التأييد باللغة والاصطلاح والمعقول والقياس :
    1- التأييد بالتعريف اللغوي :
                  إن المعنى اللغوي (للولاء) وهو : القرب والدنو والمحبة والنصرة (والبراء) وهو : البعد والتنزه والتخلص ، يقتضي وجود حقيقة ومظاهر لذلك تتمثل في أعمال للقلوب وأعمال للجوارح ، تضمَّن التعريف بعضها كالمحبة والنصرة والقرب والبعد والعداوة .
    2- التأييد بالتعريف الاصطلاحي :
                  إن المعنى الشرعي (للولاء) يشتمل على أعمال القلوب : كالحب والود والرضا والتوكل ، وأعمال الجوارح : كالطاعة والنصرة والمعاضدة والتعاون ، وإيصال الخير وكف الأذى (وللبراء) يشتمل على أعمال القلوب : كالكره والبغض وأعمال الجوارح : كالعداوة والمجاهدة .
    3- التأييد بالمعقول :
                  يرى الباحث أن عقيدة الولاء والبراء لا يعقل أن تكون مجرد كلمة أو شعار ليس لها حقيقة ومظاهر تؤثر على قلب المؤمن وجوارحه ، وإلا ستكون وهماً كشجرة وهمية لا أصل لها ولا فرع ، وحاش لله  أن يأمرنا بوهم أو ينهانا عن وهم .
    4- التأييد بالقياس :
                  يرى الباحث أن هناك علاقة وثقى بين الإيمان وبين الولاء والبراء ، وبالقياس والمقارنة بينهما يثبت وجود مظاهر لكل منهما تشتمل على أعمال القلب وأعمال الجوارح .
                  فالله سبحانه أمرنا بالإيمان ، وبينه لنا فقال : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا] {النساء:136} ، ووضح لنا مظاهره رسوله  بقوله : (الإيمان بضع وسبعون ، أو بضع وستون شعبة : فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان) ([47]) ، وبيّن لنا حقيقتـه عندمـا مـرَّ رسـول الله  بحارث فقال له : (يا حارث ، كيف أصبحت ؟) قال : أصبحت مؤمناً حقاً ، قال : (انظر ما تقول ، إن لكل شيء حقيقة فما حقيقتك ؟) قال : ألست قد عزفت الدنيا عن نفسي ، وأظمأت نهاري ، وأسهرت ليلي ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها ، يعني : يصيحون ، قال : (يا حارث عرفت فالزم ، ثلاث مرات) ([48]) .
                  وبذلك يتضح لنا أن الإيمان له معنى وحقيقة ومظاهر ، وكذلك الولاء والبراء ، فهما مشتركان بأعمال للقلب وأخرى للجوارح ، والله أعلم .
    رابعاً : التعزيز بأقوال العلماء :
                  توصل الباحث من خلال استقرائه لآراء علماء أهل السنة والجماعة أن الولاء والبراء له حقيقة ومظاهر ، ومنهم من صرح بلفظ مظاهر الولاء ، ومنهم من فهم عنه ذلك دون التصريح ، وهذا والله أعلم محل اتفاق بينهم ، وقد قال  : [... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:43} ، وهذه بعض النقولات عنهم في ذلك :
    1- قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ : "لما كان أصل الموالاة : الحب ، وأصل المعاداة : البغض ، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة ، والأنس ، والمعاونة ، وكالجهاد ، والهجرة ، ونحو ذلك" ([49]) .
    2- قال دكتور عدنان النحوي : "ويمتد الولاء في الآيات البينات إلى جميع ميادين الممارسة والعمل إلى الشعائر من صلاة وزكاة وغيرها ، إلى الجهاد في سبيل الله ، إلى سائر ميادين الحياة" ([50]) .
    3- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فاتباع سنة رسوله  ، واتباع شريعته باطناً وظاهراً هو موجب محبـة الله ، كمـا أن الجهـاد فـي سبيل الله ، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه هو حقيقتها" ([51]) .
    4- قال محمد القحطاني : "ثم علمه بحقيقة الولاء والبراء في المفهوم الإسلامي الصحيح وهو : أن الولاء والحب والنصرة للمؤمنين ... فهو مع إخوانه المؤمنين بقلبه ولسانه وماله ودمه ، يألم لألمهم ويفرح لفرحهم ، وبغضه وبراءه لجميع أعداء الله سواء كانوا كفاراً أصليين أم مرتدين أم منافقين وموقفه منهم : الجهاد بالنفس والمال والقلم واللسان ، وكل ما أوتي من طاقة ، وعلى حسب جهده وطاقته" ([52]) .
    5- قال الشيخ صالح الفوزان : "للولاء والبراء مظاهر تدل عليهما : أولاً : من مظاهر موالاة الكفار 1. التشبه بهم ... .  2. الإقامة في بلادهم ..." ([53]) ، وقال : "ثانياً : من مظاهر موالاة المؤمنين 1. الهجرة إلى بلاد المسلمين ... . 2. مناصرة المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان ..." ([54]) .
    6- قال الدكتور محمد نعيم ياسين : "ومن هنا يتبين أن موالاة الكفار تعني التقرب إليهم ، وإظهار الود لهم ، بالأقوال والأفعال والنوايا ، وقد أشارت النصوص إلى كثير من هذه الأمور التي تدخل الإنسان في الولاء للكفار ، من ذلك : اتباع أهوائهم ... وطاعتهم ... والركون إليهم ... ومداهنتهم ..." ([55]) .
    7- هناك أقوال كثيرة للمفسرين تدل على مظاهر الولاء والبراء بالمفهوم ، ويذكر بعض المظاهر حسب الآية ، وإن لم يصرحوا بلفظ (مظاهر الولاء والبراء) ، منها ما سبق ذكره كما في التعريف الاصطلاحي وحكم الولاء والبراء ، ومنا ما سيرد ذكره .

    المطلب الثاني : مظاهر الولاء لله  :

                  الولاء لله  لـه مظاهـر كثيـرة ومتنوعـة تكـاد تستغرق كـل الديـن ، ولذلـك سيكتفي الباحـث بالحديـث الموجـز عن أهمهـا وأجمعهـا ، وكلهـا مهمة ، وذلك كما يلي :
    أولاً : الإيمان بالله  وبكل ما أَمَرَنا به :
                  من الولاء لله  الإيمـان به ، إذ لا يعقـل بل يستحيل موالاتـه سبحانه دون الإيمان به ، وبكل ما أمرنا أن نؤمن به ، فالإيمان بالله والولاء له متلازمان لا ينفكان ، لقوله  : [وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ...] {المائدة:81} .
                  قال الله تعالى في أركان الإيمان : [آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ...] {البقرة:285} ، وقال  في معنى الإيمان : (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) ([56]) .
                  (قلت) : فنؤمن بالله  وبكل ما أمرنا أن نؤمن به ، دون زيادة أو نقص ، أو تعطيل أو تحريف ، أو مغالاة أو تفريط .
    ثانياً : الإسلام لله  :
                  من الولاء لله  الدخول في دينه العظيم الإسلام ، قال تعالى : [... اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا ...] {المائدة:3} ، وقال  في معنى الإسلام : (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) ([57]) ، والله  لا يقبل بعد محمد  من أحد ولو زعم موالاته إلا الإسلام لقوله : [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] {آل عمران:85} ، ولقـول رسوله  : (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار) ([58]) .
                  والمقصود بذلك أن يدخل المسلمُ في الإسلام جملة وتفصيلاً ، فلا يجوز له أن يأخذ من الدين ما يعجبه ، ويدع ما لا يعجب هواه .
                  فنسلم لله  بالعبادات المحضة كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد ... الخ ، ونسلم لله  بالدعوة ، قال تعالى : [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...] {النحل:125} ، ونسلم له بالجهاد في سبيله : [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ] {التوبة:73} ، ونسلم له بالسياسة ، قال تعالـى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ...] {النساء:59} ، ونسلم له بالاقتصاد ، قال تعالى : [... وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ...] {البقرة:275} ، ونسلم  بالتعليم ، قال تعالـى : [... يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ...] {المجادلة:11} ، ونسلم لـه بالتربيـة والأخـلاق ، قـال تعالـى : [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ] {القلم:4} ، وقال تعالـى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ...] {التَّحريم:6} ، ونسلم  له سبحانه بكل ما ورد في القرآن والسنة .
                  وأما الذين يأخذون بعضاً مما ذكر ، ويدعون بعضاً ولو واحداً ، فإنهم على خطرٍ عظيم ، ونحذرهم بقوله  : [... أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ] {البقرة:85} .
    ثالثاً : المحبة لله  :
                  من الولاء لله  أن نحبه سبحانه أكثر من كل المخلوقين ، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم الأنبياء والمرسلين ، والملائكة المقربين ، فضلاً عن الآباء والأمهات والزوجات والأبناء ، والإخـوان والأصدقـاء ، والأمـوال ... الخ ، قال تعالى : [وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ ...] {البقرة:165} ، وقال النبي  : (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ...) ([59]) .
    رابعاً : النصرة لله  :
                  من الولاء لله  أن ننصره كما سبق في معنى الولاء ، أي : ننصر دينه وشريعته ورسوله  ، والآيات في ذلك كثيرة ومتضافرة منها قوله  : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] {محمد:7} ، أي : إن تنصروا دين الله  وشريعته ينصركم على الكفار ويفتح لكم ([60]) .
                  فالله سبحانه يغار على أوليائه ، إذ كيف ينصر أعداؤه باطلهم وكفرهم يبذلون فيه جهدهم المالي والبدني والعقلي والزمني ... الخ مع ما ينتظرهم من خزي في الدنيا ، وجهنم في الآخرة ، بينما يتراخى أولياؤه عن نصرته سبحانه مع ما ينتظرهم من نصر أو شهادة في الدنيا ، وجنة في الآخرة !؟
                  قال النبي  : (إن الله تعالـى يغار ، وغيرة الله تعالى ، أن يأتي المرء ما حرم الله عليه) ([61]) . قلت : ومما حرم علينا  ألا ننصره .
    خامساً : الطاعة لله  :
                  من الولاء لله  طاعته سبحانه – كما سبق في معنى الولاء - ، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ ...] {النساء:59} .
                  فالله جل ثناؤه أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الرحم والأخلاق ... الخ فنأتمر ، والله  نهانا عن الشرك والسحر والخمر والميسر والقتل والزنا والسرقة والربا والرشوة وعقوق الوالدين وسوء الأخلاق ... الخ فننتهي .
    سادساً : التحكيم لله  :
                  من الولاء لله  تحكيمه والرضا والتسليم بحكمه – كما يقتضي معنى الولاء - ، فالحكم ليس لشخصٍ مهما كان ، أو قبيلة مهما كانت ، أو حزبٍ مهما كان ، أو شعب مهما كان ، أو أمة مهما كانت ، أو مؤسسة وطنية أو إقليمية أو دولية مهما كانت ، وإنما الحكم كما قال  : [... إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {يوسف:40} .
                  والحكم بغير ما أنزل الله  جاهلية جهلاء لقوله  : [أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] {المائدة:50} ، وضلال مبين لقوله : [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا] {الأحزاب:36} ، وبعدٌ عن الإيمان لقوله  : [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] {النساء:65} ، وكفرٌ وظلم وفسق لقوله  : [... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ] {المائدة:44} ، [... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {المائدة:45} ، [... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] {المائدة: 46} ، فهذه الصفات جميعاً تجتمع في كل من لا يحكم بما أنزل الله .
                  وقد اتفق العلماء على أن من جحد الحكم بما أنزل الله فهو كافر خارج عن الدين سواء حكم به أم لم يحكم به .
                  وأما من لم يحكـم بما أنزل الله وهو مؤمن ومقر به غير جاحد  فقد اختلف العلماء في حكمه :
    1- ذهب بعض العلماء أنه كافر خارج عن الدين بدليل ظاهر قوله تعالى : [... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ] {المائدة:44} .
    2- ذهب جمهور العلماء إلى أنه ظالم فاسق غير خارج عن الدين ، وأن الكفر المذكور في الآية الكريمة ليس بكفر ينقل عن الملة ، فهو كفر دون كفر ، وبهذا قال ابن عباس ، وعطاء ، وطاوس ، وابن طاوس ، والطبري وغيرهم ([62]) .
                  (قلت) : رأي الجمهور هو الراجح ، ولكنه متصف بكل الصفات الواردة في الآيات السابقة ، وهو مرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر .
                  وقد اهتـم النبي  اهتماماً بالغاً بهذه الفريضة ، فقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنهـا أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم رسول الله  ؟ فقالوا : من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله  فكلمه أسامة ، فقال رسول الله  : (أتشفع في حد من حدود  الله ؟ ثم قام فاختطب فقال : إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ([63]) .
                  وكذلك كان اهتمام الصحابة  بعد النبي  ، حتى قال أبو بكر  بشأن مانعي الزكاة : "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه" ([64]) ، وقال عمر بن الخطاب  : "... فأخشى إن طال بالناس زمانٌ ، أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ..." ([65]) ، فاعتبر  ترك حكم شرعي واحد ضلال ، فكيف بترك الأكثر أو الأغلب !؟
                  ولذلك لا نعجب من سبب قوة السلف الصالح ، حيث فتح الله على أيديهم مشارق الأرض ومغاربها ، ودمروا الإمبراطوريات ، وصاروا سادة العالم ورواد العلم والحضارة ، ذلك أنهم حكموا بما أنزل الله ، وهو الحكم الصالح لكل زمان ومكان ، والموافق للفطرة السليمة ، قال تعالى : [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] {الملك:14} ، ولما خالف المسلمون في زماننا ما كان عليه سلفهم الصالح فعطلوا الحكم بما أنزل الله وحكموا بقوانين من وضع شياطين الإنس والجن لا تساوي الحبر الذي كتبت به ، لا جرم أن صاروا إلى أسوأ حال ، والواقع شاهد على ذلك .
    سابعاً : الذكر لله  :
                  من الولاء لله  ذكره كثيراً سبحانه – كما يقتضي معنى الولاء ، وقد أمرنا الله بذكره كثيراً فقال : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا] {الأحزاب:41} ، بل أمرنا  أن نكثر من ذكره في أشد الأوقات انشغالاً في الجهاد في سبيل الله حيث هدير الطائرات ، ودويّ الدبابات ، وأزيز الرصاص ، وانفجار القنابل والقذائف ، وحيث الدخان والدمار والدماء والأشلاء والتحام الصفوف ... الخ ، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {الأنفال:45} ، قال قتادة : "افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون ، عند الضراب بالسيوف" ([66]) .
    (قلت) : فما بال أقوامٍ منا يهدرون أغلى ما يملكون أعمارهم المحدودة فيما لا فائدة منه ، أو بما يعصي الله به كالغيبة والأفلام والتمثيليات والحفلات المخالفة للشرع ... الخ !؟
                  وذكر الله يكون بالقلب ، بما أعتقد ، وأخلص ، وتوكل ، وأحب ، وأبغض ، وعلم ، ووعي ، وتفكر واعتبر ، وخاف واتقي ... الخ ، وكل ذلك في الله ، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ ...] {النساء:136} ، وقال النبي  : (يقـول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم ، وإن تقرب إليّ بشبرٍ تقربتُ إليه ذراعاً ، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) ([67]) .
                  وذكـر الله يكـون باللسـان ، وذلـك بقراءة القرآن ، وبالتسبيح ، والدعاء ، والتعلم والتعليم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصلاة على النبي  ، والنصيحة ... الخ ، قال تعالى : [... وَرَتِّلِ القُرْآَنَ تَرْتِيلًا] {المزمل:4} ، وقال : [يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ] {الجمعة:1} ، وفي الحديث السابق : (ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) .
                  وذكر الله يكون بالأركان والجوارح ، وذلك بالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وصلة الرحم وكثرة الخطى إلى المساجد ... الخ ، قال تعالى : [... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي] {طه:14} .
    ثامناً : الولاء لرسول الله  وللمؤمنين :
                  من الولاء لله  الولاء لرسوله  وللمؤمنين – كما يقتضي معنى الولاء - فمن والى الله سبحانه اقتضى ولاؤه لله أن يوالي أيضاً رسوله  والمؤمنين ، قال تعالى : [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ...] {المائدة:55} ، قال الكلبي : "ذكر الوليّ بلفظ المفرد إفراداً لله تعالى بهما ، ثم عطف على اسمه تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين على سبيل التبع ، ولو قال : إنما أولياؤكم لم يكن في الكلام أصل وتبع" ([68]) .
                  (قلت) : الولاء للرسول  والمؤمنين فرعٌ نابع أو منبثق عن أصل ، وهو الولاء لله  ، فما والى الله  من لم يوالي رسوله  والمؤمنين ، والولاء للرسول  وللمؤمنين سيفصل الحديث عنه المطلبان التاليان .

    المطلب الثالث : مظاهر الولاء للنبي  :

                  الولاء للنبي  له مظاهر كثيرة ومتنوعة ، وسيكتفي الباحث بالحديث الموجز عن أهمها وأجمعها ، وكلها مهمة ، وذلك كما يلي :
    أولاً : الإيمان بالنبي  :
                  من الولاء للنبـي  الإيمان به ، وبكل ما ورد عنه في القرآن الكريم والسنة المطهرة ، إذ لا يعقل ولاء للنبي  دون الإيمان به ، وهذا ما يقتضيه معنى الولاء .
                  ومن ذلك أنه  خاتم الرسل والنبيين ، لقوله تعالى : [مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ...] {الأحزاب:40} ، وأنه  بعث للإنس والجن كافة ، لقوله : [تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا] {الفرقان:1} وأنه متربع على عرش الأخلاق لقوله تعالى : [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ] {القلم:4} ، وأنه حبيب وخليل الرحمن لقوله  : (وقد اتخذ الله  صاحبكم خليلاً) ([69]) ، وأنه أفضل الإنس والجن والملائكة بما فيهـم الأنبياء والرسل وجبريل عليهم السلام ، قال النبي  : (أنا سـيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع) ([70]) ، وأنه صاحـب الشـفاعة الكبرى يوم القيامة ، وصاحب الحوض المورود ، ويشـهد علـى أمتـه ، وأنه أول من يدخل الجنة ... الخ .
    ثانياً : محبة النبي  :
                  من الولاء للنبي  محبته أكثر من أي مخلوق ، أي أكثر من آبائنا وأمهاتنا ، وأزواجنا وذرياتنا ، وإخواننا وأخواتنا ، وأصدقائنا وأحبابنا ، ومصالحنا ورغباتنا ، حتى من أنفسنا ، يدل على ذلك قول النبي  : (لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين) ([71]) ، وما رواه البخاري عن عبد الله بن هشام قال : كنا مع النبي  ، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب  فقال له عمر : يا رسول الله : لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي ، فقال النبي  : (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك) قال عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي ، فقال النبي  : (الآن يا عمر) ([72]) ، (قلت) : أي : الآن كمل إيمانك يا عمر ، وقال ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما رحمة الله عليهم : "المحبة ثلاثة أقسام : محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد ، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبـة سـائر الناس ، فجمع  أصناف المحبة في محبته" ([73]) .
    ثالثاً : نصرة النبي  وتعزيره :
                  النصرة أحد معاني الولاء ، ونصرة النبي  من مظاهر الولاء له  ، قال تعالى : [... فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {الأعراف:157} ، فقوله : (وعزروه) أي : عظموه ووقروه (ونصروه) أي : نصروا دينه ونصروه على أعدائه ([74]) .
                  (قلت) : وكذلك يعد وفاته نعظم ونوقر ذكره  وسنته ، وننصر وندافع عن دينه وسنته ، وننافح عن نسائه وعرضه ، كما نحمي قبره  في الأولين والآخرين ، وذلك بألسنتنا بأقلامنا بأموالنا بأنفسنا بسلاحنا ... الخ حسب الحال .
    رابعاً : طاعة النبي  :
                  من معانـي ومقتضيـات الولاء الطاعة ، ومن الولاء للنبي  طاعته فيما أمر وفيمـا نهى ، قال  : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ...] {النساء:59} ، فطاعتـه  هـي طاعة لله  ، ومعصيته هي معصية لله  ، للآيـة السـابقة ، ولقولـه  : (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله) ([75]) ، وطاعته  هي من الوحي لقوله  : [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ] {النَّجم:3-4} .
                  وطاعته  فيما أمر قـد يأخذ حكم الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة ، وفيما نهى
    قد يأخـذ حكم التحريم أو الكراهة ، قال النبي  : (فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا) ([76]) .
                  فإذا أطعناه  فيما أمر ونهى فلنا الهداية والاستقامة والنصر والتمكين في الدنيا ، والمغفرة والشفاعة والجنـة يوم القيامة ، قال تعالى : [... وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ...] {النور:54} وقال : [... وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {النساء:13}  ، وقـال النبي  : (كل أمتي يدخلون الجنة إلا مـن أبـى) قالـوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال : (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) ([77]) .
    خامساً : التأسي بالنبي  :
                  من معاني الولاء الاتباع ، والاتباع يقتضي التأسي والتشبه ، ولذلك من الولاء للنبي  أن تتخذه أسوة حسنة نتأسى به ، وقدوة مباركة نقتدي به ، وهداية صالحة نهتدي به ، ونوراً منيراً نستنير به في ظلمات الدنيا والجهل والضلال والانحراف ، والغربة والتيه ، والمعاصي والكفـر ... الخ ، قال تعالـى : [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21} ، ومعنى الآية : "أي : لقد كان لكم أيها المؤمنون في هذا الرسول العظيم قدوة حسنة ، تقتدون به في إخلاصه ، وجهاده ، وصبره ، فهو المثل الأعلى الذي يجب أن يقتدى به في جميع : أقواله وأفعاله وأحواله ، لأنه لا ينطق ولا يفعل ويتصرف عن الهوى ، بل عن وحيٍ وتنزيل ، فلذلك وجب عليكم تتبع نهجه ، وسلوك طريقه" ([78]) .
                  والتأسي بالنبي  له فوائد عظيمة منها محبة الله ومغفرته ، قال تعالى : [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {آل عمران:31} ، ومنها مرافقة النبـي  فـي الجنة لقوله  : (من تشبه بقوم فهو منهم) ([79]) ، ولقوله  : (المرء مع من أحب) ([80]) ، وعدم التأسي به  فيه خطر عظيم لقوله تعالى : [... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {النور:63} .
                  ومع كل هذه الثمرات التي رتبت على الاقتداء بالنبي  ، ومع كل هذا التحذير من مخالفته فقد وجد في زماننا هذا من خالف ذلك كله وهم كثر ، اتخذوا من الكفار والمجرمين قدوة لهم في أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم وكل شيء ، حتى انطبق عليهم قول النبي   (لتتبعن سنن ([81]) الذين من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا في جحر ضبٍ لاتبعتموهم) قلنا : يا رسول الله ! آليهود والنصارى ؟ قال : (فمن؟) ([82]) ، تشبهوا بهم في الطعام والشراب والثياب والأسماء ، والغناء والتمثيل والاختلاط ، والموسيقى والخمر والزنا واللواط وإتيان المحارم ، والربا ، وقصات الشعر ، وشواطئ العراة ، والفجور وقطع الأرحام ومحاربة الدين ، وتحديد النسل ونشر الفساد ... الخ بحيث يصعب عليك أن تجد عملاً عمله الكفار دون أن يعمله بعضٌ من أمة محمد  .
                  بل ووجد من الأمة دعاة انحرفوا دينياً ، وانهزموا حضارياً أمام الغرب فصاروا دعـاة عن جهل يدعون إلى الأخذ بكل ما عنده دون تمييز بين الخير والشر ، فهم كالحيوانـات ، بل أضل سبيلاً ، فجاءوا لأمتهم بالفتنة والبوار والهلاك والانحلال والانحراف ، وبكل ما يفسدها ويضعفها ، ونشأت على دعوتهم وتربت أجيال ساقطة ضعيفة مهزومة لا هم لها إلا إشباع رغباتها وشهواتها وأنانيتها ، وهذه النوعيات لا يمكن الاعتماد عليها لحفظ الدين أو العرض أو الوطن ... الخ .
                  والواقع الذي تعيشـه الأمة خير شاهد على ذلك ، فقد صرنا أضعف الأمم ، وسخرية الناس ، وسرنا في ذيل القافلة إن لم تكن قد خلفتنا وراءها ، انتهكت حرمات ديننا فغيب الإسلام عن الحكـم وحوصـر دعاتـه ، وانتهكت أعراض المسـلمات كالـذي حدث للمسلمات في البوسنة ، وانتهكت مقدساتنا وأوطاننا كما حدث للأقصى والقدس والأرض المقدسـة ، وانتهكت إنسانيتنا حتى صارت دماء المسلمين في هذا الزمن أرخص من دماء الكلاب ! فهـل نستفيق من غفلتنـا وسـكرتنا ونومنـا العميق ، فنقتدي بنبينا  في كل شيء ؟
    سادساً : تحكيم النبي  :
                  من الولاء للرسول  تحكيمه والتسليم والرضا بحكمه ، كما يقتضي معنى الولاء ، قال تعالى : [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] {النساء:65} ، قال الطبري في تفسير الآية الكريمة : "(فلا) فليس الأمـر ... (وربك) يا محمـد (لا يؤمنون) أي : لا يصدقون بي وبك ، وبما أنزل إليك (حتى يحكموك فيما شجر بينهم) يقول : حتى يجعلوك حكماً بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهـم ، فالتبس عليهـم حكمـه ... (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت) يقول : لا يجدوا في أنفسهم ضيقاً مما قضيت ... أي : لا تأثم بإنكارها ما قضيت ، وشكها في طاعتك ، وأن الذي قضيت به بينهم حق لا يجوز لهم خلافه" ([83]) .
                  (قلت) : يجب علينا أن نحكم بما ورد من أحكام النبي  ونعتقد أن ذلك من الوحـي ولا يجوز مخالفته أو استبداله كما يفعل الجاهلون الظالمون الفاسقون .
    سابعاً : الصلاة والسلام على النبي  :
                  من الولاء للرسول  كثرة الصلاة والسلام عليه والدعاء له ، كما يقتضي معنى الولاء ، قال تعالى : [إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] {الأحزاب:56} ، قال القرطبي : "أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه  دون أنبيائه تشريفاً له ، ولا خلاف في أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة ، وفي كل حين من الواجبات وجـوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه" ([84]) ، و"قوله تعالى : (وسلموا تسليماً) قال القاضي أبو بكر بن بكير : "نزلت هذه الآية على النبي  فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه ، وكذلك من بعدهم أمروا أن يسلموا عليه عند حضورهم قبره وعند ذكره" ([85]) ، وقد سئل النبي  عن كيفية الصلاة عليه فقال : (قولوا : اللهم صل على محـمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميدٌ مجيدٌ ، والسلام كما قد علمتم) ([86]) ، وعن ثواب الصلاة على النبي  قال : (من صلى عليّ صلاة ، صلى الله عليه بها عشراً) ([87]) ، وقال : (أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة) ([88]) ، وعن عقاب الذي لا يصلي على النبـي  قال : (رغـم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ عليّ ...) ([89]) ، وقال : (البخيل الذي من ذكرتُ عنده ، فلم يصل عليّ) ([90]) ، ومعنى (رغم أنف رجل) أي : لصق بالرغام ، وهو التراب ، وهو كناية عن الذل والحقارة ([91]) ، (قلت) : ومعنى (البخيل) أي : البخيل بالصلاة على النبـي  مع قدرتـه ، كالبخيـل على الفقراء مع غناه .
                  (وقلت) : ومع ما ذكر من ثواب الصلاة على النبي  ، وعقاب البخيل بذلك ، فقد وجدنا في هذا الزمن قوماً من المسلمين ألسنتهم كالمناجل لا تحصد زرعاً ولا خيراً ، وإنما تحصد الغيبة والنميمة والغناء ، والكلام الفارغ وما لا فائدة فيه من أمور الدنيا المختلفة ، وقيل وقال ... الخ ، حتى إذا سمع أحدهم اسم رسول الله  تثاقل لسانه ، وبخل بالصلاة والسلام عليه !؟

    المطلب الرابع : مظاهر الولاء للمؤمنين :

                  الولاء للمؤمنين له مظاهر كثيرة جداً ومتنوعة ومتشعبة ، وسيكتفي الباحث بالحديث الموجز عن أهمها وأجمعها ، وكلها مهمة ، وهذه المظاهر ثابتة بالقرآن والسنة ، منها ما يأخذ حكم الفرض والواجب ، ومنها ما يأخذ حكم السنة والاستحباب .
                  قال ابن تيمية : "وقـد أوجـب الموالاة بين المؤمنين وبيَّن أن ذلك من لوازم الإيمان" ([92]) ، وأضاف قائلاً : "فليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك ... وإن اجتمع في الرجل الواحد خير وشر ، وفجور ، ومعصية وسنة وبدعة : استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير ، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر ، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة ... كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ، ويعطـى من بيت المال ما يكفيـه لحاجتـه ، هـذا هـو الأصل الذي اتفق عليه
    أهل السنة والجماعة" ([93]) .
    أولاً : محبة المؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين محبتهم ، إذ المحبة أحد معاني الولاء ، قال الله  : [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ...] {الفتح:29} ، وقال : [وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ...] {الحشر:9} .
                  فمحبة المؤمنين من الولاء لهم ، ومن الإيمان ، لقول النبي  : (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ...) ([94]) ، ويبين لنا  أهم طرق المحبة بقوله : (والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) ([95]) ، ويأمرنا النبي  أن نخبر من نحب بحبنا له بقوله : (إذا أحب الرجلُ أخاه ، فليخبره أنه يحبه) ([96]) ، والمؤمنون المتحابون في الله  لهم درجة عظيمة يوم القيامة ، لقول النبي  : (قال الله  : المتحابون في جلالي ، لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء) ([97]) .
                  (قلت) : هذه المحبة محلنها القلب ، فالمؤمن يحب المؤمنين بقلبه ، وهذه المحبة لها آثار على السلوك والجوارح ، كالنصح والدعاء لهم ، وتمني الخير لهم ، وإيثارهم ، والدفاع عنهم ، وإيصال الخير لهم ، وكف الأذى عنهم ... الخ .
    ثانياً : نصرة المؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين نصرتهم ، إذ النصرة أحد معاني الولاء ، قال تعالى : [إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ...] {الأنفال:72} ، فالآية تتحدث عن المهاجرين الذين هاجروا من مكة المكرمة ، والأنصار الذين آووهم فـي المدينـة المنـورة ، وقوله : (أولئك بعضهم أولياء بعض) ، قال الشـوكاني : "أي : بعضهـم أولياء بعض في النصرة والمعونة" ([98]) ، وقال تعالى : [... وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ...] {الأنفال:72} ، قال ابن كثير : "يقول تعالى وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال ديني على عدو لهم فانصروهم ، فإنه واجب عليكم نصرهم لأنهم إخوانكم في الدين" ([99]) ، ويبين لنا النبي  المراد بهذا النصر بقولـه : (أنصـر أخاك ظالماً أو مظلوماً) ، قالوا : يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف
    ننصره ظالماً ؟ قال : (تأخذ فوق يديه) ([100]) .
                  (قلت) : لو طبق المسلمون في هذا الزمن مظهر نصرة المؤمنين أحد مظاهر الولاء والبراء ، لتغير وجه الأرض ، ولتغير مجرى التاريخ ، ولما بقيت الأرض المقدسة فلسطين والقدس الشريف والمسجد الأقصى لعقود كثيرة تحت الاحتلال اليهودي الغاشم ، ولما بقي شلال الدم لمسلمي فلسطين ومأساتهم مستمرة لأكثر من ستين عاماً .
                  إن شعب فلسطين المسلم سيسأل المسلمين عامة ، وأولي الأمر منهم خاصة يوم القيامة بين يدي الله  عن حق النصرة الذي أوجبه الله  لهم على المذكورين !؟ خاصة أن شعب فلسطين رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً استنصر المسلمين حكاماً ومحكومين لمرات كثيرة لا يحصيها إلا الله  ، ولأكثر من ستين عاماً فأين الإجابة !؟
                  هذا نموذج ، وهناك نماذج كثيرة في العالم الإسلامي حقها في النصرة ضائع كشعب فلسطين !؟
    ثالثاً : التعاون مع المؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين التعاون معهم ، وهذا المظهر يقتضيه معنى الولاء ، قال تعالى : [... وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ...] {المائدة:2} ، قال الحافظ بن كثير في معنى الآية الكريمة : "يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر ، وترك المنكرات وهو التقوى ، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم" ([101]) ، ويبين لنا ابن تيمية بعض خصال ذلك بقوله : "فإن التعاون نوعان : نوع على البر والتقوى ، من الجهاد وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وإعطاء المستحقين ، فهذا ما أمر الله به ورسوله ... والثاني : تعاون على الإثم والعدوان ، كالإعانة على دم معصوم ، أو أخذ مال معصوم ، وضرب من لا يستحق الضرب ، فهذا الذي حرمه الله ورسوله" ([102]) .
                  (قلت) : ومن أمثلة ذلك : التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله  : [... وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] {العصر:3} ، والتعاون علـى الجهاد لقول النبي  : (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا) ([103]) ، والتعاون على الدعوة لقول النبي  : (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهـم شـيئاً ، ومن دعـا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ، لا ينقص من آثامهم شيئاً) ([104]) .
                  (وقلت) : والتعاون بين المؤمنين من الولاء لهم وثوابه عظيم عند الله  ، لقول النبي  : (من نفس عن مؤمن كربـة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسرٍ يسـر الله عليـه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ...) ([105]) .
    رابعاً : الطاعة لأمراء المؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين طاعة أمرائهم ، وهذا المظهر من معاني الولاء إذ من معانيه الطاعة والاتباع ، قال الله  : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ... ] {النساء:59} ، وقـال رسوله  : (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصى أميري فقد عصاني) ([106]) ، الآية الكريمة والحديث الشريف يوجبان طاعة الأمير الذي ثبتت إمارته شرعاً ، فطاعته طاعة لله  ورسوله ، ومعصيته معصية لهما .
                  فنطيع الأمير إلا في المعصية ، لقول النبي  : (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) ([107]) ، ونطيع الأمير قـدر استطاعتنـا ، لقولـه  : [لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ...] {البقرة:286} ، ولما روى عبد الله بن عمر  قال : "كنا نبايع رسول الله  على السمع والطاعة يقول لنا : (فيما استطعتم) ([108]) ، ونطيع الأمير بغض النظر عن شكله ولونه ، أو عرقه ولسانه ، أو أرضه ووطنه ، أو غناه وفقره ، أو نحو ذلك ، لقول النبي  : (اسمعوا وأطيعوا ، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌ كأن رأسه زبيبة) ([109]) ، ونطيع الأمير على كل حال منا ، وإن استأثر هو بأمور الدنيا علينا ، لقول النبي  : (السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك) ([110]) ، ونحذر كل الحذر من إهانة الأمير ، لقول النبي  : (من أهـان السلطان أهانه الله) ([111]) ، كما نحذر كل الحذر من عصيان الأمير أو الخروج عليه ، لقول النبي  : (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ([112]) ، ولقول النبي  : (من كره من أميره شيئاً فليصبر ، فإنه من خرج من  السلطان شبراً مات ميتة جاهلية) ([113]) .
    خامساً : الهجرة إلى بلاد المؤمنين :
                  من معاني الولاء المحبة والنصرة والطاعة والاتباع ، وهذه الأمور تقتضي من المسلم أن يهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لتحقيق تلك المعاني ومستلزماتها ومظاهرها كالتعاون على البر والتقوى وتكثير السواد ... الخ .
                  وقد تحدث العلماء كثيراً في موضوع الهجرة ، ولما كانت الفتوى في بعض الأحيان تقدر زماناً ومكاناً وشخصاً ، فإن الباحث يرى ما يلي – والله أعلم - :
    1- إذا كان المسلم المقيم في ديار الكفار لا يستطيع إقامة شعائر دينه من صلاة وصيام وزكاة وحج ونكاح وحجاب ... الخ ، فيتعين عليه الهجرة إلى بلاد المسلمين لقوله  : [إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا] {النساء: 97-99} ، قال النسفي : "والآيـة تدل على أن من لم يتمكن من إقامـة دينـه في بلـدٍ كما يجب ، وعَلِمَ أنـه يتمكن من إقامته في غيره حقت عليه المهاجرة ... استثنى من أهل الوعيد المستضعفين (الذين لا يستطيعون حيلة) في الخروج منها لفقرهم وعجزهم (ولا يهتدون سبيلاً) ولا معرفة لهم بالمسالك ..." ([114]) .
    2- إذا كان المسلم المقيم في ديار الكفار يستطيع أن يقيم شعائر دينه ، ولا يخشـى على نفسه وأهلـه التأثر بدينهم أو عاداتهم ، وكان له مصلحة مشروعة بإقامته عندهم كالتعليم ، أو الدعوة إلى الله ، أو التجارة أو المراقبة والرصد ، فلا حرج عليه ، بل ذلك مباح ، أو مستحب ، والنبي  أرسل مصعب بن عمير  إلى المدينة المنورة ، وكانت دار كفر ليدعو إلى الله ، وكان له أثر عظيم في ذلك ، وكذلك تجار المسلمين عبر التاريخ فعلوا ذلك ، وأسلم على أيديهم أمم كثيرة ، ودون قتال وحرب ، والواقع اليوم يعزز ذلـك ، فالجاليـات المسـلمة في أوروبا وأمريكا أسلم على يديها الكثير من النصارى .
    3- إذا كان المسلم مطارداً في بلده الإسـلامي المحكـوم بالطواغيـت ، ومهـدد بالتعذيب أو السجن أو القتل ... الخ ، فله أن يهاجر إلى بلد إسلامي آخر يأمن فيه ، فإن لم يجد فلا حرج عليه إن هاجر إلى أحد بلاد الكفار التي تتيح له إقامة شعائر دينه ، والنبي  أمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة ، وهي دار كفر – بعد فتنتهم في مكة – قائلاً لهم : (إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده ، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه) ([115]) .
    4- إذا كان المسلمون يقيمون في بلدهم الإسلامي كالفلسطينيين ، وسيطر الكفار على بلدهم كسيطرة يهود على فلسطين ، فالفتوى أن يثبت المسلمون في أرضهم ويتمسكوا بها وليصبروا على أذى الأعداء وليحمدوا وليحتسبوا وليسترجعوا وليجاهدوا الأعداء بكل وسيلة وأسلوب ممكنين ، وليستنصروا بأمة محمد  حكاماً ومحكومين ، ويستمروا في ذلك حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، ولا يهجروا أوطانهم الإسلامية التي يحكمها الكفار للأسباب الآتية :
    أ- حتى لا تخلوا بلاد الإسلام من أهلها .
    ب- حتى لا يتمكن الكفار من بلاد الإسلام بهجرة ورحيل أهلها .
    ج- حتى لا يطمع الكفار أكثر فيتقدموا إلى بلد مسلم آخر وهكذا .
    د- حتى لا يقع المسلمون في الحرج والعنت ، وربما الهلاك والموت لكثير منهم ، إذ كيف سيكون الحال إذا تجمع مئات الملايين من المسلمين في بقعة واحدة ، ماؤها وزراعتها ومواردها لا تكـاد تكفـي أهلها المسلمين الأصليين !؟ ، وقد قال  : [يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ
           يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ...] {البقرة:269} .
    سادساً : وصل المؤمنين بخصال الخير :
                  من معاني الولاء المحبة والنصرة والطاعة والاتباع ، وهذه الأمور تقتضي من المؤمن أن يصل المؤمنين الذين يواليهم بخصال الخير الكثيرة والمتنوعة ، وهذه الخصال ثابتة بالقرآن أو السنة ، منها ما هو واجب ، ومنها ما هو سنة ، ونظراً لكثرتها سيكتفي الباحث بإيجاز بعضها ، وبالإشارة لبعضها بسبب طبيعة هذا البحث ، ومنها ما يلي :
    1- السلام على المؤمنين :
                  أمرنا الله  بنشر السلام فقال : [... فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ...] {النور:61} , وقال : [وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ...] {النساء:86} ، (وحكم) طرح السلام على مسلم فأكثر سنة ، والرد عليه واجب ، و(صيغته) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأقله : السلام عليكم ، وأوسطه : ورحمة الله ، وأفضله وأكمله وأثوبه : وبركاته ، (ومعناه) : أمان ومحبة فلا اعتداء ، (وثوابه) : عظيم لقول النبي  : (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) ([116]) .
    2- النصح للمؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين النصح لهم ، والنصيحة من الدين ، ومن أخلاق النبيين عليهم السلام ، قال تعالى إخباراً عن نوح  : [... وَأَنْصَحُ لَكُمْ ...] {الأعراف:62} ، وعن هود : [...وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ] {الأعراف:68} ، والنصيحة تكون عامة لما روي عن تميم بن أوس الداري  أن النبي  قال : (الدين النصيحة) قلنا : لمن ؟ قال : (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ([117]) .
                  (قلت) : وعلى الناصح أن يتق الله ، فليصدق في نصيحته ، ولينصح بالحكمة والموعظة الحسنة في المكان والزمان المناسبين ، فهي نصيحة وليست فضيحة .
    3- الدعاء للمؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين الدعاء لهم ، قال تعالى : [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ...] {الحشر:10} ، وقال : [... وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ...] {محمد:19} ، وقال إخباراً عن إبراهيم  : [رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ] {إبراهيم:41} .
                  ودعوات المسلمين لبعضهم مستجابة لقول النبي  : (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل به ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به : آمين ، ولك بمثل) ([118]) .
                  (قلت): والدعاء للمسلمين الأحياء يكون بخير الدنيا والآخرة،وللأموات بخير الآخرة .
    4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، لقوله  : [وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ...] {التوبة:71} ، ولقوله : [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ...] {آل عمران:110} .
                  والأمر بالمعروف والنهـي عن المنكر حسب الاستطاعة ، لقول النبي  : (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) ([119]) .
                  (قلت) : وهذه العبادة أصحابها أقلة أو ندرة ، وهم من أولي العزم من المؤمنين ، وذلك لما يترتب عليها من ابتلاء ، قال تعالى إخباراً عن لقمان وابنه : [... وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {لقمان:17} .
                  (وقلت) : وثوابها عظيم لأن الأجر على قدر المشقة ، وتركها وخيم لقوله تعالى : [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ] {المائدة: 78-79} ، ولقول النبي  : (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم
    عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) ([120]) .
    5- حسن جوار المؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين الإحسان في جوارهم ، لقوله  : [... وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ ...] {النساء:36} ، ولقول رسوله  : (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ([121]) ، قال ابن عباس : "الجار ذي القربى هو القريب النسب ، والجار الجنب هو الأجنبي ، وقيل : ذي القربى القريب المسكن منك ، والجنب : البعيد المسكن عنك" ([122]) .
                  (قلت) : والإحسان إلى الجار يكون : بحفظ حرماته ، وعدم إيذائه ، وزيارته ، وإهدائه الطعام ، ومساعدته ومعاونته ، وما إلى ذلك .
                  (وقلت) : والذي يسئ لجاره عقابه وبيل ، لقول النبي  : (والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن) قيل : من يا رسول الله ؟ قال : (الذي لا يأمن جاره بوائقه) ([123]) ، ولقوله  : (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) ([124]) ، قال النووي : "البوائق : الغوائل والشرور" ([125]) .
    6- إكرام ضيافة المؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنين إكرام ضيافتهم ، لقوله  : [هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ] {الذاريات: 27}               ، ولقول رسوله  : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته) قالوا : وما جائزته يا رسول الله ؟ قال : (يومه وليلة ، والضيافة ثلاثة أيام ، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه...) ([126]) .
                  (قلت) : وإكرام الضيف يكون بتقديم أفضل الطعام والشراب والأثاث والمعاملة له .
    7- قضاء حوائج المؤمنين وستر عوراتهم :
                  من الولاء للمؤمنيـن قضاء حوائجهم وستر عوراتهم ، يدلنا على ذلك قوله  : [... وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {الحج:77} ، وقوله : [إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ ...] {النور:19} ، وقول رسوله  : (من فرج عن مسلم كربـة فرج الله عنـه بها كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) ([127]) .
                  (قلت) : وهذه العبادة توثق العلاقة بين المؤمنين ، وتزيد الثقة بينهم ، وتقوي المحبة والألفة بينهم ، وتجعلهم متماسكين كالبنيان المرصوص .
    8- مشاركة المؤمنين في السراء والضراء :
                  من الولاء للمؤمنيـن مشاركتهم في السراء ، أي : ما يفرحهم ويسرهم ، وفي الضراء ، أي : مواساتهم في أتراحهم وما يحزنهم ، قال تعالى : [... وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {الحج:77} ، وقال النبي  : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ([128]) ، ومثـال ذلـك : ما ذكره النبـي  في قوله : (حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس) ، وفي رواية : (وإذا استنصح فانصح له) ، وفي رواية أخرى : (وإبرار القسم ، ونصر المظلوم) ([129]) .
                  (قلت) : وكل خصلة من هذه الخصال الثمانية وغيرها لها ثواب عظيم عند الله  ، منها ما سبق ذكره في البحث ، ومنها قول النبي  : (من عاد مريضاً ، أو زار أخاً له في الله ، ناداه منادٍ أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً) ([130]) .
    سابعاً : كف الأذى عن المؤمنين :
                  من الولاء للمؤمنيـن – كما يقتضي معناه – كف الأذى كله عن المؤمنين قليله وكثيره ، صغيره وكبيره ، وسـواء كان في دينهم ، أو أنفسهم ، أو أهلهم ، أو أموالهم ... الخ ، وأنواع الأذى التي نهينـا عنهـا في القرآن الكريم والسنة المطهرة كثيرة ومتشعبة ،
    وسيكتفي الباحث بالتذكير ببعضها بالإشارة كما يلي :
    1- عدم السخرية من المؤمنين أو مناداتهم باللقب السيء .
    2- عدم الظن السيء بهم ، أو التجسس عليهم ، أو اغتيابهم .
    3- عدم الكذب عليهم ، أو سبهم ، أو لعنهم ، أو شهادة الزور عليهم .
    4- عدم بغضهم ، أو مقاطعتهم ، أو حسدهم ، أو احتقارهم ، أو التكبر عليهم .
    5- عدم غشهم ، أو خداعهم ، أو غدرهم ، أو ظلمهم .
    6- عدم أكل أموالهم بالباطل ، أو ظلمهم وهضم حقوقهم .
    7- عدم سفك دمائهم ، أو انتهاك حرماتهم وأعراضهم ... الخ .
                  والآيات والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة لا يتسع المقام لسردها كلها ، ومن ذلك قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ...] {الحجرات:11} ، وقوله : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ...] {الحجرات:12} ، وقوله : [وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ ...] {البقرة:188} ، وقوله : [وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ ...] {الإسراء:33} ، وقوله : [وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ...] {الإسراء:32} ، وقوله : [وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولًا] {الإسراء:37} ، وقول رسول الله  في حجة الوداع : (فإن دماءكـم ، وأموالكم ، وأعراضكم ، حرام كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا هل بلغت) ([131]) ، وقوله  : (لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ([132]) ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ([133]) ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه) ([134]) ، وفي رواية : (إياكم والظـن ، فإن الظـن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ...) ([135]) .
                  (قلت) : والخلاصة : إن خصـال الخيـر التـي سبق ذكرها وغيرها ، نأتي منها ما استطعنا ، وأما خصال الشر هذه ، وغيرها فنبتعد عنها ، لقول النبي  : (فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا) ([136]) .

    المبحث الثالث

    مظاهر الولاء للكفار والأعذار


    المطلب الأول : مظاهر الولاء للكفار :

                  إن مظاهر الولاء للكفار كثيرة ومتنوعة ومتشعبة ، وسيكتفي الباحث بالحديث الموجز عن أهمها وأخطرها وأجمعها كما يلي :
    أولاً : عدم التبرؤ من الكفار :
                  إن عـدم التبـرؤ من الكفـار يمثـل أحـد مظاهر الولاء لهم ، والتبرؤ منهم واجب بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ، ويكون : بالنوايا والأعمال ، ومعناه : التخلص والتنزه والبعد والتنصل منهم ، ومن كفرهم ، قال تعالى : [وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ...] {التوبة:3} ، والمؤمنون يبرأون مما برئ الله  منه ورسوله  ، وقد سبق تفصيل الحديث عن حكم البراء من الكفار مما أغنى عن إعادته هنا .
    ثانياً : محبة الكفار وودهم :
                  إن من الولاء للكفار محبتهم بالقلوب ، أو إظهار الود لهم بالأفعال ، وقد قال تعالى : [لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ] {المجادلة:22} ، قال القرطبـي : "بيـن أن الإيمـان يفسـد بموالاة الكفـار وإن كانوا أقارب" ([137]) ، وقال ابن تيميـة : "والكافـر تجـب معاداتـه وإن أعطـاك وأحسن إليك ، فإن الله سبحانـه بعـث الرسـل وأنزل الكتـب ليكـون الدين كله لله ، فيكون الحب لأوليائـه والبغض لأعدائـه ، والإكـرام لأوليائه والإهانة لأعدائه ، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه" ([138]) .
                  (قلت) : وظاهر الآية يدل على أن الإيمان بالله واليوم الآخر وحب وود أعداء الله وإن كانوا أقارب لا يجتمعان في قومٍ مؤمنين أبداً .
    ثالثاً : إتباع ملة للكفار وأهوائهم :
                  من الولاء للكفار الدخول في دينهم وشريعتهم ، واتباع أهوائهم الباطلة ، قال تعالى : [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] {البقرة:120} ، قال الشوكاني : "ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخـل فـي دينهم ويتبع ملتهم ، والملة : اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه وهكذا الشريعة" ([139]) .
                  (قلت) : واتباع ملة وأهواء الكفار يتنافى مع الولاء لله  ، ولذلك حذر في الآية من ذلك بقوله : [... وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] {البقرة:120} .
    رابعاً : طاعة الكفار في غضب الله :
                  من الولاء للكفار طاعتهم فيما يأمرون أو ينهون أو يشيرون بما يغضب الله  ويسخطه ، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ* بَلِ اللهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ] {آل عمران: 149-150} ، وقال : [... وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ] {الأنعام:121} ، وقال : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـــابَ يَرُدُّوكُـــمْ بَعْــــدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ]{آل عمران: 100-101} .
                  (قلت) : المتدبر لهذه الآيات الكريمة يلحظ الربط بين طاعة الكفار والولاء لهم ، ونتيجتـه المتمثلة في الردة والكفر والخسران ، ومما يعزز هذا سبب نزول الآيتين الأخيرتين ، حيث كادت الحرب تشتعل بين الأوس والخزرج طاعةً لليهود ودسائسهم ، حتى تنادوا للسلاح ، لولا أن جاء الرسول  ونهاهم عن ذلك ([140]) .
                  (وقُلت) : والأمثلة على طاعتهم كثيرة جداً لا تكاد تحصر ، منها :
    1- تعطيل حكم الله  في الأرض .
    2- نشر الفساد والعري والانحلال والكفر تحت عنوان الحرية .
    3- مناصرة الكفار والقتال معهم ولو ضد فئة مسلمة أخرى .
    4- التشبه بالكفار في كل شيء .
    5- تعطيل الجهاد في سبيل الله ، وتعطيل عقيدة الولاء والبراء في الإسلام .
    6- محاربة الدعاة إلى الله  والمجاهدين في سبيل الله ، وتعذيبهم ، أو سجنهم ، أو نفيهم ، أو قتلهم .
    خامساً : الحكم بشرائع الكفار :
                  من الولاء للكفار الحكم بشرائعهم سواء الدينية أو الوضعية ، فأما الدينية فهي محرفة وما صح وثبت منها فهو منسوخ ، وأما الوضعية فهي ما كتبته أيديهم من عند أنفسهم ، وهي لا تساوي الحبر الذي كتبت به ، وكل حكم مخالف للقرآن والسنة فهو جاهلي لا يجوز الحكم به ، لقوله تعالى : [أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] {المائدة:50} ، وقد سبق تفصيل الحديث عن الحكم بما أنزل الله مما أغنى عن إعادته هنا .
    سادساً : الركون إلى الكفار :
                  من الولاء للكفار الركون إليهم ، "والركون : هو الميل والرضا بما يعرضونه على المسلم" ([141]) ، قال تعالى : [وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ] {هود:113} ، قال القرطبي : "وهذه الآية دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم ، فإن صحبتهم كفر أو معصية ، إن الصحبة لا تكون إلا عن مودة" ([142]) .
                  (قلت) : الآية الكريمة توحي بأن الركون للظلمة ولاء لهم يؤدي إلى النار ، وأن المؤمن لا ولىّ ولا ناصر له إلا الله  ، ولذلك عقب بقوله : (وما لكم من دون الله من أولياء) .
    سابعاً : المداهنة والمجاملة للكفار :
                  من الولاء للكفار مداهنتهم ومجاملتهم ومداراتهم على حساب الدين ، قال تعالى : [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ] {القلم:9} ، قال القرطبي : "فإن الإدهان : اللين والمصانعة" ([143]) ، وقال الكلبي : "المداهنة هي : الملاينة والمداراة فيما لا ينبغي" ([144]) ، و"المداهنة : ... تكون مذمومة إذا كانت على حساب الدين ، كفعل محظور عند الكفار ، مجاملة لهم ، أو ترك واجب إسلامي ، أو السكوت على باطل يراه ويستطيع إنكاره ، أو السكوت عن قول حق يدين عليه ، أو مدحهم بما لا يستحقون ، وكذلك عدم إظهار الدين مصانعة لهم ، ففعل مثل هذه الأمور لدى الكفار يُعد مداهنة ، ومن ثم فهو موالاة لهم [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ]"([145]) .
                  (قلت) : ومن أمثلته مصافحة نسائهم ، أو تقبيلهن ، أو الرقص معهن ، أو شرب الخمر معهم ، أو أكل الخنزير ، أو المشاركة أو السكوت على النيل من الله  أو رسوله  أو المؤمنين أو دين الإسلام العظيم ... الخ .
    ثامناً : التشبه بالكفار :
                  من الولاء للكفار التشبه بهم بما يخالف شرع الله  ، وتشتد الحرمة في التشبه بهم بما يرمز إلى دينهم كتعليق الصليب ، أو لبس زي القساوسة والرهبان ، أو المشاركة في مناسباتهم الدينية ... الخ .
                  أما الأمور المشتركة بين الأمم التي لا ترمز إلى دين ، ولا تخالف الشرع الإسلامي فلا حرج فيهـا ، كالأحذية ، أو أدوات الكتابة ، أو الساعات ، أو أدوات الطعام والشراب ، أو السيارات والمركبات ، أو أنواع السلاح ... الخ .
                  قال تعالى : [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ...] {الأنعام:153} ، وقال : [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ...] {الأحزاب:21} ، فالآية تدل على عدم التأسي والتشبه بغير الرسول  خاصة الكفار ، وقال النبي  : (إن اليهود والنصارى لا يصبغون ، فخالفوهم) ([146]) ، فالحديث يدل على أن المفهوم الإسلامي قائم على مخالفة الكفار لا التشبه بهم واتباعهم .
                  (قلت) : والتشبه بالكفار من الولاء لهم ، وقد يكون عن محبتهم ومودتهم ، أو تقريبهم وتقديمهم ، وعقاب المتشبه بهم وبيل ، لقول النبي  : (من تشبه بقوم فهو منهم) ([147]) .
    تاسعاً : اتخاذ بطانة من الكفار :
                  من الولاء للكفـار اتخاذهم وزراء أو قادة أو مستشارين أو مفكرين أو أكاديميين ، أو إداريين ، أو كتبة ... الخ ، وهذا لا يجوز ، لقوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ...] {آل عمران:118} ، ولفعل النبي  ، فلم يستعمل كافراً في وظيفة في دولته ، ولما روى أحمد عن أبي موسى الأشعري  قال : قلت لعمر  : لي كاتب نصراني ، قال : مالك قاتلك الله ، أما سمعت قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ...] {المائدة:51} ، ألا اتخذت حنيفاً ! قلت : يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه ، قال : لا أُكرمهم إذا أهانهم الله ، ولا أُعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أدنيهم وقد أقصاهم الله" ([148]) .
                  (قلت) : ومن الحكمـة في ذلك إضافة إلى ما سبق ، أن الكفار لا يؤمن جانبهم فقد لا يصدقون ولا يحسنون ولا يخلصون في وظائفهم وأعمالهم ، بل قد يغشون ويضرون ويغدرون ، بل قد ينقلون أسـرار المسلمين وعورتهم إلى الكفار الحربيين فتشتد الفتنة ويزداد البلاء .
    عاشراً : التجسس للكفار :
                  من الولاء للكفار التجسس على المسلمين ونقل عوراتهم وأسرارهم للكفار ، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا...] {الحجرات:12} ذهب المفسرون إلى أن الآية الكريمة تنهى المسلم عن التجسس على أخيه المسلم ليعرف نفسه أو لمسلم آخر فأكثر ما كتم من أسرار وعورات ([149]) ، وقال النبي  : (إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ...) ([150]) ..
                  (قلت) : والآية الكريمة والحديث الشريف يشملان – من باب أولى – التجسس على المسلمين للكفار ، لأن الخطر أكبر وأعظم وأفدح ، فهو يتهدد الأمة كلها في دينها وأنفسها ، وأعراضها ، وأوطانها ، وأموالها ، ومصالحها ... الخ .
                  (وقلت) : والتجسس للكفار في أعلى مراتب الولاء لهم ، وحكم الجاسوس: القتل كفراً فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه قد يؤدي إلى ما يلي :
    1- نصرة الكفار على المسلمين .
    2- ظهور الكفر على الإسلام .
    3- إضعاف المسلمين يكشف أسرارهم للكفار .
    4- تقوية الكفار باطلاعهم على عورات المسلمين .
    5- الأذى العظيم الذي يلحق المسلمين في دينهم ومقدساتهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم وأوطانهم ... الخ .
    (وقلت) : والتجسس للكفار كفرٌ ، ونفاق ، وردة ، وحكم الجاسوس : القتل ، وقد سبق ذكر حكـم عمر  على التجسس بالنفاق والقتل ، ولم يعترض عليه النبي  ([151]) ، والجاسوس مهدد من الله  وإن طال به الزمن أن تُكشف خيانته ، وتُفتضح عمالته للكفار ، لقول النبي  : (يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعـوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله) ([152]) .
    حادي عشر : الانضمام لجيوش الكفار :
                  من الولاء للكفار الانضمام لجيوشهم ، والقتال معهم ، تحت راياتهم وإمرة قادتهم ، وهذا يتناقض مع عقيدة الولاء والبراء تماماً ، بل ويتنافى مع الإيمان والإسلام ، فالله  أمرنا في آيات كثيرة بقتال الكفار لا بالقتال معهم ، ولصالحهم ، قال  : [... وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ...] {التوبة:36} ، وقد نهينا عن القتال تحت أي راية غير إسلامية ، فقد سئل رسول الله  عن الرجل يقاتل شجاعةً ، ويقاتل حميةً ، ويقاتل رياءً ، وفي رواية : يقاتل للمغنم ، ويقاتل ليذكر ، ويقاتل ليُرى مكانه ، وفي رواية : يقاتل غضباً ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسـول الله  : (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) ([153]) .
                  (قلت) : والانضمـام لجيـوش الكفـار ، والقتال معهم من أكبر مظاهر الولاء لهم لما يلي :
    1- تناقضه مع وجوب قصر الولاء لله  ورسوله  والمؤمنين .
    2- تنافيه مع وجوب البراء والتبرؤ من الكفر والكافرين .
    3- تكثيره لسواد الكفار وتقويتهم .
    4- إظهار الكفر والكافرين ، وهذا مما يخالف شريعة رب العالمين .
    5- ما قد يترتب عليه من آثار محرمة شرعاً كقتل أنفس مؤمنة ، أو انتهاك لأعراض مسلمة أو هدم لبيـوت الله  ، أو انتهـاك لحرمـات الدين ، أو ضياع لأوطان المسلمين ، أو نشر للفساد والانحلال ... الخ .
    ثاني عشر : التعاون والتآمر مع الكفار ونصرتهم :
                  من الولاء للكفار معاونتهم على ظلمهم ، ونصرتهم ، والتآمر والتخطيط معهم ، وتنفيذ مخططاتهم وسياساتهم ، والدخول في تنظيماتهم وأحلافهم السرية أو العلنية ([154]) ... الخ قال تعالى : [... وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ...] {المائدة:2} ، فالتعاون معهم سيؤدي حتماً إلى الإثم والعدوان ، لقوله  : [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ...] {البقرة:120} ، ولقوله : [... وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ...] {البقرة:217} .
                  "فمن اجتمعت عنده هذه الأمور ]أي : المظاهر[ ، أو قدر منها ، وكان ذلك له خلقاً وعادة ، فقد أقام الدليل على أنه راض بكفر الكافرين ، فيكون مثلهم ، بل منهم ، ولا ينجيه من الكفر إلا إيمان جديد ، وإقلاع حسن عن موالاة الكفار" ([155]) .

    المطلب الثاني : الأعذار في الولاء والبراء :

                  هناك عذرٌ واحدٌ مقبول في الولاء والبراء وهو رخصة من الله  ، وهناك أعذار أخرى غير مقبولة ، والتفصيل كما يلي :
    أولاً : العذر الشرعي في الولاء والبراء :
                  يدل علـى هذا العذر قوله جل ثناؤه : [لَا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ المَصِيرُ] {آل عمران:28} . تشـابهت أقـوال المفسرين في معنى قوله : [إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً] وسيذكر الباحث بعضاً منها :
    1- قال الطبري : " [إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً] إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافونهم على أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم ، وتضمـروا لهم العداوة ، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ، ولا تعينوهم على مسلم بفعل" ([156]) .
    2- وقال أبو بكر الجزائري في تفسير الآية : "ثم رخص تعالى للمؤمنين المستضعفين الذين يعيشون تحت سلطان الكافرين في أن يعطوهم حلاوة لسانهم دون قلوبهم فيتقون بذلك شرهم وأذاهم ، وذلك بكلمة المصانعة والمجاملة" ([157]) .
    3- وقال الشوكاني : "وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم ، ولكنها تكون ظاهراً لا باطناً" ([158]) .
    4- وقال الكلبي : "إباحة لموالاتهم إن خافوا منهم ، والمراد موالاة في الظاهر مع البغضاء في الباطن" ([159]) .
    5- وقال النسفي : "إلا أن تخافوا من جهتهم أمراً يجب اتقاؤه ، أي : إلا أن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسـك ومالـك ، فحينئـذ يجـوز لك إظهار الموالاة وإبطال المعاداة" ([160]) .
    6- وقال الصابوني : "أي : إلا إن تخافوا منهم محذوراً أو تخافوا أذاهم وشرهم ، فأظهروا موالاتهم باللسان دون القلب ؛ لأنه من نوع مداراة السفهاء كما روي : (إنا نبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم) ([161]) " ([162]) .
                  (قلت) : يرى الباحث من خلال الآية الكريمة ، وتفسيرات المفسرين الأفاضل أن حكم وشروط هذه التقية في الولاء والبراء كما يلي :
    1- هذه التقية في الولاء والبراء جائزة ومباحة ورخصة وليست واجبة .
    2- هذه التقية تكون في حال الخـوف من الكفـار على النفس أو المال أو الولد أو العرض أو الدين ، ونحو ذلك ، وسواء كان يعيش المسلم في دولتهم تحت سلطانهم ، أو ليس في دولتهم ولكنه تحت سلطانهم .
    3- هذه الرخصة والتقية تكون بالظاهر وليس بالباطن ، أي : إظهار الولاء في أشياء كحلاوة اللسان ، وإبطان البراء منهم والبغض والعداوة لهم .
    4- هذه الرخصة والتقية الولاء الظاهر فيها للكفار ليس على إطلاقه وإنما حسب الحاجة كماً وكيفاً وتورية وذلك كحلاوة اللسان ومعسول الكلام ودون النيل من الله  أو رسوله 
         أو دينه الإسلام .
    5- أن لا تكون هذه التقية على حساب مسلم آخر أو أكثر ، فإن كانت تقيته ستضر بأخيه المسلم فليقلع عنها ، وليتق الله  لقول النبي  : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ([163]) ، ولقول النبي  : (... المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) ([164]) .
                  وأما قوله  : [لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {الممتحنة: 8-9} .
                  قال الكلبي : "رخص الله للمسلمين في مبرة من لم يقاتلهم من الكفار ، واختلف فيه على أربعة أقوال : الأول : أنهم قبائل من العرب منهم خزاعة وبنو الحارث بن كعب كانوا قد صالحوا رسول الله  على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه ، الثاني : أنهم كانوا من كفار قريش لم يقاتلـوا المسلمين ولا أخرجوهم من مكة ، والآية على هذين القولين منسوخة بالقتال ، الثالث : أنهم النسـاء والصبيان ، وفي هذا ما ورد أن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت : يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي مشركة أفأصلها ، قال : (نعم صلي أمك) ([165]) ، الرابع : أنه أراد من كان بمكة من المؤمنين الذين لم يهاجروا ، وأما الذين نهى الله عن مودتهم لأنهم قاتلوا المسلمين وظاهروا على إخراجهم فهم كفار قريش" ([166]) .
                  وقال القرطبـي : "وقـال أكثـر أهـل التأويـل : هي محكمة ، واحتجوا بأن أسـماء بنـت أبـي بكر سألت النبي  : هل تصل أمها ، حين قدمت عليها مشركة ؟ قال : (نعم) "([167]) .
                  وقال الشوكاني : "ثم لما ذكر سبحانه ما ينبغي للمؤمنين من معاداة الكفار وترك موادتهم فصـل القول فيمن يجوز بره منهم ومن لا يجوز ... ومعنى الآية : أن الله سبحانه لا ينهـى عـن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال ، وعلى ألا
    يظاهروا الكفار عليهم ، ولا ينهى عن معاملتهم بالعدل ([168]) .
                  (قلت) : ويرى الباحث أن الآية محكمة غير منسوخة بدليل سبب نزولها حيث روي أن حادثة أسماء رضي الله عنها سبب نزولها ، وأن الله رخص وجوز فيها للمسلمين أن يبروا الكفار الذين لا يناصبوننا العداء ولا يعاونوا علينا الأعداء كالنساء والأطفال ، وذلك بالعدل معهـم ، أو حمايتهم من ظالم ، أو برد السـلام عليهم بعد طرحه منهم ، أو مساعدتهم ، أو النصح لهم ، أو البيع إليهم والشراء منهم ، أو الجلوس معهم ، أو زيارتهم ، وما إلى ذلك مما يسمح به الشرع الحنيف ، ولعل هذا البر يكـون سـبباً في كف أذاهم ، بل وتأليف قلوبهم وإسلامهم .
    ثانياً : الأعذار غير الشرعية في الولاء والبراء :
                  هناك أعذار غير شرعية يقع فيها بعض المسلمين في الولاء للكفار وعدم التبرؤ منهم وهي محرمة وغير جائزة ولا حجة لهم ولا عذر فيها دنيا وآخرة ، وتفصيلها كما يلي :
    1- الولاء للكفار جهلاً بالشرع :
                  يجب على المسلم أن يعلم أنه غير معذور ولا حجة له في الدنيا والآخرة في ولائه للكفار بسبب جهله بحكم الولاء والبراء في الإسلام ، فطالما كتاب الله بيننا ، وسنة رسوله  بيننا ، والعلمـاء الذين نثـق بعلمهـم وأمانتهـم بيننا ، يجب عليه أن يسأل عن دينه أكثر من دنياه ، قال تعالى : [ ... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {الأنبياء:7} ، وقال النبي  : (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ([169]) .
                  وقد حذر الله  ورسوله  العلماء من كتمان العلم فقال تعالى : [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ] {البقرة:159} ، وقال النبي  : (من سئل عن علـمٍ فكتمـه ، أُلجم يوم القيامة بلجامٍ من نار) ([170]) ، وحذر النبـي  من الفتيا بغير علم فقال النبي  : (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ([171]) .
                  ويختم الباحث هنا بهذه الرواية العملية والعلمية التي توضح المراد ، روى جابر  قال : خرجنا في سفر ، فأصاب رجلاً منا حجرٌ ، فشجه في رأسه ثم احتلم ، فسأل أصحابه فقال : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمـات ، فلما قدمنا على النبي  ، أخبر بذلك فقال : (قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العِيّ ([172]) السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليه ، ويغسل سائر جسده) ([173]) .
    2- الولاء للكافر خوفاً منهم :
                  يجب على المسلم أن يعلـم أنه لا حجة له ولا عذر بإعطائه الولاء للكفار خوفاً وخشية منهم وهو ليس تحت سلطانهم ، فالله  أحق منهم بالخوف والخشية ، قال تعالى : [... أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {التوبة:13} .
                  والنبي  وأصحابه رضي الله عنهم رغم استضعافهم في مكة المكرمة حرسها الله قبل الهجرة ، ورغم ضعف دولتهم في المدينة المنورة قياساً على كل قبائل جزيرة العرب من العرب واليهود والنصارى ، وكذا على امبراطوريتيّ فارس والروم ، وحيث كان يتهددهم الخطـر والخوف من الجميـع ، ومع ذلك لم يعطوا ولاءً لأيٍ من أولئك الكفار ، كما تحدثنا
    السيرة النبوية ، بل كانوا يلتزمون الحق لا يخافون في الله لومة لائم .
                  وهذا نابع من عقيدتهم وهي الخوف من الله  ، وأن الأمر كله بيده من قبل ومن بعد ، قال تعالى : [... للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ...] {الرُّوم:4} ، وقال النبي  لابن عباس  : (يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله ، واعلم : أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف) ([174]) .
                  وليحـذر من يوالي الكفار ، وهو ليس تحت سلطانهم من أن يتصـف بالنفاق أو يكون منافقاً لقوله  : [فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ] {المائدة:52} ،               قال ابن كثير في تفسير الآية : "[فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ] أي : شك وريب ونفاق [يُسَارِعُونَ فِيهِمْ] أي : يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر [يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ] أي : يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى فينفعهم ذلك ، عند ذلك قال الله تعالى [فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ] ... فتح مكة ... (أو) القضاء والفصل [أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ] قال السدي : يعني ضرب الجزية على اليهود والنصارى [فَيُصْبِحُوا] يعني الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين [عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ] من الموالاة [نَادِمِينَ] ([175]) .
    3- الولاء للكفار رغبة فيما عندهم :
                  لا يحل للمسلم أن يوالي الكفار لرغبته فيما عندهم من أعراض الدنيا ، كطمعه منهم بمالٍ معين ، أو امرأة معينة ، أو وظيفة معينة ، أو رتبة معينة ، أو منصب معين أو حماية معينة ... الخ ، وذلك بتمكينه منه سواء في دولهم أو في دول المسلمين .
                  فهذا لا يجوز شرعاً ، ثم إن الحجـة موهومة لأن الرزق عند الله ، وليس عند الكفار ، قال تعالى : [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ] {الذاريات: 22-23} ، ثم إن الرزق مكتـوب للعبـد في اللوح المحفوظ مدركه لا محالة ، قال النبي  : (إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها) ([176]) ، ثم إن ما عندهم لا يقاس بما عند الله ، قال تعالى : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ ...] {النحل:96} ، وقال تعالى : [... وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ...] {الشُّورى:36} ، وليحذر من يفعل ذلك أن يكفر ويرتد بولائه للكفار كما ذهب جمهور من العلماء ، وليحذر أيضاً أن ينطبق عليه قول النبي  : (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، أو يصبح مؤمناً ويمسي كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)([177]) .
    4- الولاء للكفار اتباعاً للغير :
                  لا يجوز للمسلم أن يوالي الكفـار اتباعـاً لأبيه أو أمه أو زوجه أو أخيه أو بنيه ، أو رئيسه أو زعيمه أو مسئوله أو قبيلته أو حزبه أو تنظيمه ... الخ ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولو كان أباً أو أماً فضلاً عن غيرهما لقولـه تعالـى : [وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ...] {لقمان:15} ، ولقول رسوله  : (لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف) ([178]) ، ثم إن هؤلاء الذين تبعهم في الولاء للكفار هم أول من يفر منه ويتخلَ عنه يوم القيامة ، لقوله تعالى : [يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ] {عبس: 34-37} ، وقوله : [يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ] {المعارج: 12-14} ، وعندهـا سيعض علـى يديـه ندمـاً وحسـرة حيـث لا ينفع الندم ، قـال تعالـى : [وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيــــلًا * لَقَـــدْ أَضَلَّنِــي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا] {الفرقان: 27-29} .

    الخاتمة

                  وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات :
    أولاً : أهم النتائج :
    1- الولاء في اللغة يأتي على معاني متعددة منها : القرب والدنو والمحبة والنصرة والصداقة والاتباع والتحالف .
    2- الولاء شرعاً هو : الدنو والتقرب إلى الله  ورسوله  والمؤمنين بالمحبة والنصرة والطاعة وغير ذلك .
    3- الولاء للكفار هو : القرب والدنو منهم ، وإظهار الود لهم بالأقوال والأفعال والنوايا : كنصرتهم ومحبتهم ومعاضدتهم والتعاون معهم ومحالفتهم ومعاشرتهم .
    4- البراء شرعاً هو : التبرؤ والتخلص والتنزه والتباعد والتنصل من الكفر والكافرين .
    5- الولاء لله  ورسوله  والمؤمنين واجب وثابتٌ بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة .
    6- من والى الكفار بمعتقده ودينه فهو كافر بالإجماع ، ومن والاهم بأفعاله فقط فهو كافر ومرتد عند فريق من العلماء ، ومرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر عند بعض العلماء .
    7- البراء من الكفر والكفار واجب وثابت بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة .
    8- إن التقية المشروعة في الولاء والبراء جائزة ومباحة ورخصة وليست واجبة ، ولها عدة شروط (أولها) : في حال الخوف من الكفار عندما يكون المسلم تحت سلطانهم (وثانيها) : أن تكون بالظاهر وليس بالباطن . (وثالثها) : أن تكون حسب الحاجة كماً وكيفاً وتورية (ورابعها) : أن لا تضر بمسلم آخر فأكثر .
    9- الأعذار غير الشرعية في الولاء والبراء أربعة : (أولها) الولاء للكفار جهلاً بالشرع (وثانيها) الولاء للكفار خوفاً منهم وهو ليس تحت سلطانهم (وثالثها) الولاء للكفار رغبة فيما عندهم (ورابعها) الولاء للكفار اتباعاً للغير .
    10- إن الولاء والبراء له حقيقة تنبثق عنها مظاهر ومستلزمات تشمل أعمال القلوب وأعمال الجوارح .
    11- إن حقيقة ومظاهر الولاء والبراء ثابتة بالقرآن والسنة واللغة والاصطلاح والمعقول والقياس وأقوال العلماء .
    12- مظاهر الولاء لله  كثيرة أهمها : الإيمان به ، والإسلام له ، ومحبته ، ونصرته ، وطاعته ، وتحكيمه ، وذكره كثيراً ، والولاء لرسوله  والمؤمنين .
    13- مظاهر الولاء للنبي  كثيرة أهمها : الإيمان به ، ومحبته ، ونصرته ، وتعزيره ، وطاعته ، والتأسي به ، وتحكيمه ، وكثرة الصلاة عليه .
    14- مظاهر الولاء للمؤمنين كثيرة جداً أهمها : محبتهم ، ونصرتهم ، والتعاون معهم ، وطاعة أمرائهم ، والهجرة إلى بلادهم ، ووصلهم بالمستطاع من خصال الخير ، وكف كل الأذى عنهم .
    15- مظاهر الولاء للكفار كثيرة وأهمها وأخطرها : عدم التبرؤ منهم ، ومحبتهم ، واتباع ملتهم وأهوائهم ، وطاعتهم في سخط الله ، والحكم بشرائعهم ، والركون إليهم ، ومداهنتهم ، والتشبه بهم ، والتجسس لهم ، والانضمام لجيوشهم ، ونصرتهم ، والتعاون والتآمر معهم .
    16- التجسس للكفار في أعلى مراتب الولاء لهم لخطورته على الدين ، والنفس ، والعرض ، والمال ، والوطن ... الخ ، وحكم الجاسوس القتل كفراً .
    17- الانضمام لجيوش الكفار والقتال معهم من أكبر مظاهر الولاء لهم لنتائجه الخطيرة على الإسلام والمسلمين .
    18- إن التزام المسلمين بعقيدة الولاء والبراء حتماً سيغير وجه الأرض ، ومجرى التاريخ ، وحياة وواقع المسلمين للأفضل .
    ثانياً : أهم التوصيات :
    1- على المسلمين أن يلتزموا عقيدة الولاء والبراء في الإسلام ، لما فيه سعادتهم دنيا وآخرة .
    2- على المسلمين أن يحذروا كل الحذر من موالاة الكفار، لما فيه من خطر شديد عليهم دنيا وآخرة .
    3- على العلماء والدعاة والإعلاميين والمثقفين تبصير المسلمين بكافة الأساليب والوسائل المتاحة بعقيدة الولاء والبراء لأهميتها وخطرها وآثارها دنيا وآخرة .
    4- على الباحثيـن المسلمين الإكثار من بحوثهم في هذا المجال ، لبروز ظاهرة الولاء للكفار ، ولضعف الولاء لله  ورسوله  والمؤمنين عند البعض .
    5- على إمام المسلمين ودولة الإسلام استخدام سلطان الدولة لإلزام المسلمين بعقيدة الولاء والبراء ، ولمنع ظاهرة الولاء للكفار .
                  (وفي الختام أحمد الله  وأشكره على إتمام هذا البحث ، وأدعوه أن يتقبل ما أصبت وأحسنت فيه بقبول حسن ، وأن يغفر لي ما أخطأت وأسأت فيه ، فإنه هو الغفور الرحيم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين) .

    فهرس المصادر والمراجع

    1-           القرآن الكريم .
    2-           أسباب النزول لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري , ط2 (1985م) دار مكتبة الهلال – بيروت .
    3-     أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، لمحمد الأمين الشنقيطي ، وتتمته لتلميذه عطية سالم ، ط1 (1417هـ-1996م) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان .
    4-           اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ، لابن تيمية ، تحقيق : محمد حامد الفقي ، ط2 (1369هـ) مطبعة أنصار السنة بالقاهرة .
    5-     أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير , لأبي بكر جابر الجزائري , ط3 ( 1418 هـ , 1997م ) , مكتبة العلوم والحكم , المدينة المنورة – السعودية .
    6-           الإيمان أركانه حقيقته نواقضـه للدكتور نعيم ياسين , الطابعون : جمعية عمال المطابع التعاونية , عمان – الأردن , ط3 (1402هـ - 1982م ) .
    7-     التحفة العراقية لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، ط2 (1399هـ) ، المطبعة السلفية بالقاهرة .
    8-           التسهيل لعلوم التنزيل لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي , دار الفكر .
    9-           تفسير الإمامين الجليلين لجلال الديـن المحلي وجلال الدين السيوطي , مطبعة الأنوار المحمدية – القاهرة .
    10-       تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير , دار المعرفة – بيروت - لبنان , ط (1388هـ - 1969م) .
    11-       التفسير الكبير لفخر الرازي , دار إحيـاء التـراث العربي , بيروت – لبنان , ط2 (1417هـ -1997م) .
    12-       التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد للإمام ابن عبد البر , تحقيق: سعيد عراب ,ط1 .
    13-       جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر محمد بن حرير الطبري , مطبعة الحلبي مصر ط3 (1388هـ- 1968م) .
    14-       الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي , تحقيق : محمد الحفناوي ومحمد عثمان , دار الحديث – القاهرة , ط (1423هـ -2002م ) .
    15-       الدر المثور في التفسير المأثور للإمام عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي , ط1 (1403هـ -1983م ) , دار الفكر .
    16- الرسـائل المفيـدة , للشيخ عبد اللطيـف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ , تصحيح : عبد الرحمن الرويشد , ط ( 1398 هـ ) دار العلوم – مصر .
    17- رياض الصالحين , للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي , تحقيق : شعيب الأرنؤوط , ط5 ( 1406 هـ , 1986 م ) , مؤسسة الرسالة , بيروت – لبنان .
    18- سلسلة الأحاديث الصحيحة ، لمحمد ناصر الدين الألباني ، ط2 (1399هـ) ، المكتب الإسلامي ، وطبعة مكتبة المعارف ، الرياض .
    19-       سنن ابن ماجة للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني , تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي , ط : دار الفكر .
    20- سنن أبي داوود للحافظ أبي داوود سليمان بن الأشعث السجستاني , الأزدي , تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد , ط : ( دار الفكر) .
    21- سنن الترمذي , لأبي عيسى محمد بن سورة , تحقيق أحمد محمد شاكر , دار الكتب العلمية , بيروت – لبنان , ط1 ( 1408 هـ -1987م ) .
    22- السنن الكبرى ، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، ط1 (1344هـ) ، حيدر أباد ، الهند ، وطبعة دار الفكر ، بيروت .
    23- سنن النسائي , تحقيق ناصر الدين الألباني , مكتبة المعارف , ط1 .
    24- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، ط(1379هـ) الجامعة الإسلامية ، المدينة المنورة .
    25- السيرة النبوية لأبي محمد عبد الملك بن هشام , دار الفكر – القاهرة .
    26- شرح أصول العقيدة الإسلامية , للدكتـور: نسـيم شحدة ياسين ,ط3 ( 1422 هـ - 2001 م ).
    27- شرح السنة , للإمام الحسين بن مسعود البغوي , تحقيق : شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير الشاويش , ط2 ( 1403 هـ , 1983 م ) , المكتب الإسلامي – بيروت .
    28- شرح النووي على صحيح مسلم للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي , دار الفكر , بيروت – لبنان , ط3 ( 1389 هـ - 1978 م ) .
    29- شعب الإيمان ، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، تحقيق : محمد زغلول ،  ط1 (1420هـ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
    30- صحيح البخاري للإمام أبي عيد الله محمد بن إسماعيل البخاري , اعتنى به : محمود ابن الجميل , مكتبة الصفا – القاهرة , ط1 ( 1423 هـ - 2003 م ) .
    31- صحيح الجامع الصغير, لمحمد ناصر الدين الألباني , ط1 (1388 هـ), المكتب الإسلامي .
    32- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين النيسابوري , تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي , دار إحياء التراث العربي .
    33- صفـوة التفاسـير لمحمـد علـي الصابونـي , دار القـرآن الكريم – بيروت , ط4 (1402 هـ - 1981 م ) .
    34- فتح القديـر الجامـع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي الشوكاني , دار الفكر – بيروت – لبنان , ط (1403 هـ - 1983 م ) .
    35- في ظلال القرآن لسيد قطب , دار الشروق , ط8 ( 1399هـ - 1979 م ) .
    36- القاموس المحيط لمجد الدين الفيروز أبادي , دار الحديث – القاهرة .
    37- لسـان العـرب للإمـام العلامـة ابـن منظور , , ط (1422 هـ - 2002 م ) ، دار الحديـث – القاهـرة .
    38- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية , جمع وترتيب : عبد الرحمن بن قاسم .
    39- محاسن التأويل لمحمد جمال الدين القاسمي , تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي , ط ( دار إحياء الكتب العربية ) .
    40- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي , تحقيـق : عبد السلام عبد الشافي محمد , دار الكتب العلمية , بيروت – لبنان , ط( 1413 هـ - 1993 م ) .
    41- المحلى ، لابن حزم الأندلسـي , تحقيق : حسن زيدان , ط ( 1392 هـ ) , مكتبة الجمهورية – مصر .
    42- مختـار الصحاح للإمـام محمـد بن أبـي بكـر الرازي , دار الفكر , بيروت – لبنان , ط( 1393 هـ - 1973 م ) .
    43- مدارك التنزيل وحقائق التأويل , للإمام عبد الله بن أحمد النسفي, تحقيق : الشيخ مروان محمد الشعار , ط1 ( 1416 هـ , 1996 م ) , دار النفائس – بيروت .
    44- المسند , للإمام أحمد بن حنبل , تحقيق : شعيب الأرناؤوط  وآخرون , ط2 ( 1420 هـ , 1999 م ) , مؤسسة الرسالة إضافة إلى : ط2 ( 1398 هـ ) , المكتب الإسلامي .
    45- مسند أبي يعلى ، لأحمد بن علي التميمي ، تحقيق : حسين أسد ، ط1 (1404هـ-1984م) دار المأمون للتراث ، دمشق .
    46- المعجـم الكبيـر , لسليمان بن أحمد الطبراني , تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي , ط2 ( 1404 هـ , 1983 م ) , مكتبة العلوم والحكم – الموصل / العراق .
    47- معجم المقاييس فـي اللغة , لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا , تحقيق : شهاب الدين أبو عمرو , دار الفكر – بيروت , ط1 ( 1415 هـ - 1994 م ) .
    48- المفردات في غريب القرآن , لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني , , تحقيق : محمد سيد كيلاني , دار المعرفة – بيروت .
    49- النكت والعيون , لأبي الحسن بن محمد الماوردي البصري , ط1 ( 1412 هـ , 1992 م ) دار الكتب العلمية , بيروت – لبنان .
    50- النهاية في غريب الحديث والأثر للإمام مجد الدين بن محمد الجزري , ابن الأثير , تحقيق : محمود الطناحي , وطاهر الراوي , دار الفكر , بيروت , ط2 ( 1399 هـ - 1979 م ) .
    51- الولاء بين منهاج الله والواقع , للدكتور عدنان علي النحوي , ط4 ( 1420 هـ , 2000م ) دار النحوي , الرياض – السعودية .
    52- الولاء والبراء في الإسلام , للشيخ صالح بن فوزان الفوزان , دار الكتاب والسنة – فلسطين .
    53- الولاء والبراء في الإسلام , لمحمد بن سعيد القحطاني , ط 2 ( 1404 هـ ) , الرياض .
    -1-

    [1]() انظر : لسـان العرب ، لابن منظور 9/405 وما بعدها ، ومعجم المقاييس في اللغة ، لابن فارس ، ص 1103 ، ومختار الصحاح ، للرازي ، ص 376 ، والقاموس المحيط ، للفيروزآبادي 4/401 .
    [2]() المفردات في غريب القرآن ، للراغب الأصفهاني ، ص 534 .
    [3]() الجامع لأحكام القرآن 3/571 .
    [4]() تفسير القرآن العظيم 2/71 .
    [5]() الإيمان ، ص 187 ، 188 .
    [6]() شرح أصول العقيدة الإسلامية ، ص 278 .
    [7]() انظر : فتح القدير ، للشوكاني 2/50 ، وفي ظلال القرآن ، لسيد قطب 2/909 ، وصفوة التفاسير ، للصابوني 1/349 ، والإيمان ، لمحمد ياسين ، ص 188 .
    [8]() انظـر : لسـان العـرب ، لابن منظـور 1/364 وما بعدها ، ومعجم مقاييس اللغة ، لابن فارس ، ص 129 ، 130 ، ومختار الصحاح ، للرازي ، ص 45 .
    [9]() انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية 28/190 .
    [10]() التفسير الكبير 4/382 .
    [11]() التسهيل لعلوم التنزيل 1/181 .
    [12]() الجامع الصغير للسيوطي 1/69 ، والمعجم الكبير ، للطبراني 11/215 ، وشرح السنة ، للبغوي ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط 13/53 ، وقال الألباني : حديث حسن ، انظر : صحيح الجامع الصغير 2/343 ، ح (2536) .
    [13]() مسند الإمام أحمد 4/357 ، 358 ، وهو حديث حسن .
    [14]() مسند الإمام أحمد 4/358 ، ح (19186) ، صححه شعيب الأرناؤوط .
    [15]() انظر : جامع البيان ، للطبري 6/289 ، 190 ، والتفسير الكبير ، للرازي 4/387 ، ومدارك التنزيل ، للنسفي 1/418 .
    [16]() جامع البيان ، للطبري 3/21 .
    [17]() انظر : الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي 8/464 ، وفتح القدير ، للشوكاني 5/8 .
    [18]() جامع البيان 3/228 .
    [19]() الإيمان ، د. محمد ياسين ، ص 185 .
    [20]() نفس المرجع والصفحة .
    [21]() السيرة النبوية ، لابن هشام 4/1239 ، 1240 .
    [22]() سنن أبي داود ، ك (الجهاد) ، ب (النهي عن قتل ...) 3/45 ، ح (2645) ، وسنن الترمذي ، ك22 (السير) ، ب42 (ما جاء فـي كراهية المقام بين أظهر المشركين) 4/133 ، ح (1604) ، وسنن النسائي ، ك (القسامة) ، ب (القود بغير حديدة) 8/36 . قال الألباني : هو حديث حسن . انظر : صحيح الجامع الصغير 2/17 ، ح (1474) .
    [23]() سبق تخريجه .
    [24]() جامع البيان 6/279 .
    [25]() فتح القدير 2/50 .
    [26]() الجامع لأحكام القرآن 3/566 .
    [27]() المحرر الوجيز 2/204 ، وانظر : التسهيل لعلوم التنزيل ، للكلبي 1/180 .
    [28]() في ظلال القرآن 2/909 .
    [29]() نفس المرجع 2/911 .
    [30]() أضواء البيان 1/314 .
    [31]() المحلى 13/35 .
    [32]() أيسر التفاسير 1/642 .
    [33]() مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/416 .
    [34]() النكت والعيون 2/46 .
    [35]() مجموع فتاوى ابن تيمية 28/193 .
    [36]() أيسر التفاسير 1/306 .
    [37]() الإيمان ، ص 187 .
    [38]() تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 2/331 .
    [39]() سبق تخريجه .
    [40]() سبق تخريجه .
    [41]() سبق تخريجه .
    [42]() انظر : الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي 3/566 ، ومحاسن التفسير ، للقاسمي 6/2025 ، وأيسر التفاسير ، للجزائري 1/641 ، وأسباب النزول ، للواحدي ، ص 136 .
    [43]() سبق تخريجه .
    [44]() سنن الترمذي ، ك38 (صفة القيامة ...) ، ب(60) 4/578 ، ح (2521) ، حسنه الترمذي ، والمسند للإمام أحمد 3/438 ، ح (15655) ، صححه شعيب الأرناؤوط ، وشعب الإيمان للبيهقي ، ك (الإيمان) ب (الدليل على أن الطاعات ...) 1/47 ، ح (15) وحسنه الألباني .
    [45]() سبق تخريجه .
    [46]() سبق تخريجه .
    [47]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب 12 (شعب الإيمان) 1/63 ، ح (35) .
    [48]() المعجم الكبير ، للطبراني 3/266 ، وشعب الإيمان ، للبيهقي ، ب (في الزهد وقصر الأمل) 7/363 ، ح (591) .
    [49]() الرسائل المفيدة ، ص 296 .
    [50]() الولاء بين منهاج الله والواقع ، ص 25 .
    [51]() التحفة العراقية ، ص 76 .
    [52]() الولاء والبراء في الإسلام ، ص 252 .
    [53]() الولاء والبراء في الإسلام ، ص 625 .
    [54]() المرجع السابق ، ص 16 .
    [55]() الإيمان ، ص 188 ، 189 .
    [56]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب (بيان الإيمان والإسلام ...) 1/37 ، ح (8) .
    [57]()صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب (بيان الإيمان والإسلام ...) 1/37 ، ح (8).
    [58]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب70 (وجوب الإيمان ...) 1/134 ، ح (153) .
    [59]() صحيح البخاري ، ك2 (الإيمان) ، ب10 (حلاوة الإيمان) 1/15 ، ح (16) .
    [60]() انظر : فتح القدير ، للشوكاني 5/31 ، وتفسير الجلالين ، للمحلى والسيوطي ، ص 672 .
    [61]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب15 (بيان خصال ...) 1/66 ، ح (43) .
    [62]() انظر : جامع البيان ، للطبري 6/252 ، وما بعدها ، وتفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 2/61 ، والجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي 3/544 ، وفي ظلال القرآن ، لسيد قطب 2/901 .
    [63]() سنن الترمذي ، ك15 (الحدود) ، ب6 (في كراهية ...) 4/29 ، ح (1430) ، صححه الترمذي.
    [64]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب8 (الأمر بقتال ...) 1/51 ، 52 ، ح (20) .
    [65]() صحيح مسلم ، ك 29 (الحدود) ، ب4 (رجم الثيب في الزنا) 3/1317 ، ح (1691) .
    [66]() الدر المنثور ، للسيوطي 4/75 .
    [67]() صحيح البخاري ، ك97 (التوحيد) ب16 (ويحذركم الله نفسه) 3/451 ، ح (7405) .
    [68]() التسهيل لعلوم التنزيل 1/181 .
    [69]() صحيح مسلم ، ك44 (فضائل الصحابة) ، ب1 (من فضائل أبي بكر ...) 4/1855 ، ح (2383) .
    [70]() صحيح مسلم ، ك43 (الفضائل) ، ب1 (فضل نسب النبي  ...) 4/1782 ، ح (2278) .
    [71]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب16 (وجوب محبة ...) 1/67 ، ح (44) .
    [72]() صحيح البخاري ، ك82 (الأيمان والنذور) ، ب3 (كيف كان يمين النبي) 3/273 ، ح (6632) .
    [73]() شرح النووي على صحيح مسلم 2/15 .
    [74]() انظر : فتح القدير ، للشوكاني 1/253 ، 254 ، وصفوة التفاسير ، للصابوني 1/476 .
    [75]() صحيح مسلم ، ك33 (الإمارة) ، ب8 (وجوب طاعة الأمراء ...) 3/1466 ، ح (1835) .
    [76]() صحيح مسلم ، ك15 (الحج) ، ب73 (فرض حج ...) 2/975 ، ح (1337) .
    [77]() صحيح البخاري ، ك96 (الاعتصام بالكتاب والسنة) 3/423 ، ح (7280) .
    [78]() صفوة التفاسير ، للصابوني 2/520 .
    [79]() سنن أبي داود ، ك (اللباس) ، ب (في لبس الشهرة) 4/4035 ، ح (4031) ، قال الألباني : صحيح .
    [80]() سنن الترمذي ، ك37 (الزهد) ، ب50 (ما جاء أن المرء مع من أحب) 4/514 ، ح (2387) ، صححه الترمذي .
    [81]() "سنن" : أي : طريقتهم وسيرتهم . انظر : النهاية في غريب الحديث ، لابن الأثير 2/409 .
    [82]() صحيح مسلم ، ك47 (العالم) ، ب3 (اتباع سنن اليهود والنصارى) 4/2054 ، ح (2669) .
    [83]() جامع البيان 5/158 .
    [84]() الجامع لأحكام القرآن 7/524 .
    [85]() المرجع السابق 7/527 .
    [86]() صحيح مسلم ، ك4 (الصلاة) ، ب17 (الصلاة على النبي  ) 1/305 ، ح (405) .
    [87]() صحيح مسلم ، ك4 (الصلاة) ، ب7 (استحباب القول ...) 1/288 ، 289 ، ح (384) .
    [88]() سنن الترمذي ، ك4 (الصلاة) ، ب21 (ما جاء في فضل ...) 2/354 ، ح (484) ، حسنه الترمذي .
    [89]() سنن الترمذي ، ك49 (الدعوات) ، ب101 (قول رسول الله  ...) 5/514 ، ح (3545) ، حسنه الترمذي ، وقال شعيب الأرنؤوط : "وهو صحيح بشواهده" ، رياض الصالحين ، للنووي ، الحاشية ، ص 530 .
    [90]() نفس المرجع والكتاب والباب 5/515 ، ح (3546) ، صححه الترمذي ، وقال شعيب الأرنؤوط : "وسنده حسن ، وهـو صحيح بشواهده" ، رياض الصالحين ، للنووي ، الحاشية ، ص 530 .
    [91]() انظر : النهاية في غريب الحديث ، لابن الأثير 2/238 .
    [92]() مجموع فتاوى ابن تيمية 28/14 .
    [93]() مجموع فتاوى ابن تيمية 28/209 .
    [94]() صحيح البخاري ، ك2 (الإيمان) ، ب10 (حلاوة الإيمان) 1/15 ، ح (16) .
    [95]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب22 (بيان أنه لا يدخل ...) 1/74 ، ح (54) .
    [96]() سنن أبي داود ، ك1 (الأدب) ، ب(إخبار الرجل ...) 4/232 ، ح (5124) ، وسنن الترمذي ، ك37 (الزهد) ، ب53 (ما جاء في إعلام الحب) 4/517 ، ح (2392) ، قال شعيب الأرنؤوط : "وسنده صحيح" ، رياض الصالحين ، ص 202 .
    [97]() سنن الترمذي ، ك37 (الزهد) ، ب53 (ما جاء في الحب في الله) 5/515 ، 516 ، ح (2390) ، صححه الترمذي ، وقال عنه شعيب الأرنؤوط : "وسنده قوي" ، رياض الصالحين ، ص 201 .
    [98]() فتح القدير ، للشوكاني 2/329 .
    [99]() تفسير القرآن العظيم 2/329 .
    [100]() صحيح البخاري ، ك46 (المظالم والغصب) ، ب4 (أعـن أخـاك ظالماً أو مظلوماً) 1/535 ، ح (2444) .
    [101]() تفسير القرآن العظيم 2/6 .
    [102]() السياسية الشرعية ، لابن تيمية 6/1809 .
    [103]() صحيح مسلم ، ك33 (الإمارة) ، ب38 (فضل إعانة الغازي ...) 3/1507 ، ح (1895) .
    [104]() صحيح مسلم ، ك47 (العلم) ، ب6 (من سن سنة ...) 4/2060 ، ح (2674) .
    [105]() صحيح مسلم ، ك48 (الذكر ...) ، ب11 (فضل الاجتماع ...) 4/2074 ، ح (2699) .
    [106]() سبق تخريجه .
    [107]() صحيح مسلم ، ك33 (الإمارة) ، ب8 (وجوب طاعة الأمراء ...) 3/1469 ، ح (1839) .
    [108]() صحيح مسلم ، ك33 (الإمارة) ، ب22 (البيعة على السمع ...) 3/1490 ، ح (1867) .
    [109]() صحيح البخاري ، ك93 (الأحكام) ، ب4 (السمع والطاعة ...) 3/391 ، ح (7142) .
    [110]() صحيح مسلم ، ك33 (الإمارة) ، ب8 (وجوب طاعة الأمراء ...) 3/1467 ، ح (1836) .
    [111]() سنن الترمذي ، ك34 (الفتن) ، ب(47) 4/435 ، ح (2224) ، قال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب" ، وقال شعيب الأرنؤوط : "وسنده حسن" ، رياض الصالحين ، الحاشية ، ص 315 .
    [112]() صحيح مسلم ، ك33 (الإمارة) ، ب13 (وجوب ملازمة جماعة ...) 3/1478 ، ح (1851) .
    [113]() نفس المرجع والكتاب والباب 3/1477 ، ح (1849) ، وصحيح البخاري ، ك93 (الأحكام) ، ب4 (السمع والطاعة ...) 3/391 ، ح (7143) .
    [114]() مدارك التنزيل 1/358 ، 359 .
    [115]() السنن الكبرى ، للبيهقي ، ك(السير) ، ب(الإذن بالهجرة) 9/9 ، ح (18190) ، صححه الألباني . انظر : السلسلة الصحيحة 8/197 ، ح (3190) .
    [116]() سبق تخريجه .
    [117]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب22 (بيان أنه لا يدخل الجنة ...) 1/74 ، ح (55) .
    [118]() صحيح مسلم ، ك48 (الذكر ...) ، ب23 (فضل الدعاء ...) 4/2094 ، ح (2733) .
    [119]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب20 (بيان كون النهي ...) 1/69 ، ح (49) .
    [120]() سنن الترمذي ، ك34 (الفتن) ، ب9 (ما جاء في الأمر بالمعروف ...) 4/406 ، ح (2169) ، حسنه الترمذي ، وحسنه الألباني .
    [121]() صحيح البخاري ، ك78 (الأدب) ، ب28 (الوصاة بالجار) 3/141 ، ح (6015) .
    [122]() التسهيل لعلوم التنزيل ، للكلبي 1/141 .
    [123]() صحيح البخاري ، ك78 (الأدب) ، ب29 (إثم من لا يأمن ...) 3/141 ، ح (6016) .
    [124]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب18 (بيان تحريم إيذاء الجار) 1/68 ، ح (46) .
    [125]() رياض الصالحين ، ص 173 .
    [126]() صحيح البخاري ، ك78 (الآداب) ، ب31 (من كان يؤمن ...) 3/141 ، 142 ، ح (6019) .
    [127]() صحيح مسلم ، ك45 (البر والصلة) ، ب15 (تحريم الظلم) 4/1996 ، ح (2580) .
    [128]() صحيح مسلم ، ك45 (البر والصلة) ، ب17 (تراجم المؤمنين ...) 4/1999 ، ح (2586) .
    [129]() صحيح البخاري ، ك23 (الجنائز) ، ب2 (الأمر باتباع الجنائز) 1/273 ، ح (1240) ، (1239) ، وصحيح مسلم ، ك39 (السلام) ، ب3 (من حق المسلم ...) 3/1704 ، 1705 ، ح (2162) .
    [130]() سنن الترمـذي ، ك28 (البـر والصلـة) ، ب64 (ما جـاء فـي زيارة الإخوان) 4/320 ، 321 ، ح (2008) ، حسنه الترمذي ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/194 ، ح (1632) .
    [131]() صحيح مسلم ، ك28 (القسامة) ، ب9 (تغليظ تحريم الدماء ...) 3/1305 ، ح (1679) .
    [132]() "ولا تناجشوا" أي : "يمدح السلعة لينفقها ويروجها أو يزيد في ثمنها ، وهو لا يريد شرائها ليقع غيره فيها . النهاية في غريب الحديث والأثر ، لابن الأثير 5/21 .
    [133]() "ولا يخذله" أي : لا يتخلى أو يترك إغاثته ونصرته . انظر : المرجع السابق 2/16 .
    [134]() صحيح مسلم ، ك45 (البر والصلة) ، ب10 (تحريم ظلم المسلم ...) 4/1986 ، ح (2564) .
    [135]() صحيح مسلم ، ك45 (البر والصلة) ، ب9 (تحريم الظن ...) 4/1985 ، ح (2563) .
    [136]() سبق تخريجه .
    [137]() الجامع لأحكام القرآن 9/253 .
    [138]() مجموع فتاوى ابن تيمية 28/209 .
    [139]() فتح القدير 1/135 .
    [140]() انظر : أسباب النزول ، للنيسابوري ، ص 82-84 .
    [141]() الإيمان ، د. محمد ياسين ، ص 188 .
    [142]() الجامع لأحكام القرآن 5/99 ، 100 .
    [143]() الجامع لأحكام القرآن 9/447 .
    [144]() التسهيل لعلوم التنزيل 4/138 .
    [145]() الولاء والعداء في الإسلام ، للدكتور عبد الله الطريفي ، ص 45 ، 46 .
    [146]() صحيح البخاري ، ك60 (أحاديث الأنبياء) ، ب50 (ما ذكر عن بني إسرائيل) 2/168 ، ح (3462) .
    [147]() سبق تخريجه .
    [148]() رواه أحمد بإسناد صحيح ، كما ذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 50 ، ولم أعثر عليه في مسند أحمد ، والسنن الكبرى للبيهقي (بألفاظ قريبة) ، ك (أدب القاضي) ، ب (لا ينبغي للقاضي ...) 10/127 ، ح (20910) .
    [149]() انظر : جامع الأحكام ، للقرطبي 8/598 ، والدر المنثور ، للسيوطي 7/567-569 ، وتفسير القرآن العظيم ، لابن كثير 4/213 .
    [150]() صحيح مسلم ، ك45 (البر والصلة) ، ب9 (تحريم الظن ...)  4/1985 ، ح (2563) .
    [151]() انظر : حكم الولاء للكفار في هذا البحث ، وقد سبق .
    [152]() سنن الترمذي ، ك45 (البر والصلة) ، ب (تعظيم المؤمن) ، 4/331 ، 332 ، ح (2032) ، ومسند أبي يعلي ، 3/237 ، حسنه الترمذي وصححه الألباني ، وقال حسين أسد : رجاله ثقات .
    [153]() صحيح مسلم ، ك33 (الإمارة) ، ب42 (من قاتل لتكون ...)  3/1512 ، 1513 ، ح (1904) .
    [154]() انظر : الإيمان ، د. محمد ياسين ، ص 189 .
    [155]() نفس المرجع ، ص 189 ، 190 .
    [156]() جامع البيان 3/228 .
    [157]() أيسر التفاسير 1/306 .
    [158]() فتح القدير 1/331 .
    [159]() التسهيل لعلوم التنزيل 1/104 .
    [160]() مدارك التنزيل 1/231 ، 232 .
    [161]() لم أقف على تخريجه .
    [162]() صفوة التفاسير 1/195 ، 196 .
    [163]() سنن الترمذي ، ك 38 (صفة ...) ، ب (59) 4/575 ، ح (2515) ، قال الترمذي : "هذا حديث صحيح" .
    [164]() صحيح مسلم ، ك 45 (البر والصلة) ، ب 10 (تحريم ظلم المسلم ...) 4/1986 ، ح (2564) .
    [165]() صحيح البخاري ، ك 51 (الهبة وفضلها ...) 1/576 ، ح (2620) .
    [166]() التسهيل لعلوم التنزيل 4/114 .
    [167]() الجامع لأحكام القرآن 9/311 .
    [168]() فتح القدير 5/213 .
    [169]() سنن ابن ماجة (المقدمة ...) ، ب17 (فضل العلماء ...) 1/81 ، ح (224) ، حسَّنه المِزِّي والسيوطي . انظر : نفس المرجع ، وصححه الألباني .
    [170]() سنن الترمذي ، ك 42 (العلم) ، ب 3 (ما جاء في كتمان العلم) 5/39 ، ح (2649) ، حسنه الترمذي ، وسنن ابن ماجة ، ب (من سئل عن علم فكتمه) 1/97 ، ح (264) ، وصححه ابن حبان (95) .
    [171]() سـنن الترمـذي ، ك 48 (تفسـير القـرآن) ، ب 1 (ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه) 5/183 ، ح (2950) صححه الترمذي .
    [172]() العِيّ : الجهل . النهاية في غريب الحديث والأثر ، لابن الأثير 3/334 .
    [173]() سنن أبي داود ، ك (الطهارة) ، ب (المجروح) 1/93 ، ح (336) .
    [174]() سنن الترمذي ، ك 38 (صفة القيامة ...) ، ب (59) ، 4/576 ، ح (2516) ، صححه الترمذي .
    [175]() تفسير القرآن العظيم 2/68 .
    [176]() التمهيد لما في الموطأ ، لابن عبد البر 1/284 .
    [177]() صحيح مسلم ، ك1 (الإيمان) ، ب54 (مخافة المؤمن ...) 1/76 ، ح (328) .
    [178]() صحيح مسلم ، ك 33 (الإمارة) ، ب 8 (وجوب طاعة الأمراء ...) 3/1469 ، ح (1840) .