-->

دور المسجد في تحقيق مفهوم الأمن الاجتماعي

دور المسجد في تحقيق مفهوم الأمن الاجتماعي
     المسجد بيت الله··· وملاذ المؤمنين وكهفهم الآمن··· كما هو ساحة العبادة والطاعة والطمأنينة والخشوع التي يلجأ إليها المسلم بين الحين والآخر··· فلا يشعر قلب المؤمن بهذه الراحة إلا حين يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، يستشعر عظمة الله، فيتحقق فيه معنى العبودية الكاملة، وهكذا المسجد استمد هذه الصفة كونه بيت الله، يتذوق فيه المؤمن الراحة والأمن والطمأنينة، خلاف ما يجده في بيته وبين أهله وأولاده، فإن كان في صلاته خاشعاً أو جالساً يقرأ كتاب الله، أو حتى إن كان متكأ إلى جدار المسجد يشعر أنه في حمى الله ملك الملوك، متيقناً ألا يمسه سوء وهو في حضرته، مؤمناً أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله له أو عليه، متفائلاً بمستقبله المشرق بعد هذا اللقاء الرباني.
    وعبر تاريخ الإسلام كان للمسجد دوراً بارزاً في تحقيق الأمن. ومن خلال هذه الندوة المباركة (المجتمع والأمن) وضمن محورها الأول: المسؤولية الأمنية للمؤسسات المجتمعية، وعن موضوع (المسجد في تحقيق مفهوم الأمن الاجتماعي) يسعدني أن أشارك عن في هذا الموضوع الحيوي الهام، مبيناً فيه جانباً تطبيقياً, حيث أقوم بإمامة جامع إسكان القوات الجوية في قاعدة الرياض الجوية.
    يقول الكاتب الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) : « المسجد مركز الحياة الحقيقي عند العرب » .
    ويمضي غوستاف لوبون قائلاً : « ... فالعرب يتّخذون من المسجد محلاًّ للاجتماع ، والعبادة ، والتعليم ، والسكن عند الاقتضاء ، وملاجئ للغرباء، ومراجع للمرضى، لا للعبادة فقط كبيَع النصارى ... ومن توابع المساجد على العموم : حمامات ، وفنادق ، وأصابل ، ومشاف ، ومدارس ، وهكذا يتجلّى اختلاط الحياة الدينيّة بالحياة المدنية عند المسلمين ... »[1].
    وسيكون الكتابة عن دور المسجد من خلال المباحث التالية:
    المبحث الأول: وقفات مع بعض النصوص الشرعية عن دور المسجد:
    المبحث الثاني: إرتباط الأمن في آيات المسجد الحرام
    المبحث الثالث: بعض القضايا الفقهية في تحقيق الأمن في المسجد
    المبحث الرابع: مسجد الضرار ومحاولته في خرق الأمن.
    المبحث الخامس: من أبرز الوسائل في تفعيل دور المسجد في تحقيق الأمن.


    إن من لوازم المعرفة تحديد مفهوم (الأمن) المراد بيان دور المسجد في تحقيقها، فإن كلمة (أمن) على الرغم من شيوع استخدامه إلا أن مفهومه يكتنفه الغموض من الناحية العلمية حيث تتعدد المعاني التي يمكن الحاقها بالأمن كما أن أنماط الأمن ودرجة شموله تتباين باختلاف أنماط المخاطر الأمنية التي يمكن أن يواجهها المجتمع.[2].
    فمدلول كلمة (أمان) في اللغة : عدم توقع مكروه في الزمن الآتي , وأصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف , والأمن والأمانة والأمان مصادر للفعل ( أمن ) , ويرد الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان من الطمأنينة , وتارة لعقد الأمان أو صكه.[3] والأمن ضد الخوف[4].
    وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال : { صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء , فجلسنا , فخرج علينا فقال : ما زلتم هاهنا ؟ فقلنا : يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء , قال : أحسنتم , وأصبتم ورفع رأسه إلى السماء , وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء , فقال النجوم أمنة للسماء , فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد , وأنا أمنة لأصحابي , فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون , وأصحابي أمنة لأمتي , فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون } قال ابن القيم رحمه الله: جعل نسبة أصحابه إلى من  بعدهم كنسبته إلى أصحابه , وكنسبة النجوم إلى السماء , ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم , وأيضا فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم , وحرزا من الشر وأسبابه , فلو جاز أن يخطئوا فيما أفتوا به ويظفر به من بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنة للصحابة وحرزا لهم , وهذا من المحال .[5].
    وأكد هذا المفهوم ابن المنظور: (والإشارة في الجملة إلى مجئ الشر عند ذهاب أهل الخير، فإنه لما كان بين الناس كان يبين لهم ما يختلفون فيه، فلما توفي جالت الآراء واختلفت الأهواء، فكان الصحابة يسندون الأمر إلى الرسول  في قول أو فعل أو دلالة حال، فلما فقد قلت الأنوار وقويت الظلم، وكذلك حال السماء عند ذهاب النجوم)[6].
    وسيكون منهجية الكتابة عن دور المسجد في تحقيق الأمن من منطلق شمولية رسالة المسجد ودوره في المجتمع، والتي تؤكد على تأصيل مبادئ الشريعة التي جاءت النصوص والأحكام الشريعة للحفاظ عليها، وهي: الحفاظ على الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. (وهذه الضروريات الخمس، ثابت بالنظر للواقع وعادات الملل والشرائع بالاستقراء)[7] فدور المسجد الأمني ينطلق من مبدأ الوقاية والعلاج في تحقيق الأمن في مجال الضروريات الخمس المذكورة.

    المبحث الأول: النصوص الشرعية في تحقيق دور المسجد للأمن:

    كانت الأعراف الجاهلية تنظم مسيرة حياتها بقانون الغاب وهو (القوي يأكل الضعيف) فلم ينتظم لها ميزان في شؤون حياتها، فقد تجرأت أيدي التغيير على السنن الألهية رغبة في خرق الجانب الأمني في حياتها، فمن ذلك ما ذكره القرآن الكريم عن تحريم أشهر وتحليلها بناء على الأهواء والرغبات، قال تعالى [إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ][8].
    قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية الكريمة: هذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة وتحليلهم ما حرم الله وتحريمهم ما أحل الله فإنهم كان فيهم من القوة الغضبية والشهامية ما استطاعوا به مدة الأشهر الثلاثة في التحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم فكانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدة تحليل المحرم فأخروه إلى صفر فيحلون الشهر الحرام ويحرمون الشهر الحلال ليواطئوا عدة ما حرم الله الأشهر الأربعة كما قال شاعرهم وهو عمير بن قيس المعروف بجذل الطعان:
    لقد علمت معد بأن قومي

    كرام الناس أن لهم كراما
    ألسنا الناسئين على معد

    شهور الحل نجعلها حراما
    فأي الناس لم ندرك بوتر

    وأي الناس لم نعلك لجاما
    وقال الإمام محمد بن إسحاق على هذا الإفساد الجاهلي، فقال: كان أول من نسأ الشهور على العرب فأحل منها ما حرم الله وحرم منها ما أحل الله عز وجل القلمس وهو حذيفة بن عبد فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد ثم من بعد عباد ابنه قلع بن عباد ثم ابنه أمية بن قلع ثم ابنه عوف بن أمية ثم ابنه أبو ثمامة جنادة بن عوف وكان آخرهم وعليه قام الإسلام فكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فقام فيهم خطيبا فحرم رجبا وذا القعدة وذا الحجة ويحل المحرم عاما ويجعل مكانه صفر ويحرمه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحل ما حرم الله يعني ويحرم ما أحل الله.
    وبعد مجيء الإسلام نادى بتحديد الأمكنة والأزمنة المحرمة والتي تؤدي للناس فيها جانب الأمن والأمان، وكان منها المساجد عامة، والمسجد الحرام بصفة خاصة، قال تعالى عن خصائص المسجد الجرام: [فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا][9]. وقد أمتن الله على أهل بمكة منة لا تتحقق عند أهل الأرض، وهي وجود الآمان في بيت الحرام، قال تعالى [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُون][10].
    وقد زعم أهل الحجاز أن إتباع الرسول  قد يجر عليم تألب الأعداء ويكثر عليهم المحاربين فبين المولى عز وجل بطلان قولهم بقوله تعالى [وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ][11]. ويبين سيد قطب رحمه الله مفهوم تحقيق الأمن لهذا للمسجد الحرام،فيقول عن الآية السابقة: (اعتذروا عن عدم اتباعهم الهدى بخوفهم من تخطف الناس لهم ، لو تحولوا عن عقائدهم القديمة التي من أجلها يخضع الناس لهم ، ويعظمون البيت الحرام ويدينون للقائمين عليه .
    فساق الله إليهم في هذه السورة قصة موسى وفرعون ، تبين لهم أين يكون الأمن وأين تكون المخافة ؛ وتعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله ، ولو فقدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ؛ وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس ! وساق لهم قصة قارون تقرر هذه الحقيقة في صورة أخرى وتؤكدها .
    وعقب على مقالتهم  أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ؟ ولكن أكثرهم لا يعلمون  . . يذكرهم بأنه هو الذي آمنهم من الخوف فهو الذي جعل لهم هذا الحرم الآمن ؛ وهو الذي يديم عليهم أمنهم ، أو يسلبهم إياه ؛ ومضى ينذرهم عاقبة البطر وعدم الشكر:   وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا ، وكنا نحن الوارثين  .
    ويخوفهم عاقبة أمرهم بعد أن أعذر إليهم وأرسل فيهم رسولا . وقد مضت سنة الله من قبل بإهلاك المكذبين بعد مجيء النذير:   وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا ، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون)[12].
    وقد كانت دعوة إبراهيم أن يبقى المسجد الحرام مأوى الخائفين وملاذ السائلين، كما قال تعالى [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ][13].
    فمن فضائل هذا البيت أن من دخله كان آمنا . فهو مثابة الأمن لكل خائف . وليس هذا لمكان آخر في الأرض . وقد بقي هكذا مذ بناه إبراهيم وإسماعيل . وحتى في جاهلية العرب ، وفي الفترة التي انحرفوا فيها عن دين إبراهيم ، وعن التوحيد الخالص الذي يمثله هذا الدين . . حتى في هذه الفترة بقيت حرمة هذا البيت سارية ، كما قال الحسن البصري وغيره:" كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ، ويدخل الحرم ، فيلقاه ابن المقتول ، فلا يهيجه حتى يخرج " . . وكان هذا من تكريم الله سبحانه لبيته هذا ، حتى والناس من حوله في جاهلية ! وقال - سبحانه - يمتن على العرب به:  أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ؟  وحتى إنه من جملة تحريم الكعبة حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره ، وحرمة قطع شجرها . . وفي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال:قال رسول الله   يوم فتح مكة:  إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة . وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار . فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاه . . . إلخ[14].
    ولتوسيع مدارك المسلمين في أهمية دور المسجد، والحرص على تفعيله في جميع جوانب الحياة الأمنية والتعليمية والاقتصادية والسياسية ..الخ فقد حذر المولى عز وجل من إعاقة هذا الدور الهام للمساجد فقال: [ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم][15].
    إن إطلاق النص يوحي بأنه حكم عام في منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، والسعي في خرابها . كذلك الحكم الذي يرتبه على هذه الفعلة ، ويقرر أنه هو وحده الذي يليق أن يكون جزاء لفاعليها. وهو قوله:[أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين] أي أنهم يستحقون الدفع والمطاردة والحرمان من الأمن ، إلا أن يلجأوا إلى بيوت الله مستجيرين محتمين بحرمتها مستأمنين وذلك كالذي حدث في عام الفتح بعد ذلك إذ نادى منادي رسول الله  يوم الفتح:(من دخل المسجد الحرام فهو آمن) فلجأ إليها المستأمنون من جبابرة قريش ، بعد أن كانوا هم الذي يصدون رسول الله  ومن معه ويمنعونهم زيارة المسجد الحرام. ويزيد على هذا الحكم ما يتوعدهم به من خزي في الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة: لهم في الدنيا خزي ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم[16].
    وبهذا المفهوم قاله الإمام القرطبي، فقد قال: واختلف الناس في المراد بهذه الآية وفيمن نزلت...وقيل: المراد من منع من كل مسجد إلى يوم القيامة, وهو الصحيح; لأن اللفظ عام ورد بصيغة الجمع, فتخصيصها ببعض المساجد وبعض الأشخاص ضعيف; والله تعالى أعلم .
    وبين مفهوم خراب المساجد بأن المقصود خراب المساجد قد يكون حقيقيا كتخريب بخت نصر والنصارى بيت المقدس... ويكون مجازا كمنع المشركين المسلمين حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام; وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها[17].
    ومن إسرار تحقيق دور المساجد في الأمن قول الله تعالى [يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ][18].  وهذا الخطاب يعم جميع المساجد، كما قال القرطبي: هو خطاب لجميع العالم, وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا; فإنه عام في كل مسجد للصلاة. لأن العبرة للعموم لاللسبب. ومن العلماء من أنكر أن يكون المراد به الطواف; لأن الطواف لا يكون إلا في مسـجد واحد, والذي يعم كل مسجد هو الصلاة. وهذا قول من خفي عليه مقاصد الشريعة[19].
    قال تعالى: [إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ][20]. ولعلاقة المسجد بالأمن فإن السلف رحمهم الله تعالى قالوا عن الآية السابقة: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن[21]. فإذا كان عامر المساجد يتحصل له هذه الدرجة من سلامة المقصد وإحسان الظنون به، فكيف بدور المسجد نفسه وما يصدر منه، ويقوم به من دور بارز في المجتمع.
    وقد قال ابن كثير: " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله " فإذا كان من هو كذلك مطرودا منها مصدودا عنها فأي خراب لها أعظم من ذلك ؟ وليس المراد بعمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها ورفعها عن الدنس والشرك[22] .
    ومما تحتويه معنى آخر هذه الآية: أن العبادة تعبير عن العقيدة ؛ فإذا لم تصح العقيدة لم تصح العبادة ؛ وأداء الشعائر وعمارة المساجد ليست بشيء ما لم تعمر القلوب بالاعتقاد الإيماني الصحيح ، وبالعمل الواقع الصريح ، وبالتجرد لله في العمل والعبادة على السواء: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) والنص على خشية الله وحده دون سواه بعد شرطي الإيمان الباطن والعمل الظاهر ، لا يجيء نافلة . فلا بد من التجرد لله ؛ ولابد من التخلص من كل ظل للشرك في الشعور أو السلوك ؛ وخشية أحد غير الله لون من الشرك الخفي ينبه إليه النص قصدا في هذا الموضع ليتمحص الاعتقاد والعمل كله لله . وعندئذ يستحق المؤمنون أن يعمروا مساجد الله ، ويستحقون أن يرجوا الهداية من الله: (فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) فإنما يتوجه القلب وتعمل الجوارح ، ثم يكافئ الله على التوجه والعمل بالهداية والوصول والنجاح[23].
    والمسجد هو الإشعاع الأول الذي يصدر من خلاله الأمن والهداية كما قال تعالى [فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ][24]. وإن كان المفسرون قد اختلفوا بما هو المراد بالبيوت، ولكنهم قد اتفقوا على أن من أدوار المسجد الأساسية في المجتمع أنها تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض ; كما قاله ابن عباس ومجاهد والحسن ... لما رواه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحب الله عز وجل فليحبني ومن أحبني فليحب أصحابي ومن أحب أصحابي فليحب القرآن ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإنها أفنية الله أبنيته أذن الله في رفعها وبارك فيها ميمونة ميمون أهلها محفوظة محفوظ أهلها هم في صلاتهم والله عز وجل في حوائجهم هم في مساجدهم والله من ورائهم ) وقال الحسن البصري وغيره : معنى " ترفع " تعظم , ويرفع شأنها , وتطهر من الأنجاس والأقذار ; ففي الحديث ( أن المسجد لينزوي من النجاسة كما ينزوي الجلد من النار ) . وروى ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله : ( من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة ) . وروي عن عائشة قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في الدور وأن تطهر وتطيب[25].

    المبحث الثاني) ارتباط الأمن في آيات المسجد الحرام:

    لقد سبقت الإشارة إلى بعض آيات القرآن الكريم في ربط قضية الأمن بالمسجد الحرام، ورغبة في تسليط الضوء أكثر ولأهمية ومكانة المسجد الحرام عن بقية مساجد الدنيا، أبين بشيء من التفصيل عن هذه الآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي ورد فيها ذكر الأمن بالمسجد الحرام.
    قال تعالى: [قال تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً][26].
    وقد استعرض ابن القيم رحمه الله تعالى بعض خصائص البيت الحرام ومكانة البقعة المباركة عند الخالق عز وجل، ومما ذكره في موضوع الأمن: ومن هذا اختياره سبحانه وتعالى من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها ، وهي البلد الحرام ، فإنه سبحانه وتعالى اختاره لنبيه ، وجعله مناسك لعباده ، وأوجب عليهم الإتيان إليه من القرب والبعد من كل فج عميق ، فلا يدخلونه إلا متواضعين متخشعين متذللين ، كاشفي رؤوسهم ، متجردين عن لباس أهل الدنيا ، وجعله حرماً آمناً ، لا يسفك فيه دم ، ولا تعضد به شجرة ، ولا ينفر له صيد ، ولا يختلى خلاه ، ولا تلتقط لقطته للتمليك بل للتعريف ليس إلا ، وجعل قصده مكفراً لما سلف من الذنوب ، ماحياً للأوزار ، حاطاً للخطايا ، كما في  الصحيحين  عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : (من أتى هذا البيت ، فلم يرفث ، ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه)، ولم يرض لقاصده من الثواب دون الجنة ، ففي  السنن من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله :(تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة) وفي  الصحيحين  عن أبي هريرة أن رسول الله قال : (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) فلو لم يكن البلد الأمين خير بلاده ، وأحبها إليه ، ومختاره من البلاد ، لما جعل عرصاتها مناسك لعباده، فرض عليهم قصدها، وجعل ذلك من آكد فروض الإسلام، وأقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه، فقال تعالى : [وهذا البلد الأمين][27]. ، وقال تعالى : " لا أقسم بهذا البلد "[28].
    ومواصلة لمكانة المسجد الحرام فقد بين ابن القيم مسألة الهم بعمل السيئات، حيث يقول: ومن خواصه أنه يعاقب فيه على الهم بالسيئات وإن لم يفعلها ، قال تعالى : " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم "[29] فتأمل كيف عدى فعل الإرادة هاهنا بالباء ، ولا يقال : أردت بكذا إلا لما ضمن معنى فعل  هم  فإنه يقال : هممت بكذا ، فتوعد من هم بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب الأليم .
    ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه ، لا كمياتها ، فإن السيئة جزاؤها سيئة ، لكن سيئة كبيرة ، وجزاؤها مثلها ، وصغيرة جزاؤها مثلها ، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض ، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه ، فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات[30].
    ولهذه التشريف العظيم، والاختيار من العليم الحكيم لهذه البقعة الطاهرة، فقد جعل الله تعالى البيت الحرام قبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حيث تشتاق النفوس إلى المجىء إليه، والطواف حول الكعبة المشرفة، والصلاة فيه، كيف لا يكون كذلك وهو أول بيت وضع للناس في الأرض؟ وهو من المساجد التي تشد إليها الرحال، بل أفضلها على الإطلاق، فالصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في غيره عدا المسجد النبوي والمسجد الأقصى، والبيت الحرام شعار الأمن والأمان لكل من دخل فيه واحتمى بحماه، وقد شرفه الله تعالى بهذه المزية التي سجلت في القرآن الكريم لتكون باقية ما بقيت السموات والأرض، قال الله تعالى {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا}[31] وقال سبحانه {ومن دخله كان آمناً}[32] فالبيت الحرام آمن لكل من دخل فيه، لأنه يكون في جوار الله وحفظه، والله تعالى هو الذي تكفل بتوفير هذا الأمن، حيث نسبه إلى ذاته سبحانه {جعلنا} ولك أن تتحدث عن عظم هذا الأمن لأنه من الله تعالى فهو أمن على النفس وعلى العرض، ولم لا وهو من صنع القوي العزيز القهار؟ فكيف إذن يتحقق الأمن والأمان لمن سعى إلى رحاب مكة والبيت الحرام؟
    نعمة الأمن والأمان: لم يؤت الإنسان نعمة أفضل من أمنه على نفسه وعرضه وماله ودينه لذلك كانت المقاصد العليا للشريعة الإسلامية حفظ النفس والدين والعرض والعقل والمال، أما الذي يفقد الأمن والأمان لايهنأ بطعام أو شراب أو منام، من أجل هذا قال رسول الله في الحديث الذي رواه الترمذي عن عبيدالله بن محصن الأنصاري: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» والأمن نعمة دعا بها الأنبياء والمرسلون ففي دعوة إبراهيم - عليه السلام - {رب اجعل هذا بلداً آمناً}[33] والأمن سمة مميزة للمجتمع المؤمن، وسمة ملازمة للمؤمنين، وخير الناس من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، فقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شره».
    الأمن على النفس: في فتح مكة أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم انه «... من دخل المسجد الحرام فهو آمن» هذا الإعلان وان كان في موقف معين إلا أنه صار حكماً مفروضا يشمل زمنه وزمن غيره إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها فليس من المعقول أو المقبول أن يأمن الناس داخل البيت الحرام في وقت ما ولا يتوفر لهم هذا الأمن في وقت غيره!! وقد أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحكم وله دليله من كتاب الله تعالى، حيث أقسم الله بهذا البلد الحرام، ووصفه بالأمين، قال سبحانه: {والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين}[34] فالبلد بأثره أمين فما بالك بالمسجد الحرام الذي يتوسط هذا البلد؟ واتفق المفسرون على أن المراد بالبلد الأمين مكة المكرمة، وسمى بالأمين لأنه من دخله كان آمناً، وقد حرم الله مكة على جميع خلقه، كما حرم أن يقطع شجرها أو يؤذى حيوانها، وقد جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس خطيبا في اليوم الثاني من فتح مكة فقال: «أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً، أو يعضد فيها» وقال ابن عباس أيضاً «لأن أذنب سبعين ذنباً في غير مكة أحب إلي من أن أذنب ذنباً واحدا في مكة» وسئل الإمام احمد بن حنبل: هل تكتب السيئة اكثر من واحدة؟ فقال: لا، إلا بمكة لتعظيم البلد».
    الأمن على المال: يعد الحفاظ على المال من مقاصد الشريعة الإسلامية، لذلك فقد روى أحمد والترمذي وصححه عن سعيد بن زيد - رضى الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد» والأمن على المال محقق في البيت الحرام لا محالة، فمن سرق واعتدى على مال غيره فقد أساء وظلم، وفسدت عبادته، أما من فقد ماله بالضياع فسوف يجده بإذن الله تعالى، لما شرعه الإسلام في هذا الشأن، فقد حرم الشرع الحنيف على من في البيت الحرام أن يلتقط اللقطة من أي شىء كانت إلا من أراد أن يعرفها، فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تحل ساقطتها إلا لمنشد» ومعناه لا تحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها لأنها خصت بهذا من بين سائر البلدان، قال الإمام أحمد: «لايجوز التقاط لقطة الحرم للتملك وإنما يجوز حفظها لصاحبها، فإن التقطها عرفها أبداً حتى يأتي صاحبها».
    الأمن من الجوع والعطش: الموجود في البيت آمن على نفسه من الجوع والعطش، وكيف يجوع أو يعطش من في الحرم وفيه بئر زمزم؟! فقد روى الطبراني وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس - رضى الله عنهما أن رسول الله  قال: «خير الماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم»..و قال الإمام ابن القيم - رحمه الله: «وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبا من نصف الشهر أو أكثر، ولا يجد جوعاً، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقى عليه أربعين يوماً، وكان له قوة يجامع بها أهله، ويصوم، ويطوف مراراً، فهو سيد المياه، وأشرفها، وأجلها قدراً، وأحبها إلى النفوس، وأغلاها ثمناً، وأنفسها عند الناس..»اهـ.. وقد كانت بئر زمزم أمانا لهاجر عليها السلام هى وابنها الرضيع من الموت جوعا وعطشاً، وهى كذلك على مر الزمان، فلا يجوع إنسان أو يعيش وهو في رحاب البيت الحرام أبداً.
    ويحدثنا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عن تجربته في الاستطعام بماء زمزم قائلاً: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ)
    وحينما سأله النبي  عن مدة بقائه وطعامه، قائلاً له : مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا قَالَ قُلْتُ قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَالَ فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ قَالَ قُلْتُ مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ قَالَ إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْم)ٍ[35].
    مكة والمدينة أمان من الدجال: الدجال من فتن آخر الزمان، وقد حذر منه رسول الله  فعن عبدالله بن عمر - رضى الله عنهما - أن رسول الله  ذكر الدجال فقال: «اني لأنذركموه، ما من نبي إلا أنذره قومه، وقد أنذره نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور» وقد حرم الله تعالى على الدجال أماكن لا يدخلها وهى مكة والمدينة والمسجد الأقصى، فقد روى أحمد والترمذي وقال الترمذي حسن صحيح عن عائشة - رضى الله عنها - أن النبي  قال «لايدخل الدجال مكة ولا المدينة» ورويا عن جابر بن عبدالله - رضى الله عنهما قال: أشرف النبي  على فلق من أفلاق الحرة وهو مكان على أطراف المدينة - ونحن معه فقال: «نعمت الأرض المدينة إذا خرج الدجال، على كل نقب (طريق) ملك لا يدخلها..» فالأمن في مكة والمدينة يمتد حتى فتن آخر الزمان وظهور علامات الساعة الكبرى.
    إن أمن البيت الحرام أمن لكل المسلمين، قال تعالى: {أولم نمكن لهم حرماً آمناً..}[36] وقال سبحانه عن مكة {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها..)[37] هذا الأمن يشمل الإنسان والطير والشجر[38].
    وقد أعلن النبي  أمان البيت الحرام، فبعد فتح خشية أن يظن الناس أن الأمان قد زال فنادى ببقاء حرمتها فعن أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ  الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ  فِيهَا فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ..)[39].
    وأثناء دخول النبي  مكة فاتحاً نادى الأمان العام قائلاً: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِد[40].
    ولما حدث إعتداء كما روى الإمام البخاري وذلك: أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ  فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ أَوْ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ  وَالْمُؤْمِنِينَ أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ ..)[41].

    المبحث الثالث: بعض القضايا الفقهية في تحقيق الأمن في المسجد:

    أثناء تصفح الباحث في كتب بعض الفقهاء رحمهم الله تعالى يجد كثيراً من المسائل الفقهية تتناول أحكاماً خاصة بالمساجد، ويلاحظ في بعض منها الجانب الأمني، وأنها –المساجد-مأوى الفارين، وملاذ التائهين. وسوف أشير بشيء من الاختصار إلى أبرز المسائل الفقهية الخاصة بأحكام المساجد، ويظهر من خلالها الجوانب الأمنية، ومنها ما يلي:
    النوم في المسجد: لمن احتاج إلى ذلك من رجل أو امرأة من الغرباء ومن لا بيت له فجائز ; لأن في البخاري - وقال أبو قلابة عن أنس : قدم رهط من عكل على النبي  فكانوا في الصفة , وقال عبد الرحمن بن أبي بكر : كان أصحاب الصفة فقراء .وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .لفظ البخاري : وترجم ( باب نوم المرأة في المسجد ) وأدخل حديث عائشة في قصة السوداء التي اتهمها أهلها بالوشاح , قالت عائشة : وكان لها خباء في المسجد أو خفش ... الحديث. ويقال : كان مبيت عطاء بن أبي رباح في المسجد أربعين سنة.
    وروى ابن عمر عن نفسه َكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ )[42].
    لقد كان المسجد المكان الآمن الذي يؤوي إليه المسلمون، وقد نقل إلينا أصحاب الحديث ما حدث بين علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة بنت رسول الله  ورضي الله عنها، فقد جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ  بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ قَالَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  لِإِنْسَانٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ  وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ  يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ)[43].
    قال ابن حجر في الفتح: قَوْله : ( بَاب نَوْم الرِّجَال فِي الْمَسْجِد ) أَيْ جَوَاز ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس كَرَاهِيَته إِلَّا لِمَنْ يُرِيد الصَّلَاة , وَعَنْ اِبْن مَسْعُود مُطْلَقًا قَوْله : ( هُوَ رَاقِد فِي الْمَسْجِد ) فِيهِ مُرَاد التَّرْجَمَة ; لِأَنَّ حَدِيث اِبْن عُمَر يَدُلّ عَلَى إِبَاحَته لِمَنْ لَا مَسْكَن لَهُ , وَكَذَا بَقِيَّة أَحَادِيث الْبَاب , إِلَّا قِصَّة عَلِيّ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّعْمِيم , لَكِنْ يُمْكِن أَنْ يُفَرَّق بَيْن نَوْم اللَّيْل وَبَيْن قَيْلُولَة النَّهَار . وَفِي الحدِيث مِنْ الْفَوَائِد أَيْضًا جَوَاز الْقَائِلَة فِي الْمَسْجِد .
    وإذا جاء ذكر المبيت والضيافة في المساجد يظهر لنا تاريخ أضياف الإسلام أهل الصفة، والتي هي كما قال شراح الحديث مَوْضِع مُظَلَّل فِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ كَانَتْ تَأْوِي إِلَيْهِ الْمَسَاكِين، وقد قال عنهم أبو هريرة: (أَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا)[44].
    إن أهل الصفة وجدوا الأمن والأمان في رحاب المسجد، ويصفهم أبو هريرة وهو ومنهم: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ)[45].
    شهود الجماعة في المساجد: فضلت صلاة الجماعة في المساجد على غيرها كما ورد في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ صَلَاةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ وَتُصَلِّي يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ)[46].
    وكان من هديه  يتابع ويسأل عن المصلين كما في حديث أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ   يَوْمًا صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَالَ أَشَهِدَ فُلَانٌ الصَّلَاةَ قَالُوا لَا قَالَ فَفُلَانٌ قَالُوا لَا قَالَ إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ أَثْقَلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ وَلَوْ تَعْلَمُونَ فَضِيلَتَهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ[47].
    وعند إيراد شهود الجماعة في المساجد ذكر أشار بعض الفقهاء إلى مسائل في الأمن، كما قال الإمام الشافعي: فعل الجماعة للرجل في المسجد أفضل من فعلها في البيت والسوق وغيرهما ; لما ذكرناه من الأحاديث في فضل المشي إلى المسجد , ولأنه أشرف , ولأن فيه إظهار شعار الجماعة[48].
    وقال ابن قدامه مؤكداً على أهمية الجماعة بمنظور أمني: وإن كان البلد ثغرا , فالأفضل اجتماع الناس في مسجد واحد ليكون أعلى للكلمة , وأوقع للهيبة , وإذا جاءهم خبر عن عدوهم سمعه جميعهم , وإن أرادوا التشاور في أمر حضر جميعهم , وإن جاء عين الكفار رآهم فأخبر بكثرتهم . قال الأوزاعي : لو كان الأمر إلي لسمرت أبواب المساجد التي في الثغور أو نحو هذا ليجتمع الناس في مسجد واحد[49].
    ومن أحاديث الترغيب في ارتياد المساجد يلاحظ أن الشريعة تؤكد على الاستمرار المسلم في جلوسه وبقائه في مصلاه كما ورد في الحديث (...وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ وَتُصَلِّي يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ) وعن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ)[50]. وقد قال أبو الدرداء لابنه: يا بني، ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله  يقول: المساجد بيوت المتقين، فمن يكن المسجد بيته يضمن الله له الروح والرحمة، والجواز على الصراط إلى الجنة) وقال أبو الدرداء: ما من رجل يغدو إلى المسجد لخير يفعله أو يعلمه إلا كتب له أجر مجاهد، لا ينقلب إلا غانما[51].
    إقامة صلوات ذات الأسباب في المساجد:: حرصاً على نشر الجانب الأمني في المجتمع فقد شرع صلوات لأسباب معينة تقام جماعة وفي المساجد، ومنها صلاة الكسوف والذي بسببها يتغير مجرى الكون المحكم، فيقع في المجتمع الخوف والرعب، فيجب أن يهرع الناس إلى المساجد طلباً للأمان بسبب صلاة الكسوف،  كما في حديث أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ  فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ  يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ  إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ)[52] . قال ابن قدامه: والسنة أن يصليها في المسجد ; لأن النبي  فعلها فيه . قالت عائشة : خسفت الشمس في حياة رسول الله  فخرج إلى المسجد , فصف الناس وراءه)[53] .
    العناية الإلهية والحفظ الرباني: ومما يتحقق الأمن من المساجد الأمن الأجساد والأفكار والأعراض ، كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِه)[54]. ومن حديث جُنْدَب بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قال: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) رواه مسلم في صحيحه. قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: ( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ) أَيْ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذَا غَيْرُ الْأَمَانِ الَّذِي ثَبَتَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.. الخ[55].
    إنشاد الشعر في المسجد: إن الشعر بما يحتويه من معاني فاضله، ومن آداب رفيعه، ومن مقاصد نبيله، فكان الشعر في تاريخ الإسلام من الدعائم الأساسية في الدعوة، وقد وضع الرسول  منبراً في المسجد وقال لحسان بن ثابت: (اهج المشركين فإن روح القدس معك }[56]. وفي الترمذي عن عائشة قالت { كان رسول الله  ينصب لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار } وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال الشوكاني: هذا حديث صحيح الإسناد والحديث يدل على جواز إنشاد الشعر في المسجد[57].
    وعن جابر بن سمرة قال : { شهدت النبي  أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسم معهم }[58] .
    وأستمر إلقاء الشعر في المسجد في الخلافة الراشدة فعن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ نَعَمْ)[59].
    وعن الشعبي قال : كنا جلوسا بفناء الكعبة , أحسبه قال " مع أناس من أصحاب رسول الله  فكانوا يتناشدون الأشعار . فوقف بنا عبد الله بن الزبير , فقال : في حرم ,وحول الكعبة , يتناشدون الأشعار ؟ . فقال رجل منهم : يا ابن الزبير , إن رسول الله , إنما { نهى عن الشعر , الذي إذا أتيت فيه النساء , وتزدرى فيه الأموات } [60].
    ومن خلال هذه النصوص فقد أجاز علماء الإسلام إلقاء الشعر بالمسجد، فقال النووي: (لا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان مدحا للنبوة أو الإسلام أو كان حكمة أو في مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير , فأما ما فيه شيء مذموم كهجو مسلم أو صفة الخمر أو ذكر  النساء أو المرد أو مدح ظالم أو افتخار منهي عنه . أو غير ذلك فحرام[61].
    وقال ابن حجر في الفتح: (وَأَمَّا مَا رَوَاهُ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جِدِّهِ قَالَ " نَهَى رَسُول اللَّهِ  عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ " وَإِسْنَادُهُ صَحِيح إِلَى عَمْرو - فَمَنْ يُصَحِّحْ نُسْخَتَهُ يُصَحِّحْهُ - وَفِي الْمَعْنَى عِدَّة أَحَادِيثَ لَكِنَّ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَال فَالْجَمْع بَيْنَهَا وَبَيْن حَدِيث الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى تَنَاشُدِ أَشْعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُبْطِلِينَ , وَالْمَأْذُونِ فِيهِ مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ . وَقِيلَ : الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا إِذَا كَانَ التَّنَاشُد غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مِنْ فِيهِ[62].
    عقد حلق العلم والاستذكار: إن بناء المساجد وتشييدها وإقامة البرامج التوعوية وتنظيمها هي من أساس نشر الأمن في المجتمع، بل إن مسجد رسول الله  أقيم على التقوى، ونقل النووي: أن ابن بطال نقل إجماع العلماء على ذلك[63]. وقد شبه الرسول  مرتاد المساجد من أجل العلم والتعلم بالمجاهد، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله  : { من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيرا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله , ومن دخل لغير ذلك كان كالناظر إلى ما ليس له[64].
    قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : إن رجلا يقرئ في المسجد , وهو يريد أن يعتكف , ولعله أن يختم في كل يوم ؟ فقال : إذا فعل هذا كان لنفسه , وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره , يقرئ أحب إلي . وسئل : أيما أحب إليك ; الاعتكاف , أو الخروج إلى عبادان ؟ قال : ليس يعدل الجهاد عندي شيء . يعني أن الخروج إلى عبادان أفضل من الاعتكاف[65] .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد فإن النبي  أسس مسجده المبارك على التوقى ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتعليم العلم والخطب وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمير الأمراء وتعرف العرفاء وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم[66].
    صلاة ركعتين لمن قدم من السفر: يستحب للقادم من السفر أن يصلي في المسجد ركعتين أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر[67]. وهي من هدي النبي  كما قال كعب بن مالك رضي الله عنه في حديث توبته: (فغدوت إليه فإذا هو في الناس جالس في المسجد وكان إذا قدم من سفر دخل المسجد فركع فيه ركعتين , ثم دخل على أهله)[68].
    قال النووي: سنة للقادم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين }[69].
    وبهذا أوصى النبي  أصحابه فعن جابر في حديثه الطويل في قصة بيع جمله في السفر قال { وقدمت بالغداة فجئت المسجد فوجدته يعني النبي صلى الله عليه وسلم على باب المسجد فقال : الآن قدمت ؟ قلت : نعم يا رسول الله , قال : فدع جملك وادخل فصل ركعتين فدخلت ثم رجعت } وفي رواية قال : { بعت من النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا في سفر فلما أتينا المدينة قال : ائت المسجد فصل ركعتين }[70].
    وفي صحيح البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ  وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ قَالَ ضُحًى فَقَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي[71].
    قال ابن حجر في الفتح: قَوْله (وَمُطَابَقَته لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَة أَنَّ تَقَاضِيهِ لِثَمَنِ الْجَمَل كَانَ عِنْد قُدُومه مِنْ السَّفَر... قَالَ النَّوَوِيّ : هَذِهِ الصَّلَاة مَقْصُودَةٌ لِلْقُدُومِ مِنْ السَّفَر يَنْوِي بِهَا صَلَاة الْقُدُوم , لَا أَنَّهَا تَحِيَّة الْمَسْجِد الَّتِي أُمِرَ الدَّاخِل بِهَا قَبْل أَنْ يَجْلِس , لَكِنْ تَحْصُل التَّحِيَّة بِهَا)[72].
    والجانب الأمني ظاهر في هذه الشريعة حيث كان المسجد ملتقى الناس ومجمع الحي، فيكون القادم من سفر أول مقصوده التعريف بقدومه فيقصد المسجد، وقد قال النووي: (فإن كان القادم مشهورا يقصده الناس استحب أن يقعد في المسجد أو في مكان بارز ليكون أسهل عليه وعلى قاصديه , وإن كان غير مشهور , ولا يقصد ذهب إلى بيته بعد صلاته الركعتين في المسجد)[73].
    وقد صرح بعض الفقهاء رحمهم الله تعالى من هذه السنة: أن يبدأ بزيارة بيت ربه , وبالخضوع له فيه بالركوع , والسجود... ومنها: أن أصحابه ومعارفه يأخذون حظهم من رؤيته والسلام عليه حين قدومه ..ومنها أن لقاء الأحبة بغتة قد يئول إلى ذهاب النفوس عند اللقاء لقوة ما يتوالى على النفس إذ ذاك من الفرح والسرور . وقد حكي عن كثير من الناس أنهم ماتوا بسبب ذلك فاجأهم السرور فماتوا من شدة الفرح , وقوم فجأتهم المصائب فماتوا من شدة الهم والغم . ومن هذا الباب ما فعله يوسف الصديق  في التلطف بالاجتماع بأبيه يعقوب  في أنه أرسل إليه البشير أولا حتى علم أنه موجود في الأحياء , ثم أرسل إليه ثانيا القميص ليجد ريحه كما أخبر به عز وجل في كتابه العزيز فزاد أنسه بشم رائحته وأثره , ثم بعد ذلك وقع الاجتماع[74].
    ومماثل لهذا التوجيه النبوي توجهاً آخر والذي يرويه أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ  لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ إِلَّا غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً)[75]. وقال جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَهَى النَّبِيُّ  أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا)[76].
    الاحتفاظ بالسلاح وعدم نشره في المسجد: لتأكد حرمة دم المسلم وكذلك النهي عن ترويعة، وحيث أن المسجد مكان أمن وآمان، فقد نهت الشريعة أن تساهل المسلم بسلاحة إذا دخل بها المسجد، فقد قال جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: مَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ سِهَامٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ  أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا- قال ابن حجر: وبلفظ: " أَنَّ رَجُلًا مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ بَأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا , فَأَمَرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا كَيْ لَا تَخْدِشَ مُسْلِمًا "[77].
    قال ابن حجر على شرح هذا الحديث: وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَة إِلَى تَعْظِيم قَلِيل الدَّم كَثِيره , وَتَأْكِيد حُرْمَة الْمُسْلِمِ , وَجَوَاز إِدْخَالِ السِّلَاحِ الْمَسْجِد . وَفِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد قَالَ " نَهَى رَسُول اللَّهِ  عَنْ تَقْلِيب السِّلَاح فِي الْمَسْجِدِ " وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ)[78].
    كما أوثر هذا المعنى عن التابعين، فعن عطاء قال إذا مررت بنبل فامسك بنصله)[79]. بل لقد تعدى مسألة التحذير إلى قضية أكبر وأشد وهي اللعن كما أوثر عن مجاهد قال : ملعون من ناول أخاه السيف مسلولا في المسجد[80].
    من خلال هذه النصوص فقد تناقل فقهاء الإسلام في كتبهم التحذير من إشهار السلاح في مساجد المسلمين، فمن ذلك قول الإمام الطحاوي بعد أن بوب في كتابه: (باب الرجل يتطرق في المسجد بالسهام) ثم قال:..لا ينبغي لأحد أن يدخل المسجد , وهو حامل شيئا من ذلك , إلا أن يكون دخل به يريد بدخوله الصلاة , أو أن يكون إذا دخله , يريد به الصدقة , فأما أن يدخل به يريد تخطي المسجد , فإن ذلك مكروه .. فعن جابر قال : { كان الرجل يتصدق بنبل في المسجد , فأمره رسول الله  أن لا يمر بها إلا وهو آخذ بنصولها } . .. فبين جابر في هذا الحديث , أن الذين كانوا يدخلون بها المسجد , إنما كانوا يريدون بها الصدقة فيه لا التخطي . فهذا هو ما أباحه رسول الله )[81].
    وقال النووي: السنة لمن دخل المسجد ومعه سلاح أن يمسك على حده كنصل السهم وسنان الرمح ونحوه لحديث جابر رضي الله عنه أن رجلا مر بسهام في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمسك بنصالها } رواه البخاري ومسلم . وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " { من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك  أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء }[82].
    وقال أبو زرعة الرزاي: فيه –الحديث-أمر مدخلها المسجد أن يمسك بنصالها وقد عرفت تعليله في الحديث بخشية خدش مسلم , قال ابن بطال : هذا من تأكيد حرمة المسلم لئلا يروع بها أو يؤذي ; لأن المساجد مورودة للخلق ولا سيما في أوقات الصلاة فخشى عليه الصلاة والسلام أن يؤذي بها أحدا وهذا من كريم خلقه ورأفته بالمؤمنين , والمراد بهذا الحديث التعظيم لقليل الدم وكثيره .
    ونقل أبو زرعة تعقيباً للصحابي الجليل أبو موسى الأشعري وهو ممن عاصرة الفتن الأولى التي وقعت في الخلافة الراشدة رضي الله عن جميع أصحاب رسولنا، حيث قال أبو موسى : والله ما متنا حتى سددناها بعضنا في وجوه بعض } وقوله { سددناها } بالسين المهملة من السداد وهو القصد , والاستقامة أي قومناها إلى وجوههم وأشار بذلك إلى ما حدث من الفتن وذكر هذا في معرض التأسف على تغير الأحوال وحصول الخلاف لمقاصد الشرع من التعاطف ودفع يسير الأذى مع قرب العهد[83].
    وقال ابن كثير في تفسيره: (وأما أنه لا يشهر فيه السلاح ولا ينبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل فلما يخشى من إصابة بعض الناس به لكثرة المصلين فيه ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر رجل بسهام أن يقبض على نصالها لئلا يؤذي أحدا كما ثبت ذلك في الصحيح .

    المبحث الرابع: مسجد الضرار ومحاولته في خرق الأمن في عهد الرسول :

    من أوائل أعمال الرسول  الأساسية في المجتمع المدني أن أقام المسجد، لأهميته في حياة الأمة، ثم آخي بين المهاجرين –أهل مكة- وبين الأنصار-أهل المدينة،  كما عقد العقود الموثقة مع اليهود من أجل سد ما يمكن أن يمكروا به، وتعامل مع المنافقين بناء على ظاهرهم ومن أجل توضيح الصورة أكثر عن حال هذا الصنف أنقل ما أورده الإمام البخاري في صحيحه عن واقعة وقعة بين أصحاب النبي  كاد أن يقتتل الفريقان (المهاجرين والأنصار) وكان ذلك بسبب هذا الطابور الخامس وهم أهل النفاق، قال جَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ  وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ  فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ  دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ  لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ [84].
    والقرآن الكريم أورد كثيراً خذلان وكر المنافقين وموقفهم المشين من دعوة الرسول، في أكثر من آية في كتاب الله ومن أبرزها قول الله تعالى [وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ][85].
    ومن مكر أهل النفاق بتاريخ الإسلام والمسلمين ما أردوا به الكيد بهم من جانب إستغلال المسجد مكان العبادة، ومصدر الأمان، وقد ذكرها القرآن في سورة التوبة، قال تعالى [وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ 107لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ 108 أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 109 لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 110][86].
    ورغبة في إعطاء مكانة المسجد المقام العظيم في نشر الأمن الإجتماعي في الإسلام، سوف أنقل ما تناقلته كتب السير والأخبار عن مسجد الضرار، ثم نتظلل بعد ذلك بظلال آياته وأحكامها.
    فمما نقل عن قصة مسجد الضرار: عن يزيد بن رومان . قال أقبل رسول الله  حتى نزل بذي أوان . وقد كان جاءه أصحاب مسجد الضرار ، جاءوا خمسة نفر منهم معتب بن قشير ، وثعلبة بن حاطب . وحذام بن خالد . وأبو حبيبة بن الأزعر وعبد الله بن نبتل بن الحارث . فقالوا : يا رسول الله إنا رسل من خلفنا من أصحابنا ، إنا قد بنينا مسجدا لذي القلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ونحن نحب أن تأتينا فتصلي بنا فيه ورسول الله  . يتجهز إلى تبوك قال رسول الله  (إني على جناح سفر وحال شغل ، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا بكم فيه . فلما نزل رسول الله  بذي أوان راجعا من تبوك أتاه خبره وخبر أهله من السماء ) وكانوا إنما بنوه قالوا بينهم يأتينا أبو عامر فيتحدث عندنا فيه فإنه يقول لا أستطيع آتي مسجد بني عمرو بن عوف . إنما أصحاب رسول الله يلحظوننا بأبصارهم . يقول الله تعالى : [وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ] يعني أبا عامر . فدعا رسول الله  عاصم بن عدي العجلاني ومالك بن الدخشم السالمي فقال (انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم حرقاه فخرجا سريعين على أقدامهما حتى أتيا مسجد بني سالم فقال مالك بن الدخشم لعاصم بن عدي أنظرني حين أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه النار . ثم خرجا سريعين يعدوان حتى انتهيا إليه بين المغرب والعشاء وهم فيه وإمامهم يومئذ مجمع بن جارية ، فقال عاصم ما أنسى تشرفهم إلينا كأن آذانهم آذان السرحان . فأحرقناه حتى احترق وكان الذي ثبت فيه من بينهم زيد بن جارية بن عامر حتى احترقت أليته فهدمناه حتى وضعناه بالأرض . وتفرقوا .
    وكان الذين بنوا مسجد الضرار خمسة عشر رجلا : جارية بن عامر بن العطاف - وهو حمار الدار - وابنه مجمع بن جارية وهو إمامهم وابنه زيد بن جارية - والذي احترقت أليته فأبى أن يخرج - وابنه يزيد بن جارية ووديعة بن ثابت ، [ وخذام بن خالد ] ومن داره أخرج وعبد الله بن نبتل ، وبجاد بن عثمان وأبو حبيبة بن الأزعر ومعتب بن قشير ، وعباد بن حنيف وثعلبة بن حاطب .
    قال رسول الله  [زمام خير من خذام وسوط خير من بجاد ]وكان عبد الله بن نبتل - وهو المخبر بخبره - يأتي رسول الله  فيسمع حديثه ثم يأتي به المنافقين فقال جبريل عليه السلام : يا محمد إن رجلا من المنافقين يأتيك فيسمع حديثك ، ثم يذهب به إلى المنافقين قال رسول الله  أيهم هو ؟ قال الرجل الأسود ذو الشعر الكثير الأحمر العينين كأنهما قدران من صفر كبده كبد حمار فينظر بعين شيطان .
    وكان عاصم بن عدي يخبر يقول كنا نتجهز إلى تبوك مع النبي فرأيت عبد الله بن نبتل ، وثعلبة بن حاطب قائمين على مسجد الضرار ، وهما يصلحان ميزابا قد فرغا منه فقالا . يا عاصم إن رسول الله  قد وعدنا أن يصلي فيه إذا رجع . فقلت في نفسي : والله ما بنى هذا المسجد إلا منافق معروف بالنفاق أسسه أبو حبيبة بن الأزعر وأخرج من دار خذام بن خالد . ووديعة بن ثابت في هؤلاء النفر -والمسجد الذي بنى رسول الله  بيده يؤسسه جبريل عليه السلام يؤم به البيت- فوالله ما رجعنا من سفرنا حتى نزل القرآن بذمه وذم أهله الذين جمعوا في بنائه وأعانوا فيه [والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ]إلى قوله [يحب المطهرين ] قالوا . كانوا يستنجون بالماء . [لمسجد أسس على التقوى ] قال يعني مسجد بني عمرو بن عوف بقباء ويقال عنى مسجد النبي  بالمدينة قال وقال النبي  نعم الرجل منهم عويم بن ساعدة وقيل لعاصم بن عدي ولم أرادوا بناءه ؟ قال كانوا يجتمعون في مسجدنا . فإنما هم يتناجون فيما بينهم ويلتفت بعضهم إلى بعض فيلحظهم المسلمون بأبصارهم فشق ذلك عليهم وأرادوا مسجدا يكونون فيه لا يغشاهم فيه إلا من يريدون ممن هو على مثل رأيهم فكان أبو عامر يقول لا أقدر أن أدخل مربدكم هذا وذاك أن أصحاب محمد يلحظونني وينالون مني ما أكره . [ قالوا : ] نحن نبني مسجدا تتحدث فيه عندنا [87].
    ومن خلال هذا العرض القصصي عن مسجد الضرار وما أخبر القرآن عنه، نجد أن بناء المسجد كان يراد منه خرق الجانب الأمني في المجتمع، وأنه ما قام إلا على الأسس التالية:
    1)    المضرة بالمسلمين .
    2)    الكفر والكيد للإسلام
    3)    التفريق بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
    4)    وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ.
    5)    وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.
    6)    إستغلال الجانب الاجتماعي: وقد أشار عدد من المفسرين إلى هذا الجانب فقد قال ابن العربي المالكي: {وتفريقا بين المؤمنين } : (يعني أنهم كانوا جماعة واحدة في مسجد واحد , فأرادوا أن يفرقوا شملهم في الطاعة , وينفردوا عنهم للكفر والمعصية , وهذا يدلك على أن المقصد الأكثر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب , والكلمة على الطاعة , وعقد الذمام والحرمة بفعل الديانة , حتى يقع الأنس بالمخالطة ; وتصفو القلوب من وضر الأحقاد والحسادة )[88].
    ومبدأ التخطيط وتحين الفرص عند أهل الضرار بين المعالم، كما قال القرطبي عند معنى كلمة (الإرصاد) والتي هي بمعنى:الانتظار; تقول: أرصدت كذا إذا أعددته مرتقبا له به. قال أبو زيد: يقال رصدته وأرصدته في الخير, وأرصدت له في الشر. وقال ابن الأعرابي: لا يقال إلا أرصدت, ومعناه ارتقبت[89].
    وقصة مسجد الضرار قصة بارزة في غزوة تبوك ، لذلك أفرد المنافقون الذين قاموا بها من بين سائر المنافقين ، وخصص لهم حديث مستقل بعد انتهاء الاستعراض العام لطوائف الناس في المجتمع المسلم حينذاك . .
    فهذا هو مسجد الضرار الذي أمر اللّه رسوله  ألا يقوم فيه ، وأن يقوم في المسجد الأول - مسجد قباء - الذي أقيم على التقوى من أول يوم ، والذي يضم رجالاً يحبون أن يتطهروا .  واللّه يحب المطهرين. . هذا المسجد - مسجد الضرار - الذي اتخذ على عهد رسول اللّه  مكيدة للإسلام والمسلمين ، لا يراد به إلا الإضرار بالمسلمين ، وإلا الكفر باللّه ، وإلا ستر المتآمرين على الجماعة المسلمة ، الكائدين لها في الظلام ، وإلا التعاون مع أعداء هذا الدين على الكيد له تحت ستار الدين . .
    هذا المسجد ما يزال يتخذ في صور شتى تلائم ارتقاء الوسائل الخبيثة التي يتخذها أعداء هذا الدين . تتخذ في صورة نشاط ظاهره للإسلام وباطنه لسحق الإسلام ، أو تشويهه وتمويهه وتمييعه ! وتتخذ في صورة أوضاع ترفع لافتة الدين عليها لتتترس وراءها وهي ترمي هذا الدين ! وتتخذ في صورة تشكيلات وتنظيمات وكتب وبحوث تتحدث عن الإسلام لتخدر القلقين الذين يرون الإسلام يذبح ويمحق ، فتخدرهم هذه التشكيلات وتلك الكتب إلى أن الإسلام بخير لا خوف عليه ولا قلق ! . . . وتتخذ في صور شتى كثيرة . .
    ومن أجل مساجد الضرار الكثيرة هذه يتحتم كشفها وإنزال اللافتات الخادعة عنها ؛ وبيان حقيقتها للناس وما تخفيه وراءها . ولنا أسوة في كشف مسجد الضرار على عهد رسول اللّه  بذلك البيان القوي الصريح:
    والتعبير القرآني الفريد يرسم هنا صورة حافلة بالحركة ، تنبئ عن مصير كل مسجد ضرار يقام إلى جوار مسجد التقوى ، ويراد به ما أريد بمسجد الضرار ؛ وتكشف عن نهاية كل محاولة خادعة تخفي وراءها نية خبيثة ؛ وتطمئن العاملين المتطهرين من كل كيد يراد بهم ، مهما لبس أصحابه مسوح المصلحين:
    فلنقف نتطلع لحظة إلى بناء التقوى الراسي الراسخ المطمئن . . ثم لنتطلع بعد إلى الجانب الآخر ! لنشهد الحركة السريعة العنيفة في بناء الضرار . . إنه قائم على شفا جرف هار . . قائم على حافة جرف منهار . . قائم على تربة مخلخلة مستعدة للانهيار . . إننا نبصره اللحظة يتأرجح ويتزحلق وينزلق ! . . إنه ينهار ! إنه ينزلق ! إنه يهوي ! إن الهوة تلتهمه ! يا للهول ! إنها نار جهنم . .  واللّه لا يهدي القوم الظالمين  . . الكافرين المشركين . الذين بنوا هذه البنية ليكيدوا بها هذا الدين !
    إنه مشهد عجيب ، حافل بالحركة المثيرة ترسمه وتحركه بضع كلمات ! . . ذلك ليطمئن دعاة الحق على مصير دعوتهم ، في مواجهة دعوات الكيد والكفر والنفاق ! وليطمئن البناة على أساس من التقوى كلما واجهوا البناة على الكيد والضرار !
    ومشهد آخر يرسمه التعبير القرآني الفريد لآثار مسجد الضرار في نفوس بُناته الأشرار ؛ وبناة كل مساجد الضرار: [لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ، إلا أن تقطع قلوبهم ، واللّه عليم حكيم] لقد انهار الجرف المنهار . انهار ببناء الضرار الذي أقيم عليه . انهار به في نار جهنم وبئس القرار ! ولكن ركام البناء بقي في قلوب بناته . بقي فيها  ريبة  وشكا وقلقا وحيرة . وسيبقى كذلك لا يدع تلك القلوب تطمئن أو تثبت أو تستقر . إلا أن تتقطع وتسقط هي الأخرى من الصدور !
    وإن صورة البناء المنهار لهي صورة الريبة والقلق وعدم الاستقرار . . تلك صورة مادية وهذه صورة شعورية . . وهما تتقابلان في اللوحة الفنية العجيبة التي يرسمها التعبير القرآني الفريد . وتتقابلان في الواقع البشري المتكرر في كل زمان . فما يزال صاحب الكيد الخادع مزعزع العقيدة ، حائر الوجدان ، لا يطمئن ولا يستقر ، وهو من انكشاف ستره في قلق دائم ، وريبة لا طمأنينة معها ولا استقرار .
    وهذا هو الإعجاز الذي يرسم الواقع النفسي بريشة الجمال الفني ، في مثل هذا التناسق ؛ بمثل هذا اليسر في التعبير والتصوير على السواء . .
    وتبقي وراء ذلك كله حكمة المنهج القرآني في كشف مسجد الضرار وأهله ؛ وفي تصنيف المجتمع إلى تلك المستويات الإيمانية الواضحة ؛ وفي كشف الطريق للحركة الإسلامية ، ورسم طبيعة المجال الذي تتحرك فيه من كل جوانبه . .
    لقد كان القرآن الكريم يعمل في قيادة المجتمع المسلم ، وفي توجيهه ، وفي توعيته ، وفي إعداده لمهمته الضخمة . . ولن يفهم هذا القرآن إلا وهو يدرس في مجاله الحركي الهائل ؛ ولن يفهمه إلا أناس يتحركون به مثل هذه الحركة الضخمة في مثل هذا المجال [90].


    المبحث الخامس: من أبرز الوسائل في تفعيل دور المسجد في تحقيق الأمن.

    إن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا كمبدأ المساواة ومبدأ المحبة والتناصر ومساعدة الملهوف وسد رمق المحتاج وغيرها كثير من مبادئ السامية الفاضلة، فهذه وغيرها تنطلق أصلاً من المسجد، وذلك من خلال إجتماع المسلمين في اليوم والليلة خمس مرات على شريعة ينادى عليها بصوت عال وبتنصيص عليها (حي على الصلاة).
    ويمكن حصر الأدوار الرئيسية التي للمسجد في حياة الناس بالوظائف الصلاص التالية: وظيفة تعبدية، ووظيفة توجيهية، ووظيفة اجتماعية، وسوف أشير إلى الوظيفة الأولى بشيء من الايجاز، وأما الوظيفتان الأخريتان فيمكن التفصيل فيهما وضرب الأمثلة، مع التأكيد على الجانب الواقعي من خلال مسجد إسكان القوات الجوية والذي أتولى إمامته، وقام بفضل من الله وتوفيقه بدور هام في الجانب الأمن الاجتماعي.
    إن الوظيفة التعبدية التي يقوم بها المسجد هي الوظيفة الأساسية وليست الوحيدة، فما أقيمت المساجد إلا لإقامة ذكر الله وتلاوة القرآن وفيه تسمو النفوس وتطمأن، ومما ثبت في صحيح مسلم في قصة بول الأعرابي في المسجد والذي يريه أَنَس بْنُ مَالِكٍ قَالَ (بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ  مَهْ مَهْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ..) (صحيح مسلم-كتاب الطهارة-باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات) فهو تحديد دقيق للجانب التعبدي فكانت المساجد محل نزول الملائكة الكرام وتنزل السكينة ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) سنن أبي داود-كتاب الصلاة-باب في ثواب قراءة القرآن).
    أما وظيفتي التوجيهية والاجتماعية، فقد سن النبي  منهجاً واضحاً لمن يرغب أن يسلكه من عباد الله تعالى في هذا الجانب فعَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ  فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ  لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ  يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)[91].
    مبدأ إجتماعي أصيل ينداى للصلاة، إجتمع الناس وحضرو فكانت القضية من المسلمين من أصابتهم الفاقة والفقر يجب أن يقف الناس معهم، فكانت النتيجة (كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ) بدأت المسألة في المسجد وانتهت في المسجد.
    وأما الجانب التوجيهي فخطب الجمع ومكان الإفتاء والوعظ والإرشاد من الأدوار المميزة للمسجد في حياة المسلمين فكانت قضية الإفك للصحابة الطاهرة والمطهرة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما قد تناولها المسجد بدوره التوجيهي كما في حديث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أنها قالت:...فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ  مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَاللَّهِ أَعْذُرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا وَرَسُولُ اللَّهِ  عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ)[92].
    وفي الجوانب التوجيهية حَدَّثَنَا أن عَائِشَة قَالَت أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِي فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ  ذَكَّرْتُهُ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ  ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ  عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ)[93].
    وحينما يرغب بسلوك غير هدي سيد المرسلين، وإظهار فكر غريب على الكتاب والسنة، وأول من ينتظر منه الدور الريادي والأساسي المسجد، ولما وقع في حياة النبي  بوادر من  هذا كما في حديث عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: صَنَعَ النَّبِيُّ  شَيْئًا تَرَخَّصَ فِيهِ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ  فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَاللَّهِ إِنِّي أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً)[94].
    وبنفس المنهج والدور الريادي للمسجد فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ  سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ  عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا آكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)[95].
    ويمكن تنفيذ هذه الأدوار الرئيسية للمسجد، ومن خلال التجربة في مسجد إسكان القوات الجوي بقاعدة الرياض الجوية، بالبرامج التالية:
    أولاً) البرامج التعبدية:
    إقامة موائد الإفطار الرمضانية للعمالة واستغلالها في الدعوة: ويأتي ترغيب الناس بحديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) (سنن الترمذي-كتاب الصوم-باب ما جاء في فضل من فطر صائما. وقَالَ الترمذي:هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ). كما يجب أن ينطلق التوجيه من خلال وجبة الإفطار الجماعي وإحساس العمالة أنهم إخوة لنا في العقيدة والدين وبيان ما يجب عليهم من أمور عقائدية وأحكام تعبدية.
    إقامة موائد الإفطار في الأيام المباركة لجماعة المسجد كمثل يوم عاشوراء أو يوم عرفة ...الخ: لقد حرصت الشريعة الإسلامية أن يجتمع المسلمون في مشاربهم ومآكلهم وقد أشارت إليها الآيات القرآنية قال تعالى [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ][96].
    وأورد ابن إسحاق في السير أثناء حفر الخندق أن ابنة لبشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قالت دعتني أمي عمرة بنت رواحة ، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ، ثم قالت أي بنية . اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما ، قالت فأخذتها ، فانطلقت بها ، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي ، فقال تعالي يا بنية ما هذا معك ؟ قالت فقلت : يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه قال هاتيه قالت فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأتهما ، ثم أمر بثوب فبسط له ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب ثم قال لإنسان عنده اصرخ في أهل الخندق : أن هلم إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب[97].
    إقامة موائد السحور للمعكتفين في شهر رمضان.
    إقامة حلق تحفيظ القرآن الكريم: وقد ورد في حديث عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)[98]. قَالَ وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي وهو من خيار التابعين وأحد رواة الحديث فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ قَالَ وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا.
    قال ابن حجر في الفتح: وَلِلسَّرَخْسِيِّ " أَوْ عَلَّمَهُ " وَهِيَ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ , وَكَذَا لِأَحْمَد عَنْ غُنْدَر عَنْ شُعْبَة وَزَادَ فِي أَوَّله " إِنَّ " وَأَكْثَر الرُّوَاة عَنْ شُعْبَة يَقُولُونَهُ بِالْوَاوِ , وَكَذَا وَقَعَ عِنْد أَحْمَد عَنْ بَهْز وَعِنْد أَبِي دَاوُدَ عَنْ حَفْص بْن عُمَر كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَة وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَلِيّ وَهِيَ أَظْهَر مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الَّتِي بِأَوْ تَقْتَضِي إِثْبَات الْخَيْرِيَّة الْمَذْكُورَة لِمَنْ فَعَلَ أَحَد الْأَمْرَيْنِ فَيَلْزَم أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآن وَلَوْ لَمْ يُعَلِّمهُ غَيْره أَنْ يَكُون خَيْرًا مِمَّنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمهُ , وَلَا يُقَال يَلْزَم عَلَى رِوَايَة الْوَاو أَيْضًا أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ غَيْره أَنْ يَكُون أَفْضَل مِمَّنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ مِنْ غَيْر أَنْ يَتَعَلَّمهُ وَلَمْ يُعَلِّمهُ غَيْره , لِأَنَّا نَقُول يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْخَيْرِيَّةِ مِنْ جِهَة حُصُول التَّعْلِيم بَعْد الْعِلْم , وَالَّذِي يُعَلِّم غَيْره يَحْصُل لَهُ النَّفْع الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ مَنْ يَعْمَل فَقَطْ , بَلْ مِنْ أَشْرَفِ الْعَمَل تَعْلِيم الْغَيْر , فَمُعَلِّم غَيْره يَسْتَلْزِم أَنْ يَكُون تَعَلَّمَهُ , وَتَعْلِيمُهُ لِغَيْرِهِ عَمَلٌ وَتَحْصِيل نَفْعٍ مُتَعَدٍّ , وَلَا يُقَال لَوْ كَانَ الْمَعْنَى حَوْل النَّفْع الْمُتَعَدِّي لَاشْتَرَكَ كُلّ مَنْ عَلَّمَ غَيْره عِلْمًا مَا فِي ذَلِكَ , لِأَنَّا نَقُول الْقُرْآن أَشْرَف الْعُلُوم فَيَكُون مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ لِغَيْرِهِ أَشْرَف مِمَّنْ تَعَلَّمَ غَيْر الْقُرْآن وَإِنْ عَلَّمَهُ فَيَثْبُت الْمُدَّعَى . وَلَا شَكّ أَنَّ الْجَامِع بَيْن تَعَلُّم الْقُرْآن وَتَعْلِيمه مُكَمِّل لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ جَامِع بَيْن النَّفْع الْقَاصِر وَالنَّفْع الْمُتَعَدِّي وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَل , وَهُوَ مِنْ جُمْلَة مَنْ عَنَى سُبْحَانه وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ : ( وَمَنْ أَحْسَن قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّه وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) وَالدُّعَاء إِلَى اللَّه يَقَع بِأُمُورٍ شَتَّى مِنْ جُمْلَتهَا تَعْلِيم الْقُرْآن وَهُوَ أَشْرَف الْجَمِيع , وَعَكْسه الْكَافِر الْمَانِع لِغَيْرِهِ مِنْ الْإِسْلَام كَمَا قَالَ تَعَالَى ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا ) فَإِنْ قِيلَ : فَيَلْزَم عَلَى هَذَا أَنْ يَكُون الْمُقْرِئ أَفْضَل مِنْ الْفَقِيه قُلْنَا : لَا , لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا فُقَهَاء النُّفُوس لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْل اللِّسَان فَكَانُوا يَدْرُونَ مَعَانِي الْقُرْآن بِالسَّلِيقَةِ أَكْثَر مِمَّا يَدْرِيهَا مَنْ بَعْدهمْ بِالِاكْتِسَابِ , فَكَانَ الْفِقْه لَهُمْ سَجِيَّة , فَمَنْ كَانَ فِي مِثْل شَأْنهمْ شَارَكَهُمْ فِي ذَلِكَ , لَا مَنْ كَانَ قَارِئًا أَوْ مُقْرِئًا مَحْضًا لَا يَفْهَم شَيْئًا مِنْ مَعَانِي مَا يَقْرَؤُهُ أَوْ يُقْرِئهُ . فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَم أَنْ يَكُون الْمُقْرِئ أَفْضَل مِمَّنْ هُوَ أَعْظَم غِنَاء فِي الْإِسْلَام بِالْمُجَاهَدَةِ وَالرِّبَاط وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مَثَلًا , قُلْنَا حَرْف الْمَسْأَلَة يَدُور عَلَى النَّفْع الْمُتَعَدِّي فَمَنْ كَانَ حُصُوله عِنْده أَكْثَر كَانَ أَفْضَل , فَلَعَلَّ " مِنْ " مُضْمَرَة فِي الْخَبَر , وَلَا بُدّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ مُرَاعَاة الْإِخْلَاص فِي كُلّ صِنْفٍ مِنْهُمْ . وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْخَيْرِيَّة وَإِنْ أُطْلِقَتْ لَكِنَّهَا مُقَيَّدَة بِنَاسٍ مَخْصُوصِينَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ كَانَ اللَّائِق بِحَالِهِمْ ذَلِكَ , أَوْ الْمُرَاد خَيْر الْمُتَعَلِّمِينَ مَنْ يُعَلِّم غَيْره لَا مَنْ يَقْتَصِر عَلَى نَفْسه , أَوْ الْمُرَاد مُرَاعَاة الْحَيْثِيَّة لِأَنَّ الْقُرْآن خَيْر الْكَلَام فَمُتَعَلِّمه خَيْر مِنْ مُتَعَلِّم غَيْره بِالنِّسْبَةِ إِلَى خَيْرِيَّة الْقُرْآن , وَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ مَخْصُوص بِمَنْ عَلَّمَ وَتَعَلَّمَ بِحَيْثُ يَكُون قَدْ عَلِمَ مَا يَجِب عَلَيْهِ عَيْنًا )[99].
    توفير المصاحف والعناية بها: وهذا من تمام تعلم القرآن وتعليمه.
    إقامة رحلة جماعية لأهل المسجد لأداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف، تحقيقاً لقول النبي  (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ)[100].
    تطييب المسجد وتنظيفة، فقد روى الترمذي ( أَمَرَ النَّبِيُّ  بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَإِنَّ تُنُظِّفَ, وَتُطُيِّبَ) - وَالْمُرَادُ تَنْظِيفُهَا مِنْ الْوَسَخِ وَالدَّنَسِ وَالنَّتْنِ وَالتُّرَابِ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ التَّطْيِيبُ عَلَى التَّجْمِيرِ فِي الْمَسْجِدِ . قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ : قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ : وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ بِالْبَخُورِ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ كَرِهَهُ , فَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُجَمِّرُ الْمَسْجِدَ إِذَا قَعَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ , وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ السَّلَفِ التَّخْلِيقَ بِالزَّعْفَرَانِ وَالطِّيبِ ..وَقَالَ الشَّعْبِيُّ هُوَ سُنَّةٌ [101].
    إلقاء الكلمات الوعظية المرتجلة بعد الصلوات المفروضة: عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ  يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)[102].
    إقامة المحاضرات الأسبوعية أو الشهرية أو الفصلية، والتي تتناول التذكير بالآخرة وما أعد الله للمتقين فيها، ولذا كان منهج النبي  يتخولهم بالموعظة، وقد يطيل في بعضها كما في حديث أَنَس بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ فَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ مَنْ أَبِي قَالَ أَبُوكَ حُذَافَةُ ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ سَلُونِي فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ)[103].
                         إلقاء الدروس العلمية بعد صلاة العصر أو بين الأذان والإقامة في صلاة العشاء ، أو بين المغرب والعشاء: ويمكن أن نفهم أن هذا هو المنهج النبوي كما في حديث أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ  الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ  فِيهَا فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ[104].
    وكذلك من حديث جبريل والذي فيه كَانَ النَّبِيُّ  بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الْإِيمَانُ قَالَ الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الْإِسْلَامُ قَالَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّهَا وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ  إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الْآيَةَ ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ رُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ[105].
                         ترتيب زيارة المقابر: فيتم تنسيق زيارة يوم معين في الأسبوع لزيارة أحد المقابر القريبة والوقوف على القبر وتذكيرهم بأحوال الآخرة، كما جاء في التوجيه النبوي الشريف (زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ)[106].
                         وضع الملصقات التي فيها العبر والتذكير كمثل فتاوى العلماء أو الصور –غير ذوات الأرواح- المؤثرة وتؤدي رسائل تذكير وتحذير.

    ثانياً) الجوانب التوجيهية:
    صندوق ( خذ نسختك ) ، ويوضع فيه بعض الكتب والمطويات والأشرطة المخصصة للتوزيع . ويتم حصر الموضوعات التي تناسب الجميع.
    إقامة حوار مع جماعة المسجد عن مشاكل المنطقة السكنية، وطرح أبرز الحلول ورفعها للمسؤولين في الإسكان: لقد تناثرت في كتب السنة والسيرة النبوية أحاديث عدة تدل على منهجية النبي  في تبليغ الدين وتوضيح معالمه بطريقة الحوار، وأن يكون ميدان هذا الحوار هو المسجد، فمن ذلك حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ :بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ  فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ وَالنَّبِيُّ  مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْنَا هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ  قَدْ أَجَبْتُكَ فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ  إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ فَقَالَ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ  اللَّهُمَّ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ) وهذه محاورة فردية بين الرسول  وبين ضمام بن ثعلبة، وهناك محاورة جماعية فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  وَذَهَبَ وَاحِدٌ قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ  قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ)[107].
    تبصير المصلين بما يقع في المجتمع من مخالفات عقائدية أو مالية: من خلال خطب الجمع والكلمات المختصرة المفيدة: ومن أبرز ما يستند إليه في هذا الجانب ما روته فاطمة بنت قيس فتقول: سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ  يُنَادِي الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ  صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ..) ثم روى عليه الصلاة والسلام ما وقع لتميم وأصحابه من لقاء الدجال، وهو من أمور العقائد[108].
    إعداد المكتبة العلمية العامة في المسجد ، ويدعى أهل الخير لتوقيف الكتب عليها .
    إعداد المسابقات الثقافية الأسرية والشبابية والأطفال من أهالي المسجد ، خاصة في الإجازات: وكان من هديه  طرح المسألة للصحابة رضي الله عنهم كما في حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ النَّخْلَة)[109].
    القراءة من كتاب على جماعة المسجد: ويختار من الكتب ما يمكن أن يحقق السكينة والطمأنينة في نفوسهم.
    إيجاد صندوق في المسجد لوضع المقترحات والأسئلة وغيرها: فمن المهم أن تكون الموضوعات المدرجة ضمن أحاديث المسجد أو خطب الجمع تناسب وتهم المستمع كما ثبت في الحديث: (أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ  فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى ذَلِكَ قَالَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ)[110]. قال ابن حجر: وَفِي الْحَدِيث ضَرَبَ الْمَثَل , وَتَشْبِيه الْمَجْهُول بِالْمَعْلُومِ تَقْرِيبًا لِفَهْمِ السَّائِل.
    تشجيع أصحاب المواهب من جماعة المسجد والاهتمام بهم والاستفادة منهم في الدعوة في الحيّ، وبخاصة مرحلة الشباب: وقد ثبت في صحيح البخاري: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ  يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ)[111].
    زيارة المتخلفين عن أداء صلاة الجماعة من جيران المسجد: وكان من هديه تتبع الناس ودراسة أسباب تخلفهم فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ] -إِلَى آخِرِ الْآيَةِ-جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهِ وَقَالَ أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَاحْتَبَسَ عَنْ النَّبِيِّ  فَسَأَلَ النَّبِيُّ  سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرٍو مَا شَأْنُ ثَابِتٍ اشْتَكَى قَالَ سَعْدٌ إِنَّهُ لَجَارِي وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى قَالَ فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ  فَقَالَ ثَابِتٌ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ  فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)[112].
          إعداد لوحة في المسجد ، يوضع عليها فوائد وفتاوى وإعلانات المحاضرات والدروس ، والاهتمام بتطويرها وتجديدها ، ودعوة جماعة المسجد للمشاركة فيها.
    نشر فتاوى أهل العلم بين جماعة المسجد: وبخاصة الفتاوى التي تنص على المناسبات كمثل فضائل عشر ذي الحجة، صيام يوم عاشوراء، أداء الزكاة..الخ.
          النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحي تجاه المنكرات المتفشية الظاهرة: فمن رسائل المسجد وترغيب الناس أمرهم بالخير والدعوة إليه ونهيهم عن الشر وتحذيرهم منه وكل هذا بالحسنى، وتحدث عائشة عن نفسها، قَالَتْ لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ  فِيَّ خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَأَبَنُوا بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَلَا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي)[113].
    ويصور الرسول  المجتمع بالسفينة فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)[114].
    التأكيد على أهل الحي ، وتحريضهم على إحضار أبنائهم للصلاة والاستمرار عليها، وذلك تنفيذاً لتوجيه الرسول  بقوله: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)[115].
    وقال النووي رحمه الله تعالى: (قَالَ الْعُلَمَاء : الرَّاعِي هُوَ الْحَافِظ الْمُؤْتَمَن الْمُلْتَزِم صَلَاح مَا قَامَ عَلَيْهِ , وَمَا هُوَ تَحْت نَظَره , فَفِيهِ أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ تَحْت نَظَره شَيْء فَهُوَ مُطَالَب بِالْعَدْلِ فِيهِ , وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِ فِي دِينه وَدُنْيَاهُ وَمُتَعَلِّقَاته)[116].
          حث رب الأسرة على تفقيه أسرته ، والاستعانة بأبنائه إذا كان غير متعلم ، وسؤال الإمام عما يشكل عليه .
          تفعيل دور خطبة العيد، والاستفادة من الأفكار التي تطرح لبيان ما يلزم للناس من أمور دينهم ودنياهم، وإبلاغ الناس بمكان الخطبة .
          حث الطلبة الجامعيين على الدعوة إلى الله ، لاسيما إذا كانوا مقتدرين بالعلم الشرعي، والاستفادة منهم في أنشطة المسجد .
          غرس محبة المسجد في نفوس أطفال الحي والصغار ، بتوفير أنشطة مختلفة ، وحث المصلين على الصبر على أخطاء الصغار في المسجد ، وعلى استخدام اللين والرفق مع المخطئ منهم: وفي المسند عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ)[117].
          الاستفادة من الأشرطة القديمة، بوضعها في مكتبة المسجد للإعارة .
          دعوة العلماء لإلقاء كلمة في المسجد ، وتهيئة أسئلة ليستفيد جماعة المسجد من أجوبتها ، أو جعله حوارا ً مفتوحا ً منهم مع الشيخ.
          اغتنام فرصة التوجيه عن طريق الحديث التي تمس المجتمع وبيان الأسلوب الشرعي فيما يجب أن يتخذ، وكان منهج  في دعوته استثمار الفرص، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ  سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ  أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)[118].
          دعوة أهل الحي للمشاركة في المجلات الإسلامية .
          تجهيز بعض الملصقات الحائطية للاستفادة منها في دعوة الناس في المناسبات وفضائل الأعمال الحولية ( قدوم رمضان ، الحج ، نهاية العام .. إلخ )
    ثالثا) الجانب الاجتماعي:
    تلمّس أحوال جماعة المسجد ، ومعرفة الفقراء والمساكين ، ونقل أحوالهم للأغنياء والمؤسسات الخيرية ؛ ليساعدوهم: وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ  فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قَالَ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ فَقَالَ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ)[119].
    السعي في الإصلاح بين الناس وجمع القلوب ، والاستعانة بكبار السن من جماعة المسجد: وكان سبب قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}[120].
    عن مجاهد قال: كان جماع قبائل الأنصار بطنين الأوس والخزرج , وكان بينهما في الجاهلية حرب. ودماء وشنآن, حتى من الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم, فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم, وألف بينهم بالإسلام قال: فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان, ومعهما يهودي جالس, فلم يزل يذكرهما أيامهما والعداوة التي كانت بينهم, حتى استبا, ثم اقتتلا. قال: فنادى هذا قومه, وهذا قومه, فخرجوا بالسلاح, وصف بعضهم لبعض. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد يومئذ بالمدينة, فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ليسكنهم, حتى رجعوا ووضعوا السلاح, فأنزل الله عز وجل القرآن في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب}[121].
    إقامة إمام المسجد لقاء دوريا ً أسبوعيا ً مع جماعة المسجد في البيوت ، ويحرص على حضوره، ويتم فيها تناقش أمور وأحوال المسجد وأبناء أهل الحي، ويتجاذبون أطراف الأحاديث الودية.
    إرسال هدية لجيران المسجد في المناسبات ، كالأعياد، أو المولود الجديد،..الخ
    اجتماع شهري لمجموعة من الخطباء تجمعهم المنطقة أو الحيّ أو الزمالة ؛ لتبادل الآراء ، وتطوير مستوى الخطبة، ومناقشة أبرز الوسائل النافعة لتوعية الناس، وأن يكون هذا الاجتماع منطلق من الدور الريادي التي تقوم به أقسام الشؤون الدينية بالقوات الجوية.
    وضع خطة دعوية تربوية سنوية أو فصلية ، وتهيئة المصلين للتفاعل معها إعداداً وتنفيذاً. وشجع رسول الله  استخدام الوسائل المتاحة آنذاك لتوضيح المعاني والدروس سواء كانت بصرية او سمعية, ومن أمثلة ذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَّ النَّبِيُّ  خَطًّا مُرَبَّعًا وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقَالَ هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا)[122].
    إهداء هدية للأطفال الصغار المرتادين للمسجد ؛ لتحبيبهم في المسجد، أو تفوقهم في حفظ القرآن الكريم أو السنن النبوية الصحيحة.
    حث المصلين على تعاهد المعتكفين وقضاء حوائجهم وتيسير أمورهم .
    المشاركة الفعّالة في هموم الأسر وجيران المسجد ، بإقامة حفل مصغر في المسجد للطلاب الناجحين ودروس تقوية للمصلين وغيرهم . (فإذا كان دور المسجد هو جمع الأمة على مستوى تقسيماتها لعبادة اللَّه تعالى في أهم عبادة افترضت عليها وهي الصلاة: «الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقامه ومن تركها فقد هدمه» حديث شريف، فإن للمسجد رسالة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية، ولكن ليقوم المسجد بهذه الرسالة ولتأديتها على أكمل وجه، فإن دور إمام المسجد هو الفيصل في ذلك، فإذا وجد إمام يتمتع بالصفات والشروط المطلوبة من علم وحكمة وحسن دراية وتصرف نشط المسجد وكان فعالاً. وإذا كان إمام المسجد تنقصه بعض الصفات والشروط فإن دور المسجد يتعثر)[123].
    إقامة حفل معايدة لأهل الحي بجوار المسجد ، يُدعى لها الجاليات المسلمة ؛ لتخفيف وحشتهم في العيد يبُعدهم عن أهليهم .
    تنادي المختصين لمعالجة المشكلات الدائمة في كل مسجد ، والخروج بحلول تناسب جماعة المسجد ، مثل : ( مشكلة عزوف فئة الشباب عن ارتياد المساجد ).
    إن هذه المقترحات والتوصيات من أجل أن يستمر المسجد في التطور والنمو جيلا بعد جيل ليؤدي مهامه في صناعة الحياة ليصبح جامعات ومنارات علمية وفكرية رائدة, والأمثلة كثيرة نذكر بعضها مثل جوامع الألف -وسميت كذلك لأنه مضى على تأسيسها أكثر من ألف عام- مثل جامع عمرو بن العاص قلب الفسطاط الفكري ومهد الحركة العلمية في مصر والذي كان يشهد مئات الزوايا العلمية, والجامع الأموي في دمشق وجامع المنصور ببغداد, وجامع القرويين في فاس بالمغرب الذي امتاز بالنظام التعليمي الجامعي وديموقراطية التعليم وطرق التدريس فيه فكان له شروط دقيقة للتعيين ووظائف التدريس وتخصيص كراسي الأستاذية والإجازات الفخرية, وكان له مساكن جامعية خاصة للطلبة والأساتذة ومكتبات متخصصة للدارسين الجامعيين فقصدها المسلمون وغير المسلمين من شتى أرجاء العالم وخاصة من أوروبا أمثال القس غربرت دورياق الذي أصبح بابا روما, وكان التدريس يبدأ قبل طلوع الفجر وحتى الواحدة بعد منتصف الليل, أما جامع الزيتونة بتونس فقد أبدع في شتى مجالات العلوم النقلية والعقلية وضمت مكتبته العامرة ما يزيد عن مائتي ألف مجلد, وكذلك كان حال الجامع الأزهر الذي بدأ كغيره كمسجد لإقامة الشعائر التعبدية وسرعان ما أصبح جامعة يدرس فيها العلوم المختلفة وتخرج فيها علماء عمالقة في كل مجالات الحياة.
    واشتركت كل هذه الجامعات العظيمة في تشجيعها لطلبتها على مبدأ المناقشة والمناظرة والتمرس عليها, فأصبح من المألوف إن يخالف الطالب أستاذه في الرأي في إطار الأدب المتعارف عليه, وبهذا أوجدت المدرسة العظيمة التي يطلق عليها بالمسجد -بمفهومه الشامل- أجيالا ستظل معجزة العالم ومفخرته, ولها فضل على كل علوم الدنيا شرعية أو كونية أو إنسانية, حيث كونت أساس النهضة العلمية والصناعية في الغرب[124].




    الخاتمة:
    وبعد هذا التجوال في جنبات دور المسجد في الجانب الأمني يجب أن أقرر حقيقة وهي،أنه أُلحقت بالصلاة في المسجد كثير من العبادات والطاعات المرتبطة بها مثل قراءة القرآن وحفظه، الذكر والتسبيح، حلق العلم ودروس المسجد، وغيرها من النوافل والسنن، والمسلم حين يأتي إلى المسجد طائعاً مولاه يرجو مغفرته ويخاف عذابه إنما يأوي إلى ركن شديد، هو ركن الله العزيز الحميد، فتهدأ نفسه ويسكن فؤاده، ويستشعر رحمات ربه الكريم المجيد، تسري هذه الرحمات في عروقه وأعصابه، فيكون هذا اللقاء الفريد تصحيحاً لما تموج به الحياة من آثار سيئة ومعاصٍ، وتزكية تتكرر كل يوم خمس مرات من أجل سلامة الصدر وطهارة القلب، فلا تزال أجواء المسجد بالمسلم حتى تفيض على إنسانيته إنسانية الطهر والطمأنينة، فيجد في كيانه الروحي الأنس والود، والاعتصام بربه جل وعلا، ومن كل ذلك يأخذ الزاد لفكره، والنور لقلبه، والمدد لإرادته··· كما يقول تبارك وتعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب)[125]. تسبيح، حلق العلم ودروس المسجد، وغيرها من النوافل والسنن·
    وبسبب غياب هذا المفهوم لا يستغرب تزاحم القضايا المالية والاجتماعية والاخلاقية ...الخ على المحاكم الشرعية، وذلك بغياب –تغييب- دور المسجد عن رسالته ودوره في تحقيق الأمن والسلامة للمجتمع، وأختم مباحثي بالنتائج التالية:
    1- الإكثار من بناء المساجد حيث لا تدعو الحاجة إلى بنائها، إن الإكثار من بناء المساجد لغايات وأهداف قد تبدو للبعض حسنة ولكنها بعد التحقيق والتدقيق يظهر فسادها، من شر الآفات التي تقضي على رسالة المسجد ودوره، فاللَّه تعالى أراد المساجد جامعة للناس لا مفرقة لها، وبناء مسجد دون أن تمس الحاجة إليه أمرٌ يفرق الناس عن إمام واحد إلى أكثر، وهذا أمر مرفوض شرعاً. ثم إن الإكثار من بناء المساجد دون حاجة في البلد أو الحي الواحد يؤدي إلى الاستعانة بأئمة لا يتمتعون بالكفاءة العلمية والوعظية ولا بالخبرة العملية وهو ما نراه يحصل اليوم في الكثير من المساجد حيث يؤتى بأحد الناس لسد الثغرة كما يقال، وهو جاهل بالأحكام والفتاوى فيضل ويضل.
    2- الإتيان بأئمة وخطباء لا يتمتعون بالكفاءة العلمية والعملية مما يؤدي إلى الفوضى والتسيب في المساجد، بحيث تصبح محل تنافس وطمع للعديد من الفئات مما يؤدي إلى إبعاد بعض المصلين عن المساجد.
    3- عدم تأمين ما يعين للحياة العلمية والبحثية للعالم أو لإمام المسجد الذي يضطر لصرف وقته أو معظمه لتأمين ما يحتاج من وسائل وكتب بحثيه أو دورات علمية على قدراته الشخصية ، ومن المعروف أن النجاح في أية وظيفة ينبغي التفرغ لها، لا سيما الوظائف والمهام التي تستدعي من القائم بها زيادة علومه ومعارفه بشكل دائم ومستمر، وإمام المسجد أحوج الناس إلى زيادة علومه معارفه، فهو لا ينفك عن كونه طالب علم طوال حياته. فإن لم يكن كذلك أدى ذلك إلى أن تصدر عنه فتاوى أراء لا تتسم بالدقة والصحة، مما يؤدي إلى فساد للأمور وضياع للحقوق.
    4- عدم وجود برامج تثقيف وتعليم للمصلين تتناول كافة نواحي الثقافة التي تساهم في تطوير معارف الجماعة، واقتصار الدروس على الأمور الفقهية والوعظية فقط لا يؤدي الغرض ولا يحقق الغاية من الدور والرسالة.
    5- تقييد رسالة المسجد وفرض رقابة صارمة على أقوال وأفعال الأئمة والمصلين، عبر استخدام جهات أمنية غالباً ما يكونون من الجهلة غير القادرين على فهم وتمييز الحق من الباطل. فيعمدون إلى تشويه الآراء والأفعال في نظر الجهات المسؤولة مما يؤدي إلى قيام صراع قد يكون بدون داعٍ حقيقي، إلا أنه يؤدي إلى اضطراب عمل المسجد وتعطيل دوره.
    6- من الأمور المهمة أن يكون الخطاب الديني في المسجد متفق مع القواعد الشرعية والتي تضبط بضابط الشرع دون التأثير في الواقع السياسي.
    7- سلبية الجماعة تجاه المسجد من الأمور المعطلة لدوره والمضيعة لرسالته، فالمسجد لا يمكن أن ينشط إلا بجماعة المصلين، فإذا أعرض كل مصلّ‏ٍ عن القيام بدوره في التعاون مع بقية الجماعة أدى ذلك تعطيل دور المسجد وتضييع رسالته. ولا يقتصر واجب الفرد على التلبية والاستجابة فقط بل إن واجبه الحث وتحفيز الهمم لدى بقية الجماعة من أجل إحياء وتنشيط الدور والرسالة.
    8- ضرورة إقامة مكتبة تابعة للمسجد ويزود فيها الكتب النافعة والوسائل المفيدة، وتكون مركزاً للحوار وطرح البرامج التي قد لا تتلائم مع مكانة المسجد، وتكون من مهام وتحت إدارة وتوجيه إمام المسجد.
    والله أعلم وأحكم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    Kad20@maktoob.com

    مراجع البحث
               حضارة العرب- غوستاف لوبون.
               الإرهاب الفهم المفروض لإرهاب المرفوض- العميد د:علي بن فايز الجحني.
               الموسوعة الفقهية-6/233-وزارة الأوقاف الكويتية.
               لسان العرب-ابن المنظور- مادة أمن.
               إعلام الموقعين عن رب العالمين-ابن القيم.
               تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير-ابن حجر.
               الموافقات –الشاطبي.
               في ظلال القرآن-سيد قطب-تفسير سورة القصص.
               تفسير آيات الأحكام-القرطبي-تفسير سورة البقرة آية رقم 114.
          تفسير ابن كثير-تفسير سورة التوبة آية رقم 18.
          زاد المعاد-ابن القيم الجوزية.
          صحيح مسلم.
          مجلة العالم الإسلامي-العدد 1821- الإثنين 21 شوال 1424هـ   من موقعها على الشبكة العنكبوتيةhttp://www.muslimworldleague.org).
          صحيح البخاري-.
          سنن أبي داود-
          سنن النسائي-.
          المجموع شرح المهذب-النووي-.
          المغني-ابن قدامه-.
          إعلام الساجد بأحكام المساجد-محمد الزركشي-.
          تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي- المباركفوري.
          مصنف بن أبي شيبة-.
          نيل الأوطار-الشوكاني-.
          مسند الإمام أحمد.
          شرح معاني الآثار-الطحاوي.
          فتح الباري-ابن حجر.
          مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
          المدخل-ابن الحاج.
          طرح التثريب بشرح التقريب.
          السيرة النبوية-ابن هشام.
          تفسير آيات الأحكام-ابن العربي.
          سنن ابن ماجة.
          تفسير الطبري- سورة آل عمران آية رقم 100.
          الوحدة الإسلامية- تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان - السنة الثانية - العدد التاسع عشر -  ربيع الثاني 1424هـ. - حزيران (يونيو) 2003م)
             (المرجع: المسجد ودوره التعليمي عبر العصور من خلال الحلق العلمية لعبدالله الوشلي. (http://saaid.net/arabic/ar18.htm).
    1

    [1] -حضارة العرب- غوستاف لوبون-20-21.
    [2] - الإرهاب الفهم المفروض لإرهاب المرفوض- العميد د:علي بن فايز الجحني-51.
    [3] - انظر:الموسوعة الفقهية-6/233-وزارة الأوقاف الكويتية.
    [4] - لسان العرب-ابن المنظور-13/21 مادة أمن).
    [5] - إعلام الموقعين عن رب العالمين-ابن القيم-4/104-105)
    [6] - لسان العرب-ابن المنظور-13/21 مادة أمن. وانظر: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير-4/351)
    [7] - انظر الموافقات –الشاطبي- 2/10)
    [8] - سورة التوبة آية رقم(37).
    [9] - سورة آل عمران آية رقم (97).
    [10] - سورة العنكبوت آية رقم (67).
    [11] - سورة القصص آية رقم (57).
    [12] - في ظلال القرآن-سيد قطب-تفسير سورة القصص.
    [13] - سورة البقرة- آية رقم(126).
    [14] - في ظلال القرآن-سورة آل عمران.
    [15] - سورة البقرة آية رقم(114).
    [16] - في ظلال القرآن-سيد قطب- تفسير سورة البقرة.
    [17] - تفسير آيات الأحكام-القرطبي-تفسير سورة البقرة آية رقم 114.
    [18] - سورة الأعراف آية رقم (31).
    [19] - تفسير آيات الأحكام-القرطبي-تفسير سورة الأعراف-آية 31.
    [20] - سورة التوبة آية رقم(18).
    [21] - تفسير آيات الأحكام-القرطبي-تفسير سورة التوبة-آية 18).
    [22] - تفسير ابن كثير-تفسير سورة التوبة آية رقم 18).
    [23] - في ظلال القرآن-سيد قطب-تفسير سورة التوبة آية رقم 18).
    [24] - سورة النور آية رقم (36)
    [25] - تفسير آيات الأحكام-القرطبي-تفسير سورة النور-آية رقم 36).
    [26] - سورة الفتح آية رقم (27).
    [27] - سورة التين آية رقم (3 ).
    [28] - سورة البلد آية رقم (1).
    [29] - سورة الحج آية رقم (25).
    [30] - زاد المعاد-ابن القيم الجوزية- 1/47.
    [31] - سورة البقرة آية رقم (125).
    [32] - سورة آل عمران آية رقم (97).
    [33] - سورة البقرة آية رقم (126).
    [34] - سورة التين آية رقم (1- 3).
    [35] - صحيح مسلم-كتاب فضائل الصحابة-باب من فضائل أبي ذر.
    [36] - سورة القصص آية رقم (57).
    [37] - سورة النمل آية رقم (91).
    [38] - مجلة العالم الإسلامي-العدد 1821- الإثنين 21 شوال 1424هـ   من موقعها على الشبكة العنكبوتيةhttp://www.muslimworldleague.org).
    [39] - صحيح البخاري-كتاب العلم-باب ليبلغ الشاهد الغائب.
    [40] - سنن أبي داود-
    [41] - صحيح البخاري-كتاب العلم-باب كتابة العلم.
    [42] - صحيح البخاري-كتاب الجمعة-فضل قيام الليل.
    [43] - صحيح البخاري: كتاب الصلاة: باب نوم الرجل في المسجد.
    [44] - رواه البخاري في صحيحه-كتاب الرقاق-باب كيف كان عيش النبي .
    [45] - صحيح البخاري-كتاب الصلاة-باب نوم الرجل في المسجد.
    [46] - صحيح البخاري-كتاب الصلاة-باب الصلاة في مسجد السوق.
    [47] - سنن النسائي-كتاب الإمامة-باب الجماعة إذا كانوا اثنين.
    [48] - المجموع شرح المهذب-النووي-4/93.
    [49] - المغني-ابن قدامه-2/4-5.
    [50] - صحيح البخاري-كتاب الأذان- باب  فضل مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ.
    [51] - إعلام الساجد بأحكام المساجد-محمد الزركشي-305.
    [52] - صحيح البخاري: كتاب الجمعة-باب الصلاة في كسوف الشمس.
    [53] - المغني-ابن قدامه-2/142-والحديث في الصحيح.
    [54] - رواه الإمام البخاري في صحيحه
    [55] - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي- المباركفوري.
    [56] - مصنف بن أبي شيبة-6/173.
    [57] - نيل الأوطار-الشوكاني-2/189.
    [58] - رواه أحمد في المسند .
    [59] - صحيح البخاري-كتاب بدء الخلق-باب ذكر الملائكة. وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة-باب الشعر في المسجد. وانظر: شرح معاني الآثار-الطحاوي-4/299.
    [60] - شرح معاني الآثار-الطحاوي- 4/298.
    [61] - المجموع شرح المهذب-النووي-2/204-205.
    [62] - فتح الباري-ابن حجر.
    [63] - المجموع شرح المهذب-النووي-6/559.
    [64] - رواه أحمد وابن ماجه وقال : هو بمنزلة الناظر إلى متاع غيره } قال الشوكاني: الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن المقبري عن أبي هريرة فذكره , وحاتم بن إسماعيل قد وثقه ابن سعد وهو صدوق كان يهم , وبقية الإسناد ثقات , وحميد بن صخر هو حميد الطويل الإمام الكبير.انظر:نيل الأوطار-الشوكاني-2/183.
    [65] - المغني-ابن قدامه-3/76.
    [66] - مجموع الفتاوى 25/39.
    [67] - إعلام الساجد بأحكام المساجد-الزركشي-350.
    [68] - مصنف ابن أبي شيبة-8/560.
    [69] - رواه البخاري ومسلم.
    [70] - رواه البخاري ومسلم.
    [71] - البخاري-كتاب الصلاة-باب الصلاة إذا قدم من السفر.
    [72] - فتح الباري شرح صحيح البخاري-ابن حجر
    [73] - المجموع شرح المهذب-النووي-4/284.
    [74] - المدخل-ابن الحاج-2/185.
    [75] - صحيح البخاري-كتاب الحج-باب الدخول بالعشي.
    [76] - صحيح البخاري-كتاب الحج-باب الدخول بالعشي.
    [77] - صحيح البخاري-كتاب الصلاة-باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد.
    [78] - فتح الباري-ابن حجر
    [79] - مصنف بن أبي شيبة2/274.
    [80] - مصنف بن أبي شيبة6/31.
    [81] - شرح معاني الآثار-الطحاوي-4/280.
    [82] - المجموع –النووي-2/205 والحديث رواه البخاري ومسلم .
    [83] - طرح التثريب بشرح التقريب- 8/140.
    [84] - صحيح البخاري- كتاب المناقب-باب ما ينهى من دعوة الجاهلية.
    [85] - سورة التوبة آية رقم(101).
    [86] - سورة التوبة.
    [87] - السيرة النبوية-ابن هشام-4/185.
    [88] - تفسير آيات الأحكام-ابن العربي-2/582.
    [89] - تفسير آيات الأحكام-القرطبي-تفسير سورة التوبة.
    [90] - (في ظلال القرآن-سيد قطب-تفسير سورة التوبة).
    [91] - صحيح مسلم-كتاب الزكاة-باب الحث على الزكاة ولو بشق تمرة أو كلمة.
    [92] - صحيح البخاري-كتاب الشهادات-باب تعديل النساء بعضهن بعضا.
    [93] - صحيح البخاري-كتاب الشروط-باب المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف.
    [94] - صحيح البخاري-كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة-باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو.
    [95] - كتاب النكاح-باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه.
    [96] - سورة الأحزاب-آية رقم (53).
    [97] - السيرة النبوية -ابن هشام-3/233.
    [98] - (صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن –باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
    [99] - فتح الباري شرح صحيح البخاري-ابن حجر.
    [100] - صحيح البخاري-كتاب الحج-باب وجوب العمرة.
    [101] - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي-شرح حديث في كتاب الجمعة-باب ما ذكر في تطييب المساجد.
    [102] - سنن الترمذي-كتاب العلم-باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع. وقَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
    [103] - صحيح البخاري-كتاب مواقيت الصلاة-باب وقت الظهر عند الزوال.
    [104] - كتاب العلم-بَاب لِيُبَلِّغْ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ .
    [105] - صحيح البخاري- كتاب الإيمان-باب سؤال جبريل النبي .
    [106] - سنن ابن ماجة-كتاب ما جاء في الجنائز-باب ما جاء في زيارة القبور.
    [107] - صحيح البخاري-كتاب العلم-من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة.
    [108] - صحيح مسلم-كتاب الفتن-باب قصة الجساسة.
    [109] - صحيح البخاري-كتاب العلم-باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا.
    [110] - صحيح البخاري-كتاب الطلاق-باب إذا عرض بنفي الولد- وانظر الفتح.
    [111] - صحيح البخاري-كتاب النكاح-باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة.
    [112] - صحيح مسلم-كتاب الإيمان-باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله.
    [113] - سنن الترمذي-كتاب تفسير القرآن-باب ومن سورة النور.
    [114] - صحيح البخاري-كتاب الشركة-باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه.
    [115] - صحيح البخاري-كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس-باب العبد راع في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه.
    [116] - النووي-شرح صحيح مسلم .
    [117] - مسند الإمام أحمد بن حنبل.
    [118] - صحيح البخاري-كتاب الأدب-رحمة الولد وتقبيله ومعانقته.
    [119] - صحيح مسلم-كتاب الجنائز-باب الصلاة على القبر.
    [120] - سورة آل عمران آية رقم (100).
    [121] - تفسير الطبري- سورة آل عمران آية رقم 100.
    [122] - صحيح البخاري-كتاب الرقاق-باب في الأمل وطوله.
    [123] - الوحدة الإسلامية- تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان - السنة الثانية - العدد التاسع عشر -  ربيع الثاني 1424هـ. - حزيران (يونيو) 2003م)
    [124] - (المرجع: المسجد ودوره التعليمي عبر العصور من خلال الحلق العلمية لعبدالله الوشلي. (http://saaid.net/arabic/ar18.htm).
    [125] - سورة الرعد آية رقم (82).