-->

صيغ التمويل الإسلامية وتطوير المنتجات (الخدمات) الإسلامية

صيغ التمويل الإسلامية وتطوير المنتجات (الخدمات) الإسلامية
    إعداد
    محمد عمر جاسر
    مستشار – الرقابة الشرعية
    بيت الاستثمار الخليجي، دولة الكويت
    ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر المصارف الإسلامية اليمنية المقام تحت عنوان " الواقع ..وتحديات المستقبل"، تنظيم نادي رجال الأعمال اليمنيين في الفترة 20-21 مارس 2010 صنعاء – الجمهورية العربية اليمنية

    المستخلص:

    تهدف هذه الورقة الى النظر في واقع التطوير وابتكار المنتجات المالية الإسلامية في مواكبة النمو المتسارع في الصناعة المالية الإسلامية من حيث الحفاظ على السلامة الشرعية للمنتج وقدرته على تلبية الحاجة الاقتصادية بكفاءة وفعالية والتأكد من أن التفكير الاسلامي "”Islamic thinking ما زال يحكم العقلية المالية والاقتصادية في المؤسسات المالية الإسلامية ويرشدها في هذه المسيرة، وفي سبيل ذلك، فالمسئولية ملقاة على عاتق المصرفيين والمختصين في المالية الإسلامية لابتكار وتطوير منتجات مالية اسلامية تجمع ما بين المثالية المقاصدية والواقعية العملية.
    و تناقش هذه الورقة مسألتين هامتين ففي القسم الأول تناقش الأسس التي قامت عليها المنتجات المالية الإسلامية وخصائصها التي تميزها عن المنتجات المالية التقليدية، وتتطرق إلى طبيعة وجوهر العقود المالية الإسلامية، والتي بدورها تقوم على تحريم الربا والغرر الفاحش وآثارهما و"مقاصد الشريعة" جراء التحريم التي تشكل بعض خصائص المنتجات المالية الإسلامية.
    أما القسم الثاني في هذه الورقة فسيتطرق إلى واقع المنتجات المالية الإسلامية واستراتيجيات تطويرها.



    مقدمــة:

    على مدى ما يقارب الأربعة عقود، تسعى الصناعة المالية الإسلامية في خطى حثيثة لترسيخ وجودها كنظام مالي واقتصادي بديل عن النظام المالي التقليدي الذي ناهز على شيخوخة تخطت ثلاثة قرون تخللتها أزمات مالية عاصفة أوشكت أحدث حلقاتها أن تودي به إلى حافة الانهيار، رغم المحاولات المستمرة لإنعاشه والابقاء على ديمومته عبر ضخ مزيد من الأموال إلى الاقتصاد وتدخلات حكومية مباشرة تمتلت بإصدار قوانين الإستقرار الاقتصادي“Economic Stabilization Act “ التي وجهت إلى دعامات الاقتصاد الرأسمالي المتمثلة في قطاعات المصارف والتأمين والصناعة، غير أن هذه المحاولات تغدو قاصرة وبمثابة مسكنات ألم طالما أن المعالجة الجذرية لجذور الأزمة المالية الراهنة القائمة على الربا والغرر وآثارهما المدمرة لا يتم الالتفات إليها بعمق وموضوعية.

    وباستعرض سريع للبنوك التي انهارت في الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن في مقدمتها “Lehman Brothers” البنك الاستثماري الذي طالما تشدق مسؤولوه بحصانتهم من الاختلالات والهزات الاقتصادية كنتيجة لصمودهم في الكساد العظيم عام 1929 وقدرتهم على إدارة المخاطر وتقليلها وإيجاد منتجات ومشتقات بديلة”Derivatives” في سبيل التحوط”Hedging” واستغلال التقلبات والمضاربات السعرية الحادة مستفيدين من سيل عارم من التدفقات النقدية العابرة للقارات وتوظيفها في أسواق رأس المال والسلع الدولية مسترشدين بأدبيات الهندسة المالية “Financial Engineering” ، إلا أن هذا التكيف والتأقلم مع الظروف الاقتصادية المتغيرة والشديدة الحساسية لتقلبات أسعار الفائدة لم يمنعها من الانهيار كدليل فعلي على فشل  النظام الرأسمالي الليبرالي كفكر وتطبيق في تحقيق الاستقرار والديمومة.
    وفي المقابل من ذلك أثبت النظام المالي الإسلامي هذه المقدرة والقوة، حيث تشهد فيه الصناعة المالية الإسلامية نمواً سريعا وضخما من حيث عدد المؤسسات والتي وصلت إلى حوالي 430 مؤسسة تعمل في 75 دولة حول العالم، ويبلغ حجم أصولها 822 مليار دولار بمعدل نمو سنوي بلغ حوالي 15% سنوياً، وحجم اصدار الصكوك الإسلامية بلغ 100 مليار دولار في نهاية العام 2009، كما بلغ اجمالي حجم الصناديق الاستثمارية الإسلامية في نهاية الربع الثالث من عام 2009 28 مليار دولار.
    وعلى الرغم من هذا النمو والتنوع والابتكارات الخلاقة  في المنتجات المالية الإسلامية المصرفية والاستثمارية والتأمينية الذي نشهده في واقع الصناعة اليوم إلا أن هناك علامات “signs” انحراف عن المبادئ التي قامت عليها الصناعة تعد بمثابة تضحية مقابل وصف "العالمية" للصناعة المالية الإسلامية في ظل وجود منتجات أقل ما يقال عليها أنها "مشبوهة" أجمع على عدم قبولها العامة قبل الخاصة من العلماء والمختصين ولا تعد ابتكاراً ولا تطويراً بل تقزيماً وتشويهاً لنظام اقتصادي محكم بأصول الشريعة ومقاصدها التي رعت قواعد راسخة مثل "درء المفاسد أولى من جلب المصالح" في محاكاة وتقليد “mimic” لمنتجات مالية تقليدية محرمة أثرت في النهاية على الاقتصادات الكلية لحواضنها. ولهذا، كان لزاماً مراجعة إستراتيجيات وآليات تطوير المنتجات المالية الإسلامية -كبديل عن نظيراتها التقليدية- ومن ثم تفعيل دورها في تعزيز متانة النظام المالي الإسلامي.

    القسم الأول
    خصائص المنتجات المالية الإسلامية

    تمتاز عقود المعاملات والمنتجات المالية الإسلامية بأنها –في الغالب- مشتقة من الفقه الإسلامي فهي إذن ملزمة باتباع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها في المعاملات، ويمكن حصر المبادئ الرئيسية التي تحكم العقود المالية الإسلامية حسب الشريعة الإسلامية في رزمتين: الأولى: المبادئ العامة في التعاقد، وتتضمن: الأهلية القانونية للتعاقد كالعقل والبلوغ والتمييز، التراضي بين الأطراف المتعاقدة ومراعاة القوانين السائدة. والملاحظ هنا أن الشريعة الإسلامية تتفق مع القوانين الوضعية في هذا الاطار بالرغم من وجود بعض الفوارق الطفيفة في هذا الخصوص كاعتماد السن القانونية المؤهلة للتعاقد.

    أما الرزمة الثانية من المبادئ فهي هامة وتتميز بالخصوصية في المعاملات المالية الإسلامية وتشمل: الالتزام الأخلاقي والقيمي، الإباحة الشرعية، التوازن والحاجة الحقيقية.

    لذلك وحتى يكون المنتج مقبولاً، من وجهة النظر الشرعية، فيتوجب حينها أن يكون أخلاقياً وموافقاً للقيم الحميدة، فكما أن الشريعة شجعت على العمل والتجارة والكسب الحلال فإنها منعت المنتجات والخدمات المحرمة اخلاقياً التي من شانها الاضرار بالفرد والمجتمع مثل تحريم الاتجار بالمخدرات والكحول، والقمار والملاهي الليلية والحانات والاتجار بالأدوية المحرمة وكذلك المواد الضارة بالبيئة، وكذلك توزيع وانتاج أي سلعة أو خدمة أو نشاط  غير مقبول أخلاقياً وتأنفه الطباع البشرية السليمة وهو ما يتعارف عالمياً بالاستثمار الأخلاقي “Ethical Investment”.

    المبدأ الثاني الهام هو الإباحة الأصلية للمعاملات، فالشريعة قررت في قواعدها وضوابطها الفقهية القاعدة الشرعية التي نصت على أن " الأصل في البيوع الإباحة" المنبثقة من الأصل العام "الأصل في الأشياء الإباحة" حتى يثبت النهي، وهذا في كل شيء. وهذا أصل جليل يعول عليه في تخريج العقود والمسائل المستجدة في الحياة المعاصرة مما لم يتطرق إليه الفقهاء من قبل، يكون مقبولاً شرعاً، إذا لم يتصادم مع دليل شرعي من المصادر الأصلية وكان مما اقتضه مصالح الناس العامة ولم يشتمل على مفسدة راجحة. والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها: عقد الإجارتين، عقد التحكير، عقد المقاولة و الاشتراط لمصلحة الغير.

    أما مبدأ التوازن فيتطلب وجود العدالة في تحمل كل من طرفي العقد لالتزاماته مقابل الحصول على حقوقه، فلا ينبغي أن يتحمل طرف التزامات الطرف الآخر ولا ينتقص من حقوقه، ويجب كذلك مراعاة الالتزام بالشروط فالمسلمون عند شروطهم، وموجب ذلك كله الى حكمة الشريعة ورغبتها في قطع الطريق على النزاع والخصومة، ومن أمثلة ذلك اشتراط الزيادة في القرض إلى أجل أو الغرر والجهالة في المبيع أو الثمن أو الأجل، وكل شرط أو عرف من شأنه أن يخالف مقتضى العقد –على تفصيل-.

    والمبدأ الهام الأخير هنا الواقعية (الصلاحية) أي أن الحاجة وتلبية الاحتياجات والتعاملات الاقتصادية هي الباعث على التعاقد وليس مجرد العبث تدعو للعقد حاجة ويتم فيها تبادل أصول أو حقوق ملموسة لها قيمة من وجهة نظر الشريعة وليست أمور احتمالية أو وهمية  كالمتاجرة في مؤشرات الأسهم أو المشتقات المالية التي يغلب عليها صفة المبادلات الصفرية “Zero-Sum Games”.

    وكما للشريعة الإسلامية مبادئها فإن لها غايات وأهداف (مقاصد الشريعة)، وتدور هذه المقاصد وفلسفة تشريعها حول الأمور العامة وقصدت إلى حفظها في الناس "تحقيق مصلحة العباد في الدنيا والآخرة لكي يقوم الناس بخلافة الأرض، وذلك بجلب المنافع لهم ودفع المضار عنهم وإخلاء المجتمع من الفاسد".

    وتنقسم المقاصد الكلية إلى ثلاث مستويات هي: الضروريات: حفظ النفس، حفظ الدين، حفظ العقل، حفظ النسل والعرض، حفظ المال. والحاجيات : وهي ما تحتاج اليه الأمة لتحسين أحوالها، والتحسينيات: وهو الأخذ بمحاسن العادات والأخلاق

    ولقد عُدَ حفظ المال من المقاصد الضرورية وتقوم فلسفته الشرعية على اعتبار أن المال وسيلة لا غاية، وسيلة لحياة الانسان ومعاشه، ومن أجل ذلك نظم الإسلام التشريعات حتى لا يجر الى الطغيان، لأنه لا بد من ضوابط تكبح جماحه فالانسان ميال بطبعه إليه.

    ومن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ المال التداول: تشريع وسائل إيجابية لتحقيق المقصد، وضرورة استثمار المال بالطرق التي حددها الشرع، وحسن تداول النقود والتعامل بها. وفي المقابل حرم الاسلام الوسائل السلبية التي تحد من التداول مثل:منع الكنز، منع التعامل بالربا، منع الميسر، منع الاحتكار و منع حكر تداول الأموال في أيدي فئة من الناس.

    أما المقاصد الأخرى في حفظ المال فتتضمن الوضوح (التوثيق والاشهاد)، العدل في الأموال              من حيث المساواة بين الناس، الانفاق المحمود في النفقة الواجبة، الكف عن الامساك المذموم والنهي عن الشح والبخل، وأخيراً دفع المظالم: حيث منع التعدي بالنهب والسرقة والسلب والغصب وأكل المال بالباطل.

    القسم الثاني
    واقع المنتجـات الماليـة الإسلامية و استراتيجيـات تطويرهـا

    مقدمة :
    لماذا تطوير المنتجات
    أود أن أتحدث هنا في إشارة سريعة إلى أهمية تطوير المنتجات في الصناعة المالية الإسلامية والمفارقة التي يلحظها كثير من الباحثين والمراقبين لهذه الصناعة أنه وعلى الرغم من إجماع الكل على أهمية التطوير المستمر للمنتجات المالية إلا أن هذا الاهتمام لم يترجم حتى الآن إلى منهج علمي وعملي يتناسب وأهميتها فما زالت إدارات تطوير المنتجات بحاجة الى مزيد من التخصصية والمهنية مقارنة مع غيرها من الإدارات في مؤسسات الصناعة التقليدية التي نجدها تولي اهتماما أكبر في هذا الجانب وتنفق مبالغ طائلة لتطوير وابتكار منتجاتها المالية التي تلبي احتياجاتها وتغطي طلب الأسواق.
    ويمكن تلخيص حاجة مؤسسات الصناعة المالية لتطوير منتجاتها في النقاط التالية:
    1-   تنويع مصادر الربحية للمؤسسة المالية.
    2-   تجنب تقادم النتجات الحالية للمحافظة على النمو وكما هو معلوم أن لكل منتج دورة حياة وفي مرحلة تشبع السوق يتوقف الطلب على المنتج ويستقر عند أدنى مستوياته.
    3-   تقليل مخاطر الاستثمار بتنويع صيغه وقطاعاته.
    4-   دعم المركز التنافسي للمؤسسة المالية في السوق.
    5-   التطوير المستمر للمنتجات يزيد من خبرة المؤسسة ويبقيها في حيوية مستمرة.

    أولاً: واقع المنتجات المالية الإسلامية

    تختلف الصناعة المالية الإسلامية عن التقليدية في جوهرها فكلاهما تعمل وفق مبادئ وأسس وآليات مختلفة تماما لذلك تبقى مشكلة المحاكاة “Simulation”وأقصد بها أن يتم سلفاً تحديد النتيجة المطلوبة من منتج الصناعة المالية الإسلامية، وهي عادة النتيجة نفسها التي يحققها المنتج التقليدي .

    إن محاكاة المصرفية الإسلامية لنظيرتها التقليدية في هندسة التمويل المالي تبقى من أهم المشكلات التي تواجه المصارف الإسلامية هذه الأيام وتحرفها عن مسارها الذي انطلقت من أجله في أواخر القرن الماضي ولعل هذا الأمر كان السبب الأكبر في أن واجهت الصناعة المالية الإسلامية في الآونة الأخيرة انتقادات واسعة

    ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن جميع المنتجات التي تقدمها الصناعة المالية التقليدية غير مناسبة للتمويل الإسلامي، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها. ولكن يجب التمييز بين اقتباس ما يتلاءم مع فلسفة التمويل الإسلامي ومبادئه، وبين محاكاة الأساس الذي تقوم عليه المنظومة التقليدية ومع ذلك يترك هذا أثره الخطير ففي حين لا تتطلب إنتاج هذه الأدوات الكثير من الجهد والوقت في البحث والتطوير، بل مجرد متابعة المنتجات التي تطرحها الصناعة التقليدية وتقلدها من خلال توسيط السلع، فإنها تلقي بظلالها الفاسدة وتترك آثارا سلبية كثيرة على الصناعة المالية الإسلامية منها :

    -         ضعف قناعة العملاء بالمنتجات الإسلامية، وجعل التمويل الإسلامي محل شك وريبة وقد يؤدي ذلك إلى أن تبدأ المصرفية الإسلامية بفقد عملائها خاصة الذين لا يشكل الوازع الديني لديهم الدافع الأكبر للتعامل مع هذه المصارف.

    -         تحول الضوابط الشرعية إلى تكلفة إضافية. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تحمِّل المؤسسات المالية هذه التكلفة على العميل، لتكون المنتجات الإسلامية المقلدة في النهاية أكثر كلفة من المنتجات التقليدية، مع أنها تحقق في النهاية النتيجة نفسها .
    -         حيث إن المنتجات التقليدية تناسب الصناعة التقليدية وتحاول معالجة مشكلاتها وأمراضها، فإن محاكاة هذه المنتجات تستلزم التعرض لنفس المشكلات ، وهذا بدوره يتطلب محاكاة المزيد من المنتجات التقليدية بحيث تصبح الصناعة المالية الإسلامية في النهاية تعاني من نفس الأمراض والأزمات التي ألمًت بالصناعة المالية التقليدية.

    -         أي منتج لصناعة الهندسة المالية التقليدية هو جزء من منظومة متكاملة من الأدوات والمنتجات القائمة على فلسفة ورؤية محددة. فمحاولة تقليد “mimic” جوهر هذه المنظومة وأساسها، يجر الصناعة الإسلامية لمحاكاة سائر أدوات المنظومة وعناصرها، وهو ما يجعل الصناعة المالية الإسلامية مهددة بفقدان شخصيتها حيث تغدو تابعة بالجملة للصناعة التقليدية، وبذلك فإن كل الأمراض والمشكلات التي تعاني منها الصناعة التقليدية ستنتقل بدورها إلى الصناعة المالية الإسلامية. فبدلاً من أن يكون التمويل الإسلامي هو الحل للمشكلات الاقتصادية التي يعاني منها العالم اليوم، يصبح للأسف مجرد صدى وانعكاس لهذه المشكلات.

    -  ثانيا : بناء إستراتيجية علمية وعملية للتطوير

    إن الصناعة المالية الإسلامية مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بوضع إستراتيجية فعالة وواضحة تقوم على منهج علمي وعملي رصين مستمد من ثوابتها ويتلاءم مع طبيعتها الاستثمارية القائمة على تحمل المخاطر، وهذه الإستراتيجية تتطلب دراسة مستمرة لاحتياجات السوق والعمل على تطوير الأساليب التقنية والفنية اللازمة لها، و ذلك لضمان الكفاءة الاقتصادية للمنتجات المالية، كما تتطلب وضع أسس واضحة لصناعة مالية إسلامية مستقلة عن الصناعة المالية التقليدية. وعلى الرغم من أن ذلك سيكون أكثر كلفة من التقليد والمحاكاة، لكنه في المقابل أكثر جدوى وأكثر إنتاجية، هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإن هذا من شأنه أن يحافظ على أصالة المؤسسات المالية الإسلامية ، كما يسمح لها بالاستفادة من منتجات الصناعة المالية التقليدية ما دامت تفي بمتطلبات المصداقية الشرعية، كما يساعد ذلك على استكمال المنظومة المعرفية للصناعة المالية الإسلامية.

    نحو بناء إستراتيجية علمية وعملية لتطوير المنتجات المالية الإسلامية :
    تقدم هذه الورقة محاولة لوضع معالم تعد بمثابة مقدمة لبناء هذه الإستراتيجية في محاولة لاستكمال المنظومة المعرفية للصناعة المالية الإسلامية يمكن تلخيصها فيما يلي :
    تفعيل دور الرقابة الشرعية في عملية تطوير المنتجات والمتابعة المستمرة لعمليات التنفيذ.
    العمل على تجميع الجهود وتضافرها لوضع معايير شرعية موحدة للصناعة المالية الإسلامية وهذا من ِشأنه أن يقدم رؤية واضحة للضوابط الشرعية للمنتجات المالية الإسلامية ويعزز ثقة الجمهور والمساهمين بها.
    تشجيع البحث العلمي وتخصيص عوائد مالية من أرباح المنتجات المالية لأغراض الدراسات والبحوث العلمية التي تهدف لتطوير المنتجات.
    العمل على إنشاء سوق مالية إسلامية تضمن تسويق مؤسسات الصناعة المالية الإسلامية منتجاتها من خلالها، وتأمين السيولة اللازمة لها حيث أن هذه المؤسسات تواجه تحديات كبيرة وعوائق عديدة في تسويق منتجاتها وإيجاد التمويل المناسب لها من خلال الأسواق التقليدية
    تأسيس وتفعيل دورمؤسسات البنية التحتية في الصناعة المالية الإسلامية مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وغيرها في مجال التطوير والابتكار.
    الوصول في تكلفة الإنتاج إلى أدنى مستوياتها لتحقيق ميزة تنافسية على مثيلاتها التقليدية.
    تدريب وتأهيل العاملين في تشغيل هذه المنتجات حيث تلعب خبرة هؤلاء الموظفين دوراً مهماً في تقليل المخاطر ويؤدي فهمهم الدقيق لطبيعة المنتج إلى الاحتراز من الوقوع في المخالفات الشرعية وفهم أكبر لمتطلبات التطوير.

    الخاتمة

    ما لم تنتهج المؤسسات المالية الإسلامية نهجاً واضح الرؤية والمعالم في سبيل تطوير الصناعة المالية الإسلامية ورفدها بمنتجات وخدمات تراعي المقاصد الشرعية في الأموال، مسترشدة ومستفيدة بالإرث العريق من المعاملات التي أوردها الفقهاء في أمهات كتب الفقه التي فاقت الألف معاملة مالية، وإذا ما سعت إلى تحقيق المعادلة الصعبة في تطوير منتجات تجمع بين المصداقية الشرعية والكفاءة الإقتصادية، فإنها ستبقى أسيرة التقليد والمحاكاة للمنتجات المالية التقليدية، وهو ما قد يؤدي إلى أن تنحرف هذه المؤسسات المالية الإسلامية عن الطريق القويم.
    قال تعالى:
    "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون“
    الجاثية (18)

    قائمة المراجع:

    سامي السويلم، "المنتجات المالية الإسلامية بين الإبداع والتقليد"، جريدة الاقتصادية، 1427/9/1 و 1427/9/8.

    سامي السويلم "صناعة الهندسة المالية ..نظرات في الواقع الاسلامي:، مركز البحوث ، شركة الراجحي للاستثمار، ديسمبر 2000

    عبد الكريم قندوز، "الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية و التطبيق"، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، لبنان، 2009، ص40.

    علي أحمد الندوي" موسوعة القواعد والضوابط الفقهية الحاكمة للمعاملات المالية في الفقه الاسلامي"، المجلد الثالث، 1999
    محمد الجاسر، الشرق الأوسط، العدد 11431، 16 مارس 2010.