-->

الصورة الفنية في مرحلة التكوين الأدبي

الصورة الفنية في مرحلة التكوين الأدبي
    الصورة الفنية في مرحلة التكوين الأدبي (بداية السبعينات)
    إن الشاعر يفكر بالصـورة, والتعبير بالصورة لغة الشاعر التلقائية التـي لا يتعلمها"[1]، و هذا صحيح, فإذا استنطقنا الزخم الشعري الحديث ,وجدنا أن الصورة الفنية فيه تحتل مكان الصدارة بين الأدوات الفنية الأخـرى, فهـــي  " تتبدى ...في الدراسات الشعرية العربية و الأوربية على السواء, كمشهد للفتنة والغرابة والمتعة" [2] حتى اعتبرت مقياسا للشاعرية, يقول( هربرت ريد) :" يجب علينا أن نتهيأ دائما للحكم على الشاعر ...بقوة المجاز في شعره وأصالتها "[3], وقد أشار إزرا باوند(EZRA POUND) مرة إلــى " أنه من الأفضل أن تقدم صورة شعرية واحدة طوال الحياة من أن تنتج كتبـا عديدة"[4].
    من هذا المنطلق يجوز لنا اعتماد تطور الصورة الفنية مقياسا لتطوير الحساسية الشعرية, ودليلا على نضج الوعي الفني لدى الشعراء, وهذا ما سنكشف عنه فيما يلي من فصول, و سيتوجه بحثنا لإبراز الجهد الإبداعي المبذول على صعيد بنائية الصورة وما حققه الشعراء الجزائريون من تطور في هذا المجال, كما سنحاول الكشف عما قد يعكسه هذا التطور من رؤية فنية خاصة لها طابعها المحلي الأصيل.
    و يمكن أن نرى في البداية كيف أن الصورة في الشعر الحديث عالم شديد الثراء والتنوع؛ فهي تتراوح في طبيعتها بين أشد الأشكال بساطة, وأكثرها تركيبا وتعقيدا كما تتنوع مصادرها بتنوع مرجعية الشاعر الثقافية, ومدى انفتاحه على الكون وإدراكه لتطور الحياة, وهي بذلك تمثل شكلا من أشكال العلاقة بين المبدع والواقع, أو بين الواقع وما يتركه من أثر على المبدع؛ لأن الصورة الفنية في حقيقتها ليست نتاج ملامسة الواقع, بل نتيجة أثر الواقع على المبدع, " لذلك فإن هوى حلم الإنسان المعاصر تقمص محاولة الهرب من المشهد الخارجـي البهيـج و الدخول في عالم ملكوت الفيض الداخلي, إلى حيث العالم الممكن في لا محدودية رغباته والتطلع إلى ما وراء حدوده المعرفية "[5], و بذلك نتمكن من نقل الواقع بشكل ملموس حيث تبيح الصورة" تجاوز المنطق, وتعطي شكلا لإدراك العالم إدراكا ذاتيا" [6], و هذا يؤدي بالضرورة إلى التفاوت بين تجارب الجيل الواحد  مما يقتضي منا القيام بعملية انتقاء للنماذج الشعرية التي ستكون محل قراءة كما يقتضي منا الانفتاح على أكبر قدر ممكن من التجارب الخاصة تلك التي حققت نضحا فنيا كبيرا, و ذلك من أجل أن يكون عملنا شاملا للمتن الشعري الجزائري المعاصر بمختلف اتجاهاته.
    و نظرة خاطفة على المتن الشعري الجزائري المعاصر,تكشف لنا بشكل عام أن الشاعر الجزائري أصبح يتعامل مع الصورة الفنية تعاملا جديدا يفترض انهدام الشعرية التقليدية وقيام شعرية جديدة, وهذا أمر طبيعي يفرضه القانون التطور, ولو قارنا قصائد محمد العيد, و مفدي زكرياء مثلا, بقصائد شعراء معاصرين كمصطفي محمد الغماري, و عبد الله حمادي...وغيرهما" لبدا لنا الفرق الشاسع بين التجربتين, بل إننا لو قارنا بين قصائد (عبد الله حمادي) الأولى وقصائده الأخيرة خاصة في ديوانيه" تحزب العشق يا ليلى"[7] وقصائد غجرية" [8] لتبين الاختلاف الواضح بين هذه القصائد وتلك.
    وكل هذا يدلنا على أن مفهوم القصيدة قد تغير فلم تعد عملا (إضافيا) للإنسان...يمارس فيه هوايته, و إنما صارت عملا صميميا شاقا يحتشد له الشاعر بكل كيانه" [9].
    وإذا كان هذا هو الشعر على مستوى الإبداع فلابد أن يكون كذلك أيضا على مستوى التلقي والقراءة,  فلم يعد الشعر مجرد" متعة سطحية مجانية, و إنما أصبح جهدا جادا وشاقا يبذله المتلقي للظفر بتلك النشوة الروحية العميقة التي يحدثها العمل الفني الحقيقي في الوجدان" [10]هذه النشوة التي لا تتحقق أبدا ما لم يكن القارئ قادرا على مشاركة الشاعر مغامرته الفنية الشاقة، ولتحقيق ذلك يتوجب على القارئ أن يكون مسلحا بخلفية ثقافية تعادل ثقافة الشاعر ليساهم في سبر أغوار الصورة الفنية ،والكشف عن حمولتها الدلالية.

    1- الصور التقليدية:
    إذا عدنا إلى المتن الشعري الجزائري، فإننا نجد اتجاها يكرس الامتداد الثقافي، والتواصل مع الموروث ،ومع حركة الإحياء الشعري، ونعني بذلك الاتجاه إلى المحافظة والتقليد في بناء الصورة على نمط(عمود الشعر).
    " ويلاحظ الدارس في هذا المجال أن الشعر العربي –مهما يوغل في التجديد– يظل مرتبطا على نحو ما ببعض المظاهر الفنية في تراث الشعر العربي القديم" [11].
    ولذا فإننا نجد كثيرا من المفارقات في الشعر الجزائري الحديث، حيث يتردد بين الحداثة والتقليد ،وهذا يرجع لأسباب موضوعية عديدة من أهمها:
    1- حداثة التجربة ذاتها ،فجل رموز هذه الحركة الشعرية من الشباب الذي مازال يحاول أن يطور أدواته الفنية .
    2- الفقر المعرفي لدى الشعراء لحداثة تجاربهم، وضعف ارتباطها بالتراث إذ أننا نعتقد أن الشاعر الذي يفتقر إلى الدراسة العميقة لا يستطيع أن يمدنا بتجربة فنية أصيلة تستطيع أن تظهر الصورة الحقيقية  لحياة أمتنا ذات الطابع الحضاري العريق وعلى العكس من ذلك نجد أن إلمام الشعراء الواسع بالموروث العربي والعالمي  يؤهلهم إلى الفحص والتحليل، ويثري تجاربهم بزخم معرفي هائل.
    3- سلطة البلاغة القديمة، والتعلق الشديد بالتراث، دون الانفتاح على الاتجاهات الأدبية الحديثة.
    4- اختفاء المذهبية السياسية وراء بعض التجارب، مما أعاق تطورها الفني وجعلها حبيسة الإطار السياسي الضيق.
    لهذه الأسباب وغيرها بقيت التجارب الشعرية الأولى تراوح مكانها وتدور في حلقة تقليد القدامى، نجد ذلك عند غالبية الشعراء في بداية السبعينات، ومثالنا على ذلك شعر (عبد الله حمادي) حيث نجده في ديوانه" الهجرة إلى مدن الجنوب" يسلك مسلك سابقيه من الشعراء الرواد كأبى القاسم خمار ومحمد الأخضر عبد القادر السائحي... وغيرهما من حيث استخدام الصور التقليدية التي تقوم على رصد القرائن المنطقية، والتشبيهات الجاهزة، يقول في قصيدة " قسنطينة اهتزي" (البحر الطويل):

    طلعت علينا كالشهاب منــوّرا
                  فغابت مع سود الدياجي الفواصل
                  تجليت فافترت لنورك فتيـــة
                  وهاهم على روح الإمام مواثـل
                  شباب كأمثال النجـوم تألقــا
                  وهم لاقتراع المعجزات صياقل [12]
    ويقول في قصيدة « إلى عيون الحور...القسنطينية « (بحر الكامل):

                  هذا الجمال قد اشرأب سنـاؤه
                                متلألئا تحت الخمار الأسمـر
                  فالقد قد فتق اللثام بنـــوره
                  والصّدر أينع بالشهي المثمـر
                  والجيد في ظل النقاء منعـم
                                يهنـو بنور كالسناء النيــر
                  والعين من تحت الخمار كرمية
                                تردي الموله بالسهام البتــر
                  يا فتنة كالنجم في غسق الدجى
                                يا من يباع لها الفؤاد فتشتري [13]
    والصور في هذين النموذجين تقريرية وصفية، نلاحظ فيها حرص الشاعر في بناء صوره على رصد القرائن المنطقية، ومخاطبة العقل قبل الإحساس، كما نجد النبرة الخطابية في رنينها الهادر ...وفي جماليتها المختزنة في الذاكرة الشعرية" [14]، كاستخدام الصور الحسية المألوفة في شعرنا القديم.
    ففي النموذج الأول نجد تشبيها بالأداة في البيت الأول" طلعت علينا كالشهاب منوّرا" وفي البيت الثالث تشبيه بالأداة أيضا مفاده أن الشباب كالنجوم في الإشعاع والتألق، وقد جاءت هذه الصور كلها بصرية، لم يخرج فيها الشاعر عما ألفه القدماء من حشد للصور بشكل خارجي دون أن يكون لها أي إيحاء نفسي كما في النموذج الثاني، حيث نجد الشاعر يستعير صورا وأوصافا للمرأة يكثر ترديدها في الشعر القديم كوصف الخدود والقدود، ووصف الجيد والعيون ونحو ذلك... .
    إن هذا الاتجاه إلى توظيف الوسائل البلاغية القديمة يؤكد علاقة القصيدة الحديثة بالتراث، وكذا الطابع الإحيائي الذي سيطر على المتن طيلة الاحتلال وفترة الثورة، ثم استمر بعد الاستقلال ولو بشكل أقل حدة.
    ولكن هل وقف الشعراء في صورهم عند حدّ التقليد، أم هل حاولوا الابتكار، وتجاوز النظرة التقليدية المحدودة ؟.
    مما لا شك فيه أن هناك تأثرا بالتراث في رسم الصور، إلا أن الشعـراء –من خلال تطور تجاربهم- أضافوا ألوانا من التصوير النفسي لم تكن لدى الشاعر العربي القديم، فإذا تجاوزنا مثلا ديوان عبد الله حمادي" موسم الهجرة إلى الجنوب " الذي يمثل بداية التجربة إلى ديوانه الثاني، نجد الشاعر يعبر بصور التشبيه والاستعارة تعبيرا أكثر شمولا وعمقا كما سيأتي في بقية البحث.
    وقبل قراءة النصوص الشعرية نعرض لرأي الشاعر (أحمد عبد المعطي حجازي) حول علاقة القصيدة العربية الحديثة بالتراث، فهو يرى أنها" استمرار متقدم للحساسية الشعرية العربية التي تمثلت في تراث شعري متنوع" [15]، ولكن هذه القصيدة تنطلق من التراث لتتجاوزه إلى نفسها فتصبح مرجع ذاتها.
    - يقول الشاعر (أحمد حمدي) في قصيدة " غابة الميلاد":

                  فتمتمت، وعيناك نخيـل
                                آه...
                  يا ليلى، ويا عيني عليك
                                حبنا يكبـر كالظــل
                  وكالرّعـب
                                الذي يولد في ليــل
                  الحزانـى الكادحيـن
                                وأنا نهر الهوى الجاري
                  جـــراح المتعبين [16]
    وعند قراءتنا لهذا المقطع نشعر بحنين الشاعر إلى صور القصيدة التقليدية حيث يتكئ  في بناء صوره –كما نلاحظ- على الاستعارة والتشبيه... فنجد تشبيها بليغا في بداية المقطوعة " وعيناك نخيـل"، " والتشبيه البليغ هو عملية توحيد لهويتين متباينتين عن طريق الإلحاح على نقطة الالتقاء بينهما، وإبطال مساحة التباين" [17] ومنه فالعلاقة التي يريد الشاعر أن يقيمها علاقة نفسية وشعورية:


    عيناك                                نخيل

    وبذلك يرسم صورة لعيني الحبيبة في إطار جديد يختلف عن الإطار القديم؛ حين كان الشاعر يشبه عيني المرأة بعيون المها، أما أحمد حمدي، فعينا حبيبته " نخيل " ؟! وهي صورة فرضت نفسها على الشاعر من موقع البيئة الصحراوية التي نشأ فيها.
    يقول (محمد ناصر):
                  لأننا كمــا روى نبينـــــا
                  لفرقــة تدب في أوصالنـــا
                  نضيــع في الزحــــــام
                  تدوسنا لجبننــا الأقــــدام
                  نعيش كالأيتــام في مآدب اللئام
                  لأننا لضعفنــا غثـــــاء
                  تقاذفت به الريــح في عـرام
                  نسير دون غاية...ندور في الظلام
                  شراعنا ممزق، مجدافنا حطـام
                  وقد مضـت عشــرون عـام
                  عشرون هزةً عنيفة...ولم نزل نيام [18]
    " هذه الأنواع من الصور نصادفها كثيرا في الشعر القديم، وفيها نقع على الدلالة الشعورية التي تحملها دون تكلف التأويل والتفسير"، فبمجرد اكتمال الصورة تكون الحالة الشعورية التي تنقلها قد أصبحت ماثلة للعيان، لأنها تعتمد على عناصر ذات إيحاء مباشر،كما نلاحظ حضوراً لحديث النبي (ص) :  " توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعت الأكلة إلى قصعتها ، قال قائل : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال :" بل أنتم يومئذ كثير،ولكنكم غثاء كغثاء السيل "[19]إلا أن هناك هناك من الصور ما يخفي علينا إدراك مضمونها ،خاصة حينما تعتمد على المخزون اللاشعوري لدى الشاعر، وفي هذه الحال يصبح من الخطأ التعامل مع هذه الصور بالطريقة التقليدية ؛ أي الإكتفاء بالدلالة الظاهرة المباشرة،بل يجب بذل جهود كبيرة لاستكناه هذه الصور، كما سنرى حينما نعرض لموضوع الصور النفسية،وقبل ذلك إليك هذا الجدول الذي يرصد نماذج من الصور التقليدية الملحة في المتن الشعري الجزائري عند بداية السبعينيات .

    وتؤكد النماذج التي أوردناها سابقاً سيطرة القوالب على بنائية الصور الفنية؛ بحيث نجد نوعاً من الإلحاح على الصور الجزئية، كالتشبيه والاستعارة ،مع سيطرة صور مدركات الحواس المختلفة على المتن خاصة حاسة البصر،والسمع.
    وإذا كان هذا هو الطابع الفني العام الذي ميز البدايات الأولى لشعراء السبعينيات فإننا نتسائل: هل كانت هناك مساعي للتجديد في إطار بناء الصور الفنية ؟ وإلى أي مدى وصلت تلك المحاولات ؟

    2- الصور النفسية :
    إذا تجاوزنا هذه المحاولات الأولى ،وجدنا الشاعر الجزائري يعبر بالصور النفسية القائمة على نقل الذبذبات الشعورية ،فإذا كان الشاعر القديم يجيد محاكاة الأشياء ونقل المشاهد نقلاً أميناً ، بحيث لايفوته شيئ مما تقع عليه حواسه ، فإن الشاعر الحديث يغلب عليه التفكير الحسي ،والتركيز على الحركة الباطنيــــة «الشاعر المحدث يولي هذه الحركة كل عنايته ،فقد وثق الشعراء المحدثون في الشعور الباطن من حيث هو ملتقى الأهواء المتنازعة ومن حيث نفاذه وتغلغله في صميم الأشياء دون صورها الخارجية ،ومعانقته بذلك للحقائق الجوهرية " [20]
    فبالعاطفة يستطيع الشاعر أن يدرك الأشياء،ويجعلها تصطبغ بدمه وتتلون بروحه ،كما أنه بفضلها يستطيع الجمع بين الأشياء المتباعدة وحتى المتنافرة وبـذلك  "لم تعد الصورة محكاة للواقع الطبيعي أو قياسا منطقياً متناسب العناصر متآلف الأجزاء واضح المعاني يستمد تشابيهه وإستعاراته من منبع قريب ...وإنما غدت تركيباً معقداً أو مسرحاً للتناقضات يقوم على تراسل الدلالات وانصهار العلاقات البنيوية العضوية في بوتقة التجربة الكلية التي تتمدد في كل جانب وتتفتح على زخم معنوي وشعوري غير متوقع" [21] .
    وهذا ما نجده عند الشاعر عبد الله حمادي،مصطفى محمد الغماري، أحمد حمدي،وعمار بوالدهان....وغيرهم ، فالصور عند هؤلاء لا تقدم مضمونها الفكري بشكل مباشر ،وإنما تعتمد الإيحاء بالمشاعر و الأحاسيس .
    والبداية تكون مع الشاعر (محمد بن رقطان )*الذي كان شعره حلقة وصل بين الاتجاهين؛الاتجاه المحافظ (التقليدي) واتجاه الشعر الجديد ،ولهذا فإننا نلمس في شعره التداخل والتواصل كما في هذا النموذج من (البحر البسيط ) :
                                يا موطنا في رباه العيش  مزدهـر
                  أغرى الفؤاد وزاد العقل و النظرا
                  ربعا به جذوة الإسلام  ساريــة
                  أني مشيت لقيت النور منتشــرا
                  عليه من نفحة الأجداد  باقـيـة
                  إذا بحثت وجدت الأصل مشتهرا
                  إذا بعت فإن الشمس  تائقـــة
                  وإذا قربت عشقت الغيد و الصورا[22]
    وهنا يخفق الشاعر ولا يوفق إلى إبرز الحالة الشعورية من خلال هذه الصور السطحية التي تقوم على "شذرات مبتسرة تشبه بقعاً لونية تتزاحم أحياناً وتتنافر أحياناً أو تتمزق أحياناً " [23] أو على رصد التشابه الحسي بين الأشياء لا أكثر، مما يجعلنا نقول إن الشاعر الجزائري في هذه الفترة ما تزال تجاربه تتراوح بين القوة و الضعف لسيطرة القوالب القديمة  على بعض الشعراء،غير أن بعضهم وفقوا إلى إبراز الحالات الشعورية في صدورهم .
    -يقول عمار بوالدهان*:
                  ضيعوني،
                                غرسوا الخنجر في صدري،أراقوها دماء
                  زرعوا الأشواك في دربي وفي غيم السماء،
                  قتلوني،
                                شنقوا فجر عيوني،
                  ضيعوني،
                                عارياً عدت إليهم تنهش الأحزان صدري،
                  تحفر الأيام قبري
                                ضاع قلبي
                                ضاع حبي
                                ضيعوا دمعي وآهاتي و أحزانك ياقلبي الذي يمل البكاء ،
                                ضيعوني في بحار الموت والغربة والترحال،في بحر
                                   الأغاني والتعابير الحزينة [24]
    وأول ملاحظة يمكن تسجيلها في هذه المقطوعة شيوع ظاهرة الحزن الذي يعتبر سمة غالبة في تجارب معظم شعراء هذه الفترة ،فكل النصوص الأدبية لهذه الفترة تبدو حزينة متشائمة،تخفي وراءها نفوساً منكسرة حائرة تغرق في المعانـاة و الألم و البكاء.... وعلى حد تعبير الشاعر نزار قباني فإن "الدمع هو المشروب القومي في الوطن العربي" ، ولعل هذا الألم الذي تترجمه هذه الكتابات ناتج عما تحتمله نفوس الشعراء من هم اجتماعي ووطني، ويتجلى الحزن في هذه المقطوعة للوهلة الأولى من خلال إيقاعها الذي يذكرنا بإيقاع مناحات الندب، وينقلنا على الفور إلى جو مأساوي قاتم ،وهو بذلك يعمق فينا مشاعر الحزن والأسى على الواقع الأليم .
    الذي يعيش فيه الشاعر ففي نبرة مفعمة بالحزن المرير تفيض القصيدة نزيفاً وجدانياً وتذوب أسى حيث تطالعنا منذ البداية صورة الخنجر المغروس في الصدر.....والدماء المراقة، والفجر المشنوق ......،صورة الضياع في بحار الموت و الترحال و الغربة.
    والحق أن هذه الأحزان ليست أحزان الشاعر فحسب بل هي أحزان كل الشعوب العربية وفي هذا تأكيد على إرتباط الشاعر بقضاياه الإجتماعية والوطنية والقومية كما هو الحال عند (عمر أزراج )* في قصيدته"حديث إلى حبيبتي"  التي استهل بها ديوانه « وحرسني الظل « ففي هذه القصيدة يؤكد الشاعر ارتباطه بالقضية الفلسطينية وتعاطفه معها خلال تعاطفه مع فتاة فلسطينية يقول :
                                حدثتني عن بكاء الطفل
                                في (يافا) الغريقة.
                                عن جريح عانق التربة مشتاقاً
                                إلى صدر الوطن
                                حدثتني وهي تبكي وتمد الرمش
                                جسراً للذين
                                قتلوا لكنهم قالوا :" وعدنا لو عظاماً نحن نأتي "[25]
    وبهذا يكون الشاعر قد أضاف إلى الصور التقليدية ألواناً  أخرى من التصوير النفسي أي حركة العاطفة إزاء تلك الصور بحيث أنها غدت تؤدي وظيفة الكشف النفسي.
    ومن هنا نسجل التحول الكبير في الصورة الفنية من وصف العالم المادي الخارجي إلى وصف عالم الشاعر الداخلي ومن ثم التعبير عن الحالات النفسية والشعورية وقد أدى ذلك إلى العزوف عن العمود الشعري» إن الشاعر الحديث يشعر بتجربته الشعورية شعوراً مختلفاً ومن هنا فإن مكونات عناصر أدائه التعبيري تعتمد على نسق معقد في استخدام معجم شعري يتولى مهمة تجسيد الإحساس،ودفع المتلقي كي يتوحد معه في همومه الذاتية»[26]وبذلك تجاوز الشاعر الحديث الأداء التعبيري القديم المعروف بنزعته الغنائية و الخطابية الصائحة إلى الاهتمام بالبحث عن الصورة  الحية والعميقة التي ترتبط ارتباطاً وثيقا بحالة الشاعر النفسية.
    ومثل ذلك نجده عند (مصطفى محمد الغماري)* في ديوانه الأول "أسرار الغربة" وفي هذا الديوان تستوقفنا « قصيدته ثورة الإيمان التي افتتح بها ديوانه...والتي تدل دلالة عميقة على تصوره الخاص لوظيفة الشعر و المجال الذي يراه جديرا بأن يجاهد فيه « [27] وهو بذلك يرسم لنا منذ البدايـة رؤيته الفكرية ويصرح بالرسالة التي من أجلها يحيا وهي خدمة الإسلام كرسالة إنسانية، يقول في (البحر الطويل):
                                أحارب في ديني وفكري ومذهبـي
                  وأرمي بزور القول في كل مشعب
                                وما أنا إلا غصة في  حلوقهــم
                                وحشرجة الأقدار في صدر مذنب
                  وما أنا إلا النار تشوي قلوبهــم
                                وإلا الضحى يرمي بأشلاء غيهب
                  يعانقني عزم الألى صنعوا العلـى
                                فأهتف بالإسلام أقوى مذهب [28]
    وصورة هذه الأبيات متكونة أساساً من الاستعارة والتشبيه،إلا أن الشاعر استطاع أن يضفي عليها ألواناً من التصوير النفسي الذي لم يكن يستوعبه الشاعر القديم بسبب نظرته العقلية (الجزئية)التي تلغي الذات.
    فالعلاقة في الأبيات السابقة بين الشاعر و الموضوع (موقف)تتحد فيه الذات بالموضوع، وهذا يدل على عمق التجربة النفسية إلى حد ما، وتركيز الشعور في الصورة الموحية،ولا يتم ذلك إلا بعد مرور الشاعر بمراحل هي:
    1 – استبطان الذات
    2 – اقتران الذات بالموضوع الخارجي
    3 – إيصال الخارج إلى الداخل أو اتحادهما
    4 – التوحد التام بين الموضوع و الذات
    وقد اجتازت قصيدة الغماري هذه المراحل فمثلت قمة الاتحاد، يقول الدكتور (محمد ناصر)في مقدمة الديوان :"إن أهم صفة تطبع شعر الغماري هي توفره على الذاتية الحارة،فذات الشاعر تطل علينا من خلال كل جملة شعرية، هي التي كانت تدفعه يمتزج بموضوعه امتزاجا كلياً،ولعل حرصه على هذه الذاتية،هي التي تدفعه إلى استعمال ضمير المتكلم في أغلب الأحيان...وأحسب أن الحرص على إثبات الذات أيضاً هو الذي دفعه إلى التعاطف مع الأشياء إلى حد يشعرك معه أنه حال بها،وأنه يتكلم من خلالها" [29] فذات الشاعر ليست شيئاً منفصلاً معزولاً عن الموضوع " العقيدة الإسلامية " بل يتحد معه ويستمد منه القوة التي يواجه بها أعداءه وهو بذلك يرسم صورة نفسية لأعدائه فهم قلقون يتنفسون بمشقة وصعوبة بعد أن أيقظ الشاعر فيهم الشعور بالندم وتأنيب الضمير فهم لذلك لا يطمئنون إلى انحرافهم وضلالهم وقد مد الشاعر إلى التدرج في رسم الصورة النفسية .من أعلى( لحلق )إلى أسفل (الصدر) وهذا يتطابق مع الواقع، فالغصة تبدأ من الحلق وتتدرج حتى تصل إلى الصدر حيث نسجل قمة الانهيار النفسي.
    ويبدي الأستاذ (يحياوي الطاهر )ملاحظة هامة حول أسلوب الشاعر الذي يتميز كما يقول: "بإنفعال حاد،وهذا ناتج أساساً عن مزاج الشاعر الثائر المتوتر القوي .....إزاء صراعه مع خصومه كما يؤكد هذا من جهة ثانية عمق معايشة الشاعر لقضاياه النفسية و الفكرية"[30]
    وعلى العموم فإن نتاج الغماري يسعى إلى تحقيق العمق في التجربة النفسية،التي ترتكز على وضوح البعد الفكري عند الشاعر وحدة العاطفة التي تفصح عن حزن شيعي المزاج،يصل إلى درجة اليأس فيقول في ديوانه(قصائد مجاهدة):من(الكامل):
                                جوع حياتي يامــــنى وأوام
                                وأنا سهاد لاهث .. وركـــام
                                ينتابني ضجري ..فأستاف الأسى
                                وتمدني في حسرتي  الأيـــام
                                وتمدني في حسرتي  الأيـــام
                                صدأ الزمان على ملامح فرحتي
                                جثمت مآسيه..فلاح  ظـــلام[31]
    وتتسم الصورة هنا بشدة الانفعال" أي أن الطاقة الانفعالية تؤدي دور الصور،وهذا المنطق في بناء القصيدة يرتد للموروث الشعري العربي من جهة وإلى الانغماس في الهم السياسي الوطني من جهة ثانية " [32] وفي هذه الحال يكون الخيال محدوداًُ جداً بينما تكون العاطفة ثائرة متأججة فتحل محل الخيال ويؤدي دوره في الإيحاء بأبعاد التجربة أما  (عبد الله حمادي) * فالصور تعني عنده الخلق والابتكار، ولعل الميزة التي ينفرد بها الشاعر هي نسفه للمسافة الموجودة بين الذات والموضوع ،فالشاعر دائماً محترقاً بموضوعه ،شديد الانفعال به، لذلك فهو حينما يكتب ينطلق من ذاته لا من موضوعه.


    ففي ديوانه "تحزب العشق يا ليلى " تستوقفنا قصيدته " هوى الحمراء في وتري"، يرى الشاعر طواحن الريح فإذا به يشتم منها  أنفاس "دون كيخوط " وإذا بهذه الطواحن تنقله عن طريق التداعي إلى ماضي الأندلس فيرسم لنا صورة جميلة لذلك الماضي العظيم بأمجاده وبطولاته الفذة :يقول الشاعر في (البسيط):
                  طواحن الريح هزتني إلى نفـــس
                  من " الكخوطي" رفيع الساق والقدر
                  فأوصلتني لدار فاح  نرجســــها
                  على نوافر تبكي المس بالــــدرر[33]
    والشاعر كما نلاحظ يستحضر أمامنا ماضي الأندلس أيام الحضارة العربية الإسلامية التي لم يبق منها اليوم سوى الذكرى التي تؤجج عاطفة الشاعر، فيسيطر عليه شعور حاد بالحزن والأسى،والشاعر يحاول عابثاً كتمان هذه العواطف، وعدم البوح بها " بالتدخين والضجر" [34]
    إلا أنه يجد نفسه محاصراً بالواقع الأليم فيغالبه الألم إلى حد الشعور باليتم والغربة الموحشة.
                                أنا اليتيم على أرض بها عبرت
                                أشواط عهد كلمح العين بالبصر
                                أنا الغريب بعرش كان منتديـاً
                                فصار مسلى إلى السواح و الغجر[35]
    هذه القصيدة تعاضدها قصيدة أخرى بعنوان" أبو عبد الله الصغير"
    وهي من (البسيط) أيضاً :
                                سل الجرح وجاوب عن تعازينا
                                هنا تزار بقايا من رواسيـنــا
                                هنا يجيش سراب الأمس ملتهباً
                  كث الضباب..يقاسي همس ناعينا
                                هنا إستبيحت ليالي الوصل خافته
                                باللطف تندى، وبالأحلى تمنينــا[36]
    وهكذا فإن عبد الله حمادي يعزف كثيراً على الوتر الأندلسي الذي طالما أسقط عليه الشعراء منذ عصر الأحياء شجونهم وآلامهم كما هي الحال عند (أحمد شوقي ) في سينيته المشهورة التي كتبها في منفاه "بإسبانيا" والتي بكى فيها مجد المسلمين الداثر في قرطبة و إشبيلية وغرناطة واستهلها بقوله :
                                اختلاف النهار والليل  ينســى
                                أذكرا لي الصبا وأيام أنســـى
                                وسلا مصر هل سلا القلب عنها
                                أو أسا جرحه الزمان المؤسـي
                                أحرام على بلابله الــــدوح
                                حلال للطير من كل جنـــس
                  وطني لو شغلت بالخلد  عنــه
                                نازعتني إليه في الخلد نفســي[37]
    وقد استطرد بعد ذلك يتحدث عن الأندلس ودولها،فصور الحمراء بغرناطة تصويراً دقيقاً،ووقف يتألم على خروج المسلمين من الأندلس.
    وبالمقارنة بين هذه القصيدة،و قصيدة عبد الله حمادي نلاحظ أن شوقي لم يتعد في قصيدته إطار الوصف الخارجي والوصف لصور مادية جافة ليس فيها ذلك التفاعل الوجداني الذي نلمسه في قصيدة عبد الله حمادي التي جاءت كلها بكاء وحزن على ما آلت إليه ربوع الفردوس المفقود.
    والملاحظ على صور هذه القصيدة أنها أكثر واقعية من الواقع ذاته تضم الموضوع والأحاسيس إذ ربط الشاعر بينه وبين شعره ومشاعره فيغدو الشعر تجسيماً لتلك المشاعر التي تمور في نفسه مترددة بين الحزن والفرح مشتملة بذلك على التجربة الإنسانية بكل تناقضاتها وأبعادها .
    وقد أحسن الدكتور (محمد حسن عبد الله) وصف هذه الظاهرة، إذ يرى أن الصورة « انبثاق تلقائي حر، يفرض نفسه على الشاعر كتعبير وحيد عن لحظة نفسية انفعالية تريد أن تتجسد في حالة من الانسجام مع الطبيعة من حيث هي مصردها البعيد الأغوار وتنفرد عنها ربما إلى درجة التناقض، والعبث بنظامها،وقوانينها وعلاقتها ... بحثا عن صدق أعمق تتداخل فيه الذات والموضوع في علاقة جدلية حميمية "[38].
    وهذا من شأنه أن يعطي للصور الفنية كيانها ودلالتها عن الأحوال الشعورية و الفكرية ،ومن ثم " فإن الصورة ليست أداةً لتجسيد شعور، أو فكر سابق عليها ،بل هي الشعور والفكر ذاته ...إنها نوع من الكشف أو الاكتشاف القائم على قوة التركيز، ونفاذ البصيرة التي تدرك ما لم يسبق لنا أن أدركناه "[39]
    ونمثل لذلك بقصيدة  "عابر التيه..سوف يحرث أرضـاً" من (البحر الخفيف )حيث تلتقي مع صور تقليدية في شكلها إلا أنها تبرز الحالة النفسية العميقة للشاعر؛أي أن توظيف الشاعر لهذه الصور ليس من قبيل الزينة اللفظية إن هذه الصور جزء من تجربته بل أنها تمثل عمق التجربة ومحورها الرئيسي:
                                هذه الأرض نحن فيها حيـارى
                                كوريقات في مهب الشمـــال
                                كيف يسطو هذا الضباب الغشوم
                                عن بروج منيفة كالجبــــال؟
                                وهن العظم، واشتكى الصمت أف
                                من لهيب معطر بالخيــــال؟[40]
    والملاحظة أن جل هذه الصور رغم بنائها التقليدي، وارتكازها على التشبيه والاستعارة ...تحمل دلالات نفسية عميقة جداً، كما أنها تحاول         كسر الخطاب المباشر، والولوج إلى الخطاب الإيحائي،كما في قصيدة "الوتر الجديد"* حيث يرحل بنا الشاعر داخل ذاته ،فنظفر بهذه الجولة مع نفس عذبة،ولكن مصرة على التحدي:
                          أنا بت أشـدو  إلـى
                                و  حدتــــــي
                                وسار إلى الجو فـي
                                زورقـــــــي
                                يمد الفضا لــــي
                                راحتيـــــــه
                                لأصعد للمنبــــر
                                المنتظـــــــر
                                أضمد جرح الأصيـل
                                الغريـــــــب            
                                بماء الورود  وعطـر
                                الزهــــــــر
                                وأعصف في الريح حتى
                                تمـــــــــوت
                                وتهوى بقربي كعيــن
                                القــــــــــدر ؟؟؟[41]
    وهذه الصور الحسية التي يقدمها الشاعر ما هي إلا وسيلة للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر الذاتية، إن المشهد الخارجي الذي يقدمه النص لا ينفصل عن مشهد داخلي لم يجد الشاعر بداً من أن يتبناه حتى يعانق ذاته "وفي هذه المرحلة حين يتعانق الشاعر والطبيعة، تخضع الطبيعة للتشكيل الحسي لدى الشاعر ،تخضع لفكرته، فإذا هي صورة لفكرته وليست صورة لذاتها "[42],وهكذا تصبح الأدوات الحسية والمادية أدوات مثيرة للأحاسيس والمشاعر، "والشاعر –كالرسام- يستخدم هذه الأدوات، ولكنها لا تؤدي وظيفتها على الوجه الصحيح إلا بتوجيه من  الشاعر"[43]، وهذا التوجيه مصدره أفكار الشاعر وأحاسيسه.
    مما سبق يمكن أن ندرك أن هذه القصائد تمثل مرحلة الانتقال الكبرى بين مرحلة الاتكاء على الموروث، ومرحلة التجرد والاعتماد على الذات، ودخول أغوار النفس المظلمة، واقتحام فضاء التجربة الحديثة.
    مثل ذلك نجده عند الشاعر(أحمد حمدي)[*]، فالصورة عنده تتصف بالذاتية أي؛ أنها وسيلة للتعبير عن إحساس الشاعر تجاه الشيء الموصوف، وليست مجرد صور متلاحقة مكدسة تتوالى دون أن يكون لها ارتباط بإحساس الشاعر أو شعوره، الصورة عند أحمد حمدي هي نفسه إذ يعمد إلى مزج المشهد أو المنظر الطبيعي بإحساسه المرهف وعاطفته المتدفقة، فيبعث فيه الحركة والحياة.
    وفي عموم قصائد ديوان "انفجارات" نجد الشاعر " يسوده القلق والتطلع إلى الأفضل، والحسرة وشدة الانتماء، فهو يناجي في يأس حبيبته في " نخلة الميلاد " أولى قصائد المجموعة، حيث لا يستقر شأنه شأن بدوي راحل يبحث عن الكلأ وكلأ حمدي يكمن في كونه مبعثرا بين بيادر الأمل والفقدان ... وهكذا نجده يبحث عنه في كل الأقبية، وأخيرا يعثر عليه بعد أن أضناه التجوال – في ركوبه للقدر المحموم- صهوة فرسه التي جابت أراضي الفيافي  "[44]، يقول الشاعر:
    آه ... عيناي  إليــك
                  منذ أن قشرت خوفـي
                  وركبت  القدر المحموم
                  في  ليـلــــــي
                  عرفت الحـــــب
                  أطفــــــــالاً
                                أقواس  قــــزح[45].
    فهو هنا يرسم صورة حسية حاول الشاعر من خلالها أن يجسد معاناته وتحديه للواقع الأليم، فقد تخلص من خوفه، كما يتخلص المرء من قشور الثمرة قبل أكلها، وركب صهوة الأقدار ليظفر بالحب الطاهر العفيف مثلا في صورة طفل، وقوس قزح رمز البراءة والصفاء، وحنين الشاعر إلى الأطفال وقوس قزح يمثل حنينا لأجمل القيم في حياته؛ تلك الحياة التي حوصرت بالاضطهاد والبطش الاستعماري "وتكتمل الرحلة التي نعيب عليها الشاعر لأنه أبدى تخوفه واندهاشه وهو الذي ركب المخاطر"[46].
                  صدئ الرعـــب
                                غام الليـــــل!
                  كدست فواتير المآسي.
                  فوق جفنـــــي[47]
    وهنا نجد الصورة تنحو منحًى يميل إلى الغموض بعض الشيء إذ كيف تتكدس "فواتير المآسي" فوق جفن الشاعر، ولكن خيال الشاعر غير المحدود أمده بهذه الصورة التي تختزن طاقة إيحائية هائلة، تجسد الحالة النفسية المتوترة والمتقلبة للشاعر.
                  فالصورة في النص السابق تقوم على أساس نفسي غير محدود، إذ ليس ثمة تشابه بين الحديد الصدئ و الرعب، أو بين الفواتير والمآسي ،وإنما ثمة أثر نفسي خفي أكثر عمقاً ورحابة
                  من خلال الأمثلة السابقة نلاحظ إذن" تحولاً واضحاً في فن الصورة الشعرية في الشعر لجزائري الحديث،إذ تصبح الصورة الشعرية عند هؤلاء الشعراء...إطاراً للأحاسيس،بل إن أحاسيس الشاعر تصبح البؤرة الحقيقية التي يرتكز حولها الوصف،أو الخلفية الأساسية لكل المشاهد التي يرغب الشاعر في رسمها " [48]      
    ولعل أهم ماتحقق لدى الشاعر بشكل عام فيما يخص تشكيل الصورة ذلك "الوعي بضرورة بناء العمل الشعري بواسطة الصورة واعتبار الصورة خيوطاً يتكون منها نسيج القصيدة "[49]،بل إن الصورة تعتبر بمثابة"الخيط النفسي والشعوري الذي يربط بنية القصيدة كلها"[50]،وينتهي (مصطفى سويف) إلى  أن الشاعر لا يبدع قصيدته بيتاً بيتاً بل يبدعها قسماً قسماً فهو يمضي في شكل وثبات وفي كل وتبة تشرق عليه مجموعة من الأبيات دفعة واحدة،أو تنساب هذه المجموعة دون أن يتوقف الشاعر قليلاً أو كثيراً [51]
    وفكرة الوثبات هذه تقودنا إلى مبدأ هام حول وظيفة الصورة الفنية وعلاقتها بالتجربة وقد حدد الدكتور محمد حسن عبد الله لذلك ثلاثة مستويات وهي: الصورة – الوثبة – القصيدة "[52]
    وعلى هذا الأساس فإنه ينبغي علينا فهم الصورة في إطار القصيدة ككل فلا نلجأ مثلما تعودنا إلى عزلها أو تجزئتها ولنأخذ كنموذج لهذا التطور هذه الصور من قصيدة " كيف أغني"لعمار بو الدهان فهو  لكي يجسد المحنة القاسية التي  تمر بها الأمة العربية إثر النكبات المتوالية عليها ،والسهام القاتلة الموجهة إلى صدرها راح يوظف هذه الصورة المحبة بالحزن و الدمار والموت .
                                كيف  أغنـــــي ؟
                                وقلبي  شظايــــا
                                وأطفال  شعبي عرايا
                                يجوبـون كل القفـار
                                ويبكون بالدمع ياللدمار‍‍‍‍‍‍
                                وكيف أغني
                                وكــل عنـائي  بكاء.
                                وكـل الــديـــار
    تضم الظلام وتبكي النهار
    وفي كل أرض فسيحــة
                                بقايا الظـــــــلام
                                ونوح الحســــــام
    فكيف أغني
                                وكل النجوم  حزينـــة
                                وليس سوى الليل يملأ كل روابي المدينة[53]
    فالشاعر بو الدهان يعبر عن إحساسه تجاه الواقع العربي الأليم من خلال صور موحية لها دلالة نفسية عميقة من ذلك : القلب الذي تحول إلى شظايا والأطفال العرايا،والحسام الذي ينوح دلالة على الخيانة و الإستسلام ...والشاعر لم يصرح بهذا المعنى بشكل مباشر تقريري و إنما اكتفى بالإشارة و التلميح وكان الشاعر رساما ؟ ينقل أحاسيسه المتوهجة عبر الصور التي تبدعها ريشته.
    إن الشاعر الوجداني لا يملك العين التي تنتقي الصور المثيرة الجميلة فحسب و إنما هو يملك أيضاً الآذان الموسيقية الحساسة ذات الدقة البالغة في اختيار الصور الفنية الزاخرة بالدلالات الشعورية و الجمالية وهكذا فقد تغيرت آذان الشاعر الجزائري فلم تعد تقتصر على عرض الصور البيانية بالشكل التقليدي الجاف وإنما أصبحت تسعى إلى إيجاد صلات نفسية لتصوير ما يحس به الشاعر في أعماقه فتأتي الصور لذلك متفردة في  نسجها وغريبة في بنائها.
    وفي هذا المجال هناك نوعان من القصيدة يتحتم علينا الوقوف عندها و التمثيل لهما في دراستنا لبنائية الصورة في شعرنا المعاصر وهما :
    1-      القصيدة القصيرة
    2-      القصيدة الطويلة (الدرامية)
    أولا - القصيدة القصيرة: وهي قصيدة غنائية إطارها الموضوعي هو العاطفة التي تتحرك وتتطور في اتجاه واحد ومن هذا النوع قصيدة "أغنية الموت" أحمد زتيلي*
                  في قلبي تمتد الصلبان
                                ي قلبي تشتد الأحزان
                  في  أعماقـــــي،
                  تنساب  الظلمـــات،
                  تمتص الحب  الباقـي،
                  يا موت، الحب في أعماقي مات
                  يا صبح الليل الماضــــي
                  يا ليل الصبح العائـــــد
                  الموت...والصلبان...والآهات.
                                يا قلبـــــي،
                  يافــــــلاة،
                                مادام الحب في أعماقي مـات
                  سفني ضاعت في البحر،آه قالوا،
                  لا يعود الحب يوماً إذا مات [54]
    هذه القصية يمكن تصنيفها في ‘طار القصيدة الغنائية المعاصرة حيث
    " ينتظمها خيط شعوري واحد يبدأ في العادة من منطقة ضبابية،ثم يتطور الموقف في سبيل الوضوح شيئاً فشيئاً حتى ينتهي إلى إفراغ عاطفي ملموس" [55]
    ولو قمنا برسم خط بياني للقصيدة السابقة لأمكننا رؤية التدرج العاطفي الذي يتحرك في اتجاه واحد ،وهذا بالنسبة للهيكل المعماري لهذه القصيدة " أما الصورة الخارجية لهذا الهيكل حين يكتسي اللحم و الدم فتتعدد أشكالها" [56].
    1-     الشكل الدائري المغلق :
    يمثل وحدة شعورية تنكشف أبعادها في القصيدة بعداً بعد آخر مكونة دائرة مغلقة على ذاتها ونستطيع أن نشبه هذا الشكل بالدوائر التي تظهر على سطح النهر عندما نلقي بحجر في الماء ونمثل لذلك بقصيدة " الكائنات" لأحمد حمدي، وهذه القصيدة رغم أنها متكونة من ثلاثة مقاطع مرقمة نموذج للقصيدة الغنائية فهي تتكون من مجموعة من الصور – اللوحات المتجانسة- التي تصنع حالة شعورية موحدة :
    آه....ما أقسى الحيــــاة
                                سحقتني في تجاويف المدينة
                                ورمتني في دهاليز الرطوبة
                                آه........
    ما أقسى الحياة [57]
    ويلجأ الشاعر في قصيدته إلى التكرار الذي يستخدمه لأداء وظيفة فنيـة "وهي الإيحاء بأن الرؤية الشعورية في القصيدة دائرة نفسية مغلقة "[58]
    فالشاعر يكرر هذا السطر: "آه .. ما أقسى الحياة!"بين مقاطع القصيدة ليؤكد الدلالة الشعورية الموحدة "ويكشف لنا عن إطارها الخارجي الملتحم وترابط جزئياتها داخل هذا الإطار ترابطا عضويا حيا، يؤكد تجاوب هذه الأجزاء وتولد بعضها من بعض، وانعكاس بعضها على بعض في ترادف كاشف" [59].
      ب-الشكل الدائري المفتوح:
    وهو شكل يشبه كثيرا الشكل السابق، ولكنه يختلف عنه من حيث  النهاية: "فالشاعر في هذا الشكل لا يتم دورته الشعورية حتى يعود إلى حيث بدأ، وإنما هو ينتهي في القصيدة إلى نهاية "غير نهائيـة "... إنها نهاية (مفتوحة) " [60]توحي باستمرار التجربة بغية الكشف عن المجهول، يقول عبد الله حمادي في (المتقارب):

    تكاثر ثقل احتمال الصحـاري  
    على صهوة قد علاها الكبـر
    تحصن جرح الأماني الكسالى
    وراء اندحار السنى والذكـر
    وانتقل النّصر في ناظــري
    لأركب وهج الهوى المعتصر
    حلمت ولكن حلمي خصيـب
    بأبخرة من جمـاد الحجـر
    تشوق للنصر فاستقدمتــه
    جراح تثير غريب الصور...[61]
               
        ج-الشكل الحلزونـي:
    وهو شكل ينتشر بكثرة في شعرنا المعاصر، و" في هذا الشكل تكون الرؤية الشعورية الأولى مركزا على الدوام لكل انطلاقة إلى آفاق هذه الرؤية، ومن هنا تتحدد الطبيعة الحلزونية لمعمارية هذا الشكل "[62]، الذي يمثل دائرة منفتحة على الفضاء كل دفقة شعورية فيه تبدأ من نقطة الانطلاق ويدور الشاعر معها دورة كاملة، وهكذا إلى أن نصل إلى نهاية التجربة، ونمثل لذلك بهذه الصورة: من البحر (الكامل):

    أنا طائر رمت الريـاح بعشـه
    فانشل ... يطويه الضياع وينشر
    لهب السنين الجائعات بريشـه
    ويد الخناجر في مداه تزمجـر
    تتدفق الأحزان في شريانــه
    ويجوب السكون عينيه ويحفـر
    ولقد يثور على الضياع فيرتوي
    درب بورد عذابه يتسعـــر[63]
    لو أخذنا هذه اللوحة،وتتبعنا تفاصيلها لبت لنا صورة الضياع ممثلة في صورة ذلك الطائر البريء الذي لا ذنب له غير الغناء ورغم هذا فقد رمت الرياح بعشه ...فأصبح مشلولاً ضائعاً خائباً " يطويه الضياع" ويعبث به في كل اتجاه، ثم أحرق ريشه " لهب السنين الجائعات " ولم يبق له غير رمق ضئيل من الحياة  فهو يحاول الفرار لكن " يد الخناجر في مداه تزمجر " [64] وبهذا تكتمل اللوحة الفنية وهي تمثيل لموقف نفسي تتابعت أجزاؤه ومفرداته في حركة دورانية تشبه شكل الحلزون.






    3- صور الطبيعــة
    كانت الطبيعة ولا تزال مصدرا أساسيا للخيال, وأهم العناصر الفاعلة في القصيدة فهي تمثل خلفية حية باستمرار في وعي الشاعر ولا وعيه, يتفاعل معها فتبدو كما لو أن التوتر الذي يبدو عليها هو نفسه ما في ذات الشاعر .
    وبعض الشعراء يخلعون مشاعرهم على الطبيعة محاولين بذلك تجسيم مشاعرهم وحين يمتزج الشعور بالطبيعة تبرز إمكانية الفن, وفي شعرنا الحديث تتخذ الطبيعة أشكالا متعددة :  
    1-      تشخيص مظاهر الطبيعـة :
    وذلك بإضفاء الحركة والحياة على عناصرها, فالطبيعة ليست مادة جامدة فحسب بل روح حية أيضا, وبالتالي فإن الشاعر لا ينقلها كما تفعل آلة التصوير وإنما يسعى إلى اكتشاف أسرارها والعلاقات التي تربط بين عناصرها, كما أنه يمزج مشاعره وعواطفه بمظاهر الطبيعة, فإذا هي حية بعيون شاخصة يقول عبد الله حمادي في وصف مظاهر الجمال الطبيعي بقرية "سيدي عبد العزيز " بالقرب من مدينة جيـجـل :( البسيط).
                                           
    والبحر دغدغ جنب الحي شاطئــه
    والغاب صفق بالريحان  للرفـــق
    والظل و الماء, والانسجام سابحــة
    والموج يرقص بالمجداف في الشفق
                  والصيف لان وقد هاجت مشاعـره                                        
    حتى تنفس مثل الزهر بالعبـــق [65]
    فالصورة في هذا النص تستمد نبضها من عناصر الطبيعة التي تدخل في الخلق الفني حيث البحر و أمواجه التي تدغدغ الشاطئ, والغاب التي تصفق بالريحان .....و الظل والماء والانسجام السابحة ... والموج الذي يعبث بالمجداف عند الشفق ....الخ", وهي عناصر ساهمت في تركيب هذه الصورة الفنية البديعة التي جمع الشاعر عناصرها ونسقها في مشهد فني واحد, معبرا بذلك عن خلفية حالمة بالتحرر والانطلاق كالفراشة المرفرفة و الطائر المحلق في الفضاء الفسيح.
    وهكذا فإن التشخيص ملكة خالقة "تستمد قدرتها من سعة الشعور حينا أو من دقة الشعور حينا آخر, فالشعور الواسع هو الذي يستوعب كل ما في الأراضين والسماوات من الأجسام والمعاني, فإذا هي حية كلها, لأنها جزء من تلك الحياة المستوعبة الشاملة" [66]
    يقول عبد الله حمادي في وصف أجواء قصر الحمراء : (البسيط)

    فإذا رأيت عبير الزهر منبعثـا
                  من العرائش يستفتيك بالعبــر
                  و إن سألت نمير الماء منكسبـا
    علمت منه مرور العهد والبشـر
                  و إن وقفت "بباب العرش" تسأله
                  أين ارتحال "أبي الحجاج " يادهـر
                  تلعثم النقش في لألاء مرمـــره
                                وصخت منه لداء الوجد في الحجر [67]
    وتقوم الصورة الشعرية في هذه القصيدة على إعطاء الحركة والحياة إلى الشيء الجامد غير العاقل, فيرتد حيا متحركا, خذ مثلا الصورة التالية :
                                " تلعثم النقش في لألاء مرمــره ".
    نجد هنا النقش يتحول من الجمود إلى الحركة والخصوبة الدلالية فالصورة توحي بذلك العهد الغابر الذي لم يبق منه إلا آثار تترجم معاني الحزن والأسى .... فتلعثم النقش هو في الحقيقة تجسيد لواقع الأمة العربية الإسلامية التي أصابها الذل والهوان بعد العزة والمجد, ولذلك لا نجد في النص إلا العبرات و الأحزان, التي يلجأ إليها الشاعر في محاولة لتعزية نفسه, وتسلية روحه مما أصابها على مر الدهور, وتعاقب العصور .
                  مما سبق نرى أن للتشخيص دورا كبيرا في تجسيد التجربة الفنية والتعبير عن الحالة الشعورية المستترة, ترى الدكتورة (خالدة سعيدة ) أن "هذا الميل إلى تجسيم المجردات وتشخيصها ينم عن شوق إلى استحضار ما هو غائب, والقبض على زمن مرواغ يفلت من الإنسان, وعلى عوالم ورؤى تعذب خياله, فيحاول أن يقتنصها ويودعها أقفاص المادة المحسوسة" [68] , وتشخيص الطبيعة هنا ليس مجرد عملية تزيينية من نوع تشخيص البحتري لبركة المتوكل مثـلا " بل هو انحراف بالفعل عن فاعله الحقيقي» [69] وهذا الانحراف يفسر لنا وضعيــة الشاعر:"روحه تحن إلى عالم مثالي غائب, وجسده أسير المادة, فيبقى خياله أبدا على سفر بين العالمين" [70].
                  ومن الشعراء الذين أحسنوا توظيف عنصر التشخيص, وبث الحياة في مظاهر الطبيعة الجامدة الشاعر (محمد ناصر ) * يقول : في (البسيط).
                  زيتونة الطور! هل رف الربيـع على
                                خصلاتك الخضر إذ من مصر حيـاك
                  وهل تهللت بشرا عندما بزغـــت
                  شمس من الشرق عادت منه تلقـاك ؟
                  وهل نقمت صداك اليوم من بـــلل
    يرشه " النيـــل " تحنانا لمــرآك
    أين حضنك غصن السلم مزدهـــر
    أم الجليد به "تشرين" عــــراك [71]  
    وعناصر الطبيعة التي يوظفها الشاعر تحمل معاني الانكسار والهزيمة التي أصابت الأمة العربية, بسبب نكبة فلسطين, أو كما عبر عنها الشاعر فـــي قوله "زيتونه  الطور" وشجرة الزيتون تحمل معاني مختلفة فهي أحيانا رمز الشرف الرفيع, و أحيانا أخرى ترمز للشموخ والكبرياء في وجه الزمن, إلا أنها هنا تحمل دلالات الألم و القتامة, خاصة في البيت الأخير حيث يتقلب جو القصيدة فإذا الجليد يكتسح المدى فيعرى " الزيتونة" من أوراقها الخضراء.

    2- الطبيعة وهروب الشاعر إليها :
                  الشاعر يلجأ إلى الطبيعة هربا من الواقع المتأزم, وهي في هذه الحالة تغدو عالما مثاليا أو معادلا لما يفتقده الشاعر في واقعه المعيش, خاصة عندما يثقل عليه الواقع, ويسيطر عليه الشعور بالكآبة, فيصبح الهروب إلى الطبيعة نوعا من الرفض لهذا الواقع أو لنقل إن الشاعر يهرب للشعر كي يبتكر عالما بديلا عن العالم الذي يحيا فيه, وهو عالم الهزيمة والانكسار.
    - يقول (محمد ناصر) (البحر الكامل):
           دعني بربك لاتثر قلبي المسافر في أكف الحور في دنيا الخيـــال
          في هدأة الصمت البديع سمت به أرجوحة سكرى يهدهده الجمال
          أنًا تغازله بنظرتها الوديعة زهرة جلى الربيع بهــا الــدلال
          ولقد تمر يد النسيم بشعره لتـرش في خصلاته ذوب التــلال
          ومع الهوى صفصافة مالت تسوي شعر فتنتها على الماء الزلال
          وفراشة رفت على الأزهار في شوق لتنشد في مقبلها الوصـال
          الكل في حضن الطبيعة عاشق يحيا بأنفاس المحبة و الجمـال [72]
    فالشاعر هنا يلجأ إلى الطبيعة, يلجأ إلى دنيا الحلم كي ينسى الواقع الذي يحيا فيه ينسى الخيبة و ضياع الآمال في بعث حضاري جديد يعيد الأمجاد القديمة و سيطرة الأحلام على الشاعر تحمل دلالة فقدان الأمل في الانبعاث, ولذلك, فهو يدور في هذه الحلقة المفرغة من اللاجدوى والعدمية, ويطلب من رفيقه ألا يثير قلبه"المسافر في أكف الحور في دنيا الخيال" ,إنه يفضل عالم الخيال, عالم الطبيعة الذي كل شيء فيه يحيا " بأنفاس المحبة والجمال" فلا حقد ولا إكراه, ولا ملق ولا نفاق ...
                  وتستمر بقية صور القصيدة على هذا النحو من الانسياب والانثيال اللاشعوري, مع هيمنة فكرة موحدة على أجزاء القصيدة كلها وهي فكرة الحلــم و بذلك تترابط عناصر القصيدة من خلال الموقف الفكري الموحد, فتغدو كالإيقاعات الموسيقية المختلفة المكونة للجملة الموسيقية الواحدة.
    أما (عبد العالي رزاقي) *فيهرب إلى الطبيعة من أجل استلهام عناصر القـــوة و المواجهة :
    نحن في زمـــان و مكــــــان
                  في صمـــــود الصخــــــر
                  في حفيف الورق الأخضر و الأصفر..
                  في أغصـــان كــل الشجــــر
                  في خيوط الشمس ..في ضوء القمــر
                  في نسيــــم الفجــــــر ....
                  كالذرات ننساب مع النور إلى كل البشر
                  بأيدينــا فــؤوس وحجـــــر [73]        
    هذه الصورة لا يقدمها الشاعر لمجرد إبراز العلاقة الحسية بين الأشيـاء وإنما يهدف من خلالها إلى إبراز الصلات الروحية الخفية بينه وبين عناصر الطبيعة, فيستمد منها عناصر المقاومة والثورة بغية التغيير, و بذلك يصبح تفاعل الشاعر مع الطبيعة تفاعلا حيا, حيث تتحول في بعض التجارب إلى معادل رمزي للشعور الداخلي كما في قصيدة عبد الله حمادي السابقة خاصة عندما يقول: (البحر البسيط).
               
    و إن وقفت "بباب العرش" تسألــه
                  أين ارتحال " أبي الحجاج" يادهــر
                                تلعثم النقش في لألاء مرمــــره
                  وصخت منه لداء الوجد في الحجـر
                  وتدرك الهمس في أحشاء زخرفـة
                  يترجم الأمس كالتاريخ في السيــر    
                  و "بالعريف" صراع الماء مذ أمـد
                  يغالب العهد بالريحان والعطـــر [74]
               
    فالشاعر يعبر من خلال هذه الصور عن مشاعر الحزن والحسرة التي ألمت به, وهو في غرناطة بين أحضان قصر الحمراء الذي شهد أمجاد المسلمين في الماضي, فإذا هو اليوم "مسلى إلى السواح والغجر" فبكاء الأزهار, وتذمر الأسد وتلعثم النقش... ما هو إلا معادل خارجي لألم الشاعر, لبكائه وتذمره من الواقع, وحيرته أيضا.
    و بذلك يخلق الشاعر اللغة الجديدة التي توحد بين المعطى الطبيعي والتوهج الوجداني, وتمزج بينهما في هوية واحدة ولعل هذا ما يميز توظيف الطبيعة عند الشاعر الحديث, وتوظيفها عند الشاعر الرومانسي.
                  إن الصورة الفنية لدى الشاعر الحديث, لا تقف أمام الأشياء المادية لتنسخها بل لتتعداها فتوقظ بذلك الحالة الشعورية واللحظة الانفعالية المستترة في ذات الشاعر.
    ولم يعد المصور يعنى بحرفية الشكل الخارجي وما فيه من تطابـــق لأن "التطابق أو التشابه ليس شأنا إبداعيا, فما الفائدة من رسم المظهر الخارجي لتفاحة مثلا, حتى بأقصى دقة ممكنة ... إن واقعية نقل الواقع هي الأكثر بعدا عن الواقع, الشبه توهم, الشبه مقولة من طبيعة غير فنية" [75].
                  وفقا لهذا المنظور تصبح الطبيعة " موضوع تأمل واستبصار, وكشف وقد أعطيت اللغة الفنية المبدعين لا لكي يكرروا العالم, ويسجنوه في صوره الظاهرة المعروفة, وإنما لكي يحرروه, ولكي يبقوه في حركيته الداخلية, في مالا ينتهي ولكي يظهروه باستمرار في صور جديدة " [76], ومن هنا فإن "القدرة الفنية لدى الشاعر تعمل على خلق الحالات النفسية, وتعيد للكلمات شعلتها التي خمدت أو كما يقال: اللفظة كانت جذوة من نار خبت حرارتها مع الاستعمال"[77].
    وبهذا يمكن تمييز الفن الحقيقي, إنه الذي لا يكتفي بالنقل, و إنما يتميز بطاقة الخلق لأن النقل يعني التكرار, أما الخلق فيعني التجاوز والاختراق.



    4- الصـور الكليـة :
                  هناك وسيلة أخرى من وسائل بناء الصورة الفنية جديرة بالاهتمام, وهي تشكيل مشاهد عن طريق تجميع مجموعة من الصور الجزئية المتآزرة, وهذا ما يعرف" بالصور الكليـة", ونعني بذلك أن الشاعر لا يعتمد في إبراز الفكرة أو الحالة الشعورية على صورة واحدة, بل يعتمد إلى إثراء الصورة بصور أخرى مماثلة, و إذا كانت هذه الصور تبدوا للوهلة الأولى غير مترابطة إلا أن ثمة خيطا يجمع بينها, بحيث تكون مشهدا واحدا يوحي بإحساس موحد, و يمكن أن نشبه هذه الصورة باللوحة " من حيث انسجام خطوطها وظلالها, وألوانها" [78], يقول (عمر أزراج) : من (المتقارب)

                  سأدفن وجهي بداخل تلك الحقيبة
                                وأنتظر الصمت تومئ لي ساعداه
                  فأمشي إلى جزر الوهم, أجلس بين جناحي ملاك
                  ومخلب جنية لا تحــب
                  وأقرأ من دفتر الاغتراب
                  حكايا فؤادي البعيـــد [79]  
    فالصور هنا تبدو مترابطة يتفجر منها إحساس واحد قوامه الحزن و القلق والاغتراب "أدفن وجهي", "أنتظر الصمت" , "أمشي على جزر الوهم", "أقرأ من دفتر الاغتراب".. إلى آخر ما في القصيدة من صور, و بهذا يلتقي عمل الشاعر مع عمل الرسام "الذي يكون من اللمسات الفنية المتماسكة لوحة تامة الألوان والخيوط" [80] ,وعلى هذا النحو تضمن الصورة الكلية للقصيدة وحدتها الشاملة  بفضل قدرتها على الإشعاع في كل الاتجاهات, وفي مجموع أسطر القصيدة, " فكثيرا ما تكون المفردات أو الصور الجزئية غير مثيرة أو مؤثرة بذاتها, ولكننا حين نتمثلها في الوحدة الشاملة أو الصورة الكلية نستكشف من خلالها الأعاجيب"[81] يقول مصطفى الغماري فــي " مجزوء الوافر ؟":
               
                                و أعصر يا أغاني الضوء ..أشرب نار آلامي .      
                  وتيــبس في دمي رؤياي تصلب في أحلامي
                  وتنـبت غربـة وحشيــة تغتـال أنسامـي
                  وكم غنت على ظمأ بنار الحرف أيامــي [82]
    والصورة هنا ذات ظلال متكاملة, يمكن اعتبارها صورة متدرجة في طريقها إلى الصورة الكلية توحي بقمة القحط الذي أصاب رؤيا الشاعر, والذي يتجسد من خلال الظلال التالية:
    1-      الظل الأول : جمود الآمال, ويبسها في نفس الشاعر.
    2-      الظل الثاني: تصلب في أحلامه.
    وهكذا تكتمل الصورة الفنية, فالأحلام تيبس ثم تصلب, ويمكن أن نلاحظ عنصر الحركة القوية الذي حاول الشاعر رسمه, قصد تجسيد حالة الضياع لديه " و تنبت غربة وحشية تغتال أنسامي".
                  فمجموع الصور في القصيدة متساندة فيما بينها, ومتجانسة مما أكسب الصورة الكلية كثيرا من الحيوية والخصب, ولعل هذا التركيز على الصور ذات الظلال المتكاملة يعكس اهتمام الشاعر برسم التفاصيل والجزئيات المتممة للمشهد العام, أو للصورة الكلية فتحولت الصورة على يد الشاعر إلى لوحة متكاملة.
                  وهكذا فإن الصورة الكلية تضمن للقصيدة وحدتها الكلية أو الشاملة, كما تضمن تأثيرها في القارئ بمالها من القدرة على الإشعاع في كل الاتجاهات.
    وبذلك يتجاوز الأداء الفني " تخوم الصورة التراثية من كونها شذرات مبتسرة تشبه بقعا لونية تتزاحم أحيانا وتتنافر أحيانا أو تتمزق أحيانا .. وتبدأ صورة جديدة تجمع فلذات من الخطوط المتداغمة" [83] التي تمتد وتتشعب على مساحة لغوية مفتوحة الأبعاد ولنقرأ مثلا هذه الصورة لعبد العالي رزاقي.
                  أدور .. أدور
                                في خلجات أيامي الشقية .. والزمان
                  وفي مرايا الصمت .. والمنفــى
                                وحيـدا ..
                  أرتمـي ..
                                في لجة الأحــزان
                  في دوامة التخميـن
                  في أيقونة التجـوال
                  وحيـدا ..
                  في عقارب ساعــة عميــاء
                  اغتال الدقائق والثواني
                  أجر الحـزن
                  أشرب وقــع خطواتـــي
                  ألم الصمـت
                  أمضعـــه
                  وأبحر في عباب الصفر[84]
    إن شعور الكآبة و الحزن هو الذي يلون المشهد كله إلى جانب الإحساس بالضياع, نجد ذلك خاصة في قوله " أدور.. في عقارب ساعة عمياء", وفي السطر الأخير من المقطوعة "  أبحر في عباب الصفر", ويلاحظ الدكتور محمد ناصر في تحليله لهذه القصيدة أن الصور التي وظفها عبد العالي رزاقي " تخدم جميعها فكرة واحدة, وهي التعبير عن الإحساس بالضياع والتفاهة ...عبر عن ذلك بهذا الدوران الذي لا ينتهي وبالارتماء في لجة الأحزان, و بالنظر في عقارب الساعة العمياء, وباغتيال الدقائق والثواني البطيئة وبجر الحزن جرا متثاقلا, وبلم الصمت ومضغه ..." [85], لكن هذا الإحساس بالضياع و التفاهة, لا توحي به الصور الجزئية, وإنما هو نتاج اجتماع كل الصور بحيث يتكون عنها إحساس موحد عن طريق وفرة الصور, وتداخلها وتفاعلها.
    -         الصورة الأولى : صورة الارتماء في لجة الأحزان, وهذه الصورة لا تثبير أكثر من الشعور بالألم الحاد.
    -         و الصورة الثانية: صورة الارتماء في دوامة التخمين, وفي أيقونة التجوال وحيدا, والوحدة هنا تعمق مأساة الشاعر.
    -         والصورة الثالثة : هي صورة الارتماء في عقارب الساعة العمياء, ثم اغتيال الدقائق والثواني البطيئة, وهكذا ...
    -         وهذه الصور مجتمعة تتفاعل فيما بينها, وتتكامل لتصوير مأساة الشاعر التي تتجسد في صورة " الإبحار في عباب الصفر", حيث التفاهة والعدمية, يقول مصطفى الغماري: (البحر الكامل) :
    تتثاقل الأيـــام في أعماقنــا
    كسلـى .. ويطوينا الفراغ المطبق
                                ونلوك من سقم الحديـث قشـوره
                                              ونظل نوغل في الحديث .. ننمـق
                                صور كما يهوى الفراغ ثقيلـــة
                                صفراء يصلب في رؤاها المنطـق
                                              تفتر عن مثل ابتسامة  ساخـــر
                                              أيامنا .. ليلا ينز.. فنرهـــق[86]
                  هذه الأبيات ترسم ظلالا مختلفة, ولكنها متكاملة, فالأيام بطيئة في سيرها ثقيلة كالجبال, نلوك معها الثرثرة الفارغة والكلام البليد الذي لا طائل من ورائه ونظل نوغل في الحديث المزخرف, والخطب الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع, وقد أحدثت هذه الظلال نوعا من التماسك الشعوري في القصيدة كلها, حتى جعل منها صورة نفسية موحدة توحي بالتشاؤم واليأس من الواقع العربي, وإذا جئنا إلى بقية الصور وجدناها تنمي هذا الشعور وتؤكده من خلال صور الفراغ الثقيلة, الصفراء ومن خلال الابتسامة الساخرة التي تكشف عن إحساس بالمرارة وعدم القدرة على فعل أي شيء لتغيير الواقع, الذي تحول إلى ليل سرمدي يلف أيامنا بالكآبة والحزن, يقول عبد العالي رزاقي :

                                أنا وأنت يا أخ العروبة الرحالة
                  نهاية لقصـــة أليــــمة    
                  وضوء باهت تلفه سحابة عقيمة
                  يكــاد يعبـــر الــدروب
                  مكللا بالحــزن كالغــروب
                  مضـــرجا بالـــــدم
                  جثة لأبطال الشمال والجنوب
                  صرخة ربان سفينة تــذوب
                  تغوص في أعمـاق يـــم
                  تذيب أحشاء الزمان بالسـأم [87]
    " وبوسعنا أن نلاحظ في الصورة الكلية هذا الواقع المر الذي يحياه الإنسان العربي على كره ومضض, فهو يتأمل مرور الزمن يحمل في طياته بشائر التقدم والازدهار لغيره في حين يظل هو يراوح مكانه لا يتقدم, فيعتريه السأم القاتل, وتخنقه العبرة, إنه يعيش واقعا مهزوزاً تطبعه الهزيمـة والتخـاذل والخواء" [88], ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الشاعر ينطلق من ذاته, ثم تأخذ الصورة في الاتجاه نحو الآخـــر" المجتمع" في محاولة للاتصال, فالخط الشعوري في هذه القصيدة يتجه إلى محور الاتصال, مما يدل على حضور هاجس الهم الاجتماعي في المتن الشعري الجزائري المعاصر.
    - يقول عمار بو الدهان في " معزوفة الضمــــأ" :
                  ضيعونـــــي ,
                                غرسوا الخنجر في صدري , أراقوها دماء ,
                  زرعوا الأشواك في دربي وفي غيم السماء ,
                  قتلونــي ,
                  شنقوا فجر عيونـي ,
                  ضيعوني ! ,[89]
    - و يقول أيضا في نفس القصيدة :
    ضيعوني في بحار الموت والغربة والترحال, في بحر الأغاني
                                              و التعابير الحزينة .
                  شردوا قلبي الذي يبحث عن فجر وعن حرف حزين ,
                                شردوا الحرف الذي يحمل قلبي, يحمل الأيام والعمر
                                              و آلاف السنين ,
                  ضيعوا دمعي و آهاتي , رموها في فيافي الليل, في ألف سفينة
                  شنقوا الفجر – فآة- بجبال الموت والنار , بأحزان الشتــاء,[90]
    والشاعر في هذه اللوحة يرسم مشهدا طافحا بمعاني الاغتراب والضياع وهي تخفي من ورائها نفسا منكسرة حزينة تتألم بشدة للواقع المر, كما أننا نجد نوعا من النضج في رسم الصورة الكلية, خاصة و أن الشاعر قد تخلى عن كثير من مظاهر الادعاء والاستعلاء والجهارة التي لازمت الكثير من قصائد الديوان كما هي الحال في قصيدتي " والتقينا يا نوفمبر" [91]و" وطن الثوار والمعجزات "[92] حيث اعتمد في هاتين القصيدتين على صور ذات طبيعة وجدانية مع الاستعانة بالخيال الذي كان عونا للشاعر على تصوير مشاعره الدفينة.
                  وإذا أخذنا شاعرا آخر وهو (محمد زتيلي ) فإننا نجده يرسم لنا مشاهد لنا مشاهد طافحة بمعاني الاغتراب و الضياع في عالم كله هزائم و انكسارات, يقول في قصيدته " الهروب من سوق عكاظ":
                                لمــــن أكتـــب؟ !!
                                وحـــرفي ثائر مثلي
                  يناديـني... ويدفعنـي.
                  لكــي يهــرب ...
                  لمـــن أكتـــب؟!!
                  وأنتم: سادة الشــعر
                  بعيـــدون . . .  
                  وعن وجهي قريبـون
                  كحب الأرض في قلبي
                  كحب الشعب لا ينضب
                  لمــن أكـتـب ؟!![93]
                  وتعظم مأساة الشاعر من حيث أنه لا يستطيع تغيير الواقع, فهو شاعر وقدره أن يقول الشعر, ويحترق بلهيب الأسئلة :
                                لمـن أكتــب ؟ !!
                  وكل الناس من حولي
                  يخافـــــون
                  من المـــوت
                  يخافـــون...
                  سوى من عالم الصمت
                                إذا ما القهر أنهكنا ...
                  إذا ما العار اتعبنا ...
                  تباكينــا
                                تصافحنا على الأمواج
                  تضامنا ملايينا..!!
                  دعاء الرفض يرفضنا...
                                وصوت القهر يسمعنا...
                  وسوط القاهر الجبار يوجعنا...
                  ونحن على مرآى من التاريخ يا سادة...
                  تضاجعنا...
                                خرافات من الوهم
                  تضاجعنا...
                                نداءات إلى السلم... [94]
    ومن الواضح أن الصورة في هذا المقطع موحية بالموقف الوجداني المتألم إزاء الواقع الذي لا نجد فيه إلا الموت, والقهر, والعار وتتضح لنا خيوط الرؤية الفنية لدى الشاعر فيما يتعلق بالصورة الفنية, فهـي " ليست أداة لتجسيد شعور أو فكر سابق عليها, بل هي الشعور والفكر ذاته" [95], وإذا قرأنا المقطع ثانية بدا لنا الموقف أكثر وضوحا, حيث يصد من شعور بالاغتراب و ذلك للوهلة الأولى. نلمس ذلك في كل الصور: في صورة الخوف من الموت.. في صورة التباكي من القهر والعار.. وفي صورة الركون إلى نداءات السلم؟!, كل هذه الصور تجعل الشاعر يكسر أقلامه و يستسلم, فلا جدوى من الكتابة ولا طائل من الصراخ, إنه كالذي يصرخ في بئر مهجورة ليس لها قرار !.
    وفي قصيدة " زهرة الياسمين" لأحمد حمدي, نلتقي مع نفس الأجواء المشحونة بالحزن والتي لم تفارق الشاعر, يقول(أحمد ختاوي) في دراسة له حول ديوان انفجرات: " و تعتبر هذه القصيدة أعمق قصائد المجموعة لما تحمله من شحنات شعرية وصور مؤثرة " [96].
    هــا أنـا  
    هارب يصهل الحزن
                  في شفتــي
                  مثقـل بالترائـب
                  و اللحم البشري
                  ...هارب
    أطرز الشغف المتلبد
    أستوطن الزمن
    المتصاعد في صرخات
    الغوايــات
    واللهب الحجري
    الذي سرق الخبز
    والعشق منــي  [97]
    والملاحظة الأولى: التي نسجلها في هذه القصيدة, هي طغيان عنصر الحزن على جوها العام, " مما يفسر بوضوح أن انفجارات حمدي باطنية, و أن القاموس المستعمل في تصنيف صور ورؤى قصائده لم يخرج عن إطار الحزن والقلق, والانتصار المكبوت" [98].
                  فالشاعر كان انهزاميا إلى درجة بعيدة, رغم أن عنوان المجموعة يحمل أبعاد الثورة, والقوة والتحدي, فثورة الشاعر إذاً كانت ثورة داخلية نفسية لم تتعد نطاق الذات.
    والملاحظة الثانية: أن الشاعر يلتزم في بناء صورة المعجم اللغوي الرومانسي, ويستوحيها من أجوائها الرحبة, ولكن المعجم اللغوي وحده غير كاف لخلق صور فنية, إذ لا بد من توفر عنصر الخيال الذي يمد الصورة بأبعاد وإيحاءات واسعة .
    وسنرى في الفصول القادمة, كيف يتطور الشاعر في توظيف الخيال فيمدنا بصور غريبة تصدم القارئ بشكل عنيف خاصة في ديوانه الثاني " قائمة المغضوب عليهم" [99].

    5- تراسل الحواس والألوان: ((SINESTESAI  *
    تراسل الحواس يعني وصف مدركات حاسة من الحواس بصفات مدركات حاسة أخرى, وفي هذا إبراز لأحاسيس والعلاقات الخفية بين الأشياء, فينقل الشاعر ألفاظا من مجال حسي إلى مجال آخر, وهو بذلك يشكل لغة جديدة " لغة في اللغة" لا تعترف بالأعراف والتقاليد و الأطر الموروثة, و هذه الطريقة من ابتكار الرمزين خاصة (بودليــر).
    وقد أمدت هذه الطريقة الشاعر الجزائري بقدر كبير من الحرية ومنحت فرصة للخيال كي ينطلق و يحلق دونما التزام بالواقع, ومنطق الأشياء و مثال ذلك قول (أحمد حمدي ):
               
                                لعينيك رائحة الأرض
                  و الأغنيات الحزينة في وطني
                                وضجيج المقاهي في أمسيات الشتاء
                  لعينيك
                                طعم الخمائل
                  و مــاذا ؟
                                لعينيك سحر الوطن [100]
    في هذه المقطوعة تكتسب العينين " رائحة الأرض"  وهي من مدركات حاسة البصر في الأصل, فتحولت إلى حاسة الذوق و هكذا في بقية النص, حيث تتراسل حاسة البصر والسمع في " وضجيج المقاهي" فيخلع الشاعر على العينين صفات الحاسة الأخيرة, وهي السمع.
    والتراسل في هذه الأبيات ليس تراسلاً جزئيا, و إنما يشمل المقطوعة الشعرية كاملة, فالشاعر يصف العينين من خلال إحالتها على أكثر من حاسة ليثير فينا أحاسيس خاصة, لا يمكن تصويرها بالاعتماد على هذه الطريقة " التراسل".
    وهنا يصبح من الحكمة على الأديب " الذي يريد أن يستنفد كل ما في نفسه, و ينقله كاملا إلى نفس الغير, أن ينقل ألفاظا من مجال حسى معين إلى مجال آخر, إذا كان في هذا النقل ما يعينه على هدفه وهو نقل الأثر النفسي إلى الغير" [101], ولعل أبرز الشعراء الذين جسدوا هذه  الطريقة في بناء صورهم الشاعر مصطفى محمد الغماري :
    -يقول في ديوانه " أسرار الغربة": (الكامل)
                                وتظل تجرحني عيون مرة
                                يقتات من نظراتها .. الانكسار [102]
    -ويقول أيضا :
                                وتر الضياء .. إذ ترنم في يـدي
                                يخضر حرف بالهــدى وضاء
                                و أعي.. إذا الكلم المعطر هاتف
                                و الأذن عن رشف الخنى صماء [103]
    وبهذا المفهوم يكون الغماري قد خلق لغة قد تبدو للوهلة الأولى نوعا من الخلط أو الهذيان الذي لا ينفتح إلا على الخواء, و لكن إذا أنعمنا النظر جيدا, فإننا نجد أن هذا التراسل يمكننا من الكشف عن العلاقات الخفية بين الأشياء, ثم " إن التعامل مع الموضوعات باعتبار هذه العلاقة أمدت الشعراء باستعارات و مجازات مبتكرة جديدة, ومنحت الفرصة للخيال لينطلق تعبيرا عن مشاعر الشاعر وتصوراته دون أن يتقيد بالواقع, و يخضع للعقل" [104], و ما نلاحظه على النماذج السابقة أن العلاقة بين الموضوعات ترتكز على أساس نقل الحالة النفسية أو وحدة الأثر النفسي الذي يوحي به اللفظ مع أنه لا يمكن إيجاد تلك العلاقات في الحقيقة أنظر إلى قوله :
                                ظلام شربناه مرا رهيبا
                  يبرعم في الروح أحزانية [105].
    - فالظــلام               يدرك بحاسة البصر في الأصل
    - ظلام شربناه               ألحق الظلام بحاســة الذوق .

    إن العلاقة القائمة بين الظلام / و الماء تكمن فقط في وحدة الأثر النفسي ولا نتصور أي علاقة أخرى بين الموضوعات و الأشياء التي أسندت إليها أو وصفت بها.
    وقد أدى هذا المزج إلى توليد علاقات جديدة استطاعت أن تملأ الهوة بين المجرد والحسي وبالتالي التقريب بين المحدود واللامحدود, الواقعي والمثالي .
    -مثلا : "الظلام مر المذاق " تتكون من مركب حسي مادي هــو "الظلام" ومعنى ذهني مجرد وهو " المرارة ", ومن خلال الجمع بين هذين المركبين ينتج مركب جديد يجمع بين:
    " العالم المادي والعالم المجرد ".
    الظلام (مركب مادي) + المرارة (مركب ذهني) = مركب جديد (مادي, ذهني).
    ويوضح (فيليب تيغم) هذه النقطة توضيحا فنيا فيقول: " إن (بودلير) لا يرى في تراسلاته ( (Correspondances) لعبة خاصة للمخيلة الشعرية بل هي عمل رئيسي في سياق نظام كوني, و لهذه التراسلات مهمتان: الأولى فكرية تجريدية والثانية حسية.لكل فكرة مجردة معادلها في الحقائق الحسية, ومن جهة أخرى فإن التراسل يقع في الميدان الحسي نفسه, حيث نجد علائق داخل هذا الميدان, وهنا يكمن دور الشاعر؛ الربط الفني الدقيق  بيـــن العالمين الحسـي و المجرد, فيكشف للقراء ما هو خفي مستتر, يتخذ الألفاظ المحسوسة وسيلة لتفسير المعاني المجردة اللامفهومة " [106].
                  وعلى كل حال يمكن القول إن الصورة في بداية السبعينات قد تطورت تطورا ملحوظا, بحيث تجاوزت الكثير من الخصائص التقليدية التي عرفت بها الصورة قبل الاستقلال, وإن ظلت بعض التجارب تتأرجح بين الحداثة و التقليد بحيث نجد ومضات حديثة, ولكن مناخ القصيدة العام يميل للمناخ الكلاسيكي, وقد رأينا كيف جاءت صور بعض الشعراء تقليدية في بنائها الفني, وكيف أنها تفتقر إلى الخيال الخلاق الذي بإمكانه إمداد الصور بطاقات إيحائية هائلة, وكأن لعمود الشعر سلطانا على هؤلاء الشعراء لا يستطعون الإفلات منه.
    وإلى جانب ذلك نسجل بعض التحول في إطار الصورة الفنية إذ أصبحت " إطارا لأحاسيس, بل إن أحاسيس الشاعر تصبح البؤرة الحقيقيـة التـي يتركز حولهـا الوصف والخلفيـة الأساسيـة لكـل المشــاهد" [107]
                  وقد كان لهذا الفهم الجديد لطبيعة الصورة الفنية دور في إثراء تجارب الشعراء, وتعميقها وذلك " بالاعتماد على الصورة النفسية التي تتولد مع الشعـور و الفكرة تلقائيا" [108], و بذلك استطاع الشاعر أن يتطور بإبداعه الصور الوجدانية التي تقوم على رصد توتر العاطفة, واضطراب المشاعر, كما تقوم على المزج بين الحواس, وتوظيف عناصر الطبيعة ومظاهرها المختلفة, كما وفق الشاعر إلى رسم الصور الكلية التي تحقق للتجربة وحدتها الشعورية.
                  ويمكن أن نلاحظ من خلال القراءات السابقة وجود صور شعرية ملحة وهي الصور التي تجسد الهوة الفاصلة بين الشاعر و واقعه المعيش, فتكون النتيجة إحساس الشاعر بالغربة, وهي غربة اجتماعية وحضارية؛ اجتماعية في الإحساس بالانتماء وحضارية بسبب التخلف المسيطر على الشعب الجزائري وسائر الشعوب العربية, فكانت النتيجة سيطرة بنية الانفصال على المتن الشعري الجزائري مع الرغبة الملحة للاتصال  لأن الوطن يعيش في الدم و الذاكرة والحلم و بين الانفصال والاتصال يتولد القلق, يرى الدكتور محمد ناصر أن " أبرز ظاهرة تتجسد في هذه الأعمال هي هذه الصور التي ينفجر منها إحساس هؤلاء الشباب بالحزن والضياع والاغتراب والقلق" [109].
    وهكذا تتأسس بنية النص على جدل خفي يعكس معاناة ذات بعدين:
    -         البعـد الأول : قلـق الانفصال, نتيجة الشعــور بالضيـق و الاختناق من الواقع والإحساس باللإنتماء.
    -         البعـد الثاني: الرغبة الملحة للاتصال الشديد بين الشاعر ومجتمعه كما سنرى في الفصل القـادم.

    الهوامش
    1

    [*]
    [1] - محمد حسن عبد الله: الصورة و البناء الشعري، دار المعارف، مصر، ص42
    [2] - محمد بنيس: الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالتها, ج 2, دار توبقال للنشر, المغرب 1990, ص 142.
    [3] - سي دي لويس: الصورة الشعرية, ت أحمد نصيف الجنادي, مالك ميري سلمان, حسن إبراهيم, دار الرشيد للنشر 1982, ص 20.
    [4] - المرجع نفسه: ص29.
    [5] - عبد القادر فيدوح: دلائلية النص الأدبي, ديوان المطبوعات الجامعية, وهران 1993 ص65.
    [6] - أذونيس: الصوفية والسريالية, بيروت 1992,ص 131.
    [7] - عبد الله حمادي : تحزب العشق ياليلى, دار البعث قسطينة (الجزائر)1982.
    [8] - عبد الله حمادي: قصائد غجرية, المؤسسة الوطنية للكتاب, الجزائر 1983.
    [9] - عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر قضياه وظواهره الفنية, ط3, دار الفكر العربي 1978, ص241.
    [10] - علي عشري زايد: "أصول الحركة الشعرية الجديدة ", مجلة فصول ع 1 أكتوبر 1981, ص 80.
    [11] - عبد القادر القط:  الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر,ط2, دار النهضة العربية, بيروت 1981,ص 391.
    [12] - عبد الله حمادي: الهجرة إلى مدن الجنوب, ص 26.
    [13] - المصدر نفسه:ص 13.
    [14] - رجاء عيد : لغة الشعر, منشأة المعارف بالإسكندرية 1985, ص 09.
    [15] - ينظر ندوة : " قضايا الشعر المعاصر", مجلة فصول, عدد 07-08 ,1981.
    [16] - أحمد حمدي: إنفجارات ط 2, الشركة الوطنية للنشر و التوزيع1982, ص6.
    [17] - خالدة سعيد : حركية الإبداع, ص171.
    [18] - محمد ناصر: أغنيات النخيل, الشركة الوطنية للنشر و التوزيع, الجزائر 1981, ص53.
    [19] - ينظر سنن أبي داود.
    [20] - عز الدين إسماعيل : الشعر العربي المعاصر..., ص 257.
    [21] - إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث, ص 258.
    [22] - محمد بن رقطان: ألحان من بلادي, منشورات أمال,ص  .
    [23] - رجاء عيد: لغة الشعر, ص 389.
    [24] - عمار بودهان:معزوفة الظمأ, ص17.
    [25] - عمر أزراج: وحرسني الظل, الشركة الوطنية للنشر و التوزيع,الجزائر 1976, ص05.
    [26] - رجاء عيد : لغة الشعر, ص 10.
    [27] - ينظر مقدمة أسرار الغربة, ط2, الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ص12.
    [28] - مصطفى محمد الغماري : أسرار الغربة, ص 31.
    [29] - ينظر مقدمة أسرار الغربة, ص 17-18.
    [30] - يحياوي  الطاهر: البعد الفني و الفكري عند الشاعر مصطفى الغماري المؤسسة الوطنية للكتاب, الجزائر 1983 ص 104.
    [31] - مصطفى محمد الغماري: قصائد مجاهدة, الشركة الوطنية للتشر والتوزيع الجزائر 1982, ص 35,36.
    [32]- وفيق خنسة: دراسات في الشعر السوري الحديث, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر 1981, ص 142.
    [33] -عبد الله حمادي: تحزب العشق يا ليلى,ص 142.
    [34] - المصدر نفسه: ص 142.
    [35] - المصدر نفسه: ص143.
    [36] - المصدر نفسه: ص174,173.
    [37] - أحمد شوقي: الشوقيات, دار الكتاب العربي بيروت, ص 45 وما بعدها.
    [38] - محمد حسن عبد الله: الصورة والبناء الشعري, ص33.
    [39] - المرجع نفسه: ص 33.
    [40] - عبد الله حمادي : تحزب العشق يا ليلى, ص 153.
    [41] - المصدر نفسه: ص 149.
    [42] - عز الدين إسماعيل : التفسير النفسي للأدب, ص108.
    [43] - المرجع نفسه: ص 108.
    [44] - أحمد ختاوي : إنفجارات أحمد حمدي بين الإنفجار الباطني ... الكاتب العربي, عدد 7, 1984, ص 50.
    [45] - أحمد حمدي : إنفجارات, ط2 ,الشركة الوطنية للنشر و التوزيع, الجزائر 1982, ص 6,5.
    [46] - أحمد ختاوي : إنفجارات أحمد حمدي بين الإنفجار الباطني ... الكاتب العربي, عدد 7, 1984, ص 50.
    [47] - أحمد حمدي : إنفجارات ص5.
    [48] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية, ص511.
    [49] - المرجع نفسه: ص 527.
    [50] - المرجع نفسه: 528.
    [51] - نقلا عن محمد حسن عبد الله : الصورة و البناء الشعري, ص 88.
    [52] - المرجع نفسه , ص89.
    [53] - عمار بودهان, معزوفة الظمأ ص 11.
    [54] - محمد زتيلي : فصول الحب و التحول, الشركة الوطنية للنشر والتوزيع, الجزائر, ص 59.
    [55] - عز الدين إسماعيل, الشعر العربي المعاصر, ص 251.
    [56] - المرجع نفسه, ص 252.
    [57] - أحمد حمدي: قائمة المغضوب عليهم, ص 69.
    [58] - علي عشري زايد: "من أصول الحركة الشعرية الجديدة", فصول, ع1, 1981, ص 85.
    [59] - عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر, ص 255.
    [60] - المرجع نفسه :259.
    [61] - عبد الله حمادي: تحزب العشق يا ليلى, ص 169, 171.
    [62] - عز الدين اسماعيل: الشعر العربي المعاصر, ص 261.
    [63] - مصطفى محمد الغماري: أغنية الورد, الشركة الوطنية للنشر والتوزيع, الجزائر 1980, ص 138.
    [64] - ينظر طاهر يحياوي : البعد الفني و الفكري عند الشاعر مصطفى الغماري ص99,98 .
    [65] - عبد الله حمادي:الهجرة إلى مدن الجنوب, ص09.
    [66] - عباس محمود العقاد: ابتن الرومي حياته من شعره,ص 105.
    [67] - عبد الله حمادي: تحزب العشق يا ليلى, ص 144.
    [68] - خالدة سعيد: حركية الإبداع, ط2, دار العودة, بيروت 1982, ص53.
    [69] - المرجع نفسه: ص 179.
    [70] - المرجع نفسه: ص 53.
    [71] - محمد ناصر : أغنيات النخيل, ص 67.
    [72] - المصدر نفسه: ص 89.
    [73] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر, ص 109.
    [74] - عبد الله حمادي: تحزب العشق يا ليلى, ص144,143.
    [75] - أدونيس : الصوفية و السريالية, دار الساقي, بيروت 1992, ص 200.
    [76] - المرجع نفسه: ص 202,201.
    [77] -رجاء عيد: لغة الشعر, ص393.
    [78] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث, ص512.
    [79] - عمر أزراج: وحرسني الظل, ص32.
    [80] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث, ص 513.
    [81] - عز الدين اسماعيل:  الشعر العربي المعاصر, ص145.
    [82] - مصطفى محمد الغماري: أسرار الغربة, ص111.
    [83] - رجاء عيد: لغة الشعر, ص 389.
    [84] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر,ص 27.
    [85] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث, ص 537.
    [86] - مصطفى محمد الغماري :أغنيات الورد و النار, ص73,72.
    [87] - عبد العالي رزاقي : الحب في درجة الصفر,ص 20,19.
    [88] - عثمان حشلاف: الصورة و الرمز في الشعر العربي المعاصر بأقطار المغرب العربي , (رسالة دكتوراه مخطوطة ) الجزائر 1992, ص19.
    [89] - عمار بوالدهان: معزوفة الظمأ,ص 17.
    [90] - المرجع نفسه: ص 18,17.
    [91] - المرجع نفسه: ص 31.
    [92] - المرجع نفسه: ص 35.
    [93] - محمد زتيلي: فصول الحب و التحول, ص 33.
    [94] - المصدر نفسه:ص 35,34.
    [95] - محمد حسن عبد الله: الصورة و البناء الشعري, ص33.
    [96] - أحمد ختاوي: مجلة الكاتب العربي, ع 7, ص53.
    [97] - أحمد حمدي: انفجارات, ص77,76.
    [98] - أحمد ختاوي: الكاتب العربي, ع7,.ص53.
    [99] - أحمد حمدي : قائمة المغضوب عليهم, الشركة الوطنية للنشر والتوزيع, الجزائر 1980.
    [100] - أحمد حمدي :قائمة المغضوب عليهم, ص16,15.
    [101] - محمد مندور :الشعر المصري بعد شوقي, ص 133.

    [102] - مصطفى محمد الغماري: أسرار الغربة, ص61.
    [103] - المصدر نفسه: ص 66.
    [104] - محمد ناصر : الشعر الجزائري الحديث, ص 514.
    [105] - مصطفى محمد الغماري:أسرار الغربة, ص 81.
    [106] - نقلا عن ياسين الأيوبي: مذاهب الأدب عالم وإنعكاسات, ج 2,ص 33,32.
    [107] - محمد ناصر : الشعر الجزائري الحديث,ص 511.
    [108] - المرجع نفسه: ص 534.
    [109] - المرجع نفسه: ص 534.