لقد تطور العلم من البداية المبكرة للإنسانية، لأن الإنسان فضولي بطبعه ولديه القدرة علي تدوين وتسجيل الأشياء، فلقد بدأ الإنسان يزرع ويحصد ويربي الدواجن ويرعي الحيوانات منذ 10 آلاف سنة، فتولدت لديه التجارب واكتشف قوانين الكون والحياة.
فالإنسان رغم ما بلغه من علم إلا أنه ما زال يلهث وراءه بلا نهاية، فبينما نجده توصل لمعرفة الأعداد منذ الحضارات القديمة نجده منذ نصف قرن قد إكتشف الجينات المسببة للسرطان والكواركات التي هي أصغر بكثير من الذرة والبروتونات، وقد اتبع التنبؤ العلمي ليصف أشياء أو يتوقع أحداثا لم تقع بعد، كما يتوقع الفلكيون ظاهرة الخسوف والكسوف أو كما توقع الكيميائي الروسي
مندليف عام 1869في جدوله الدوري لترتيب العناصر فوصف فيه الخواص الكيميائية و الطبيعية لعناصر لم تكتشف بعد.
وكان للعلم تطبيقات عملية محدودة، حتي مجيء الثورة الصناعية في القرن 18، فلقد دخلت التكنولوجيا حياتنا وأصبحت جزءا أساسيا لانستغي عنه من خلال تكنولوجيات متعددة، واكتشف الإنسان الميكروسكوبات وأطلع من خلالها علي عالم الميكروبات والخلايا الحية ومكوناتها من الجينات بتقنية متطورة من الميكروسكوبات الإلكترونية، واكتشف التلسكوبات ولاسيما التلسكوبات العملاقة فتوغل من خلالها لأعماق الكون، فرأي ما لم يره بشر من قبل من مجرات عملاقة وبلايين النجوم، واستطاع من خلال تقنياته المتطورة إرسال مركبات فضائية جهزت بأحدث ما توصل إليه العلم الحديث.
وتطورت أساليب المواصلات من عربات يجرها الخيول إلي طائرات أسرع من الصوت تطوي المسافات طيا، وقضي الإنسان على الأوبئة التي كانت تحصده بالملايين من خلال الطعوم والأمصال لتوقيها أو من خلال الأدوية، وأصبحت عصوره قد قصرت من قرون إلي عقود، ومن عقود إلى سنوات، ودخلت الثورة الصناعية منذ القرن 18 عصر البخار والكهرباء والميكنة، حتى جاء القرن العشرون فدخلنا فيه عدة عصور متلاحقة ومتتابعة. فشهدنا فيه الإنفجار العلمي والحضاري مما غير وجه الحياة فوق الأرض في كل المجالات. ووصل في نصفه الثاني الإنسان للقمر لينطلق في عصر الفضاء لأول مرة في تاريخ البشرية، وعلي صعيد آخر دخلنا عصر الاستنساخ بما له وعليه، ولوث الإنسان بيئته حيث مشربه ومأكله وهوائه، وأصبح يعاني من آثار هذه الملوثات القاتلة التي طالت البحر والبر والهواء، مما جعل كوكبنا كوكبا عليلا.
الحضارتين اليونانية والرومانية
وبلاد اليونان كانت حضارتهم نظرية ومنقولة عن حضارات بلاد ما بين النهرين (سوريا والعراق) وقدماء المصريين حيث جاب فلاسفتهم بالعالم القديم ليطلعوا على علومه وحضاراته والنظر إلى طبيعة مادة الأرض، وسمة الحضارة الإغريقية الفلسفة التأملية فيما وراء الطبيعة (ميتافزيقيا)، والفليسوف الإغريقي طاليس Thales وتابعوه قالوا أن الأرض قرص يطفو فوق الماء وتدور في دائرة ولا تدور حول الشمس ولكن تدور حول كرة نار مركزية، وهي مركز الكون.
وقال بعده الفليسوف الإغريقي فيثاغورث Pythagoras أن الأرض كروية، ومنذ 2000سنة قال الفليسوف الإغريقي لوسيباس Leucippus وتلميذه ديموقريطيس Democritus قإلا أن كل المواد مصنوعة من ذرات لاتنقسم. واتبع فلاسفة الإغريق أسلوب العقلانية في التفكير والسببية المنطقية لتعليل وتفسير كل شيء.وبعد قرنين من وفاة الفليسوف الإغريقي أرسطو عام 322ٌق.م. تم التطور في مجال الأعداد حيث قام العالم الإغريقي إيراتوستينيس Eratosthenes بقياس محيط الأرض بما لاتخطيء حساباته عن قياسها حاليا سوي في1%.ووضع الرياضي الإغريقي أرشميدس Archimedes أسس الميكانيكا. وكان من رواد علم ميكانيكا السوائل Fluid Mechanics وعلم الهيدروستاتيكا Hydrostatics حيث إهتم بدراسة السوائل في حالة السكون. واسس العالم الإغريقي ثيوفراستس Theophrastus علم النبات واهتم فيه بوصف النباتات وأنواعها وفحص عملية الإنبات بالبذور. ولما تصاعدت قوة الرومان بالقرن الأول ق.م. لم يكونوا مهتمين كثيرا بالعوم الأساسية، قام بطليموس بوضع خريطة للسماء وقع عليها مواقع الكواكب والنجوم المعروفة وقتها. ووضع الأرض كمركز للكون. ووضع الطبيب جالينوس Galen أبحاثه في التشريح ووظائف الأعضاء (فسيولوجيا). وبصفة عامة لم تتقدم العلوم في الإمبراطورية الرومانية. وأفلت المدارس الإغريقة وأغلقت عام 529م. بسبب انتشار المسيحية التي فرضتها روما علي معظم بلدان العالم القديم التابعة لها اليونان وآسيا الصغري والشام ومصر وأجزاء من جنوب أوروبا. ومنذ عام 500م. ولمدة تسعة قرون حتي عام 1400م. ظهرت خلالها الحضارتان الإسلامية والصينية. وخلال هذه الفترة لم يكن غرب أوروبا يهتم بالفكر العلمي ولجأ للخيال والخرافات العلمية وكيفية تحويل المعادن الخسيسة للذهب. وهذا ماعرف بعلم السيمياء. وهاتان الحضارتان كانتا حضارتين متفردتين ومنعزلتين عن أوروبا.
الحضارة الصينية والإسلامية
فالصينيون القدماء حولوا الاكتشافات إلي نهايات عملية من التنظير للتجريب والإختراع عكس الإغريق. فلقد إخترعوا البوصلة عام 270 م. والطباعة بحفر الخشب حوالي سنة 700م. واخترعوا البارود سنة 1000م. وبرعوا في الفلك. فرصدوا مستعرا أعظم (إنفجار نجم) بسديم العقرب سنة 1054م. كما برعوا في الرياضيات وتوصلوا لقيمة piسنة 600 م.
وفي الصين رسموا أقدم خريطة للنجوم عام 940 م. وفي العالم الإسلامي إنتشرت الحضارة الإسلامية حتي بلغت أسبانيا بالعصور الوسطي. فنجد من الرياضيين العرب محمد الخوارزمي الذي أدخل الأعداد العربية لأوربا بما فيها الصفر. ووضع علم الجبر والمقابلة وظل اسمه يطلق علي اللوغاريثمات (الخوارزميات) والتي مفاهيمها تطبق علي الكومبيوتر حاليا. وفي الفلك نجد العرب قد رصدوا النجوم الساطعة ووضعوها علي الخرائط الفلكية وأطلقوا عليها الأسماء العربية التي ما زالت تستعمل حتي اليوم كنجوم الدبران والطاسر والدنيب. وفي الكيمياء إخترعوا طرقا لصنع الفلزات من المعادن واختبروا جودتها ونقاوتها. وأطلقوا مصطلحات منها كلمة الكيمياء والقلوي alkali. وطوروا في الفيزياء ومن أشهر الفيزيائيين العرب ابن الهيثم وهو عراقي نشر كتاب المناظر في البصريات والعدسات والمرايا وغيرها من الأجهزة التي تستخدم في البصريات. ورفض فكرة انبعاث الضوء من العين، لكنه أقر بأن العين تبصره عندما يقع أشعة الضوء من الوسط الخارجي عليها. وهذا مانعرفه حاليا. وبعدما ترجم التراث الإسلامي لللغات الأوربية ولاسيما بعد اختراع جوتنبرج الطباعة. فطبعت النسخ من هذا التراث وشاعت العلوم العربية وأمكن الحصول عليها هناك بسهولة ويسر. أما ابن سينا- عرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث- فقد ألّف 450 كتاب في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب. كما أنّه يعتبر من الأعظم شهرة في كل الأزمان والأماكن والأوقات. وأعظم أعماله المشهورة هي كتاب الشفاء وكتاب القانون في الطب. ولابن النفيس في الطب منجزات وإبداعات فهو أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى أو دوران الدم الرئوي، قبل العالم الطبيب وليم هارفي وقد سجل ابن النفيس اكتشافه هذا في كتابه :" شرح تشريح القانون لابن سينا".
عصر النهضة
وبعد ظهور وباء الطاعون (الموت الأسود) سنة 1347م. تأخر التقدم العلمي في أوروبا زهاء قرنين حتي سنة 1543م. عندما نشر كتاب العالم البلجيكي أندرياس فازليس بعنوان (في تركيب الجسم البشري)(De Corporis Humani Fabrica). حيث صحح فيه أفكار جالينوس منذ 1300 سنة عن تشريح جسم.والكتاب الثاني في هذه السنة عام 1543 وكان له دلالة كبري كان بعنوان (في ثورات الكرات السماوية)(De Revolutionibus Orbium Coelestium) للفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكس حيث رفض فيه فكرة الأرض مركز الكون كما وضعها بطليموس في القرن الأول ق.م. في كتابه(المجسطي) والذي ترجمه المسلمون. كما بين كوبرنيكس – أيضا- أن الأرض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس. ومنعت الكنيسة الكاثوليكية كتابه من التداول لمدة قرنين بل كفرته رغم صحة ماقاله. لكن في العقد الأول من القرن 17 ثبت صحة كوبرنيكس ولاسيما بعد اختراع التلسكوب حيث إستخدمه جاليليو ليكون أول شخص يري أقمارا تدور حول كوكب المشتري ورأي وجه القمر ورسمه بالتفصيل. كما رأي كوكب الزهرة يتضاءل وهو يدور حول الشمس. واتهم جاليليو وكوبرنيكس اللذان صححا كثيرا من المفاهيم الفلكية بالهرطقة. وهذا ماجعل جاليليو يتراجع عن أفكاره. لكنه بحث القوانين التي تتحكم في سقوط الأشياء واكتشف أن تأرجح البندول ثابت في أي الإتجاهين. وهذه الحركة البندولية إكتشفت إمكانية استخدامها في ضبط الساعات. وقد طبقها إبنه عام 1641م. وبعد عامين إكتشف تورشيللي البارومتر لقياس الضغط الجوي. وفي سنة 1650 إكتشف الفيزيائي الألماني جويرك المضخة الهوائية. فأحضر نصفي كرة برونزية.وفرغهما من الهواء للدلالة علي قوة الضغط الجوي. ثم أحضر مجموعتين من الأحصنة وكل مجموعة من ثمانية وحاولوا شد نصفي الكرة المفرغة من الجانبين المتقابلين. فظلت الكرة ملتصقة تماما.لأن الكرة مفرغة ولايوجد بها ضغط هوائي والضغط الجوي الخارجي الواقع عليها أعلي. ولما ضخ الهواء بها إنفصلا عن بعضهما..لأن الضغط الجوي بداخلها وبالخارج متعادل. وخلال القرن 17 حدث تقدم كبير في علوم الحياة حيث إكتشف الإنجليزي وليام هارفي الدورة الدموية واكتشف العالم الهولندي أنطوني فان ليوفينهوك الكائنات الدقيقة من خلال ميكرو سكوبه الذي إخترعه. وفي إنجلتلرا وضع روبرت بويل ألكيمياء الحديثة. وفي فرنسا إكتشف رينيه ديكارت عدة رياضيات ووضع المذهب العقلي في العلم.
لكن كان أعظم إنجازات العلم في القرن 17. عندما استطاع الفيزيائي والرياضي الإنجليزي إسحق نيوتن عام 1665م، وضع نظريات عن طبيعة الضوء والجاذبية الكونية التي إعتبرها تمتد في كل الكون. وكل الأشياء تجتذب لبعضها بقوة معروفة. والقمر مشدود في مداره بسبب الجاذبية التي تؤثر علي حركة المد والجزر بالمحيطات فوق الأرض.وفي عصر التنوير The Age of Enlightenment. كان نيوتن قد بين بالقرن 18 ان الطبيعة(الوجود) محكومة بقوانبن أساسية تجعلنا ننهج المنهج العلمي. وهذا ماحرر علماء هذا القرن وجعلهم يقتربون من الطبيعة لأن الاكتشافات حررتهم من أسار السلطة الدينية وأفكار وحكمة الكتابات القديمة والتي لم تخضع للتجارب. وهذا التوجه العقلاني والعلمي أدخل العلم في عصر السببية (الأسباب) Age of Reason أو مايقال بعصر التنوير Age of Enlightenment حيث طبق علماء القرن 18بشدة الفكر العقلي والملاحظة الواعية والتجارب لحل المسائل المختلفة. فظهر تصنيف وتقسيم الأحياء حيث صنف العالم الطبيعي السويدي كارلوس لينويز 12 ألف نبات وحيوان حسب الترتيب للصفات. وفي سنة 1700 م. صنعت أول آلة بالبخار وتطور التلسكوب ليكتشف به الفلكي الإنجليزي وليام هيرسكل الكوكب أورانوس عام 1781 م. وخلال القرن 18 لعب العلم دورا بارزا في الحياة اليومية. فلقد ظهرت ثورة الآلة في مضاعفة الإنتاج الصناعي ومنذ القرن 19 إنتهج العلم طريق المعرفة في شتي فروعه. ففي الكيمياء إعتبرت المادة مكونة من الذرات. ووضع الإنجليزي جون دالتون النظرية الذرية Atomic theoryعام 1803 حيث إكتشف أن كل ذرة لها كتلة. وهذه الذرات تظل بلا تغيير حتي لو إتحدت مع ذرات أخرى لتكوين المركبات. كما بين أن المواد دائما تتحد معا بنسب ثابتة.واستطاع ديمتري ماندليف Dmitry Mendeleyev استخدام اكتشافات دالتون للذرات وسلوكها في رسم جدوله الدوري الشهير الذي رتب فيه العناصرعام 1869. كما شهد القرن 19 في الكيمياء تخليق الأسمدة الصناعية(المخلقة) synthetic fertilizer عام 1842بإنجلترا. وفي عام 1846الكيميائي الألماني كريستيان شونباين Christian Schoenbein المادة المتفجرة نيترو سيلليلوز من خليط حامضي الكبرتيك والنيتريك وغمسه بقطع من القطن وقام بتجفيفها. وتوصل إلي أن السيلليلوزبالقطن يتحول لمادة سريعة الإشتعال وشديدة الإنفجار. وبنهاية القرن 19أمكن تصنيع مئات المركبات العضوية بتخليقها من مواد غير عضوية. فصنعت الأصباغ والأسبرين.
العصور الحديثة
الفيزياء
خلال القرن 19 كانت الأبحاث في الكهرباء والمغناطيسية التي قام بها مايكل فراداي Michael Faraday وجيمس كلارك ماكسويل James Clerk Maxwell في بريطانيا. فلقد أثبت فراداي عام 1821أن المغناطيس المتحرك يولد كهرباء في الموصلات (الأسلاك). ومكسويل بين أن الضوء طاقة من موجات كهرومغناطيسية. وفي عام 1888إكتشف الفيزيائي الألماني هينريش هرتز Heinrich Hertz موجات الراديو. والفيزيائي الألماني وليهيلم رونتجن إكتشف أشعة (X) عام 1895.. وفي سنة 1897 إكتشف الفيزيائي البريطاني جوزيف طمسون Joseph J. Thomson الإلكترون واعتبره جسيما دون ذري. واخترع توماس إديسون Thomas Edisonبوق(ميكروفون) التليفون من حبيبات الكربون (الفحم) عام 1877. كما إخترع الفونوجراف واللمبات الكهروبائية.
علوم الأرض
وفي علوم الأرض نجد القرن 19 قد شهد تطورا كبيرا حيث قدر عمر الأرض ما بين 100000سنة ومئات الملايين من السنين. وفي الفلك مع التطور الهائل في الأجهزة البصرية، تحققت اكتشافات هامة. ففي عام 1801لوحظت المذنبات ومدار كوكب أورانوس الشاذ. فلقد توقع لفلكي الفرنسي جيان جوزيف ليفرييه Jean Joseph Leverrier أن كوكبا مجاورا لأورانوس يؤثر علي مداره. وفد استخدم الحسابات الرياضية. وقد قام العالم الفلكي الألماني جوهام جال Johann Galle في عام 1846بمساعدة العالم ليفرييه باكتشاف كوكب نبتون. وكان الفلكي الإيرلندي وليام بارسونز William Parsons أول من شاهد شكل المجرات الحلزونية فيما وراء نظامنا الشمسي، عن طريق التلسكوب العاكس العملاق (وقتها)عام 1840.
علوم الحياة
كما شهد القرن 19 تقدما في علوم الحياة بدراسة الكائنات الدقيقة ولاسيما بعد ما حقق العالم الفرنسي لويس باستير Louis Pasteur ثورته في الطب الوقائي عام 1880 عندما بين أن بعض الأمراض سببها الجراثيم فصنع الطعوم الواقية منها لأول مرة في التاريخ ولاسيما ضد مرض السعار (الكلب).واخترع طريقة البسترة لمنع انتشار الجراثيم باللبن وتعقيم الأطعمة لمنع فسادها ونقلها للجراثيم المعدية. وفي سنة 1866 إكتشف الراهب النمساوي جريجور مندل Gregor Mendel الوراثة. وأعقبه العالم الإنجليزي تشارلز داروين Charles Darwin باكتشافه نظرية التطور، عندما نشر كتابه (أصل الأنواع (On (Origin of Species عام1859. وفيه بين نظرية الإختيارالطبيعي natural selection للأنواع. وأن البشر أسلافهم من أشباه القرود. وقد تطوروا من خلال عمليات بيلوجية.وقد قوبلت نظريته بالمعارضة الدينية الشديدة إلا أن العلماء قبلوها وأقروا بأن التطور قد وقع فعلا رغم نكران البعض لآلية التطور.وفي القرن العشرين ظهر العلم الحديث حيث كانت الاكتشافات والإنجازات العلمية المذهلة ولاسيما في مجالات الوراثة والطب والعلوم الإجتماعية. ففي مطلع هذا القرن دخل علم الأحياء فترة تطور سريع في الهندسة الوراثية حيث أعيد اكتشاف نظرية مندل عام 1900.وأعقبها أصبح علماء الأحياء مقتنعين بوجود الجينات الوراثية بالكروموسومات بالخلايا الحية. والتي هي عبارة عن خيوط تحتوي علي البروتينات والحامض النووي (جزيء دنا) (deoxyribonucleic acid (DNA)). وفي عام 1940 أكتشف أن دنا مأخوذا من بكتريا يمكن أن يغير الصفات الوراثية لبكتريا أخرى. فعرف أن الدنا هو المركب الكيميائي الذي يصنع الجينات وهو مفتاح الوراثة. وبعد أن قام العالمان الأمريكي جيمس واتسون James Watson والبريطاني فرانسيس كريك Francis Crick عام 1953 بوضع هيكل لجزيء دنا. بعده أمكن للهندسة الوراثية فهم الوراثة من خلال مفاهيم كيميائية. فوضع الجينوم genomeوهو الخريطة الجينية التي من خلالها تعرف علماء الأحياء علي الجينات البشرية ودورها في الحياة والأمراض البشرية. مما جعل التعرف علي الجينات المسببة للأمراض وسيلة لعلاجها عن طريق الجينات.ونقلها من كائن حي لآخر لتغيير بعض صفاته الوراثية والقيام بعملية التهجين الجيني.
الطب
وفي الطب شهد القرن العشرين تطورا غير مسبوق واكتشافات كبرى. فلقد إكتشف الطبيب الهولندي كريستيان إيجكمان Christiaan Eijkman أن الأمراض لاتسببها الجراثيم فقط ولن يمكن أن تكون بسبب نقص بعض المواد في الغذاء. فتوصل العلماء للفيتامينات. وفي عام 1909 توصل البكتريولوجي الألماني بولوس إيرلخ Paul Ehrlich لأول قاتل كيماوي (مركب السلفانيلاميد) للجراثيم بدون قتل خلايا المريض. ثم أكتشف البكتريولوجي البريطاني ألكسندر فليمنج Alexander Fleming عام 1928 البنسلين المضاد الحيوي.ثم أعقبه المضادات الحيوية الأخرى والتي تقتل البكتريا وليس لها تأثير علي قتل الفيروسات التي ما زالت تكافح أمراضها الفيروسية القاتلة بالأمصال والطعوم الحيوية حتي الآن. كما في مرض الجدري ومرض شلل الأطفال الذين إنتهيا من فوق الخريطة الصحية العالمية تقريبا في أواخر القرن العشرين. وتوقع العلماء إمكانية القضاء أو السيطرة علي الأوبئة عام 1980. إلا أنهم صدموا بظهور سلالات جديدة من الجراثيم المعدية مقاومة للمضادات الحيوية كجراثيم السل (الدرن) والفيروسات المسببة لحمي النزيف الدموي أو نقص المناعة كالإيدز. وفي مجال تشخيص الأمراض شهد الطب طفرة في تقنية التصوير التشخيصي كالتصوير بالرنين المغناطيسي magnetic resonance والمسح الطبقي (computed tomography). كما أن العلماء في طريقهم للعلاج الجيني gene therapy لبعض الأمراض كمرض السكر. وظهر التشخيص وإجراء العمليات بالمناظير وزراعة الأعضاء وتغيير صمامات القلب وتوسيع الشرايين. وكلها كان من المستحيل إجراؤها.وظهرت ممارسة الطب عن بعد telemedicine بفضل التقدم في توصيلات الألياف البصرية السريعة high-speed fiber-optic عن طريق استخدام الإنسان الآلي وقيامه بالعملية الجراحية بغرفة العمليات. والجراح في هذه الحالة يقوم بتوجيهه في حجرة مجاورة. ويمكن عن طريق الإنترنت يقوم جراح في بلد آخر بالقيام بهذه العملية. لكن الإنسان الآلي يقوم بالمهمة أدق من الجراح البشري.
التكنولوجيا
وفي التكنولوجيا نجد أن مهندس الكهرباء الإيطالي جوليميو ماركوني Guglielmo Marconi قد أرسل أول إشارات راديو عبر محيط الأطلنطي عام 1901. وكان المخترع الأمريكي لي دي فورست Lee De Forest قد إخترع عام 1906الأنبوب(الصم[[ميديا:Example.ogg
ام) المفرغ مفتاح تشغيل نظم الراديو والتلفزيون والكومبيوتر. وبين سنتي 1920-1930 أخترع الأمريكي فلاديمير كوزما زوركين Vladimir Kosma Zworykin التلفزيون بالصوت والصورة. وفي سنة 1935قام عالم الفيزياء البريطاني روبرت واتسون Robert Watson باستخدام موجات الراديو المنعكسة (المرتدة) لتحديد موقع طائرة في حالة الطيران. وإرتداد الإشارات الرإدارية من القمر والكواكب والنجوم لتحديد بعدها من الأرض وتتبع مساراتها. وفي سنة 1947إخترع علماء أمريكان الترانسستورالذي يكبر التيار الكهروبائي ويوفر الطاقة. وجعل الأجهزة الكهربائية أصغر حجما. وما بين عامي 1950 و1960 ظهرت الكومبيوترات الصغيرة باستعنال الترانسستورات. فصغر حجمها ووفرت الطاقة. كما ظهرت الدوائر الإلكترونية المضغوطة.وفي سنة 1971 ظهر الكومبيوتر الشخصي المحمول والشرائح.
خاتمة المحاضرة الأولى
فلسفة العلوم أحد فروع الفلسفة الذي يهتم بدراسة الأسس الفلسفية والافتراضات والمضامين الموجودة ضمن العلوم المختلفة، بما فيها العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا، والاجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية. بهذا المفهوم تكون فلسفة العلوم وثيقة الصلة بالابستمولوجيا والانتولوجيا فهي تبحث عن أشياء مثل : طبيعة وصحة المقولات العلمية، طريقة إنتاج العلوم والنظريات العلمية، طرق التأكد والتوثيق من النتائج والنظريات العلمية، صياغة وطرق استعمال الطرق العلمية المختلفة أو ما يدعى بالمنهج العلمي، طرق الاستنتاج والاستدلال التي تستخدم في فروع العلم كافة، وأخيرا تضمينات هذه المقولات والطرق والمناهج العلمية على المجتمع بأكمله وعلى المجتمع العلمي خاصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحاضرة الثانية:
الفرق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية
في كل المداخل السابقة حاولنا أن نبيِّن أن ثمة ثنائية فضفاضة تسم الوجود الإنساني (الخالق/المخلوق ـ النزعة الربانية/النزعة الجنينية ـ الإنسان/الطبيعة). وثنائية الإنسان/الطبيعة هي أهم هذه الثنائيات. وقد عبَّرت عن نفسها في الجدل المثار في العلوم الإنسانية منذ بداية ظهورها في القرن التاسع عشر وهل هناك «علم طبيعي» مختلف عن «العلوم الإنسانية» أم أن هناك وحدة (أي واحدية) للعلوم.
ويُطلَق مصطلح «العلم الطبيعي» على كل دراسة تتناول معطيات الواقع المادي بكلياته وجزئياته. ووسيلة هذه الدراسة هي منهج الملاحظة المباشرة والتجربة المتكررة والمتنوعة. والدراسة وكذلك عمليات التجريب تتم بهدف التفسير من خلال التوصل إلى تعميمات وقوانين تحقق الانتقال من الخاص إلى العام وتكشف عن العلاقات المطّردة الثابتة بين الظواهر. وهذه القوانين يتم التعبير عنها عن طريق تحويل صفات الكيف (التي لا تُقاس) إلى صفات كم بحيث يتم التعبير عنها برموز رياضية. وتتميَّز قوانين العلوم الطبيعية بأنها دقيقة وعامة تتخطى الزمان والمكان، وهي حتميـة (ولكنها، بعد اهتزاز الحتمية، أصبحت احتمالية ترجيحية: ترجيحية تقارب اليقين وتظل صالحة للاستعمال حتى يثبت بطلانها).
ويذهب البعض إلى أن نموذج العلوم الطبيعية (بما ينطوي عليه من واحدية موضوعية مادية) لابد أن يُطبَّق في كل العلوم الأخرى (وضمن ذلك العلوم الاجتماعية والإنسانية). وقد لاحظ كثير من العلماء في الشرق والغرب خلل مثل هذه المحاولة نذكر منهم د. حامد عمار، د. توفيق الطويل، د. حسن الساعاتي (الذين يعتمد هذا المدخل على كتاباتهم) وبينوا الاخـتلافات بين الظاهرة الإنسانية والظاهرة الطبيعية، ونوجزها فيما يلي:
1ـ أ) الظاهرة الطبيعية مُكوَّنة من عدد محدود نسبياً من العناصر المادية التي تتميَّز ببعض الخصائص البسيطة، وهذا يعني أنه يمكن تفتيتها إلى الأجزاء المكوِّنة لها. كما أن الظاهرة الطبيعية توجد داخل شبكة من العلاقات الواضحة والبسيطة نوعاً والتي يمكن رصدها.
ب) الظاهرة الإنسانية مُكوَّنة من عدد غير محدود تقريباً من العناصر التي تتميَّز بقدر عال من التركيب ويستحيل تفتيتها لأن العناصر مترابطة بشكل غير مفهوم لنا. وحينما يُفصَل الجزء عن الكل، فإن الكل يتغيَّر تماماً ويفقد الجزء معناه. والظاهرة الإنسانية توجد داخل شبكة من علاقات متشابكة متداخلة بعضها غير ظاهر ولا يمكن ملاحظته.
2ـ أ) تنشأ الظواهر الطبيعية عن علة أو علل يسهل تحديدها وحصرها، ويسهل بالتالي تحديد أثر كل علة في حدوثها وتحديد هذا الأثر تحديداً رياضياً.
ب) الظاهرة الإنسانية يصعب تحديد وحصر كل أسبابها، وقد تُعرَف بعض الأسباب لا كلها، ولكن الأسباب تكون في العادة متداخلة متشابكة، ولذا يتعذر في كثير من الحالات حصرها وتحديد نصيب كل منها في توجيه الظاهرة التي ندرسها.
3ـ أ) الظـاهرة الطبيعـية وحـدة متكـررة تَطَّرد على غرار واحد وبغير اسـتثناء: إن وُجدت الأسـباب ظهرت النتيجة. ومن ثم، نجد أن التجربة تُجرَى في حالة الظاهرة الطبيعية على عينة منها ثم يُعمَم الحكم على أفرادها في الحاضر والماضي والمستقبل.
ب) الظاهرة الإنسانية لا يمكن أن تَطَّرد بنفس درجة الظاهرة الطبيعية لأن كل إنسان حالة متفردة، ولذا نجد أن التعميمات، حتى بعد الوصول إلىها، تظل تعميمات قاصرة ومحدودة ومنفتحة تتطلب التعديل أثناء عملية التطبيق من حالة إلى أخرى.
4ـ أ) الظاهرة الطبيعية ليس لها إرادة حرة ولا وعي ولا ذاكرة ولا ضمير ولا شعور ولا أنساق رمزية تُسقطها على الواقع وتدركه من خلالها، فهي خاضعة لقوانين موضوعية (برانية) تحركها.
ب) الظاهرة الإنسانية على خلاف هذا، ذلك لأن الإنسان يتسم بحرية الإرادة التي تتدخل في سير الظواهر الإنسانية، كما أن الإنسان له وعي يسقطه على ما حوله وعلى ذاته فيؤثر هذا في سلوكه. والإنسان له ذاكرة تجعله يُسقط تجارب الماضي على الحاضر والمستقبل، كما أن نمو هذه الذاكرة يُغيِّر وعيه بواقعه. وضمير الإنسان يجعله يتصرف أحياناً بشكل غير منطقي (من منظور البقاء والمنفعة المادية)، كما أن الأنساق الرمزية للإنسان تجعله يُلوِّن الواقع البراني بألوان جوانية.
5ـ أ) الظواهر الطبيعية ينم مظهرها عن مخبرها ويدل عليه دلالة تامة بسبب ما بين الظاهر والباطن من ارتباط عضوي شامل يُوحِّد بينهما فيجعل الظاهرة الطبيعية كلاًّ مصمتاً تحكمه من الداخل والخارج قوانين بالغة الدقة لا يمكنها الفكاك منها، ولهذا تنجح الملاحظة الحسية والملاحظة العقلية في استيعابها كلها.
ب) الظواهر الإنسانية ظاهرها غير باطنها (بسبب فعاليات الضمير والأحلام والرموز) ولذا فإن ما يَصدُق على الظاهر لا يَصدُق على الباطن. وحتى الآن، لم يتمكن العلم من أن يُلاحظ بشكل مباشر التجربة الداخلية للإنسان بعواطفه المكبوتة وأحلامه الممكنة أو المستحيلة.
6ـ أ) لا يوجد مكوِّن شخصي أو ثقافي أو تراثي في الظاهرة الطبيعية؛ فهي لا شخصية لها، مجردة من الزمان والمكان تَجرُّدها من الوعي والذاكرة والإرادة.
ب) المكوِّن الشخصي والثقافي والذاتي مكوِّن أساسي في بنية الظاهرة الإنسانية. والثقافة ليست شيئاً واحداً وإنما هي ثقافات مختلفة، وكذا الشخصيات الإنسانية.
7ـ أ) معدل تحوُّل الظاهرة الطبيعية يكاد يكون منعدماً (من وجهة نظر إنسانية)، فهو يتم على مقياس كوني، كما أن ما يلحق بها من تغير يتبع نمط برنامج محدد، ولذا فإن الظواهر الطبيعية في الماضي لا تختلف في أساسياتها عنها في الحاضر، ويمكن دراسة الماضي من خلال دراسة الحاضر.
ب) معدل التغيُّر في الظواهر الإنسانية أسرع بكثير ويتم على مقياس تاريخي، وما يطرأ عليها من تغير قد يتبع أنماطاً مسبقة ولكنه قد ينسلخ عنها. وعالم الدراسات الاجتماعية لا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يلمس الظواهر الإنسانية التي وقعت في الماضي، ولذا فهو يدرسها عن طريق تقارير الآخرين الذين يلونون تقاريرهم برؤيتهم، فكأن الواقعة الإنسانية في ذاتها تُفقَد إلى الأبد فور وقوعها.
8ـ أ) بعد دراسة الظواهر الطبيعية والوصول إلى قوانين عامة، يمكن التثبت من وجودها بالرجوع إلى الواقع. ولأن الواقع الطبيعي لا يتغيَّر كثيراً، فإن القانون العام له شرعية كاملة عبر الزمان والمكان.
ب) بعد دراسة الظواهر الإنسانية، يصل الإنسان إلى تعميمات. فإن هو حاول تطبيقها على مواقف إنسانية جديدة فإنه سيكتشف أن المواقف الجديدة تحتوي على عناصر جديدة ومكونات خاصة إذ من غير الممكن أن يحدث في الميادين الاجتماعية ظرفان متعادلان تماماً، ومتكافئان من جميع النواحي.
9ـ أ) لا تتأثر الظواهر الطبيعية بالتجارب التي تُجرَى عليها سلباً أو إيجاباً، كما أن القوانين العامة التي يُجرِّدها الباحث والنبوءات التي يطلقها لن تؤثر في اتجاهات مثل هذه الظواهر، فهي خاضعة تماماً للبرنامج الطبيعي.
ب) تتأثر العناصر الإنسانية بالتجربة التي قد تُجرَى عليها، فالأفراد موضوع البحث يحوِّلون من سلوكهم (عن وعي أو عن غير وعي) لوجودهم تحت الملاحظة، ففي إمكانهم أن يحاولوا إرضاء صاحب التجربة أو يقوضوا نتائجه. كما أن النبوءات التي يطلقها الباحث قد تزيد من وعي الفاعل الإنساني وتغيِّر من سلوكه.
10ـ أ) بإمكان الباحث الذي يدرس الظاهرة الطبيعية أن يتجرد إلى حدٍّ كبير من أهوائه ومصالحه لأن استجابته للظاهرة الطبيعية وللقوانين الطبيعية يَصعُب أن تكون استجابة شخصية أو أيديولوجية أو إنسانية، ولذا يمكن للباحث أن يصل إلى حدٍّ كبير من الموضوعية.
ب) أما الباحث الذي يدرس الظاهرة الإنسانية فلا يمكنه إلا أن يستجيب بعواطفه وكيانه وتحيزاته، ومن خلال قيمه الأخلاقية ومنظوماته الجمالية والرمزية، ولذا يَصعُب عليه التجرد من أهوائه ومصالحه وقيمه التي تعوقه في كثير من الأحيان عن الوصول إلى الموضوعية الصارمة.
ولكل ما تقدَّم، فإن من الممكن إجراء التجارب المباشرة المنضبطة المتكررة على العناصر الطبيعية ويمكن قياسها بمقاييس كمية رياضية فهي تخلو من الاستثناءات والتركيب والخصوصيات، ويمكن التَوصُّل إلى قوانين عامة تتسم بالدقة تنطبق على الظاهرة في كليتها وفي جوانيتها وبرانيتها. أما الظاهرة الإنسانية، فلا يمكن إجراء التجارب المباشرة المنضبطة عليها ويستحيل تصويرها بالمعادلات الرياضية الدقيقة إذ لا تخلو من الاستثناءات والتركيب والخصوصيات، ولذا لا يمكن التَوصُّل إلى قوانين عامة (وإن تم التوصل إلى قوانين فلابد أنه تعوزها الدقة والضبط). وهناك عدد كبير من الكُتَّاب الغربيين من أوائلهم فيكو ومن أهمهم كانط وديلتاي وريكرت ينطلقون من محاولة التمييز بين الإنسان والطبيعة. ولكن غالبية المفكرين الغربيين يدورون في إطار الواحدية المادية (أو الواحدية المثالية) ويحاولون القضاء على هذه الثنائية تماماً وإلغاء الحيز الإنساني وبالتالي يدافعون عن وحدة (أو واحدية) العلوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلسفة العلوم الإنسانية
طرح المشكلة :إذا كانت الأجسام تختلف في طبيعتها فهي تتفق في خضوعها لقوانين ثابتة ولنظام واحد هو نظام الكون ومثالنا على ذلك فإنه مهما كانت طبيعتها جامدة أو حية ،مادية أو معنوية فإنها خاضعة لنظام كوني واحد،كما أن أحكام الإنسان تختلف على هاته الأشياء مما يجعلها خاضعة للأذواق والميول مما يجعل أحكامنا لها أحكام تقديرية ،ولكن الشيء الذي نجده يختلف هو الشيء الذي يتعلق بالخصوصيات الإنسانية التي ينفخ فيها الإنسان من روحه وهذا ما يجعلها تختلف عن الظواهر الفيزيائية المنتمية إلى عالم الأشياء ، مما يفرض علينا أن تكون لكل واحدة من هاته الظواهر طريقة منهجية خاصة كما تعتبر الظواهر الإنسانية ظواهر معقدة وهذا راجع إلى عوامل إنتاجها متداخلة ومترامية الأطراف كما تعتبر نتاج تفاعل مؤثرات نفسية و اجتماعية ضمن حدود الزمن وهذا ما يجعل العلوم الإنسانية تتجلى في جملة العلوم الإنسانية أهمها :علم التاريخ ،علم الاجتماع، وعلم النفس ،ومن حل هاته التداخلات والارتباطات بين الوقائع الاجتماعية و النفسية و بغيرها من المؤثرات ومن أجل حل هذا التداخل نتناول ثلاثة محاور أساسية:
1-كيف السبيل إلى ضبط مفهوم العلوم الإنسانية:
أولا :بين علوم الإنسان وعلوم إنسانية:
1)مفهوم العلوم الإنسانية :وهي تسمى العلوم المعنوية وهي تتخذ من أحوال الناس وسلوكاتهم موضوع الدراسة وفق منهج منظم ،تدرس واقع الإنسان كفرد لوحده ،أو فردًا من جماعة ،أي أن العلوم الإنسانية علوم تتناول فاعليات الإنسان المختلفة وساعية إلى ضبط طبيعتها وتحديد دلالاتها ومقاصدها المختلفة.
2)موضوعها:تدرس كل ما يصدر عن الإنسان من سلوكيات من مختلف أبعاده ، العاقلة والنفسية والاجتماعية والآثار التي وراءه والتي تدل على وجوده وحضوره ،كما ترد تسميتها لاهتمامها بموضوع الإنسان و بما تثيره من تأويلات تتعلق بالقيم و الأخلاق .
ثانيا:الفرق بينها وبين العلوم المعيارية:
أن العلوم الإنسانية تدرس الحالة الراهنة أي ما هو كائن أما العلوم المعيارية فهي تهتم بما يجب أن يكون أي بما تحمله الأماني كعلم النطق وعلم الجمال وعلم الأخلاق .
ثالثا:نقول الإنسانية مثلما نقول التجريبية والمعيارية:
نقول إنسانية نسبة إلى موضوعها ، ونقول تجريبية نسبة إلى منهجها التجريبي كما نقول معيارية نسبة إلى المعيار الذي يقدر على مثاله السلوك أي ما يجب أن عليه السلوك
2- ومع ذلك يمكن الاعتقاد بأنها علوم على منوالها :
ونقصد بذلك الصعوبات التي تعتر ضنا خاصة في تطبيق المنهج التجريبي التي تواجهنا وطريقة تذليلها والوصول فيها إلى نتائج وهاته الصعوبات نجدها على مستوى علو التاريخ ،وعلو الاجتماع وعلم النفس ،كما نبين كيف تمكن العلماء من اقتحامها كل في تخصصه
أولا: عوائق تطبيق مقياس التجربة بالمفهوم المستعمل في العلوم التجريبية :
إن السبب الذي يشكل عقبات أمام تطبيق مقياس التجربة المعروف في العلوم التجريبية في العلوم الإنسانية أنها ظاهرة ذاتية وقصدية، كما توجهها جملة من القيم القواعد ، كما أنها لاتثبت على حال ،كما أنها مصدر الإبداع والحرية ،ناهيك أنها متصلة ببيئة الإنسان وأخلاقه وثقافته وعواطفه وبمبادئه، ولا يمكن التنبؤ بها كل هذه الخصائص تجعلها متميزة على بقية الظواهر، لذلك فماهي هذه العقبات على مستوى التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس .
1) عوائق الحادثة التاريخية :يمكن ردها إلى خمس خصائص:
أ- أنها حادثة ذات سمة فردية، تجري في زمن محدد ومكان اجتماعي معين.
ب- لا تتكرر، لأن الزمن الذي حدثت فيه لا يعود من جديد ,وبهذا تكون غير خاضعة لمبدأ الحتمية لأن حوادث التاريخ حوادث تمضي لا تعود.
ج- غير قابلة لأن تعاد من جديد بطرق اصطناعية وغير قابلة للتكميم ، لا يمكن التأكد تجريبيا من صحة الفرض ، ومنه عدم الوصول إلى نتائج وبتالي استحالة التنبؤ .
د- يصعب تحديد بداياتها الواضحة وأصولها البعيدة ، ونتائجها وقت حدوثها .
ه- انفلاتها من الدراسة الموضوعية النزيهة ،أي أن المؤرخ يكتب التاريخ وفق ما يتماشى مع واقعه الذي يحياه ، كما أن التاريخ عكس العلم الذي يقرب الناس فإن التاريخ يعمل على تشتيتهم لأن لكل مجتمع تاريخه وأسلوبه في تمثيل تاريخه
2) عوائق الظاهرة الاجتماعية : يمكن ردها إلى خمس نقاط ,
أ- ليست اجتماعية خالصة ، أي أنها تنطوي على خصائص بيولوجية ونفسية وتاريخية وهذا ما جعل العلماء يختلفون في تصنيفها بين الظاهرة الحيوية البيولوجية أو الظاهرة النفسية أو الأحداث التاريخية ، ولكن بعضهم يرجح ضمها إلى مجال الأحداث التاريخية ,
ب- أن الظواهر الاجتماعية بشرية لا تشبه الأشياء ، لأنها بحياة الإنسان وكل ما هو متصل لا يخضع للبحث العلمي كما يملك الحرية والإرادة مما ينفي خضوعه للحتمية التي تحكم الظواهر المادية .
ج- أنها خاصة وليست عامة وما هو خاص يكون غير قابل للدراسة من خارج بفضل التحليل والتجربة ومن هنا ابتعاد الموضوعية في علم الاجتماع
د- ذاتية معقدة أي تدخل في تأليفه عناصر متشابكة بعيدة عن البساطة المعروفة في مجال الظواهر المادية ، وهذا ما يجعلها وصفية ليست كمية
ه- كما أنها ظواهر تصعب عن التجربة أصلا للقوانين الطبيعية التي يهدف العلماء إلى وصولها والتي تساعدهم على التنبؤ بالظواهر . وبذلك يستحيل على الباحث الاجتماعي تدوين قوانين تصور لنا ما سيكون
3)عوائق الحادثة النفسية :ويمكن ردها إلى أربعة نقاط:
أ-أنها موضوع لا يعرف السكون ولا يشغل مكانا محددًا كما هو الحال في الظواهر الطبيعية ،لأنه لامكان للشعور ولا محل للانتباه ،ولا حجم للتذكر أو الحلم كما أنها حالة من الديمومة، لا تستقر على حال أن تطبيق المنهج التجريبي عليها يقضي على ديمومتها ويجعلنا ندرسها كماض لا كحاضر.
ب- شديدة التداخل والاختلاط ,أي يشتبك فيها الإدراك مع الإحساس والذكاء مع الخيال و الانتباه مع الإرادة.
ج- فريدة لا تقبل التكرار ،ونتائجها تكون لها صبغة ذاتية يعوزها التعميم ونتائجها وصفية كيفية كما أن اللغة تعجز عن وصف كل ما يجري في النفس ،ناهيك عن السلوكات التي مردها اللاشعور
د- داخلية لا يدركها إلا صاحبها وآن الحالة التي أحياها لايمكن أن يحياها غيري لأن لكل إنسان له تجاربه وذكرياته واهتماماته وميوله وتربيته الخاصة التي تميزه عن غيره .
إذا كانت هذه العوائق تقف في وجه الباحثين في مجال العلوم الإنسانية ،فكيف استطاعوا اقتحامها وتذليلها .
ثانيا:تجاوز العقبات وتحقيق نتائج معتبرة :إن هذه العوائق التي تقف أمام تطبيق المنهج العملي ،اجتهد العلماء على في تذليلها في مجال الدراسات الإنسانية ،وضع مناهج تتماشي مع طبيعة المواضيع ،واستطاعت فيها الوصول إلى نتائج علمية ومن هذه العلوم هي ,علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس:
1) تجاوز العقبات في التاريخ:يعود الفضل في تذليل هذه العقبات إلى "عبد الرحمان بن خلدون" وكذلك من عقبه بعد فترة من المؤرخين الأوربيين أمثال "رينان" و"تين"و "فوتسال دي كولابج" بحيث دعوا إلى احترام طبيعة الحادثة التاريخية وخصائصها ،وعلى هذا الأساس تم التوصل إلى النتائج التالية :
إذا كانت الحادثة التاريخية فردية ولا تتكرر ،و تحررها من مبدأ الحتمية و عدم قابليتها للتجريب ،لذلك وجب تطويع مفهوم التجربة بحيث تنسجم مع طبيعتها ، ومن حيث ضرورة تحديد بدايتها فإن المؤرخ يلجأ على الافتراض في تحديد المنطلق ويختار أقربها إلى الموضوعية مع مراعاة التسلسل السببي بين حلقات التاريخ ,ومن التجربة فإنه يعوضها بالمقارنة التاريخية التي تقع تحت الدراسة :
أ-على أساس هذه الخاصة ،وجب تناول الحادثة من خلال الآثار والوثائق وهي على نوعين :
-المصادر غير الإرادية التي بقيت من غير قصد ولابنية مثل الأبنية ،النقود الأسلحة والأوسمة والتراث الفكري والأدبي.
- المصادر الإرادية وهي التي بقيت قصدًا لتكون شاهدة عليهم كالرواية وكتب التاريخ .
ب- التحقق من صدق المصادر وإبعادها عن الذاتية قبل إعادة بناء الحادثة التاريخية وذلك بواسطة النقد الذي يتم على مستويين:
*النقد الخارجي :وهو الفحص الخارجي للمصدر من أجل معرفة هل هذه الوثيقة تعود إلى ذلك الزمن أم لا ؟ وهل وصلت لنا دون تشويه أو تزوير ؟ وإذا كانت وثيقة يتفحص نوع الورق أو الحبر أو شكل الخط, وإذا كان سلاح أو نقود أو أوسمة يتفحص نوع المعدن طبيعة المواد الكيمائية من أجل التأكد من الآثار .
* النقد الباطني :وهو فحص الداخلي للمصدر ،من أجل معرفة هل ما ورد في هذه الوثيقة يتماشى مع عقلية الذي تنسب إليه وهل هو متفق مع ما روي في مراجع أخري وكذلك معرفة نفسية الكاتب وموفقه اتجاه هذه الحادة مما دفعه إلى التمحيص و المبالغة أو إلى التشويه في الأحداث والقراءة الدقيقة حتى يتمكن من الوقوف على أخطاء الغير المقصودة والعفوية
خ- إعادة بناء الحادثة بالتأليف بين أجزائها ويرتبها حسب تسلسلها الزمني ،وإرجاعها مع الحوادث العامة بعد انتقائها وفق أهميتها ونوعها
2) تجاوز العقبات في علم الاجتماع: بدأ اقتحام العقبات في تحديد "إيميل دوركايم "لخصائص الظاهرة الاجتماعية أهمها خمس :
أ- أنها توجد خارج شعور الأفراد أي خاضعة للعادات والتقاليد والمعتقدات التي هي موجودة قبل أن يولد الإنسان وتوجه سلوكا ته
ب- كما تعتبر قوانين المجتمع القوة الآمرة القاهرة ما يجعل الظاهرة الاجتماعية تمتاز بالإلزام والإكراه لذلك تصبح تفرض نفسها على الفرد
ج- كما أنها صفة جماعية تتمثل في ما يسميه "دوركايم" الضمير الجمعي ،أي أنها لا تنسب إلى فرد ولا إلى بضعة أفراد أنما هي من صنع المجتمع وهي عامة يشترك فيها جميع أفراد المجتمع وتظهر في شكل واحد وتتكرر إلى قترة طويلة من الزمن رغم أن الفضل في نشوئها يعود على الأفراد
د- كما أنها في ترابط يؤثر بعضها في بعض ويفسر بعضها البعض الآخر مثل الآسرة هي مرآة المجتمع ربينهما تأثير متبادل
ه- كما تمتاز بأنها حادثة تاريخية أي أنها تعبر عن لحظة من لحظات تاريخ الاجتماع البشرى . أن هذا التحديد للظاهرة الاجتماعية صحح بعض التعارف الفاسدة مما أدى للدراسات الاجتماعية بالتقدم إلى مجال العلم والموضوعية بعدما كانت عبارة عن تصورات ،وهذا ما أوصل "وركايم" إلى اعتبار نطاق الظواهر الاجتماعية أوسع مما يعتقد حيث يقول :{{مامن حادثة إنسانية إلا ويمكن أن نطلق عليها اسم ظاهرة اجتماعية }}كما أعتبر "دوركايم" أن الظاهرة الاجتماعية مثلها مثل بقية الظواهر القابلة للدراسة وفق النهج التجريبي من أجل صياغة القانون وفي هذا قال يجب أن نعالج الظواهر على أنها أشياء ) أي بنفس المنهج الذي يدرس به عالم الفيزياء الحادثة الطبيعية
3)تجاوز عقبات علم النفس :
أ-اعتبر علماء النفس أن الموضوعية ليست حكرا على باقي العلوم التجريبية ،كما اعتبروا أنها قادرة على استيعاب المواقف العلمية الجديدة ،بحيثوا تنوعت لديهم مناهج وطرق العمل مما أدى إلى ازدهار العلوم السيكولوجية خاصة الفزيولوجية ،وأول من خاض المبادرة منهم السلوكيين وهي المبادرة التي استوحاها "واطسن" رائد السلوكية من تجربة "بافلوف"الفزيولوجي الروسي،وهي تلك التجربة التي آجراها على الكلب والتي سماها (فزيولوجيا الدماغ ) ولكن هاته التجربة تبلورت عند السيكولوجيين خاصة علماء الفيزيولوجيا،بحيث ساعد المنعكس الشرطي على فهم عمليات التعلم من عادة وتذكر وإدراك كما فتحت آفاقا جديدة في دائرة الدراسات النفسية ،وبهذا الشكل أصبح ينظر إلى علم النفس كما على أنه مثله مثل باقي العلوم الأخرى حيث يقول "واطسن" (إن علم النفس كما يرى السلوكي فرع موضوعي وتجريبي محض من فروع العلوم الطبيعية ،هدفه النظري التنبؤ عن السلوك وضبطه ...ويبدوا أن الوقت قد حان ليتخلص علم النفس من كل إشارة إلى الشعور )).
ب- كما اعتبر علماء النفس أنه لابد من التحرر من الخصوصيات التي تحول دون فهم الحوادث النفسية كما اعتبر السلوكيين أن الشعور ظاهرة إظافية لا طائل منها،واعتبروا أن الوظائف الذهنية والنفسية مثلها مثل بقية الظواهر يمكن دراستها بالاعتماد على الملاحظة والفرض والتجريب واستطاعوا تدوين قوانين ومن هذه القوانين ،قانون "فيخنر"القائل(أن الإحساس = لو مؤثر))وقانون "بيرون" القائل أن( النسيان يزداد بصورة متناسبة مع قوة لوغاريتم الزمن,أي ن= ق لوز حيث مقلوب الزمن أكبر من الصفر )).
3- هل عدم بلوغ نتائجها الدقة يحول دون استثمار هذه العلوم في فهم الواقع البشري والتحكم فيه وتحويله حسب تطلعاته؟
أولا: ليست نتائجها دقيقة ولا صحيحة :
1) نقد نتائج علم التاريخ: أن مسألة تحري الموضوعية في علم التاريخ أمر صعب لأنه من غير الممكن التجرد من العواطف كما أن الذاتية تبرز واضحة في إعادة بناء التاريخ والتعبير عن شخصياته يجعل المؤرخ يعيش معهم وهذا النوع من التعاطف ،وبهذا يؤثر على نقل التاريخ كما ينساق المؤرخ إلى المجاملة وكل هذا يجعلنا نبتعد عن الموضوعية بالمفهوم التقليدي .
2) نقد نتائج علم الاجتماع:وخاصة ما يؤخذ على "دوركايم " بحيث لابد من التميز بين الظواهر الفيزيائية والظواهر الاجتماعية وبين ظواهر جامدة خالية من الإحساس وأخرى تنطوي على حالات شعورية كما يسميها "جون مونرو" "حالات معيشة " كما أنه لايمكن الفصل بين الظواهر الاجتماعية والتاريخ والماضي ولهذا قيل عن الظواهر الاجتماعية بأنها ( تتألف من الأموات أكثر مما تتألف من الأحياء )) .
3) نقد نتائج علم النفس : إن النتائج والقوانين التي وصلا إليها لم يرضوا علماء النفس ،لأنها مجرد تعميمات وليست دساتير ثابتة ،كما أنهم لم يرضوا أن تكون الحالة النفسية ليست سلوك مرتبط بمنبه مثلما لاحظنا ذلك عند الفزيولوجية والسلوكية أي عند "بافلوف و واطسن "على التوالي بل الحادثة النفسية شعور قبل أن تكون سلوك ،و هذه الحقيقة كانت معروفة منذ القدم وتجلت في المنهج الإستبطاني والتي كانت تسعى إلى تحليل الشعور لذاته ،وخاصة مع" ريبو" حيث يرى (أن الطريقة الباطنية هي الطريقة الأساسية في علم النفس ويدونها لايمكن البدء بأية ملاحظة )) ولكن باعتبار أن الحالات النفسية لا تنقطع بل هي في ديمومة يجعل المنهج الاستبطاني لا يصلح لدراسة الحالات النفسية لدلك لجأوا إلى التحليل في شكله الإسترجاعي كما أن هذا الأسلوب العلم لم يطمئن إلى نتائجه ،لأن عملية الاسترجاع ليست صادقة في استرجاع الماضي إنما هي إعادة تنظيم الماضي بشكل جديد كما أنها طريقة مجدية مع كل الأشخاص ،إلا مع من يريد الإفصاح عن نفسه
ثانيا :ومع ذالك فلقد تقدم فهمنا لكثير من الظواهر الإنسانية:
1- تقدم فهمنا في التاريخ : أن الانشغال بكتابة التاريخ جمع بين مستويين :
- مستوى أفقي وهو يتعلق بالتفتح على كل العلوم وخاصة العلوم الإنسانية ،وخاصة المنهج العلمي الذي يعتمده العلماء في دراسة الظواهر الطبيعية وما يحتمه الباحث من تحديد موضوع الدراسة ونهج الدراسة وبفرضه من تحديد طرائق ووسائل تتماشي مع طبيعة الموضوع ،وهذا ما فتح المجال أمام المؤرخ ليكون له دراية في الميدان الذي يعمل فيه لأنه حتى يتأكد من صحة وثيقة ما يجب أن يستعين بمجموعة العلوم الموصلة ويتماشى مع التطورات والإبداعات العلمية الجديدة منها :فقه اللغة وعلم قراءة النصوص القديمة ، علم الآثار ،علم النقوش ،والجيولوجيا وعلم النبات ..... بحيث اكتسب المؤرخ تقنيات من هذه العلوم تساعده على توسيع مجالات الدراسة ،وليعبر عن حقيقة علم التاريخ كونه ملتقي أبعاد إنسانية متفاعلة ومتداخلة .
- أما المستوى العمودي فهو طموح المؤرخ في جمع أجزاء الأحداث في صورة مركبة واحدة وكذلك طموحه إلى بلوغ المنطق العام الذي يحرك هاته الأحداث وهذه المهمة تجمع بين التاريخ وفلسفة التاريخ .
2- تقدم فهمنا في علم الاجتماع :أن الدراسات التي قام بها علماء الاجتماع وسعيهم إلى تطبيق المنهج العلمي ، حملهم إلى التخصص في ميدان البحث بحيث ظهرت تصنيفات للتخصصات الاجتماعية تنتظمن أربعة فروع رئيسية مستقلة استقلالا نسيًا :
أ- علم الاجتماع العام :ويهتم بدراسة وطبيعة وأشكال المقومات للاجتماع الإنساني ،كما يهتم بمناهج البحث وطاقاتها خاصة المنهج الجديد لقياس الظاهرة الاجتماعية "السوسيومتري" كما يأخذ شكل فلسفة للعلوم الاجتماعية بحيث يضع أس الدراسة وطرائق البحث وجمع النتائج المتوصل في بقية الفروع الأخرى وهذا يعبر عن التداخل واتصال أجزاء الحياة الاجتماعية ,
ب- علم أصول المدنيات وتطورها :وينطوي تحتها الدراسات التالية :علم الإنسان وعلم الأجناس أي الأنثروبولوجيا والأنتوغرافيا ،وعلم الاجتماع الثقافي والديناميكا الاجتماعي
ج- المورفولوجيا والديمغرافيا:وتشتمل هذا الفرع على المورفولوجيا وتهتم بدراسة بنية المجتمع في تركيبته وطبقاته ونمو مدنه ووظائفها ،والديمغرافيا أو الدراسات السكانية .
د- الفزيولوجيا الاجتماعية أو علم وظائف الاجتماع :وهي تنظيم عدة علوم مختلفة تتعلق بالأسرة وبالاقتصاد وبالسياسة وبالقانون والنفس والأخلاق والجمال واللغة والتربية والدين والريف والصناعة والحرب .
3- تقدم فهمنا في علم النفس :إن اتساع مجال البحث في علم النفس افرز عدة مدارس وفروع تخصصية وكان الدافع في ذلك أعمال المدرسة السلوكية التي دفعتهم إلى مواصلة البحث لزيادة فهم الحادثة النفسية فظهرت مدارس مختلفة أشهرها المدرسة الشكلية "ورتيمر كوفكا وكوهلر " بحيث استفادت من أخطاء المدرسة السلوكية عندما اعتبرت أن الحوادث النفسية عبارة عن ردود أفعال أو منعكسات شرطية حيث أنها أخذت الكائن الحيواني أو البشري كجسم آلي يستجيب لمؤثرات المحيط دون الإلتفات إلى معرفة هذا المحيط كما يراه هذا الكائن ويتظح ذلك في قول "بيار جاني" إن الظواهر النفسية ليست عقلية ولا جسمية إنها تحدث في الإنسان بأكمله إذن ليست سلوك وهذا الإنسان مأخوذ في مجموعة ). والثانية مدرسة التحليل النفسي حيث صرحت أن الحياة النفسية ليست كلها شعورية ووجهت عنايتها إلى وجود اللاشعور وانعكاساته على حياة الإنسان بإتحاد اللاشعور كعامل جوهري في فهم الوقائع النفسية لأنه في الحقيقة يرتبط بمؤثرات ثقافية معينة ،والثالثة المدرسة التلفيقية مع "كورت لوين" الذي أشتهر بنظريته المجالية و"هورسل "الفيلسوف الظواهري ،بادرت بالنظرة الشمولية واعتبرت الحادثة النفسية كلاً متكاملا غير قابل للتميز بين مؤثراته الباطنية والعوامل الخارجية وفي هذه التكاملية الجمع بين ما هو شعوري وما هو خارجي وما هو ذاتي وما هو موضوعي ،يلح" كورت لوين" تلميذ "كوهلر" في نظريته المجالية على مجال البيئة ويقصد بذلك "المجال الحيوي المحتوى على الشخص وبيئته السيكولوجية "هاته النظرة الكلية ساعدت أنصار المدرسة أو النظرة السيكولوجية إلى تحقيق نتائج ترقي إلى مستوى الموضوعية ،مما زاد نشاطهم واتساع مجالات انشغالاتهم هو ظهور عدة فروع في علم النفس نذكر منها علم النفس الحيوان ،والطفل ،و المراهق ،المرضي ،الصناعي و الرجل البدائي .....كما أن هناك فروع أخرى مثل علم النفس لدي المجتمعات الرأسمالية ولدي البوذية ....مما أثري وسائل العمل تبعا لكل تخصص.
ثالثا:مما فتح المجال واسعا للتحكم فيها وتحويلها حسب تطلعاتنا:
1- الفائدة من علم التاريخ:أن لعلم التاريخ وجهين وجه إيجابي وآخر سلبي فالوجه الايجابي هو أننا نأخذ العبر ونستوحي الحكمْ التي خبرة وحنكة الناس الذين سبقونا كما نتطلع على حياتهم المدنية وأخلاقهم وسياستهم وديانتهم وأساليبهم في الإنتاج والتجارة ،أما الوجه السلبي هو الإطلاع تلك الكوارث ومآس التي تسبب فيها الإنسان بحكم الضغائن والأحقاد والأطماع وما ترتب عن ذلك من حروب طاحنة ،ولكن رغم ذلك يبقي التاريخ مصدر العبر والدروس كما يساهم في منح الهوية ومعرفة مناقب الأجداد وتاريخهم كمرجعية ينهل منها مقوماتهم ،كما أن معرفة التاريخ تزيد الشعوب المضطهدة قوة لمواجهة الغزو والهيمنة كما أنه يسهم في تحرر الإنسان بقدر ما يعي فيه وقائع الماضي دقائقها وكليتها ،وفي هذا الشأن يقول "غوته" :{{أن التاريخ أبعد من يرهق الإنسان بأثقال زائدة ،وهو على عكس من ذلك أداة تتيح للإنسان فهم الماضي وتحضير المستقبل }}.
2- الفائدة في علن الاجتماع :تسهم الدراسة الاجتماعية في تهذيب الناس ورقيهم وتكوينهم وضرورة الإطلاع على ثقافات الغير ،وتصحيح الأحكام التعسفية الداعية إلى التقليد الأعمى كما يسهم في فهم حدود الثقافة بالنظر إلى مبادئها الفلسفية ،والنظر إليها على أنها ثقافات متنوعة وبالنظر إلى تظاهراتها الميدانية وممارساتها اليومية كما يدعوا إلى احترام الإرث الثقافي واعتزاز كل واحد منا بخصوصياته الثقافية .
3- الفائدة في علم النفس :استطاع علماء النفس أن يحرروا الدراسات النفسية من الاعتبارات الخرافية والفلسفية ،واعتبار علم النفس علم قائم بذاته له منهجه وموضوعه ونتائجه ،كما تمكن الإنسان من خلاله معرفة نفسه ومعرفة ما يجري بداخله من أحساسات وميول ومقاصد فيتحكم فيها ويوجهها بوعيه كما يستطيع فهم الغير ،كما استطاع كشف العلاقات الضرورية الموجودة بين الظواهر النفسية قصد خدمة الإنسان .
الخاتمة حل المشكلة)
برهنت الدراسات الإنسانية على قدرتها في استثمار الإنسان ومكنته من معرفة نفسه وتعزيز هويته والرضا بتعايشه مع الغير ،وكل هذا مما يجعلها ترقى إلى أن تأخذ صفة العلم بمفهوم الذي ينطبق مع خصوصيات ميدانها ،كما أنها مرشحة للازدهار وتطور خاصة إذا كان وراءها إيرادات ونية طيبة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.......العلوم الانسانية بين المنظور الفلسفي والعلمي
هذه بعض الأبجديات التي سنستخدمها مرارا في الدرس، فوجب استيعابها منذ البداية
صحيح أن العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع أو علم النفس أو الانثربلوجيا أو الاقتصاد، حديثة النشأة في القرن التاسع عشر، بيد أن الدراسات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية قد وجدت دوما مبثوثة في ثنايا المصنفات الفلسفية؛ بل إننا إذا تأملنا علما إنسانيا خاصا هو علم التاريخ نجده علما عريقا عراقة علم الرياضيات نفسه. ولكننا نلاحظ أيضا أن علم التاريخ نفسه ورغم عراقته لم يطرح وجوده أية إشكالية منهجية أو ابستمولوجية إلا منذ القرن الثامن عشر. لماذا؟
لقد تزامن ذلك مع الميلاد الحديث للعلوم التجريبية التي قدمت نموذجا باهرا للعلمية سواء من حيث دقة المناهج والنتائج أو نجاعتها لما وفرته من قدرة على التحكم في الظواهر الطبيعية، ولن يكف هذا النموذج عن ممارسة تأثيره وجاذبيته منذ ذلك الوقت.
هكذا سيكون وجود العلوم الإنسانية موسوما منذ البداية بالتوتر بين
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المحاضرة الثالثة: مقياس فلسفة العلوم
الأستاذ: حمداوي عمر
نظرية المعرفة
نظرية المعرفة (Epistemology) كلمة مؤلفة من جمع كلمتين يونانيتين : logos بمعنى علم وepisteme بمعنى : حديث، علم، نقد، دراسة فهي إذا دراسة العلوم النقدية. تعتبر نظرية المعرفة أحد فروع الفلسفة الذي يدرس طبيعة ومنظور المعرفة، المصطلح بحد ذاته معرفة، يعتقد أن من صاغه هو الفيلسوف الاسكتلندي جيمس فريدريك فيرير.
يعرفها لالاند في معجمه الفلسفي بأنها فلسفة العلوم، وهي تختلف بهذا عن علم مناهج العلوم (ميثودولوجيا) لأن الايبستمولوجيا تدرس بشكل نقدي مبادئ كافة أنواع العلوم وفروضها ونتائجها لتحديد أصلها المنطقي وبيان قيمتها.
معظم الجدل والنقاش في هذا الفرع الفلسفي يدور حول تحليل طبيعة المعرفة وارتباطها بالترميزات والمصطلحات مثل الحقيقة، الاعتقاد، والتعليل (التبرير). تدرس نظرية المعرفة أيضا وسائل إنتاج المعرفة، كما تهتم بالشكوك حول إدعاءات المعرفة المختلفة. بكلمات أخرى تحاول نظرية المعرفة أن تجيب عن الأسئلة : "ماهي المعرفة؟" "كيف يتم الحصول على المعرفة؟". ومع أن طرق الإجابة عن هذه الأسئلة يتم باستخدام نظريات مترابطة فإنه يمكن عمليا فحص كل من هذه النظريات على حدة.
مدارس نظرية المعرفة مختلفة, فالتجريبيون يردون المعرفة إلى الحواس, والعقليون يؤكدون أن بعض المبادئ مصدرها العقل لا الخبرة الحسية، وعن طبيعة المعرفة، يقول الواقعيون إن موضوعها مستقل عن الذات العارفة، ويؤكد المثاليون أن ذلك الموضوع عقلي في طبيعته لأن الذات لا تدرك إلا الأفكار. وكذلك تختلف المذاهب في مدى المعرفة: فمنها ما يقول أن العقل يدرك المعرفة اليقينية، ومنها ما يجعل المعرفة كلها احتمالية، ومنها ما يجعل معرفة العالم مستحيلة.
وتنقسم الابستمولوجيا إلى:
الفلسفة الوضعية (Positivism) وهي فلسفة تعتمد على الأرقام لان الأرقام لا تكذب بنظرهم.
الفلسفة التفسيرية (Interpretivism) أو الفينومينولوجيا (Phenomenology) وهي فلسفة تعتمد على الشرح.
الفلسفة الواقعية (Realism) وهي فلسفة تقع بين الفلسفة الوضعية والتفسيرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبطل القول بتعذر الموضوعية في العلوم الانسانية.
المقدمة : طرح المشكلة : إن ما تتميز به الظواهر الانسانية من خصائص جعل بعض المفكرين يذهبون إلى القول بتعذر الموضوعبة في العلوم الانسانية. فما هي مبررات إبطال هذا الموقف؟
منطق الأطروحة: تعذر تحقيق الموضوعية في دراسة الظواهر الانسانية لتعذر شروطها و هي:
الحجج: الظاهرة الانسانية لا تقبل الملاحظة.
الظاهرة الانسانية لا تقبل التجريب. الانسان يتميز بالحرية و بالتالي انعدام الحتمية .....
نقد أنصار الأطروحة: يمكن تحقيق الموضوعية في دراسة الظواهر الانسانية.
الحجج: مناهج البحث في التاريخ....مناهج البحث في علم النفس
ما حققته العلوم الانسانية من نتائج ...قوانين علم النفس....
التأكيد على الابطال: الواقع يثبت مدى موضوعية النتائج المحققة في الدراسات الانسانية من خلال ما تقدمه هذه العلوم من خدمات الانسان و حل الكثير من المشكلات . علم النفس.... التحكم في بعض الظواهر و إن كان نسبيا......
الخاتمة: حل المشكلة: يمكن تحقيق الموضوعية في العلوم الانسانية و إن كانت نسبية مقارنة بالعلوم الطبيعبة. و عليه فالقول بتعذر الموضوعية في مجال الدراسات الانسانية قول ليس له ما يبرره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيل إن العلوم الإنسانية هي ما يقع في الوجود الفعلي و هي مما يدركه الباحثون بالمشاهدة كإدراكهم لمادة العلوم التجريبية كلها .دافع عن هذه الأطروحة
.
طر ح المشكلة:لقد شكل الإنسان موضوع بحث و دراسة فهو جانب مادي وآخر روحي معنوي أدى إلى ظهور علوم إنسانية تبحث في إنسانيته بأبعادها الثلاثة النفسي و الاجتماعي و التاريخي,لكن تميز الظاهرة الإنسانية بخصائص كالتغير و عدم التكرار شكلت عائقا أمام دراستها تجريبيا,غير ان هذا لاقى معارضة بحيث يمكن دراستها بشكل علمي وهي أطروحة صحيحة.فما المبررات التي تثبت صحتها؟بصيغة أخرى إذا كانت الظواهر الانسانية تخضع للتجريب ما الدليل على ذلك؟
محاولة حل المشكلة: عرض منطق الاطروحة: ان الواقع البشري له أبعاد ثلاثة بعد اجتماعي يدرسه علم الاجتماع,وبعد نفسي يهتم به علم النفس, وبعد تاريخي يؤرخ له علم التاريخ, وقد تم دراسة هذه الأبعاد بشكل موضوعي وذلك بتطبيق المنهج التجريبي حسب طبيعة الظاهرة فكان المنهج التاريخي مع ابن خلدون قائما على ضرورة المصادر وتحليلها ونقدها لتركيب الحادثة بشكل حقيقي,أما المنهج في علم الاجتماع فقد تم تطبيق التجربة الغير مباشرة على حوادث المجتمع أي اعتماد الملاحظة و التحليل لمعرفة أسبابها و إمكانية التنبؤ بها وهذا مااثبتته العلوم الاجتماعية الحديثة كالإحصاء و الانتروبولوجيا يقول كونت...إنني اعني بالفيزياء الاجتماعية العلم الذي تكون دراسة الظواهر الاجتماعية فيه موضوعية على ان ينظر إلى هذه الظواهر بنفس الروح التي ينظر بها إلى الظواهر الفلكية) أما عن منهج علم النفس فقد استطاع السيكولوجيون فهم الحياة الداخلية باعتماد المنهج الذاتي الاستبطاني أو المنهج السلوكي الموضوعي القائم على تفسير سلوك الفرد
عرض خصوم الأطروحة: إلا أن هناك من عارض ذلك واعتبر انه لا يمكن دراسة الظاهرة الإنسانية دراسة علمية انطلاقا من وجود مجموعة من العقبات كغياب الموضوعية وغياب الملاحظة و التجربة وغياب الحتمية و التنبؤ,(نقدهم)ولكن لا يمكن الجزم بذلك لان علماء دراسة الظواهر الإنسانية تجاوزوا هذه العقبات و البحوث التي قاموا بها في الميادين الثلاثة تثبت ذلك.
الدفاع عن الاطروحة بحجج شخصية:إن طبيعة و مسائل العلوم الإنسانية مكنت الباحثين من تنويع أساليب البحث و أبدعوا مناهج تتشابه مع بعض المناهج في العلوم التجريبية والتزموا من ناحية أخرى ببعض أساليب البحث التي تتلاءم وتنسجم مع طبيعة موضوعاته وهذا مكننا من فهم الإنسان و واقعه وأبعاده المختلفة
حل المشكلة:إن الأطروحة القائلة بدراسة الظواهر الإنسانية دراسة علمية كدراستهم لمادة العلوم التجريبية أطروحة صحيحة في سياقها لذلك يمكننا الدفاع عنها و تبنيها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* النص:
” حين نقول عن علم الاجتماع إنه نسق نظري، فقصدنا أن غايته تفسير الحوادث والتنبؤ بها بواسطة النظريات أو القوانين الكلية (التي يحاول اكتشافها). وحين نصف علم الاجتماع بأنه تجريبي فمعنى ذلك أن له سندا من التجربة، وان الحوادث التي يفسرها ويتنبأ بها هي وقائع تمكن ملاحظتها، وان الملاحظة هي الأساس الذي نعتمد عليه في قبولنا أو رفضنا لأية نظرية من نظرياته. ونحن حين نتكلم عن النجاح الذي أحرزه علم الطبيعة، فالمقصود بذلك نجاح تنبؤاته: ويمكن القول إن نجاح التنبؤات في هذا العلم قائم في تأييد التجربة لقوانينه. وحين نعارض بين النجاح النسبي في علم الاجتماع ونجاح علوم الطبيعة، فنحن نفترض أن نجاح علم الاجتماع ينبغي هو الآخر أن يقوم في أساسه على تأييد التجربة لتنبؤاته.
ويلزم عن ذلك أن التنبؤ بواسطة القوانين واختبار القوانين بالتجربة، يجب أن يكونا قاسما مشتركا بين علم الاجتماع وعلم الطبيعة.”
اكتب مقالا فلسفيا حول مضمون النص
* عناصر الإجابة وسلم التنقيط:
1- الفهم: (04 نقط)
يتعين على المترشح إدراك أن الموضوع يتأطر داخل مجال المعرفة، وضمن مفهوم علم الاجتماع كمفهوم مركزي في ارتباطه بمفاهيم النظرية والتجربة والعلمية في العلوم الإنسانية، فيتساءل عن نموذجية العلوم التجريبية بالنسبة للعلوم الإنسانية (علم الاجتماع).
2- التحليل: (05 نقط)
ينتظر من المترشح في تحليله الوقوف عند المفاهيم المحورية والأفكار التي تنتظم حولها أطروحة النص وحجاجه، وذلك بتناول العناصر الآتية:
- القول بأن علم الاجتماع نسق نظري يعني أن غايته تفسير الظواهر الاجتماعية والتنبؤ بها؛
- وصف علم الاجتماع بأنه علم تجريبي يعني أن الملاحظة والتجربة هما الأساس في قبول النظرية؛
- النجاح النسبي في علم الاجتماع يفترض نموذجية العلوم الطبيعية …
( يعتبر التحليل جيدا إذا كان شاملا للمفاهيم والقضايا المرتبطة بالموضوع )
3- المناقشة: ( 05 نقط)
يمكن للمترشح أن يناقش أطروحة النص التي تعتبر ان تطبيق المنهج التجريبي هو القاسم المشترك بين العلوم الطبيعية وعلم الاجتماع، في ضوء العناصر الآتية:
- مسألة نموذجية العلوم التجريبية؛
- مسألة الفهم والتفسير في العلوم الإنسانية؛
- مشكلة المنهج في علم الاجتماع …
( تعتبر المناقشة جيدة إذا كانت الإحالات والأقوال والأمثلة المعتمدة متنوعة وملائمة للسياق)
4- التركيب: (03 نقط )
يمكن للمترشح أن يخلص، من تحليله ومناقشته، إلى إبراز الحوار المنهجي بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية، وإمكانيات وحدود تطبيق المنهج التجريبي في علم الاجتماع.
5- الجوانب الشكلية: (03 نقط)
فالإنسان رغم ما بلغه من علم إلا أنه ما زال يلهث وراءه بلا نهاية، فبينما نجده توصل لمعرفة الأعداد منذ الحضارات القديمة نجده منذ نصف قرن قد إكتشف الجينات المسببة للسرطان والكواركات التي هي أصغر بكثير من الذرة والبروتونات، وقد اتبع التنبؤ العلمي ليصف أشياء أو يتوقع أحداثا لم تقع بعد، كما يتوقع الفلكيون ظاهرة الخسوف والكسوف أو كما توقع الكيميائي الروسي
مندليف عام 1869في جدوله الدوري لترتيب العناصر فوصف فيه الخواص الكيميائية و الطبيعية لعناصر لم تكتشف بعد.
وكان للعلم تطبيقات عملية محدودة، حتي مجيء الثورة الصناعية في القرن 18، فلقد دخلت التكنولوجيا حياتنا وأصبحت جزءا أساسيا لانستغي عنه من خلال تكنولوجيات متعددة، واكتشف الإنسان الميكروسكوبات وأطلع من خلالها علي عالم الميكروبات والخلايا الحية ومكوناتها من الجينات بتقنية متطورة من الميكروسكوبات الإلكترونية، واكتشف التلسكوبات ولاسيما التلسكوبات العملاقة فتوغل من خلالها لأعماق الكون، فرأي ما لم يره بشر من قبل من مجرات عملاقة وبلايين النجوم، واستطاع من خلال تقنياته المتطورة إرسال مركبات فضائية جهزت بأحدث ما توصل إليه العلم الحديث.
وتطورت أساليب المواصلات من عربات يجرها الخيول إلي طائرات أسرع من الصوت تطوي المسافات طيا، وقضي الإنسان على الأوبئة التي كانت تحصده بالملايين من خلال الطعوم والأمصال لتوقيها أو من خلال الأدوية، وأصبحت عصوره قد قصرت من قرون إلي عقود، ومن عقود إلى سنوات، ودخلت الثورة الصناعية منذ القرن 18 عصر البخار والكهرباء والميكنة، حتى جاء القرن العشرون فدخلنا فيه عدة عصور متلاحقة ومتتابعة. فشهدنا فيه الإنفجار العلمي والحضاري مما غير وجه الحياة فوق الأرض في كل المجالات. ووصل في نصفه الثاني الإنسان للقمر لينطلق في عصر الفضاء لأول مرة في تاريخ البشرية، وعلي صعيد آخر دخلنا عصر الاستنساخ بما له وعليه، ولوث الإنسان بيئته حيث مشربه ومأكله وهوائه، وأصبح يعاني من آثار هذه الملوثات القاتلة التي طالت البحر والبر والهواء، مما جعل كوكبنا كوكبا عليلا.
الحضارتين اليونانية والرومانية
وبلاد اليونان كانت حضارتهم نظرية ومنقولة عن حضارات بلاد ما بين النهرين (سوريا والعراق) وقدماء المصريين حيث جاب فلاسفتهم بالعالم القديم ليطلعوا على علومه وحضاراته والنظر إلى طبيعة مادة الأرض، وسمة الحضارة الإغريقية الفلسفة التأملية فيما وراء الطبيعة (ميتافزيقيا)، والفليسوف الإغريقي طاليس Thales وتابعوه قالوا أن الأرض قرص يطفو فوق الماء وتدور في دائرة ولا تدور حول الشمس ولكن تدور حول كرة نار مركزية، وهي مركز الكون.
وقال بعده الفليسوف الإغريقي فيثاغورث Pythagoras أن الأرض كروية، ومنذ 2000سنة قال الفليسوف الإغريقي لوسيباس Leucippus وتلميذه ديموقريطيس Democritus قإلا أن كل المواد مصنوعة من ذرات لاتنقسم. واتبع فلاسفة الإغريق أسلوب العقلانية في التفكير والسببية المنطقية لتعليل وتفسير كل شيء.وبعد قرنين من وفاة الفليسوف الإغريقي أرسطو عام 322ٌق.م. تم التطور في مجال الأعداد حيث قام العالم الإغريقي إيراتوستينيس Eratosthenes بقياس محيط الأرض بما لاتخطيء حساباته عن قياسها حاليا سوي في1%.ووضع الرياضي الإغريقي أرشميدس Archimedes أسس الميكانيكا. وكان من رواد علم ميكانيكا السوائل Fluid Mechanics وعلم الهيدروستاتيكا Hydrostatics حيث إهتم بدراسة السوائل في حالة السكون. واسس العالم الإغريقي ثيوفراستس Theophrastus علم النبات واهتم فيه بوصف النباتات وأنواعها وفحص عملية الإنبات بالبذور. ولما تصاعدت قوة الرومان بالقرن الأول ق.م. لم يكونوا مهتمين كثيرا بالعوم الأساسية، قام بطليموس بوضع خريطة للسماء وقع عليها مواقع الكواكب والنجوم المعروفة وقتها. ووضع الأرض كمركز للكون. ووضع الطبيب جالينوس Galen أبحاثه في التشريح ووظائف الأعضاء (فسيولوجيا). وبصفة عامة لم تتقدم العلوم في الإمبراطورية الرومانية. وأفلت المدارس الإغريقة وأغلقت عام 529م. بسبب انتشار المسيحية التي فرضتها روما علي معظم بلدان العالم القديم التابعة لها اليونان وآسيا الصغري والشام ومصر وأجزاء من جنوب أوروبا. ومنذ عام 500م. ولمدة تسعة قرون حتي عام 1400م. ظهرت خلالها الحضارتان الإسلامية والصينية. وخلال هذه الفترة لم يكن غرب أوروبا يهتم بالفكر العلمي ولجأ للخيال والخرافات العلمية وكيفية تحويل المعادن الخسيسة للذهب. وهذا ماعرف بعلم السيمياء. وهاتان الحضارتان كانتا حضارتين متفردتين ومنعزلتين عن أوروبا.
الحضارة الصينية والإسلامية
فالصينيون القدماء حولوا الاكتشافات إلي نهايات عملية من التنظير للتجريب والإختراع عكس الإغريق. فلقد إخترعوا البوصلة عام 270 م. والطباعة بحفر الخشب حوالي سنة 700م. واخترعوا البارود سنة 1000م. وبرعوا في الفلك. فرصدوا مستعرا أعظم (إنفجار نجم) بسديم العقرب سنة 1054م. كما برعوا في الرياضيات وتوصلوا لقيمة piسنة 600 م.
وفي الصين رسموا أقدم خريطة للنجوم عام 940 م. وفي العالم الإسلامي إنتشرت الحضارة الإسلامية حتي بلغت أسبانيا بالعصور الوسطي. فنجد من الرياضيين العرب محمد الخوارزمي الذي أدخل الأعداد العربية لأوربا بما فيها الصفر. ووضع علم الجبر والمقابلة وظل اسمه يطلق علي اللوغاريثمات (الخوارزميات) والتي مفاهيمها تطبق علي الكومبيوتر حاليا. وفي الفلك نجد العرب قد رصدوا النجوم الساطعة ووضعوها علي الخرائط الفلكية وأطلقوا عليها الأسماء العربية التي ما زالت تستعمل حتي اليوم كنجوم الدبران والطاسر والدنيب. وفي الكيمياء إخترعوا طرقا لصنع الفلزات من المعادن واختبروا جودتها ونقاوتها. وأطلقوا مصطلحات منها كلمة الكيمياء والقلوي alkali. وطوروا في الفيزياء ومن أشهر الفيزيائيين العرب ابن الهيثم وهو عراقي نشر كتاب المناظر في البصريات والعدسات والمرايا وغيرها من الأجهزة التي تستخدم في البصريات. ورفض فكرة انبعاث الضوء من العين، لكنه أقر بأن العين تبصره عندما يقع أشعة الضوء من الوسط الخارجي عليها. وهذا مانعرفه حاليا. وبعدما ترجم التراث الإسلامي لللغات الأوربية ولاسيما بعد اختراع جوتنبرج الطباعة. فطبعت النسخ من هذا التراث وشاعت العلوم العربية وأمكن الحصول عليها هناك بسهولة ويسر. أما ابن سينا- عرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث- فقد ألّف 450 كتاب في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب. كما أنّه يعتبر من الأعظم شهرة في كل الأزمان والأماكن والأوقات. وأعظم أعماله المشهورة هي كتاب الشفاء وكتاب القانون في الطب. ولابن النفيس في الطب منجزات وإبداعات فهو أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى أو دوران الدم الرئوي، قبل العالم الطبيب وليم هارفي وقد سجل ابن النفيس اكتشافه هذا في كتابه :" شرح تشريح القانون لابن سينا".
عصر النهضة
وبعد ظهور وباء الطاعون (الموت الأسود) سنة 1347م. تأخر التقدم العلمي في أوروبا زهاء قرنين حتي سنة 1543م. عندما نشر كتاب العالم البلجيكي أندرياس فازليس بعنوان (في تركيب الجسم البشري)(De Corporis Humani Fabrica). حيث صحح فيه أفكار جالينوس منذ 1300 سنة عن تشريح جسم.والكتاب الثاني في هذه السنة عام 1543 وكان له دلالة كبري كان بعنوان (في ثورات الكرات السماوية)(De Revolutionibus Orbium Coelestium) للفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكس حيث رفض فيه فكرة الأرض مركز الكون كما وضعها بطليموس في القرن الأول ق.م. في كتابه(المجسطي) والذي ترجمه المسلمون. كما بين كوبرنيكس – أيضا- أن الأرض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس. ومنعت الكنيسة الكاثوليكية كتابه من التداول لمدة قرنين بل كفرته رغم صحة ماقاله. لكن في العقد الأول من القرن 17 ثبت صحة كوبرنيكس ولاسيما بعد اختراع التلسكوب حيث إستخدمه جاليليو ليكون أول شخص يري أقمارا تدور حول كوكب المشتري ورأي وجه القمر ورسمه بالتفصيل. كما رأي كوكب الزهرة يتضاءل وهو يدور حول الشمس. واتهم جاليليو وكوبرنيكس اللذان صححا كثيرا من المفاهيم الفلكية بالهرطقة. وهذا ماجعل جاليليو يتراجع عن أفكاره. لكنه بحث القوانين التي تتحكم في سقوط الأشياء واكتشف أن تأرجح البندول ثابت في أي الإتجاهين. وهذه الحركة البندولية إكتشفت إمكانية استخدامها في ضبط الساعات. وقد طبقها إبنه عام 1641م. وبعد عامين إكتشف تورشيللي البارومتر لقياس الضغط الجوي. وفي سنة 1650 إكتشف الفيزيائي الألماني جويرك المضخة الهوائية. فأحضر نصفي كرة برونزية.وفرغهما من الهواء للدلالة علي قوة الضغط الجوي. ثم أحضر مجموعتين من الأحصنة وكل مجموعة من ثمانية وحاولوا شد نصفي الكرة المفرغة من الجانبين المتقابلين. فظلت الكرة ملتصقة تماما.لأن الكرة مفرغة ولايوجد بها ضغط هوائي والضغط الجوي الخارجي الواقع عليها أعلي. ولما ضخ الهواء بها إنفصلا عن بعضهما..لأن الضغط الجوي بداخلها وبالخارج متعادل. وخلال القرن 17 حدث تقدم كبير في علوم الحياة حيث إكتشف الإنجليزي وليام هارفي الدورة الدموية واكتشف العالم الهولندي أنطوني فان ليوفينهوك الكائنات الدقيقة من خلال ميكرو سكوبه الذي إخترعه. وفي إنجلتلرا وضع روبرت بويل ألكيمياء الحديثة. وفي فرنسا إكتشف رينيه ديكارت عدة رياضيات ووضع المذهب العقلي في العلم.
لكن كان أعظم إنجازات العلم في القرن 17. عندما استطاع الفيزيائي والرياضي الإنجليزي إسحق نيوتن عام 1665م، وضع نظريات عن طبيعة الضوء والجاذبية الكونية التي إعتبرها تمتد في كل الكون. وكل الأشياء تجتذب لبعضها بقوة معروفة. والقمر مشدود في مداره بسبب الجاذبية التي تؤثر علي حركة المد والجزر بالمحيطات فوق الأرض.وفي عصر التنوير The Age of Enlightenment. كان نيوتن قد بين بالقرن 18 ان الطبيعة(الوجود) محكومة بقوانبن أساسية تجعلنا ننهج المنهج العلمي. وهذا ماحرر علماء هذا القرن وجعلهم يقتربون من الطبيعة لأن الاكتشافات حررتهم من أسار السلطة الدينية وأفكار وحكمة الكتابات القديمة والتي لم تخضع للتجارب. وهذا التوجه العقلاني والعلمي أدخل العلم في عصر السببية (الأسباب) Age of Reason أو مايقال بعصر التنوير Age of Enlightenment حيث طبق علماء القرن 18بشدة الفكر العقلي والملاحظة الواعية والتجارب لحل المسائل المختلفة. فظهر تصنيف وتقسيم الأحياء حيث صنف العالم الطبيعي السويدي كارلوس لينويز 12 ألف نبات وحيوان حسب الترتيب للصفات. وفي سنة 1700 م. صنعت أول آلة بالبخار وتطور التلسكوب ليكتشف به الفلكي الإنجليزي وليام هيرسكل الكوكب أورانوس عام 1781 م. وخلال القرن 18 لعب العلم دورا بارزا في الحياة اليومية. فلقد ظهرت ثورة الآلة في مضاعفة الإنتاج الصناعي ومنذ القرن 19 إنتهج العلم طريق المعرفة في شتي فروعه. ففي الكيمياء إعتبرت المادة مكونة من الذرات. ووضع الإنجليزي جون دالتون النظرية الذرية Atomic theoryعام 1803 حيث إكتشف أن كل ذرة لها كتلة. وهذه الذرات تظل بلا تغيير حتي لو إتحدت مع ذرات أخرى لتكوين المركبات. كما بين أن المواد دائما تتحد معا بنسب ثابتة.واستطاع ديمتري ماندليف Dmitry Mendeleyev استخدام اكتشافات دالتون للذرات وسلوكها في رسم جدوله الدوري الشهير الذي رتب فيه العناصرعام 1869. كما شهد القرن 19 في الكيمياء تخليق الأسمدة الصناعية(المخلقة) synthetic fertilizer عام 1842بإنجلترا. وفي عام 1846الكيميائي الألماني كريستيان شونباين Christian Schoenbein المادة المتفجرة نيترو سيلليلوز من خليط حامضي الكبرتيك والنيتريك وغمسه بقطع من القطن وقام بتجفيفها. وتوصل إلي أن السيلليلوزبالقطن يتحول لمادة سريعة الإشتعال وشديدة الإنفجار. وبنهاية القرن 19أمكن تصنيع مئات المركبات العضوية بتخليقها من مواد غير عضوية. فصنعت الأصباغ والأسبرين.
العصور الحديثة
الفيزياء
خلال القرن 19 كانت الأبحاث في الكهرباء والمغناطيسية التي قام بها مايكل فراداي Michael Faraday وجيمس كلارك ماكسويل James Clerk Maxwell في بريطانيا. فلقد أثبت فراداي عام 1821أن المغناطيس المتحرك يولد كهرباء في الموصلات (الأسلاك). ومكسويل بين أن الضوء طاقة من موجات كهرومغناطيسية. وفي عام 1888إكتشف الفيزيائي الألماني هينريش هرتز Heinrich Hertz موجات الراديو. والفيزيائي الألماني وليهيلم رونتجن إكتشف أشعة (X) عام 1895.. وفي سنة 1897 إكتشف الفيزيائي البريطاني جوزيف طمسون Joseph J. Thomson الإلكترون واعتبره جسيما دون ذري. واخترع توماس إديسون Thomas Edisonبوق(ميكروفون) التليفون من حبيبات الكربون (الفحم) عام 1877. كما إخترع الفونوجراف واللمبات الكهروبائية.
علوم الأرض
وفي علوم الأرض نجد القرن 19 قد شهد تطورا كبيرا حيث قدر عمر الأرض ما بين 100000سنة ومئات الملايين من السنين. وفي الفلك مع التطور الهائل في الأجهزة البصرية، تحققت اكتشافات هامة. ففي عام 1801لوحظت المذنبات ومدار كوكب أورانوس الشاذ. فلقد توقع لفلكي الفرنسي جيان جوزيف ليفرييه Jean Joseph Leverrier أن كوكبا مجاورا لأورانوس يؤثر علي مداره. وفد استخدم الحسابات الرياضية. وقد قام العالم الفلكي الألماني جوهام جال Johann Galle في عام 1846بمساعدة العالم ليفرييه باكتشاف كوكب نبتون. وكان الفلكي الإيرلندي وليام بارسونز William Parsons أول من شاهد شكل المجرات الحلزونية فيما وراء نظامنا الشمسي، عن طريق التلسكوب العاكس العملاق (وقتها)عام 1840.
علوم الحياة
كما شهد القرن 19 تقدما في علوم الحياة بدراسة الكائنات الدقيقة ولاسيما بعد ما حقق العالم الفرنسي لويس باستير Louis Pasteur ثورته في الطب الوقائي عام 1880 عندما بين أن بعض الأمراض سببها الجراثيم فصنع الطعوم الواقية منها لأول مرة في التاريخ ولاسيما ضد مرض السعار (الكلب).واخترع طريقة البسترة لمنع انتشار الجراثيم باللبن وتعقيم الأطعمة لمنع فسادها ونقلها للجراثيم المعدية. وفي سنة 1866 إكتشف الراهب النمساوي جريجور مندل Gregor Mendel الوراثة. وأعقبه العالم الإنجليزي تشارلز داروين Charles Darwin باكتشافه نظرية التطور، عندما نشر كتابه (أصل الأنواع (On (Origin of Species عام1859. وفيه بين نظرية الإختيارالطبيعي natural selection للأنواع. وأن البشر أسلافهم من أشباه القرود. وقد تطوروا من خلال عمليات بيلوجية.وقد قوبلت نظريته بالمعارضة الدينية الشديدة إلا أن العلماء قبلوها وأقروا بأن التطور قد وقع فعلا رغم نكران البعض لآلية التطور.وفي القرن العشرين ظهر العلم الحديث حيث كانت الاكتشافات والإنجازات العلمية المذهلة ولاسيما في مجالات الوراثة والطب والعلوم الإجتماعية. ففي مطلع هذا القرن دخل علم الأحياء فترة تطور سريع في الهندسة الوراثية حيث أعيد اكتشاف نظرية مندل عام 1900.وأعقبها أصبح علماء الأحياء مقتنعين بوجود الجينات الوراثية بالكروموسومات بالخلايا الحية. والتي هي عبارة عن خيوط تحتوي علي البروتينات والحامض النووي (جزيء دنا) (deoxyribonucleic acid (DNA)). وفي عام 1940 أكتشف أن دنا مأخوذا من بكتريا يمكن أن يغير الصفات الوراثية لبكتريا أخرى. فعرف أن الدنا هو المركب الكيميائي الذي يصنع الجينات وهو مفتاح الوراثة. وبعد أن قام العالمان الأمريكي جيمس واتسون James Watson والبريطاني فرانسيس كريك Francis Crick عام 1953 بوضع هيكل لجزيء دنا. بعده أمكن للهندسة الوراثية فهم الوراثة من خلال مفاهيم كيميائية. فوضع الجينوم genomeوهو الخريطة الجينية التي من خلالها تعرف علماء الأحياء علي الجينات البشرية ودورها في الحياة والأمراض البشرية. مما جعل التعرف علي الجينات المسببة للأمراض وسيلة لعلاجها عن طريق الجينات.ونقلها من كائن حي لآخر لتغيير بعض صفاته الوراثية والقيام بعملية التهجين الجيني.
الطب
وفي الطب شهد القرن العشرين تطورا غير مسبوق واكتشافات كبرى. فلقد إكتشف الطبيب الهولندي كريستيان إيجكمان Christiaan Eijkman أن الأمراض لاتسببها الجراثيم فقط ولن يمكن أن تكون بسبب نقص بعض المواد في الغذاء. فتوصل العلماء للفيتامينات. وفي عام 1909 توصل البكتريولوجي الألماني بولوس إيرلخ Paul Ehrlich لأول قاتل كيماوي (مركب السلفانيلاميد) للجراثيم بدون قتل خلايا المريض. ثم أكتشف البكتريولوجي البريطاني ألكسندر فليمنج Alexander Fleming عام 1928 البنسلين المضاد الحيوي.ثم أعقبه المضادات الحيوية الأخرى والتي تقتل البكتريا وليس لها تأثير علي قتل الفيروسات التي ما زالت تكافح أمراضها الفيروسية القاتلة بالأمصال والطعوم الحيوية حتي الآن. كما في مرض الجدري ومرض شلل الأطفال الذين إنتهيا من فوق الخريطة الصحية العالمية تقريبا في أواخر القرن العشرين. وتوقع العلماء إمكانية القضاء أو السيطرة علي الأوبئة عام 1980. إلا أنهم صدموا بظهور سلالات جديدة من الجراثيم المعدية مقاومة للمضادات الحيوية كجراثيم السل (الدرن) والفيروسات المسببة لحمي النزيف الدموي أو نقص المناعة كالإيدز. وفي مجال تشخيص الأمراض شهد الطب طفرة في تقنية التصوير التشخيصي كالتصوير بالرنين المغناطيسي magnetic resonance والمسح الطبقي (computed tomography). كما أن العلماء في طريقهم للعلاج الجيني gene therapy لبعض الأمراض كمرض السكر. وظهر التشخيص وإجراء العمليات بالمناظير وزراعة الأعضاء وتغيير صمامات القلب وتوسيع الشرايين. وكلها كان من المستحيل إجراؤها.وظهرت ممارسة الطب عن بعد telemedicine بفضل التقدم في توصيلات الألياف البصرية السريعة high-speed fiber-optic عن طريق استخدام الإنسان الآلي وقيامه بالعملية الجراحية بغرفة العمليات. والجراح في هذه الحالة يقوم بتوجيهه في حجرة مجاورة. ويمكن عن طريق الإنترنت يقوم جراح في بلد آخر بالقيام بهذه العملية. لكن الإنسان الآلي يقوم بالمهمة أدق من الجراح البشري.
التكنولوجيا
وفي التكنولوجيا نجد أن مهندس الكهرباء الإيطالي جوليميو ماركوني Guglielmo Marconi قد أرسل أول إشارات راديو عبر محيط الأطلنطي عام 1901. وكان المخترع الأمريكي لي دي فورست Lee De Forest قد إخترع عام 1906الأنبوب(الصم[[ميديا:Example.ogg
ام) المفرغ مفتاح تشغيل نظم الراديو والتلفزيون والكومبيوتر. وبين سنتي 1920-1930 أخترع الأمريكي فلاديمير كوزما زوركين Vladimir Kosma Zworykin التلفزيون بالصوت والصورة. وفي سنة 1935قام عالم الفيزياء البريطاني روبرت واتسون Robert Watson باستخدام موجات الراديو المنعكسة (المرتدة) لتحديد موقع طائرة في حالة الطيران. وإرتداد الإشارات الرإدارية من القمر والكواكب والنجوم لتحديد بعدها من الأرض وتتبع مساراتها. وفي سنة 1947إخترع علماء أمريكان الترانسستورالذي يكبر التيار الكهروبائي ويوفر الطاقة. وجعل الأجهزة الكهربائية أصغر حجما. وما بين عامي 1950 و1960 ظهرت الكومبيوترات الصغيرة باستعنال الترانسستورات. فصغر حجمها ووفرت الطاقة. كما ظهرت الدوائر الإلكترونية المضغوطة.وفي سنة 1971 ظهر الكومبيوتر الشخصي المحمول والشرائح.
خاتمة المحاضرة الأولى
فلسفة العلوم أحد فروع الفلسفة الذي يهتم بدراسة الأسس الفلسفية والافتراضات والمضامين الموجودة ضمن العلوم المختلفة، بما فيها العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا، والاجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية. بهذا المفهوم تكون فلسفة العلوم وثيقة الصلة بالابستمولوجيا والانتولوجيا فهي تبحث عن أشياء مثل : طبيعة وصحة المقولات العلمية، طريقة إنتاج العلوم والنظريات العلمية، طرق التأكد والتوثيق من النتائج والنظريات العلمية، صياغة وطرق استعمال الطرق العلمية المختلفة أو ما يدعى بالمنهج العلمي، طرق الاستنتاج والاستدلال التي تستخدم في فروع العلم كافة، وأخيرا تضمينات هذه المقولات والطرق والمناهج العلمية على المجتمع بأكمله وعلى المجتمع العلمي خاصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحاضرة الثانية:
الفرق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية
في كل المداخل السابقة حاولنا أن نبيِّن أن ثمة ثنائية فضفاضة تسم الوجود الإنساني (الخالق/المخلوق ـ النزعة الربانية/النزعة الجنينية ـ الإنسان/الطبيعة). وثنائية الإنسان/الطبيعة هي أهم هذه الثنائيات. وقد عبَّرت عن نفسها في الجدل المثار في العلوم الإنسانية منذ بداية ظهورها في القرن التاسع عشر وهل هناك «علم طبيعي» مختلف عن «العلوم الإنسانية» أم أن هناك وحدة (أي واحدية) للعلوم.
ويُطلَق مصطلح «العلم الطبيعي» على كل دراسة تتناول معطيات الواقع المادي بكلياته وجزئياته. ووسيلة هذه الدراسة هي منهج الملاحظة المباشرة والتجربة المتكررة والمتنوعة. والدراسة وكذلك عمليات التجريب تتم بهدف التفسير من خلال التوصل إلى تعميمات وقوانين تحقق الانتقال من الخاص إلى العام وتكشف عن العلاقات المطّردة الثابتة بين الظواهر. وهذه القوانين يتم التعبير عنها عن طريق تحويل صفات الكيف (التي لا تُقاس) إلى صفات كم بحيث يتم التعبير عنها برموز رياضية. وتتميَّز قوانين العلوم الطبيعية بأنها دقيقة وعامة تتخطى الزمان والمكان، وهي حتميـة (ولكنها، بعد اهتزاز الحتمية، أصبحت احتمالية ترجيحية: ترجيحية تقارب اليقين وتظل صالحة للاستعمال حتى يثبت بطلانها).
ويذهب البعض إلى أن نموذج العلوم الطبيعية (بما ينطوي عليه من واحدية موضوعية مادية) لابد أن يُطبَّق في كل العلوم الأخرى (وضمن ذلك العلوم الاجتماعية والإنسانية). وقد لاحظ كثير من العلماء في الشرق والغرب خلل مثل هذه المحاولة نذكر منهم د. حامد عمار، د. توفيق الطويل، د. حسن الساعاتي (الذين يعتمد هذا المدخل على كتاباتهم) وبينوا الاخـتلافات بين الظاهرة الإنسانية والظاهرة الطبيعية، ونوجزها فيما يلي:
1ـ أ) الظاهرة الطبيعية مُكوَّنة من عدد محدود نسبياً من العناصر المادية التي تتميَّز ببعض الخصائص البسيطة، وهذا يعني أنه يمكن تفتيتها إلى الأجزاء المكوِّنة لها. كما أن الظاهرة الطبيعية توجد داخل شبكة من العلاقات الواضحة والبسيطة نوعاً والتي يمكن رصدها.
ب) الظاهرة الإنسانية مُكوَّنة من عدد غير محدود تقريباً من العناصر التي تتميَّز بقدر عال من التركيب ويستحيل تفتيتها لأن العناصر مترابطة بشكل غير مفهوم لنا. وحينما يُفصَل الجزء عن الكل، فإن الكل يتغيَّر تماماً ويفقد الجزء معناه. والظاهرة الإنسانية توجد داخل شبكة من علاقات متشابكة متداخلة بعضها غير ظاهر ولا يمكن ملاحظته.
2ـ أ) تنشأ الظواهر الطبيعية عن علة أو علل يسهل تحديدها وحصرها، ويسهل بالتالي تحديد أثر كل علة في حدوثها وتحديد هذا الأثر تحديداً رياضياً.
ب) الظاهرة الإنسانية يصعب تحديد وحصر كل أسبابها، وقد تُعرَف بعض الأسباب لا كلها، ولكن الأسباب تكون في العادة متداخلة متشابكة، ولذا يتعذر في كثير من الحالات حصرها وتحديد نصيب كل منها في توجيه الظاهرة التي ندرسها.
3ـ أ) الظـاهرة الطبيعـية وحـدة متكـررة تَطَّرد على غرار واحد وبغير اسـتثناء: إن وُجدت الأسـباب ظهرت النتيجة. ومن ثم، نجد أن التجربة تُجرَى في حالة الظاهرة الطبيعية على عينة منها ثم يُعمَم الحكم على أفرادها في الحاضر والماضي والمستقبل.
ب) الظاهرة الإنسانية لا يمكن أن تَطَّرد بنفس درجة الظاهرة الطبيعية لأن كل إنسان حالة متفردة، ولذا نجد أن التعميمات، حتى بعد الوصول إلىها، تظل تعميمات قاصرة ومحدودة ومنفتحة تتطلب التعديل أثناء عملية التطبيق من حالة إلى أخرى.
4ـ أ) الظاهرة الطبيعية ليس لها إرادة حرة ولا وعي ولا ذاكرة ولا ضمير ولا شعور ولا أنساق رمزية تُسقطها على الواقع وتدركه من خلالها، فهي خاضعة لقوانين موضوعية (برانية) تحركها.
ب) الظاهرة الإنسانية على خلاف هذا، ذلك لأن الإنسان يتسم بحرية الإرادة التي تتدخل في سير الظواهر الإنسانية، كما أن الإنسان له وعي يسقطه على ما حوله وعلى ذاته فيؤثر هذا في سلوكه. والإنسان له ذاكرة تجعله يُسقط تجارب الماضي على الحاضر والمستقبل، كما أن نمو هذه الذاكرة يُغيِّر وعيه بواقعه. وضمير الإنسان يجعله يتصرف أحياناً بشكل غير منطقي (من منظور البقاء والمنفعة المادية)، كما أن الأنساق الرمزية للإنسان تجعله يُلوِّن الواقع البراني بألوان جوانية.
5ـ أ) الظواهر الطبيعية ينم مظهرها عن مخبرها ويدل عليه دلالة تامة بسبب ما بين الظاهر والباطن من ارتباط عضوي شامل يُوحِّد بينهما فيجعل الظاهرة الطبيعية كلاًّ مصمتاً تحكمه من الداخل والخارج قوانين بالغة الدقة لا يمكنها الفكاك منها، ولهذا تنجح الملاحظة الحسية والملاحظة العقلية في استيعابها كلها.
ب) الظواهر الإنسانية ظاهرها غير باطنها (بسبب فعاليات الضمير والأحلام والرموز) ولذا فإن ما يَصدُق على الظاهر لا يَصدُق على الباطن. وحتى الآن، لم يتمكن العلم من أن يُلاحظ بشكل مباشر التجربة الداخلية للإنسان بعواطفه المكبوتة وأحلامه الممكنة أو المستحيلة.
6ـ أ) لا يوجد مكوِّن شخصي أو ثقافي أو تراثي في الظاهرة الطبيعية؛ فهي لا شخصية لها، مجردة من الزمان والمكان تَجرُّدها من الوعي والذاكرة والإرادة.
ب) المكوِّن الشخصي والثقافي والذاتي مكوِّن أساسي في بنية الظاهرة الإنسانية. والثقافة ليست شيئاً واحداً وإنما هي ثقافات مختلفة، وكذا الشخصيات الإنسانية.
7ـ أ) معدل تحوُّل الظاهرة الطبيعية يكاد يكون منعدماً (من وجهة نظر إنسانية)، فهو يتم على مقياس كوني، كما أن ما يلحق بها من تغير يتبع نمط برنامج محدد، ولذا فإن الظواهر الطبيعية في الماضي لا تختلف في أساسياتها عنها في الحاضر، ويمكن دراسة الماضي من خلال دراسة الحاضر.
ب) معدل التغيُّر في الظواهر الإنسانية أسرع بكثير ويتم على مقياس تاريخي، وما يطرأ عليها من تغير قد يتبع أنماطاً مسبقة ولكنه قد ينسلخ عنها. وعالم الدراسات الاجتماعية لا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يلمس الظواهر الإنسانية التي وقعت في الماضي، ولذا فهو يدرسها عن طريق تقارير الآخرين الذين يلونون تقاريرهم برؤيتهم، فكأن الواقعة الإنسانية في ذاتها تُفقَد إلى الأبد فور وقوعها.
8ـ أ) بعد دراسة الظواهر الطبيعية والوصول إلى قوانين عامة، يمكن التثبت من وجودها بالرجوع إلى الواقع. ولأن الواقع الطبيعي لا يتغيَّر كثيراً، فإن القانون العام له شرعية كاملة عبر الزمان والمكان.
ب) بعد دراسة الظواهر الإنسانية، يصل الإنسان إلى تعميمات. فإن هو حاول تطبيقها على مواقف إنسانية جديدة فإنه سيكتشف أن المواقف الجديدة تحتوي على عناصر جديدة ومكونات خاصة إذ من غير الممكن أن يحدث في الميادين الاجتماعية ظرفان متعادلان تماماً، ومتكافئان من جميع النواحي.
9ـ أ) لا تتأثر الظواهر الطبيعية بالتجارب التي تُجرَى عليها سلباً أو إيجاباً، كما أن القوانين العامة التي يُجرِّدها الباحث والنبوءات التي يطلقها لن تؤثر في اتجاهات مثل هذه الظواهر، فهي خاضعة تماماً للبرنامج الطبيعي.
ب) تتأثر العناصر الإنسانية بالتجربة التي قد تُجرَى عليها، فالأفراد موضوع البحث يحوِّلون من سلوكهم (عن وعي أو عن غير وعي) لوجودهم تحت الملاحظة، ففي إمكانهم أن يحاولوا إرضاء صاحب التجربة أو يقوضوا نتائجه. كما أن النبوءات التي يطلقها الباحث قد تزيد من وعي الفاعل الإنساني وتغيِّر من سلوكه.
10ـ أ) بإمكان الباحث الذي يدرس الظاهرة الطبيعية أن يتجرد إلى حدٍّ كبير من أهوائه ومصالحه لأن استجابته للظاهرة الطبيعية وللقوانين الطبيعية يَصعُب أن تكون استجابة شخصية أو أيديولوجية أو إنسانية، ولذا يمكن للباحث أن يصل إلى حدٍّ كبير من الموضوعية.
ب) أما الباحث الذي يدرس الظاهرة الإنسانية فلا يمكنه إلا أن يستجيب بعواطفه وكيانه وتحيزاته، ومن خلال قيمه الأخلاقية ومنظوماته الجمالية والرمزية، ولذا يَصعُب عليه التجرد من أهوائه ومصالحه وقيمه التي تعوقه في كثير من الأحيان عن الوصول إلى الموضوعية الصارمة.
ولكل ما تقدَّم، فإن من الممكن إجراء التجارب المباشرة المنضبطة المتكررة على العناصر الطبيعية ويمكن قياسها بمقاييس كمية رياضية فهي تخلو من الاستثناءات والتركيب والخصوصيات، ويمكن التَوصُّل إلى قوانين عامة تتسم بالدقة تنطبق على الظاهرة في كليتها وفي جوانيتها وبرانيتها. أما الظاهرة الإنسانية، فلا يمكن إجراء التجارب المباشرة المنضبطة عليها ويستحيل تصويرها بالمعادلات الرياضية الدقيقة إذ لا تخلو من الاستثناءات والتركيب والخصوصيات، ولذا لا يمكن التَوصُّل إلى قوانين عامة (وإن تم التوصل إلى قوانين فلابد أنه تعوزها الدقة والضبط). وهناك عدد كبير من الكُتَّاب الغربيين من أوائلهم فيكو ومن أهمهم كانط وديلتاي وريكرت ينطلقون من محاولة التمييز بين الإنسان والطبيعة. ولكن غالبية المفكرين الغربيين يدورون في إطار الواحدية المادية (أو الواحدية المثالية) ويحاولون القضاء على هذه الثنائية تماماً وإلغاء الحيز الإنساني وبالتالي يدافعون عن وحدة (أو واحدية) العلوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلسفة العلوم الإنسانية
طرح المشكلة :إذا كانت الأجسام تختلف في طبيعتها فهي تتفق في خضوعها لقوانين ثابتة ولنظام واحد هو نظام الكون ومثالنا على ذلك فإنه مهما كانت طبيعتها جامدة أو حية ،مادية أو معنوية فإنها خاضعة لنظام كوني واحد،كما أن أحكام الإنسان تختلف على هاته الأشياء مما يجعلها خاضعة للأذواق والميول مما يجعل أحكامنا لها أحكام تقديرية ،ولكن الشيء الذي نجده يختلف هو الشيء الذي يتعلق بالخصوصيات الإنسانية التي ينفخ فيها الإنسان من روحه وهذا ما يجعلها تختلف عن الظواهر الفيزيائية المنتمية إلى عالم الأشياء ، مما يفرض علينا أن تكون لكل واحدة من هاته الظواهر طريقة منهجية خاصة كما تعتبر الظواهر الإنسانية ظواهر معقدة وهذا راجع إلى عوامل إنتاجها متداخلة ومترامية الأطراف كما تعتبر نتاج تفاعل مؤثرات نفسية و اجتماعية ضمن حدود الزمن وهذا ما يجعل العلوم الإنسانية تتجلى في جملة العلوم الإنسانية أهمها :علم التاريخ ،علم الاجتماع، وعلم النفس ،ومن حل هاته التداخلات والارتباطات بين الوقائع الاجتماعية و النفسية و بغيرها من المؤثرات ومن أجل حل هذا التداخل نتناول ثلاثة محاور أساسية:
1-كيف السبيل إلى ضبط مفهوم العلوم الإنسانية:
أولا :بين علوم الإنسان وعلوم إنسانية:
1)مفهوم العلوم الإنسانية :وهي تسمى العلوم المعنوية وهي تتخذ من أحوال الناس وسلوكاتهم موضوع الدراسة وفق منهج منظم ،تدرس واقع الإنسان كفرد لوحده ،أو فردًا من جماعة ،أي أن العلوم الإنسانية علوم تتناول فاعليات الإنسان المختلفة وساعية إلى ضبط طبيعتها وتحديد دلالاتها ومقاصدها المختلفة.
2)موضوعها:تدرس كل ما يصدر عن الإنسان من سلوكيات من مختلف أبعاده ، العاقلة والنفسية والاجتماعية والآثار التي وراءه والتي تدل على وجوده وحضوره ،كما ترد تسميتها لاهتمامها بموضوع الإنسان و بما تثيره من تأويلات تتعلق بالقيم و الأخلاق .
ثانيا:الفرق بينها وبين العلوم المعيارية:
أن العلوم الإنسانية تدرس الحالة الراهنة أي ما هو كائن أما العلوم المعيارية فهي تهتم بما يجب أن يكون أي بما تحمله الأماني كعلم النطق وعلم الجمال وعلم الأخلاق .
ثالثا:نقول الإنسانية مثلما نقول التجريبية والمعيارية:
نقول إنسانية نسبة إلى موضوعها ، ونقول تجريبية نسبة إلى منهجها التجريبي كما نقول معيارية نسبة إلى المعيار الذي يقدر على مثاله السلوك أي ما يجب أن عليه السلوك
2- ومع ذلك يمكن الاعتقاد بأنها علوم على منوالها :
ونقصد بذلك الصعوبات التي تعتر ضنا خاصة في تطبيق المنهج التجريبي التي تواجهنا وطريقة تذليلها والوصول فيها إلى نتائج وهاته الصعوبات نجدها على مستوى علو التاريخ ،وعلو الاجتماع وعلم النفس ،كما نبين كيف تمكن العلماء من اقتحامها كل في تخصصه
أولا: عوائق تطبيق مقياس التجربة بالمفهوم المستعمل في العلوم التجريبية :
إن السبب الذي يشكل عقبات أمام تطبيق مقياس التجربة المعروف في العلوم التجريبية في العلوم الإنسانية أنها ظاهرة ذاتية وقصدية، كما توجهها جملة من القيم القواعد ، كما أنها لاتثبت على حال ،كما أنها مصدر الإبداع والحرية ،ناهيك أنها متصلة ببيئة الإنسان وأخلاقه وثقافته وعواطفه وبمبادئه، ولا يمكن التنبؤ بها كل هذه الخصائص تجعلها متميزة على بقية الظواهر، لذلك فماهي هذه العقبات على مستوى التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس .
1) عوائق الحادثة التاريخية :يمكن ردها إلى خمس خصائص:
أ- أنها حادثة ذات سمة فردية، تجري في زمن محدد ومكان اجتماعي معين.
ب- لا تتكرر، لأن الزمن الذي حدثت فيه لا يعود من جديد ,وبهذا تكون غير خاضعة لمبدأ الحتمية لأن حوادث التاريخ حوادث تمضي لا تعود.
ج- غير قابلة لأن تعاد من جديد بطرق اصطناعية وغير قابلة للتكميم ، لا يمكن التأكد تجريبيا من صحة الفرض ، ومنه عدم الوصول إلى نتائج وبتالي استحالة التنبؤ .
د- يصعب تحديد بداياتها الواضحة وأصولها البعيدة ، ونتائجها وقت حدوثها .
ه- انفلاتها من الدراسة الموضوعية النزيهة ،أي أن المؤرخ يكتب التاريخ وفق ما يتماشى مع واقعه الذي يحياه ، كما أن التاريخ عكس العلم الذي يقرب الناس فإن التاريخ يعمل على تشتيتهم لأن لكل مجتمع تاريخه وأسلوبه في تمثيل تاريخه
2) عوائق الظاهرة الاجتماعية : يمكن ردها إلى خمس نقاط ,
أ- ليست اجتماعية خالصة ، أي أنها تنطوي على خصائص بيولوجية ونفسية وتاريخية وهذا ما جعل العلماء يختلفون في تصنيفها بين الظاهرة الحيوية البيولوجية أو الظاهرة النفسية أو الأحداث التاريخية ، ولكن بعضهم يرجح ضمها إلى مجال الأحداث التاريخية ,
ب- أن الظواهر الاجتماعية بشرية لا تشبه الأشياء ، لأنها بحياة الإنسان وكل ما هو متصل لا يخضع للبحث العلمي كما يملك الحرية والإرادة مما ينفي خضوعه للحتمية التي تحكم الظواهر المادية .
ج- أنها خاصة وليست عامة وما هو خاص يكون غير قابل للدراسة من خارج بفضل التحليل والتجربة ومن هنا ابتعاد الموضوعية في علم الاجتماع
د- ذاتية معقدة أي تدخل في تأليفه عناصر متشابكة بعيدة عن البساطة المعروفة في مجال الظواهر المادية ، وهذا ما يجعلها وصفية ليست كمية
ه- كما أنها ظواهر تصعب عن التجربة أصلا للقوانين الطبيعية التي يهدف العلماء إلى وصولها والتي تساعدهم على التنبؤ بالظواهر . وبذلك يستحيل على الباحث الاجتماعي تدوين قوانين تصور لنا ما سيكون
3)عوائق الحادثة النفسية :ويمكن ردها إلى أربعة نقاط:
أ-أنها موضوع لا يعرف السكون ولا يشغل مكانا محددًا كما هو الحال في الظواهر الطبيعية ،لأنه لامكان للشعور ولا محل للانتباه ،ولا حجم للتذكر أو الحلم كما أنها حالة من الديمومة، لا تستقر على حال أن تطبيق المنهج التجريبي عليها يقضي على ديمومتها ويجعلنا ندرسها كماض لا كحاضر.
ب- شديدة التداخل والاختلاط ,أي يشتبك فيها الإدراك مع الإحساس والذكاء مع الخيال و الانتباه مع الإرادة.
ج- فريدة لا تقبل التكرار ،ونتائجها تكون لها صبغة ذاتية يعوزها التعميم ونتائجها وصفية كيفية كما أن اللغة تعجز عن وصف كل ما يجري في النفس ،ناهيك عن السلوكات التي مردها اللاشعور
د- داخلية لا يدركها إلا صاحبها وآن الحالة التي أحياها لايمكن أن يحياها غيري لأن لكل إنسان له تجاربه وذكرياته واهتماماته وميوله وتربيته الخاصة التي تميزه عن غيره .
إذا كانت هذه العوائق تقف في وجه الباحثين في مجال العلوم الإنسانية ،فكيف استطاعوا اقتحامها وتذليلها .
ثانيا:تجاوز العقبات وتحقيق نتائج معتبرة :إن هذه العوائق التي تقف أمام تطبيق المنهج العملي ،اجتهد العلماء على في تذليلها في مجال الدراسات الإنسانية ،وضع مناهج تتماشي مع طبيعة المواضيع ،واستطاعت فيها الوصول إلى نتائج علمية ومن هذه العلوم هي ,علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس:
1) تجاوز العقبات في التاريخ:يعود الفضل في تذليل هذه العقبات إلى "عبد الرحمان بن خلدون" وكذلك من عقبه بعد فترة من المؤرخين الأوربيين أمثال "رينان" و"تين"و "فوتسال دي كولابج" بحيث دعوا إلى احترام طبيعة الحادثة التاريخية وخصائصها ،وعلى هذا الأساس تم التوصل إلى النتائج التالية :
إذا كانت الحادثة التاريخية فردية ولا تتكرر ،و تحررها من مبدأ الحتمية و عدم قابليتها للتجريب ،لذلك وجب تطويع مفهوم التجربة بحيث تنسجم مع طبيعتها ، ومن حيث ضرورة تحديد بدايتها فإن المؤرخ يلجأ على الافتراض في تحديد المنطلق ويختار أقربها إلى الموضوعية مع مراعاة التسلسل السببي بين حلقات التاريخ ,ومن التجربة فإنه يعوضها بالمقارنة التاريخية التي تقع تحت الدراسة :
أ-على أساس هذه الخاصة ،وجب تناول الحادثة من خلال الآثار والوثائق وهي على نوعين :
-المصادر غير الإرادية التي بقيت من غير قصد ولابنية مثل الأبنية ،النقود الأسلحة والأوسمة والتراث الفكري والأدبي.
- المصادر الإرادية وهي التي بقيت قصدًا لتكون شاهدة عليهم كالرواية وكتب التاريخ .
ب- التحقق من صدق المصادر وإبعادها عن الذاتية قبل إعادة بناء الحادثة التاريخية وذلك بواسطة النقد الذي يتم على مستويين:
*النقد الخارجي :وهو الفحص الخارجي للمصدر من أجل معرفة هل هذه الوثيقة تعود إلى ذلك الزمن أم لا ؟ وهل وصلت لنا دون تشويه أو تزوير ؟ وإذا كانت وثيقة يتفحص نوع الورق أو الحبر أو شكل الخط, وإذا كان سلاح أو نقود أو أوسمة يتفحص نوع المعدن طبيعة المواد الكيمائية من أجل التأكد من الآثار .
* النقد الباطني :وهو فحص الداخلي للمصدر ،من أجل معرفة هل ما ورد في هذه الوثيقة يتماشى مع عقلية الذي تنسب إليه وهل هو متفق مع ما روي في مراجع أخري وكذلك معرفة نفسية الكاتب وموفقه اتجاه هذه الحادة مما دفعه إلى التمحيص و المبالغة أو إلى التشويه في الأحداث والقراءة الدقيقة حتى يتمكن من الوقوف على أخطاء الغير المقصودة والعفوية
خ- إعادة بناء الحادثة بالتأليف بين أجزائها ويرتبها حسب تسلسلها الزمني ،وإرجاعها مع الحوادث العامة بعد انتقائها وفق أهميتها ونوعها
2) تجاوز العقبات في علم الاجتماع: بدأ اقتحام العقبات في تحديد "إيميل دوركايم "لخصائص الظاهرة الاجتماعية أهمها خمس :
أ- أنها توجد خارج شعور الأفراد أي خاضعة للعادات والتقاليد والمعتقدات التي هي موجودة قبل أن يولد الإنسان وتوجه سلوكا ته
ب- كما تعتبر قوانين المجتمع القوة الآمرة القاهرة ما يجعل الظاهرة الاجتماعية تمتاز بالإلزام والإكراه لذلك تصبح تفرض نفسها على الفرد
ج- كما أنها صفة جماعية تتمثل في ما يسميه "دوركايم" الضمير الجمعي ،أي أنها لا تنسب إلى فرد ولا إلى بضعة أفراد أنما هي من صنع المجتمع وهي عامة يشترك فيها جميع أفراد المجتمع وتظهر في شكل واحد وتتكرر إلى قترة طويلة من الزمن رغم أن الفضل في نشوئها يعود على الأفراد
د- كما أنها في ترابط يؤثر بعضها في بعض ويفسر بعضها البعض الآخر مثل الآسرة هي مرآة المجتمع ربينهما تأثير متبادل
ه- كما تمتاز بأنها حادثة تاريخية أي أنها تعبر عن لحظة من لحظات تاريخ الاجتماع البشرى . أن هذا التحديد للظاهرة الاجتماعية صحح بعض التعارف الفاسدة مما أدى للدراسات الاجتماعية بالتقدم إلى مجال العلم والموضوعية بعدما كانت عبارة عن تصورات ،وهذا ما أوصل "وركايم" إلى اعتبار نطاق الظواهر الاجتماعية أوسع مما يعتقد حيث يقول :{{مامن حادثة إنسانية إلا ويمكن أن نطلق عليها اسم ظاهرة اجتماعية }}كما أعتبر "دوركايم" أن الظاهرة الاجتماعية مثلها مثل بقية الظواهر القابلة للدراسة وفق النهج التجريبي من أجل صياغة القانون وفي هذا قال يجب أن نعالج الظواهر على أنها أشياء ) أي بنفس المنهج الذي يدرس به عالم الفيزياء الحادثة الطبيعية
3)تجاوز عقبات علم النفس :
أ-اعتبر علماء النفس أن الموضوعية ليست حكرا على باقي العلوم التجريبية ،كما اعتبروا أنها قادرة على استيعاب المواقف العلمية الجديدة ،بحيثوا تنوعت لديهم مناهج وطرق العمل مما أدى إلى ازدهار العلوم السيكولوجية خاصة الفزيولوجية ،وأول من خاض المبادرة منهم السلوكيين وهي المبادرة التي استوحاها "واطسن" رائد السلوكية من تجربة "بافلوف"الفزيولوجي الروسي،وهي تلك التجربة التي آجراها على الكلب والتي سماها (فزيولوجيا الدماغ ) ولكن هاته التجربة تبلورت عند السيكولوجيين خاصة علماء الفيزيولوجيا،بحيث ساعد المنعكس الشرطي على فهم عمليات التعلم من عادة وتذكر وإدراك كما فتحت آفاقا جديدة في دائرة الدراسات النفسية ،وبهذا الشكل أصبح ينظر إلى علم النفس كما على أنه مثله مثل باقي العلوم الأخرى حيث يقول "واطسن" (إن علم النفس كما يرى السلوكي فرع موضوعي وتجريبي محض من فروع العلوم الطبيعية ،هدفه النظري التنبؤ عن السلوك وضبطه ...ويبدوا أن الوقت قد حان ليتخلص علم النفس من كل إشارة إلى الشعور )).
ب- كما اعتبر علماء النفس أنه لابد من التحرر من الخصوصيات التي تحول دون فهم الحوادث النفسية كما اعتبر السلوكيين أن الشعور ظاهرة إظافية لا طائل منها،واعتبروا أن الوظائف الذهنية والنفسية مثلها مثل بقية الظواهر يمكن دراستها بالاعتماد على الملاحظة والفرض والتجريب واستطاعوا تدوين قوانين ومن هذه القوانين ،قانون "فيخنر"القائل(أن الإحساس = لو مؤثر))وقانون "بيرون" القائل أن( النسيان يزداد بصورة متناسبة مع قوة لوغاريتم الزمن,أي ن= ق لوز حيث مقلوب الزمن أكبر من الصفر )).
3- هل عدم بلوغ نتائجها الدقة يحول دون استثمار هذه العلوم في فهم الواقع البشري والتحكم فيه وتحويله حسب تطلعاته؟
أولا: ليست نتائجها دقيقة ولا صحيحة :
1) نقد نتائج علم التاريخ: أن مسألة تحري الموضوعية في علم التاريخ أمر صعب لأنه من غير الممكن التجرد من العواطف كما أن الذاتية تبرز واضحة في إعادة بناء التاريخ والتعبير عن شخصياته يجعل المؤرخ يعيش معهم وهذا النوع من التعاطف ،وبهذا يؤثر على نقل التاريخ كما ينساق المؤرخ إلى المجاملة وكل هذا يجعلنا نبتعد عن الموضوعية بالمفهوم التقليدي .
2) نقد نتائج علم الاجتماع:وخاصة ما يؤخذ على "دوركايم " بحيث لابد من التميز بين الظواهر الفيزيائية والظواهر الاجتماعية وبين ظواهر جامدة خالية من الإحساس وأخرى تنطوي على حالات شعورية كما يسميها "جون مونرو" "حالات معيشة " كما أنه لايمكن الفصل بين الظواهر الاجتماعية والتاريخ والماضي ولهذا قيل عن الظواهر الاجتماعية بأنها ( تتألف من الأموات أكثر مما تتألف من الأحياء )) .
3) نقد نتائج علم النفس : إن النتائج والقوانين التي وصلا إليها لم يرضوا علماء النفس ،لأنها مجرد تعميمات وليست دساتير ثابتة ،كما أنهم لم يرضوا أن تكون الحالة النفسية ليست سلوك مرتبط بمنبه مثلما لاحظنا ذلك عند الفزيولوجية والسلوكية أي عند "بافلوف و واطسن "على التوالي بل الحادثة النفسية شعور قبل أن تكون سلوك ،و هذه الحقيقة كانت معروفة منذ القدم وتجلت في المنهج الإستبطاني والتي كانت تسعى إلى تحليل الشعور لذاته ،وخاصة مع" ريبو" حيث يرى (أن الطريقة الباطنية هي الطريقة الأساسية في علم النفس ويدونها لايمكن البدء بأية ملاحظة )) ولكن باعتبار أن الحالات النفسية لا تنقطع بل هي في ديمومة يجعل المنهج الاستبطاني لا يصلح لدراسة الحالات النفسية لدلك لجأوا إلى التحليل في شكله الإسترجاعي كما أن هذا الأسلوب العلم لم يطمئن إلى نتائجه ،لأن عملية الاسترجاع ليست صادقة في استرجاع الماضي إنما هي إعادة تنظيم الماضي بشكل جديد كما أنها طريقة مجدية مع كل الأشخاص ،إلا مع من يريد الإفصاح عن نفسه
ثانيا :ومع ذالك فلقد تقدم فهمنا لكثير من الظواهر الإنسانية:
1- تقدم فهمنا في التاريخ : أن الانشغال بكتابة التاريخ جمع بين مستويين :
- مستوى أفقي وهو يتعلق بالتفتح على كل العلوم وخاصة العلوم الإنسانية ،وخاصة المنهج العلمي الذي يعتمده العلماء في دراسة الظواهر الطبيعية وما يحتمه الباحث من تحديد موضوع الدراسة ونهج الدراسة وبفرضه من تحديد طرائق ووسائل تتماشي مع طبيعة الموضوع ،وهذا ما فتح المجال أمام المؤرخ ليكون له دراية في الميدان الذي يعمل فيه لأنه حتى يتأكد من صحة وثيقة ما يجب أن يستعين بمجموعة العلوم الموصلة ويتماشى مع التطورات والإبداعات العلمية الجديدة منها :فقه اللغة وعلم قراءة النصوص القديمة ، علم الآثار ،علم النقوش ،والجيولوجيا وعلم النبات ..... بحيث اكتسب المؤرخ تقنيات من هذه العلوم تساعده على توسيع مجالات الدراسة ،وليعبر عن حقيقة علم التاريخ كونه ملتقي أبعاد إنسانية متفاعلة ومتداخلة .
- أما المستوى العمودي فهو طموح المؤرخ في جمع أجزاء الأحداث في صورة مركبة واحدة وكذلك طموحه إلى بلوغ المنطق العام الذي يحرك هاته الأحداث وهذه المهمة تجمع بين التاريخ وفلسفة التاريخ .
2- تقدم فهمنا في علم الاجتماع :أن الدراسات التي قام بها علماء الاجتماع وسعيهم إلى تطبيق المنهج العلمي ، حملهم إلى التخصص في ميدان البحث بحيث ظهرت تصنيفات للتخصصات الاجتماعية تنتظمن أربعة فروع رئيسية مستقلة استقلالا نسيًا :
أ- علم الاجتماع العام :ويهتم بدراسة وطبيعة وأشكال المقومات للاجتماع الإنساني ،كما يهتم بمناهج البحث وطاقاتها خاصة المنهج الجديد لقياس الظاهرة الاجتماعية "السوسيومتري" كما يأخذ شكل فلسفة للعلوم الاجتماعية بحيث يضع أس الدراسة وطرائق البحث وجمع النتائج المتوصل في بقية الفروع الأخرى وهذا يعبر عن التداخل واتصال أجزاء الحياة الاجتماعية ,
ب- علم أصول المدنيات وتطورها :وينطوي تحتها الدراسات التالية :علم الإنسان وعلم الأجناس أي الأنثروبولوجيا والأنتوغرافيا ،وعلم الاجتماع الثقافي والديناميكا الاجتماعي
ج- المورفولوجيا والديمغرافيا:وتشتمل هذا الفرع على المورفولوجيا وتهتم بدراسة بنية المجتمع في تركيبته وطبقاته ونمو مدنه ووظائفها ،والديمغرافيا أو الدراسات السكانية .
د- الفزيولوجيا الاجتماعية أو علم وظائف الاجتماع :وهي تنظيم عدة علوم مختلفة تتعلق بالأسرة وبالاقتصاد وبالسياسة وبالقانون والنفس والأخلاق والجمال واللغة والتربية والدين والريف والصناعة والحرب .
3- تقدم فهمنا في علم النفس :إن اتساع مجال البحث في علم النفس افرز عدة مدارس وفروع تخصصية وكان الدافع في ذلك أعمال المدرسة السلوكية التي دفعتهم إلى مواصلة البحث لزيادة فهم الحادثة النفسية فظهرت مدارس مختلفة أشهرها المدرسة الشكلية "ورتيمر كوفكا وكوهلر " بحيث استفادت من أخطاء المدرسة السلوكية عندما اعتبرت أن الحوادث النفسية عبارة عن ردود أفعال أو منعكسات شرطية حيث أنها أخذت الكائن الحيواني أو البشري كجسم آلي يستجيب لمؤثرات المحيط دون الإلتفات إلى معرفة هذا المحيط كما يراه هذا الكائن ويتظح ذلك في قول "بيار جاني" إن الظواهر النفسية ليست عقلية ولا جسمية إنها تحدث في الإنسان بأكمله إذن ليست سلوك وهذا الإنسان مأخوذ في مجموعة ). والثانية مدرسة التحليل النفسي حيث صرحت أن الحياة النفسية ليست كلها شعورية ووجهت عنايتها إلى وجود اللاشعور وانعكاساته على حياة الإنسان بإتحاد اللاشعور كعامل جوهري في فهم الوقائع النفسية لأنه في الحقيقة يرتبط بمؤثرات ثقافية معينة ،والثالثة المدرسة التلفيقية مع "كورت لوين" الذي أشتهر بنظريته المجالية و"هورسل "الفيلسوف الظواهري ،بادرت بالنظرة الشمولية واعتبرت الحادثة النفسية كلاً متكاملا غير قابل للتميز بين مؤثراته الباطنية والعوامل الخارجية وفي هذه التكاملية الجمع بين ما هو شعوري وما هو خارجي وما هو ذاتي وما هو موضوعي ،يلح" كورت لوين" تلميذ "كوهلر" في نظريته المجالية على مجال البيئة ويقصد بذلك "المجال الحيوي المحتوى على الشخص وبيئته السيكولوجية "هاته النظرة الكلية ساعدت أنصار المدرسة أو النظرة السيكولوجية إلى تحقيق نتائج ترقي إلى مستوى الموضوعية ،مما زاد نشاطهم واتساع مجالات انشغالاتهم هو ظهور عدة فروع في علم النفس نذكر منها علم النفس الحيوان ،والطفل ،و المراهق ،المرضي ،الصناعي و الرجل البدائي .....كما أن هناك فروع أخرى مثل علم النفس لدي المجتمعات الرأسمالية ولدي البوذية ....مما أثري وسائل العمل تبعا لكل تخصص.
ثالثا:مما فتح المجال واسعا للتحكم فيها وتحويلها حسب تطلعاتنا:
1- الفائدة من علم التاريخ:أن لعلم التاريخ وجهين وجه إيجابي وآخر سلبي فالوجه الايجابي هو أننا نأخذ العبر ونستوحي الحكمْ التي خبرة وحنكة الناس الذين سبقونا كما نتطلع على حياتهم المدنية وأخلاقهم وسياستهم وديانتهم وأساليبهم في الإنتاج والتجارة ،أما الوجه السلبي هو الإطلاع تلك الكوارث ومآس التي تسبب فيها الإنسان بحكم الضغائن والأحقاد والأطماع وما ترتب عن ذلك من حروب طاحنة ،ولكن رغم ذلك يبقي التاريخ مصدر العبر والدروس كما يساهم في منح الهوية ومعرفة مناقب الأجداد وتاريخهم كمرجعية ينهل منها مقوماتهم ،كما أن معرفة التاريخ تزيد الشعوب المضطهدة قوة لمواجهة الغزو والهيمنة كما أنه يسهم في تحرر الإنسان بقدر ما يعي فيه وقائع الماضي دقائقها وكليتها ،وفي هذا الشأن يقول "غوته" :{{أن التاريخ أبعد من يرهق الإنسان بأثقال زائدة ،وهو على عكس من ذلك أداة تتيح للإنسان فهم الماضي وتحضير المستقبل }}.
2- الفائدة في علن الاجتماع :تسهم الدراسة الاجتماعية في تهذيب الناس ورقيهم وتكوينهم وضرورة الإطلاع على ثقافات الغير ،وتصحيح الأحكام التعسفية الداعية إلى التقليد الأعمى كما يسهم في فهم حدود الثقافة بالنظر إلى مبادئها الفلسفية ،والنظر إليها على أنها ثقافات متنوعة وبالنظر إلى تظاهراتها الميدانية وممارساتها اليومية كما يدعوا إلى احترام الإرث الثقافي واعتزاز كل واحد منا بخصوصياته الثقافية .
3- الفائدة في علم النفس :استطاع علماء النفس أن يحرروا الدراسات النفسية من الاعتبارات الخرافية والفلسفية ،واعتبار علم النفس علم قائم بذاته له منهجه وموضوعه ونتائجه ،كما تمكن الإنسان من خلاله معرفة نفسه ومعرفة ما يجري بداخله من أحساسات وميول ومقاصد فيتحكم فيها ويوجهها بوعيه كما يستطيع فهم الغير ،كما استطاع كشف العلاقات الضرورية الموجودة بين الظواهر النفسية قصد خدمة الإنسان .
الخاتمة حل المشكلة)
برهنت الدراسات الإنسانية على قدرتها في استثمار الإنسان ومكنته من معرفة نفسه وتعزيز هويته والرضا بتعايشه مع الغير ،وكل هذا مما يجعلها ترقى إلى أن تأخذ صفة العلم بمفهوم الذي ينطبق مع خصوصيات ميدانها ،كما أنها مرشحة للازدهار وتطور خاصة إذا كان وراءها إيرادات ونية طيبة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.......العلوم الانسانية بين المنظور الفلسفي والعلمي
هذه بعض الأبجديات التي سنستخدمها مرارا في الدرس، فوجب استيعابها منذ البداية
صحيح أن العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع أو علم النفس أو الانثربلوجيا أو الاقتصاد، حديثة النشأة في القرن التاسع عشر، بيد أن الدراسات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية قد وجدت دوما مبثوثة في ثنايا المصنفات الفلسفية؛ بل إننا إذا تأملنا علما إنسانيا خاصا هو علم التاريخ نجده علما عريقا عراقة علم الرياضيات نفسه. ولكننا نلاحظ أيضا أن علم التاريخ نفسه ورغم عراقته لم يطرح وجوده أية إشكالية منهجية أو ابستمولوجية إلا منذ القرن الثامن عشر. لماذا؟
لقد تزامن ذلك مع الميلاد الحديث للعلوم التجريبية التي قدمت نموذجا باهرا للعلمية سواء من حيث دقة المناهج والنتائج أو نجاعتها لما وفرته من قدرة على التحكم في الظواهر الطبيعية، ولن يكف هذا النموذج عن ممارسة تأثيره وجاذبيته منذ ذلك الوقت.
هكذا سيكون وجود العلوم الإنسانية موسوما منذ البداية بالتوتر بين
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المحاضرة الثالثة: مقياس فلسفة العلوم
الأستاذ: حمداوي عمر
نظرية المعرفة
نظرية المعرفة (Epistemology) كلمة مؤلفة من جمع كلمتين يونانيتين : logos بمعنى علم وepisteme بمعنى : حديث، علم، نقد، دراسة فهي إذا دراسة العلوم النقدية. تعتبر نظرية المعرفة أحد فروع الفلسفة الذي يدرس طبيعة ومنظور المعرفة، المصطلح بحد ذاته معرفة، يعتقد أن من صاغه هو الفيلسوف الاسكتلندي جيمس فريدريك فيرير.
يعرفها لالاند في معجمه الفلسفي بأنها فلسفة العلوم، وهي تختلف بهذا عن علم مناهج العلوم (ميثودولوجيا) لأن الايبستمولوجيا تدرس بشكل نقدي مبادئ كافة أنواع العلوم وفروضها ونتائجها لتحديد أصلها المنطقي وبيان قيمتها.
معظم الجدل والنقاش في هذا الفرع الفلسفي يدور حول تحليل طبيعة المعرفة وارتباطها بالترميزات والمصطلحات مثل الحقيقة، الاعتقاد، والتعليل (التبرير). تدرس نظرية المعرفة أيضا وسائل إنتاج المعرفة، كما تهتم بالشكوك حول إدعاءات المعرفة المختلفة. بكلمات أخرى تحاول نظرية المعرفة أن تجيب عن الأسئلة : "ماهي المعرفة؟" "كيف يتم الحصول على المعرفة؟". ومع أن طرق الإجابة عن هذه الأسئلة يتم باستخدام نظريات مترابطة فإنه يمكن عمليا فحص كل من هذه النظريات على حدة.
مدارس نظرية المعرفة مختلفة, فالتجريبيون يردون المعرفة إلى الحواس, والعقليون يؤكدون أن بعض المبادئ مصدرها العقل لا الخبرة الحسية، وعن طبيعة المعرفة، يقول الواقعيون إن موضوعها مستقل عن الذات العارفة، ويؤكد المثاليون أن ذلك الموضوع عقلي في طبيعته لأن الذات لا تدرك إلا الأفكار. وكذلك تختلف المذاهب في مدى المعرفة: فمنها ما يقول أن العقل يدرك المعرفة اليقينية، ومنها ما يجعل المعرفة كلها احتمالية، ومنها ما يجعل معرفة العالم مستحيلة.
وتنقسم الابستمولوجيا إلى:
الفلسفة الوضعية (Positivism) وهي فلسفة تعتمد على الأرقام لان الأرقام لا تكذب بنظرهم.
الفلسفة التفسيرية (Interpretivism) أو الفينومينولوجيا (Phenomenology) وهي فلسفة تعتمد على الشرح.
الفلسفة الواقعية (Realism) وهي فلسفة تقع بين الفلسفة الوضعية والتفسيرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبطل القول بتعذر الموضوعية في العلوم الانسانية.
المقدمة : طرح المشكلة : إن ما تتميز به الظواهر الانسانية من خصائص جعل بعض المفكرين يذهبون إلى القول بتعذر الموضوعبة في العلوم الانسانية. فما هي مبررات إبطال هذا الموقف؟
منطق الأطروحة: تعذر تحقيق الموضوعية في دراسة الظواهر الانسانية لتعذر شروطها و هي:
الحجج: الظاهرة الانسانية لا تقبل الملاحظة.
الظاهرة الانسانية لا تقبل التجريب. الانسان يتميز بالحرية و بالتالي انعدام الحتمية .....
نقد أنصار الأطروحة: يمكن تحقيق الموضوعية في دراسة الظواهر الانسانية.
الحجج: مناهج البحث في التاريخ....مناهج البحث في علم النفس
ما حققته العلوم الانسانية من نتائج ...قوانين علم النفس....
التأكيد على الابطال: الواقع يثبت مدى موضوعية النتائج المحققة في الدراسات الانسانية من خلال ما تقدمه هذه العلوم من خدمات الانسان و حل الكثير من المشكلات . علم النفس.... التحكم في بعض الظواهر و إن كان نسبيا......
الخاتمة: حل المشكلة: يمكن تحقيق الموضوعية في العلوم الانسانية و إن كانت نسبية مقارنة بالعلوم الطبيعبة. و عليه فالقول بتعذر الموضوعية في مجال الدراسات الانسانية قول ليس له ما يبرره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيل إن العلوم الإنسانية هي ما يقع في الوجود الفعلي و هي مما يدركه الباحثون بالمشاهدة كإدراكهم لمادة العلوم التجريبية كلها .دافع عن هذه الأطروحة
.
طر ح المشكلة:لقد شكل الإنسان موضوع بحث و دراسة فهو جانب مادي وآخر روحي معنوي أدى إلى ظهور علوم إنسانية تبحث في إنسانيته بأبعادها الثلاثة النفسي و الاجتماعي و التاريخي,لكن تميز الظاهرة الإنسانية بخصائص كالتغير و عدم التكرار شكلت عائقا أمام دراستها تجريبيا,غير ان هذا لاقى معارضة بحيث يمكن دراستها بشكل علمي وهي أطروحة صحيحة.فما المبررات التي تثبت صحتها؟بصيغة أخرى إذا كانت الظواهر الانسانية تخضع للتجريب ما الدليل على ذلك؟
محاولة حل المشكلة: عرض منطق الاطروحة: ان الواقع البشري له أبعاد ثلاثة بعد اجتماعي يدرسه علم الاجتماع,وبعد نفسي يهتم به علم النفس, وبعد تاريخي يؤرخ له علم التاريخ, وقد تم دراسة هذه الأبعاد بشكل موضوعي وذلك بتطبيق المنهج التجريبي حسب طبيعة الظاهرة فكان المنهج التاريخي مع ابن خلدون قائما على ضرورة المصادر وتحليلها ونقدها لتركيب الحادثة بشكل حقيقي,أما المنهج في علم الاجتماع فقد تم تطبيق التجربة الغير مباشرة على حوادث المجتمع أي اعتماد الملاحظة و التحليل لمعرفة أسبابها و إمكانية التنبؤ بها وهذا مااثبتته العلوم الاجتماعية الحديثة كالإحصاء و الانتروبولوجيا يقول كونت...إنني اعني بالفيزياء الاجتماعية العلم الذي تكون دراسة الظواهر الاجتماعية فيه موضوعية على ان ينظر إلى هذه الظواهر بنفس الروح التي ينظر بها إلى الظواهر الفلكية) أما عن منهج علم النفس فقد استطاع السيكولوجيون فهم الحياة الداخلية باعتماد المنهج الذاتي الاستبطاني أو المنهج السلوكي الموضوعي القائم على تفسير سلوك الفرد
عرض خصوم الأطروحة: إلا أن هناك من عارض ذلك واعتبر انه لا يمكن دراسة الظاهرة الإنسانية دراسة علمية انطلاقا من وجود مجموعة من العقبات كغياب الموضوعية وغياب الملاحظة و التجربة وغياب الحتمية و التنبؤ,(نقدهم)ولكن لا يمكن الجزم بذلك لان علماء دراسة الظواهر الإنسانية تجاوزوا هذه العقبات و البحوث التي قاموا بها في الميادين الثلاثة تثبت ذلك.
الدفاع عن الاطروحة بحجج شخصية:إن طبيعة و مسائل العلوم الإنسانية مكنت الباحثين من تنويع أساليب البحث و أبدعوا مناهج تتشابه مع بعض المناهج في العلوم التجريبية والتزموا من ناحية أخرى ببعض أساليب البحث التي تتلاءم وتنسجم مع طبيعة موضوعاته وهذا مكننا من فهم الإنسان و واقعه وأبعاده المختلفة
حل المشكلة:إن الأطروحة القائلة بدراسة الظواهر الإنسانية دراسة علمية كدراستهم لمادة العلوم التجريبية أطروحة صحيحة في سياقها لذلك يمكننا الدفاع عنها و تبنيها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* النص:
” حين نقول عن علم الاجتماع إنه نسق نظري، فقصدنا أن غايته تفسير الحوادث والتنبؤ بها بواسطة النظريات أو القوانين الكلية (التي يحاول اكتشافها). وحين نصف علم الاجتماع بأنه تجريبي فمعنى ذلك أن له سندا من التجربة، وان الحوادث التي يفسرها ويتنبأ بها هي وقائع تمكن ملاحظتها، وان الملاحظة هي الأساس الذي نعتمد عليه في قبولنا أو رفضنا لأية نظرية من نظرياته. ونحن حين نتكلم عن النجاح الذي أحرزه علم الطبيعة، فالمقصود بذلك نجاح تنبؤاته: ويمكن القول إن نجاح التنبؤات في هذا العلم قائم في تأييد التجربة لقوانينه. وحين نعارض بين النجاح النسبي في علم الاجتماع ونجاح علوم الطبيعة، فنحن نفترض أن نجاح علم الاجتماع ينبغي هو الآخر أن يقوم في أساسه على تأييد التجربة لتنبؤاته.
ويلزم عن ذلك أن التنبؤ بواسطة القوانين واختبار القوانين بالتجربة، يجب أن يكونا قاسما مشتركا بين علم الاجتماع وعلم الطبيعة.”
اكتب مقالا فلسفيا حول مضمون النص
* عناصر الإجابة وسلم التنقيط:
1- الفهم: (04 نقط)
يتعين على المترشح إدراك أن الموضوع يتأطر داخل مجال المعرفة، وضمن مفهوم علم الاجتماع كمفهوم مركزي في ارتباطه بمفاهيم النظرية والتجربة والعلمية في العلوم الإنسانية، فيتساءل عن نموذجية العلوم التجريبية بالنسبة للعلوم الإنسانية (علم الاجتماع).
2- التحليل: (05 نقط)
ينتظر من المترشح في تحليله الوقوف عند المفاهيم المحورية والأفكار التي تنتظم حولها أطروحة النص وحجاجه، وذلك بتناول العناصر الآتية:
- القول بأن علم الاجتماع نسق نظري يعني أن غايته تفسير الظواهر الاجتماعية والتنبؤ بها؛
- وصف علم الاجتماع بأنه علم تجريبي يعني أن الملاحظة والتجربة هما الأساس في قبول النظرية؛
- النجاح النسبي في علم الاجتماع يفترض نموذجية العلوم الطبيعية …
( يعتبر التحليل جيدا إذا كان شاملا للمفاهيم والقضايا المرتبطة بالموضوع )
3- المناقشة: ( 05 نقط)
يمكن للمترشح أن يناقش أطروحة النص التي تعتبر ان تطبيق المنهج التجريبي هو القاسم المشترك بين العلوم الطبيعية وعلم الاجتماع، في ضوء العناصر الآتية:
- مسألة نموذجية العلوم التجريبية؛
- مسألة الفهم والتفسير في العلوم الإنسانية؛
- مشكلة المنهج في علم الاجتماع …
( تعتبر المناقشة جيدة إذا كانت الإحالات والأقوال والأمثلة المعتمدة متنوعة وملائمة للسياق)
4- التركيب: (03 نقط )
يمكن للمترشح أن يخلص، من تحليله ومناقشته، إلى إبراز الحوار المنهجي بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية، وإمكانيات وحدود تطبيق المنهج التجريبي في علم الاجتماع.
5- الجوانب الشكلية: (03 نقط)