-->

بحث حول التواصل الإنساني

بحث حول التواصل الإنساني
    أولاً: تعريف الاتصال وطبيعته
    Defining Communication and its Nature
    يعتبر الاتصال (communication) من أكثر الأنشطة التي يقوم بها الإنسان في حياته . فهو يحدث لكل فرد منذ ولادته وحتى آخر حياته . فمن خلاله تحدث التفاعلات بين الأفراد .. تلك التفاعلات التي ينتج عنها نقل الأفكار وتبادل المعلومات وتلبية الحاجات .
    فما هو الاتصال ؟ ومتى يحدث ؟ يمكننا - باختصار - أن نقول إنه : عملية إنشاء المعاني ومشاركة الآخرين فيها من خلال استخدام الرموز. ويحدث عندما يقوم الشخص بإرسال أو استقبال المعلومات والأفكار والأحاسيس مع الآخرين. وهذا لايقتصر على اللغة المنطوقة أو المكتوبة فحسب، ولكنه يشمل كذلك لغة الجسد، وأسلوب الشخص وطريقته في تعبيره للآخرين.
    يمكنك أن تتخيل صديقاً لك لم تره منذ مدة طويلة، فإذا هو يقابلك بابتسامة عريضة ويبدؤك بالتحية، ثم يسألك عن سبب انقطاعك عن الاتصال به وربما يلاطفك بأنك تبدو أصغر مما كنت عليه سنا ، فتجيبه مع نظرات منك عن الانشغال في الحياة ، وربما تلاطفه بأن وزنه قد نقص منذ أن رأيته آخر مرة. فتتبادلان الضحك وتدعوه للعشاء في اليوم التالي مع بعض أصدقائكما.
    ثم تخيل حالة أخرى حيث يكون أحد الآباء بصحبة ابنته ذات العامين في أحد الأسواق، وعند مرورهما أمام محل للألعاب تسحب الطفلة يد أبيها للدخول إلى المحل لشراء لعبة رأتها في واجهة المحل. ينظر الأب لابنته نظرة استغراب ويخبرها بأنه مستعجل لشراء ما جاء من أجله، ويعزز قراره بعدم الشراء بسحب يدها للمضي قدماً دون توقف، وقد تنفعل الطفلة وتبدأ في البكاء ، فيصر الأب على موقفه ويمضيان في طريقهما.
    معظم هذه الرسائل حدثت دون أن ينطق أي منهما بكلمة واحدة .
    ولك بعد هذا أن تتخيل ما حصل في إحدى المحاضرات العامة من نقاش بين المحاضر وشخص من الحضور لم يتفق مع ما طرحه المحاضر من الآراء والتوجهات ... قاطع الشخص المحاضر أكثر من مرة، وكان يصدر أصواتاً مزعجة، ويبدى تذمراً مما يطرح المحاضر مما اضطر المحاضر إلى أن يطلب من رجال الأمن الموجودين في القاعة إخراج هذا الشخص المزعج.


    الأشخاص الستة السابقون انخرطوا جميعاً في عملية اتصال (communication process)   بغض النظر عن مراكزهم الاجتماعية وأعمارهم وتوافقهم أو اختلافهم مع بعضهم البعض.
    إن تبادل المعلومات ولغة الجسد وإبداء المشاعر يجعل البشر - عند اتصالهم -  ينخرطون في جملة من الأنشطة :
    1- نشاط المخ : حيث يتعين على المتحدث أو المعبر عن نفسه أن يتذكر ماذا قال له الشخص الآخر أو عبر له عنه،
    2- نشاط  نفسي : إذ يتعين على كل متصل أن يفهم معاني الكلمات أو الإيماءات وفهم نفسه ونفسيات الآخرين،
    3- نشاط اجتماعي : حيث إن مجرد تبادل المعلومات يحدث في بيئة اجتماعية،
    4- نشاط ثقافي : لأن هناك لغة تستعمل في تبادل المعلومات، واللغة عنصر مهم من عناصر الثقافة.
    وتبدأ عملية الاتصال حينما يقرر شخص ما أن يستخدم رمزاً لغوياً (كلمة أو إيماءة أو إشارة أو أي رمز يحمل معنى)لإيصال معانٍ معينة لدى شخص أو أشخاص آخرين. ونقصد بالمعاني أي استجابات داخلية خاصة بالشخص من صور ذهنية أو تفسيرات أو مشاعر أو مفاهيم كالتي تثيرها فينا الكلمات التي نعرف دلالاتها. وتكتمل عملية الاتصال حينما تتوافق تلك الاستجابات الداخلية للمعاني الموجودة لدى مستقبل (الرسالة) إلى حد ما مع المعاني التي أراد إيصالها من قام بالاتصال (منشئ الرسالة).
    ولعلنا بهذا الشرح قد وصلنا إلى بداية التعرف على مكونات الاتصال، التي يعرضها القسم التالي .







    ثانياً : عناصر الاتصال ومكوناته
    Communication Elements and Components
    من الأساسيات المهمة لفهم الاتصال معرفة أنه (عملية مستمرة) . فالناس لا يفكرون فيما كانوا يتصلون بشأنه بعد انتهائه فحسب، بل إنهم يفكرون به أثناء الاتصال وقبل الاتصال . كما أن الاتصال يتأثر بعوامل متعددة ، مثل : الكلمات والملابس والبيئة (المكان والجو النفسي ) الذي يتم فيه . وهذه العوامل بالنسبة للمرسل والمستقبل معاً. كما أن عملية الاتصال تتطور وتتغير بشكل لا يمكن التنبؤ معه بما سيحدث في الخطوة التالية. فالاتصال إذن عملية ديناميكية (نشطة ومتحركة) حتى وإن كانت مجرد قراءة في صحيفة أو استماع إلى المذياع أو مشاهدة للتلفاز.
    عناصر الاتصال :
    كل عملية اتصال - مهما كانت فريدة - لا بد أن تشتمل على العناصر الآتية:
    1- المرسل أو القائم بالاتصال أو الطرف الأول في الاتصال.
    2- الرسالة.
    3- التشويش على الرسالة.
    4- القناة أو الوسيلة.
    5- المستقبل أو الطرف الآخر في الاتصال.
    6- رجع الصدى أو التغذية الراجعة.
    7- بيئة الاتصال أو السياق الذي يتم فيه الاتصال.
    ويمكن لنا أن نشرح كلاً من هذه العناصر على النحو التالي:
    1) المتصل أو القائم بالاتصال أو المرسل (Sender):
    المرسل هو صانع الرسالة أو منشأها . وهو يقوم بأربع مهام في العملية الاتصالية الواحدة : أ- يحدد المعنى الذي يريد إيصاله للطرف الآخر ، ب- يضع هذا المعنى في رموز ( كلامية أو غير كلامي ) ، ج- يرسل الرسالة ، د- يتفاعل مع تجاوب المستقبل للرسالة.
    وعلما أن الاتصال – عادة – يشترك فيه أكثر من شخص ، فمن الممكن أيضاً أن يوجد أكثر من مصدر في الوقت ذاته . أي أن كل واحد من المشاركين في العملية الاتصالية يمكن أن يصدر رسائل كلامية أو غير كلامية في نفس الوقت . ويبدو ذلك ملاحظاً في قاعة الفصل ، على سبيل المثال ، فالأستاذ يرسل معلومات للطلاب، والطلاب يرسلون معلومات للأستاذ أو لبعضهم البعض أيضاً .
    وبطبيعة الحال فإن القائمين بالاتصال يوظّفون مهاراتهم الاتصالية ومعرفتهم ومواقفهم وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية لصياغة رسائلهم بطرق تميزهم عن غيرهم. ولهذا تختلف قدرات كل متصل في استخدام الرموز (اللغة الكلامية وغير الكلامية) عن المتصلين الآخرين.
    2) الرسالة ( Messag ) :
    الرسالة : هي المعنى الذي كونه المرسل . وهي ذاتها تتكون من مجموعة من : الكلمات والقواعد اللغوية والأفكار، والشكل الظاهر للمتصل، وحركات الجسم والصوت، وجوانب الشخصية التي تظهر للطرف الآخر. كما أنها تشمل الانطباع الذي يعطيه الإنسان عن نفسه ( واثق، خائف، متردد، ... الخ) بأسلوبه في التعبير .
    وتشكل الرسالة في مجملها دافعاً يرسَل للطرف الآخر ليستثير عنده استجابة معينة بناءً على طبيعة الرسالة وكيفية استقبالها. وتتشكل الرسالة أيضاً بطبيعة البيئة التي تتم فيها، على سبيل المثال : إذا قال الأستاذ للطالب ( يمكنك الخروج من المحاضرة في أي وق تشاء ) وكان الأستاذ مقطب الجبين ومحدقاً في الطالب ، فإن الرسالة لاتعني بالضرورة الموافقة على الذهاب ، ولكنها ربما تعني التهديد أو عدم الرضا عن الذهاب . وبالمناسبة فإن كل رسالة فريدة ومستقلة بذاتها. فالرسالة الواحدة إذا ما أعيد إرسالها مرة أخرى أو مرات ، فإنها ستتغير في كل مرة لأنه لا يمكن لأي رسالة أن يعاد إرسالها أو استقبالها بطريقة متطابقة على الإطلاق. على سبيل المثال : عندما تلتقي بصديق أو زميل ، ثم تسأله : (كيف الحال؟) ، ثم تعيد هذه العبارة عدة مرات بعد ذلك خلال الحديث ، ففي كل مرة تأخذ العبارة شكلاً جديداً قد يصل في النهاية إلى مجرد عبارة لملئ الفراغ بين الحوارات .
    الترميز ( Encoding ):حينما يقرر المرسل ما يريد من رسالته كنقل خبر أو معلومة، أو إظهار تأثره بخبر أو معلومة أو نحو ذلك فإن عليه أن يضع المعنى المراد في شكل رموز (فيترجم المعنى بكلمات وأصوات وتعبيرات جسدية) تؤلف جميعها الرسالة التي يرسلها إلى الطرف الآخر.
    3) التشويش ( Noise or Interference ) :
    التشويش هو العنصر الذي يدخل على العملية الاتصالية فيغير من المعنى المراد إيصاله بدرجات متفاوتة . أي أن كل ما يغير المعنى المراد من أي رسالة يسمى تشويشا عليها. ويمكننا أن نقسم التشويش إلى أربعة أقسام :
    أ-   التشويش المادي : وهو التشويش الخارجي كأصوات أبواق السيارات أو صوت المذياع المرتفع. وهذا المصدر موجود بدرجة ما في كل بيئة اتصالية، وقد يشمل التشويش المادي أيضاً الرائحة غير المريحة، أو درجة حرارة الجو، أو رائحة العطر القوية، أو الأمور الملفتة للنظر في المتحدث كتعثر كلماته أو درجة سرعة حديثة، أو ملابسه ، أو شكله الخارجي ، كلها مصادر خارجية للتشويش على الرسالة.
    ب- التشويش النفسي : وهو التشويش الداخلي في عقل الإنسان . فالأفكار التي تدور في رأس المتحدث تؤثر في المعنى المتبادل في العملية الاتصالية . على سبيل المثال ، الأفكار المسبقة التي نكونها عن الآخرين قبل أن نلتقي بهم ، قد تكون عائقاً أمام تقبلنا لهؤلاء الأفراد .فالطالب عندما يسمع عن أستاذ ما أنه (لايعرف كيف يشرح ) وتكون الحقيقة العكس من ذلك ، ثم يأخذ معه مادة ويحضر محاضراته ، لن يستطيع الطالب أن يفهم من هذا المدرس ، لأن لديه فكرة مسبقة ( تشويشاً نفسيا ) بأن الأستاذ ( لايعرف كيف يشرح الدرس ). والأمر قد لا يقتصر على مجرد التشويش، بل قد يؤدي إلى تشويه الرسالة وسوء فهمها.
    ج- التشويش الدلالي : وهو اختلاف معنى الكلمة من شخص لآخر ، على سبيل المثال ، كلمة (عين) ، قد تعني : عين الماء ، أو عين الإنسان ، أو عين الحقيقة، أو عين الشمس ، أو عين الحسد ... وهكذا ، فقد يقصد المرسل معنى من الكلمة ويفهمها الطرف الآخر بمعنى مختلف فيحدث التشويش الدلالي .
    د- التشويش التكنولوجي العضوي : التشويش التكنولوجي يتمثل في تشويش شبكة الجوال أو محطة الراديو أو ... أي كل مايختص بالتكنولوجيا .
    والتشويش العضوي يتمل في ثقل السمع أو عدم وضوح الرؤية ...
                  وبذلك فإن التشويش هو كل ما يشوش أو يشوه وضوح الرسالة ودقتها ومعناها وفهمها وتذكرها.
    4) الوسيلة أو القناة الحاملة للرسالة (Channel or Medium) :
    الوسيلة هي القناة التي تمر من خلالها الرسالة بين المرسل والمستقبل. والقنوات الطبيعية لنقل الرسائل هي موجات الضوء والصوت التي تمكننا من رؤية الآخرين وسماعهم.
    ولكن هناك وسائل عدة يستخدمها الناس في نقل رسائلهم كالكتب والصحف والمجلات والأفلام والبث الإذاعي والتلفازي والأشرطة السمعية والبصرية والصور والهواتف والحواسيب الآلية وغيرها.
                  ويمكننا أيضاً نقل رسائلنا واستقبالها من خلال الشم واللمس والذوق.
    5) المستقبل أو الطرف الآخر في الاتصال. (Receiver) :
    المستقبل هو الشخص الذي يقوم بتحليل الرسائل وتفسيرها وترجمتها إلى معان معينة. وقد يكون المستقبل فرداً أو جماعة أو حتى منظمة كبرى. والمستقبل - كما سبق التوضيح - قد يتحول إلى مرسل ومستقبل في آن واحد؛ ذلك أن مهمة المستقبل تتلخص في ثلاث مهام: استقبال الرسالة، ثم فك رموزها وتحويلها إلى معان ثم الاستجابة. وهنا لا بد من شرح معنى فك الرموز في الرسائل من قبل المستقبلين لها.
    فك الترميز ( Decoding ) : سبقت الإشارة إلى أن الرسالة تتضمن رموزاً كلامية أو غير كلامية لإيصال معان معينة لدى المستقبل. وبما أن الرسائل لا يمكن تفسيرها دائماً بطريقة واحدة لدى كل المستقبلين ، فإن كل مستقبل سيقوم بمعالجة الرسالة في ذهنه ويقارنها بالرسائل والتجارب السابقة ليكتشف ماذا تعنى له. وتبعاً لخلفية المستقبل وتجاربه فإن تلك الرموز إذا لم يصاحبها توافق مع خبرات المرسل السابقة فإن تفسير الرسالة قد يأتي بمعان مغايرة لتلك التي أراد المرسل إيصالها.
    6) رجع الصدى أو التغذية الراجعة (Feedback) :            
    رجع الصدى هو عنصر آخر مهم من عناصر الاتصال ويتمثل في الاستجابة التي يرسلها المستقبل إلى المصدر. وتتأكد أهمية رجع الصدى في إفادة المرسل عما إذا كانت الرسالة قد وصلت وفُهمت كما أرادها هو. ولإعطاء المعاني الصحيحة ، بدقة فإن على المرسل أن يصحح الرسائل غير المناسبة وسوء الفهم لدى المستقبل وأن يعيد إرسال ما لم يصل من الرسائل إليه.
    إن رجع الصدى عملية آنية تتم من خلال إرسال المستقبل استجابات (رجع صدى) لجعل المرسل يعرف أثر رسالته ومدى وصول المعنى المطلوب منها إلى المستقبل. وهذا يعطينا قدرةً على التكيف مع بيئة الاتصال والتعرف على أنفسنا أكثر حينما نرسل رسائل إلى الآخرين ، مما يجعل الاتصال بحق عملية مشتركة بين المرسل والمستقبل. وكلما زادت الاستجابات (رجع الصدى أو التغذية الراجعة) كان ذلك أدعى لتعزيز المعلومات في الرسالة.
    7) بيئة الاتصال والسياق الذي يتم فيه
    (Communicational Environment and Context)            
    يعنى هذا الجو العام المتمثل في المحيط النفسي والمادي الذي يحدث فيه الاتصال. وتشمل البيئة المواقف والمشاعر والتصورات والعلاقات بين المتصلين وكذلك خصائص المكان مثل سعته، وألوانه، وترتيبه، ودرجة الحرارة فيه.
    ولا شك في أن بيئة الاتصال تؤثر على طبيعة الاتصال ومدى جودته. فمثلاً يحتاج إلقاء درس علمي إلى بيئة هادئة مناسبة وليس إلى بيئة صاخبة مزعجة.
    كما أن السياق الذي يتم فيه الاتصال (هل اتصالنا بالآخرين رسمي أو عادي، هل هو ثنائي أو في مجموعة صغيرة أو كبيرة ... إلخ ) يتطلب منا تحديد ما نقول وما نفعل. فالحديث مع الوالدين يختلف عن الحديث والاتصال مع الزملاء أو مع الغرباء، ... وهكذا.
    بمعنى آخر ، نستطيع أن نقسم بيئة الاتصال إلى قسمين :
    أ-   مظاهر مادية : وتشتمل على : خصائص المكان مثل سعته وألوانه وترتيبه ودرجة الحرارة فيه ، والأصوات .. .
    ب-   مظاهر معنوية : وتشتمل على : المواقف والمشاعر والتصورات والعلاقات بين المتصلين.




    ثالثاً: أنواع الاتصال
    Communication Types
    يتحدد نوع الاتصال بناء على عدد الأشخاص الذين يشتركون فيه والعلاقة مابين هؤلاء الأشخاص والوسيلة المستخدمة وسرعة التجاوب. وتبعاً لذلك فإن هناك خمسة أنواع من الاتصال: الاتصال الذاتي - والاتصال الشخصي - والاتصال العام - والاتصال الجماهيري- والاتصال الثقافي. وسنشرحها فيما يلي:
    1) الاتصال الذاتي  (Intrapersonal Communication) :
    رجح بعض العلماء اعتبار هذا النوع من الاتصال تفكيراً ذاتياً يسبق الاتصال ، ومال آخرون إلى اعتباره اتصالاً ذاتياً بين الإنسان وذاته ، وفي كل الأحوال يحدث هذا النوع من الاتصال . لكل منا حينما نتحدث مع أنفسنا أو نستعدي المعلومات أو نخزن معلومات جديدة ، أو نحل مشكلة ، أو نقيِّم . وبما أن الاتصال يتركز في داخل الإنسان وحده، فإنه هو المرسل والمستقبل في الوقت نفسه. وتتكون الرسالة من الأفكار والمشاعر والأحاسيس، كما أن وسيلة الاتصال هي الجهاز العصبي الذي ينقل الرسائل إلى المخ الذي يترجم الأفكار والمشاعر ويفسرها، وهو نفسه – أي المخ - الذي يصدر رجع الصدى عندما يقلّب المرء الأفكار والمشاعر فيقبل بعضها ويرفض البعض الآخر أو يستبدلها بغيرها.
    ويتأثر الاتصال الذاتي بالاتصال مع الآخرين حيث يبدو المرء مطمئناً أو منزعجاً من علاقاته بالآخرين حسب حسن هذه العلاقات أو سوءها بناء على الخبرات والتجارب السابقة. ويترجم هذا من خلال الاتصال الذاتي بالتفكير فيما حدث من لحظات سعيدة أو مشكلات نتج عنها خصام أو توتر في العلاقة مع الآخرين.
    2) الاتصال الشخصي (Interpersonal Communication) :
    يحدث الاتصال الشخصي حينما يتصل اثنان أو أكثر مع بعضهم البعض عادة في جو غير رسمي، لتبادل المعلومات ولحل المشكلات ولتحديد التصورات عن النفس والآخرين وبدء علاقات جديدة مع زملاء أو أصدقاء جدد . ويشمل الاتصال الشخصي نوعين رئيسين هما: الاتصال الثنائي والاتصال في مجموعات صغيرة.
    ويشمل الاتصال الثنائي (dyadic) عادة المحادثة بين شخصين هذه المحادثة قد تكون غير رسمية كام هو الحال بين الأصدقاء أو الزوجين أو الابنة مع والدتها ، وهكذا .. وقد تكون محادثة رسمية كما هو الحال بين الرئيس والمرؤوس أو في المقابلات الشخصية .. . و في هذا الإطار يرسل ويستقبل كل من الاثنين رسائل من خلال اللغة الكلامية وغير الكلامية معتمداً على الحواس المتعددة في نقل هذه الرسائل. وهنا يتحقق للمتصل أكبر قدر من التفاعل ورجع الصدى، كما يقل التشويش نظراً لمعرفة كل طرف منهما بظروف الاتصال ، ولديه الفرصة للتأكد من وصول الرسالة وفهمها كما هي.
    وفي الاتصال من خلال المجموعات الصغيرة التي تتراوح بين 5-7 أفراد ، تتحقق لكل فرد فرصة الاتصال والتفاعل مع أعضاء المجموعة لتبادل المعلومات ، واتخاذ القرارات ، وحل المشكلات ، ونظراً لوجود مجموعة من المرسلين والمستقبلين في آن واحد، فإن عملية الاتصال تصبح أكثر تعقيداً من الاتصال الثنائي، كما تزيد فرصة عدم الوضوح وزيادة التشويش على الرسائل.
    3) الاتصال العام (Public Communication) :
    في الاتصال الجمعي تنتقل الرسالة من شخص واحد (متحدث) إلى عدد من الأفراد (مستمعين)، وهو ما نسميه بالمحاضرة أو الحديث العام أو الخطبة أو الكلمة العامة. ويحدث هذا عادة من خلال المحاضرات الدينية أو التوجيهية أو الحشود الجماهيرية وكلمات الترحيب والتأبين.
    ويتميز الاتصـال الجمعي بالصبغة الرسمية والالتزام بقواعـد اللغة ووضوح الصـوت. ولا يمكن غالباً للمستمعين أن يقاطعوا المتحـدث، وإنما يمكنهم التعبير عن موافقتهم أو عـدم موافقتهم ( بالتصفيق أو هز الرأس، أو بالإعراض عنه أو إصدار أصوات تعبر عن عدم الرضا عن حديثه ).
    4) الاتصال الجماهيري (Mass Media Communication) :
    يحدث الاتصال الجماهيري من خلال الوسائل الإلكترونية ، مثل : الراديو والتلفاز والأفلام والأشرطة المسموعة والإنترنت والصحف والمجلات والكتب. وتشمل وسائل الاتصال الجماهيري كذلك وسائط الاتصال المتعددة : كالأقراص المضغوطة والأقراص المرئية ونحوها. وهذا يعني أن الرسالة يقصد بها الوصول إلى عدد غير محدود من الناس. ورغم كثرة استخدامنا لوسائل الاتصال الجماهيري إلا أن فرص التفاعل بين المرسل والمستقبل قليلة أو منعدمة في بعض الأحيان.
    ولقد مكنت الوسائل الإلكترونية الحديثة، مثل آلات التصوير الرقمية ووسائل البريد الإلكتروني والهاتف المرئي ونحوها، التواصل بين الناس على نطاق واسع متجاوزة الحدود الجغرافية والسياسية وموصّلة بين الثقافات المختلفة.

    5) الاتصال الثقافي (Intercultural Communication) :
    الثقافة هي مجموع القيم والعادات والرموز الكلامية وغير الكلامية التي يشترك فيها جمع من الناس. وتتفاوت الثقافات فيما بينها في هذه القيم والعادات والرموز حسب تاريخ الشعوب وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أن الثقافة الواحدة قد يكون بها ثقافات صغرى في داخلها. يشترك العرب مثلاً في ثقافة واحدة واسعة، ولكن كل بلد عربي ثقافة مميزة، كما أن كل بلد فيه أكثر من ثقافة صغرى يتميز بها عن بقية الثقافات الموجودة في ذلك البلد، وذلك رغم اشتراك هذه الثقافات في خصوصيات وعموميات ووجود اختلافات تكبر أو تصغر بينها.
    ويحدث الاتصال الثقافي حينما يتصل شخص أو أكثر من ثقافة معينة بشخص أو أكثر من ثقافة أخرى. وحينئذ لابد أن يعي المتصل اختلاف العادات والقيم والأعراف وطرق التصرف المناسب. وإذا غاب هذا الوعي، فقد يؤدي الاتصال إلى نتائج سلبية ، على سبيل المثال.
    لو أنك إلى فصل دراسي في الولايات المتحدة الأمريكية مرتدياً (شورتا) – بنطلونا قصيراً - ، فإن ذلك يبدو مألوفاً وطبيعياً ، ولكن لو تصرفت بنفس الطريقة في فصل في جامعة الملك عبد العزيز فسيكون مستهجناً ومرفوضاً.
    ويمثل الشكل التالي أنواع الاتصال الأربعة الأولى ( الذاتي والشخصي والعام والجماهيري ). أما الاتصال الثقافي فإنه قد يأتي على أي شكل الاتصال الشخصي والعام والجماهيري.







                   


















    شكل 1-  نموذج أنواع الاتصال الأساس
    Part One: Basic Principles of Communication 1, P. 17.)
    رابعاً: نماذج الاتصال
    Communication Models
    يمكننا تجسيد عملية الاتصال باستخدام النماذج التي تصور كيفية حدوث هذه العملية. والنموذج عبارة عن شكل مبسط لعملية الاتصال يعرض على هيئة رسم يبين عناصر الاتصال وتسلسلها والعلاقة بينها. ولعل أهم فائدة لنماذج الاتصال أنها تصور العملية الاتصالية بطريقة مرتبة ومنتظمة توضح أبعاد الاتصال وتسلسله .
    وفي هذا الإطار سنجد أن الباحثين قد طوروا ثلاثة نماذج رئيسة هي على النحو الآتي:
    أ) النموذج الخطي أو أحادي الاتجاه (Linear Model) :
    قبل قرابة ستين عاماً ، نظر الباحثون إلى الاتصال على أنه فعل يقوم به شخص لشخص آخر. وبهذا يشبه الاتصال إعطاء حقنة في الجسد: حيث يقوم المرسل بوضع أفكاره ومشاعره في رسالة، ثم يحقنها من خلال وسيلة معينة (حديث، رسم، كتابة ... إلخ) إلى مستقبل يحاول تفسير رموزها بطريقة تشبه ما أراده المرسل. وإذا ما قدر للرسالة أن تمضي من غير (تشويش) في خط واحد مستقيم فإنه قد كتب لها النجاح.
    قد يبدو هذا النموذج يسيراً، ولكنه البداية لفهم عملية الاتصال. ويمكننا رؤية هذا النموذج من خلال الشكل التالي:
    شكل -2 نموذج الاتصال أحادي الاتجاه

    المصدر بتصرف يسير : ) Adler, Ronald B. and Lawrence B. Rosenfeld and Neil Towne. Interplay: the Process of Interpersonal Communication. Sixth Edition. Harcourt Brace College Publishers. 1995,. P. 9.
               
    حينما يبدأ الاتصال ، يختار المتصل رموزاً معينة ( لغة كلامية مثل عبارة السلام عليكم، أو لغة غير كلامية مثل الإشارة باليد للتحية، وقد يكون بهما جميعاً، إضافة إلى ابتسامة من الوجه ). هذه الرموز تمثل الرسالة التي ترسل للمستقبل الذي عليه أن يفك رموز الرسالة (يحللها ويفهمها) ليتحقق الاتصال. لاحظ أن هناك تشويشاً قد يدخل على العملية الاتصالية.
    ب) النموذج التبادلي ( أو ثنائي الاتجاه ) ( Interactive { Dual } Model)
    النموذج ذو الاتجاه الواحد لتفسير عملية الاتصال لا يعكس العملية الاتصالية بدقة. فمن ناحية لا يمكن القول بأن الاتصال يسير في اتجاه واحد (من المرسل إلى المستقبل)؛ إذ يسهل علينا أن نرى أن معظم حالات الاتصال - خاصة في الاتصال بين شخصين أو مجموعة صغيرة من الناس - تسير في اتجاهين. لقد كان النموذج السابق (ذو الاتجاه الواحد) يتجاهل رجع الصدى وردة الفعل من المستقبل تجاه ما يستقبله من رسائل، ثم يقوم بإرسال رسائل، وهكذا يتحول من مستقبل إلى مرسل ثم إلى مستقبل في وقت قصير جداً، بل حتى في الوقت نفسه. يمكن لنا أن نتصور كيف يتفاعل شخص مع خبر عن زواج أحد أصدقائه، حيث يتفاعل المستقبل مع الخبر، وتظهر أسارير الفرح على وجهه حتى قبل إتمام الخبر، ثم يرسل رسالة كلامية مستفسراً عن وقت الزواج، فيأتيه الجواب سريعاً أنه كان ليلة البارحة، فيتحول الفرح إلى نوع من العتاب على عدم معرفته، وهكذا تتداخل الرسائل، ويصبح كل من الطرفين مرسلاً ومستقبلاً في آن واحد. بل حتى خلال استقبال الرسالة يقوم كل منا بتفسير الرسالة والتفكير بشأنها، وهذا ما يفسر اختلاف التفسيرات للرسالة الواحدة بين الناس.            







    شكل -3  نموذج الاتصال التبادلي (في اتجاهين)
    في هذا النموذج يقوم كل من الطرفين (الشخص أ والشخص ب) بإرسال واستقبال الرسائل في نفس الوقت. وفي كلا الحالين نجد أن التشويش يصاحب مرحلة إرسال الرسائل واستقبالها مما يؤثر على كفاءة الاتصال وفعاليته.

    ج) نموذج الاتصال التفاعلي (Interactive  Model) :
    نظراً لأن عملية الاتصال معقدة ، فإن كلاً من النموذجين السابقين (ذي الاتجاه الواحد وذي الاتجاهين) يقصُر عن التفسير الكامل لهذه العملية. فالاتصال يعتمد على البيئة التي يتم فيها سواء كانت بيئة مادية أو اجتماعية أو ثقافية. كما أنه يعتمد على العوامل النفسية والذاتية لكل من طرفي الاتصال.
    ويحاول نموذج الاتصال التفاعلي أن يشمل كافة عناصر الاتصال الفاعلة كبيئة الاتصال، ورجع الصدى، وما جاء بعده من سلوك وتصرفات. و هذه طبيعة العلاقات الاجتماعية، حيث إنها لا تنتهي، بل ينبني بعضها على بعض، فمدح أبيك لك على عمل قمت به هو نتاج أمور أخرى قمت بها سابقاً، وقد يكون العكس صحيحاً، وهكذا.
    الطبيعة التفاعلية للاتصال تشرح لنا طبيعة التأثير المتبادل الذي يحدث عندما نتفاعل مع بعضنا البعض، لأن الاتصال ليس ما يفعله شخص لشخص ولكنه ما يفعله شخص مع شخص، فالاتصال يعتمد على العلاقة مع الطرف الآخر، وكلما كان الطرف الآخر أكثر مهارة في الاتصال ، كانت فرص النجاح فيه أكبر.
    ويشرح النموذج التالي هذه الطبيعة التفاعلية للاتصال التي تشمل التبادل بين طرفي الاتصال والبيئة الاتصالية .








    شكل -4 نموذج الاتصال التفاعلي

    خامساً: خصائص الاتصال
    Communication Characteristics
    الاتصال عملية متداخلة العناصر حيث إنها تمتلئ بالرموز الكلامية والغير كلامية التي يتبادلها المرسل والمستقبل في ظل الخبرات الشخصية و الخلفيات والتصورات والثقافة السائدة لكل منها. ولا يمكن أن تتطابق عمليتا اتصال تطابقا تاما لأن كل حالة اتصال فريدة ومستقلة بذاتها وظروفها وسياقها. ولذلك لابد من معرفة خصائص الاتصال التي تعبر عن ديناميكيته أو حركته النشطة التفاعلية الدائبة.
    1- الاتصال عملية مستمرة (continuous process) :
    نظراً لأن الاتصال يشتمل على سلسلة من الأفعال التي ليس لها بداية أو نهاية محددة ، فإنه دائم التغير والحركة. ولذلك يستحيل على المرء أن يمسك بأي اتصال ويوقفه ويقوم بدراسته، ولو أراد أن يفعل ذلك لتغير الاتصال. إن الاتصال لا يمكن إعادته تماماً كما هو لأنه مبني على علاقات مستمرة بين الناس وبيئات الاتصال والمهارات والمواقف والتجارب والمشاعر التي تعزز الاتصال في وقت محدد وبشكل محدد.
    2- الاتصال يشكل نظاماً متكاملاً (complete system) :
    يتكوّن الاتصال من وحدات متراكبة، وتعمل جميعاً حينما تتفاعل مع بعضها البعض من مرسل ومستقبل ورسائل ورجع صدى وبيئة اتصالية. وإذا ما غابت بعض العناصر أولم تعمل بشكل جيد فإن الاتصال يتعطل لايحقق النتائج المرجوة منه .
    3- الاتصال تفاعلي وآني ومتغير  : (interactive, timely and ever-changing)
    الاتصال نشاط ينبنى على التفاعل مع الآخرين حيث يقوم الشخص بإرسال واستقبال الرسائل في الوقت نفسه ، بل إننا عادة ما نبدأ في إرسال رسائل إلى الآخرين حتى قبل أن يكتمل إرسال رسائلهم إلينا. فمثلاً يحدثك شخص عن حصول حادث سير لصديق لكما، وإذا بك  قبل أن يكمل قصة حدوث الحادث تظهر علامات الحزن عليك، وهو مازال مستمراً في حديثه. وبالتالي يستجيب هو لتأثرك فيختصر القصة، وقد يبدأ بتطمينك عليه وأنه بخير. وهكذا تتداخل الرسائل وتتفاعل وتتغير بسرعة وآنية.

    4- الاتصال غير قابل للتراجع أو التفادي غالباً (mostly irreversible) :
    إذا أراد شخص ما أن يتراجع عن الاتصال بعد حدوثه، فإنه لايستطيع ذلك. قد يستطيع التأسف أو الاعتذار أو إصلاح ما أفسده الاتصال. ولكن لا يمكن مسحه أو الظن بأنه لم يحدث. وبما أن الاتصال لا يمكن التراجع عنه، فإنه ينبني على التفاعلات السابقة والتاريخ المشترك بين أطراف الاتصال. إذا اتصلت بأحد المطاعم عدة مرات للحصول على نوع معين من الطعام ولم تجده، فإنك غالباً لن تعيد الاتصال بهذا المطعم لطلب نفس هذا الطعام.
    وكما أن التراجع عن الاتصال غير ممكن ، فإنه لا يمكن تفاديه خاصة في الاتصال الشخصي. إذا ما تفادى أحدنا الاتصال بأحد أصدقائه على سبيل المثال فإن ذلك قد يؤثر سلباً على هذه الصداقة.
    5- الاتصال قد يكون قصدياً وقد لا يكون (Intentional or unintentional) :
    هذا يتمثل في أربع حالات:  ( شكل 5)
    أ-     قد يرسل شخص إلى آخر رسالة بقصد ويستقبلها الآخر بقصد، وبالتالي فإن الاتصال يكون غالباً مؤثراً. .
    ب-    وقد يرسل شخص رسالة بدون قصد لآخر يستقبلها عن قصد كمن يتنصت على محادثة خاصة بين اثنين.
      ج-   وقد يرسل شخص رسالة عن قصد إلى آخر غير منتبه لها فلا يتفاعل معها.
    د-    وقد يرسل شخصان رسائل ويستقبلانها دون قصد منهما بذلك، ويتمثل هذا بشكل كبير في الرسائل غير الكلامية كنوع ملابسنا ولونها ومظهرنا العام وملامحنا.
    6- الاتصال ذو أبعاد متعددة (multi-directional) :
    برغم أن الإنسان يقوم بالاتصال بصفه مكثفة ويؤديه بعفوية إلا أن الاتصال له أهداف متعددة ومستويات متباينة من المعاني. قد تداعب أحد أصدقائك فتقول له: " يا أخي الحبيب لم أرك اليوم في المسجد. لا بد أنك أرهقت نفسك بالدراسة ليلة البارحة". في هذه الرسالة أكثر من هدف إذا أنك تريد أن تقول له إنك لم تصل مع الجماعة صلاة الفجر، كما أنك لست مجداً في دراستك ولا تسهر من أجلها، ولكنك توحي له بأنك تحبه بقولك: " يا أخي الحبيب".


    كل الرسائل فيها على الأقل بعدان من المعاني: معنى ظاهر يبرز من خلال محتوى الرسالة، ومعنى باطن آخر تحدده طبيعة الصلة بين أطراف الاتصال كطريقة حديثك والتوكيد على بعض مقاطع الكلام وما يصاحب اللغة اللفظية من إيماءات وإشارات. فالاتصال يؤدي لنا وظائف متعددة، ونقوم به من أجل تحقيق أهداف نسعى إليها، فما هي أهداف الاتصال ومدى الحاجة إليه؟ هذا هو الموضوع التالي.


























    سادساً: بعض المفاهيم الخاطئة عن الاتصال
    Communication Misconceptions
    هناك بعض المفاهيم الخاطئة عن الاتصال التي تؤدي إلى نتائج عكسية وسلبية . وعندما يدرك كل منا وجود هذه المفاهيم الخاطئة عن الاتصال ، فإنه يعمل على تجنبها وعدم الوقوع فيها ليحسن من طريقة اتصاله وتفاعله مع الآخرين .
    من أهم هذه المفاهيم الخاطئة :
    1) الاتصال سيحل كافة المشكلات (communication will solve all problems) :
    يعتقد البعض أن الاتصال هو الحل السحري لكل المشكلات ، على سبيل المثال كثير من رجال الأعمال والسياسيين والدعاة والمصلحين والمستشارين وغيرهم يظنون أن مجرد جمع الأطراف المتخاصمة ليتواصلوا مع بعضهم البعض سيحل المشكلات التي بينهم. ومثال ذلك مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، حيث يظن كثير من السياسيين أن جمع الأطراف ليجلسوا على طاولة المفاوضات ويناقشوا المشكلة سيكون كافياً لحلها، أو أنه إذا كان هناك خصام بين زوجين فإن الاتصال دائماً يحل الإشكال!
    وهكذا نجد أن الاتصال وحده ليس حلاً للمشكلات دائماً، بل قد يكون سبباً في إيجاد مشكلات أخرى.
    2)  الكثير من الاتصال أفضل من القليل منه (more communication is better) :
    البعض منا يعتقد أنه كلما اتصل أكثر كلما حقق نتائج إيجابية أكثر . على سبيل المثال ، عندما تتغيب طالبة عن الاختبار ، ثم تطلب من أستاذة المادة أن تعطيها اختباراً بديلاً ، وتكرر طلبها مرتين وثلاث وأربع ... قد يدفع هذا بالمعملة إلى رفض فكرة الاختبار البديل أصلاً . الناس يختلط عليهم الكم والكيف في الاتصال. ولكن الحقيقة هي أن مزيداً من الاتصال السلبي يعني مزيداً من النتائج السلبية، فالمهم إذن هو محتوى الاتصال وليس كميته.
    3) الاتصال إيجابي دائماً (communication is always positive):
    لو سألت مائة شخص عن قيمة الاتصال فسيقول لك 99% منهم إنه إيجابي، وهذا شيء شائع في المجتمعات المعاصرة. لا يمكن أن يقال إن الاتصال إيجابي أو سلبي. إنه مجرد وسيلة للتعبير والتفاهم من أجل مسايرة الأوضاع والمتغيرات في بيئتنا. يمكننا أن نأخذ السكين كمثال ، فهي وسيلة. إنها في يد المجرم وسيلة للشر قد يستخدمها للقتل، ولكنها أيضاً وسيلة لتقطيع الطعام لإعداد وجبة شهية. الوسيلة هي الوسيلة، ولكن الأمر يتعلق بطريقة استخدامها سواء للأمور الحسنة أو الأمور السيئة، والاتصال مجرد وسيلة يمكن أن يكون إيجابياً ويمكن أن يكون سلبياً.
    4) الكلمات التي نستخدمها تحمل المعاني (words carry meanings) :
    من أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعاً في الاتصال هو أن المعاني في الكلمات. إذا فعلنا ذلك فسنقلِّل من احتمال نجاحنا في الاتصال. قول الشيء لا يعني أن ذلك مساوٍ لمعناه. وبالتالي فإننا إذا أرسلنا رسالة كلامية نظن أننا قد حملنا المعنى المقصود إلى مستقبل الرسالة. إن المعاني لا توجد في الكلمات، ولكن في رؤوس المستقبلين، وأقصى ما نفعله هو استثارة هذه المعاني لديهم. قدرتنا على استعمال الكلمات المناسبة إلى جانب الرموز غير الكلامية كتعبيرات الوجه وحركات الجسم والإشارات والإيماءات هو ما يميز الاتصال الإنساني. الكلمات ليست هي التي تحمل المعاني، ولكن الناس هم الذين يحملونها. ولذلك تجد الرمز الواحد يحمل معان متعددة بعدد الأشخاص الذين يعبرون عنه.
    إن نجاح الاتصال يعتمد على درجة المعنى المشترك للرموز الكلامية وغير الكلامية. الكلمات المستعملة في ثقافة معينة قد تحمل معاني متقاربة، ولكن لا يمكن أن يتفق اثنان حول معنى واحد تماماً لكل الكلمات لأن لكل شخص خلفيته وخبراته الخاصة. وينبغي لدى انتقائنا الكلمات في خطابنا للآخرين ( وكذلك الرموز غير الكلامية ) أن نركز على معناها عند المتلقين، وليس المعنى الذي نعرفه نحن فقط.
    5) الاتصال قدرة طبيعية (communication is a natural ability) :
    من المفاهيم الخاطئة أيضاً الاعتقاد بأن الاتصال موهبة طبيعية . ويبدو أثر هذا الفهم الخاطئ في ظاهرة ضعف القدرات والمهارات الاتصالية لدى بعض أفراد المجتمع. ولكن الحقيقة هي أن الاتصال مهارة لا تولد معنا، ولكنها تكتسَب بالتعلم والمران المستمر متى ما كان لدينا المعلومات الكاملة والصحيحة والمرتبة عن الاتصال.






    سابعاً: كفاءة الاتصال
    Communication Proficiency
    مع اقتراب نهاية هذا الفصل يبرز السؤال المهم:  كيف أستطيع أن أكون متصلاً بكفاءة وفعالية عالية ؟.
    الكفاءة في الاتصال من أكبر القضايا التي شغلت الباحثين والعلماء في مجال الاتصال. وبحق فليس هناك إجابة محددة، ولكن هناك قدراً مهماً من المعلومات المتعلقة برفع الكفاءة الاتصالية:
    أولها:  أن الاتصال الفعَّال يرفع من درجة النجاح للشخص للذي يقوم به            
    communication will raise level of satisfaction ). (Good
    فمثلاً وجدت الدراسات أن نجاح الطلاب في الدراسة يرتبط إيجاباً بقدرتهم على الاتصال بكفاءة عالية، كما أن المتصل الجيد يترك انطباعاً حسناً لدى الآخرين.
    ثانيها: ليس هناك أسلوب واحد مثالي أو فعال للاتصال.
    (There is no effective way of communication)
    من واقع خبرات الكثيرين منا سنجد أن بعض المتصلين الناجحين يستعملون النكتة ببراعة، كما أن بعضهم جاد بشكل واضح، وأن البعض يستخدم الأسلوب المطول والصوت المرتفع، بينما يفضل آخرون الأسلوب الهادئ المختصر. وهناك من يتخذ أسلوباً مباشراً في مقابل آخرين يفضلون الأسلوب الدبلوماسي في الخطاب.
    فهناك حاجة للمرونة في الاتصال لاتخاذ الأسلوب المناسب للحالة الاتصالية والجمهور المستهدف.
    ثالثها:  أن الكفاءة تعتمد في كل مرة على الموقف الاتصالي
    (Proficiency of communication depends on context every time)
                  ولذلك تجد اختلافاً في الأسلوب المناسب من حال إلى حال. الاتصال الجيد ليس صفة لازمة ثابتة للشخص، ولكنه قدرة على التكيف مع الموقف واستخدام الأسلوب المناسب بما يتطلبه الحال. ولهذا قد نجد أشخاصاً ذوي كفاءة عالية في مجالات محددة دون مجالات أخرى. وحتى هذا الشخص الكفء في مجال معين يختلف أداؤه من حالة إلى حالة.

    رابعها: يحدث الاتصال الناجح حينما يرضى كافة أطرافه.
    (Good communication takes place when all sides are satisfied)
    حينما تقول ما تريد وتترك الطرف الآخر غير سعيد فإن هذا سيقلل من نجاحك.  إذا رفضت طلباً من صديقك عند تقدمه لاستعارة سيارتك ، فإن صديقك سيعُد ذلك إساءة إليه أو عدم تقدير له . إذن هناك بعد اجتماعي متجدد في العلاقات الاجتماعية في الاتصال يؤثر على مدى كفاءة الاتصال ويجب مراعاة هذه العلاقات .
    وعلى أي حال فلا ينبغي أن ننساق وراء الاتصال الفعال الدائم الذي لا يخفق أبداً حتى لا يصيبنا الإحباط.















    ثامناً: تمرينات على الاتصال الجيد
    Drills on Good communication
    في نهاية هذا الفصل وبعد استعراض مكانة الاتصال وعناصره، وأنواعه، وخصائصه، ونماذجه، وكيفية الحصول على الكفاءة فيه، يحسن بنا أن ننظر إلى أنفسنا ونتلمس طريقة النجاح في مهارات الاتصال. إذا نجحت في الاتصال وشعرت بأن الطرف المستقبل قد فهم رسالتك كما أردت فهذا يدل على أنك قد وفِّقت في الاتصال. وإذا ما برزت لك مشكلات في فهم الرسالة فعليك أن تسأل:
    1-      ما المشكلة في محتوى الرسالة الكلامية وغير الكلامية؟
    2-      هل كانت الوسيلة المستخدمة هي الأفضل؟
    3-      ماذا عن التشويش: هل حصل ؟ وما مصدره ؟
    كثير من الأشخاص لديهم قدر مناسب من مهارات الاتصال. لقد كنا وما نزال نقوم بالاتصال الكلامي وغير الكلامي طوال حياتنا، وربما مرت بنا حالات لم نكن فيها أكفاء في الاتصال. وباعتبارك دارساً للاتصال ننصحك بأن تسأل نفسك الأسئلة التالية:
    1-   ما هي المهارات الاتصالية التي أظن أنني أحتاج إليها ؟
    عليك أن تسأل: ماذا تحتاج من مهارات الاتصال لكي تساعدك على تحقيق نجاحاتك؟ ما هي المهارات التي تظن أن عملك المستقبلي يتطلبها ؟ هل هي الخطابة أم الكتابة أم إلقاء المحاضرات أو التواصل في المجموعات الصغرى أم في مجال الإعلام الجماهيري (عبر الإذاعة أو التلفاز) ؟
    2-   ما هي المهارات الاتصالية التي تنقصني ؟
    ما هي أصعب المهارات بالنسبة لي ؟ هل هي الاتصال الشخصي ؟ الاتصال العام؟ أم الاتصال الجماهيري؟ ماذا عن الاتصال الثقافي (مع آخرين من ثقافة أخرى ) ، وماذا عليك أن تفعل قبل أن تنجح في هذه المجالات التي تنقصك؟
    3-   ماذا عن الجدول الزمني المناسب لحصولي على هذه المهارات
    ماذا علي أن أفعل لتقدير المدة المعقولة للتدريب ؟ (تذكر أن العادات القديمة تموت ببطء، كما أن تعلم مهارات جديدة يأخذ وقتاً [ عدة أشهر أو ربما سنوات ]، وهذا كله يعتمد على رغبتك وسرعة تعلمك). فالأمر كله يتوقف على استعدادك ورغبتك وجهدك ووقتك، فكلما كان نصيبك من هذه النشاطات وفيرا كان نجاحك المتوقع كبيراً وسريعاً.
    تذكر دائماً ، أن المعلومات شيء والتطبيق شيء آخر . المعلومات الخاطئة بهارات الاتصال سوف تتعلمها خلال هذا الفصل  ولكن التطبيق هو مسؤوليتك أنت وحدك .
    ابدأ بتطبيق كل مهارة تتعلمها خلال هذا الفصل ، وفي النهاية ستجد أنك قد أصبحت متصلاً فعالاً وناجحاً .








    المراجع
    References
            Adler, Ronald B. and Lawrence B. Rosenfeld and Neil Towne. Interplay: the Process of Interpersonal Communication. USA: Harcourt Brace College Publishers, Sixth Edition, 1995.
            Bethami, A. Dobkin and Roger C. Pace. Communication in a Changing World . USA: Mc Graw Hill Higher Education, 2006 Edition.
            Dimbleby, Richard and Graeme Burton. More Than Words: An Introduction to Communication. New York: Routledge, Third Edition,1998.
            DeFleur, Melvin L. and Everette E. Dennis. Understanding Mass Communication. USA: Houghton and Mifflin Company, 1981.
            Mc Croskey, James C. and Lawrance R. Wheeless. Introduction to Human Communication. Bston,USA: Allyn and Bacon,Inc. , 1976.
            Seiler, William J. and Melissa L. Beall. Communication Making Connection. USA: Pearson Education Inc., Sixth Edition, 2005.