-->

التنمية وتطويرالبنوك الإسلامية

التنمية وتطويرالبنوك الإسلامية
    المقدمـة .
    الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. أحمده حمداً كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله وأستعينه استعانة من لا حول له ولا قوة إلا به. وأستهديه بهداه الذي لا يضل من أنعم به عليه. وأستغفره لما أزلفت وأخرت، استغفار من يقر بعبوديته، ويعلم أنه لا يغفر ذنبه ولا ينجيه منه إلا هو. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

            كان للصحوة الإسلامية أثرها الطيب الواضح، ومن أثرها قيام المؤسسات المالية الإسلامية، وقيام هذه المؤسسات في عالم تقوم فيه صيغ الاستثمار على الربا والميسر والغرر الفاحش وما حرمه الإسلام كان لابد أن تواجه هذه المؤسسات الإسلامية مشكلات متعددة. حاولت هذه المؤسسات علاج المشكلات التي تصادفها في مجال تطبيق صيغ الاستثمار الشرعية، فوفقت في بعض الحالات، وجانبها التوفيق في حالات الأخرى وعلى الأخص في مجال التمويل الإسلامي، ومواجهة مخاطره, وأصبحت المصارف الإسلامية حقيقة واقعة ليس في حياة الأمة الإسلامية فحسب، ولكن أيضاً في جميع بقاع العالم منتشرة في معظم دولها، ومقدمة بذلك فكراً اقتصادياً ذا طبيعة خاصة، وقد أصبحت هذه المصارف واقعاً ملموساً فعالاً تجاوز إطار التواجد إلى آفاق التفاعل وإلى أقطار الابتكار والتعامل بايجابية مع مشكلات العصر التي يواجهها عالم اليوم. فالخدمة المصرفية عصب الحياة العصرية وقلب اقتصادها النابض ولا سيما الاقتصاد النقدي. فالخدمة المصرفية الحديثة لا يقتصر دورها على تيسير التبادل النقدي بين المتعاملين وخاصة رجال المال والأعمال، كما كانت تقوم بذلك الدَّور الخدمة المصرفية التقليدية، وإنما توسعت أهدافها حتى صارت تشمل سائر الأنشطة الاقتصادية الاستهلاكية والاستثمارية والتنموية على اختلاف درجات الحاجة والمتطلبات الحديثة.


    و ظهرت أهمية إعادة النظر في الهياكل المالية والنقدية والأدوات التمويلية في الدول الإسلامية إنطلاقا من تحريم الربا ، فبدأ التفكير المنهجي في بعض دول العالم الإسلامي لإنشاء البنوك الإسلامية منذ الأربعينيات من القرن العشرين حيث أنشئت في ماليزيا صناديق الادخار بدون فائدة، وطبقت باكستان الفكرة في عام 1950 وذلك بإنشاء مؤسسة في الريف تقبل الودائع من الموسرين بدون عائد، ثم تعاود إقراضها إلى صغار المزارعين بلا فوائد، إلا أن التجربة المذكورة لم يكتب لها النجاح بسبب الافتقار إلى جهاز إداري ومالي كفء، وعدم إقبال المودعين على الإيداع لدى البنك، وعلى نفس النمط نشأت في الريف المصري -بنوك ادخار محلية- تعمل وفق مقتضيات الشريعة الإسلامية وبلا فوائد على الودائع لديها، ولم تستمر تلك التجربة أكثر من سنوات عدة، حيث تم إيقاف العمل في تلك البنوك بسبب عدم توافر الكوادر اللازمة لأداء النشاط المصرفي الإسلامي.

    ومن هنا جاءت نشأة المصارف الإسلامية تلبية لرغبة المجتمعات الإسلامية في إيجاد صيغة للتعامل المصرفي بعيداً عن شبهة الربا وبدون استخدام سعر الفائدة . ومن ثم تكررت المحاولة لإنشاء مصرف إسلامي عام 1963 حيث تم إنشاء ما يسمي ببنوك الإدخار المحلية والتي أقيمت بجمهورية مصر العربية والتي أسسها د. أحمد النجار – رئيس الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية الأسبق, وقد استمرت هذه التجربة حوالي ثلاث سنواتثم تم بعد ذلك إنشاء بنك ناصر الإجتماعي حيث يعد أول بنك ينص في قانون إنشائه على عدم التعامل بالفائدة المصرفية أخذا أو إعطاء, وقد كانت طبيعة معاملات البنك النشاط الإجتماعي وليس المصرفي بالدرجة الأولى. وقد جاء الإهتمام الحقيقي بإنشاء مصارف إسلامية تعمل طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ضمن توصيات مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية بمدينة جده بالمملكة العربية السعودية عام 1972 , حيث ورد النص على ضرورة إنشاء بنك إسلامي دولي للدول الإسلامية. وجاء نتاج ذلك إعداد إتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية والتي وقعت من وزراء مالية الدول الإسلامية عام 1974 وباشر البنك الإسلامي للتنمية نشاطه عام 1977 بمدينة جده بالمملكة العربية السعودية, ويتميز هذا البنك بأنه بنك حكومات لايتعامل مع الأفراد في النواحي المصرفية.

    وجاء إنشاء أول مصرف إسلامي متكامل يتعامل طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية عام 1975 وهو بنك دبي الإسلامي , حيث يقدم البنك جميع الخدمات المصرفية والإستثمارية للأفراد طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية. ثم توالى بعد ذلك إنشاء المصارف الإسلامية لتصل إلى 267 مصرفاً منتشرة في 48 دولة على مستوي العالم, بحجم أعمال يزيد عن 250 مليار دولار طبقا لإحصائية المجلس العام للبنوك الإسلامية في سبتمبر 2003 , هذا بخلاف فروع المعاملات الإسلامية للبنوك التقليدية على مستوى العالم.

    قد لا يتوقع البعض أن تكون الخدمات المصرفية الإسلامية سابقة بعدة قرون لتلك التجربة المصرفية التي تبناها بنك انجلترا عام 1695م، باعتباره أقدم تجربة مصرفية متكاملة. وللحقيقة فإن الإسلام قد وضع أنموذجاً فريداً في التعامل المالي كان نواة صالحة للتعامل المصرفي. وقد وردت أمثلة كثيرة في التاريخ الإسلامي تبين أن المسلمين كانت لديهم تجارب سباقة وفريدة وعريقة ولا تزال تمثل الشريان التاجي للخدمات المصرفية المعاصرة، نذكر منها على سبيل المثال ودائع الزبير بن العوام حيث كان الناس يودعون أموالهم عنده، فيقول لهم بل هو قرض ليتمكن من جهته هو من توظيفه ويتمكنوا هم من ضمانه حتى بلغ مجموع ما عنده، كما جاء في كتب السنة، ما قيمته مليونان ومائتا ألف درهم مما حدا بأحد الباحثين في الاقتصاد الإسلامي الحديث أن يطلق على هذا النموذج (بنك الزبير). وهذا الأنموذج يعبر عن أهم خدمة تقدمها البنوك التقليدية المعاصرة لعملائها، بل وتعتمد عليها في تسيير استثماراتها، وهي ما يسمى بالحسابات الجارية. كذلك عرف العرب السفتجة واستخدموها في تنقلاتهم وأسفارهم وهي تحويل الأموال من بلد إلى آخر، ومن ذلك ما كان يفعل ابن عباس وعبدالله بن الزبير، رضي الله عنهما، حيث حيث كانا يأخذان الفضة المضروبة بمكة المكرمة ويكتبان لأصحابها مكتوباً يستلمان بموجبه نقداً من العراق. ثم عرف العرب في صدر الإسلام مصارفة العملات فكانوا يبيعون بالدراهم ويأخذون الدنانير، كما أنهم عرفوا استخدام الأوراق التجارية.



    أولا؛ مفهوم البنوك الإسلامية .

    البنك الإسلامي هو مؤسسة نقدية مالية تعمل على جذب الموارد النقدية من أفراد المجتمع وتوظيفها توظيفاً فعالاً يكفل تعظيمها ونموها في اطار القواعد المستقرة للشريعة الإسلامية وبما يخدم شعوب الأمة ويعمل على تنمية اقتصادياتها.

    إن الحد الفاصل بين الخدمة المصرفية التقليدية والخدمة المصرفية الإسلامية يتمثل في الإلتزام مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية وتنقية المعاملة المصرفية المطلوبة من الشوائب والعيوب التي يمكن أن تؤدي إلى إيقاع ظلم أو جهالة أو غرر أو ربا أو خلافه، مما يفضي للنزاع بين الأطراف المتعاملة أو أكل أموال الناس بالباطل. ولذلك فالذي يتعامل مع البنك التقليدي من جهة والبنك الإسلامي من الجهة الأخرى قد لا يجد فارقاً في المسميات أو الغايات النهائية للخدمة المقدمة، وإنما يجد الفرق الشاسع في الوسائل المؤدية إلى هذه الغايات وفي الضوابط التي تحكم الخدمة بشكل عام. وهذا في حد ذاته يعني أن على المصرف الإسلامي أن يلعب دوراً بالغ الأهمية، في تقديم خدمات مصرفية نقية خالية من الشوائب والعيوب من جهة، ومواكبة لاحتياجات المتعاملين مع البنوك من الجهة الأخرى. وقد سلكت المصارف الإسلامية طريقاً متميزاً في هذا الصدد، بل وقد تبعتها في الآونة الأخيرة، أي في نهايات القرن الميلادي الماضي، تجارب سلوكية مماثلة من المصارف التي تعمل في الأصل وفق مفاهيم مصرفية مختلفة من حيث الأهداف والغايات في تقديم خدماتها المصرفية.

    وبالرغم من التطور الهائل الذي شهدته الخدمة المصرفية الحديثة، ولا سيما في العالم المتقدم، وما صاحب ذلك من استخدام الأنظمة التقنية والأجهزة الذكية حتى عمَّت الخدمة الإلكترونية أنحاء المعمورة، إلا أن الخدمة المصرفية الإسلامية اتخذت موقعاً متميزاً بين الخدمات المصرفية، وصار لها جرس وحدس وإيقاع في الحياة اليومية المعاصرة. ولم يقتصر الأمر على المصارف الإسلامية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، بل امتد الأمر واتسع حتى شمل المصارف التقليدية نفسها، بل واشتد الأمر سعة حينما أصبحت بعض الخدمات المصرفية الإسلامية والصيغ الإسلامية منافساً شرساً لبعض الخدمات المصرفية التقليدية سواء كان ذلك على مستوى العالم الإسلامي أو على الصعيد الدولي حيث فرضت الخدمة المصرفية الإسلامية نفسها كبديل منافس للخدمة المصرفية التقليدية في كثير من المجالات.

    وتعد المصارف الإسلامية جزءًا من النظام الاقتصادي الإسلامي استطاعت خلال مسيرتها في الأربعين عاما الماضية أن تثبت للعالم من خلال أدائها المتميز وشفافية أعمالها وقدرتها على التجديد والابتكار أنها صناعة مالية راسخة ومرشحة لان تصبح من القوى الاقتصادية العالمية . وتمتلك المصارف الإسلامية القدرة على مواكبة الصناعة المصرفية العالمية ومواجهة المنافسة من ناحية تطوير أنظمتها وجودة خدماتها ومنتجاتها، وعلى الأخص إصدار الصكوك المالية التي تساعد في حل مشكلة إدارة السيولة وتضمن الموارد، وتحديث أجهزة اتصالاتها وأنظمة تشغيلها، الأمر الذي سيعيق استمرارها إن لم تكن لديها الإمكانات المالية والفنية لمجاراة السوق المالية وتحقيق هدف الحجم الأمثل الذي يستطيع التنافس في عصر العولمة وتحديث الأنظمة وتقديم الخدمات المالية المتطورة لمواجهة المنافسة الدولية، وتوسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، والتقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي يضم في عضويته الجهات الرقابية المحلية والدولية. يعتقد بعض المحللين أن نمو قطاع الخدمات المصرفية بشقيه، الأفراد والشركات في المصارف الإسلامية يرجع إلى استراتيجية هذه المصارف، فالبعض منها يركز بشكل كبير على خدمات الأفراد، والبعض الآخر يركز على قطاع الشركات، وهناك مصارف إسلامية تركز على كلا القطاعين، وتحاول معظمها ابتكار منتجات جديدة، للاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من السوق، فمعظم منتجات خدمات الأفراد من تمويل سيارات ومسكن وبطاقات ائتمان معروفة للجميع، والأهم اليوم هو كيفية ابتكار منتجات جديدة تضمن الأولوية وتستطيع من خلالها أن تجذب أكبر عدد من العملاء، فضلاً عن ذلك يسعى كل مصرف إلى زيادة عدد فروعه بحيث يصل لأقرب نقطة للعميل توفيراً لوقته وجهده واستحداث خدمات من شأنها تسهيل العمليات المصرفية كخدمات الإنترنت ومراكز الاتصال والاستثمار المستمر في التكنولوجيا باعتبارها العمود الفقري للقطاع المصرفي.

    أهم ما يميز الخدمات المصرفية الإسلامية هو عدم فرض رسوم مغالى فيها على الخدمة كما أنها تتمتع بقدر كبير من الشفافية، ومن هنا نجد أن هذه الخدمات تجتذب إليها أعدادا كبيرة من العملاء. بقي أن نقول إن هناك من يعتقد أن ما جرى من انهيارات في عالم المال هز العالم لدرجة أخذ البعض يتحدث عن أزمة مالية واقتصادية ضخمة تذكر بالكساد العالمي في عشرينيات القرن الماضي، بل أكثر قوة من تلك الأزمة، وفي الوقت نفسه يتحدث البعض عن أن الناجي الوحيد من الأزمة المالية الحالية هو البنوك الإسلامية، فيما يؤكد البعض الآخر أنه لا يمكن للبنوك الإسلامية في ظل التشابك العالمي أن تنجو من تداعيات وتبعات هذه الأزمة الخانقة، وتسود حالة من القلق لدى كثير من المواطنين عاملين ومتعاملين مع المصارف الإسلامية بعد أن أصبحت الأمل لكثيرين للتخلص من المعاملات الربوية نتيجة التضارب واختلاف التفسيرات في أعمال المصارف في الدول العربية والإسلامية.



    ثانيا؛ مراحل تطور المصارف الإسلامية .

    يعد العمل المصرفي الإسلامي حديث النشأة نسبيا مقارنة بالعمل المصرفي التقليدي ، ولقد مرت مسيرة المصارف الإسلامية بعدة مراحل تاريخية نوجزها فيما يلي :

    1: مرحلة الأفكار والنظريات
    ظهرت هذه المرحلة في بداية هذا القرن وذلك بعد أن أفتت  المجامع الفقهية بحرمة الفوائد المصرفية في البنوك التقليدية واعتبارها من الربا فظهرت نظريات وأفكار نادى بها عددا من علماء الأمة الإسلامية المخلصين لتأسيس كيان مصرفي يقوم على أساس غير ربوي.

    2: مرحلة التجربة وبداية التطبيق
    تعود بداية هذه المرحلة إلى السبعينيات من القرن الماضي حيث انطلقت مسيرة المصارف الاسلامية بتأسيس عدد منها مثل بنك ناصر الاجتماعي بجمهورية مصر العربية والبنك الإسلامي للتنمية بالمملكة العربية السعودية وبنك دبي الإسلامي بالامارت العربية المتحدة وبنك فيصل الإسلامي بمصر وبيت التمويل الكويتي بدولة الكويت... الخ.وفي هذه المرحلة نجحت المصارف الإسلامية في وضع أسس تطبيقية للصيرفة الإسلامية تقوم على الأساليب الإسلامية كالمرابحة والمشاركة والمضاربة كما نجحت في جذب أعداد كبيرة من العملاء في وقت قياسي

    3: مرحلة النضوج والتطور
    تمتد هذه المرحلة من بداية الثمانينيات وحتى التسعينيات من القرن السابق بعد أن بدأت التجربة تنصقل فظهرت صيغ جديدة مثل ( الإجارة المنتهية بالتملك - المشاركة المتناقصة - السلم والاستصناع ) ومن أهم المصارف التي انتشرت في هذه الفترة مجموعة دار المال الإسلامي وبنوك فيصل الإسلامية وبنوك البركة التابعة لمجموعة دله البركة.
    وقد تميزت هذه الفترة بطرح موضوعات الصيرفة الإسلامية في الندوات والمؤتمرات المتخصصة والتي كان لها دورا هاما في تطوير هذه الصناعة ومن تلك ندوات البركة السنوية للاقتصاد الاسلامي والتي تنظمها مجموعة دله البركة و الملتقيات الدولية التي ينظمها البنك الإسلامي للتنمية .

    4: مرحلة التوسع والعولمة
    تمتد هذه المرحلة من التسعينيات وحتى هذه الفترة وقد اتسمت هذه المرحلة بالعمق والتجديد محدثة نقلة نوعية في مفهوم ومهام العمل المصرفي الإسلامي ومن سمات هذه المرحلة :
    - تطوير الآليات المصرفية وابتكار أدوات جديدة
    - اندماج عدد من المصارف الإسلامية فيما بينها
    - التفاعل والتحاور مع الهيئات المصرفية العالمية والمصارف المركزية
    - ظهور المنظمات الإسلامية الداعمة للصناعة المالية مثل هيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية والمجلس العام للبنوك الإسلامية بالبحرين بجانب مجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا
    - افتتاح فروعا للمعاملات الإسلامية في البنوك التقليدية العالمية .

    تقديم البنوك التقليدية للمصرفية الإسلامية :

    على أثر النجاح الذى حققته المصارف الإسلامية وتنامى حصتها فى السوق المصرفية بسبب الإقبال الكبير على منتجاتها , مدعومة بالوازع الديني الذي حرك جانبا كبيرا من العملاء للتعامل معها , كان من الطبيعي أن تلحظ البنوك التقليدية- عربيا وعالميا- هذا النجاح الذى ينمو على حساب تراجع حصتها من السوق المصرفى , لذا وجدت من الأفضل أن تدخل هذا الميدان حفاظا على عملائها الحاليين والحصول على شريحة من هذا السوق المتنامى.
    إن إقبال غالبية البنوك التجارية التقليدية على فتح فروع إسلامية يرجع إلى دوافع مختلفة ,فقد يكوا الإيمان بأن المستقبل للبنوك الإسلامية ,وقد يكون وراء ذلك التحرك بمقاييس المنافسة والتقليد وعدم الرضا بغياب إسم البنك عن هذا الميدان الجديد,كما قد يكون الدافع تحقيق العائد الأعلى عما يتحقق من التعامل بالإسلوب التقليدى للبنوك التجارية
    إن وجود شريحة سوقية كبيرة ومتنامية من العملاء الراغبين في إيداع أموالهم في البنوك دون أخذ الفوائد المصرفية عليها قد فتح شهية البنوك التقليدية لإستغلال هذه الفرصة السوقية الواعدة بأرباح هائلة نظراً لضخامة الأموال المتاحة في هذه الأسواق وانخفاض كلفتها. ومن ثم أقدمت هذه البنوك على ممارسة العمل المصرفي الإسلامي بأشكال مختلفة, مثل انشاء فروع إسلامية متخصصة أو نوافذ إسلامية داخل الفروع التقليدية أو تقديم بعض المنتجات المصرفية الإسلامية فى مجالى جذب الأموال وتوظيفها وغيرها من الصور . وتشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد البنوك التقليدية التى تقدم منتجات مصرفية إسلامية بلغ 310 بنكا على مستوى العالم تدير إستثمارات إسلامية تقدر بـ 350 مليار دولار .

    وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة تعتبر إعترافا من البنوك التقليدية بأهمية ونجاح العمل المصرفي الإسلامي والمصارف الإسلامية، وقد تكون خطوة مشجعة للتحول الكامل للعمل المصرفى الإسلامى إلا أن النظام المصرفي الإسلامي ، كأي نظام آخر، له كيانه الخاص به وأسسه التي يقوم عليها وقواعده وأنظمته التي يتميز بـها عن غيره. لذلك فإن هناك حاجة ماسة لدراسة ظاهرة تحول البنك التقليدية نحو العمل المصرفى الإسلامى , للتعرف على حقيقة تلك الظاهرة وأسباب إنتشارها وتطورها ومستقبلها وإمكانية التعامل معها من الناحية الشرعية.

    لقد شق العمل المصرفي الإسلامي طريقه ليحتل مكانا مرموقا في النظام المصرفي العالمي وبالرغم من قصر عمر الصناعة المصرفية الإسلامية والتي لا تزيد على أربعين عاما إلا انها بفضل الله قد حققت نجاحات كبيرة وانجازات رائدة تمثلت في نمو أعدادها بمعدل تراوح من 10-15 % سنويا ليرتفع عددها من بنكين اثنين في الستينات إلى اكثر من 300 مصرف ومؤسسة مالية منتشرة في اكثر من 90 دولة من دول العالم وذلك حسب تقرير عام 2004 الصادر عن المجلس العام للبنوك الإسلامية.



           ثالثا؛ الخصائص الرئيسية للبنوك الإسلامية .

    المصارف الإسلامية هي مؤسسات مالية لتجميع الأموال وتوظيفها في إطار الشريعة الإسلامية ومقاصدها ، ورغم تشابه كل من المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية في الطبيعة المصرفية ( تعبئة المدخرات وتوظيفها في المشروعات التنموية ) والمصارف الإسلامية هي جزءا من النظام الاقتصادي الاسلامي باعتباره أن الدين الإسلامي جاء منظما لجميع حياة البشر ( الروحية والخلقية والاجتماعية والسياسية ، والاقتصادية ) ، لذا تخضع المصارف الاسلامية للمباديء والقيم الاسلامية والتي تقوم على أساس أن المال مال الله سبحانه وتعالى وأن الإنسان مستخلف فيه وسيحاسب عليه في الآخرة كما يقول سبحانه وتعالى ( وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) ، ويترتب على هذه الخاصية أن تتحرى المصارف الإسلامية التوجيهات الدينية في جميع أعمالها ، ولتفعيل هذه الخاصية تقوم المصارف الإسلامية بتعيين هيئات للرقابة الشرعية تضم نخبة من علماء الفقه والاقتصاد الإسلامي وتعرض عليها جميع أعمالها وتتولى مسئولية مراقبة أعمالها لضمان توافقها مع الشريعة الإسلامية ،وتؤدي هذه الميزة للمصارف الإسلامية إلى ارتفاع دورها الاجتماعي من خلال التوازن بين مصالحها الخاصة والمصلحة الاجتماعية فهي تراعي المصالح الاجتماعية ولو أدى ذلك إلى التضحية ببعض مصالحها الخاصة .

    لدلك تتميز المصارف الإسلامية بالعديد من الخصائص عن المصارف التقليدية من أهمها:
    1 – تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة المعاملات المصرفية والإستثمارية .
    2 – تطبيق أسلوب المشاركة في الربح أو الخسارة في المعاملات .
    3 – الإلتزام بالصفات (التنموية, الإستثمارية , الإيجابية ) في معاملاتها الإستثمارية والمصرفية .
    4 – تطبيق أسلوب الوساطة المالية القائم على المشاركة .
    5 – تطبيق القيم والأخلاق الإسلامية في العمل المصرفي .
    6 – كما تتميز المصارف الإسلامية بتقديم مجموعة من الأنشطة لا تقدمها المصارف التقليدية وهي :
    1 – نشاط القرض الحسن .
    2 – نشاط صندوق الزكاه .
    ويلتزم المصرف الإسلامي بأداء الزكاة المفروضة على المال النام الذي حال عليه الحول, والمستحقة شرعاً على ملاك هذا المال (مساهمين أو مودعين) والذين يفوضون البنك أو يأذنون له بأداء ذلك نيابة عنهم, وتصرف الزكاة في مصارفها الشرعية, وكذلك الصدقات والتبرعات, وما قد يقرره ولي الأمر من إنفاق إضافي لصالح المجتمع المسلم .
    3 – الأنشطة الثقافية المصرفية.



    رابعا؛ عناصر أساسية تلتزم بها البنوك الإسلامية.

    هناك عدة عناصر أساسية تلتزم بها البنوك الإسلامية وهي:

    1- الإلتزام بالقواعد المستقرة للشريعة الإسلامية:
    يتعين على البنك الإسلامي ان يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية في جميع أعماله ومعاملاته جملة وتفصيلاً والا فقد مقومات وجوده، فالعقيدة الإسلامية تقدم نظاماً شاملاً ومتكاملاً يحكم كل شيء في الاقتصاد متمثلاً في أنشطة الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، والادخار وتتصل بغيرها من الأنشطة غير الاقتصادية وترتبط معها وبها بالعبادات لتجعل من الإسلام ديناً قيماً قويماً لا يشوبه أو يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا من أمامه، وان ارتباط الفكر الإسلامي المصرفي الاقتصادي بالدين تعززه الآيات المباركة في كتاب الله وسنة رسوله (ص) المطهرة واجتهادات العلماء الأفاضل، وان القواعد الاقتصادية الحاكمة للعمل المصرفي واضحة وصريحة يتعين على البنك الإسلامي توخيها والحرص عليها. وأهم هذه القواعد ما يلي:

    (أ) الإلتزام في معاملاته بالحلال والابتعاد كل البعد عن المجالات الحرام والمشكوك فيها:
    لما كان البنك الإسلامي يستمد مشروعيته من تجسيده للفكر الإسلامي، فانه يلتزمه التزاماً كاملاً بتطبيق قاعدة الحلال والحرام في كل معاملاته، والتقيد باخلاقيات الإسلام وآدابه في هذه المعاملات في طابعها الشمولي الذي يمتد إلى كافة مجالات النشاط الإنساني التي يقوم البنك بالتعامل معها.

    فلا يمكن للبنك أن يقدم خدماته إلى أنشطة تدخل في دائرة التحريم لما فيها من اضرار خطيرة تلحق بالمجتمع مثل أنشطة صناعة الخمور، وموائد القمار، والمخدرات، والبغاء والصناعات التي تقوم على تربية وذبح وبيع لحوم الخنزير أو الميتة أو الدم، والابتعاد عن أي نشاط ينطوي التعامل فيه على ربا أو غش أو تدليس أو احتكار أو تزوير أو استغلال لحاجات الناس أو تغرير أو غرر أو ميسر أو رشوة أو إفساد للذمم وتخريب للنفوس أو أي نشاط يشوبه حرمة، ومن ثم تكون جميع معاملات البنك تدخل في دائرة الحلال، تراعي بشكل شديد مبادىء الدين الحنيف فلا غبن في الاجور ولا ظلم للعاملين ولا مصادرة لأرزاقهم أو تسخيرهم كعبيد مقابل إطعامهم وكسوتهم.

    فالبنك الإسلامي هو الذي يقوم على العقيدة الإسلامية ويستمد منها كيانه الفكري ومقومات التعامل المصرفي لديه أو تصبح معاملاته جميعها في اطار هذا الكيان الفكري الذي يقوم على أن الله هو خالق هذا الكون، وان الملكية الموجودة في هذا الكون لله وحده، فالله مالك كل موجود فيما أنه سبحانه وتعالى موجده وانه مالك الملك وان البشر مستخلف فيه ومن ثم فان استخدام هذه الموجودات وبما فيها المال تتم في اطار شروط هذا الاستخلاف وعلى هذا فمن الضروري أن تكون المنتجات والخدمات التي يتعامل معها البنك أو يمول مشروعاتها في دائرة الحلال، فلا يجوز له أن يقوم بتموين مصنع لانتاج الخمر أو شركة لتعبئة لحوم الخنزير ولا يجوز له أن يمول ملهى ليلياً أو ناديا للقمار، بل تنحصر مهمته في عمارة الدنيا، قال تعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) ومن هنا تتسع كافة معاملات البنك لتشمل كافة أوجه النشاط الاقتصادي وغير الاقتصادي اللازم لأعمار الأرض.

    (ب) عدم التعامل بالربا:
    فعدم التعامل بالربا هي سمة مميزة للبنك الإسلامي من أجل تطهير المال من شبهة الظلم والاستغلال الذي هو سمة أساسية من سمات القروض الربوية التي تقوم بها البنوك غير الإسلامية، وذلك على الرغم من ان الإسلام لم يبتدع قضية تحريم الربا وإنما جدد حرمة الربا التي نزلت في جميع الرسالات السماوية، وفي الوحي القديم. وفي الوقت ذاته فان عدم التعامل بالربا يجعل من البنك الإسلامي أداة ترشيد ورشادة تنموية تجعله يتجه بالتوظيف إلى مجالات تدريجية مناسبة من خلالها يدفع عائداً مناسباً لجموع المودّعين لديه، وفي الوقت نفسه تنمية المال الذي اؤتمن عليه منهم.
    فالاقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة، ولا تجزيه ضرورة، بل ان الربا من أخبث المعاصي واشدها فتكاً بالنظام الاقتصادي والاجتماعي للدول، فهو يقضي على وحدة الأمة، وتآلفها وتراحمها ويحوله إلى النقيض من تصارع وتطاحن وحروب أهلية وثورات مدمرة.
    ومن هنا فان البنوك الإسلامية لا تتعامل بالفائدة أياً كانت صورها وأشكالها، أخذاً أو عطاءً، إيداعاً أو توظيفاً، قبولاً أو خصماً، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ظاهرة أو مختفية، محددة مقدماً أو مؤخراً، ثابتة أو متحركة، كاملة أو منقوصة.. أعمالاً لأحكام الشريعة الغراء والتزاماً بأمر الله سبحانه وتعالى وتجنباً لنواهيه. فالفائدة على جميع النقود كلها ربا محرم، يستوي في ذلك قليلها وكثيرها، ويستوي في ذلك كونها محددة ومطبقة على قرض موجه للاستهلاك أو للاستثمار.

    والربا هو الزيادة المطلقة في رأس المال، ويقال إذا ربا الشيء زاد ونما، ويقصد بالربا شرعاً فضل المال الذي لا يقابله عوض في معارضة مال بمال، وكان العرب قديماً يمارسون هذه الصناعة قبل ظهور الإسلام وتحريم الربا، وكان المرابي يخبر من عليه الدين أما أن يقضي الدين (أي يسدده) أو يربي (أي يزيد الدين بمقدار من المال) ويؤخر الأجل إلى حين متفق عليه. وحجية تحريم الربا تنصرف إلى مجمل أسباب بعضها ظاهر للعيان مثل دور الربا الخطير في تقويض الأمة الإسلامية ونهب خيراتها لصالح المستعمر الدخيل، وافقار أهلها، وتدمير هيكل القيم ونسف المبادىء والأخلاق الحميدة وبعضها خفي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

    وليس معنى هذا ان المصرف الإسلامي لا يهدف إلى تحقيق الربح، بل انه يهدف إليه ويعمل على انمائه ولكن في اطار ضوابط إسلامية محددة يتحدد من خلالها مصدر الربح، وان يكون هذا الربح عادلاً غير مغالى فيه، لا تشوبه شائبة استغلال، ولا يكون مصدره أي غبن واحتكار، بل من خلال صيغ استثمار إسلامية حقيقية يتضافر فيها كل عناصر الانتاج بشكل فعال. وتستعيض المصارف الإسلامية عن أسلوب الفائدة بأسلوب المشاركة والذي يقوم على توزيع مخاطر العمليات الاستثمارية بين الأطراف (الممول وطالب التمويل ) ، فالممول مشارك لطالب التمويل في العملية الإنتاجية وما نتج عنها من أرباح وخسائر ، لذا فهو يحصل على عائد مرتفع إذا ربح المشروع ويشارك في الخسارة في حالة حدوثها فلا يوجد ضمان للعائد أو رأس المال كما تنص القاعدة الشرعية ( الغُنم بالغُرم ).

    (ج) حسن اختيار من يقومون على إدارة الأموال:
    يتعين على البنك الإسلامي ان يبذل كافة الجهود اللازمة للتأكد من حسن اختيار الأفراد الذين سيتولون إدارة الأموال سواء من بين موظفيه، أو من بين عملائه الذين سيتم إتاحة الاموال لهم لإدارتها، حيث لا يجب ان يوكل أمر إدارة هذه الأموال لمن لا يصلح للقيام بهذه المهمة أعمالاً لقول الله سبحانه وتعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم). وتقتضي إدارة هذه الأموال الرشادة في استخدامها، والحكمة في معالجتها لتحقيق النفع العام والخاص من هذا الاستخدام في اطار التوازن الانفاقي الرشيد الذي يحفظ المال ولا يبدده وفي الوقت ذاته لا يكتنزه أو يحجبه عن التداول والمنفعة عملاً بقول الله سبحانه وتعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً). ومعنى هذا أيضاً أن يتم اختيار أرشد السبل لتوظيف المال وانمائه وإدارته إدارة رشيدة دون اسراف أو تقتير وبالشكل الذي يفي بحاجة الأفراد وحاجة المجتمع الإسلامي.



    (د) عدم أكل مال الناس بالباطل:
    يعرف أكل أموال الناس بالباطل بخلاف الربا بصور من المعاملات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي بموجبها يتم الحصول على الأموال بدون وجه حق ومن أهم تلك الطرق السرقة، وخيانة الأمانة، والقمار، والغصب، والابتزاز، والتهديد، والنصب ... الخ. وهي كلها أفعال محرمة لا يجوز للبنوك الإسلامية أن تقع فيها أو حتى في التصرفات التي تحتمل البهتان تسليما بقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم). وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون).

    (هـ) الصراحة والصدق والوضوح في المعاملات:
    يلتزم البنك الإسلامي في معاملاته بالصدق والصراحة والوضوح والمكاشفة التامة بين البنك والمتعاملين معه وكذا المتعاملين فيه طالما كانت هذه المعاملات خاصة بالعميل ذاته وليس بغيره من العملاء أعمالاً لقول الحق عز وجل: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون). ومن هنا فانه ليس من المقصود بالصراحة والمكاشفة اعلان اسرار العميل للغير، بل ان البنوك الإسلامية تحافظ على سرية معاملات عملائها ولا تسعى للاضرار بهم وبمصالحهم في اطار الشرعية الدينية والقانونية الحاكمة لنظام المعاملات المصرفية.
    وهناك هيئة الرقابة الشرعية في البنك الإسلامي يتم اختيار أفرادها من كبار علماء المسلمين وبعض علماء الاقتصاد الإسلامي تقوم بمتابعة كافة أعمال البنك لتتأكد من انها تتم في اطار أحكام الشريعة الإسلامية.

    (و) عدم حبس المال وحجبه عن التداول واكتنازه:
    يتعين على البنك الإسلامي أن يعمل على تنمية المال واثماره باعتباره مستخلفاً فيه ووكيلاً عن أصحابه وتوظيفه التوظيف الفعال لصالح المجتمع، وباعتباره أصلاً من أصوله التي يتعين تنميتها واثمارها وليس اكتنازها أو حجبها وحرمان المجتمع والأفراد الذين في حاجة إليها منها تجنباً لغضب الله سبحانه وتعالى وابتعاداً عن نواهيه عز وجل وخوفاً من قوله سبحانه وتعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون). فحبس المال تعطيل لوظيفته في توسيع ميادين الانتاج وتهيئة سبل العمل وتوفير مجالات الرزق وإصلاح الأمة، وهي جميعها أمور تحتاج إلى إنطلاقة المال في المجالات الشرعية المنصوص عليها دون غلو أو تبذير أو إسراف، بل في اطار رشادة فكرية وعلمية تستثمر فيها أموال المسلمين في المجالات التي تنفع المسلمين.

    ويرتبط بهذا أيضاً ضرورة الانفاق، والآيات التي تأمر بالانفاق كثيرة من بينها:(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة). وقد اشترط الله سبحانه وتعالى أن يكون الانفاق في غير إسراف ولا تبذير (والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً). وقوله سبحانه وتعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). وقد وضع الله سبحانه وتعالى الجزاء للمنفقين: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم).

    (ز) خضوع المعاملات المصرفية للرقابة الإسلامية الذاتية والخارجية:
    فالرقابة الإسلامية رقابة ذات شقين، شق ذاتي من داخل الفرد ذاته ومن وحي ضميره ومن خلال تمسكه بدينه وخوفه من اغضاب الله عز وجل وشق آخر خارجي من خلال هيئة رقابة شرعية يتم اختيار أفرادها من التقاة الراسخين في علوم الدين المشهود لهم بالنزاهة الشديدة والحرص. بل يمكن القول ان الرقابة في المصارف الإسلامية هي رقابة شاملة محاورها متعددة تضم، رقابة من الفرد على ذاته، ومن الفرد على العمل المصرفي الذي يتم، ومن المسئول عن العمل المصرفي على النشاط الاقتصادي الذي يتم تمويله، ومن الهيئة الرقابية الشرعية على كافة النشاط والأعمال المصرفية التي تتم، ومن الله سبحانه وتعالى على الجميع. ومن هنا تتشكل الطبيعة التكاملية للبنوك الإسلامية التي تجعل منها نمطاً فريداً من التفاعل والتكامل والاتساق والتوافق مع احتياجات الأفراد والمجتمع الإسلامي الحميد.

    (ح) أداء الزكاة المفروضة شرعاً على كافة معاملات البنك ونتائج الأعمال:
    لتطهير المال وتنميته وطرح البركة فيه وفي الوقت ذاته لتعميق الحس الديني، وتحقيق الأهداف الاجتماعية للبنك، وفي الوقت ذاته مراعاة التوازن بين الأهداف التجارية الاستثمارية للبنك وبين الأهداف الاجتماعية له، وفي الوقت ذاته لتطهير المال من أي معاملات مشكوك فيها أعمالاً لقوله سبحانه وتعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها). ومن هنا فان البنوك الإسلامية تقوم بتحصيل وتوزيع زكاة أموالها وأموال عملائها ومن يرغب من المسلمين، وتقوم البنوك الإسلامية بانفاقها في مصارفها الشرعية التي حددها الله سبحانه وتعالى في قوله (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).

    (ط) تحقيق التوازن بين مجالات التوظيف المختلفة:
    والتوازن يتم بين مجالات التوظيف قصير الأجل ومتوسط الأجل وطويل الأجل، وبين مناطق التوظيف المختلفة، حيث يتحقق التوازن الجغرافي، وفي الوقت ذاته توازن في مجال التوظيف وفقاً للأولويات الإسلامية. - الضروريات. - الحاجات.
    - الكماليات.



    خامسا؛ مهام المصارف الإسلامية .

    المصارف الإسلامية هي مؤسسات مالية منظمة واهم الأعمال التي تقوم بها هي :

    أولا : حشد الموارد وتعبئة مدخرات المجتمع
    يعد تجميع الأموال وحشد المدخرات إحدى وظائف المصارف الإسلامية التي تقوم بها ودائعها بمختلف أنواعها ( ادخارية - استثمارية ) . ورغم تشابه هذه الوظيفة بين كل من المصارف الإسلامية- والتقليدية إلا أن حقيقة العلاقة فيما بينهما مختلفة فالعلاقة في المصارف التقليدية تقوم على أساس القرض ( علاقة الدائن بالمدين ) بينما تقوم العلاقة في المصارف الإسلامية على أساس عقد المضاربة الفقهي سواء كانت مطلقة أم مقيدة ، فرب المال هم المودعون والمضارب هو المصرف والعائد المتحقق يتم تقاسمه بينهما حسب النسبة المتفق عليها في العقد .

    ثانيا : توظيف الموارد وتنميتها
    تقوم المصارف الإسلامية بتوظيف مواردها في اوجه الاستثمار المختلفة وفقا للشريعة الإسلامية وإعمار الأرض وذلك من خلال تطبيق أساليب التمويل الإسلامية ( كالمرابحة ، المشاركة ، السلم ، الإجارة ، الاستصناع  .. الخ )  وتحكم عملية توظيف الأموال مراعاة الأهداف التالية :

    1- تحقيق عوائد مرتفعة لأصحاب الودائع
    2- المحافظة على سيولة نقدية لمواجهة طلبات السحب
    3- تقليل مخاطر الاستثمار
    4- تعظيم العائد الاجتماعي
    ثالثا : تقديم الخدمات المصرفية
    تقوم المصارف الإسلامية بأداء جميع الخدمات المصرفية كما في البنوك التقليدية وذلك نظير اجر محدد مثل  إصدار الشيكات - الاعتمادات المستندية - الحوالات - بيع وشراء العملات - الاكتتاب في الشركات المساهمة - الصرف الآلي - خدمات أمناء الاستثمار  .. الخ

    ويمكن إيجاز أهم الإنجازات التي حققتها المصارف الإسلامية خلال الأعوام السابقة ما يلي :

    1- ابتكار أدوات وآليات مصرفية شرعية :
    نجحت المصارف الإسلامية في ابتكار أدوات مصرفية تقوم على أسس شرعية من أهمها :

    - صناديق الاستثمار ( العقار - الأسهم - الإجارة ...)
    - صكوك الاستثمار ( الإجارة - القرض - الانتفاع - السلم )
    - الطروحات الخاصة / الشهادات الاستثمارية
    - السوق الثانوي للتداول
    - بطاقات الائتمان الإسلامية

    وكان للأدوات المالية السابقة دورا في جذب مدخرات العالم الإسلامي حيث تجاوزت ودائع المصارف الإسلامية في عام 2004 م ( 150 مليار دولار ) حسب بيانات المجلس العام للبنوك الإسلامية.

    2- المساهمة في التنمية الاقتصادية للدول الإسلامية
    لقد ساهمت المصارف الإسلامية في خطط التنمية في دول العالم الإسلامي من خلال المساهمة في إنشاء وتمويل المشروعات الاقتصادية في مختلـف المجالات ( الصحة ، التعليم والإعلام  ، الزراعة ، الصناعة ، الخدمات ) كما كان لها دورا مميزا في توظيف الأموال المكتنزة والتي كانت عاطلة عن المشاركة في النشاط الاقتصادي بسبب عزوف شريحة كبيرة من أفراد المجتمع عن التعامل مع المصارف التقليدية ، ويقدر حجم استثمارات المصارف الإسلامية بأكثر من 300 مليار دولار حسب إحصائية المجلس العام للبنوك الإسلامية لعام 2004 م .

    3- المساهمة في التنمية الاجتماعية
    كان للمصارف الإسلامية دورا هاما في تنمية المجتمع من خلال أعمالها في تمويل المشروعات الخيرية عن طريق تخصيص صناديق متخصصة مثل مؤسسات التعليم والمساجد والمستشفيات والمشروعات السكنية ودور الأيتام ، ومشاريع الخدمة الاجتماعية وذَلِكَ من موارد الزكاة والصدقات الجارية والتبرعات والأوقاف والقروض الحسنة .



    سادسا؛ أهمية وجود المصارف الإسلامية في المجتمع .

    للمصارف الإسلامية أهمية كبيرة لأنها أوجدت نوعا من التعامل المصرفي لم يكن موجوداً قبل ذلك في القطاع المصرفي التقليدي. فقد أدخلت المصارف الإسلامية أسساً للتعامل بين المصرف والمتعامل تعتمد على المشاركة في الأرباح والخسائر بالإضافة إلى المشاركة في الجهد من قبل المصرف والمتعامل , بدلاً من أسس التعامل التقليدي القائم على مبدأ المديونية(المدين/الدائن) وتقديم الأموال فقط دون المشاركة في العمل. كما أوجدت المصارف الإسلامية أنظمة للتعامل الإستثماري في جميع القطاعات الإقتصادية وهي صيغ الإستثمار الإسلامية ( المرابحة / المشاركة / المضاربة / الإستصناع / التأجير /……. ) إلى غير ذلك من أنواع صيغ الإستثمار التي تصلح للإستخدام في كافة الأنشطة .

    وترجع أهمية وجود المصارف الإسلامية إلى مايلي:
    1- تلبية رغبة المجتمعات الإسلامية في إيجاد قنوات للتعامل المصرفي بعيداً عن إستخدام أسعار الفائدة.
    2- إيجاد مجال لتطبيق فقة المعاملات في الأنشطة المصرفية.
    3- تعد المصارف الإسلامية التطبيق العملي لأسس الإقتصاد الإسلامي.

    ان الالتزام العقيدي يلزم البنك الإسلامي منذ البداية بالتزامات في شكل وطريقة اتقاء العاملين فيه، وفي تخطيط وتشكيل الهيكل التنظيمي له، بل وفي المسئوليات والعلاقات الوظيفية بين الأفراد. فحيث يقرر الالتزام العقيدي أن النفس لا تكلف إلا ما في وسعها فانه يلفت نظر البنك إلى ذلك التفاوت بين الناس في الامكانات والقدرات ومن ثم يوجب عليه أن يتيح الفرصة العادلة المتكافئة للناس ليختار من بينهم الاصلح والاقدر على العمل فيه.. وذلك يؤسس ويعمق مشاعر الاحساس بالعدالة بين أفراد المجتمع، ويؤسس الاطمئنان إلى أن مواهب الله الطبيعية هي وحدها _وليس غيرها _ المعيار الذي يقوم على أساسه التفضيل.

    وحيث يقرر الالتزام العقيدي أنه (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فاذا عزمت فتوكل على الله، ان الله يحب المتوكلين). فان هذا الالتزام يوجب على البنك في تشكيل هيكله التنظيمي أن يتوفر في قياداته ما أوجبه الإسلام من صفات العدل والرحمة وعدم الاستبداد بالرأي وطلب المشورة وتحري مصلحة المرؤوسين والنصح لهم، وأن يراعي في علاقاته التنظيمية ما أوجبه الإسلام من مبادىء في العلاقات الانسانية بين الرؤساء والمرؤوسين.

    وحيث يقرر الالتزام العقيدي (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)، فان ذلك يلفت نظر البنك إلى أن مفهوم السلطة في الجهاز التنظيمي للبنك محدوداً ومقيداً، منظماً ومضبوطاً بأن الطاعة انما تكون في غير معصية. وحيث يوجب الالتزام العقيدي نشر الدعوة وعدم كتمان الحق، فان ذلك يلفت نظر البنك الإسلامي إلى أن يهيىء العاملين فيه بكل وسائل التهيئة المعرفية والموعظة الحسنة.وحيث يقرر الالتزام العقيدي صفات اساسية للمسلم كالإيمان واقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر والصدق (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون).

    فان ذلك يلفت نظر البنك إلى اتخاذ التدابير التي تلزم لتوفير هذه الصفات في العاملين فيه وفي قياداته، وإلى غرس هذه الصفات وتنميتها وتعميقها والتأكيد على سيادة التعامل بها بين العاملين وبعضهم، وبينهم وبين الناس. وهكذا يعمل البنك الإسلامي منذ البداية وفي محيطه الداخلي على عدد من محاور التنمية الاجتماعية. فإذا انتقلنا إلى عمليات البنك الإسلامي، وجدنا كنقطة بداية أن الالتزام العقائدي يوجب على البنك الا يتعامل بالربا..

    فماذا يعني ذلك في مجال التنمية الاجتماعية؟
    - أنه يعني أولا وقبل كل شيء تطبيق منهج الله في المجتمع بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار على النمو الاجتماعي للأفراد.
    - انه يعني مساعدة الفرد على أن يمارس الجانب الاقتصادي من عقيدته.
    - انه يعني اطفاء الصراع الذي يمكن أن يدور في نفسه من جراء تناقض ممارساته العملية مع معتقداته الدينية.
    - انه يعني توفير راحة الضمير وهدوء البال للفرد في علاقته مع نفسه وعلاقاته مع الآخرين.
    - انه يعني القضاء على الازدواجية في الشخصية المسلمة بين القول والعمل.
    - انه يعني غرس وتعميق المعايير والقيم الروحية لدى الفرد.
    - انه يعني كمحصلة عامة تحقيق التوافق الداخلي للفرد وتحقيق التوافق بينه وبين المجتمع، الأمر الذي يعني أن يسير المجتمع إلى الصورة التي يقل فيها الصراع إلى أقل حد ممكن.

    والالتزام العقيدي للبنك الإسلامي بعدم التعامل بالربا في مجال التوظيف يوجب على البنك الإسلامي تركيز الاهتمام على الاستثمار المباشر وعلى التمويل بالمشاركة غنماً وغرماً.
    فماذا يعني في مجال التنمية الاجتماعية اهتمام البنك الإسلامي بالاستثمار المباشر؟ ان الالتزام العقائدي للبنك يوجب عليه بشكل عام في مجال الاستثمار _مباشر أو غير مباشر _ مجموعة من التحديدات سلف أن أشرنا اليها، منها الاعتبار الاجتماعي، ومنها ادخال المكاسب الاجتماعية والمكاسب النفسية بين حساباته عند دراسة جدوى المشروعات، ومنها الاهتمام بالمشروعات التي تستجيب للحاجات السوية للانسان، ومنها التنمية المتوازنة في كل القطاعات.. وهكذا يضفي الالتزام العقائدي على استثمارات البنك معناها الحقيقي وقيمتها العظمى في تنمية المجتمع.
    أما ماذا يعني في مجال التنمية الاجتماعية قيام البنك بالمشاركة في التمويل؟ أنه يعني قيام البنك في التنمية بدور إيجابي.. دور الشريك لا دور الوسيط.. والفرق بين الدورين بيّن واضح، ان الشريك يتحمل مسئولية كاملة في دراسة المشروعات وادارتها والسهر عليها ورعايتها والعمل على انجاحها، لان نجاحه هو.. يتوقف على نجاح تلك المشروعات. كما وأن التضامن الذي يقوم عليه عقد المشاركة يجعل البنك الإسلامي يهتم بالناحية الأخلاقية والكفاءة المهنية لدى شريكه أكثر مما يبحث في مقدرته المالية، فهو يستطيع أن يقدم ماله لمن يثق في كفاءته ولو كان فقيراً.. ان عقد المشاركة يجسد عملياً دخول العنصر الأخلاقي في الاقتصاد والمعاملات.
    أما الجانب الثالث من أنشطة البنوك الإسلامية، فهو دعوتها إلى ايتاء الزكاة والقيام بجمعها وانفاقها في مصارفها الشرعية، ودور الزكاة في التنمية الاجتماعية غني عن البيان، فقد قيل فيه وعنه الكثير غير اننا نود ان نشير فقط إلى أن صورة الزكاة قد بهتت في حس أجيالنا المعاصرة حتى أصبحت الاجيال تحسبها أحساناً فردياً هزيلاً، وحتى كادت الزكاة أن تصبح فريضة مهجورة لولا اهتمام البنوك الإسلامية بالاسهام في احياء الدعوة لايتائها.
    وأبسط ما يقال عن المعنى الحركي للدعوة إلى الزكاة واحيائها ودور ذلك في التنمية الاجتماعية أن الزكاة هي النتيجة الحتمية للموقف الايجابي الذي يتخذه المسلم حيال قضية الانتاج أو النشاط الاقتصادي النافع، فكأن إيمان المسلم لا يكتمل إلا اذا حقق انتاجاً اقتصادياً يسد حاجاته أولا ثم يزيد عن ذلك، ويتوافر فيه النصاب، ثم يزيد عن النصاب، أو يتحقق فائض من الانتاج أو الدخل. هذا الفائض هو "مطرح الزكاة".
    ويزيد من وضوح دور الزكاة في التنمية الاجتماعية أن "الفهم الصحيح للزكاة ليس هو مجرد سد جوع الفقير أو اقالة عثرته بدريهمات، وانما وظيفتها الصحيحة تمكين الفقير من اغناء نفسه بنفسه بحيث يكون له مصدر دخل ثابت يغنيه عن طلب المساعدة من غيره، ولو كان هذا الغير هو الدولة فمن كان من أهل الاحتراف أو الاتجار أعطى من صندوق الزكاة ما يمكنه من مزاولة مهنته أو تجارته، بحيث يعود عليه من وراء ذلك دخل يكفيه بل يتم كفايته وكفاية اسرته بانتظام".

    وشروط نجاح البنك الإسلامي في أداء دوره في التنمية الاجتماعية:

    1_ ضرورة التزام البنك الإسلامي التزاماً كاملاً بأحكام الشريعة الإسلامية التي قام عليها وهي الإسلام.. قولاً وعملاً، شكلاً ومضموناً، التزامه بمبادىء الإسلام في تكوين رأس ماله، في انتقائه للعاملين به، وتنظيماته ولوائحه، في طريقة تعبئته لموارده، في طريقة وأساليب توظيفه لأمواله.
    2_ التحري الدقيق في اختيار قيادات البنك بما يضمن أن تكون هذه القيادات نماذج حية للشخصية المسلمة الواعية، المؤمنة بقضيتها.
    3_ الوضوح الفكري لمهمة ووظيفة البنك الإسلامي لدى كل العاملين في البنك من الادارة العليا إلى أدنى مستوى تنفيذي.
    4_ توفر الوعي الاستراتيجي لدى قيادات البنك بالقدر الذي يقابل عظمة المهمة التي يقومون بها.
    5_ قيام قيادات البنك باعداد تخطيط واضح للأهداف، واعداد برامج العمل اللازمة لتحقيقها.
    6_ التقويم المستمر للاداء والنتائج.
    7_ العمل على انتشار وحدات البنك حتى مستوى الحي ما أمكن ذلك يبقى بعد ذلك الاشارة إلى نقطة ذات أهمية بالغة، تلك هي أن البنوك الاسلامية مطالبة بالاهتمام باجراء بحوث ميدانية لتأكيد الاثبات العملي لدور البنوك الإسلامية في التنمية الاجتماعية وللتعرف على أكثر الطرق والوسائل فعالية في احداث هذه التنمية والاسراع بها.



    سابعا؛ أهداف المصارف الإسلامية .

    إنطلاقا من حاجة المجتمع الإسلامي والفرد المسلم إلى أن يجد ملاذاً للتعامل المصرفي والإستثماري بعيداً عن شبهة الربا, فإن رسالة المصارف الإسلامية هي:(تقديم الخدمات المصرفية والإستثمارية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية)
    في سبيل تحقيق رسالته نرى ان اهدافه تقسم الى:

    أولا : الأهداف المالية.
    إنطلاقاً من أن المصرف الإسلامي في المقام الأول مؤسسة مصرفية إسلامية تقوم بأداء دور الوساطة المالية بمبدأ المشاركة, فإن لها العديد من الأهداف المالية التي تعكس مدى نجاحها في أداء هذا الدور في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية, وهذه الأهداف هي :

    1- جذب الودائع وتنميتها :
    يعد هذا الهدف من أهم أهداف المصارف الإسلامية حيث يمثل الشق الأول في عملية الوساطة المالية. وترجع أهمية هذا الهدف إلى أنه يعد تطبيقاً للقاعدة الشرعية والأمر الإلهي بعدم تعطيل الأموال وإستثمارها بما يعود بالأرباح على المجتمع الإسلامي وأفراده , وتعد الودائع المصدر الرئيسي لمصادر الأموال في المصرف الإسلامي سواء كانت في صورة ودائع إستثمار بنوعيها؛ المطلقة – والمقيدة « , أو ودائع تحت الطلب ؛ الحسابات الجارية « أو ودائع إدخار وهي مزيج من الحسابات الجارية وودائع الإستثمار .

    2- إستثمار الأموال :
    يمثل إستثمار الأموال الشق الثاني من عملية الوساطة المالية , وهو الهدف الأساسي للمصارف الإسلامية حيث تعد الإستثمارات ركيزة العمل في المصارف الإسلامية والمصدر الرئيسي لتحقيق الأرباح سواء للمودعين أو المساهمين , وتوجد العديد من صيغ الإستثمار الشرعية التي يمكن إستخدامها في المصارف الإسلامية لإستثمار أموال المساهمين والمودعين , على أن يأخذ المصرف في إعتباره عند إستثماره للأموال المتاحة تحقيق التنمية الإجتماعية .

    3- تحقيق الأرباح :
    الأرباح هي المحصلة الناتجة من نشاط المصرف الإسلامي , وهي ناتج عملية الإستثمارات والعمليات المصرفية التي تنعكس في صورة أرباح موزعة على المودعين وعلى المساهمين, يضاف إلى هذا أن زيادة أرباح المصرف تؤدي إلى زيادة القيمة السوقية لأسهم المساهمين .
    والمصرف الإسلامي كمؤسسة مالية إسلامية يعد هدف تحقيق الأرباح من أهدافه الرئيسية , وذلك حتى يستطيع المنافسة والإستمرار في السوق المصرفي , وليكون دليلا على نجاح العمل المصرفي الإسلامي.

    ثانيا : أهداف خاصة بالمتعاملين
    للمتعاملين مع المصرفي الإسلامي أهداف متعددة يجب أن يحرص المصرف الإسلامي على تحقيقها هي على النحو التالي :

    1- تقديم الخدمات المصرفية :
    يعد نجاح المصرف الإسلامي في تقديم الخدمات المصرفية بجودة عالية للمتعاملين , وقدرته على جذب العديد منهم , وتقديم الخدمات المصرفية المتميزة لهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية يعد نجاحاً للمصارف الإسلامية وهدفاً رئيسياً لإدارتها .

    2- توفير التمويل للمستثمرين :
    يقوم المصرف الإسلامي بإستثمار أمواله المودعة لديه من خلال أفضل قنوات الإستثمار المتاحة له عن طريق توفير التمويل اللازم للمستثمرين , أو عن طريق إستثمار هذه الأموال من خلال شركات تابعة متخصصة , أو القيام بإستثمار هذه الأموال مباشرة سواء في الأسواق (المحلية , الإقليمية, الدولية).

    3- توفير الأمان للمودعين :
    من أهم عوامل نجاح المصارف مدى ثقة المودعين في المصرف, ومن أهم عوامل الثقة في المصارف توافر سيولة نقدية دائمة لمواجهة إحتمالات السحب من ودائع العملاء خصوصاً الودائع تحت الطلب دون الحاجة إلى تسييل أصول ثابتة. وتستخدم السيولة النقدية في المصارف في الوفاء باحتياجات سحب الودائع الجارية من ناحية وإحتياجات المصرف من المصروفات التشغيلية بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم للمستثمرين

    ثالثا : أهــداف داخلية
    للمصارف الإسلامية العديد من الأهداف الداخلية التي تسعى إلى تحقيقها منها:

    1- تنمية الموارد البشرية :
    تعد الموارد البشرية العنصر الرئيسي لعملية تحقيق الأرباح في المصارف بصفة عامة , حيث أن الأموال لا تدر عائداً بنفسها دون إستثمار , وحتى يحقق المصرف الإسلامي ذلك لابد من توافر العنصر البشري القادر على إستثمار هذه الأموال , ولابد أن تتوافر لديه الخبرة المصرفية ولايتأتى ذلك إلا من خلال العمل على تنمية مهارات أداء العنصر البشري بالمصارف الإسلامية عن طريق التدريب للوصول إلى أفضل مستوى أداء في العمل .

    2 – تحقيق معدل نمو :
    تنشأ المؤسسات بصفة عامة بهدف الإستمرار وخصوصاً المصارف حيث تمثل عماد الإقتصاد لأي دولة, وحتى تستمر المصارف الإسلامية في السوق المصرفية لابد أن تضع في اعتبارها تحقيق معدل نمو , وذلك حتى يمكنها الإستمرار والمنافسة في الأسواق المصرفية .

    3- الإنتشار جغرافيا وإجتماعيا :
    وحتى تستطيع المصارف الإسلامية تحقيق أهدافها السابقة بالإضافة إلى توفير الخدمات المصرفية والإستثمارية للمتعاملين , لابد لها من الإنتشار, بحيث تصل إلى مختلف فئات المجتمع, وتوفر لجمهور المتعاملين الخدمات المصرفية في أقرب الأماكن لهم, ولا يتم تحقيق ذلك إلا من خلال الإنتشار الجغرافي في المجتمعات.

    رابعا: أهداف ابتكارية :
    تشتد المنافسة بين المصارف في السوق المصرفية على اجتذاب العملاء سواء أصحاب الودائع ؛ الإستثمارية , الجارية (أو المستثمرين). وهي في سبيل تحقيق ذلك تقدم لهم العديد من التسهيلات بالإضافة إلى تحسين مستوى أداء الخدمة المصرفية والإستثمارية المقدمة لهم, وحتى تستطيع المصارف الإسلامية أن تحافظ على وجودها بكفاءة وفعالية في السوق المصرفية لابد لها من مواكبة التطور المصرفي وذلك عن طريق ما يلي :

    1- إبتكار صيغ للتمويل :
    حتى يستطيع المصرف الإسلامي مواجهة المنافسة من جانب المصارف التقليدية في اجتذاب المستثمرين لابد أن يوفر لهم التمويل اللازم لمشاريعهم المختلفة , ولذلك يجب على المصرف أن يسعى لإيجاد الصيغ الإستثمارية الإسلامية التي يتمكن من خلالها من تمويل المشروعات الإستثمارية المختلفة , بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

    2- إبتكار وتطوير الخدمات المصرفية :
    يعد نشاط الخدمات المصرفية من المجالات الهامة للتطوير في القطاع المصرفي. وعلى المصرف الإسلامي أن يعمل على إبتكار خدمات مصرفية لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. ويجب على المصرف الإسلامي ألا يقتصر نشاطه على ذلك, بل يجب عليه أن يقوم بتطوير المنتجات المصرفية الحالية التي تقدمها المصارف التقليدية بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.



    ثامنا؛ الخدمات المصرفية الإسلامية المعاصرة .

    لم تقف المصارف الإسلامية مكتوفة الأيدي أمام التطور الهائل الذي تشهده الساحة المصرفية، بل سعت إلى مواكبة هذه التطورات بكفاءة واقتدار ووفرت للمتعاملين معها معظم الخدمات إن لم نقل جميع الخدمات التي توفرها المصارف التقليدية؛ بل العجيب في الأمر أن المصارف التقليدية اتجهت في الآونة الأخيرة لتطبيق النموذج الإسلامي في معظم خدماتها الائتمانية. ويمكن أن نتناول هذه الظاهرة من خلال طرحنا لبعض الخدمات المصرفية الإسلامية التي تقدمها البنوك.

    أولاً: البطاقة الائتمانية
    كانت البطاقة الائتمانية في المصارف التقليدية تقدم في شكل قرض بفائدة حيث يتمكن صاحب البطاقة من استخدام الحد الممنوح له بموجبها في شراء أغراضه من الأسواق دون أن يكون في حسابه الجاري مقابل نقدي، وعند حلول الأجل يضاف إلى قيمة السحب فائدة نظير استخدام القرض وعند التأخير تحسب قيمة إضافية مع الفائدة. ولكن هيئات الرقابة الشرعية جعلت لذلك ضوابط وشروطاً تحول دون الوقوع في شبهات الربا أوالغرر فجعلت للبطاقة الائتمانية أصولاً خاصة للتعامل.

    ثانياً: بيع التقسيط
    البيع بالتقسيط من أشهر وأقدم صيغ التمويل التي تقدمها المصارف الإسلامية لعملائها، ويقوم على مبدأ تملك البنك للسلعة المطلوبة ومن ثم بيعها للعميل بالأجل بثمن شرائها مع ربح معلوم. والبيع بالتقسيط هو مصطلح يطلق في الأوساط العامة ولكنه في الواقع يشمل مجموعة من المعاملات البيعية التي تتميز كل واحدة منها في الفقه الإسلامي بسمات معينة وخصائص تميزها عن الأخرى. ومن هذه المعاملات بيع المساومة وبيع المرابحة للواعد بالشراء وبيع الاستصناع، حيث تلتقي جميع هذه المعاملات في كونها بيوع يؤجل فيها الثمن إلى ما بعد التسليم ويدفع في أقساط تكون في الغالب متساوية إلى أجل محدد. وقد تسابقت البنوك التجارية السعودية في تقديم هذه الخدمة لعملائها في مجال العقار والسيارات بأسماء مختلفة؛ فيسمي البنك السعودي البريطاني هذا النوع من المعاملات بتسهيلات البيع بالمرابحة، وتسميه شركة الراجحي المصرفية للاستثمار بالمتاجرة والتمويل.

    ثالثاً: صناديق الاستثمار
    تختلف فكرة صناديق الاستثمار عن الخدمتين السابقتين في أنها تعتبر خدمة لتوظيف الأموال للمستثمرين الذين ليست لديهم مشاريع مدروسة أو خطط استثمارية أو دراية بهذا المجال، بينما تقدم الخدمتان السابقتان لتمويل الأفراد أو المؤسسات الراغبة في القيام بأعمال أو مشاريع يكونون بموجبها في حاجة إلى المال.
    وتعتبر فكرة الصناديق الاستثمارية خدمة راقية لأنها تقدم للمستثمرين العاجزين عن الاستثمار أو الراغبين في الاستثمار بواسطة الغير حلولاً سهلة ومريحة تمكنهم من الحصول على عوائد مالية معقولة دون بذل جهود مباشرة. وتقوم فكرة الصناديق الاستثمارية الإسلامية على عقد المضاربة الشرعية أو الإجارة بضوابطهما المقررة شرعاً عند الفقهاء ويحصل كل طرف على نسبة محددة من الأرباح التي يرزق بها الله تعالى المشاريع المستثمر فيها.

    الخدمات المصرفية في المصارف الإسلامية

    تعد الخدمات المصرفية في المصارف بصفة عامة الواجهة الرئيسية للمتعاملين مع المصرف ووسيلة هامة لجذب المتعاملين الجدد والمحافظة علي المتعاملين الحاليين , فهي بوابة العبور للتعامل في أنشطة المصرف المختلفة. كما ترجع أهمية الخدمات المصرفية إلي أن الإيرادات الناشئة عنها {إيرادات منخفضة مخاطر } . ويقدم المصرفي الإسلامي كافة الخدمات المصرفية التي يقدمها البنك التقليدي فيما عدا الخدمات المصرفية التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية والتي تستخدم أسعار الفائدة في تنفيذ تلك الخدمات . وتنقسم الخدمات المصرفية المقدمة بالمصارف الإسلامية إلي نوعين هما :

    1 - خدمات مصرفية تتضمن عمليات إئتمانية.
    2 - خدمات مصرفية لا تتضمن عمليات إئتمانية.

    فالخدمات المصرفية التي تتضمن عمليات إئتمانية تخضع لعمليات الدراسات الإئتمانية. فيتم تنفيذها بالمصارف الإسلامية كعمليات إستثمارية . أما الخدمات المصرفية التي لا تتضمن عمليات إئتمانية فيتم تنفيذها كخدمة مصرفية يتم أخذ عمولة أجر مقابل تقديم الخدمة . وسوف يتم تناول الخدمات المصرفية التي لا تتضمن عمليات إئتمانية وذلك من حيث تعريف الخدمة وتخريجها الشرعي وأسلوب تنفيذها بالمصارف الإسلامية.

    أولا ً: الاعتمادات المستندية:-
    ثانياً: خطابات الضمان:-
    ثانياً: خطابات الضمان:-
    رابعاً: الأوراق التجارية:-
    خامساً: الصرف الأجنبي:-
    سادساً: السحب على المكشوف:-
    سابعا: تأجير الخزائن:-
    ثامناً: (بطاقات الفيزا):-
    تاسعاً: الحوالات:-
    عاشراً: بيع وشراء الشيكات السياحية:-
    حادي عشر: الحسابات الجارية:-

    أولا ً: الاعتمادات المستندية:-
    تعد الإعتمادات المستندية من أهم الخدمات المصرفية التي تقدمها المصارف بصفة عامة , حيث تعد أساس الحركة التجارية (الإستيراد - التصدير ) في كافة أنحاء العالم والتي تنفذ من خلال شبكة المراسلين للمصارف حول العالم. ويعرف الإعتماد المستندي بأنه طلب يتقدم به المتعامل من أجل سداد ثمن مشتريات بضائع من الخارج, يقوم البنك بموجبه عن طريق المراسلين بسداد القيمة بالعملة المطلوب السداد بها .

    وتنفذ الإعتمادات المستندية بالمصارف من خلال أسلوبين هما :
    أ- الأسلوب الأول: وهو تنفيذ الإعتماد المستندي كخدمة مصرفية حيث يتم تغطيته بالكامل من قبل المتعامل , ويقتصر دور المصرف علي الإجراءات المصرفية لفتح الإعتماد لدي المراسل وسداد قيمة الإعتماد بالعملة المطلوبة.

    ب- الأسلوب الثاني: وهو تنفيذ الإعتماد المستندي كإئتمان مصرفي حيث يقوم المتعامل بسداد جزء فقط من قيمة الإعتماد ويقوم المصرف بإستكمال سداد قيمة الإعتماد كعملية إئتمانية.

    وتنفذ هذه العملية بالمصرف الإسلامي عن طريق إحدي قنوات الإستثمار (مرابحة - أو مشاركة الإعتمادات ) وفي حالة تنفيذ المصرف للإعتماد المستندي كخدمة مصرفية فهي خدمة جائزة شرعا تندرج تحت قواعد الوكالة والإجارة يتقاضي المصرف عن تأديتها أجرا. وفي حالة تنفيذها كعملية إستثمارية فهي تندرج تحت قواعد عقود البيوع والمشاركات .

    ثانياً: خطابات الضمان:-
    تعد خطابات الضمان من الأنشطة المصرفية الهامة , حيث أصبحت أداة للتعامل الإقتصادي الداخلي والخارجي علي حد سواء وخاصة في مجال التعاقدات والمقاولات . يعرف خطاب الضمان بأنه { تعهد كتابي يصدر من المصرف بناء علي طلب المتعامل بدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من المصرف خلال مدة محددة ويجوز إمتداد الضمان لمدة أخري وذلك قبل إنتهاء المدة الأولي }.

    وتوجد أنواع متعددة لخطابات الضمان منها :

    · خطاب ضمان إبتدائي
    · خطاب ضمان نهائي
    · خطاب ضمان دفعة مقدمة

    ويتم عادة قيام العميل بتغطية جزء من قيمة خطاب الضمان ( نسبة %) . والتكييف الشرعي لدي الفقهاء أن خطابات الضمان تتضمن أمرين (الوكالة, الكفالة). وقد اتفق المستشارون الشرعيون للمصارف علي عدم أخذ أجرة علي إصدار خطاب الضمان , وتري الهيئات الشرعية أن يتم إصدار خطاب الضمان في إحدي صور قنوات الإستثمار .

    ثالثاً:الأوراق المالية:-
    يقصد بالأوراق المالية الأسهم والسندات , والسهم يحصل صاحبه على عائد سنوي , أما السند فيحصل صاحبه علي فائدة ثابتة , ولذلك فإن المصارف الإسلامية لا تتعامل بالسندات . وتتضمن الخدمات المصرفية المتعلقة بالأسهم ما يلي :
    1- حفظ الأسهم: ويجوز للمصرف القيام بحفظ الأسهم للمتعامل ويتقاضي إجرا فهي كالوديعة .
    2- بيع الأسهم: يجوز للمصرف القيام ببيع وشراء الأسهم لصالح عملائه كوكيل عن العميل ويستحق مقابل ذلك أجرا .
    3- الإكتتاب: يجوز للمصرف أن يقوم بأداء عملية الإكتتاب للشركات الجديدة , وتكييفها الشرعي وكالة ويستحق المصرف عنها أجرا .
    4- صرف أرباح الأسهم: يجوز للمصرف صرف أرباح الأسهم نيابة عن الشركات وتكييفها الشرعي وكالة ويجوز للمصرف أخذ أجرا عنها .

    ولا يجوز للمصرف بصفة عامة التعامل في أسهم الشركات التي تبيع منتجات تخالف الشريعة ( السجائر - الخمور - ... ) .

    رابعاً: الأوراق التجارية:-
    تستخدم الأوراق التجارية (الكمبيالة, السند الإذني, الشيك ) بصفة عامة في الأعمال التجارية "{ كسند يثبت فيه المدين تعهدا للدائن بدفع مبلغ معين إما بنفسه أو عن طريق شخص آخر في تاريخ معين } وتستخدم الأوراق التجارية أداة للوفاء بالديون مقابل الغير بحيث يمكن تحويل المديونية من شخص لآخر. وجري العرف علي أن أكثر هذه الأوراق تداولا هي الكمبيالة. وتقوم المصارف التقليدية عادة بتقديم مجموعة من الخدمات المصرفية متعلقة بالأوراق التجارية وهي :
    1- تحصيل الأوراق التجارية : وهذه الخدمة من الناحية الشرعية جائزة ويتقاضي المصرف عنها عمولة أو أجر وتكييفها الشرعي وكالة.
    2- قبول الأوراق التجارية كضمان : لايوجد مانع شرعا من قبول الأوراق التجارية كضمان في بعض العمليات الإستثمارية إذا تم التأكد من صحة الأوراق التجارية المقدمة كضمان.
    3- حفظ الأوراق التجارية : وهذه الخدمة من الناحية الشرعية جائزه ويؤخذ عليه أجر مقابل الخدمة.
    4- خصم الأوراق التجارية : ومفهومها أن يتقدم المتعامل للمصرف بطلب تحصيل القيمة الحالية لكمبيالة تستحق بعد فترة بعد خصم مبلغ معين يتم احتسابه باستخدام سعر الفائدة وهو يمثل الفترة بين تاريخ الخصم وتاريخ الإستحقاق, وهذه العملية لا يجوز تنفيذها في المصارف الإسلامية لأنها تعتمد علي استخدام سعر الفائدة في تحديد القيمة الحالية للكمبيالة .

    خامساً: الصرف الأجنبي:-
    تعد عمليات الصرف الأجنبي أو ما يطلق عليه بيع وشراء العملات من الخدمات المصرفية الهامة وخاصة في مجال الإعتمادات المستندية وتسديد الإلتزامات المالية بالعملات المختلفة للمصارف الخارجية . وعمليات الصرف الأجنبي والعملة الأجنبية هي كل { عملة لدولة يتم تداولها خارج نطاق تلك الدولة } وعمليات الصرف الأجنبي من المعاملات الجائزة شرعا حيث يتم بيع وشراء العملة فورا وتسديدها للمراسل في حالة الإعتمادات المستندية أو تسليمها للمتعامل في حالة البيع النقدي. وتحصل البنوك مقابل ذلك علي أجر مقابل تحويل العملات للخارج, وتندرج تحت التكييف الشرعي عقد الوكالة , كما تستفيد المصارف أيضا من فرق العملة بين سعر الشراء وسعر البيع , ومن شروط صحة عمليات الصرف الأجنبي التقابض في مجلس الصرف .

    سادساً: السحب على المكشوف:-
    تقوم المصارف التقليدية بالسماح لعملائها بالسحب النقدي من حساباتهم الشخصية مقابل فائدة معينة, وهذه الخدمة لا تجوز بالمصارف الإسلامية حيث لا يتم التعامل بالفائدة أخذا أو إعطاء ا, ولكن في حالة كشف حساب المتعامل بمبلغ من المال مقابل مديونية فيعد هذا من قبيل القرض الحسن , وذلك يكون لمدة معينة.

    أما إذا كان هذا القرض قد تعدي لمدة أكبر فيتم دراستة وتنفيذه من خلال أحد قنوات الإستثمار الإسلامية وخاصة المشاركة والتي يمكن إستخدامها لتمويل رأس المال العامل.

    سابعا: تأجير الخزائن:-
    تعد هذه الخدمة من الخدمات المصرفية التي تقدم بالمصارف للعملاء لحفظ ممتلكاتهم من المجوهرات أو المستندات الهامة أو العقود ويحتفظ المتعامل بمفتاح خاص لهذه الخزينة لا يفتح إلا بمعرفته ومندوب المصرف. ويتقاضي المصرف أجرا مقابل ذلك وتكييفها الشرعي أنها عقد إجارة .

    ثامناً: بطاقات الفيز ا :-
    انتشرت في الأونة الأخيرة استخدام البطاقات الإئتمانية ( فيزا ) بديلا عصريا عن حمل النقود, لما لها من مزايا أمنية للتعامل, إضافة إلي سهولة إستخدامها وقبولها دوليا من كافة المؤسسات التجارية والخدمية. ويتقاضي المصرف مقابل تقديم هذه الخدمة رسوم تتمثل في تكاليف إصدار البطاقة ورسوم تدفع للشركة الدولية. وتستخدم هذه البطاقة في سداد قيمة مشتريات العملاء أو استخدامهم لخدمات الفنادق أو السفر بالطائرات أوما شابه ذلك.

    وتختلف المصارف الإسلامية عن المصارف التقليدية في نقطة هامة في استخدام بطاقات الفيزا وهي عملية استخدام البطاقة في السحب النقدي, فالمصرف التقليدي يتقاضي مقابل ذلك فائدة عن السحب النقدي, أما المصرف الإسلامي فإنه يشترط علي المتعامل عدم استخدامها في عمليات السحب النقدي إلا في أضيق الحدود, وفي حالة السحب النقدي لا يتقاضي المصرف أي فائدة بل يعتبر ذلك من قبيل القرض الحسن .

    تاسعاً: الحوالات:-
    يحتاج الكثيرمن العملاء بالمصارف إلي إجراء عملية تحويل أموال داخل البلد الواحد أو إلي بلاد أخري خارجية , ويتم تغطية هذه الخدمة إما عن طريق التحويلات البرقية أوالتلكس أو عن طريق شيكات تحصل في بلد المستفيد. وتندرج هذه الخدمات في العقد الشرعي الوكالة ويتقاضي المصرف مقابل ذلك أجرا.

    عاشراً: بيع وشراء الشيكات السياحية:-
    تقوم المصارف بتقديم هذه الخدمة لعملائها سواء شراء الشيكات السياحية الخاصة بهم أو بيع الشيكات السياحية الخاصة بالمصارف أو المؤسسات المالية الدولية مقابل عمولة متعارف عليها .والتكييف الشرعي لهذه الخدمة يندرج تحت عقد الوكالة يحصل المصرف مقابل ذلك علي أجر .

    حادي عشر: الحسابات الجارية:-
    يمكن القول أن الحسابات الجارية تعد أهم الخدمات المصرفية التي تقدمها المصارف للعملاء. ويتيح الحساب الجاري للعميل حفظ أمواله في المصرف مع إمكانية سحبها أو سداد أي إلتزام مالي عليه في أي وقت , سواء عن طريق إصدار شيكات للدائنين, أو السحب من رصيده مباشرة من خلال فروع المصرف أو من خلال ماكينات الصرف الآلي (ATM) والتي تعمل طوال اليوم , أو سداد قيمة مشتريات من خلال ماكينات نقاط البيع (P.O.S). وقد اختلف في التكييف الشرعي للحساب الجاري .. هل هو عقد وديعة أو عقد قرض وقد اتفق الفقهاء علي أن الحساب الجاري هو عقد قرض .

    وقد اتفق علي أن عوائد استثمار الحساب الجاري تضاف إلي عوائد المساهمين وليس للمودعين حصة فيها حيث أن المصرف ضامن لهذه الأموال وتقع مخاطر إستثمار هذه الأموال علي المصرف وليس علي المودع، طبقاً لقاعدة "الخراج بالضمان".



    تاسعا؛ أشكال الاستثمار في المصارف الإسلامية.

    يعد التسويق المصرفي محور نشاط البنوك ، وأداتها الرئيسية للتقدم وتحقيق النمو المتوازن لخدماتها . فالتسويق المصرفي ذو أهمية خاصة للبنوك حيث أن تطور العمل المصرفي و ازدياد نموه مرتهن بتوافر وعي تسويقي بالدرجة الأولى ، وتزداد أهميته في البنوك الإسلامية التي أخذت بالظهور حديثاً ، وذلك لحاجة العملاء المتزايدة لمثل هذه الخدمات ولجهلهم بها .

    ويعتبر العميل مفتاح العمل المصرفي، وإشباع رغباته يعد أهم عامل يجب أن تأخذه البنوك في اعتبارها ، فمتى استطاع البنك جذب اهتمام أكبر قاعدة من العملاء الحاليين والمرتقبين كان ذلك مؤشر على نجاح الخطط التسويقية التي يتبعها البنك ، أن المنتجات أو الخدمات المصرفية على اختلاف أنواعها رغم أنها مصممة لإشباع حاجات ورغبات العملاء إلا أنها غير ملموسة ، ولذا فأن هذا يحتاج إلى جهد اكبر من البنك حتى يتم تقديم وقبول تلك المنتجات لدى العملاء . ولهذا فأن إدارة التسويق في الجهاز المصرفي تعتبر هي المحرك الفعلي للعمليات المصرفية .

    إن العمل المصرفي بحاجة دائمة إلى تجديد و ابتكار خدمات ومنتجات مصرفية وتسويقية جديدة ،  وذلك لأن حاجات العملاء المادية والمعنوية متجددة بصفة مستمرة ، وكذلك لوجود المنافسة القوية بين البنوك على كسب أكبر قدر ممكن من العملاء. وتقوم المصارف الإسلامية بعمليات مختلفة تهدف جميعها إلى تدعيم التنمية في المجتمع ويأتي الاستثمار في مقدمة العمليات وللاستثمار الإسلامي طرقا وأساليب متميزة وعديدة تهدف كلها إلى تحقيق الربح الحلال ومن أبرز هذه الأساليب والأشكال .

    ـ عقد المرابحة :

    عقد بيع بين طرفين يتضمن قيام أحدهما ببيع سلعة " أو سلع " للطرف الثاني مقابل هامش ربح يضاف إلى الثمن الذي اشتراها به التاجر من السوق ، وبعد أن يتسلم الطرف الثاني السلعة يمكن أن يسدد ما هو مستحق عليه فورا أو على فترة ملائمة من الزمن ، كما يجري الاتفاق بينهما 0 وهي البيع بالثمن الذي اشتريت به السلعة مع ربح معلوم واتفق الفقهاء في المذاهب المختلفة على أمرين بالنسبة للمرابحة.

    الأول : بيان الثمن وما يدخل فيه ويلحق فيه .
    الثاني : زيادة ربح معلوم على الثمن . ومن شروط المرابحة :

    1-  أن يكون ثمن السلعة معلوما.
    2-  أن يكون الربح معلوما للبائع والمشتري .
    3-  أن يكون المبيع عرضا فلا يصح بيع النقود مرابحة.
    4-  أن يكون العقد الأول صحيحا . فلو كان فاسدا لم تجر المرابحة لأنها بيع بالثمن الأول مع زيادة الربح.

    المرابحة التي تجريها البنوك الإسلامية على طريقتين :
    الأولى : أن يتفق العميل والبنك على أن يقوم العميل بشراء البضاعة بربح معلوم بعد شراء البنك لها .
    وعلى أساس هذا البيع يقوم البنك الإسلامي بشراء السلعة التي يحتاج إليها السوق بناء على دراسته للسوق أو بناء على طلب يتقدم به أحد زبائنه يطلب فيه من البنك شراء سلعة معينة أو استيرادها من الخارج ، ويبدي رغبته في شرائها من البنك بعد وصولها ، فإذا اقتنع البنك بحاجة السوق إليها وقام بشرائها فله أن يبيعها لطالب الشراء الأول أو لغيره مرابحة، وذلك بأن يعلن البنك قيمة شراء السلعة مضافا إليها ما تكلفه من مصروفات بشأنها ، ويطلب مبلغا معينا من الربح على من يرغب فيها .

    الثانية : أن يعد العميل البنك بشرائها بربح معلوم مجرد وعد .   (ويسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء)
    وفي هذه الصورة يتقدم العميل إلى البنك طالبا منه شراء سلعة معينة بالمواصفات التي يحددها على أساس الوعد منه بشراء تلك السلعة اللازمة له فعلا مرابحة بالنسبة التي يتفق عليها ، ويدفع الثمن مقسطا حسب إمكانياته التي يساعده عليها دخله.  انظر بيع المرابحة

    المرابحة المصرفية :-عقد المرابحة هو أحد بيوع الأمانة في الشريعة الإسلامية، حيث يحدد ثمن البيع بناءً على تكلفة السلعة زائداً ربح متفق عليه بين البائع والمشتري. وقد طور عقد المرابحة ليصبح صيغة تمويل مصرفية جائزة شرعاً بما يعرف في المصطلح المصرفي المعاصر "بالمرابحة المصرفية". ويتم تنفيذها عن طريق شراء المصرف لسلعة يحددها العميل يدفع المصرف ثمنها نقداً ثم يقوم المصرف ببيع تلك السلعة إلى العميل بثمن مؤجل يقوم العميل بتسديده إما دفعة واحدة أو على أقساط محددة. ويشترط في المرابحة المصرفية معلومية رأس المال الذي قامت به السلعة على المصرف، وكذلك تحديد الربح بالإضافة إلى تملك المصرف للسلعة وقبضها قبل بيعها للعميل.

    المرابحة الشخصية :- تحتاج شرائح كبيرة من موظفي القطاعين العام والخاص وخريجي الجامعات وأصحاب المهن الحرة للحصول على بعض السلع المعمرة للاستخدام الشخصي كالسيارات والأجهزة المنزلية والمعدات وغيرها. وحيث أن دخولهم لا تكفي لشراء تلك السلع بالنقد فإن المصرف الإسلامي يوفر لتلك الشرائح تلك السلع بوسائل دفع ميسرة عن طريق بيع المرابحة. ولكي تكون هذه العملية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ينبغي أن تظهر معالم البيع واضحة بواسطة التحقق من امتلاك المصرف للسلعة ودخولها في ضمانه قبل بيعها للعميل. ولا يجوز للمصرف شراء سلعة من أحد عملائه سبق أن باعها له من قبل .

    المرابحة التجارية :- لا تفي الموارد المالية لبعض المؤسسات والشركات التجارية بشراء متطلباتها من السلع والخدمات نقداً مما يجعلها تلجأ إلى المصرف الإسلامي لتمويل شراء تلك السلع والخدمات بشروط دفع مؤجلة.وقد طورت المصرفية الإسلامية لهذا الغرض ما يعرف ب"المرابحة التجارية" حيث يعتمد المصرف الإسلامي سقفاً ائتمانياً للتمويل ويمنح العميل بموجبه حق الاستفادة من ذلك السقف في تمويل شراء ما يحتاجه بالمرابحة. يقوم المصرف بشراء وتملك السلع والبضائع التي يحددها عميله - في حدود السقف الائتماني الممنوح له- ودفع ثمنها نقداً ثم إعادة بيعها للعميل بثمن مؤجل يقوم العميل بتسديده حسب شروط دفع مؤجله متفق عليها .

    الاعتمادات المستندية بالمرابحة :- يلجأ رجال الأعمال عند تمويل عمليات استيراد السلع من السوق الدولية إلى المصارف التجارية لفتح الاعتمادات المستندية لمصلحة الموردين لتلك السلع. وقد طورت المصرفية الإسلامية في هذا المجال آلية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية يطلق عليها "تمويل الاعتمادات المستندية بالمرابحة". ويقوم المصرف الإسلامي من خلال هذه الآلية بفتح الاعتماد المستندي باسم المصرف ولصالحه بغرض تحقق ملكيته للبضاعة ثم يقوم المصرف بعد وصول مستندات شحن البضاعة ببيعها للعميل بثمن مؤجل يدفع على آجال يتفق عليها بين المصرف الإسلامي وعميله.

    المرابحة في السلع الدولية :- يمثل الاستثمار رافداً مهماً في المصرفية الإسلامية. وحيث إن كثيراً من عملاء المصرفية الإسلامية يحتاجون إلى آلية توفر لهم فرصة استثمار سيولتهم النقدية على المدى القصير فقد طورت المصرفية الإسلامية ما يعرف ب"المرابحة في السلع الدولية" يتم من خلالها قيام المصرف الإسلامي بالوكالة عن عميله بشراء سلع من السوق الدولية نقداً كالحديد والنحاس والألمونيوم والأخشاب وغيرها من السلع المتاحة بالأسواق الدولية، ثم بيعها بعدئذٍ إلى أطراف أخرى في نفس السوق بسعر أعلى وبشروط دفع مؤجلة وبهذا تمكنت المصرفية الإسلامية من الاستجابة لرغبة عملائها في استثمار مدخراتهم بطريقة مقبولة من الناحية الشرعية وذات مخاطر متدنية مع تحقيق أرباح مقبولة على المدى القصير .

    ـ عقد السلم :

    عقد بيع يتم بموجبه تسليم ثمن حاضر مقابل بضاعة آجلة موصوفة بدقة ومعلومة المقدار كيلا أو وزنا أو عدا ، وفائدته توفير قدر من التمويل للبائع أوالمنتج حتى يقوم بتسليم البضاعة بعد فترة من الزمن يتفق عليها0 وهو بيع شيء يقبض ثمنه مالا وتأجيل تسليمه إلى فترة قادمة وقد يسمى بيع السلف .
    ويعتبر بيع السلم أحد أوجه الاستثمار التي تقوم بها البنوك الإسلامية ويحقق لها ربحا جيدا فضلا عن كونه يعود بالنفع على عملاء البنك من ناحية زيادة إنتاجهم وتوفير النواحي المالية لهم ، ولقد أخذت البنوك الإسلامية هذا النوع من العقود كأساس لممارسة بعض أنشطتها التجارية معتمدة على الشروط التي أوردها الفقهاء في هذا النوع من البيوع .  

    فصاحب رأس المال يحتاج أن يشتري السلعة وصاحب السلعة يحتاج إلى ثمنها مقدما لينفقه سلعته حتى يصفها. وبهذا نجد أن المصرف أو أي تاجر يمكن له أن يقرض المال للمنتجين ويسدد القرض لا بالمال النقدي لأنه سيكون (قرض بالفائدة)، ولكن بمنتجات مما يجعلنا أمام  بيع سلم يسمح للمصرف أو للتاجر بربح مشروع ويقوم المصرف بتصريف المنتجات والبضائع التي يحصل عليها وهو بهذا لا يكون تاجر نقد وائتمان بل تاجرحقيقي يعترف الإسلام بمشروعيته وتجارته . وبالتالي يصبح المصرف الإسلامي ليس مجرد مشروع يتسلم الأموال بفائدة لكي         يوزعها بفائدة أعلى ولكن يكون له طابع الخاص حيث يحصل على الأموال ليتاجر ويضارب ويساهم بها .

    وهكذا يمكن أن يكون عقد السلم طريقا للتمويل يغني عن القرض بالفائدة . فأصحاب السلع والبضائع يمكنهم أن يحصلوا من المصرف على ثمن بضائعهم مقدما على أن تسلم للمصرف مستقبلا ليتاجر بها كما يمكن للمصرف أن يستخدم بيع السلم في بيع تجارته.

    مشروعية السلم :
    إن المستند الشرعي قوله (صلى الله عليه وسلم) (من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) ولأن السلم على غير القياس فقد وضع العلماء شروط وقيود تحفظ للسلم إباحته ومنها:

    1) بيان الجنس والنوع والصفة في الثمن تجنبا للنزاع .
    2) بيان جنس ونوع وصفة المسلم فيه(السلعة)
    3) أن يكون المسلم فيه مؤجلا إلى أجل معلوم .
    4)أن يكون المسلم موجودا عند حلول الآجل .
    5) يشترط في المسلم فيه أن لا يكون من جنس الثمن وأن لا يكون متفقا معه في على ربوية  
    6)البعض اشترط بأن لا يقل الأجل عن شهر واحد ذلك لأن الشهر أقل مدة يمكن أن تتحقق فيها الفائدة من بيع السلم.
    7) يجب أن يكون الثمن معجلاً .

    ـ عقد الاستصناع :

    هو عقد يتم بمقتضاه صنع السلع وفقا للطلب بمواد من عند الصانع بأوصاف معينة وبثمن محدد يدفع حالا أو مؤجلا أو على أقساط 0 ومعناه طلب الصنعة كأن يطلب من شخص أن يصنع لك حذاء أو حقيبة أو غير ذلك فإن هذا الأمر هو ما يعرف بالاستصناع . وبعض الفقهاء قالوا أنه يجب أن يوضع الاستصناع من حيث محل العقد وصفته ووزنه...... الخ . ويذكر أن الناس تعاملوا بهذا العقد منذ زمن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي استصنع خاتما وقيل أنه استصنع منبرا. ومن فوائد الاستصناع أنه يشجع الإنتاج والعمل وتشغيل الأيدي العاملة ويزيد النشاط الاقتصادي ويؤمن عملية التسويق.

    هذا ويمكن للمصارف الإسلامية الآن الدخول في عمليات الاستصناع، كمثال يمكن لها أن تجعل عقود استصناع عن طريق امتلاكها المصانع والقيام بالتصنيع أو أن تكون صانعا ومستصنعا في نفس الوقت وهو يعرف ب (الاستصناع الموازي) وهذا النوع هو الأكثر ملائمة لعمل المصارف الإسلامية .

    شروط الاستصناع ؛
    1- أن يكون محل العقد معلوم الجنس والنوع والصفة والقدرة وهذا التحديد الدقيق يجعل الوقوع في النزاع والخلافات بين الصانع والمستصنع في أضيق الحدود.
    2- أن يكون محل العقد مما يجعل فيه التعامل بين الناس استصناعا مثل الأحذية والملابس والأثاث.
    3- أن يقدم الصانع مستلزمات الصناعة .

    الإستصناع المصرفي :- الاستصناع عقد بيع بين الصانع والمستصنع على سلعة موصوفة في الذمة تدخل فيها الصنعة مقابل ثمن يدفع مقدماً أو مؤجلاً على دفعة واحدة أو على عدة دفعات حسبما يتفقان عليه يقوم بموجبه الصانع بصناعة السلعة أو الحصول عليها من السوق عند حلول موعد تسليمها. وقد طورت المصرفية الإسلامية هذا العقد ليكون أداة تمويلية يستخدم عند الرغبة في صناعة وتشييد الطائرات والسفن والمباني والمعدات والآلات المصنعة بمواصفات خاصة. ويتعاقد المصرف الإسلامي عادةً مع المستصنع للقيام بدور المقاول الرئيسي الذي يتولى تنفيذ وتمويل العين محل التعاقد ويجوز للمصرف الإسلامي التعاقد من الباطن مع الصانع للقيام بالتنفيذ حسب المواصفات الفنية المحددة من قبل المستصنع .

    الإستصناع الموازي:- لقد طورت المصرفية الإسلامية الاستصناع المصرفي والاستصناع الموازي ليمثلان وجهان لعملة واحدة تستخدم للتمويل في مجال بناء وتشييد الطائرات والسفن ومحطات الطاقة والمباني والمعدات. ويقوم المصرف الإسلامي بعد التعاقد مع المستصنع لبناء وتشييد العين الموصوفة في الذمة بالتعاقد مع الصانع من الباطن بعقد استصناع موازي يقوم الصانع بموجبه ببناء وصناعة العين محل عقد الاستصناع بنفس المواصفات المحددة في عقد الاستصناع المصرفي وبشروط دفع وفترة تنفيذ مختلفة عنه. وتكون العلاقة التعاقدية من جانب بين المصرف الإسلامي والمستصنع من خلال عقد الاستصناع المصرفي ومن جانب آخر بين المصرف الإسلامي والصانع من خلال عقد الاستصناع الموازي.

    - المضاربة .

    تعتبر المضاربة هي الوسيلة التي تجمع بين المال والعمل بقصد استثمار الأموال التي لا يستطيع أصحابها استثمارها . كما أنها الوسيلة التي تقوم على الاستفادة من خبرات الذين لا يملكون المال.

    والمقصود بالمضاربة:عقد بين طرفين أو أكثر يقدم أحدهما المال والأخر يشارك بجهده على أن يتم الاتفاق على نصيب كل طرف من الأطراف بالربح بنسبة معلومة من الإيراد.

    وهناك عدة أشكال أو صور للمضاربة نذكر منها:

    المضاربة الخاصة: بمعنى أن المال والعمل مقدمان من شخص واحد.
    المضاربة المشتركة: يتعدد فيها أصحاب الأموال وأصحاب العمل.
    المضاربة المطلقة : وهي التي لا يقيد فيها صاحب المال المضارب بنوع محدد من الاستثمار أو التجارة وإنما يكون له مطلق الحرية في اختيار النشاط الذي يراه مناسبا.
    المضاربة المقيدة: وهي المضاربة التي يلزم فيها صاحب رأس المال المضارب باستخدام الأموال في نشاط أو تجارة معينة من قبله.

    المضاربة التمويلية :- تعرف المضاربة في الفقه الإسلامي بأنها عقد شركة بين طرفين يقدم أحدهما المال ويسمى رب المال ويقوم الآخر بالعمل ويعرف "بالمضارب" بحيث تكون حصة كل منهما في الربح جزءاً شائعاً متفق عليه عند التعاقد. وقد طورت المصرفية الإسلامية الفكرة الأساسية لهذا العقد في مجال المضاربة التمويلية بحيث يدفع المصرف الإسلامي لعميله رأس مال محدد متفق عليه على أن يقوم العميل بتوظيف هذا المال في نشاط تجاري متفق عليه يقبله المصرف ويكون الربح المتحقق من هذا النشاط موزعاً بين المصرف الإسلامي وعميله بحسب النسب المشاعة المتفق عليها عند توقيع عقد المضاربة.

    المضاربة الإستثمارية :- تعرف المضاربة في الفقه الإسلامي بأنها عقد شركة بين طرفين يقدم أحدهما المال ويسمى "رب المال"ويقوم الآخر بالعمل ويعرف "المضارب" بحيث تكون حصة كل منهما في الربح جزءاً شائعاً متفق عليه عند التعاقد. وقد طورت المصرفية الإسلامية الفكرة الأساسية لهذا العقد في مجال المضاربة الاستثمارية من خلال استقطاب مدخرات العملاء وتوظيفها في نشاط استثماري متفق عليه ومتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية بحيث يقسم الربح المتحقق من ذلك النشاط بحسب النسب المشاعة المتفق عليها عند توقيع عقد المضاربة. المصرف الإسلامي هذه الآلية لتعزيز قدرته المالية في مجال تمويل عملاء المصرف أو من خلال الصناديق الاستثمارية التي يديرها ويشغلها المصرف الإسلامي.

    شروط المضاربة:
    1 _ يجب أن يكون رأس المال المضارب به نقدا ومعلوما.
    2_ إن المضارب لا يضمن رأس المال المضارب به في حالة الخسارة إلا إذا أثبت صاحب المال أن تقصير المضارب هو السبب وراء هذه الخسارة.
    3_  يمكن للمصرف أن يطالب بضمان يقدمه المضارب يحفظ فيه حقه في حالة تقصيره عن تنفيذ الشروط التي تم الاتفاق عليها.
    4_  يجب أن يتم تحديد نصيب كل طرف من الأرباح كنسبة من الأرباح ولا يجوز أن يكون الربح مقدارا محددا لأنه قد تكون الأرباح المتحققة أقل من ذلك
    5_  يجوز الاتفاق على وقت المضاربة ومكانها.

    - المشاركات

    وتعرف المشاركة : بأنها عقد بين طرفين يقدم كل منهما مقدارا معلوما من رأس المال ويكون فيه الحق بالتصرف في المال تصرفا كاملا باعتباره شريكا ومالكا له ويتم توزيع الربح حسب ما يتم الاتفاق عليه ببن الطرفين . أما الخسارة فتوزع حسب نسبة المشاركة برأس المال. والمشاركة هي صورة قريبة من المضاربة والفرق الأساسي بينهما أنه في حالة المضاربة يتم تقديم رأس مال من قبل صاحب المال وحده . أما في حالة المشاركة فإن رأس المال يقدم بين الطرفين ويحدد عقد المشاركة الشروط الخاصة بين الأطراف المختلفة.

    ويمكن أن تقسم المشاركة إلى نوعين رئيسيين :
    المشاركة المتناقصة : تقوم المشاركة بين طرفين أحدهما المصرف وأي طرف أخر سواء كان فردا أم شركة يكون فيها الحق للشريك أن يحل محل المصرف في ملكية المشروع المشترك بينهما وذلك أما دفعة واحدة أو على دفعات . على أن لا يتم دفع نصيب الفرد أو الشركة من الأرباح المتحققة كجزء من استرداد قيمة حصة المصرف أي أن الشريك في النهاية سيتمكن من تملك المشروع بعد أن تمكن من رد التمويل إلى المصرف.

    المشاركة الثابتة : قد يأخذ المشروع المعول شكلا قانونيا ثابتا مثل شركة مساهمة أو التوصية البسيطة أو توصية بأسهم أو تضامن حسب صيغة المشروع وحجمه،وهنا يقوم المصرف الإسلامي بتمويل جزء من رأس المال لمشروع معين يجعله شريكا في إدارته والإشراف عليه وشريكا في الربح حسب النسبة المتفق عليها، وتبقى حصة كل شريك من الشركاء ثابتة لحين الانتهاء من مدة المشروع أو الشركة التي حددت في الاتفاق.

    بعض أنواع الشركات في الفقه الإسلامي

    1_ شركات الأملاك : اشتراك شخصين أو أكثر في ملك عين معينة ذات قيمة مالية.
    2_ شركات العقود : عقد بين طرفين أو أكثر على الاشتراك في رأس المال والأرباح الناتجة عن استثماره وتقسم شركات العقود إلى:

    آ_ شركات العنان : وهي أحد أنواع شركات العقود التي تم الاتفاق فيها بين الأطراف المتشاركة على عدم تصرف أي شريك إلا بإذن صاحبه .
    ب _شركة المفاوضة : وهي الشركة التي يتساوى فيها الشركاء في كل شيء .

    وتعتبر شركة العنان من أنسب الصيغ الاستثمارية في المصارف الإسلامية مثل المشاركة الدائمة والمشاركة المنتهية بالتمليك.


    أنواع البيوع
    تصنف البيوع إلى أنواع متعددة هي :

    1 ) بيع المقايضة : وهو مبادلة عين بعين بدون نقد وقد كان هذا البيع شائعا قبل استخدام النقود.
    2) بيع الصرف: وهو بيع الثمن بالثمن سواء كان الثمن عاجلا أو أجلا ويشمل :

    آ _ بيع السلم : ويتم بدفع الثمن مال مع تأجيل تسليم المبيع.
    ب_ بيع الأجل : ويتم بتسليم المبيع مالا مع تأجيل دفع الثمن .
    ج_ بيع المساومة : ويتم دون معرفة المشتري لتكلفة السلعة على البائع فلا يعرف المشتري مقدار ربح البائع أو خسارته ويجوز هذا البيع إذا لم يكن من البيوع غير المشروعة كبيع المسترسل.
    د_ بيوع الأمانة : ويتم فيها البيع بمعرفة المشتري كلفة السلعة على البائع ويتم تحديد الثمن بينهما بناء على ذلك.

    - القرض الحسن .

    عرفنا أن المصارف الإسلامية لا تمنح المتعاملين معها قرضا بالمعنى الذي تقوم به المصارف التقليدية كما أنها لا تقوم بخصم الكمبيالات كما هو الحال في المصارف التقليدية،وذلك لأنه لا يجوز للمصرف تقاضي أية زيادة عن المبالغ الممنوحة في هذه الحالة فأيما قرض جرمنفعة فهو ربا.

    ولكن هناك حالات يكون فيها المتعامل مع المصرف الإسلامي مضطرا للحصول على نقد لأي سبب من الأسباب فقد يحتاج نقودا للعلاج أو للتعليم أو للسفر وغيرها وليس من المعقول أن لا يلبي المصرف الإسلامي حاجة هذا الزبون لسببين هما:

    1_ إن مصلحة هذا الزبون مرتبطة بالمصرف الإسلامي فهو يودع نقوده فيه ويشتري منه ويتعامل معه في جميع أموره المجدية مما يعني استفادة المصرف من الزبون.

    2_ أن هناك مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق المصرف وهو مد يد العون والمساعدة للمجتمع الذي يعمل فيه وأهم ما يمكن أن يقحمه لأعضاء هذا المجتمع هنا هو إبعادهم عن الاقتراض بالفائدة لذلك يتم منح أي فرد من أفراد المجتمع المسلم هذا القرض سواء كان زبون المصرف أم لا.

    مصادر تمويل صندوق القرض الحسن .
    1_ يتم تمويل صندوق القرض الحسن من أموال المصرف الخاصة .
    2_ الأموال المودعة لدى المصرف على سبيل القرض (حسابات الائتمان).
    3_ الأموال المودعة من قبل الجمهور في صندوق القرض الحسن التي يفوضون المصرف بإقراضها للناس قرضا حسنا.

    ـ عقد البيع الآجل :

    عقد يتم بموجبه الاتفاق على تسليم بضاعة حاضرة مقابل ثمن مؤجل يتفق عليه وعلى فائدته بحيث يتوفر قدر من التمويل للمشتري حتى يتمكن من دفع الثمن بعد فترة من الزمن متفق عليها ، وقد وضع الفقهاء المسلمون شروطا دقيقة لصحة هذه العقود حتى لا يقع الاستغلال على أحد الطرفين ، ولكي تكون صافية تماما من عنصر الربا 0

    ـ عقد الإجارة :

    عقد من عقود البيع ، إلا أنه بيع منفعة أو خدمة وليس سلعة مثل العقود الأخرى ، وعقد الإجارة يتضمن تحديد مواصفات العين المؤجرة ، وتمكين المستأجر منها وتعهد مالكها بصيانتها ، ولا يشترط على المستأجر ضمان العين المؤجرة إلا في حالي التعدي والتقصير ، وذلك خلال مدة وأجرة يتفق عليها طرفا العقد 0

    التورق الشخصي:-

    نتيجة المشقة والتكلفة العالية التي يعاني منها كثير من عملاء المصارف الإسلامية عند قيامهم بشراء سلع استهلاكية كالسيارات من المصرف بالأجل ثم إعادة بيعها في السوق بسعر معجل للحصول على النقد أقرت الهيئات الشرعية صيغة أقل كلفة وأكثر مرونة يطلق عليها في المصطلح الشرعي "التورق".ويقوم المصرف الإسلامي حسب هذه الآلية بعرض سلع سريعة التداول على العميل وبيعها له بسعر مؤجل ليقوم العميل بعدئذٍ.




    عاشرا؛ التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية
    وسبل تذليلها.

    وتواجه المصارف الإسلامية تحديات تبدو أكثر صعوبة من التحديات التي تواجهها المؤسسات المصرفية الأخرى نظراً لطبيعة البيئة المصرفية التي تعمل فيها وهذه التحديات تتمثل بتعدد الفتاوى لدى هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية لدرجة تناقضها، وبين تلك الهيئات الشرعية من جهة وبين علماء المسلمين من خارج هيئات الرقابة الشرعية، ومابين فتاوى نظرية وفتاوى تلامس الحاجة المصرفية والحياة الاقتصادية، وبين متمسك بالأصل الشرعي، وبين محاولة تبرير الواقع.

    وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المصارف الإسلامية من النواحي القانونية فهذه المصارف تعاني من مشكلة سقوف الائتمان، ومشاكل نسب الاحتياطيات والسيولة ومن القوانين التي قد تحد من حركتها في جوانب الاستثمار، الداخلي أو الخارجي لافتاً إلى ماتواجه هذه المصارف من تحديات من النواحي الاقتصادية كصعوبة ممارسة أعمال التجارة، وتملك المعدات والعقارات واستئجارها وتأجيرها مع أن تلك الأعمال من صميم أنشطتها،إضافة إلى ندرة الاستثمارات طويلة الأجل والصغر النسبي للمصارف الإسلامية.

    وفي الوقت الذي تتنوع أدوات الاستثمار لدى المصارف الإسلامية وتتوسع آفاقها بازدياد فأن الأمر يتطلب موارد بشرية ذات كفاءة عالية تستطيع تطوير وابتكار أدوات استثمارية جديدة ومتنوعة بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وتستطيع المنافسة مع المصارف الموجودة داخل البلد.

    و المصارف الإسلامية تفتقر إلى التنظيمات الخاصة التي تحدد إجراءات التأسيس، وقواعد المراقبة والتفتيش، والتنسيق فيما بين الإدارات وبين المصارف الإسلامية الأخرى إضافة إلى التوعية بالفروق الجوهرية بينها وبين المصارف التقليدية اذ لايرى المواطن فرقاً بين الزيادة التي يدفعها للبنك التقليدي باسم الفائدة، وبين الزيادة التي يدفعها للمصرف الإسلامي باسم المرابحة.

    ويجب على المؤسسات المالية الإسلامية أن تعي دورها وتدرك مسؤولياتها، ولا تغفل عن الواجبات الكبرى الملقاة على عاتقها كتسهيل مهمة هيئات رقابتها الشرعية وتوثيق صلتها بالمجامع الفقهية التي تهتم بدراسة القضايا المستحدثة لإصدار الفتاوى بشأنها بعيداً عن النصوص الشرعية أو تحميلها ما لا تحتمل من التفسيرات القسرية و الصمود والحفاظ على وجودها أمام المؤسسات المالية والمصرفية الأخرى. والدفع الاقتصادي نحو الإنتاج باستخدام عوامله الأصلية الأرض والعمل، والبعد عن التوظيفات الإقراضية لأن المال المتجمع في خزائن المصارف الإسلامية يتكاثر صحياً بالإنتاج، وينمو مرضياً ببعض أدوات التمويل غير الإنتاجية.

    يشكل التعاون والتنسيق بيت المصارف الإسلامية الذي يبدأ ثنائياً وضمن مجموعات ثم يتطور ليشمل الجميع ضرورة بهدف بناء قاعدة سليمة لمنطقة تجارة حرة إسلامية معتبراً أن أي نجاح تراه بعض المصارف الإسلامية في الإطار المنفرد دون التقدم نحو التعاون سيزيد من قوة التبعية المطلقة للكتل الاقتصادية الرئيسة.

    ويرى أن في الشراكة بين المصارف الإسلامية والمساهمة في تأسيس صناديق الاستثمار المشتركة وإصدار الأسهم والسندات المشتركة وشركات التمويل التأجيري، وتمويل إنشاء المجمعات الصناعية المتكاملة والمشروعات الزراعية الحيوية, مبرراً كبيراً قوياً مع توافر الموارد الاقتصادية بأنواعها المختلفة، وتوزيعها الجغرافي، وتنوعها البيئي ما يوصل إلى الكفاية في تخصيص الموارد، والحد من الهدر واستنزاف الطاقات.

    ويقترح على المصارف الإسلامية العمل للوصول إلى تطبيق المصرف الشامل على شكل شركة مصرفية قابضة تمتلك شركات تابعة تخدم نواحي النشاط المختلفة.

    ويوصي زعتري بدعم مراكز البحث العلمي لوضع بناء نظام اقتصادي إسلامي قادر على مخاطبة ومواجهة المشاكل وأن تكون أوليات استثمار الأموال محلياً في مشاريع تنموية وإنتاجية وتنويع الاستثمارات ما يقلل المخاطر، والوصول إلى المصارف الشاملة، وتشجيع التوجهات نحو إقامة المشروعات الاستثمارية التكاملية وقيام هذه المصارف بدورها الاجتماعي والثقافي بالإضافة إلى دورها الاقتصادي إضافة إلى التعاون والتنسيق بين المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بدل التنافس وتقديم خدمات ومنتجات مصرفية جيدة، والعمل على ابتكار الجديد من الأدوات الاستثمارية وتنظيم الصناعة المصرفية والإشراف عليها وضمان سلامة نظام التمويل وتحسين سياسة الرقابة المصرفية.

    وتواجه المصارف الإسلامية عقبات وتحديات تعيق من تقدمها وإنجازاتها ومن أهمها :

    1- عدم توفير الغطاء القانوني:
    من أهم العقبات التي تعترض مسيرة تقدم المصارف الإسلامية وتحد من توسعها عدم وجود التشريعات والقوانين الملائمة لطبيعتها من قبل الحكومات في الدول الإسلامية والمشكلة أن القوانين التي تحكم أنشطة المصارف الإسلامية وخاصة التي تنظم علاقتها بالبنك المركزي مثل معدل الاحتياطيات والسيولة النقدية وقيود التمويل ... الخ قد وضعت على نمط القوانين الغربية والتي لا تلائم طبيعة الاستثمار الإسلامي ، وان إلزامها بهذه القوانين يعرقل من دورها الاستثماري والتنموي.

    ويتم التغلب على هذه المشكلة من خلال منح المصارف الإسلامية لتراخيص العمل من قبل الحكومات الإسلامية ودعمها بسن القوانين الإيجابية التي تلائم طبيعتها المصرفية  .

    2- الافتقار إلى الكفاءات والكوادر المؤهلة :
    يتطلب العمل المصرفي تأهيلا خاصا وكفاءات إدارية مدربة تكون على إلمام بطبيعتها المصرفية على اعتبار أنها تختلف عن المصارف التقليدية ويتم علاج هذه المشكلة من خلال تنظيم الدورات المتخصصة وورش العمل بالتعاون مع الهيئات الدولية مثل المجلس العام للبنوك الإسلامية ومعهد التدريب بالبنك الإسلامي للتنمية .

    3- قلة الأدوات والأساليب المصرفية:
    رغم ابتكار المصارف الإسلامية للعديد من الصيغ والاليات المصرفية الاسلامية في هذه المرحلة إلا انه لاتزال بحاجة الى المزيد من هذه الادوات . والتحدي الذي يواجه المصارف الإسلامية هو حاجتها لآليات تستطيع التوفيق بين رسالتها في التنمية واعمار الأرض والتي تتطلب توظيف المدخرات في مشروعات طويلة الأجل وذات مخاطر مرتفعة وبين رغبات المودعين في سهولة تسييل الودائع مع قلة المخاطر.

    وان نقص الأدوات الملائمة ترتب علية مشكلتين كبيرتين:

    الأولى : الاحتفاظ بجزء كبير من الودائع في حالة سيولة نقدية لمواجهة رغبات السحب المفاجئة مضحية في ذلك بالعائدات نظير كسب ثقة عملائها.

    الثانية : الاتجاه إلى الأدوات قليلة المخاطر وقصيرة الأجل مثل صيغ المرابحة مما أبعدها ذلك عن  رسالتها ونهجها التنموي.

    وللتغلب على هذه المشكلة ينبغي للمصارف الإسلامية ابتكار أدوات استثمارية طويلة الأجل وسهلة التسييل مثل الأوراق المالية و صناديق الاستثمار كما يتحتم عليها تطوير اليات لضخ وامتصاص السيولة مثل الاسواق المالية الاسلامية .

    4- تحديات العولمة :
    ظهر في السنوات الأخيرة تحد  جديد يواجه المصارف الإسلامية يتمثل في المنافسة الشرسة من قبل المصارف العالمية والتي تمتاز بارتفاع مستوى خدماتها وخاصة عقب افتتاحها لأقسام خاصة بالمعاملات الإسلامية

    ويفرض هذا التحدي أن تتجه المصارف الإسلامية لتحقيق مستوى الجودة الشاملة في خدماتها المصرفية وذلك من خلال تطبيق احدث أساليب التقنية والاتصال .

    5- ضألة أحجام البنوك الإسلامية ( رأس المال ).
    تعتبر رؤوس أموال البنوك الإسلامية العاملة حاليا ضئيل جدا مقارنة بالمصارف العالمية حيث أظهرت الدراسات أن قرابة 75 % من البنوك الإسلامية يبلغ رأس مال كلا منها اقل من 25 مليون دولار أمريكي فقط، مما يحول دون تحقيقها الأهداف التي أسست من اجلها ويعبق من نموها إذا ما طبقنا عليها معايير كفاية رأس المال وحجم الودائع التي يمكن لها استقطابها ليس هذا فقط بل أيضا معايير الاستثمار والتمويل التي تحد من منافستها للبنوك الاعتيادية في التنمية المأمول منها. وللتغلب على هذه المشكلة ينبغي على المصارف الإسلامية تطبيق سياسة رفع رأس المال وتوسيع قاعة المساهمين لا سيما الاستفادة من الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده المنطقة حاليا باندماج المصارف الإسلامية فيما بينها لتكوين كيانات كبرى تستطيع الصمود في ظل العولمة أمام المصارف العالمية المنافسة .

    6- ضعف التنسيق بين الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية وتوحيد المرجعية الشرعية في كل بلد.
    تواجه المصارف الإسلامية تحدي كبير يتمثل في ضعف التنسيق فيما بين الهيئات الشرعية و مما ينتج عنه تضارب الفتاوى الفقهية في معاملاتها فمثلا بعض المصارف تجيز أعمال التورق والبعض الآخر لا يجيز العمل به، لذا على المصارف الإسلامية ايجاد قاعدة علمية مشتركة للاجتهاد الجماعي من خلال الندوات وورش العمل التي تضم متخصصين مصرفيين وشرعيين والتنسيق فيما بينها وتوحيد الفتاوى حتى لا تضعف تواجدها وبروزها في العمل المصرفي العالمي في أوساط الصناعة المصرفية التي بدأت تأخذ وتيرة سريعة وعالية في السنوات الأخيرة .

    7- ضعف التنسيق والتحالف :
    من الظاهر على العمل المصرفي الإسلامي بين المصارف العاملة عدم التعاون والتكاتف و التحالف بين المصارف الإسلامية مما يظهر، أن هناك نوع من الحسد في ما بينها حيث يؤكد هذا من تفرد اكثر من مصرف في العمل وفي منطقة واحدة وبدون أي تحالف يخدم سير العمل و/أو يدعم التكاتف في مواجهة اقتناص الفرص لتمويل المشروعات الكبرى مما يفقدها وطأة القدرة لمنافسة المصارف التقليدية.

    وتواجه البنوك تحديًا مهما يتعلق بطبيعة الودائع التي تستثمرها لمصلحة المودعين فهي ذات آجال قصيرة، في حين أن تمويل المشاريع في حاجة إلى أموال ذات آجال طويلة، ما ينتج عنه صعوبات بين آجال الالتزامات واحتياجات التمويل، وأدت هذه التحديات والمصاعب التي تواجه البنوك الإسلامية إلى تعرض عديد منها لأزمات ومشكلات عملية، خصوصًا في الوقت الذي تعرضت فيه الاقتصادات الآسيوية لانهيارات، غير أن عديدا من البنوك الإسلامية لم تتعرض للانهيار بعكس بنوك عديدة أخرى، مثل بنك معاملات إندونيسيا الإسلامي الذي تدخل البنك الإسلامي للتنمية لإعادة هيكلته، ومن هذا المنطلق يتعين على البنوك الإسلامية مواجهة هذه التحديات من خلال عديد من الخطوات المهمة، مثل تضافر الجهود لوضع قوانين خاصة لممارسة العمل المصرفي الإسلامي، تنظيم الصناعة المصرفية والإشراف عليها وضمان سلامة نظام التمويل وتحسين سياسة الرقابة المصرفية، التمويل على المدى البعيد من خلال سندات وأسهم طويلة الأجل. وبما أن البنوك الإسلامية لا تتعامل في السندات ذات الفائدة فإن حاجتها لأسواق الأسهم تكون كبيرة، الأمر الذي يفرض على البنوك الإسلامية إعداد أنفسها بسرعة للدخول في أسواق الأسهم بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية، ويشجع تطور النظام المصرفي الإسلامي عديدا من البنوك على دخول السوق وضرورة اندماج المؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم مع الإطار القانوني والتنظيمي والمالي.

    لذا يجب على المؤسسات المالية الإسلامية أن تخضع إلى المستوى نفسه من التنظيم والامتثال للمعايير الدولية، مثل المخاطر وكفاية رأس المال التي وضعتها اتفاقية بازل، وأيضاً الامتثال إلى المبادئ التوجيهية والتطبيقات التي حددتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية؛ على اعتبار أن صناعة التمويل الإسلامي جزء لا يتجزأ من النظام المالي العالمي، وأن التمويل الإسلامي أخذ يندمج بشكل متزايد مع الإطار القانوني والتنظيمي والمالي، وينبغي على المصارف الإسلامية مواصلة تطوير البنية التحتية للأسواق، إضافة إلى الأطر التنظيمية والقانونية والإدارية، وكذلك العمل على توحيد المعايير في قطاع (التمويل الإسلامي) بما يساعد على تعزيز نموه ودمجه على نحو أفضل مع الاقتصاد العالمي.

    إن التحولات المقبلة في الأسواق العالمية من المنتظر أن تفتح فرصا وآفاقا أوسع أمام المصارف الإسلامية، لعل أبرزها تطبيق اتفاقات التجارة الدولية، وهو ما يعني مزيداً من المنافسة في الأسواق، وبالتالي يعتبر تطوير مستوى التنافسية للمؤسسات المالية الإسلامية أهم أولوياتها حتى تستطيع التوسع وزيادة حصتها السوقية من الخدمات المصرفية والمالية، وستعمل على رفع درجة المنافسة في الأسواق الحالية للمؤسسات المالية الإسلامية، وستفتح فرصاً جديدة أمام هذه المؤسسات من حيث تسهيل دخولها إلى أسواق جديدة للاستفادة من هذه الفرص، حيث إن المؤسسات المالية الإسلامية بحاجة إلى التوافق مع المتطلبات الفنية والرقابية في هذه الأسواق، خصوصاً المتعلقة بمعايير المحاسبة الدولية واتفاقية بازل الثانية واستيفاء المؤسسات المالية الإسلامية معايير الحوكمة بقدر ما يسهل ذلك من توسع وانتشار هذه المؤسسات في الأسواق العالمية.

    وينبغي للمؤسسات المالية الإسلامية أن تعمل جاهدة في هذا المجال، حتى تدعم مستوى المنافسة الذي بات يشهد حالة تصاعد مستمر، وذلك حتى تتمكن هذه المؤسسات من الوفاء باحتياجات العملاء والأسواق على حد سواء وحتى لا تجد صعوبة في استقطاب الرساميل والعملاء، وحيث إن لجنة التمويل الإسلامي تتبع جمعية المحامين الأمريكية، المنظمة غير الربحية وأكبر اتحاد مهني طوعي في العالم، فإنها تتمتع بموقع فريد يتيح لها الإسهام في دعم النقاش والتعاون على أسس غير تجارية، من خلال البرامج الفكرية والمحتوى المنشور كتابياً أو عبر الوسائط المتعددة، وغير ذلك من المبادرات الرئيسة في العالم التي توفر بيئة قانونية وتجارية تم تصميمها لتسهيل النمو المستدام للتمويل الإسلامي وتطور الامتثال لأحكام الشريعة والحوكمة الرشيدة في القطاع عموماً.

    هذه التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية تحتاج إلى ترشيد العمل المصرفي الإسلامي، وإن إصلاح الصناعة المصرفية الإسلامية قضية متعددة الجوانب، لذا وجب الإسراع بالإصلاح والترشيد حتى تتبوأ المصارف الإسلامية المكانة الملائمة لها في ظل المنافسة العالمية بينها وبين المصارف التقليدية؛ ليس فقط داخل البلدان الإسلامية، ولكن خارجها أيضا، ففي ظل تطبيق الاتفاقية العامة لتحرير التجارة فإن حرية النفاذ إلى جميع الأسواق ستكون متاحة أمام جميع المصارف، ومن ثم فإن الأمر يتطلب سرعة التطوير من أجل مواكبة وملاحقة مثل هذه المستجدات، إلى ضرورة إعادة هيكلة هيئات الرقابة الشرعية وتثقيف المراجعين الشرعيين بالنواحي الفنية والعاملين بالمصارف الإسلامية بالنواحي الشرعية، إضافة إلى ضرورة إيجاد معاير من أجل توفير أعمال مصرفية موحدة للمصارف الإسلامية.

    لذا يجب الاهتمام بالمستوى التكنولوجي والمنتجات المصرفية بالشكل والنوعية اللذين تستخدمهما المصارف التقليدية، وهنا يكمن التحدي حول مدى قدرة واستمرارية المصارف الإسلامية على مواجهة الرغبات المتغيرة والمتطورة لعملائها وتحديد إمكانات المصرف الإسلامي ومدى قدرته على استثمار فوائض السيولة لمنع خروج الأموال إلى المصارف التقليدية، حيث إن هناك ضرورة كبرى لتطوير الخطط الاستراتيجية للمصارف الإسلامية لافتقار معظم المصارف الإسلامية إلى الخطط النوعية، فضلا عما تعانيه من نقص الكوادر كما يعاني العاملون من نقص مهاراتهم البيعية والأساليب الحديثة للتسويق والبيع والتفاوض وإتقان فنون التعامل مع العملاء.

    إن المصارف الإسلامية تعاني من عدم وجود معايير محاسبية إسلامية، إضافة إلى عدم وجود جهات متخصصة في أمور المحاسبة والمراجعة الإسلامية للوفاء بمتطلبات العمل المصرفي الشامل والحديث، التي تتيح لها ممارسة الأنشطة الاستثمارية، حيث يتطلب هذا تشريعات من جانب الجهات المركزية المختصة لتسهيل تحول المصارف الإسلامية كي تدخل نطاق المصارف الشاملة، كما أن ذلك يحتاج إلى علاج سريع للهياكل التمويلية للمصارف الإسلامية ومنح الفرصة لأساليب التمويل الإسلامية لأن تأخذ فرصتها، كما أنها بحاجة إلى توضيح موقفها من مفهوم الحوكمة وتوخي نواحي الشفافية والعدالة والاستقلالية والمسؤولية الاجتماعية لاندماج المصارف الإسلامية لتتمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية في ظل عولمة أسواق رؤوس الأموال الدولية؛ ما يعد أحد الطرق للبدء في تطوير وزيادة القدرة التنافسية للمصارف الإسلامية، كما يؤدي ذلك إلى تحسن الأداء والكفاءة وتوسيع قاعدة الملكية للمصارف الإسلامية، فإذا أرادت البقاء والاستمرار عليها أن تبدأ في عملية الاندماج لتواجه المتغيرات الدولية وتؤمن سلامة أموال المودعين.



    الحادى عشر؛ التخطيط والرقابة في المصارف الإسلامية .

    «التخطيط» هو الوظيفة الأولى في العمليه الادارية، ويعبر عنه بـ السياسات والإستراتيجيات التي يمكن اعتمادها لتحقيق الأهداف، عبر استقراء المستجدات والمتغيرات المستقبلية، وتحليل الفرص والأخطار. ويفترض بالتخطيط أن يكون عملية مستمرة، تركز على أهداف ومسارات المشاريع، وتضع البرامج الإستراتيجية التي تكفل تخطيط المشاريع وذلك بالاعتماد على الرقابة الهادفة إلى تصويب انحرافات هذا التخطيط .

    وفي بعض المصارف الإسلامية الصغيرة، يحتفظ رئيس مجلس الإدارة أو المدير بالخطة في ذاكرته، وفي مصرف متوسط الحجم نسبيا قد يقوم مدير المصرف بتدوين المذكرات وعمل التقديرات البدائية. والمؤسسات المصرفية سواء التقليدية بشكل عام، أو الإسلامية بشكل خاص والتي تود تحقيق النجاح، هي المؤسسات التي تعتمد التخطيط الإستراتيجي والإدارة على الأهداف كمرتكز رئيسي في عملها وصولا إلى التميز وقيادة السوق،

    فالمصارف الإسلامية الناجحة هي الأكثر استجابةً وتفاعلا مع المتغيرات والمستجدات واتجاهات السوق، وهي التي تؤمن بأن قيادة السوق لا يمكن أن تتم إلا من خلال تطبيق إدارة الجودة الشاملة T.Q.M، والتي تؤدي إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية ومن أبرزها التميز وتحقيق رضا العملاء، بدليل ما سارت عليه منهجية بعض المصارف التقليدية، والتي عندما شعرت بفرص نجاح المصارف الإسلامية، تكيفت مع الوضع وتحولت في جزء منها إلى مصارف إسلامية.

    ولكي تتمكن إدارة المصارف الإسلامية من تحقيق ما تصبو اليه من أهداف، لا بد لها أن تمارس وظائفها الرئيسية المتمثلة في التخطيط والتنسيق والرقابة واتخاذ القرارات، إلا أن أفضل الخطط، هي تلك التي تقدم في صورة مكتوبة ومنسقة وتشترك في إعدادها جميع المستويات الإدارية للمصرف،

    إذ أن ذلك عدا عن كونه يسهم مباشرة في تشجيع جميع أفراد المصرف على تحمل مسؤولية تحقيق الأهداف المتوخاة، ويعمل على نجاح الخطط الموضوعة، فإنه أيضا يرفع الروح المعنوية لأفراد المصرف ويشعرهم بالارتباط مع الإدارة العليا والانتماء إلى المصرف الإسلامي، ويقضي على النزعة الإنسانية في تأجيل التنفيذ أو التأخير فيه.

    - التنسيق والرقابة.

    وهنا يتداخل التنسيق في العملية الإدارية، والتي يتم بموجبها توحيد الجهود بين الأقسام المختلفة للمصرف بحيث يعمل كل قسم منها على تحقيق الهدف الموضوع، فلا يجب أن يصدر أحد الأقسام قرارات تخصه يكون لها أثر على قسم أو أقسام أخرى دون الرجوع اليها، كما لا يجب أن يتفق قسمان على قرارات تخصهما دون النظر إلى الظروف المحيطة بالمصرف ككل. ويأتي العمل الرقابي في إطار متابعة تنفيذ الخطط والأهداف الموضوعة، أو بتعبير آخر : مقارنة الأداء الفعلي بالمستهدف، وتحديد الانحرافات بينهما والبحث في مسبباتهما، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعديل الأداء لكي يتوافق مع المستهدف.

    وكما هو الحال بالنسبة لوظيفة التخطيط، حيث تتضافر جهود الأقسام المختلفة بالمصرف للمشاركة في إعداد الخطط، فإن وظيفة الرقابة أيضا تتطلب تفويض صلاحياتها إلى مستويات مختلفة من المديرين في المصرف، إذ أنه في حين يخضع المديرون للرقابة المباشرة من السلطة الإدارية العليا في المصرف، يقومون بمتابعة تنفيذ مرؤوسيهم للخطط والأهداف الموضوعة.

    إن وظائف الإدارة المتعلقة بالتخطيط والتنسيق لا تجتمع كلها، كما أنها ليست منفصلة عن بعضها بعضا بحيث لا يمكن مناقشة إحداها دون الأخرى، فعند وضع الخطة لا بد أن يكون هناك نظام فعال للتنسيق، فمن المستحيل الحصول على التنسيق والرقابة المنشودين دون وضع نظام للتخطيط، والتنسيق أيضا مستحيل من دون مراقبة محكمة، وبالتالي فإن المراقبة المحكمة ينتج عنها تنسيق تام . وعلى صعيد القرار، فإن الإدارة العليا للمصرف هي الجهة المولجة باتخاذ القرارات، وتحتاج وظائف الإدارة فيما يتعلق بالتخطيط والتنسيق والرقابة إلى قرارات الإدارة لوضعها موضع التنفيذ، إذ أن جميع إجراءات العمل السابقة أو المصاحبة لوظائف الإدارة تترجم في صورة قرارات تنفيذية.

    ومن طبيعة الأمور أن تعتمد قرارات الإدارة على ما هو متاح لها من بيانات ومعلومات، وتختلف البيانات والمعلومات التي تتخذ أساسا لاتخاذ القرار الإداري تبعا لحجم المصرف الإسلامي بالدرجة الاولى، إذ كلما كان المصرف كبيرا كانت حاجة الإدارة إلى البيانات والمعلومات أكثر. لذلك تهتم الإدارة بتجميع البيانات والمعلومات باعتبارها ضرورة لإصدار القرار، ويكون قرار الإدارة أقرب إلى الصواب كلما كانت البيانات والمعلومات التي أعد على أساسها القرار دقيقة وواضحة.

    - أهمية البيانات الرقمية.

    وعلى الرغم من أهمية البيانات والمعلومات الوصفية في ترشيد قرارات الإدارة، إلا أن البيانات الرقمية أكثر أهمية في تمكين الإدارة من اتخاذ القرار المناسب. ولعل أكثر صور البيانات الرقمية وضوحا هي القوائم المالية التي يعدها المصرف لبيان نتيجة نشاطه ومركزه المالي، وهذه القوائم تعد عادة في نهاية كل سنة مالية بناءً على معلومات تاريخية، فهي تظهر نتيجة النشاط خلال فترة منتهية، وتصور المركز المالي للمصرف في نهاية الفترة التى أعدت عنها.


    ونظرا لأن طبيعة قرارات التخطيط الادارية تتعلق دائما بالمستقبل وتتطلع إليه، فإنه من غير المناسب الاعتماد كلية على البيانات التاريخية، ما لم تتخذ هذه البيانات كأساس للتنبؤ بالمستقبل، وذلك لأن القوائم المالية التاريخية تعكس ما حصل في الماضي، لكنها لا تكشف عن تفسير كاف لأسباب ما حصل، كما لا تمكن دائما من تحديد أثر الحوادث الماضية على المستقبل، هذا عدا عن أن القوائم المالية التاريخية تعرض عمليات المصرف في فترات متباعدة، ما يجعلها ضئيلة القيمة، فضلا عن كون إعدادها يستغرق في العادة وقتا غير قصير،

    إذ غالبا ما ينقضي وقت طويل بين انتهاء الفترة المالية التي تعد عنها القوائم المالية وبين التاريخ الفعلي لتصوير تلك القوائم، وإن كانت معايير المحاسبة الدولية ومعايير التقارير المالية الدولية تضمن الحد المعقول من الشفافية، ولكن المعقول يبقى محدودا في حدود الإفصاح.

    وحيث إن هناك قصورا في البيانات التاريخية المتمثلة في القوائم المالية التى يعدها المصرف الإسلامي في نهاية الفترة المالية، فإن من مصلحة الإدارة أن تعد بيانات تقديرية لما تطمح في الوصول اليه، وهذه القوائم التقديرية هي ما يعرف بـ «الميزانيات التقديرية»، إذ لا يمكن للإدارة أن تصدر قرارات صائبة إلا إذا كانت على علم بظروف الأطر موضوع القرار، وأيسر الطرق لإمداد الإدارة بالمعلومات عن ظروف المشكلة، هو الأرقام التي تظهر في شكل قوائم مالية تقديرية، فالميزانية التقديرية هي عبارة عن خطة مالية تعبر عن سياسات وخطط المصرف في المستقبل، لكن التنبؤ بالمستقبل لا ينبغي أن ينظر إليه كضمان أكيد لوحده لنجاح المصرف، إذ إنه لا توجد في الواقع طريقة يمكن استعمالها لقياس الأحداث المستقبلية بدقة كبيرة للاعتماد عليها بشكل واقعي متكامل خال من التغيرات في وضع السياسات المستقبلية، حيث إن كل ما يمكن الوصول إليه من المعلومات عن الظواهر الاقتصادية، يعطي فقط صورة عامة ومجملة للمستقبل، لذلك يجب تزويد خطط المصرف بقدر كبير من المرونة يمكن معها مواجهة ما قد يستجد من ظروف لم تكن مأخوذة في الحسبان عند وضع الميزانية التقديرية.

    وعند تطبيق فكرة التخطيط على الميزانية التقديرية، فإن الأمر يستلزم وضع خطط مفصلة تقدم على أساس التنبؤ «مقدما» بنشاط المصرف «مستقبلا» في صورة ميزانيات تقديرية فرعية لكل مفردة من مفردات نشاط المصرف، ولكل خط من خطوط الإنتاج. وعادة توضع أهداف الإدارة على أساس برامج سنوية، ويمكن تقسيم السنوات إلى فترات أقصر، كأن تعد الميزانيات على أساس ربع سنوي أو نصف سنوي.

    إن خطط المصرف يجب أن توضع بدقة وإحكام إلى أقصى حد ممكن، لذلك يجب أن تترجم الميزانيات التقديرية المعبرة عن خطط الإدارة إلى أهداف وتطلعات وإمكانات لكل قسم من أقسام المصرف على أساس النظرة الشاملة له، بحيث لا يكون هناك تعارض بين هذه الأقسام في التنفيذ. وبطبيعة الحال، فإن الميزانية التقديرية للنقدية والميزانيات التقديرية المتعلقة بالتشغيل على سبيل المثال مرتبطة ببعضها، فعمليات التشغيل يجب ان يتم تنفيذها في حدود الاموال التى يمكن تقديرها.

    ولذلك يمكن القول بأنه من حيث تنسيق نشاط المصرف، فإن الميزانية التقديرية تستخدم لإحاطة الجهاز التنظيمي للمصرف بالخطط المتعلقة بمختلف الأقسام حتى لا تتعارض جهود الأقسام المختلفة بعضها مع البعض الآخر.

    ولما كانت الرقابة هي عملية متابعة تنفيذ الخطط والأهداف الموضوعة من قبل إدارة المصرف، وكانت أهداف وخطط المصرف تترجم في شكل ميزانيات تقديرية، فإن الميزانيات التقديرية تستخدم أساسا للرقابة على تنفيذ الخطط بالقدر نفسه الذي تعبر فيه هذه الميزانيات التقديرية عن تلك الخطط الموضوعة، ويكون ذلك عن طريق إبلاغ الإدارة فورا بمدى ملاءمة الخطط والأهداف والسياسات الموضوعة مقدما من ناحية، ومقارنة النتائج الفعلية المحققة في جميع أقسام المصرف بالخطط والأهداف الموضوعة ومتابعة الانحرافات التي تحدث نتيجة التطبيق الفعلي من ناحية أخرى.

    - طرق متنوعة لوضع التقديرات.

    1- طريقة متوسط التكاليف الماضية، والتي قد تعتمد أساسا للتقديرات المستقبلية، إلا أنه يؤخذ على هذه الطريقة أنها تتاثر بقلة الكفاءة في الماضي، فضلا عن أن المصرف لا يطمح فقط للمحافظة على الوضع السابق .

    2- وقد تعتمد في ذلك على طريقة أفضل تكلفة، تحققت في الماضي، إلا أن الإنجازات الجيدة التي حصلت في السابق ليست مقياسا يعتمد عليه لما يمكن تحقيقه في المستقبل، إذ من الممكن أن تكون هناك مناطق يمكن إجراء تحسينات كبيرة فيها، ومن الممكن أيضا أن تكون الإنجازات الجيدة السابقة إنما تحققت بسبب ظروف خاصة قد لا تتكرر في المستقبل. لكن المقاييس الصحيحة يجب أن تمثل ما يجب أن تكون عليه التكاليف، وليس ما كانت عليه في السابق أو ما هي عليه الآن .

    3- قد توضع التقديرات وفق اعتماد معيار الطاقة الإنتاجية القصوى كمقياس للمقارنة بين التكاليف الفعلية والتكاليف المحسوبة على أساس الطاقة القصوى، إلا أن الوصول إلى تحقيق الطاقة القصوى هو هدف صعب المنال، خاصة بما يتعلق بظروف متغيرات السوق.


    لذا، فإن أفضل الطرق لوضع التقديرات، هي تلك التي تعتمد على التحليل العلمي الذي يقوم به متخصصون بمشاركة جميع وحدات وأقسام المصرف الذين لديهم المعرفة بتفاصيل ما يجري في حدود إشرافهم. ويفترض اعتبار دائم عن إمكانية وجود أخطاء محتملة سواء في وضع المعايير القياسية أو في طريقة حسابها. حيث يبقى الغرض الرئيسي من استخدام الميزانيات التقديرية هو مساعدة إدارة المصرف في تحقيق وظائفه الرئيسية المتعلقة بالتخطيط والتنسيق والرقابة وتمكينها من اتخاذ القرارات المناسبة.

    وبالاضافة إلى ذلك، فإن الميزانيات التقديرية تحقق عددا من الفوائد الأخرى يمكن عرض أهمها فيما يلي :
    1. مراقبة السياسات الموضوعة ووضع سياسات واضحة مقدما.
    2. إشراك جميع أفراد الإدارة في وضع أهداف المصرف والعمل على تحقيقها.
    3. إلزام كل فرد من أفراد الإدارة بوضع خطط تتناسب مع خطط الأقسام الأخرى.
    4. تنظيم تحديد المسؤولية لكل مستوى من مستويات الإدارة ولكل فرد من أفرادها وتحديد مراكز السلطة تبعا لذلك .
    5. إلزام جميع المستويات الإدارية بالمحافظة على المواعيد وأخذ جميع العوامل في الاعتبار قبل اتخاذ القرارات الادارية.
    6. إلزام الإدارة بعمل دراسات تحليلية دورية لأعمال المصرف.
    7. متابعة أوجه نشاط المصرف لبحث مدى التقدم في تنفيذ الخطط الموضوعة.
    8. تحفيز العاملين على بلوغ الأهداف الموضوعة، بل وتجاوزها إذا كان ذلك ممكنا.
    9. يجب النظر إلى الميزانيات التقديرية كأداة تستخدمها الإدارة في سبيل تحقيق وظائفها الأساسية من حيث التخطيط والتنسيق والرقابة مع الأخذ في الاعتبار القيود التي قد تحد من الانتفاع بها للغرض المنشود للأسباب الاتية:

    ا - تعد الميزانيات التقديرية على أساس تقديري عن طريق دراسة عوامل مختلفة، بعضها داخل المصرف وبعضها خارجه، وتتوقف قوة أو ضعف البرنامج الموضوع للميزانية التقديرية - إلى حد كبير - على صحة التقديرات التي يمكن التحصل عليها.
    ب - تستخدم الميزانيات التقديرية في ظل ظروف متغيرة قد يتعذر التحكم فيها، فقد يتغير الطلب على الخدمات المصرفية، وقد تتغير نوعية الخدمات المصرفية لأسباب تتعلق برغبات زبائن المصرف أو بظهور خدمات مصرفية منافسة من نوعية أفضل أو بتكلفة اقل.

    ولايمكن تنفيذ برنامج التخطيط دون إشراف ومشاركة جميع المستويات الإدارية في المصرف، فهي ليست إلا أداة من الأدوات التي تعاون إدارة المصرف الإسلامي على تنمية أعماله في جميع نواحي نشاطه عن طريق مقارنة ما تم تنفيذه من التوقعات، وما مدى الانحرافات، وبالتالي، تحديد الأدوات التصحيحية التي يمكن اتخاذها.



    الثانى عشر؛ إدارة الجودة في المصارف الإسلامية .

    شهدت الصيرفة الإسلامية مواجهات كبيرة تزامنت مع التغيرات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات الإسلامية، وقد برز نتيجة لوعي المستهلك عدد من التحديات، أبرزها، ازدياد حدة المنافسة، بالإضافة إلى المتطلبات التقنية والقانونية على صعيد المقررات في بازل 2.
    ومع بروز التطور النوعي في الأنظمة المصرفية، والتي شملت تطور الخدمات المصرفية الإسلامية بلغت معظم الخدمات المصرفية المقدمة مرحلة النضوج وهو ما أدى إلى تشابه الخدمات المقدمة، ربما بتعبير مختلف وبشكل مختلف، مع احتوائه على نفس المضمون. هذا النضوج وضع أطرا جديدة للمنافسة بين المصارف، خاصة فيما يتعلق بأنواع الخدمات المقدمة، وبالتالي ظهر مفهوم جودة الخدمة المصرفية كواحد من أهم المجالات التي يمكن أن تتنافس المصارف فيما بينها من خلاله, مما يعني توجه عملاء المصارف في طلب الخدمات المصرفية ليس فقط لمجرد المضامين التسويقية التي يحصل عليها من تلك الخدمة، وإنما لما تتصف به تلك المضامين من قيم رمزية يبحث عنها العميل وتشكل له جودة أفضل من وجهة نظره, وضمن هذا السياق ظهرت مجالات للتمايز في تقديم الخدمات المصرفية وهو ما يشكل مفهوما لجودة الخدمات المصرفية مثل:
    - خدمة وحسن استقبال العملاء.
    - التعاطف مع العملاء.
    - سرعة الإنجاز.
    - السرية في التعامل.
    - أسلوب تقديم الخدمة.

    وترتكز الجودة على اتجاهين وهما:
    - الجودة الداخلية المبنية على أساس تقديم الخدمة وفق مواصفات قياسية صممت على أساسها تلك الخدمة.
    - والجودة الخارجية وهي تركز على مدى اقتناع العميل بمستوى الخدمة المقدمة إليه، وهنا يفاضل بين العلامات التجارية المختلفة التي من خلالها يحصل على خدماته.
    مفهوم الجودة الخارجية للخدمة المصرفية يصبح مهما كونه يرتكز على متطلبات العملاء، فيتم اختيار الخدمة بناءا على توقعاتهم، وبالتالي فان قياس جودة الخدمات المصرفية يجب أن تحدد على أساس إيجاد المقاييس التي ترتبط باحتياجات العملاء وتعبر عنها.

    ويمكن تحديد خمسة أبعاد مختلفة لقياس جودة الخدمات المصرفية الإسلامية وهي:
    1. المادية: وتمثل الجوانب الملموسة والمتعلقة بالخدمة مثل جهوزية مباني المصارف، والتقنيات الحديثة المستخدمة فيه، والتسهيلات الداخلية للأبنية، والتجهيزات اللازمة لتقديم الخدمة، ومظهر الموظفين.

    2. الإمكانية: وتعبر عن قدرة المصرف من وجهة نظر العملاء على تقديم الخدمة في الوقت الذي يناسب العميل، وبدقة ترضي طموحه، وهو ما يعبر عن مدى وفاء المصرف بالتزاماته تجاه العميل.

    3. التفاعل: وهو القدرة على التعامل الفعال مع كل متطلبات العملاء والاستجابة لشكاويهم، والعمل على حلها بسرعة وكفاءه بما يقنع العملاء بأنهم محل تقدير واحترام من قبل البنك الذي يتعاملون معه. إضافة لذلك فان الاستجابة تعبر عن المبادرة في تقديم الخدمة من قبل الموظفين بصدر رحب.

    4. الثقة: وهي التأكد بان الخدمة المقدمة للعملاء تخلو من الخطأ أو الخطر أو الشك شاملا الاطمئنان النفسي والمادي .

    5. التجاذب: وهو إبداء روح الصداقة والحرص على العميل وإشعاره بأهميته والرغبة في تقديم الخدمة حسب حاجاته .

    أهمية قياس جودة الخدمات المقدمة من قبل البنوك الاسلامية تكمن في تقييم مخاطر السوق، ولكي تتمكن الإدارة بشكل عام من معرفة الموقع التنافسي في بيئتها بهدف مساعدة تلك الإدارة على الانطلاق لرفع مستوى خدماتها، بهدف زيادة حصتها السوقية، والتي تقود إلى تعظيم ربحيتها خاصة وأن البيئة التي تعمل فيها البنوك الإسلامية في الوطن الإسلامي تساعدها على تحقيق ذلك سيما أن عددا كبيرا من المواطنين لا يرغب في التعامل مع البنوك التجارية غير الإسلامية من منطلق ديني.

    مجموعة من الإجراءات.
    ولتحقيق هذه الغاية على المصارف الإسلامية أن تتخذ مجموعة من الإجراءات لتحسين جودة خدماتها لكي تكون منافسا قويا للمصارف التقليدية، والعمل باستمرار على تحسين وتنويع تلك الخدمات بما يلائم رغبات وتطلعات عملائها من خلال فهم توجهات وتوقعات العملاء.
    ويمكن تصنيف خمسة مستويات لجودة الخدمات المصرفية يمكن تحديدها بالآتي :
    1. الجودة المتوقعة من قبل العملاء والتي تمثل مستوى الجودة من الخدمات المصرفية التي يتوقعون أن يحصلوا عليها من المصرف الذي يتعاملون معه.
    2. الجودة المدركة، وهي ما تدركه إدارة المصرف في نوعية الخدمة التي تقدمها لعملائها والتي تعتقد أنها تشبع حاجاتهم ورغباتهم بمستوى عال.
    3. الجودة الفنية، وهي الطريقة التي تؤدي بها الخدمة المصرفية من قبل موظفي المصرف والتي تخضع للمواصفات النوعية للخدمة المصرفية المقدمة.
    4. الجودة الفعلية التي تؤدى بها الخدمة والتي تعبر عن مدى التوافق والقدرة في استخدام أساليب تقديم الخدمة بشكل جيد يرضي العملاء، أي بعبارة أخرى كيف يرفع موظفي البنك من مستوى توقع العملاء للحصول على الخدمة المصرفية.
    5. الجودة المرجوة للعملاء، أي مدى الرضا والقبول الذي يمكن أن يحصل عليه المصرف من عملائه عن تلقيهم لتلك الخدمات.

    ولتحسس الوجهة على المصارف الإسلامية التزود بالمعلومات الضرورية التي تمكنها من معرفة مستوى الخدمات المقدمة لعملائها من وجهة نظرهم، وليس من وجهة نظر المصرف، للتمكن من اتخاذ كل ما هو ضروري لتلافي النواقص ومعالجة الخلل من خلال تحسين نوعية الخدمات وترشيد القرارات التي تتخذها الإدارة، بما يساهم في احتفاظ المصارف بعملائها الحاليين، وجذب عملاء جدد، مع ما يؤدي إليه ذلك من نتائج إيجابية على مجمل أداء البنوك الإسلامية. وتسعى المصارف الإسلامية إلى تقديم خدماتها وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية، ومن هذا المنطلق هي مركز جذب لعدد كبير من عملاء المصارف التقليدية، الذين يجدون حرجا دينياً في التعامل في الفائدة, ودليل نجاح المصارف الإسلامية في تصميم خدماتها المصرفية بما يتناسب واحتياجات عملائها خلال العقدين الماضيين، هو نمو عدد فروع البنوك الإسلامية في العالم، والتركيز على مفاهيمها كعامل جاذب ومؤثر في الصناعة المصرفية.

    وبالتالي، فإن قياس أداء المصارف الاسلامية، وتقويم فاعليتها، واختبار جودة خدماتها، وتلمّس واكتشاف جوانب القصور فيها، يعد أحد السبل الهامة للرقي، والتطوير، والنهوض، من أجل تحقيق أهداف التنمية والمساهمة الفاعلة في الاقتصاد الوطني. لذا فإن هناك ضرورة لقياس جودة الخدمات التي تقدمها البنوك الإسلامية تحقيقا للأهداف، من وجهة نظر عملائها وتحديد أبعادها، ومحاولة معرفة توجهات العملاء نحو الخدمات المصرفية الإسلامية، وذلك لتصويب قرارات إدارات البنوك الإسلامية لتطوير وتحسين خدماتها بما يساهم في تطوير أعمال هذه المصارف.
    قد تكمن الإيجابية بأن نمطية الخدمات التي تقدمها المصارف بشكل عام، تدفعها إلى تحسين الخدمات بما يلائم حاجات عملائها للفوز برضاهم وولائهم بهدف تنمية حصتة في السوق، وصولا لتعظيم الربحية.

    وقد تعرضت الخدمات المصرفية الإسلامية للتطور التدريجي النوعي والكمي إلا أنها في نفس الوقت لم تسلم من الانتقادات من قبل العديد من عملائها، لذا فإن قياس جودة الخدمات التي تقدمها البنوك الإسلامية من خلال دراسة علمية ميدانية أصبح مطلبا مهما، وذلك لتلمس جوانب القصور والضعف في هذه الخدمة. حيث أنه ومن ناحية مبدئية نرى أن أغلب المتعاملين مع البنوك الإسلامية تتراوح أعمارهم بين 41 و 50، ومعظمهم من المتزوجين، ويمارسون الأعمال الحرة، حيث يتوجه عدد كبير من الناس للتعامل مع المصارف ذات الصيغة الإسلامية لاعتبارات دينية في الغالب، وقلما يهتم الجيل الشاب في الغالب ضمن المؤثرات الغربية بتطبيق الشريعة، مما يعطي مؤشراً على أن المصارف الإسلامية إذا ما استمرت في دراسة مستوى الخدمات المقدمة لعملائها والعمل على تلافي الثغرات فإن ذلك سيزيد من حصتها في السوق المصرفية.

    وقد يلاحظ استمرار تعامل عدم الراضين عن الخدمات بسبب المعطى الديني أو بسبب التزامهم بالتعامل مع البنوك الإسلامية كون أن المؤسسات التي يعملون بها توطن رواتبهم لديها، ولكن عدم الرضى، قد يؤثر على تفاعل العميل مع الخدمات، وبالتالي يصبح تعامله مقتصرا على الحد الأدنى من الخدمات، مما ينعكس على ربحية المصرف، بالإضافة إلى سهولة تحول العميل إلى مصرف آخر عندما تسنح له الفرصة. وبشكل عام فإن هناك انطباع متدنٍّ من قبل عملاء البنوك الإسلامية عن الجودة الكلية للخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية مع محدودية القدرة التفسيرية للتغير في الجودة الكلية للخدمة المصرفية.

    تحسين الخدمات.
    وقد تكون أفضل العوامل لتحسين نوعية الخدمات تتمثل في:
    - إيجاد أوقات دوام للبنك مناسبة لعملاء المصرف.
    - حسن استقبال وحسن توجيه العميل بالوقت المناسب.
    - سمعة جيدة للموظفين، وتحليهم بأخلاق وأدبيات، ومعرفة بأصول التواصل.
    - دقة ووضوح كشوفات البنك المقدمة للعملاء.
    - تقديم خدمات جيدة في مجال استفسار وأسئلة العملاء.
    - إعطاء أهمية كبيرة لسرية معاملات العملاء.

    رغم وجود انطباع إيجابي عن جودة الخدمات المصرفية الإسلامية في الجوانب المادية الملموسة والتفاعل والتجاذب. فقلما نرى نفس درجة إرضاء العملاء في اطار الإمكانية والثقة، مما يدل أن على المصارف الإسلامية العمل لتحسين هاتين الناحيتين في مجال تقديم الخدمة.

    ويمكن بشكل عام اقتراح عدد من التوصيات التي يمكن الأخذ بها لرفع كفاءة وتحسين الخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية ومنها:

    1. ضرورة الاستعانة بالأساليب والتوجهات التسويقية الحديثة في التعامل مع العملاء لتطوير الخدمات المصرفية الإسلامية.
    2. تفصيل الخدمة حسب نوعية العملاء بشكل يتناسب مع المضامين الديموغرافية والتقليدية للعملاء، ويمكن من خلالها استهداف وتجزئة السوق وتوجيه الأنشطة التسويقية المناسبة لكل فئة.
    3. تطوير التكنولوجيا المستخدمة في تقديم الخدمات، وعلى سبيل المثال العمل على نشر عدد أكبر من أجهزة الصراف الآلي، إضافة إلى استمرار مراقبة توفر النقدية الكافية لهذه الأجهزة وكذلك مراقبة الأعطال التي تحصل لهذه الأجهزة بهدف تأمين تشغيلها باستمرار.
    4. الاستجابة السريعة وتلبية مطالب العملاء كعوامل تؤثر في جودة الخدمات المصرفية.
    5. تكثيف الدراسات التي تعنى بمعرفة خصائص توجهات المجتمع والبيئة الاجتماعية التي يوجد بها المصرف، وخاصة الفئات التي يكون لديها ميل أكبر للتعامل مع المصارف الإسلامية، بما يساعد في تصميم برامج مصرفية ملائمة لكل فئة من العملاء.
    6. الاهتمام بالجوانب المادية للمصرف كالمباني الحديثة والمكان المنظم المريح وهذه العوامل لها أثر كبير في نظر العملاء عند تقويم جودة الخدمة.
    7. وضع استراتيجيات لتطوير الخدمات المصرفية الإسلامية لمواجهة تحديات المنافسة من المصارف التقليدية على صعيد وطني، بالإضافة إلى المنافسة العالمية في الصناعة المصرفية خاصة في ظل ظروف التحاق كثير من الدول الإسلامية والعربية بمنظمة التجارة العالمية.
    8. ومن المهم، الاهتمام بالعنصر البشري، فهو واجهة المصرف، وضرورة الاهتمام ببرامج التدريب وإعادة التدريب والتأهيل في مجال العمل المصرفي الإسلامي، لوجود ضعف لدى العاملين في المصارف الإسلامية في مجال أدائهم في تقديم الخدمات.



    الثالث عشر؛ لتدقيق الداخلي والشرعى في البنوك الإسلامية
    ودوره في تطوير أدائها.

    ما أن قامت البنوك الإسلامية في أواخر السبعينات من القرن الماضي، إلا وبدأ المهتمون بشأنها البحث في كيفية مواكبة ما هو مقرر من الأحكام الشرعية الخاصة بمعاملات البنوك مع التطور الحاصل في العلوم المصرفية من الناحية النظرية والتطبيقية، لأن التوفيق بينهما ضروري من الناحية العملية، لكن كيف للبنوك الإسلامية أن تضمن ذلك في إطار مؤسسي دقيق وفعال، هذا السؤال نستطيع الإجابة عليه في دائرة التدقيق الداخلي في البنك  الإسلامي.

    وذلك عن طريق معرفة أهداف هذه الدائرة وآلية عملها لتحقيق هذه الأهداف، أما عن أهداف هذه الدائرة فهي ثلاثة:

    الأولى: التدقيق في الأنظمة والإجراءات المعمول بها في البنك الإسلامي وخاصة إجراءات الضبط والرقابة (الناحية الفنية والشرعية معا).

    الثاني: تقييم هذه الأنظمة في ضوء المقاصد الفنية والشرعية للعمل المصرفي الإسلامي الذي يهدف من حيث المبدأ إلى ضمان الجودة في الأنظمة الداخلية وضمان عدم الوقوع في المخالفة الشرعية.

    الثالث: تقديم الحلول الملائمة لطبيعة العمل المصرفي الإسلامي في حال وجود خلل في هذه الأنظمة.

    ولا شك أن هذه الأهداف بدورها تؤدي إلى تطوير العمل المصرفي الإسلامي نحو الهدف المنشود، ويتطلب ذلك أن يكون العاملون في هذه الدائرة من تخصصات مختلفة، محاسبين واقتصاديين وإداريين ومصرفيين وشرعيين، ليكمل بعضهم بعض. ولابد لدائرة التدقيق الداخلي من آلية منظمة تعمل من خلالها مسترشدة بأهدافها، ويمكن لنا أن نتعرف على هذه الآليات كما يلي:

    1- القيام بعمليات التدقيق الداخلي كما هو معمول في البنوك بشكل عام الإسلامية والتقليدية ولأنها أمور فنية متعلقة بالتطور الحاصل بتكنولوجيا المعلومات والتنظيم الإداري الحديث للمنشآت وهو مطلب مدرك عقلاً ومؤصل شرعاً.

    2- القيام بتقييم الأنظمة الداخلية للبنك الإسلامي في ضوء مقاصد العمل المصرفي الإسلامي ذو النظرة الشمولية، أي أن مسؤولية المدقق الداخلي في تقييمه للأنظمة الداخلية للبنك الإسلامي لا تقتصر فقط على أهداف البنك ومصلحته الخاصة فقط، وإنما هنالك أطراف أخرى يجب أن تدخل في حسابات هذا التقييم، ولتوضيح الصورة أكثر، يجب أن نعلم إبتداءاً أن البنك الإسلامي له أهداف خاصة تتمثل في تعظيم ربحيته ضمن الضوابط الشرعية وله أهداف عامة تتمثل في المساهمة في تنمية المجتمع المحلي والمساهمة في الخطط العامة للدولة المتعلقة بالتنمية الاقتصادية، وهذا هو ما تهدف الشريعة الإسلامية لتحقيقه عن طريق مقصدها العام في الشريعة وهو " جلب المصلحة وتكثيرها ودرء المفسدة وتقليلها "وهي قاعدة ضابطة لسلوك المنشأ الإسلامية بشكل عام، من ذلك ضرورة أن يقوم المدقق الداخلي في البنك الإسلامي بتقويم التصرفات الإدارية ونوعيتها والإبلاغ عن مدى التقيد بالأحكام الشرعية كالوفاء بالعقود والأمانة وعدم الاحتكار والغش لان التقيد بالحكام الشرعية هو شرط ضروري لتحقيق تنمية حقيقة مستدامة للمجتمع لأن الإسلام كدين سماوي لم يحرم شيئاً إلا لأن فيه مضرة للمجتمع ولم يوجب شيئاً إلا لان فيه الخير للبشرية.

    3- بعد القيام بعملية التقييم يقوم المدقق الداخلي بتصميم حلول عملية فنية وشرعية بالتعاون مع موظفي الدائرة لتفادي نقاط الضعف إن وجدت في النظام ولحماية نقاط القوة في الأنظمة الداخلية في البنك الإسلامي، وذلك لضمان سهولة تنفيذ عملياته بكفاءة إدارية وسلامة شرعية.

    وترتبط القرارات الاستراتيجية بالوظائف الإدارية الاستراتيجية العليا فى المصرف الإسلامى مثل: تحديد الأهداف ، ودراسة الجدوى ، ورسم السياسات ، ووضع الخطط ، وتصميم النظم ، ووضع اللوائح ، وتصميم نظم التنسيق والتوجيه والرقابة ، ووضع معايير ومؤشرات تقويم الأداء ، واتخاذ القرارات اللازمة للتنفيذ ، واتخاذ القرارات المصوبة للانحرافات ونحو ذلك .
    ومما لا شك فيه أن لمثل هذه القرارات بعداً شرعياً يجب أن يدقق للاطمئنان من سلامتها ، وهذا ما سوف نتناوله بشىء من التفصيل فى هذا البحث مع التركيز على طبيعتها وضوابطها وإجراءات وبرامج تدقيقها ومناقشة القرارات مع الموظفين المختصين وتسوية الملاحظات ، ثم متابعة تنفيذ تلك القرارات للاطمئنان من اتخاذها المسار السليم لتحقيق مقاصدها .

    طبيعة القرارات الإدارية الاستراتيجية فى المصارف الإسلامية وحاجتها إلى التدقيق الشرعى .

    1ـ طبيعة القرارات الإدارية فى المصارف الإسلامية وخصائصها .
    للإدارة بصفة عامة أصول فى الإسلام يجب الالتزام بها ، وعلى علماء ورجال الإدارة أن يردوا كل فكر وقرار وعمل إلى أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية للاطمئنان من السلامة الشرعية وللوصول إلى الأقوم والأرشد ، وصدق الله القائل : " إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً "( الإسراء : 9 ) .
    ويحتوى التراث الإسلامى على نماذج عظيمة من القرارات الإدارية الاستراتيجية ، ولا سيما قرارات الدخول فى الحروب مع أعداء الله ، وتنظيم المجاهدين ، وتمويل الغزوات ونحو ذلك ، وليس هذا هو المقام لتناولها ولكن سوف نشير عند الحاجة إليها للاسترشاد بها فى مجال التطبيق المعاصر فى المصارف الإسلامية .
    وتتسم القرارات الإدارية الاستراتيجية فى المصارف الإسلامية بمجموعة من الخصائص من أهمها :
    * قرارات يمتد تأثيرها لفترات زمنية مقبلة .
    * قرارات تتعلق بالمستقبل الذى لا يعلم حقيقته إلاّ الله عز وجل .
    * قرارات تتضمن درجة عالية من المخاطر المختلفة لارتباطها بالمستقبل .
    * قرارات ذات آثار متعددة تؤثر فى كافة جوانب أنشطة المصرفى الإسلامى .
    * قرارات تتأثر بقيم ومثل المجتمع الإسلامى وليس المصرف وحده وفكره وأسسه .
    * قرارات يمتد آثارها إلى العالم الإسلامى بكافة طوائفه ومؤسساته .
    * قرارات ترتبط بالفقه وبالفكر الإسلامى التى تعمل فى ضوئه المصارف الإسلامية .

    2ـ نماذج من القرارات الإدارية الاستراتيجية فى المصارف الإسلامية .
    من نماذج الوظائف والقرارات الإدارية الاستراتيجية فى المصارف الإسلامية ، والتى ومن الواجب أن تشترك الهيئة الشرعية فى مناقشتها سواء بذاتها أو من خلال المراقب الشرعى ما يلى :
    * قرارات دراسة الجدوى الاقتصادية لإنشاء فرع جديد ، أو تقديم خدمة مصرفية جديدة ، أو تقديم صيغة استثمارية جديدة ، أو تقديم ورقة مالية (صكّ إسلامى) جديدة وهكذا .
    * قرارات التخطيط الاستراتيجى لأنشطة المصرف الإسلامى لفترة مقبلة فى ضوء أهداف ومقاصد منشودة للتطوير والنمو إلى الأفضل والتى قد تصاغ فى صورة موازنات تخطيطية (تقديرية) .
    * قرارات الموافقة على نماذج نظم العمل وضوابطها واللوائح المختلفة والمراشد والسياسات الاستراتيجية التى سوف يسير عليها المصرف فى المستقبل منها على سبيل المثال : سياسة الاستثمار ، سياسة التوظيف ، وسياسة التعامل مع البنوك التقليدية ، وسياسة التنويع ، وسياسة مواجهة التحديات العالمية مثل الجات والعولمة وأداء الإسلام وغير ذلك .
    * قرارات تصويب الأخطاء والانحرافات والمخالفات فى ضوء نتائج المتابعة والمراقبة وتقويم الأداء وفى إطار الضوابط الشرعية ، وسد الثغرات إليها فى ضوء تحليل مسبباتها .
    * دراسة العقود طويلة الأجل واتخاذ القرارات الموافقة عليها أو رفضها .
    * قرارات اختيار العنصر البشرى ولا سيما فى المستويات العليا بأن تتوافر فيه القيم والأخلاق والمعرفة والخبرة .
    * قرارات اعتماد البرامج التدريبية ولا سيما فيما يتعلق بفئة الإدارة العليا .
    * قرارات تخطيط وتنظيم الندوات والمؤتمرات فى مجال المصارف الإسلامية .
    * قرارات توزيع الأرباح بين أصحاب الحسابات الاستثمارية والمصرف الإسلامى .
    * قرارات التخلص من الكسب الحرام الخبيث .

    ويمكن تلخيص نماذج القرارات الإدارية الاستراتيجية السابقة فى صورة مجموعة من الوظائف الإدارية من أهمها ما يلى : تحديد الأهداف ، ورسم السياسات ، ووضع الخطط ، وتصميم النظم ، واختيار أساليب ونظم العمل وإجراءات التنسيق والتوجيه ، وتصميم نظم المتابعة والمراقبة وتقويم الأداء ، وتصميم نظم التغذية العكسية بالمعلومات لتطوير الأداء إلى الأفضل .
    وتأسيساً على ما سبق من عرض وتحليل ، فهنالك ضرورة شرعية وحاجة إدارية لخضوع مثل هذه الوظائف والقرارات وغيرها للتدقيق الشرعى بهدف التوصل إلى القرار الرشيد ، ويطلق على ذلك فى بعض الأحيان اسم " الرقابة الشرعية المانعة " ، أى قبل أن يأخذ الحدث طريقه إلى التنفيذ العملى .

    3ـ وجوب خضوع مهام مجلس الإدارة فى المصارف الإسلامية للرقابة الشرعية .
    لقد أكد على خضوع مهام مجلس الإدارة فى المصارف الإسلامية للرقابة الشرعية الدكتور يوسف القرضاوى بقوله." أن مهمة الهيئة الشرعية لا تقف عند الفتوى والمراقبة ، بل لها مهام أخرى ينبغى أن تهتم بها وتضاف إليها حتى تتحقق إسلامية المصرف فى الواقع العملى كما هو إسلامى فى قانون إنشائه ونظامه الأساسى وتحقيق التفاهم والتعاون على الارتقاء بمسيرة المصرف وتوجيه سياساته إلى التى هى أقوم ، صحيح أن رسم السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية من مهام مجلس الإدارة الأساسية ، ولكن ملاحظة الجوانب الشرعية لها يجب أن تكون حاضرة فى أذهان المسئولين فى المصرف حتى يكون مصرفاً إسلامياً بحق وليس مجرد لافتة أو لائحة ، ويجب أن يرتقى فى التزامه الإسلامى حتى يصل إلى التى هى أحسن كما ينشد الإسلام " .
    ويستنبط من كلام الشيخ الدكتور القرضاوى منهج جديد للرقابة الشرعية هو أن يكون هناك تعاوناً وتنسيقاً بين مهام مجلس الإدارة وبين الرقابة الشرعية ولا سيما فى اتخاذ السياسات وما قبل ذلك من تحديد الأهداف ، وما بعد ذلك من وضع الخطط والنظم واللوائح .
    ولقد استطرد الدكتور القرضاوى تصوره للرقابة الشرعية على قرارات مجلس الإدارة بقوله… "والمصرف الإسلامى هو الذى يقبل النصيحة وينتفع بالنقد ، فليس هناك أحد أكبر من أن ينصح ، ولا أحد أصغر من أن ينصح وقد جعل الله من شروط النجاة من خسران الدنيا والآخرة التواصى بالحق والتواصى بالصبر ، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى : " وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " ( العصر 1 : 3) ولقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال : " الدين النصيحة ، قلنا : لمن ؟ قال : " لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " ( رواه مسلم ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن مرآة المؤمن ، والمـؤمن أخو المؤمن ، يكف عنه ضيعته ويحوطه من ورائه " ( رواه أبو داود ) ، وتأسيساً على ذلك فلا يوجد حرج شرعى فى خضوع القرارات الإدارية الصادرة عن مجلس الإدارة أو غيره للرقابة الشرعية .
    وتعتبر الهيئة الشرعية مسئولة مسئولية تضامنية مع الإدارة فى تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية بالرغم من أن الإدارة هى المسئولة المباشرة عن ذلك ، وفى هذه الخصوص يقول الدكتور أحمد على عبد الله : " إنما فكرت إدارات المصارف الإسلامية فى إنشاء هيئات الرقابة الشرعية ووضع واجبات واسعة لها من أجل أن تعينها على الاضطلاع بهذه المسئولية والأمانة الكبيرة لا أن تتحملها دونها ، فتصير المسئولية تضامنية وينبغى على الجميع الوعى بها وإدراك ما تقتضيه بغرض رسم الخطط والبرامج المناسبة لاتخاذها وإنقاذها .
    ولا ينبغى لمجلس الإدارة أو المدراء التنفيذيين أو أعضاء اللجان المتخصصة التى تعد الدراسات لاتخاذ القرارات أن يتحرجوا من وجود المراقب الشرعى معهم عند مناقشة القرارات الاستراتيجية ، فلكل قرار بعدٌ شرعى لا يجوز تجاهله لأن من أهم موجبات ومقومات المصارف الإسلامية هى مسألة الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .

    4ـ دواعى الحاجة إلى خضوع القرارات الإدارية الاستراتيجية فى المصارف الإسلامية للرقابة الشرعية .
    يتضح مما سبق خطورة وجود خطأ شرعى فى القرارات الإدارية الاستراتيجية فى المصرف الإسلامى لأن هذا سوف يقود إلى سلسلة من الأخطاء فى كافة الأعمال التنفيذية المبنية على هذا القرار ، لذلك فهناك وجوب لخضوعها للرقابة الشرعية فى المنبع عند موطن صنع القرار ، ولا حرج فى ذلك وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حافلة بالنماذج العملية على خضوع قراراته للرقابة من قبل الله عز وجل .
    ولقد تبين من الدراسة الميدانية على عينة من المصارف الإسلامية ، ومن خلال الدورات التدريبية للعاملين بالمصارف الإسلامية أن بعض الموظفين يقولون : "نحن موظفون لا حول لنا ولا قوة وأننا نلزم بالقرارات والتعليمات والأوامر والتفسيرات الواردة لنا من الإدارة العليا " ، كما يقول بعضهم : " أننا عندما نعترض على عمل ما بأنه مخالف لشرع الله ، تأتى الأوامر العليا بضرورة التنفيذ " ، لذلك هناك ضرورة شرعية بأن يعقد لقاءات للإدارة العليا مع هيئة الرقابة الشرعية ومع المراقب الشرعى فى إطار من التعاون والتنسيق وتبادل الرأى حول وجوب الرقابة الشرعية للقرارات الإدارية الاستراتيجية ، فلا خير فيهم إن لم يسمعوها ولا خير فى الرقابة الشرعية إن لم تقولها .

    أهداف التدقيق الشرعى للقرارات الإدارية الاستراتيجية فى المصارف الإسلامية؛
    يتبين مما سبق بصورة جلية أن التدقيق الشرعى لوظائف الإدارة العليا الاستراتيجية وقراراتها ضرورة شرعية وحاجة إدارية وذلك لتحقيق مجموعة من المقاصد والأهداف من بينها ما يلى :
    (1) ـ التيقن من أن الإدارة العليا تعطى اهتماماً صادقاَ وخالصاً وأميناً بالالتزام التام بالأحكام والمبادئ والفتاوى والتوصيات والقرارات الشرعية ، وهذا من منطلق المسئولية التضامنية والإيمان بأن شرع الله يطبق أولاً.
    (2) ـ التأكد من فهم والتزام الإدارة العليا بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وكذلك بالفتاوى ذات الاختصاص بالمعاملات المالية والمصرفية باعتبار ذلك من ضوابط العمل المصرفى الإسلامى .
    (3) ـ بيان البعد الشرعى لمهام الإدارة العليا الاستراتيجية ليؤخذ فى الحسبان عند اتخاذ القرارات الإدارية الاستراتيجية ، ومن الأفضل أن يكون لديها دليل شرعى للرجوع إليه عند الحاجة .
    (4) ـ بيان المخالفات الشرعية قبل وعند وبعد التنفيذ والعمل على تصويبها فوراً حتى لا يختلط الحلال بالحرام .
    (5) ـ تقديم الإيضاحات والأجوبة على الاستفسارات التى ترد إلى الإدارة العليا بعد الرجوع إلى مجامع وهيئات الفتوى فى المسائل الجديدة .
    (6) ـ التقويم الشرعى لأداء الإدارة العليا من أجل التطوير إلى الأحسن وهذا بدوره يقوى الثقة فيها وفى قراراتها .
    (7) ـ القدرة على فهم ومناقشة التقارير الشرعية السنوية المعدة من قبل هيئة الرقابة الشرعية والتى تقدم إلى المساهمين وإلى أصحاب الحسابات الاستثمارية ، وإلى الجهات الحكومية والشعبية عن مدى التزام الإدارة العليا بالأحكام والمبادئ الشرعية .
    (8) ـ الاطمئنان النفسى للإدارة العليا من أنها تخشى الله سبحانه وتعالى باعتبار أن عملها هذا ليس وظيفة ولكن عبادة وطاعة ومسئولية والإيمان بأن التقوى والالتزام بشرع الله هو أساس الربح الحلال الطيب .
    القواعد الشرعية العامة الحاكمة للقرارات الإدارية الاستراتيجية
    فى المصارف الإسلامية .

    5ـ يحكم المعاملات بصفة عامة ومنها القرارات الإدارية فى المصارف الإسلامية مجموعة من القواعد الشرعية من أهمها ما يلى :
    (1) ـ عدم مخالفة مقاصد الشريعة الإسلامية : حيث أن فيها مصالح العباد فى الدنيا والآخرة وهى : حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال فأى قرار يخالف هذه المصالح منهى عنه شرعاً
    (2) ـ ثبات القواعد الكلية والمرونة فى التفاصيل والفرعيات لتتكيف حسب ظروف الزمان والمكان .
    (3) ـ باب الاجتهاد مفتوح لمن تتوافر فيه شروطه فى ما لم يرد بشأنه نص صريح من القرآن والسنة والإجماع ، ورأى جمهور الفقهاء مرجح على آراء الآحاد .
    (4) ـ الأصل فى المعاملات الحل ما لم يرد بشأنه نص صريح من القرآن والسنة والإجماع .
    (5) ـ التراضى التام بين المتعاملين ، والمؤمنين عند شروطهم إلاّ شرطاً أحل حراماً و حرم حلالاً .
    (6) ـ المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً فى ما لم يرد بتحريمه نص فى القرآن والسنة والإجماع .
    (7) ـ النظر فى العقود والمعاملات إلى المقاصد والمعانى ولا إلى الألفاظ والمبانى .
    (8) ـ مشروعية المقاصد ومشروعية الوسائل لتحقيقها ، وخطأ ما يقال : الغاية تبرر الوسيلة .
    (9) ـ حرمة وبطلان المعاملات التى تفتح الباب إلى المفاسد ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
    (10) ـ لا تحايل على شرع الله ، والعبرة بالمقاصد وليس بالسبل والوسائل ، والالتزام بشرع الله عبادة وطاعة وبركة
    (11) ـ لا ضرر ولا ضرار ، والأصل فى المضار الحظر والتحريم ، والضرر يدفع بقدر الإمكان ويتحمل الضرر الخاص لتجنب الضرر العام .
    (12) ـ الضرورات تبيح المحظورات ، والضرورة تقاس بقدرها ومن ضوابطها الشرعية ما يلى :
    ـ أن تؤدى الضرورة إلى مهلكة .
    ـ أن تكون الضرورة ملجئة .
    ـ أن تكون الضرورة قائمة .
    ـ تزال الضرورة دون تعدى ولا رغبة ولا تنزه .
    (13) ـ التوثيق والإشهاد لحفظ الحقوق والأموال والمعاملات .
    (14) ـ تقوم المعاملات على القيم الإيمانية والأخلاقية .
    (15) ـ تجديد النية بأن المعاملات عبادة لله ، والدين المعاملة .

    وينبثق من القواعد الشرعية الكلية مجموعة من الضوابط الشرعية والتى سوف نتناول أهمها فى هذا البند .

    الضوابط الشرعية العامة للقرارات الإدارية الاستراتيجية
    فى المصارف الإسلامية .
    من أهم هذه الضوابط ما يلى .
    (1) ـ فرضية التفقه فى الدين لمتخذ القرار الإدارى الاستراتيجى فى المصرف الإسلامى فما من قرار إلاّ وله بعد شرعى .
    (2) ـ الالتزام بالحلال الطيب فى اتخاذ القرارات ، وتجنب محارم الله ، والبعد عن الخبائث فإن الله طيب لا يقبل إلاّ طيباً .
    (3) ـ الالتزام بسلم الأولويات الإسلامية : الضروريات فالحاجيات فالتحسينات .
    (4) ـ اختيار العاملين على أسس القيم والأخلاق والسلوك السوى والمعرفة والخبـرة والكفـاءة الفنية واستخدام الأساليب العلمية المعاصرة فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها .
    (5) ـ الالتزام بالشورى فى اتخاذ القرارات ، فما تشاور قوم إلاّ هدوا إلى أرشد رأيهم .
    (6) ـ ضرورة توثيق الاتفاقيات والعقود والإشهاد عليها فىى ذلك تجنب للريبة والشك كما أنه يحفظ الحقوق .
    (7) ـ وجوب حسن التفاوض وحسن التعامل مع الناس .
    (8) ـ تجنب مخالفة القوانين والنظم العامة ما دامت لا تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
    (9) ـ التوازن بين السلطة والمسئولية والحقوق والواجبات .
    (10) ـ الوسطية والاعتدال فى الأمور عند الاختيار بين البدائل فى اتخاذ القرارات فخير الأمور أوسطها .
    (11) ـ الموضوعية والتجرد وتجنب الانحياز لإشباع هوى النفس عند اتخاذ القرارات .
    (12) ـ الاحتياط لنوائب الدهر غير المتوقعة ولاسيما بالنسبة للقرارات التى تتعلق بالمستقبل .
    (13) ـ التيسير عند الاختيار من بين البدائل ما لم يكن إثماً .
    (14) ـ احترام ذاتية وإنسانية العنصر البشرى لضمان تعاونه فى تنفيذ القرارات .
    (15) ـ الجمع بين الثبات والمرونة : ثبات القواعد الشرعية الكلية والمرونة فى التفاصيل والإجراءات ومواطن الاجتهاد .
    (16) ـ الجمع بين الأصالة والمعاصرة : أصالة القواعد الشرعية والمعاصرة فى أساليب التنفيذ .
    (17) ـ السمع والطاعة للمستوى الأعلى ما لم يكن فى معصية ولاسيما بعد الموافقة على القرار .
    (18) ـ محاسبة المسئولية ، ويقصد بذلك أن يكون الأداء الفعلى مرتبط بإدارة أو قسم أو حدة أو فرد .
    (19) ـ القدوة الحسنة ، ويقصد بذلك أن تحرص الإدارة العليا على احترام تنفيذ القرارات .
    (20) ـ الفورية فى المتابعة والمراقبة وتقويم الأداء وتصويب الأخطاء .
    (21) ـ النصح والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة .
    (22) ـ إيثار المصلحة العامة على المصلحة الشخصية .

    نطاق التدقيق الشرعى للقرارات الإدارية الاستراتيجية فى المصارف الإسلامية؛
    يتمثل نطاق عمل المدقق الشرعى فى المصارف الإسلامية فى هذا المقام فى الآتى :
    (1) ـ تدقيق الأهداف الاستراتيجية للمصرف الإسلامى للاطمئنان من اتفاقها مع الأهداف المعتمدة من قبل هيئة الرقابة الشرعية وتساهم فى تحقيقها وأنها لا تتضمن أموراً تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
    (2) ـ تدقيق السياسات الاستراتيجية للمصرف الإسلامى للتأكد من سلامتها الشرعية والقانونية والمصرفية والمالية والتوفيق بين المتعارض منها فى ضوء أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
    (3) ـ تدقيق الخطط الاستراتيجية لأنشطة المصرف الإسلامى وترجمتها فى صورة ميزانيات تقديرية ، للاطمئنان من السـلامة الشرعية والموضوعية والوسطية وأنها تتفق مع الأهداف المنشودة .
    (4) ـ تدقيق النظم والنماذج واللوائح المختلفة التى تمثل الجوانب التطبيقية للأهداف والسياسات والخطط وذلك للاطمئنان من أنها تحقق المقاصد المنشودة وأنها لا تتضمن أى مخالفات شرعية .
    (5) ـ تدقيق نماذج العقود والاتفاقيات طويلة الأجل مع الغير للاطمئنان من أنها لا تتضمن بنوداً تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
    (6) ـ تدقيق نماذج المتابعة والمراقبة ومؤشرات ومعايير تقويم الأداء للتحقق من أنها تساهم فى تطوير الأداء إلى الأفضل آخذةً فى الاعتبار البعد الشرعى .
    (7) ـ ما يوجه إلى المدقق الشرعى من استفسارات ومسائل تحتاج للدارسة والبحث والتحليل وإبداء الرأى .



    الرابع عشر؛ دور الهندسة المالية في تطوير الصيرفة الإسلامية.

    تبرز أهمية الهندسة المالية كأداة مناسبة لإيجاد حلول مبتكرة وأدوات مالية جديدة تجمع بين موجهات الشرع الحنيف واعتبارات الكفاءة الاقتصادية. لذلك تحتاج المؤسسات المالية الإسلامية دوما إلى الاحتفاظ بتشكيلة متنوعة من الأدوات والمنتجات المالية تمكنها من إدارة سيولتها بصورة مربحة، بالإضافة إلى توفيرها للمرونة المناسبة للاستجابة لمتغيرات البيئة الاقتصادية.

    وفي هذه الفترة بالذات والتي شهد فيها العالم تغيرات جذرية هائلة تمثلت في تغير أسلوب إدارة الموارد الاقتصادية إلى النمط الاقتصادي الحر، إلى جانب ترابط أسواق التمويل الدولية بفعل ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فإن ذلك يفرض ضغوطا تنافسية حادة قد تكون غير متكافئة بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، وبالذات في أسواق التمويل والخدمات المصرفية والمالية. ويستدعي ذلك بالضرورة تطوير منتجات مالية إسلامية مستحدثة تضمن للمؤسسات قدرا من المرونة ونصيبا سوقيا وارفا بساعدها على الاستمرار بفعالية.

    تعريف الهندسة المالية الإسلامية:

    الهندسة المالية الإسلامية ( Financial Engineering Islamic ) يقصد بأنها مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل وكل ذلك في إطار موجهات الشرع الحنيف. وتتضمن هذه الهندسة العناصر التالية:

    1. ابتكار أدوات مالية جديدة.
    2. ابتكار آليات تمويلية جديدة.
    3. ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية، مثل إدارة السيولة أو الديون أو إعداد صيغ تمويلية لمشاريع معينة تلائم الظروف المحيطة بالمشروع.
    4. أن تكون الابتكارات المشار إليها سابقا سواء في الأدوات أو العميلات التمويلية موافقة للشرع مع الابتعاد بأكبر قدر ممكن عن الاختلافات الفقهية أي تتميز بالمصداقية الشرعية.

    مزايا تطبيق الهندسة المالية الإسلامية في المصارف الإسلامية:

    1- توفير البدائل للمنتجات المالية التقليدية:
    حيث أن الهندسة المالية الإسلامية هي وسيلة للإبداع والتطوير وإيجاد المنتجات الإسلامية البديلة للمنتجات التقليدية، وهذا يتطلب توفر القدرة على إيجاد المنتجات البديلة للتقليدية، في بيئة تفتقر إلى محفزات الإبداع، بالإضافة إلى ندرة الأفراد المبدعين، والحاجة إلى ثقافة المؤسسات الكمالية الإسلامية وتفهمها للإبداع، ومدى اهتمامها بعمليات البحوث والتطوير، ومدى إلمام المبدعين المختصين بالمفاهيم الشرعية التي من شانها تعزيز الإبداع الأصيل.

    2- تجنب التقليد لمنتجات المصارف التقليدية :
    حيث أن التقليد هو البديل الوحيد للإبداع في غياب الهندسة المالية الإسلامية وعجز المؤسسات المالية عن ابتكار وتطوير منتجات مالية إسلامية تنافس نظيراتها التقليدية، ولكن في المقابل يجب عدم تحميل المؤسسات المالية الإسلامية ما لا تحتمل.

    3- محددات الهندسة المالية الإسلامية:
    تحتاج السوق المالية الإسلامية إلى مؤسسات مالية متطورة تستفيد من نتائج الهندسة المالية وفق المنهج الإسلامي في إبداع وابتكار الطرق والعميلات التمويلية التي تضمن لهذه المؤسسات المالية التميز في تقديم منتجاتها المالية، وتحقق لها التفوق والأسبقية على المؤسسات المالية التقليدية، هذا من جهة ومن جهة أخرى ضمان تدخل فعال لهذه المؤسسات المالية في هذه الأسواق، سواء من خلال التحوط أو إدارة المخاطر.

    * المحدد الأول:


    الالتزام بشرط المشاركة في الربح أو الخسارة في نص واضح وكامل لا يقبل التأويل، وذلك على أساس القواعد الشرعية المعمول بها في عقود المضاربة والمشاركات.

    * المحدد الثاني:
    أن لا يعاد دفع الموارد المعبأة عن طريق الأوراق والأدوات المالية التي أصدرت على أساس التخلي عن شرط الفائدة الربوية إلى مؤسسات وشركات تتعامل بنظام الفائدة في كل تعاملاتها، كما أنه لا يجوز استثمار الموارد النقدية للأوراق والأدوات المالية الإسلامية في مشروعات تدر عوائد متفق عليها مقدما على سبيل التأكيد.

    * المحدد الثالث:
    ضرورة استثمار الموارد التمويلية للأوراق في مشروعات لها أولويات واضحة في مجال المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي.

    مداخل الهندسة المالية الإسلامية :

    يمكن أن يكون لصناعة الهندسة المالية عدة مداخل، وتتعدد تبعا للطرق الممكن استخدامها من طرف المؤسسات الإسلامية في إقامة هذه الصناعة، ومن هذه المداخل ما يلي :

    المدخل الأول: المحاكاة
    والذي يعني أن يتم سلفا تحديد النتيجة المطلوبة من منتج صناعة الهندسة المالية الإسلامية، وهي عادة لا تخرج عن نفس النتيجة التي يحققها منتج صناعة الهندسة المالية التقليدية.

    المدخل الثاني: الأصالة والابتكار:
    ويعني هذا المدخل البحث عن الاحتياجات الفعلية للعملاء والعمل على تصميم المنتجات المالية المناسبة لها، بشرط أن تكون متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا المنهج يتطلب دراسة مستمر لاحتياجات العملاء ومتطلباتهم والعمل على تطوير الأساليب التقنية والفنية اللازمة لها، وذلك لضمان الكفاءة الاقتصادية للمنتجات المالية، كما يتطلب وضع أسس واضحة لصناعة هندسة مالية إسلامية مستقلة عن الهندسة المالية التقليدية.

    متطلبات الهندسة المالية الإسلامية :

    * الوعي ( وعي بالسوق وأحواله ) : ونقصد به أن تكون الحاجات التي يتطلبها السوق معروفة لمن يقوم بالابتكار والتطوير للأدوات والأوراق المالية.

    * الإفصاح ( بيان المعاملات وشفافيتها ) : أي بيان المعاملات التي يمكن أن تؤديها تلك الأدوات التي يتم ابتكارها أو حتى تطويرها، وذلك لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها المضاربون لاستخدام تلك الأدوات لتحقيق غايات لم تكن تهدف إليها أصلا أو التحايل على الربا أو القمار.

    * المقدرة والالتزام بالشريعة الإسلامية في التعامل: أي وجود مقدرة رأسمالية تمكن من الشراء والتعامل، وكذا الالتزام بضوابط شرعية.

    الأسس العامة للهندسة المالية الإسلامية :

    * تحريم الربا والغرر.
    * حرية التعاقد.
    * التيسير ورفع الحرج.
    * الاستحسان والاستصلاح ( المصالح المرسلة ) :
    ويقصد بالاستحسان هو ما يستحسنه المجتهد بعقله من دون تواجد لنص يعارضه أو يثبته، بل يرجع فيه إلى الأصل العام، وهو جريان المصالح التي يقرها الشرع.
    أما المصالح المرسلة فمعناها الأخذ بكل أمر فيه مصلحة يتلقاها العقل بالقبول، ولا يشهد أصل خاص من الشريعة بإلغائها أو اعتبارها، وتختلف هذه المصالح باختلاف البلاد وباختلاف الأقوام والأشخاص، وحتى اختلاف أحوال الشخص الواحد.

    خصائص الهندسة المالية الإسلامية :

    # المصداقية الشرعية: وهي أن تكون المنتجات الإسلامية متوافقة مع الشريعة، حيث أن هذه المنتجات هي ترجمة عملية للقيم والمثل التي جاء بها الإسلام، فبدون هذه المنتجات تظل المبادئ حبرا على ورق ولا رصيد لها من الواقع.
    # الكفاءة الاقتصادية.
    # العلاقة بين الكفاءة الاقتصادية والمصداقية الشرعية.

    معوقات تطبيق الهندسة المالية في المصارف الإسلامية :

    1- التحديات المتعلقة بالجوانب المؤسسية

    * الإطار المؤسسي السليم:
    لكل نظام متطلباته المؤسسية والبنوك الإسلامية ليست استثناء فهي تحتاج غلى عدد من المؤسسات والترتيبات الداعمة بغية القيام بوظائفها المتعددة.

    وتحاول مؤسسات العمل المصرفي الإسلامية الاستفادة من الإطار المؤسسي الذي يدعم العمل المصرفي التقليدي، لكنها تعاني من انعدام الدعم المؤسسي الذي يوظف خصوصا لخدمة احتياجاتها.

    * الإطار القانوني المناسب والسياسات الداعمة :
    وضعت قوانين التجارة والمصارف والشركات في معظم البلدان الإسلامية على النمط الغربي، وتحتوي هذه القوانين أحكاما تضيق من مدى نشاطات العمل المصرفي وتحصره في حدود تقليدية.

    * الإطار الإشرافي:
    الإشراف على البنوك الإسلامية مهم بنفس درجة أهميته للبنوك التقليدية، وفي الوقت الراهن فإن عدم وجود إطار إشرافي فعال يعتبر أحد نقاط ضعف للنظام القائم ويستحق اهتماما جادا.
    وهناك حاجة لتنسيق وتقوية الأدوار التي تضطلع بها كل من هيئات الرقابة الشرعية والبنوك المركزية في الدول الإسلامية.

    2- التحديات المتعلقة بالجوانب التشغيلية :

    *انعدام التمويل عن طريق تقاسم الأرباح
    تنقسم المعاملات المالية الإسلامية إلى نوعين يقوم أحدهما على رسم ثابت على رأس المال ويستند الآخر إلى تقاسم الأرباح، ويوفر النوعان كلاهما التمويل من خلال شراء وبيع سلع حقيقية بينما تقوم المعاملات المالية التقليدية على تسليف الأموال مقابل رسم ثابت ( فائدة ).
    * عدم سيولة الموجودات
    مشكلة أخرى يسببها انتشار صيغ التمويل القائمة على أساس الدين، وهي صعوبة تحويل هذه الصيغ التمويلية إلى أدوات مالية يمكن التفاوض بشأنها.

    - حشد الودائع وتوظيف الأموال محليا.
    - المنافسة .
    - العولمة.

    تطبيقات الهندسة المالية في المصارف الإسلامية

    نموذج المرابحة (نموذج د. سامي السويلم)
    يقوم هذا النموذج على إعادة هندسة بيع المرابحة للآمر بالشراء من خلال عقد المشاركة كما يلي:
    - يقوم التاجر الذي ينوي تخصيص جزء من مبيعاته لتكون بالتقسيط بفتح حساب لدى البنك الإسلامي كحصته في حساب المشاركة, ويقوم المصرف كذلك بإيداع مبلغ مماثل أو يزيد كحصة المصرف في حساب المشاركة.
    - يقوم التاجر بعملية البيع بالتقسيط ونقل الملكية وكل ما يتعلق بالأمور الفنية لبضاعته, ويتولى المصرف متابعة الأقساط والتسديد وكافه الأمور المالية.
    - الأرباح التي يجنيها هذا الحساب المشترك توزع بين التاجر والمصرف بالاتفاق.
    وبهذه الطريقة يحقق المصرف عدة أهداف, فهو أولاً يقلل التكاليف الإجرائية التي تتسم بها عمليات المرابحة بالمقارنة مع البنوك التقليدية، ومن ثم يبتعد عن الشبهات الشرعية المتعلقة بالقبض والحيازة, ويكون أيضاً مكملاً لعمل التجار وليس منافساً لهم.

    * نموذج الوكالة بأجر (نموذج د. جمال الدين عطية)
    ويقوم هذا النموذج على إعادة هندسة علاقة المودعين مع المصرف الإسلامي، من علاقة المضاربة المشتركة التي تثير مشكلة تطبيقية وهي مسألة التداخل الزمني, وهي اختلاف مواعيد السحب والإيداع بين المودعين ومواعيد بدء وتصفيه الاستثمارات التي استخدمت فيها أموال المودعين, وهو يحول دون تحديد الربح أو الخسارة الفعلية العائدة لأي وديعة بعينها,

    ويقترح د.جمال الدين عطية أن تكون علاقة البنك بالمودعين قائمة على أساس الوكالة بأجر بدلاً من المضاربة، حيث يعتبر البنك وكيلاً عن المودعين في استثمار أموالهم لقاء أجر ثابت أو نسبة من مبلغ الوديعة ذاتها, وهذا المقترح يجعل دخل البنك مستقلاً عن مواعيد ونتائج عمليات الاستثمار الفعلية.

    * نموذج سندات الإجارة الموصوفة في الذمة(نموذج د. منذر قحف)
    سندات الإجارة هي نوع مبتكر من السندات الإسلامية, وهي جمع بين السند كأداة مالية وعقد الإجارة وعقد السلم, وآليتها أن تكون هناك الخدمة موصوفة في الذمة مثل التعليم الجامعي مثلاً بحيث يكون الوصف تفصيلاً ولا يدع مجالاً للخلاف كان يكون تعليم طالب جامعي, تتوفر فيه شروط معينة ويحدد له مساق دراسي معلوم بزمنه ومدته ووصفه, بعد ذلك تقوم الجامعة وهي مقدمة خدمة التعليم الجامعي بإصدار سندات خدمة موصوفة في الذمة تمثل تعليم طالب في الجامعة على أن تقدم هذه الخدمة الموصوفة في الذمة بعد عشر سنوات مثلاً،

    ويمثل السند حصة ساعية واحدة, ولحامل هذا السند الحق في الحصول على الخدمة الموصوفة مقابل ما يدفعه الآن من ثمن للسند الذي يمثل ملكيته للمنفعة, إن هذا المبتكر يحقق ميزة الكفاءة في تعبئة المدخرات وميزة التخصيص الكفء للموارد, وتحقيق السيولة والربحية والضمان لكافة أطراف العلاقة بشكل كفؤ وهو ما تهدف إليه الهندسة المالية, كما أوضحناه آنفا.

    * الكتابة والإشهاد والرهن لحل مشكلات التوثيق الذي يستلزمه الائتمان
    * شركات الأموال (عنان ومفاوضة) لتحل مشكلة الحاجة إلى حجم التمويل الكبير.
    * شركة المضاربة لتحل مشكلة الحاجة المتبادلة بين العمل والمال.
    * عقد البيع الذي ارتضاه المولى تعالى حلا لانتقال الأعواض استجابة لحاجة المتبادلين إلى الأعيان والأثمان، ويسّجل للإسلام اهتمامه بعقد البيع وضبطه له على نحو معجز تتصاغر عنده كل معطيات الفكر الوضعي.
    * البيع الآجل والبيع منّجم الثمن لحل مشكلة نقص السيولة آنياً.
    * بيع السَّلم ليحل مشكلة تمويلية وتسويقية بتعجيل الثمن وتأجيل المثمن. وتالياً جاء السلم الموازي ليؤمن كفاءة ذلك عند وجود الطرف الثالث.
    * قبولها لمبدأ تسهيم رأس المال (تجزئته) لحل مشكلات حجم التمويل الكبير، وحل مشكلة السيولة بتأمين التداول في الأسواق المالية.
    * تحويل جهة الالتزام ومكان إبرائه بواسطة الحوالات أو السفاتج والكمبيالات، فالدين في الإسلام علاقة مالية لا شخصية، ومن أحيل على مليء فليتبع.
    * الوكالة التي تقيم الوكيل الملتزم محل الأصيل الذي يوكله في الحدود التي يرتضيانها مما أقره الشارع.
    * الكفالة التي تضم ذمة الغير الخالية من الالتزام إلى ذمة الملتزم تعضيداً لها وتدعيماً للمعاملات المالية.
    * رقاع الصيارفة أو السندات الإذنية، التي توثق إقراراً بمديونية محددة وتعهداً بسدادها لحامل الرقعة أو السند، في تنميط لعلاقة ثنائية بين الدائن (حامل الرقعة) والمدين (محررها).
    * الصك أو ما صار يعرف اليوم بالشيك، وهو أمر من المالك إلى المستودع بدفع مبلغ للمستفيد، في تنميط لعلاقة ثلاثية أطرافها المحرر (المحيل) والمستفيد (المحال) والمكلف (المحال عليه) أو المسحوب عليه. ومثال ما تقدم ما تعامل به عبد الله بن الزبير وأخوه مصعب رضي الله عنهما من رقاع وصكوك. هذا ويلاحظ أن هذه الأدوات هي بمثابة البكرات في عالم الفيزياء الحركية وظيفتها توفير المرونة الكافية للتعامل مع الالتزامات ضمن القواعد العامة للمعاملات الإسلامية لجهة ضبط ذمة الالتزام أو تاريخه أو مكان إبرائه.
    * الكوبونات الأجرية أو صكوك الطعام التي عرفتها الدولة الإسلامية إذ كانت تخصص لموظفيها العموميين: أجورهم معرّفة بكميات معلومة من صنوف معلومة من الطعام تغلباً على مشكلة نقص السيولة.
    * ومن الحلول المالية العملية والتي تبنتها كل المصارف التقليدية والإسلامية، ما كان يفعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنه إذ كان يقبل المال من الناس على أنه قرض لا وديعة تحقيقا لمشروعية الضمان ولمشروعية الربح الذي يتولد عن التصرف به.
    * واستحدث الحنفية عقد الاستصناع وأفردوه عن السلم وخصوه بشروط وقيود تحقيقا لمقاصد إنتاجية وتمويلية.

    * كما عرفت الهندسة المالية المعاصرة صناديق الاستثمار والصكوك الاستثمارية، ومشروعيتها تقيّد بالأبعاد العقدية التي تحكم أطرافها أولاً، وبطبيعة نشاطها ثانياً وبمآلات التعامل بها ثالثا، ولا شك أن وجودها يمّكن المستثمر من خفض المخاطر بتنويع مروحة أصوله.
    * ومن الأدوات المستحدثة التي تبنتها الهندسة المالية الإسلامية المعاصرة، عقود الإجارة التمويلية والإجارة المنتهية بالتمليك وصكوك الإجارة الموصوفة في الذمة، وهي أدوات ينبغي أن تمّحص مبانيها العقدية أولا ثم ينظر في مآلات تطبيقها ثانيا.

    آراء خبراء في الهندسة المالية الإسلامية :

    تعددت آراء الخبراء المتخصصين في الصيرفة الإسلامية في مفهوم الهندسة المالية الإسلامية، وكيفية استخدامها من قيل المصارف الإسلامية، وخاصة في طل المتغيرات الاقتصادية الحالية، وفيما يلي بعض آراء هؤلاء الخبراء :

    1- الخبير المالي الدكتور سامي السويلم نائب رئيس معهد البحوث والتدريب في البنك الإسلامي للتنمية :
    عرف السويلم الهندسة المالية [أنها مفهوم قديم قدم المعاملات المالية، أي أنها عبارة عن التصميم والتطوير والتنفيذ لأدوات واليات مالية مبتكرة، والصياغة لحلول إبداعية لمشكلات التمويل.وأضاف أن الابتكار المقصود ليس مجرد الاختلاف عن السائد بل لا بد أن بيكون هذا الاختلاف مميزا إلى درجة تحقيقه مستوى أفضل من الكفاءة والمثالية، مبينا أن الشريعة الإسلامية قد تضمنت الأسس الضرورية لقيام الهندسة المالية ، فهي قد شجعت على الابتكار وحثت عليه، وبينت الأسس التي يمكن من خلالها توجيه وترشيد عملية الابتكار المالي بما يحقق المصالح المرجوة.

    ويستدل السويلم بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعلية وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا".

    وبين السويلم أن هذا الحديث الشريف يمثل الأساس الأول في الحث على الإبداع والابتكار الذي ينفع المسلمين ويحقق المصلحة الشرعية، موضحا أن قوله صلى الله عليه وسلم : "من سنة سنة حسنة" يدل على وصف العمل الحسن، لا يكون ذلك إلا بموافقة الشرع، فلو كانت السنة المذكورة تغييرا للشرع لما كانت حسنة. فجانب الاختراع أو الابتكار المشروع هو في الدرجة الأولى في التطبيق أو التنفيذ للحكم الشرعي، كما ورد في الحديث وليس في الحكم نفسه.

    2- الخبير والباحث الأردني ناصر الزيادات :
    حيث أكد الزيادات أن هناك خلطا كبيرا بين مصطلحي الهندية المالية والمشتقات المالية، حيث أن المصارف الإسلامية جديدة نوعا ما فإن استخدام الهندسة المالية سيجعلها أكثر جذبا وتنافسية من نظيرتها التقليدية. وأوضح أنه فيما يخص المؤسسات المالية الإسلامية فالحاجة ملحة للتطوير والإبداع والهندسة ولكل ما يندرج تحت تلك المترادفات ليس على المستوى المؤسسي وحسب بل على مستوى الصناعة.

    وأشار الزيادات إلى أن الصناعة المالية الإسلامية كونها صناعة ناشئة بالمقارنة بنظيرتها التقليدية تعد بأمس الحاجة إلى عميلات التطوير والابتكار لمنتجات مالية إسلامية أصيلة تحافظ على هوية الصناعة وتقيها شرور التقليد حتى وإن كان في إطار شرعي، وهذا كله سيسهم في تحقيق نمو مستدام للصناعة ككل وينعكس حتما على استدامة المؤسسات المالية الإسلامية.

    وقد عرف الزيادات الهندسة المالية بأنها عبارة عن وسيلة للإبداع والتطوير وإيجاد المنتجات الإسلامية البديلة للمنتجات التقليدية، منوها إلى أن الأهم من السؤال عن قدرة الهندسة المالية على إيجاد المنتجات البديلة للمنتجات المالية التقليدية هو السؤال عن البيئة التي تحفز الإبداع وتسهله، والأشخاص المبدعين وسماتهم والاهتمام بهم وثقافة المؤسسات المالية الإسلامية وتفهمها للإبداع.

    3- الدكتور عبد الكريم قندوز أستاذ في جامعة حسيبة بن بو علي الجزائرية، والمحاضر في قسم المالية في كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك فيصل :
    أكد قندوز أن معظم تعاريف الهندسة المالية تعتبر إلى أن مستخلصة من وجهات نظر الباحثين الذين يطورون النماذج والنظريات أو مصممي المنتجات المالية في المؤسسات المالية التقليدية، مبينا أنها عبارة عن مجموعة الأنشطة التي تتضمن التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، إضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل وكل ذلك في إطار توجيهات الشرع.

    وبين قندوز أن الصناعة المالية الإسلامية وجدت منذ أن جاءت الشريعة الإسلامية بأحكامها المطهرة، وربما كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لبلال المازني رضي الله عنه، عندما أراد أن يبادل التمر الجيد بالتمر الرديء، فقال له صلى الله عليه وسلم : "لا تفعل، بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيبا، إشارة لأهمية البحث عن حلول تلبي الحاجات الاقتصادية دون إخلال بالأحكام الشرعية.

    ونوه قندوز إلى أن الشريعة الإسلامية لم تحجر دائرة الابتكار وغنما على العكس حجرت دائرة الممنوع وأبقت دائرة المشروع متاحة للجهد البشري في الابتكار والتجديد.

    وذكر قندوز أن أسباب الحاجة لهذه الهندسة تتمثل في ضرورة الانضباط بقواعد الشريعة، وتطور المعاملات المالية، بالإضافة إلى حدة المنافسة مع المؤسسات المالية التقليدية.

    ويرى قندوز أن الهندسة المالية الإسلامية تهدف إلى إيجاد قيمة مضافة، وهذا يعني أن المنتجات المالية الإسلامية تناسب المسلمين وغير المسلمين، وتحقق المصلحة لهم جميعا، مبينا أن مهمة الاقتصادي المسلم المعني بالهندسة المالية ليس التخريج للمنتجات السائدة كالمشتقات وإنما البحث عن منتجات تناسب المفهوم الإسلامي للتمويل والمخاطر. وهذه المنتجات موجودة وقائمة وليست في حيز العدم.وقال أن هناك فرقا بين الهندسة المالية الإسلامية والتقليدية، حيث أن الابتكار في الصناعة المالية الإسلامية لا يؤدي إلى تجاوز الأحكام الإسلامية على النحو الذي يجري في الصناعة التقليدية.

    وبين قندوز الأهمية العلمية لهذه الهندسة، منوها إلى أن الحث والتطوير يؤديان إلى استكمال المنظومة المعرفية للاقتصاد الإسلامي ومواكبته للتطورات الحاصلة في العلوم المالية، كما أن هذه الهندسة تساعد على إيجاد الكوادر الإدارية التي يتطلبها العمل المصرفي الإسلامي والتي تجمع بين المعرفة الشرعية والخبرة المصرفية الإسلامية.

    4- الباحث الاقتصادي الأستاذ أحمد محمد محمود نصار :
    فقد عرفها نصار بأنها مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة, وتكوين مجموعة حلول إبداعية لمشاكل التمويل في الشركات. وبين أن هذه الهندسة تشتمل على تصميم أدوات مالية مبتكرة, مثل بطاقة الائتمان, وأنواع جديدة من السندات والأسهم, وتصميم عقود تحوط مبتكرة، وتطوير الأدوات المالية, أي تلبية هذه الأدوات المبتكرة لحاجات تمويلية جديدة, أو التغيير الجذري في العقود الحالية لزيادة كفاءتها فيما يخص المخاطرة وفترة الاستحقاق والعائد، بالإضافة إلى تنفيذ الأدوات المالية المبتكرة, أي ابتكار إجراءات تنفيذية مبتكرة من شأنها أن تكون منخفضة التكلفة ومرنة وعملية.

    ويرى نصار أن الهندسة المالية الإسلامية تعتبر منهجاً لنظم التمويل المعاصرة يهدف إلى تحقيق الكفاءة في المنتجات المالية المعاصرة وتطويرها في ظل الاحتياجات المالية والتي تتصف بأنها متجددة ومتنوعة.
    وتكمن أهمية الهندسة المالية وخصوصاً في عالمنا المعاصر اليوم بأنها تقوم بالموازنة بين عدة أهداف ومن ثم تصميم أدوات مبتكرة تستوعب كل هذه الأهداف معاً, وهذه المهمة ليست باليسيرة حيث تحتاج إلى تضافر جهود على شكل تنظيمي بين الشرعيين والاقتصاديين والمصرفيين والمحاسبين للخروج بمبتكرات فعالة.

    ويبين نصار أن أهمية الهندسة المالية بالنسبة للبنوك الإسلامية تبرز في أنها تتعامل ضمن الضوابط والقيود الشرعية التي تنظم آلية أعمالها التمويلية والاستثمارية, ولهذا يتوجب على المهندس المالي في البنوك الإسلامية مراعاة هذه الضوابط وعدم اللجوء إلى الحيل, لأن الأحكام والضوابط الشرعية جاءت لتحقق مصلحة للفرد والمجتمع معاً.

    5- الأستاذ الدكتور عبد الهادي السبهاني:
    حيث أن السبهاني قام بتعريف الهندسة المالية الإسلامية على أساس علاقتها بالتحوط، مبينا أن التحوط يقصد به اتقاء المخاطر وتخفيف آثارها، وحين يكون الحديث عن الاستثمار؛ فإن المخاطر تتلخص في: فوات ربح متوقع أو تآكل رأس المال. ويقصد بالهندسة المالية الإسلامية ابتكار الحلول المالية وتنميطها في منتجات تحقق الأغراض المالية مع السلامة الشرعية. والملاحظ أن التحوط، وهو هدف من أهداف الهندسة المالية التقليدية المعاصرة، قد طغى على أهدافها الأخرى حتى أصبحت وكأنها معنية فقط بالبحث عن حلول افتراضية للتحوط كان أبرزها المشتقات المالية. ولكي تروج هذه البضاعة كان لا بد من تصنيع الحاجة إليها بالدعاية والإعلان، وبإذكاء الخوف وإذاعته وتفعيل تقلبات الأسواق وهي مخاطر تحت السيطرة تلجئ إلى التحوط!!.

    ويرى السبهاني أن الهندسة المالية الإسلامية قد انزلقت أو كادت إلى منزلق الهندسة المالية التقليدية، وكان المدخل الساذج لهذا التوجه هو التوكيد على موقف الإسلام الصحيح من حفظ المال ووجوب صيانته، لتصل إلى استنتاج سريع وخطير يتلخص في أن التحوط بالوسائل التقليدية (المشتقات) أمر سائغ بل واجب شرعاً، لأن ما لا يتم الواجب (حفظ المال) إلا به فهو واجب!!. ولقد بني النظام المالي المعاصر على عقيدة فاسدة ماليا قبل أن تكون فاسدة شرعيا ومن وجوه فساد هذه العقيدة المالية السعي إلى فك الارتباط بين مغانم الاستثمار ومغارمه (مخاطرته)، ومن وجوه فسادها سماحها بنقل هذه المخاطرة إلى الغير عبر صنوف المشتقات، ونسوا أن المخاطر محكومة بقانون ربما له دقة قوانين الفيزياء، فهي تلد مع الاستثمار ولا تفنى إلا بفنائه، وكان على النظام الذي شرعن تلك الأنانية وذلك الدجل المالي أن يتحمل غُصة تلك الأصول السامة التي تتشردق بها البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية والتي تتكلف الحكومات ومن ورائها دافعو الضرائب أعباءها الهائلة بينما انسحب اللصوص والنصابون إلى مغاراتهم يستمرئون التنعم بوافر جنيهم تاركين العالم يتقلب في بلائه!!.

    ويبين السبهاني أن المطلوب من الهندسة المالية الإسلامية وقفة نقدية تقديرية تخرجها من مدار الهندسة المالية التقليدية خاصة وإن القوم صاروا يتلفتون إلى الإسلام ونظامه المالي والاقتصادي.

    ويشير السبهاني إلى عدم تأجيل الدعوة إلى النظام المالي والمصرفي والاقتصادي الإسلامي أو تأخير عرضه على الناس بحجة عدم نضجه، مبينا أن أول ما ينبغي فعله هو تنزيه هذا الفكر من تلك التخريجات التي قربته من نظيره التقليدي حتى لا يُفجع المتطلعون إلى الإسلام ونظامه المالي، بالمسخ الذي فعلته الهندسة المالية الإسلامية مسايرة للأسواق المالية والمصرفية التقليدية أو تأثرا بها.
    وذكر السبهاني أن مزية النظام الإسلامي تكمن في تقديره في أمرين: الأول هو توسيع قاعدة المخاطرة باشتراك الممول مع المستثمر في المغانم والمغارم. أما الثاني فهو إرساء المخاطرة وعدم ترحيلها إلى الغير، وهو ما يستفاد من استقراء أحكام المعاملات. ولا يفهم من كلامنا أننا نستهدف المخاطر أو الخسائر، ولا يفهم من كلامنا تسفيه الشعور الفطري للتحوط فهذا ما لا يقول به عاقل؛ إنما نريد تحوطا مشروعا، وإذا كانت نظرية العقد تسّوغ للأغيار كل ما يتراضون عليه، فإن نظرية العقد الإسلامية تشترط أن يكون ما يتراضى عليه العاقدون في دائرة الإباحة التي حددتها الأحكام الثابتة.

    وأوضح السبهاني أن الهندسة المالية الإسلامية الصحيحة، التي سبق وجودها وجود هذا المصطلح، استطاعت أن تنتج سيلاً من الأدوات والحلول الفعّالة والمشروعة في عوالم التمويل والتجارة الحقيقية. ويلخص قوله بأن عقود التحوط عبر المشتقات المالية عقود طارئة لا علاقة لها بالمبنى العقدي للتمويل، وهي عقود فاسدة بذاتها لما يكتنفها من غرر وربا وميسر، وهي فاسدة في استخداماتها إذ أراد البعض التحوط بها لما لا يجوز التحوط منه أي المخاطرة التي يطيب معها الربح، بينما أرادها الأكثرون أدوات للمضاربة والمقامرة ليس غير. كما نوه إلى أن المستثمر له أن يتحوط بتنويع أصوله والموائمة بين تدفقات حقوقه المالية والتزاماته، وهذا من الحكمة التي يتعين أن يلتمسها، أما أن يلجأ إلى بيع المخاطر وترحيلها إلى الغير عبر المشتقات المالية والتأمين التجاري فهو أمر لا يمكن قبوله إلا بتعسف الاستدلال.



    الخامس عشر؛ إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية.

    المخاطر هي ظواهر وأحداث تهدد إنجاز الأهداف وقد تؤثر سلبا" على استمرارية المؤسسة الهادفة إلى تحقيق رسالتها، وباعتبار إدارة المخاطر كعلم : فهي تعتمد على التحليل الواقعي لهيكلية المخاطر والاستعانة بالنماذج القياسية والحسابية، وتتطلب اختيار النموذج المناسب، ومحاولة تعميمه بنجاح وفاعلية في المؤسسة، مع اعتبار الحيطة والحذر، بما يجعل إدارة المخاطر من الفنون القائمة على المعرفة الحقيقية للبيئة المصرفية، والمكتسبة من خلال الكفاءة المهنية, والخبرة.

    وباعتبار الأطر المصرفية فهناك طبعا المعايير الدولية وبالأخص معايير بازل والتي اتخذت صفة قانونية في كثير من البلدان التي تود تسهيل الدخول لمصارفها إلى السوق الدولية في خضم العولمة، فأصبحت أكثر المصارف مضطرة لاتباعها، مجبرة لا بطلة، وفي خصوصية المصارف الإسلامية لا بد من اعتبار معيار آخر ملزم وهي الأحكام الشرعية.

    هناك ارتباط عضوي بين المخاطر وبين تحقيق النتائج، فكلما قبلت شركة أن تتعرض لقدر أكبر من المخاطر، تفترض تحقيق جانب أكبر من النتائج، ومع احتمال أن تكون النتائج خسائر في حال عدم درايتها الفعلية بحدود الخطر، وكون عمل المخاطر هو تقييم حجم الخسائر في حال حدوث الخطر، ما يعني ارتباط المخاطر بكفاية رأس المال.

    وبغض النظر عن الأطر القانونية والمعيارية، والتي أصبحت ملزمة من قبل الهيئات الرقابية في معظم البلدان الإسلامية، لم تعد أهمية اكتشاف المصارف لمخاطر عملها، بهدف تجنب هذه المخاطر، بل للعمل على احتوائها لتعظيم العائد على الاستثمارات الذي هو في النهاية المقياس الحقيقي للنجاح،
    فالمصارف الإسلامية هي مؤسسات مالية تهدف إلى الربح وليست جمعيات خيرية وان كان الفرق بينهما وبين المصارف التقليدية بان أرباح المصارف الإسلامية هي أرباح مباحة شرعا تبعا لقواعد الدين الإسلامي.

    وعلى ذلك فإن حسن إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية، وبعد تفهم مجلس الإدارة، يشمل المرور بأربع مراحل أساسية :

    1 ـ تعريف المخاطر التي يتعرض لها نشاط الصيرفة الإسلامية.
    2 ـ القدرة على قياس تلك المخاطر بصفة مستمرة من خلال نظم معلومات ملائمة.
    3 ـ اختيار المخاطر التي يرغب المصرف في التعرض لها، والتي يمكن لرأس المال تحملها.
    4 ـ مراقبة الإدارة لتلك المخاطر وقياسها بمعايير مناسبة واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب لتعظيم العائد مقابل تخفيض انعكاسات المخاطر.
    وفي إطار تعريف المخاطر، وللتعرف عليها، يمكن الانطلاق من نوعية النشاط المصرفي عبر دراسة تفصيلية للبيئة الداخلية والخارجية، وذلك عبر تجزئة النشاط إلى خطوط إنتاج، وهذا في إطار الأهداف العامة الموضوعة من قبل مجلس الإدارة،
    والتي أصبح متعارف على تقسيمها، وباعتبار الخصوصية الإسلامية، التي تتخطى مخاطر الائتمان المتعارف عليها في التسمية، تبعا لما يلي :
    مخاطر الاستثمار،
    مخاطر السوق،
    مخاطر السيولة،
    مخاطر معدل العائد،
    مخاطر التشغيل،
    مخاطر السمعة.
    ويفترض من ناحية إدارية وضع إجراءات تضمن تدرج إقرار هذه الخطوط، كما في أي سياسة يعتمدها المصرف، وتبعا لمعايير بازل2،
    يمكن تفعيل عمل اللجان لضمان الحوكمة الإدارية وفصل الملكية عن القرار التنفيذي، وربما إنشاء لجنة إدارة الموجودات والمطلوبات، لتضم إليها المدير العام والمدراء المساعدين، ومدراء كافة الأقسام الرئيسية ومسؤولي كافة اللجان وكل من يعينه مجلس الإدارة،
    وبالتالي تقوم هذه اللجنة من ناحية آلية إقرار الأهداف، والاستراتيجيات، والإجراءات، بدراسة المقترحات، ليتم تقديمها للموافقة على مجلس الإدارة.
    حيث على مجلس الإدارة وتبعا لإرشادات بازل2، أن يقوم بالموافقة على السياسات المتعلقة بإدارة المخاطر على مستوى المصرف ككل، وبالتالي إخطار المجلس بصفة منتظمة عن المخاطر التي يتعرض لها المصرف.
    وغالبا ما تقوم المصارف الإسلامية بدارسة وتقييم المخاطر التي تتضمنها المشروعات التي تطلب التمويل، بنفس الأساليب التي تقوم بها المصارف التقليدية، سواء فيما يتعلق بمخاطر العميل أو مخاطر البلد (سياسياً واقتصادياً) أو مخاطر العملة،
    وهذا رغم الاختلاف النوعي في عملية التمويل، فالمصارف الإسلامية، لمشاركتها في خسائر بعض العمليات تبعا لنوع العقود، فهي تقوم بالدور الذي تحجم عنه البنوك التقليدية في تقديم رأس المال المخاطر.
    فإدارة المخاطر على حساسية عالية في المصارف الإسلامية، فعليها أن تتابع من ناحية نوعية، تطور النشاطات والقطاعات الاقتصادية،
    وبالتالي لها دور موجه في شكلية الاقتصاد ومرادف له، وبالتالي فان الخطر لا ينحصر فقط إدارة الأموال، ولكن في اختيار شركائها في المشاريع، وما هي حدود هذا الاختيار، وهل حدود القرابة والصداقة معيار يتوقف عنده الاختيار،
    هذا بالإضافة إلى الإشراف على الاستثمار، ومتابعته ومراقبته.
    والسؤال الذي يطرح هو النوعية الرقابية ومعيارها، ومعايير التشغيل المطلوبة في الشركات المستثمر بها، والتي يفترض على المصرف وضعها، لتكون ثابتة بغض النظر عن المشروع وأصحابه، والى أي حد يمكن أن يكون سقف التدخل الذي يمكن أن يشكل للمصرف ضمانة معقولة لمدى احترام القواعد التشغيلية من قبل المشروع،
    وما هي الأصول التي يمكن أن تشكل الحافز المؤثر في التشغيل، لكي لا يعتبر التدخل سافرا، ويمكن أن يكون يؤثر غلى القرار التشغيلي في المشروع، وبالتالي يصبح مبررا في حال فشل المشروع، كان يبرر القيمين على المشروع فشلهم بقولهم أن التدخل الفائض من قبل المصرف منع المشروع من اتخاذ قرارات، لو نفذت هذه القرارات لتمكن المشروع من النجاح.
    وتعد الخدمات المصرفية في المصارف، اطر العمل التي تحتوي على المخاطر، وهي الواجهة الرئيسية للمتعاملين مع المصرف، ووسيلة هامة لجذب المتعاملين الجدد، والمحافظة علي المتعاملين الحاليين. فهي بوابة العبور للتعامل في أنشطة المصرف المختلفة.
    ويقدم المصرفي الإسلامي كافة الخدمات المصرفية التي يقدمها البنك التقليدي فيما عدا الخدمات المصرفية التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية والتي تستخدم أسعار الفائدة في تنفيذ تلك الخدمات .
    تنقسم الخدمات المصرفية المقدمة بالمصارف الإسلامية إلي نوعين هما :
    1 - خدمات مصرفية تتضمن عمليات استثمارية
    2 - خدمات مصرفية لا تتضمن عمليات استثمارية.
    فالخدمات المصرفية التي تتضمن عمليات استثمارية، مخاطرها متنوعة تبعا لنوع، وتشغيل، وعملة، وبلد، وقطاع الاستثمار،
    وتفترض لإقرارها القيام بدراسات جدوى اقتصادية، من قبل اخصائيين لهم صفة الاستقلالية والحيادية، ويتم متابعتها من قبل مستشارين.
    أما الخدمات المصرفية التي لا تتضمن عمليات استثمارية فيتم تنفيذها كخدمة مصرفية يتم أخذ عمولة أجر مقابل تقديم الخدمة، ومخاطرها ترتكز على العامل التشغيلي.
    وما يشجع المستثمرون في القطاع المصرفي، إلي أن الإيرادات الناشئة عن نشاط المصارف الإسلامية، هي نشاط فعلي، ولا يرتبط بالعمليات المالية الوهمية وبالمضاربة، ولتأكيد الوضع، تقوم بعض المصارف الإسلامية في استثمار مواردها عبر إنشاء شركات تابعة متخصصة في مختلف قطاعات الاقتصاد من تجارة داخلية وخارجية وإسكان ومقاولات وصناعات، وتكون رؤوس أموال هذه الشركات إما مملوكة 100% للمصرف أو يملك المصرف نسبة عالية في رأسمالها.
    وهناك عدة عوائق قد تنشأ من جراء تمويل رأس المال،
    أولها
    أن هذه الشركات، وكونها تابعة للمصرف، يتابع المصرف بدعمها حتى وان لم تحقق العوائد المطلوب منها، وربما في بعض الأحيان لعدم إعطاء صورة عن فشل المشروع، مما ينعكس على ثقة المودعين،
    وتنعدم بالتالي الموضوعية والاستقلالية والحياد في اخذ القرار، فالشركة هي شركة تابعة، وحتى وان خسرت، يتم تعويمها، لإعطائها فرصة جديدة، مما يتعارض مع التشغيل المصرفي، والذي في حال الشعور بان أعمال احد عملائه قد تصبح متعثرة،
    فيتوقف تمويل العميل تبعا لمعايير بازل، حيث يفضل للمصرف أن يخسر إصبع على أن يخسر الرأس في حال تابع تمويل الاستثمار.
    ثانيها،
    إن رأس المال هو المقياس الذي عبره يمكن الحكم على قدرة المؤسسة على احتمال المخاطر، وهو العنصر الأخير الممكن استرداده قانونيا في حال توقفت المؤسسة عن العمل، أو تخلفت عن الدفع أو في حال تصفية الشركة.

    ثالثها،
    إن المسؤولية المعنوية التي تقع على المصرف، كونه صاحب رأس المال، في حال تعثر المؤسسة، تنعكس سلبيا على سمعة المصرف، كاستثماري، مما يؤثر على حجم الأموال المودعة.
    وقد قدمت بعض المصارف الإسلامية صيغا تعتبر فيها التمويل المقدم إلى الشركة التابعة قرضا حسناً، ما يشبه الأسهم التفضيلية بضمان بعض الأصول الموجودة في المؤسسة، مع الاكتفاء بالربح العائد على الأسهم.
    وبما يتعلق بموضوع المساهمات في الشركات، وشراء الأسهم، فيمكن المصرف الإسلامي، وبعد دراسة نشاط الشركة وديانتها حيث تحرم بعض المدارس الإسلامية التعامل مع غير المسلم، وإذا كان النشاط حلالا، والتوقعات الربحية، بهدف تقديم خدمات استشارية لعملائه، مقابل عمولات، مع تقديم شروحات حول حدود الشرع في التعاطي مع شكلية هذه الأنواع من الاستثمارات،
    وهنا تأتي نية المستثمر لتفاعل الالتزام المعياري والديني، حيث إذا كانت نية الاستثمار هي فعليا المشاركة في رأسمال الشركة، والحصول على الأرباح، فلا حرج في ذلك، أما إذا كانت النية هي في المضاربة، وبيع السهم عند ارتفاع قيمته،
    فهنا نكون قد بعدنا عن العامل الاستثماري، ودخلنا في اقتصاد المغامرة، والتي تحوي إشكالية دينية، ومعيارية، والسؤال هو، هل سيمتنع المصرف في حال علم مسبقا أن عميله بنية العميل في المضاربة، في إتمام الصفقة، علما أن العميل يمكنه الحصول على هذه الأسهم عبر البورصة، وبالتالي يخسر المصرف وساطته، وما هي الإشكالات الشرعية في ذلك.
    والموضوع لا يرتبط بالأدوات المالية القصيرة الأجل، حيث نوعية التعامل في الاقتصاد الإسلامي تفترض اكتمال دورة تجارية، وبالتالي لا يمكن تقديم وعد لأي مودع بأنه يمكن الحصول على عوائد في فترة شهر إلا في حالات استثنائية،
    حيث يكون فترة دوران الخزون سريعة، مما يعني ضرورة إعلام المودع أن عوائد الاستثمار لا يمكن أن تمنح لمودعين تقل فترة إيداعاتهم عن ستة أشهر على الأقل، وهنا المفارقة مع المصارف التقليدية، حيث في المصرف التقليدي، يفترض حد أدنى من القيم ليتمكن المودع من الحصول على فوائد، وفي المصارف الإسلامية يفترض وضع حد أدنى من الفترات لتصبح الأموال منتجة للأرباح،
    ويمكن أن تكون هذه المادة جاذب لصغار المودعين، والتي تؤمن عامل تجزئة للودائع، وبدل أن يكون مودع واحد بمبالغ كبيرة، يصبح لدينا ودائع قليلة موزعة على أعداد كبيرة من المودعين، مما يعني مخاطر أقل للمصرف.
    في حالة الأسواق المالية، يفترض معرفة الشرعية الدينية للشركة، وقدرتها المالية، والتوقعات الربحية، واعتماد المعيار المحاسبي الدولي رقم 39، في الحصول على الأسهم إن لغاية المتاجرة أو بهدف الاحتفاظ بها، وفي حالة المتاجرة، يفترض إعلام العميل عن الشرعية الدينية، بضرورة ان تكون نية العميل هي في الاحتفاظ بالأسهم، وهذا بهدف تخفيض رأس المال المخاطر.
    وتبقى الرقابة المعتمدة في أسسها على المصداقية، والتوقع، والتنسيق، وبأشكالها القانونية، والشرعية، المدعومة بحوكمة إدارية تضمن احترام معادلة الضمان والسيولة والربحية هي العامل المؤثر في حماية الودائع على دعامة أساسية هي تقليل المخاطر إلى أقل درجة ممكنة.



    السادس عشر؛ الضمانات في المصارف الإسلامية

    الضمانات المصرفية هي مجموعة الاعتبارات والعناصر المصرفية والمالية التي يرتكز عليها المصرف في دراسته وتقييمه لطلب الائتمان..
    أما الضمانات القانونية فهي مستندات التوثيق الرسمي للضمانات لدى الجهات الرسمية المعتمدة لتوثيق العقود والرهونات والكفالات بأنواعها أما الضمانات الشرعية فهي الضمانات المقبولة شرعاً والمتعلقة بأساليب وصيغ الاستثمار المختلفة.

    ويعد المصرف الإسلامي وكيلاً مضارباً في أموال المساهمين والمشاركين في حسابات الاستثمار المختلفة وهو مقيد بالقوانين وبعقد التأسيس والنظام الداخلي وبالقواعد والأسس المصرفية والشرعية التي تحكم ممارسته لأعماله المختلفة لذلك يجب على إدارة المصرف عدم تعريض أموال المساهمين والمودعين للخسارة أو التآكل أو منحها للغير من دون عوض أو توثيق أو دون أخذ إذن صريح.

    تنبع أهمية الضمانات من الناحية المصرفية العملية من كونها تشكل - إضافة إلى الركنين الآخرين وهما دراسة العميل ودراسة المشروع- الركن الثالث من أركان القرار الائتماني وتشكل في الوقت ذاته متطلباً رئيسياً لتوثيق الالتزامات.

    هذا وتكتسب الضمانات أهمية استثنائية في العمل المصرفي الشرعي بسبب تنوع الأساليب والصيغ الاستثمارية في المصارف الاسلامية ومقارنة بالمصارف التقليدية وبسبب الحاجة إلى تكييف بعض الصيغ القانونية و/أو المصرفية السائدة لمتطلبات العمل المصرفي الإسلامي.

    كما تنبع أهمية الضمانات من الناحية الشرعية في أنه لايجوز قبول ضمانات من حيث الكم ولا من حيث النوع تتعارض مع مفاهيم وأهداف العمل المصرفي الإسلامي أو أسس التوثيق.

    الضمانات مشروعة في الكتاب والسنة وإجماع الفقهاء ومفهومها في المعاملات الإسلامية أنها ليست وقاية من الخسارة التي يتعرض لها العميل نتيجة استثماره لمال المصرف وإنما هو تحوط فقط من تقصير أو تعد أو عدم وفاء بالتزام ناشئ عن مديونية في بيع أو التزام آخر.

    في إطار ممارسة المصرف المركزي لسلطاته وصلاحياته في الرقابة على المصارف بشكل عام وعلى توجيه ومراقبة الائتمان الكمي والنوعي فإن الرقابة على الضمانات في المصارف الإسلامية تعد علاقة رقابية تحليلية وتقييمية ونظامية مباشرة.

    وتعمد الكثير من المصارف المركزية إلى طلب كشوفات مفصلة للائتمان الممنوح من قبل المصرف حسب أنواع الضمانات وذلك كوسيلة من وسائل الرقابة وتتزايد أهمية هذا الموضوع من وجهة نظر السلطة النقدية حين مراجعة الميزانية السنوية للمصرف مبدئياً تمهيداً للموافقة عليها وحين تحديد مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها أو الديون الهالكة وذلك تقديراً وبناءً على الضمانات المقدمة.

    لا اختلاف من حيث المبدأ ومن النواحي المصرفية بين طبيعة الضمانات في المصرف الاسلامي عنها في المصرف التجاري إلا في مدى الالتزام الشرعي وفي مدى تفهم طبيعة الصيغ والآليات من قبل العميل والجهات الرسمية ذات العلاقة بتوثيق أو تسييل الضمانات.

    ولا يختلف النهج العام للضمانات بالنسبة للمصرف الإسلامي عنه في التقليدي إلا من حيث دور المستشار الشرعي خاصة فيما يتعلق بموضوع الديون الهالكة وشطبها بعد تحديد المسؤولية..إضافة إلى الضمانات المصرفية المتعلقة بدراسة وتقييم الطلب الائتماني والضمانات القانونية والتي تتضمن مستندات التوثيق الرسمي للضمان لدى الجهات الرسمية المعتمدة لتوثيق العقود والرهونات والكفالات وتجهيز وتوقيع عقود التسهيلات المختلفة المتداولة في العمل المصرفي هناك الضمانات المقبولة شرعاً والمتعلقة بأساليب وصيغ الاستثمار المختلفة , وهنا يبرز دور المراقب الشرعي فيما يتعلق بالضمانات من حيث المراقبة والتحقق من أمور عديدة مثل:

    1. أن يكون الضمان موافقاً للأحكام الشرعية أساساً والتحقق من كون المدين معسراً أم لا ومن ثم النظر في مسألة تسييل الضمانات أو استيفائها في ضوء هذا الأمر التقديري (بالنظر إلى ميسرة).
    2. التحقق من الخسارة قبل شطب الديون والتحقق كذلك من مسؤولية الطرف المسبب للخسارة وحتى لو كان المسبب هو المصرف نفسه خاصة في حالات المشاركة أو المضاربة لأن هذه الخسارة تؤثر أيضاً في حقوق أصحاب الحسابات الاستثمارية.
    3. التأكد من أن قيمة الضمان ونسبة التغطية هي بحدود الخطر أو الضرر الفعلي للتمويل أو الاستثمار ومراعاة إمكانيات المتعامل مع المصرف على مبدأ (لاضرر ولا ضرار).
    من الأمثلة على الاختلافات في مسألة الضمانات بين المصارف الإسلامية والتقليدية أنه لايجوز رهن أسهم مصرف إسلامي لمصلحة أحد المصارف التقليدية ضماناً وتوثيقاً لعقد التزام ربوي وأنه لايجوز قبول رهن أسهم مصرف تقليدي لمصلحة مصرف إسلامي ضماناً لتسهيلات مقدمة من المصرف الإسلامي.
    أما الضمانات التي تؤخذ عادة في الصيغ الاستثمارية والتمويلية الإسلامية فيمكن توضيحها بعدد من الأمثلة كالتالي:

    بيع المرابحة:
    يجوز الأخذ بإلزام الوعد على الواعد بالشراء وفرض غرامة على التأخير في السداد والتأخر في صرف تلك الغرامة في أوجه الخير تفادياً لتساهل المتعامل مع المصرف في التسديد ويمكن للمصرف أخذ الضمانات المعهودة والعقارية ولكن لايجوز للمصرف في أن يتصرف بتلك الضمانات في حالة عدم الوفاء قبل التأكد من عدم إعسار المتعامل مع المصرف على مبدأ (لا ضرر ولا ضرار)
    الإجارة التشغيلية:
    الآلات أو المعدات المستأجرة أمانة في يد المستأجر فلو هلكت دون اعتداء منه أو مخالفة أو تقصير في الحفظ فيتحمل المؤجر عندئذ مسؤولية وتبعة الهلاك ودفع تكلفة التأمين.

    المشاركة الدائمة:
    يكون الشريك أميناً على مال الشركة الذي في يده وهو لايضمن إلا إذا تعدى أو قصر في حفظه أو إدارته للمشروع الإنتاجي ويجوز اخذ ضمان أو رهن على هذا الشريك مقابل عدم التعدي والتقصير ولكن لايجوز اخذ ذلك الضمان مقابل الربح أو الخسارة التجارية.

    المزارعة:
    تعد مدخلات الإنتاج التي يقدمها المصرف أمانة في ذمة الطرف الآخر ويكون الأخير ضامناً لها في حالة تعديه أو تقصيره.
    المضاربة : يعد المضارب وكيلاً وأميناً لرب المال ولهذا فهو غير ضامن للمال من التلف أو الخسارة دون تعد أو تقصير.
    القرض الحسن:
    إذا عجز المقترض عن رد القرض الحسن في موعده لعذر فيجب عندئذ إمهاله إلى ميسرة أما إذا كان تهرباً من الدفع مع القدرة على ذلك وجب إلزامه كما يمكن أخذ الرهن و/أو الكفالة.
    العلاقة بين المصرف والعميل في المصرف التقليدي هي علاقة مديونية ومن ثم فهي تتطلب أقصى درجات التأمين أما في المصرف الإسلامي فطبيعة العلاقة والقائمة في صيغها العديدة على أساس علاقة الشريك بشريكه فالعملية تتطلب تحليل المخاطر المتنوعة والمحيطة بها وبناء على المخاطر يتم تحديد الضمانات والضمانات يجب أن تكون موافقة لصيغة العملية المصرفية بحيث يستوفي الضمان دن إفراط أو مبالغة.



    السابع عشر؛ معايير تقويم استثمار الأموال في المصارف الإسلامية.

      يتميز الاستثمار الإسلامي بأن له طبيعة خاصة ومتميزة ، حيث يعد استثمار المال وتنميته واجب شرعي انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم " من ولي يتيما فليتجر له في ماله ولا يتركه حتي تأكله الصدقة " رواه الترمذي، ويعد المحافظة على الأموال من مقاصد الشريعة والتي ذكرها الشاطبي وهي " حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال " .
    ويعد الربح في الفكر الإسلامي وقاية لرأس المال حيث يجمع جمهور الفقهاء على أنه " لا ربح إلا بعد سلامة رأس المال " ، وعلى أن الربح وقاية لرأس المال وجابر له من الخسران الذي يلحق به."ووضع الإسلام مجموعة من المعايير التي تحكم استثمار الأموال من أهمها:
    1-معيار العقيدة : حيث ينطلق استثمار المال وفقاً للضوابط الشرعية وأن المال مال الله والإنسان مستخلف فيه ، ويجب استخدامه بعيدا عن الربا.
    2-المعيار الأخلاقي: حيث يلتزم الفرد المسلم بمجموعة من القيم الأخلاقية عند استثمار الأموال من أهمها عدم الغش وعدم أكل أموال الناس بالباطل.
    3-معيار التنمية: حيث يهدف التشغيل الكامل لرأس المال إلي تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، وعلى أن يتم مراعاة أولويات الاستثمار وهي الضروريات والحاجيات والتحسينات.
    4-معيار ربط الكسب بالجهد : وهو من القواعد الشرعية التي تحكم المعاملات في الإسلام فلا كسب بلا جهد ولا جهد بلا كسب.
    5- معيار الغنم بالغرم: وهو الربح مقابل الخسارة وينطلق هذا المعيار من القاعدة الشرعية "الخراج بالضمان" والتي تعني إن من ضمن أصل شي فله ما يخرج منه من ربح أو خسارة.

    يتميز الاستثمار في البنوك الإسلامية بالعديد من السمات من أهمها :
    1- التعدد والتنوع بما يوفر أساليب تتناسب مع كافة الاحتياجات.
    2- البعد عن استخدام أسعار الفائدة.
    3- تمسك إدارة البنك الإسلامي بالمفهوم الحقيقي للنقود باعتبارها وسيلة للاستثمار وليست سلعة حيث أن النقود كما قال ابن القيم هي/ رؤوس أموال وجدت ليتجر بها لا فيها.
    4- ربط المشروعات الاستثمارية بالاحتياجات الحقيقية للمجتمع عملا بأولويات الاستثمار في الشريعة " الضروريات والحاجيات والتحسينات ".
    5- الالتزام بإحكام الإسلام إباحة أو منعا في مختلف الأنشطة الاستثمارية للبنك.
    6- إن جميع الأساليب تضمن استخدام التمويل في الاقتصاد الحقيقي بمعنى توجيهها لإنتاج وتوزيع السلع والخدمات.
    7- تحقيق العدالة بين طرفي المعاملة الاستثمارية.

    أهمية تقويم أداء وسائل الاستثمار:
    إن التوسع في حجم أنشطة المصارف الإسلامية واستقطابها للعديد من المتعاملين واستخدامها للعديد من وسائل الاستثمار يستوجب تقويم أداء تلك الوسائل.

    وتوجد أهمية لتقويم أداء وسائل الاستثمار بالبنوك الإسلامية على النحو التالي:

    1- معرفة مدى تلبية وسائل الاستثمار لاحتياجات العملاء:
    أشارت عينة الدراسة إلي أهمية معرفة مدى تلبية صيغة الاستثمار لاحتياجات العملاء ، فإذا كانت الصيغة تلبي تلك الاحتياجات فعلى البنك التوسع في تقديمها والعكس صحيح.

    2- معرفة مخاطر هذه الصيغة.
    أشارت عينة الدراسة إلى أنه قبل تقديم هذه الصيغة للعملاء لابد من التعرف على مخاطرها وهل هي مخاطر عالية أو متوسطة أو منخفضة.

    3- معرفة مدى تلبيتها لاحتياجات البنك:
    أفادت عينة البحث أن من أهمية تقويم أداء الصيغة معرفة مدى تلبيتها لاحتياجات البنك وهل تحقق هذه الصيغة عائداً مناسباً أم لا في ضوء مخاطر التطبيق.

    4- معرفة مشكلات ومعوقات تطبيقها:
    جاء هذا العنصر رابعاً في أهمية التقويم فالبنك يريد التعرف على ماهي المشكلات والمعوقات التي تصادفه عند تطبيق هذه الصيغة.

    5- معرفة مدى منافستها للصيغ التقليدية:
    حيث يهدف البنك من تقويم أداء وسائل الاستثمار التعرف على مدى إمكانية منافسة هذه الصيغة للصيغ التقليدية المقدمة.

    مشكلات تقويم الأداء وسبل التغلب عليها:

    تبين للباحث من خلال المعلومات الواردة بقوائم الاستبيان والمقابلات الشخصية أن هناك العديد من المشكلات التي تعوق تقويم أداء وسائل الاستثمار في البنوك الإسلامية ومن أهمها:

    1- عدم جود هيئة مختصة بتقويم الأداء:
    تبين من نتائج الدراسة انه لا يوجد في الواقع العملي بالسوق المصرفي الإسلامي جهة تختص بتقويم أداء وسائل الاستثمار في الصناعة المصرفية الإسلامية.

    2- عدم وجود معايير للتقويم متفق عليها:
    تبين من نتائج الدراسة أنه لا يوجد في الصناعة المصرفية الإسلامية معايير متفق عليها يمكن الاستناد إليها في تقويم أداء وسائل الاستثمار.

    3- عدم توافر البيانات:
    تبين من نتائج الدراسة عدم توافر البيانات والمعلومات عن وسائل الاستثمار المستخدمة بالسوق المصرفي الإسلامي ، والتي يمكن من خلالها إعداد مؤشرات قياسية للصناعة المصرفية الإسلامية .

    ويمكن التغلب على تلك المعوقات في حالة تضافر الجهود المبذولة من المؤسسات الدولية المسئولة عن المصارف الإسلامية مثل هيئة المعايير والمجلس العام للمصارف الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية في إصدار معايير لتقويم أداء الصناعة المصرفية الإسلامية ، مع توفير بيانات ومعلومات تمكن من إعداد مؤشرات قياسية للصناعة المصرفية الإسلامية وتقويم أدائها بصفة عامة ووسائل الاستثمار بصفة خاصة.


    الثامن عشر؛ استعراض لتجربة مجموعة دله البركة
    في القطاع المصرفي الإسلامي

    تعد مجموعة دله البركة نموذجا ناجحا للمؤسسات المالية التي تبنت مبادئ الاقتصاد الإسلامي وجعلته رسالتها السامية ، ويعود الفضل في ذلك إلى مؤسسها الشيخ/ صالح عبد الله كامل أحد رواد العمل المصرفي الإسلامي ، رئيس المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ورئيس الغرفة الإسلامية للتجارة و الصناعة ،  حيث كانت أمنياته في بداية حياته بتأسيس كيان اقتصادي يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب العالم العربي والإسلامي ويـعمل مـن مبـدأ إعمار الأرض ، يتجاوز الحدود الجغرافية ويبحث عن الفرص الاستثمارية الناجحة أينما وجدت ويكون لهذا الكيان رسالة اجتماعية إضافة إلى العائد المادي بحيث تحقق هذه الاستثمارات للشعوب العربية والإسلامية منتجات تغطي متطلباتهم الحياتية وتسهم في خلق فرص عمل جديدة للعاطلين .

    بفضل الله تعتبر مجموعة دله البركة أحد أكبر الكيانات الاقتصادية العربية بل والعالمية إذ تزيد أصولها على 12 مليار دولار ويزيد عدد شركاتها على 300 شركة منتشرة في أكثر من 40 دولة من دول العالم ويعمل بها أكثر من 70 ألف موظف وتستثمر في جميع الأنشطة الاقتصادية كالصناعة والتجارة والزراعة والإعلام والخدمات .

    ويتمثل دور مجموعة دله تجاه القطاع المصرفي الإسلامي فيما يلي :

    1- رعاية المحافل العلمية والمؤتمرات الدولية المتخصصة:
    انطلاقا من قناعة المجموعة بأهمية دور المؤتمرات المتخصصة للنهوض بالصناعة المصرفية الإسلامية فقد شاركت في مئات الندوات والمؤتمرات المتخصصة ومن أهمها ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي والتي تعقدها المجموعة سنويا منذ عام 1980 م حيث كان لها بفضل الله دورا إيجابيا في تحويل العمل المصرفي من الناحية النظرية إلى التطبيقية ويشارك فيها نخبة من العلماء يمثلون كافة أقطار العالم الإسلامي لتوضيح القضايا الفقهية المعاصرة التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي وتحدياته.

    2- تأسيس المراكز العلمية المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي:
    لقد ساهمت المجموعة في تأسيس عدد من المراكز العلمية المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي وأهمها :
    مركز الشيخ صالح كامل لأبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
    مركز الشيخ صالح كامل لأبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر بالقاهرة
    مراكز الشيخ صالح كامل لأبحاث الاقتصاد الإسلامي في اوزبكستان و كازخستان
    مركز الشيخ صالح كامل لأبحاث الاقتصاد الإسلامي بالأردن
    وبفضل من الله كان للمراكز السابقة إسهامات هامة في توطيد وتعميق التجربة الاقتصادية والمالية الإسلامية على مستوى المنطقة والعالم .

    3- رعاية ونشر المراجع والأبحاث المتخصصة:
    قامت المجموعة ممثلة بالهيئة الشرعية الموحدة بطباعة عددا من المراجع والكتب المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي والتي وصل عددها إلى اكثر من ( 125) كتاب و مطبوعة و إصدار وبحث علمي وخاصة مطبوعات ندوات البركة إضافة إلى منجزاتها في إصدار الفتاوى المصرفية ونشرها .
    رابعا : تطبيق أسس العمل المصرفي الإسلامي:
    يعتبر تطبيق النظريات العلمية في المجال الصيرفة الإسلامية من ابرز مساهمات مجموعة دله حيث كان بناء وتطوير الصناعة المصرفية الإسلامية جزءا من رسالة المجموعة  التي تبنتها منذ تأسيسها فلم تدخر جهدا في تقديم كل ما يسهم في ذلك ، على اعتبارها من أوائل المؤسسات التي بادرت لتطبيق الأسس النظرية للعمل المصرفي الإسلامي وذلك من خلال قطاعها المصرفي الضخم والذي يعتبر من اكبر القطاعات المصرفية الإسلامية في العالم حيث يضم اكثر من 40 مصرف ومؤسسة مالية تزيد أصولها على 4 مليار دولار أمريكي منتشرة في اكثر من عشرين دولة من دول العالم

    ونستعرض نموذجين من القطاع المصرفي بالمجموعة وهما :

    مجموعة البركة المصرفية - مملكة البحرين
    شركة التوفيق للصناديق الاستثمارية - جزر الكايمن
    مجموعة البركة المصرفية

    تأسست مجموعة البركة المصرفية - ABG -  في منتصف العام 2002  بمملكة البحرين برأس مال  معلن قدره 500 مليون دولار وراس مال مدفوع قدره   1.5 مليار دولار،وكان الغرض من تأسيسها بناء كيان مصرفي ينافس الكيانات العالمية الكبرى في ظل القوة المالية الكبيرة الحجم ويزيد حجم أصولها عن  4.2 مليار دولار أمريكي ، وتضم المجموعة عددا من المصارف وهي :

    1) البنك الإسلامي الأردني - المملكة الأردنية الهاشمية.
    2) بيت التمويل السعودي المصري - جمهورية مصر العربية.
    3) بيت البركة التركي للتمويل - جمهورية تركيا.
    4) بنك البركة - جمهورية الجزائر الديموقراطية الشعبية.
    5) بنك البركة - دولة جنوب أفريقيا.
    6) بنك التمويل التونسي السعودي - دولة تونس.
    7) بنك البركة - دولة لبنان.
    8) بنك البركة الإسلامي -مملكة البحرين.
    9) بنك الأمين - مملكة البحرين.
    10) بنك البركة - جمهورية السودان .
    شركة التوفيق للصناديق الاستثمارية:

    تخصصت شركة التوفيق في الاستثمارات طويلة الأجل عبر( صناديق الاستثمار ) و يعتبر تحقيق التنمية و اعمار الأرض  الرسائل السامية  التي تبنتها منذ تأسيسها  و فيما يلي سنلقي الضوء على التجربة الرائدة والتي كان لها تأثيرا مباشرا في تنمية الشعوب الإسلامية

    النشأة والتأسيس

    برزت فكرة تأسيس شركة متخصصة في صناديق الاستثمار في ندوة البركة الثالثة المنعقدة بتونس في عام 1982م والتي أوصت بتطبيق صناديق الاستثمار في البنوك الإسلامية واعتبارها الحل الناجع لأهم مشكلاتها التي عانت منها إبان ظهورها مثل مشكلة ضخ وامتصاص السيولة ، وإيجاد الفرص الاستثمارية الجاهزة ، وفي تلك الندوة ولدت فكرة إيجاد سوق مالي إسلامي لتسويق المنتجات الاستثمارية الإسلامية من هنا جاء قرار الشيخ صالح كامل بتأسيس شركة التوفيق كنموذج للمؤسسات المالية الإسلامية المتخصصة في مجال الاستثمار الإسلامي متوسط وطويل الأجل وإيجاد الحلول الشرعية البديلة للأساليب التقليدية تتخصص في طرح و إدارة وتشغيل صناديق الاستثمار الإسلامية ، وتم تسجيلها في البداية بالبحرين مع شركة الأمين في عام 1987 م ، ثم تسجيلها مرة أخرى بجزر الكايمن في عام  1992 م

    وتقدم شركة التوفيق كافة الخدمات الاستثمارية للمؤسسات والأفراد مثل إدارة المحافظ الاستثمارية والخدمات المصرفية وخدمات أمناء الاستثمار وطرح المنتجات والصناديق والمحافظ الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية  وتوفير التمويل الإسلامي لمشروعات التنمية الاقتصادية

    وبفضل أدائها المتميز ومركزها المالي الممتاز حازت شركة التوفيق على تقدير عددا من الجهات العالمية المتخصصة منها وكالة كابيتال انتلجنس العالمية والتي منحتها تصنيف مستقر فئة (BBB+  ) للالتزامات في الأجل الطويل و(A2 ) للالتزامات في الأجل القصير وذلك حسب تقريرها السنوي الصادر في مارس  2005  م .

    أساليب الاستثمار بالشركة:

    تقوم سياسة الاستثمار بالشركة على تطبيق أساليب الاستثمار الإسلامية والتي تقوم على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة وتوزيع المخاطر بين أطراف العملية الإنتاجية  وقد توزعت استثمارات الشركة وفقا لأساليب الاستثمار كما 28 فبراير 2005 كما يلي :

    - 26.37 % مضاربة ومشاركات في أوراق مالية.
    - 40.95 % استثمار في ملكية شركات.
    - 25.45% إجارة و اقتناء واستثمارات عقارية.
    - 7.23 % مرابحات.
    ويلاحظ أن استثمارات الشركة قد اتجهت في معظمها للاستثمارات المباشرة وفي الأوراق المالية فيما لم تشكل نسبة المرابحة سوى جزء محدود وفي ذلك إشارة إلى اتجاه الشركة لتطبيق الأساليب التنموية التي تعتمد على المشاركة الحقيقية في مخاطر الاستثمار .

    وقد شكل القطاع التجاري النسبة الكبرى تلاه القطاع الصناعي فالمالي

    - القطاع التجاري 29.1%
    - القطاع الصناعي 25%
    - القطاع المالي 24.5%
    - القطاع العقاري 21.4%
    وقد توزعت استثمارت الشركة على عدد من دول مجلس التعاون الخليجي وبشكل متوسع في المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا ولبنان والجزائر والسودان واليمن وماليزيا وتركيا.

    منتجات الشركة:

    لقد كانت شركة التوفيق من اوائل المؤسسات التي بادرت لابتكار الادوات المصرفية المتميزة والتي تلائم معظم طبقات المجتمع الإسلامي وتتماشى مع طبيعة معظم المدخرين والمستثمرين ،  وقد تجاوز عدد المنتجات التي طرحتها الشركة ( 37 )  صندوقا ومنتجا استثماريا تجاوزت أصولها أكثر من 3  مليار دولار أمريكي.

    وبفضل من الله لقد لاقت منتجات التوفيق إقبالا وقبولا واسعا من مختلف المستثمرين وقطاعات المجتمع الذين تجاوز عددهم 15 ألف مستثمر من مختلف دول العالم الإسلامي.

    تمتاز منتجات شركة التوفيق بالتنوع حيث تم تصميمها لتلائم رغبات اكبر عدد من المستثمرين ،  فمثلا من حيث طبيعة الاستثمار تتنوع منتجات الشركة لتشمل كل من ( العقار - التأجير - الأسهم - الاستثمار المباشر ) ، ومن حيث مخاطر الاستثمار لدى الشركة تشكيلة واسعة من المنتجات  ( عالية - متوسطة - قليلة ) المخاطر ، ومن حيث اجل الاستثمار لدى الشركة منتجات ( قصيرة - متوسطة - طويلة  ) الأجل.وتعتبر صناديق الاستثمار من أهم منتجات الشركة والتي تم تصميمها لتلبي طموحات ورغبات شريحة مختلفة من المستثمرين في الربح الحلال مع سهولة تسييل الاستثمارات طويلة الأجل وتقوم فكرتها على عقد المضاربة الفقهي من خلال تجميع أموال المستثمرين في أوعية أو صناديق ثم طرحها للاستثمار كأسهم تمثل في مجموعها محفظة الصندوق ومن ثم يتم توظيفها وتنميتها في المشروعات الاقتصادية حسب طبيعة كل صندوق ( إجارة - عقارات -أسهم - تجارة ) وحسب الضوابط الإسلامية في إدارة المحافظ والتي تقرها الهيئة الشرعية والضوابط الفقهية الصادرة في هذا المجال من المجامع الفقهية المعتمدة وما يتحقق من أرباح تكون مشاعة بين الشركة والمساهمين بحسب النسبة المتفق عليها في عقد الاكتتاب ، ولكل صندوق من هذه الصناديق لائحة تبين خصائصه التي تميزه من حيث الحد الأدنى للاشتراك و إمكانية التخارج والأرباح المتوقعة ومجالات الاستثمار وأسلوب التمويل ، ومن أهم منتجات الشركة

    1- الصناديق العامة
    وهي الصناديق التي تستثمر بمختلف أساليب الاستثمار الإسلامي ويندرج تحتها كل من:
    - صندوق البركة العام.
    - صندوق الأطفال.

    2- صناديق التأجير :
    وهي الصناديق التي تستثمر محفظتها في تأجير الأصول ويندرج تحتها كل من:
    - صندوق التأجير العالمي.
    - صندوق التأجير الخليجي 1 .
    - صندوق التأجير الخليجي2 .

    3- صناديق الأسهم العالمية :
    وهي التي تستثمر محفظتها في شراء وبيع الأسهم العالمية ويندرج تحتها كل من:
    - صندوق الصفوة للأسهم العالمية.
    - صندوق النخبة للأسهم الآسيوية.
    - صندوق الصقور للأسهم الأوروبية.
    - صندوق البركة لمؤشر داوجونز الإسلامي .
    - صندوق التوفيق للاتصالات العربية.
    - صندوق التوفيق للأسهم الخليجية .

    4- صناديق العقار والتنمية :
    وهي التي تتخصص في تطوير المشروعات العقارية ويندرج تحتها كل من:
    - صندوق البركة للمدن السياحية - منتجع درة العروس- .
    - وصندوق البركة للمدينة المنورة.
    - صندوق إعادة اعمار لبنان.
    - صندوق العقار الأمريكي.
    - صندوق الرياض للتطوير العقاري.
    - صندوق العمران.
    - صندوق الشروق العقاري.

    5- الطروحات الخاصة والصكوك:
    وهي وسائط مالية تلبى طلبات محددة ولفترات معينة للصناعيين أو التجار أو غيرهم من المستثمرين وقد بلغت الوسائط المنفذة اكثر من 14 منتج.

    وقد اتسم أداء صناديق التوفيق بالارتفاع مقارنة بأداء المنتجات المنافسة الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حجم الأموال تحت الإدارة لحساب الغير لتصل إلى 670 مليون دولار وذلك كما في 28 فبراير 2005 ، الأمر الذي عزز مكانتها بين الشركات المنافسة في السوق المالي الإسلامي.

    مساهمات شركة التوفيق في التنمية
    لم يكن الغرض المادي وتحقيق الأرباح هو الهدف الوحيد لشركة التوفيق فتحقيق التنمية بمفهومها الشامل والمساهمة في علاج مشكلاته كانت من ابرز أهدافها وقد تجلى ذلك في عددا من الإنجازات التي تعتز بها الشركة والتي من أهمها :

    1- توظيف الموارد في اعمار الأرض:
    لقد ساهمت شركة التوفيق في التنمية  و اعمار الأرض من خلال توظيف مواردها و إمكاناتها في المشروعات التنموية مع إعطاء الأولوية  للمشروعات التي تسهم بفاعلية في علاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية مثل الفقر والبطالة ومحو الأمية والقضاء على الأمراض ووصل حجم عمليات الاستثمار والتمويل التي أنجزتها الشركة خلال العقد السابق اكثر من 3.8 مليار دولار تم استثمارها في مشاريع تنموية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومعظم الدول العربية والإسلامية ندرج منها:
    - استثمارات في القطاع التجاري تجاوز مبلغ 832 مليون دولار.
    - استثمارات في قطاع البترول والمعادن تجاوز مبلغ 409 مليون دولار.
    § استثمارات في القطاع العقاري/ المقاولات/ الخدمات تجاوز مبلغ 615 مليون دولار.
    - استثمارات في القطاع الصحي تجاوز مبلغ 195 مليون دولار.
    - استثمارات في القطاع السياحي تجاوز مبلغ 229 مليون دولار
    - استثمارات في قطاع التعليم تجاوز مبلغ 169 مليون دولار
    - استثمارات في القطاع الصناعي تجاوز مبلغ 387 مليون دولار
    - استثمارات في القطاع الزراعي/النقل/المواصلات تجاوز مبلغ 165 مليون دولار
    - استثمارات في دعم صغار المستثمرين تجاوز مبلغ 761 مليون دولار.

    2- المساهمة في دعم قضايا الاقتصاد الإسلامي:
    إن بناء وتطوير الصناعة المصرفية الإسلامية تعتبر جزءا من رسالة الشركة التي تبنتها منذ تأسيسها فلم تدخر جهدا في تقديم كل ما يسهم ذلك وقد تجلى ذلك فيما يلي :

    أ- رعاية ودعم المحافل العلمية والمؤتمرات الدولية المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي
    تعتبر المؤتمرات والمعارض المتخصصة من أهم أسباب النهوض بالصناعة المصرفية الإسلامية لما توفره من فرص للتواصل مع المسئولين وصناع القرار وتبادل المعلومات والأفكار مما ينعكس إيجابيا  على تطوير صناعة المصارف الإسلامية ، ولقد قامت الشركة في هذا العام برعاية العديد من المنتديات والمؤتمرات منها خلال عام 2004 م وهذا العام :

    - مؤتمر التمويل الإسلامي الدولي - دبي.( فبراير 2004 )
    - المؤتمر الاقتصادي لمكافـحة غسيل الأموال والذي أقامته الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية في القاهرة ( يونيو 2004 ).
    - مؤتمر تمويل العقارات وفقا للشريعة الإسلامية-لندن( يونيو2004).
    - منتدى دور المرأة السعودية في المسيرة الثقافية-جدة(يونيو 2004).
    - منتدى التكافل السعودي الدولي الأول - جدة ( سبتمبر 2004 ).
    - ملتقى إدارة المخاطر الاقتصادية - الأردن ( سبتمبر 2004 ).
    - المؤتمر الرابع للهيئات الشرعية - مملكة البحرين( أكتوبر 2004 )
    - المؤتمر العربي للمصارف والاستثمار - التوسع المصرفي عبر الحدود في خدمة الاستثمار- لبنان ( أكتوبر 2004 ) .
    - ملتقى الفرص الاستثمارية الإسلامية- الكويت ( فبراير 2005 ).
    - ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي التي يرعاها الشيخ صالح عبد الله كامل والتي احتفلت بحقبتها الفضية - 25 عام ( أكتوبر 2004م.)
    - معرض البنوك والتجهيزات المصرفية - دمشق ( مارس 2005 )
    - المؤتمر المالي الإسلامي الدولي - دبي.( مارس 2005 )

    ب- المساهمة في التخفيف من مشكلة البطالة :
    ساهمت شركة التوفيق في التخفيف من مشكلة البطالة بأسلوبين :

    الأول : مباشر
    وذلك من خلال تقديم التمويل الميسر لصغار المستثمرين و مشاركتهم لإنشاء مشروعات صغيرة بتمليكهم وسائل إنتاج.

    الثاني : غير مباشر
    من خلال توفير فرص عمل جديدة عن طريق المشروعات التي مولتها الشركة وفرت من خلالها اكثر من( 100.000) فرصة عمل.



    الخاتمة والتوصيات:

    رغم ما حققته المصارف الإسلامية من منجزات إلا أنه يؤمّل منها تحقيق المزيد من المنجزات ، وخاصة فيما يتعلق بدورها التنموي ومساهمتها في علاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للشعوب الإسلامية.

    وبناءا على هدا نوصي بتطبيق التوصيات التالية والتي سيكون لها الأثر الفاعل بإذن الله في تفعيل مسيرة هذه المصارف.

    1- التوسع في صيغ التمويل طويلة الأجل وتطوير الأدوات المالية الحالية.
    2- دعم المشروعات الصغيرة والحرفية
    3- التوسع في التمويل الاجتماعي (موارد الزكاة والصدقات الجارية والتبرعات والأوقاف والقروض الحسنة ).
    4-  دعم المصارف الإسلامية من قبل الحكومات.
    5- تعزيز التعاون المشترك بين المؤسسات المالية الإسلامية.
    6-  تأسيس معاهد خاصة للتدريب على الخدمات المصرفية الإسلامية.
    7- تطوير السوق المالي الإسلامي وتوفير آلية ملائمة للسيولة.
    8- تعزيز التعاون فيما بين المصارف الإسلامية والبنوك المركزية.
    9- زيادة رؤوس الأموال وتوسيع قاعدة المساهمين و تطبيق سياسة الاندماج لتعزيز قدرتها التنافسية.
    10- تكوين هيئة شرعية عليا موحدة لجميع المصارف الإسلامية للرجوع إليها وتوحيد الفتاوى.


    الخلاصة.

    تمثل الخدمات المصرفية الإسلامية تحدياً كبيراً لنجاح المصارف الإسلامية لأنها تنطلق من معادلة صعبة في مواكبة التطورات المصرفية مع الالتزام التام بضوابط وأحكام الشريعة الإسلامية. وهذا ما حدا بالمصارف الإسلامية وبعض المصارف التقليدية أن تعين هيئة رقابة شرعية من خيرة العلماء لضبط المعاملات من الناحية الشرعية بعد توفير الآلية التي تعمل بها المصارف الكبرى ومعالج أوجه القصور فيها لتتماشى مع أحكام وضوابط الشريعة الإسلامية. ويكفي هذه المعاملات نجاحاً أنها نافست من حيث الشكل والمضمون الخدمات المصرفية التقليدية ولبت احتياجات العملاء في جميع المجالات الاستهلاكية والاستثمارية والتنموية وجعلت الغنم بالغرم والخراج بالضمان كما أمر بذلك النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.




    المصادر.

    - توفيق الطيب البشير, الخدمات المصرفية الإسلامية مشروعية ومواكبة .
    - حسن سالم العماري , المصارف الإسلامية ودورها في تعزيز القطاع المصرفي .
    - حسين شحاته , الرقابة الشرعية فى المصارف الإسلامية .
    - عروبة البرغوثي , الضمانات فى البنوك الإسلامية .
    - علاء الدين زعتري , التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية .
    - على محمد الجمعة , البنوك الإسلامية .
    - محسن أحمد الخضيري , مفهوم البنوك الإسلامية .
    - محمد سليم وهبة , التخطيط والرقابة في المصارف الإسلامية .
    - محمد سليم وهبة , إدارة المخاطر فى المصارف الإسلامية .
    - مدونة موقع مصروفي لادارة الموارد المالية الشخصية.
    - مجلة المسلم المعاصر /العدد37/1404
    - اهمية تقويم اداء وسائل الاستثمار في البنوك الاسلامية, منتدى التمويل الإسلامي :: قسم المؤسسات المالية الإسلامية :: المصارف الإسلامية.
    - مركز أخبار الصناعة المالية الإسلامية.
    - موقع المصرفية الإسلامية , تحديات المنافسة تدفع البنوك الإسلامية إلى التفكير في الاندماج.
    - موقع مجموعة المستثمرون .