السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بحث حول الاعمال التجارية
تطرقنا في بحثنا حول الاعمال التجارية و طبيعتها بالجزائر على حسب القانون التجاري الذي تتبعه.
المبحث الأول: الأعمال التجارية:
وتطرقنا في هذا المبحث
لمطلبين أساسيين، المطلب الأول مفهوم الأعمال التجارية و المطلب الثاني الفرق بين
الأعمال التجارية و الأعمال المدنية
وأهميتها.
المطلب الأول : مفهوم الأعمال التجارية:
يقصد بالأعمال التجارية
التي يشترط تعاطيها لاكتساب صفة التاجر الأعمال التجارية بحكم ماهيتها كشراء
المنقول لبيعه بربح، ولا فرق في ذلك أن يكون العمل التجاري مشروعاً أو غير مشروع
فمن يحترف شراء المخدرات بقصد بيعها بربح يعد تاجراً، على أن تعاطي الأعمال
التجارية لا يكفي لإصباغ صفة التاجر مع القائم بها، و إنما يجب أن يقوم بهذه
الأعمال باسمه لحسابه الخاص وعلى وجه الاستغلال بحيث يتحمل وحده تبعية هذه الأعمال
ربحاً أو خسارة ، وقد يحدث أحياناً أن يمارس شخص ما الأعمال التجارية مستتراً وراء
شخص آخر كأن يكون الأول ممنوعا من تعاطي التجارة( طبيب، موظف عام) والرأي الراجح
أن الصفة التجارية تضفي على كل من الشخص الظاهر و المستتر، فالشخص الظاهر، ولو أنه
لا يعمل لحسابه إلا أنه يقيم في الواقع مظهراً يثق به المتعاملون و
يعتمدون عليه و كأنه قد ارتضى لنفسه أن يلتزم في مواجهة سائر الناس اكتساب صفة
التاجر، ويتفق ذلك مع ما يقتضيه مبدأ استقرار المعاملات بين الناس أما الشخص
المستتر فليس في أمره إشكال فهو إذاً يعد تاجراً فلأن الاستغلال يجري لحسابه.
*ولقد عرفت المادة الأولى
من القانون التجاري الجزائري أنها ''يعد تاجراً كل شخص طبيعي أو معنوي يباشر عملاً
تجارياً و يتخذه مهنة معتادة له مالم يقتضي القانون بخلاف ذلك ''، ومن هذا نلاحظ
أن المشرع الجزائري استعمل عبارة العمل التجاري لتحديد مفهوم التاجر غير أنه لم
يعطي تعريف العمل التجاري إنما قام بتعدادها في المادة الثانية من القانون التجاري
الجزائري.
المطلب الثاني : الفرق
بين الأعمال التجارية و المدنية و أهميتهما:
لتحديد صفة العمل إذا كان
تجارياً أو مدنياً أهمية كبيرة، فإن كان العمل تجارياً يخضع للقانون التجاري، و
إذا كان العمل مدنياً فإنه يخضع للقانون المدني، و يظهر الأثر العملي في تطبيقات
عديدة نذكر منها:
1-
الإثبات: تختلف
وسيلة الإثبات لأن المشرع يستلزم في الإثبات بدليل كتابي من زادت قيمته عن 10000دج
في الأعمال المدنية(المادة333من القانون المدني الجزائري)أما الأعمال التجارية
فيمكن استعمال أي وسيلة لإثبات أخذاً لمبدأ حرية الإثبات (المادة 30من القانون
التجاري الجزائري) و تنص على ''يثبا كل عقد تجاري بسندات رسمية، بفاتورة مقبولة،
بدفاتر الطرفين، بسندات عرفية، بالرسائل الإثبات بالبيئة أو بأية وسيلة أخرى إذا
رأت المحكمة و جرب قبولها''
2-
التضامن:
استبعد المشرع المدني
افتراض التضامن بين المدنيين إلا إذا نص عليه في القانون غير أنه في المسائل
التجارية يعتبر مبدأ التضامن مفترض بين المدنيين لكن بعض الفقهاء يعترضون على هذا
المبدأ في المعاملات التجارية لأنهم حسب ظنهم في المادة 217 من القانون المدني جاء
مطلقاً و المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يوجه نص خاص يقيده مع العلم أنه لا يوجد نص
تجاري ينص على التضامن في المعاملات التجارية و إنما النصوص المتناثرة في القانون
التجاري تنص على التضامن منها المادة 551 التي تنص
على القضاء بين شركاء شركة التضامن، و المادة 426 تنص على التضامن بين المظهرين و
الساحب ولفائدة حامل السفتجة.
3- الإفلاس: لا يجوز إشهار إفلاس
المدين المتوقف عن دفع ديونه إلا إذا كانت هذه الديون تجارية، المادة 215 من
القانون التجاري الجزائري تطبق على التجار فقط، فهذا امتياز يمنحه المشرع للتاجر
يعطى صفة التاجر لكل من احتراف القيام بالأعمال التجارية لا يجوز للقاضي إعطاء
مهلة للوفاء في المعاملات التجارية كما هو الشأن في المعاملات المدنية غير أن
المدين ليس ملزم بتسديد دينه في الميعاد فيما يتعلق بالأعمال المدنية طبقا للمادة
210 من القانون المدني.
4-
الإعذار:
و مفاده أن الدائن يقوم بتوجيه إنذار للمدين حتى يوفي ما عليه من التزام و يسجل
على المدين التأخر في الوفاء إذ من يوم الاعذار يبدأ سريان المواعيد بالنسبة للدول
التي تأخذ بنظام الفوائد القانونية أما في الجزائر فان نص المادة554 من ق-م-ج يحرم
مثل هذه الفوائد إذ تقضي بما يلي " القرض بين الأفراد يكون دائما بدون اجر و
يقع باطلا كل نص يخالف ذلك ، و الاعذار في
المواد المدنية لابد أن يتم بورقة رسمية بواسطة الأعوان القضائيين أما في الأعمال
التجارية فقد سرى العرف على أن يتم الاعذار بخطاب عادي أو ببرقية دون الالتجاء إلى
الأوراق الرسمية.
5-
المهلة القضائية أو
النظرة الميسرة: إذا حل اجل الوفاء و عجز المدين عن الوفاء به فالقواعد
العامة تقضي بان للقاضي يمنح للمدين أجلا لتنفيذ التزامه إذا رأى ذلك ممكنا بشرط
أن لا يسبب اجل الوفاء ضررا جسيما للدائن أما في الأعمال التجارية فلا يجوز للقاضي
أن يمنح مثل هذه المهلة لان حلول اجل الدين له أهمية كبيرة في الميدان التجاري فلو
تأخر ميعاد الدين قد يسبب للدائن ضررا كتفويت فرصة الربح عليه أو قد يكون سببا في
تأخير الوفاء بديونه التجارية مما قد يعرضه لشهر إفلاسه.
6- النفاذ
المعجل: و
هو تنفيذ الحكم رغم قابليته للطعن فيه بطرق الطعن العادية أو رغم حصول الطعن فيه
بإحدى الطرق و القاعدة العامة تقضي بان
الأحكام لا تقبل التنفيذ و لا يجوز النفاذ المعجل فيها إلا في حالات استثنائية
بينما في المجال التجاري تكون الأحكام دائما مشمولة بالنفاذ المعجل حتى و لو كانت
قابلة للاستئناف أو المعارضة أي يجوز تنفيذها قبل أن تصبح نهائية.
7- الرهن
الحيازي: بالرجوع
إلى قواعد القانون المدني في المادة 973 نلاحظ أن المشرع قد اشترط لبيع الأشياء
المرهونة في حالة عدم وفاء المدين بالتزاماته الحصول على حكم قضائي نهائي على خلاف
ما هو معمول به في القانون التجاري المادة 33 منه " إذا لم يتم الدفع في
الاستحقاق جاز للمرتهن خلال 15 يوما من تاريخ تبليغ عادي حاصل للمدين أو لكفيل
العين من الغير إذا كان محل أن يشرع في البيع العلني للأشياء المرهونة ".
*أهمية التفرقة: إن التفرقة بين العمل
التجاري و المدني تتجلى من خلال طبيعة العمل الذي يقوم به الشخص فإن كان هذا الشخص
يمارس الأعمال التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري على وجه الاحتراف اكتسب
صفة التاجر فإنه يخضع لأحكام القانون التجاري، أما إذا كان الشخص له أعمال مرتبطة
بالقانون التجاري فتعتبر أعماله مدنية و يعطى فيها قواعد القانون المدني، ونفس
الشيء ينطبق على الشركة أن معيار التفرقة بين الأعمال التجارية و المدنية لا تكمن
في نوعية العمل بل هناك أحكام تطبق على العمل التجاري و على التجار، غير تلك التي
تطبق على العمل المدني و على غير التجار حيث عمل الفقهاء على وضع التفرقة بينهما و
منها الموضوعية و الشخصية ، والتي سنتطرق لها في المبحث الثاني .
المبحث الثاني : معايير الأعمال التجارية:
وتطرقنا في هذا المبحث إلى
مطلبين أساسيين ، وهذا حسب ما وجد انه هناك نوعين للمعايير موضوعية و شخصية.
المطلب الأول: المعيار
الموضوعي:
إن المعايير الموضوعية ترى
أن القانون التجاري قانون النشاط التجاري دون الأخذ بعين الاعتبار صفة القائم به
إن كان تاجرا أم غير تاجر، ويرى بعض الفقهاء أن العمل التجاري هو الذي يقوم على
فكرة المضاربة و البعض الآخر يرون أن فكرة
التداول هي أساس العمل التجاري و آخرون
يرون أن فكرة الوساطة هي معيار العمل التجاري و بعضهم يرى دمج فكرة
التداول و المضاربة معاً.
1)
المضاربة: والمقصود
بها هو السعي وراء تحقيق الربح النقدي عن طريق العمل التجاري الذي يحترفه التجار
وذلك من خلال فروق الأسعار التي تتجلى خصوصا في عملية الشراء لأجل البيع، حيث
يعتبر الفقهاء المضاربة عنصر فعال في العمل التجاري ويمكن اعتباره كمعيار فاصل بين
العمل التجاري و المدني، إذا كان القصد من العمل تحقيق ربح كان عملا تجاريا، أما إذا كان على خلاف ذلك كان
العمل مدني ونلاحظ أبرز صور الأعمال التجارية في عقد الشراء لأجل البيع و
ذلك لأن الشراء من أجل البيع يعتبر عملا تجاريا لأن من يشتري سلعة بسعر معين بقصد
بيعها بثمن أعلى من ثمن الشراء، الفرق في السعر للسعي وراء الربح فهذا المعيار
يتضمن الحقيقة، إلا أنها ليست صحيحة على الإطلاق، ذلك أن هناك أعمال تهدف إلى الربح
ومع ذلك تبقى أعمالها مدنية مثل الطبيب و المحامي و المزارع.
2)
التداول: وهي
الأعمال التي تتعلق بالوساطة في تداول الثروات من وقت خروجها من يد المنتج إلى وقت
وصولها إلى يد المستهلك، فهي معيار موضوعي بحيث يمكن على القض الاطلاع عليها و
يستبعد هذا المعيار من نطاقه عمليات الزراعة و الصناعة الاستخراجية و
العمليات الاستهلاكية لأن عنصر التداول لا يظهر فيهل، وبالتالي تخضع هذه العمليات
للقانون المدني، أي أن إنتاج السلع لا يعتبر عمل تجاري، لأنها لم تدخل في التداول
بعد، في فترة خروج السلعة من يد المنتج و وصولها إلى
المستهلك فإنها تدخل في التداول و تخضع للقانون التجاري، يعني التداول النقل و
الحركة إلا أن الوساطة في التداول لا تكفي للتميز إن كان العمل تجاري أم مدني،
فعمل الوساطة في التداول الذي لا يهدف إلى تحقيق الربح لا يعتبر من الأعمال
التجارية، كما نلاحظ في الجمعيات التعاونية التي تشتري السلع لإعادة بيعها
لأعضائها بسعر التكلفة، وقدم معيار التداول الفقيه الفرنسي تاكيو.
3)
التداول قصد المضاربة: ونادى بعض الفقهاء إلى
الجمع بين التداول و المضاربة معاً، بمعنى أن العمل التجاري هو الذي يتوسط في
التداول بقصد تحقيق الربح و مثال ذلك الشراء لأجل البيع، حيث يقوم بعملية التوسع
في تداول الثروات فيصبح عمل تجاري عرضة الربح، لكن هذا المعيار عاجز على جمع كافة
الأعمال التجارية و المعيب عليه هو كثرة الأعمال التجارية.
*وخلاصة
القول أن المشرع الجزائري أخذ بالمعايير الثلاث المضاربة والتداول ، التداول قصد
المضاربة في التمييز بين العمل التجاري و المدني و هذا لما تحتويه من اختلاف النظريات
فيما بينها و بالتالي لا تصلح هذه المعايير في إعطاء خيار محدد لمفهوم الأعمال
التجارية.
المطلب الثاني:
المعيار الشخصي:
يرى أصحاب المذهب
الشخصي تحديد نطاق القانون التجاري على التاجر فهو ينظم مهنته بحيث يتحكم في نشاط
محترف التجارة في أداء حرفهم لأن هذا المذهب لا يهتم بطبيعة العمل ولكن يهتم
بالشخص ذاته أي الذي يقوم بالعمل أما إذا كان الشخص غير تاجر فإنه يخضع للقانون
المدني أما إذا كان العكس (تاجر) بطبيعة الحال يخضع للقانون التجاري ويقدم أنصار
هذا المذهب معيارين هما معيار المقاولة أو المشروع و معيار الحرفة.
1)
المقــاولـة أو المشروع: وهي
استخدام وسائل الإنتاج في منظمة دائمة أسست على نشأة مادية فالعمل يعتبر تجاريا
إذا كان يتم على شكل مشروع وهو موضوع يعتمد على فكرتين أساسيتين:التكرار و التنظيم
بمعنى أن المقاولة يعمل إلى جمع الوسائل المادية و البشرية و تكريسها للعمل
التجاري بصفة مستمرة وفي إطار منظم و مهني مضاربا بذلك على عمل الإنسان وعمل
الآلات مستهدفا من وراء ذلك تحقيق الربح، فمتى توفرت هذه الشروط اعتبر العمل تجاري
واكتسب المقاول صفة التاجر، ويرى الفقيه الفرنسي أسكار، إذا اعتبر أن فكرة
المقاولة أو المشروع لا فكرة العمل التجاري المنفرد هي معيار التفرقة بين العمل
التجاري و المدني، يعتبر هذا المعيار مهم جداً بصفة القانون التجاري يتطلب السرعة
و الائتمان حيث يمكن للمقاول الاستغناء عن هذه المطالب كون عمله منفرد و متكرر و
منتظم وهذا راجع لرؤوس الأموال الضخمة التي يستثمرها، والمخاطر التي تنجم عن
الحوادث غير متوقعة.
وما يعاب هذا المعيار
أن هناك بعض الأنشطة التي تمارس في شكل مقاولات لها طابع مدني كالتعاونيات
الحرفية.
2)
الــحــرفــة: يرى العميد لهذه النظرية أو
المعيار(ريبر) أن الحرفة هي ممارسة النشاطات المتواصلة و المستمرة بصورة أساسية و
معتادة لتأدية هذا النشاط المتمثل في بعض المهام من أجل الحصو على الربح... أساس
هذا المعيار بنص المادة الأولى من القانون التجاري الفرنسي و الجزائري معاً فهما
عرفا التاجر "على أنه كل شخص طبيعي أو معنوي يباشر عملا تجاريا و
يتخذه مهنة له" ويظهر لنا فكرة المهنة التجارية إذ أن واضعي المدونة الفرنسية
للتجارة يتكلمون عن المهنة بصورة مجردة.
ومعيار الحرفة لاقى
عدة انتقادات أهمها:
*صعوبة تحديد معنى المهنة
التجارية إلا بفكرة العمل التجاري و بالرجوع إلى نصوص التقنين و العرف نجد أن
نظرية المهنة التجارية تعود بالقانون التجاري إلى الحالة التي كان عليها في السابق
أي قانون طابقي.
*الأخذ بمعيار الحرفة
يجعلنا ندور في حلقة مفرغة، فالتاجر هو الذي يقوم بالعمل التجاري و العمل التجاري
هو الذي يقوم به التاجر إذ تعرف تارة التاجر بالعمل التجاري وتارة أخرى تعرف العمل
التجاري بأنه النشاط الذي يقوم به التاجر.