-->

بحث حول ظاهرة تعاطي المخدرات الأسباب ـ الآثار ـ العلاج

بحث حول ظاهرة تعاطي المخدرات الأسباب ـ الآثار ـ العلاج
    ظاهرة تعاطي المخدرات الأسباب ـ الآثار ـ العلاج 

    المخدرات هي الآفة الخطيرة القاتلة التي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة في كافة المجتمعات بشكل لم يسبق له مثيل، حتى أصبحت خطراً يهدد هذه المجتمعات وتنذر بالانهيار.
    والمخدرات هذه السموم القاتلة، ثبت من الأبحاث والدراسات العلمية أنها تشل إرادة الإنسان، وتذهب بعقله، وتحيله بها لأفتك الأمراض، وتدفعه في أخف الحالات إلى ارتكاب الموبقات. وتبعاً لانتشار هذه المخدرات ازداد حجم التعاطي، حتى أصبح تعاطي المخدرات وإدمانها وترويجها مصيبة كبرى ابتليت بها مجتمعاتنا الإسلامية في الآونة الأخيرة، وإن لم نتداركها ونقض عليها ستكون بالتأكيد العامل المباشر والسريع لتدمير كياننا وتقويض بنيانه، لأنه لا أمل ولا رجاء ولا مستقبل لشباب يدمن هذه المخدرات، والخوف كل الخوف من مجتمع تروج فيه المخدرات، ذلك لأن الأفراد الذين يتعاطون المخدرات يتطور بهم الحال إلى الإدمان والمرض والجنون، ليعيشوا بقية عمرهم ـ إذا امتد بهم العمر ـ في معزل عن الناس وعلى هامش الحياة لا دور لهم ولا أمل.
    وبزيادة إقبال الشباب على تعاطي المواد المخدرة، لم يعد الأمر مقتصراً على مجرد حالات فردية يمكن التعامل معها، من خلال المنظور الفردي، سواء بالعلاج الطبي أو الجنائي، بل تحول الأمر إلى ظاهرة اجتماعية، بل مأساة اجتماعية خطيرة، وهنا لابد أن ننظر إليها من مستوى اجتماعي وقومي.
    ومن خلال هذه الدراسة نساهم في جلاء هذا الأمر ووضعه في مكانه الصحيح، لأن وضع قضية الإدمان في حجمها الحقيقي، بالأرقام والإحصاءات وتقدير حجم المخاطر والصعاب، يحدد ماهية الأدوار المطلوبة لمواجهتها، وكذلك الكيفية بالطرق المناسبة مع البيئة التي نعيش فيها بظروفها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.



    تعريف المخدرات:
    إن تعريف المواد المخدرة أمر هام، في سبيل فهم طبيعة هذه المواد، وخصائصها والنتائج والآثار المختلفة على تعاطيها وإدمانها … ولذلك سنبدأ به.
    المخدرات لغة:
    مشتقة من الخِدْر .. وهو ستر يُمد للجارية في ناحية البيت، والمخَدر والخَدَر: الظلمة، والخدرة: الظلمة الشديدة، والخادر: الكسلان، والخَدرُ من الشراب والدواء: فتور يعتري الشارب وضعف.(1)
    أما المخدرات اصطلاحاً:
    فلم نجد تعريفاً عاماً جامعاً يتفق عليه العلماء المتخصصون، بحيث يوضح مفهوم المواد المخدرة بوضوح وجلاء، وإن كان هناك مجموعة من التعريفات الاصطلاحية للمخدرات، حيث عرفت المخدرات بأنها:
    -  المادة التي يؤدي تعاطيها إلى حالة تخدير كلي أو جزئي مع فقد الوعي أو دونه، وتعطي هذه المادة شعوراً كاذباً بالنشوة والسعادة، مع الهروب من عالم الواقع إلى عالم الخيال.
    -  هي كل مادة خام أو مستحضرة تحتوي على جواهر منبهة أو مسكنة من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية الموجهة أن تؤدي إلى حالة من التعود والإدمان عليها مما يضر بالفرد والمجتمع جسمياً ونفسياً واجتماعياً.
    -  هي كل مادة تؤدي إلى افتقاد قدره الإحساس لما يدور حول الشخص المتناول لهذه المادة أو إلى النعاس، وأحياناً إلى النوم لاحتواء هذه المادة على جواهر مضعفةأو مسكنة أو منبهة، وإذا تعاطاها الشخص بغير استشارة الطبيب المختص أضرته جسمياً ونفسياً واجتماعيا.(1)
    ويعرفها البعض من خلال زاويتين كالتالي:
    هي كل مادة تعمل على تعطيل أو تغيير الإحساس في الجهاز العصبي لدى الإنسان أو الحيوان، وذلك من الناحية الطبية، أما الناحية الشرعية: فهي كل مادة تقود الإنسان إلى الإدمان وتؤثر بصورة أو بأخرى على الجهاز العصبي.(2)
    ويعرفها بعض الباحثين من خلال زاويتين مختلفتين: إحداهما علمية، والأخرى قانونية، فيعرفها:
    *علمياً: بأن المخدر هو مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم ،أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم.
    *وقانونياً: بأن المخدرات هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان، وتسمم الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص لهم ذلك.(3)
    أما الُمفتّر لغة: من الفتور: وهو ما يكون منه حرارة في الجسد واللسان وفي الأطراف، مع الضعف والاسترخاء في الأطراف قوة وضعفاً حسب حالة وقدرة الشخص الصحية.

    فيقال فتر الشيء: أي خف وقلَّ وفلان يفتر، ويفتره فتوراً وفتاراً: سكن بعد حدة، ولان بعد شدة. والفتر: الضعف، وفتر جسمه: لانت مفاصله وضعف، ويقال أجد في نفسي فترة: كالضعفة،  ويقال للمسن:فقد علته كبرة وعرته فترة.
    وأفتر الرجل: فهو مفتر إذا ضعفت جفوته وانكسر طرفه، الجوهري، والمفتر: الذي يفتر الجسد إذا شرب، أي يحمل الجسد فيصير فيه فتور. والمُفَتر بضم الميم وفتح الفاء ويجوز تخفيف التاء مع الكسر: هو كل شراب يورث الفتور والخدر في أطراف الأصابع، وهو مقدمة السكر.(1)
    بناء على ما سبق، يمكن القول إن المفترات يمكن تصنيفها ضمن مجموعة المواد المسكرة والمخدرة …ولذلك فهناك من يُعَرِّف المخدرات على أنها….
    "كل مادة مسكرة أو مفترة من شأنها أن تزيل العقل جزئياً أو كلياً، ويحرمها الإسلام مهما تعددت أنواعها و اختلفت طرق تعاطيها".(2)
    مما سبق يمكن تعريف المخدرات على أنها:
    "كل مادة مسكرة أو مفترة طبيعية أو مستحضرة كيميائياً من شأنها أن تزيل العقل جزئياً أو كلياً، وتناولها يؤدي إلى الإدمان، بما ينتج عنه تسمم في الجهاز العصبي، فتضر الفرد والمجتمع، ويحظر تداولها أو زراعتها، أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية".

    أنواع المخدرات وكيفية تعاطيها
    والمواد التي تخدر الإنسان وتفقده وعيه، وتغيبه عن إدراكه، ليست كلها نوعاً واحداً، وإنما هي بحسب مصادرها وأنواعها متعددة ويمكن تقسيمها وتصنيفها إلى مخدرات طبيعية ومخدرات تخليقية.
    أولا: المخدرات الطبيعية: ([1])
    وهي المخدرات المشتقة من نباتات الخشخاش والقنب والكوكا والقات، حيث تحتوي أوراق هذه النباتات أو زهورها أو ثمارها على مواد مخدرة وهي:
    (1) القنب الهندي:
      يعرف القنب الهندي علمياً باسم "كنابيس انديكا" أو "كنابيس سلتاتيفا"، وهو صنفان ذكور وإناث، يمكن التفرقة بينهما بالعين المجردة عند اكتمال نمو النبات وظهور الزهور في نهاية الفروع، حيث تأخذ شكلاً منظماً وهي صغيرة الحجم لكل منها غلاف زهري أخضر اللون.
    وزهور الإناث غير ظاهرة وتحويها أوراق النبات، أما الذكور فبارزة وظاهرة وفيها حبوب اللقاح التي تتطاير مع الرياح لتتم عملية تلقيح الإناث التي تنتج لنا بذور النبات. هذه البذور تشبه حبات القمح إلا أنها أكثر استدارة ولونها قاتم، والمادة المخدرة والفعالة في النبات يطلق عليها اسم "الراسخ"، و "الكنابنول" وتوجد في إناث النبات
    بنسبة أعلى منها في الذكور، ونسبة المادة الفعالة في النبات تختلف من بلد إلى بلد وفقاً لطبيعة التربة والمناخ. ([2])
    وقد عرف القنب الهندي منذ فجر التاريخ، وإن كانت زراعته في بادئ الأمر للانتفاع بأليافه في عمل الحبال ونسج الأقمشة، كما استعمل أحياناً كدواء مسكن. ([3])
    والحشيش هو المصطلح الشعبي للمادة المخدرة المتخرجة من هذا النبات سواء من أزهاره أو ثماره أو سيقانه أو جذوره، وله عدة أسماء تختلف باختلاف البلد الذي يستخرج فيه.
    والحشيش أو ما يعرف "بالماريجوانا" ليس له أي استعمال طبي، ويؤدي استخدامه إلى الاعتلال النفسي، وقد عرفت اليوم للحشيش آثار تظهر على متعاطيه من ربع ساعة أو أكثر، ويسبب الحشيش أضراراً عديدة بعضها حاد ويسمى بالتسمم الحاد، وذلك عند متعاطيه عن طريق الاستنشاق، وهو يؤدي إلى تبلد الذهن وفقد الأفعال المنعكسة وصعوبة التنفس، مع الإسهال والرعشة والدموع، وقد ينتهي الأمر بالوفاة، والتعاطي المزمن له يؤدي إلى التأثير على الأعضاء الهامة مثل: القلب والرئتين والجهاز الهضمي والكبد، فهو يؤدي إلى زيادة ضربات القلب والتهابات الأوعية الدموية، خصوصاً في العين والأطراف السفلى، كما يسبب التهابات في الحلق وتهييج الرئتين مع صعوبة التنفس.
    وإذا تم التعاطي عن طريق الفم، فإنه يسبب حدوث التهيجات بالجهاز الهضمي والإسهال والتقلصات الشديدة مع فقد ملحوظ في الوزن؛ ومن تأثيراته أيضاً انخفاض حرارة الجسم مع تقليل نسبة هرمون الذكورة في الدم، و ضمور الخصيتين والبروستاتا.([4])

    (2) الأفيون:
    وهو عبارة عن العصارة اللبنية لخشخاش الأفيون، وهي كلمة مشتقة من الكلمات اليونانية OPIUM ومعناها العصارة، حيث يتم استخلاصه من نبات الخشخاش الذي ينمو في المناخات المعتدلة وشبه الاستوائية، ويجمع عن طريق عمل شقوق رأسية في قشرة الغلاف الأخضر للبذور ([5]) ، وهو يحتوي على العديد من المركبات الكيميائية التي تستخدم معظمها في الطب لمختلف الأغراض :من معالجة للألم والتهدئة قبل وبعد العمليات الجراحية، إلى تسكين السعال ومنع تشنجات العضلات الملساء، ولكن جزءاً كبيراً من هذا المستحضر الذي يرخص بإنتاجه للخدمات الطبية يتسرب إلى سوق التجارة غير المشروعة للمخدرات، حيث يباع في مناطق الشرق الأوسط وبقاع كثيرة من العالم ليستعمله الناس كمخدر.
    ويتعاطى المدمنون الأفيون عن طريق الأكل أو الشرب، أو عن طريق الحقن بعد إذابة الأفيون في الماء، كما يدخن في بعض الدول مثل الصين، كما يتم تعاطيه عن طريق بلعه على هيئة قطع مستديرة وملفوفة بالماء وإذابتها في قليل من الشاي أو القهوة.([6])
     
    وللأفيون أضرار متعددة منها: إنه يعمل على تنبيه وقتي للمخ والملكات العقلية، يعقبها الخمول والنوم العميق الذي يستيقظ فيه المدمن قليل القوى فاقد الشهية، ضعيفاً غير قادر في حركته وفكره، ولكن أخطر ما في تعاطي الأفيون هو وقوع المتعاطي فريسة للإدمان به … وعند التوقف المفاجئ عن تناوله تحدث للمتعاطي آثار شديدة مثل اتساع حدقة العين والعطس والرشح والتهيج والارتجاف والتشنجات والقيء الشديد مع حدوث آلام شديدة بالعضلات والإسهال الشديد وهبوط ضغط الدم.([7])

    (3) الكوكا:
    وهو نبات يزرع في مناطق كثيرة من العالم، خاصة في أمريكا الجنوبية عند مرتفعات الإنديز وفي الأرجنتين وبوليفيا وبيرو، وأوراق هذا النبات ناعمة بيضاوية الشكل، وتنمو في مجموعات من سبع أوراق على شكل ساق من سيقان النبات. وفي بعض بلاد أمريكا الجنوبية تُلف أوراق هذا النبات وتمضغ، وأحياناً تستخدم كالشاي، ويتم تحويل أوراق هذا النبات إلى معجون يخلط بالسجائر ويتعاطاه الأفراد.([8]) كما يتم تحويلها إلى صورة مسحوق في صورة فضية بلورية يمكن استنشاقها ويتم تحويلها إلى محلول يتم تعاطيه عن طريق الحقن بالوريد.
    ومتعاطي هذا النوع من المخدر يصاب بهلوسات بصرية وسمعية وحسية وأوهام خيالية مثل: الشعور بقوة عضلية فائقة أوالشعور بالعظمة، قد يبالغ المتعاطي في تقدير قدراته الحقيقية مما يجعله شخصاً خطراً قد يرتكب أعمالاً إجرامية ضد المجتمع.([9]) 

    (4) القات:
    وهو عبارة عن شجيرات تزرع في المناطق الجبلية الرطبة من شرق وجنوب إفريقية وشبه الجزيرة العربية، وتكثر زراعته بصفة خاصة في الحبشة والصومال وعدن واليمن، ويبلغ ارتفاع هذه الشجيرات ما بين متر ومترين في المناطق الحارة، وفي المناطق الاستوائية من ثلاثة إلى أربعة أمتار.([10])
    ولا يدخل القات ضمن مجموعة المواد المخدرة المحظورة دولياً، ولا يراقب في المطارات والمواني، إلا أنه محظور زراعته في الدول العربية بحكم القانون.([11])
    وعدم إدراج القات ضمن جداول المخدرات دولياً يرجع إلى أن مشكلة القات مشكلة إقليمية لا تهم إلا بعض دول في شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقية.
    ويتم تعاطي هذا المخدر بطريق التخزين في الفم، أي المضغ البطيء الطويل، ولا يلفظه المتعاطي إلا عندما تذوب التخزينة، ولا يتم تناول هذا المخدر لمتعاطيه بمعزل عن مجموعة الرفقاء الذي يجتمعون غرض التعاطي، ولذلك تسمى مجالسهم بمجالس القات… وينتشر ذلك في بعض الدول الإفريقية وفي اليمن وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا.
    ومن الآثار التي تنجم عن تعاطي القات: أنه عند البداية يشعر المتعاطي بالنشوة واتقاد وحدة الحواس مع هبوط الطاقة العضلية، ويتبع ذلك ضعف التركيز والذاكرة، ويختل الإدراك ويشعر بالكسل والخمول وفقدان الشهية، والوهن. والتعاطي الطويل
    لأمد يحدث سوء الهضم وتليف الكبد وإضعاف القدرة الجنسية عند الرجال، والتعرض بسهولة لمرض السل.([12])
    المخدرات ذات الاشتقاق الطبيعي:([13])
    ويقصد بهذه المجموعة تلك المواد المخدرة التي يتم استخراجها من النباتات، ومن هذه المواد:
    (1)  المورفين:
    يمكن استخراج المورفين مباشرة من النبات المحصود "قش الخشخاش"، كما يمكن الحصول عليه بطريقة الترشيح. ويكون على هيئة مسحوق ناعم الملمس أو على شكل مكعبات ولونه من الأبيض والأصفر الباهت إلى اللون البني، وقد يكون له رائحة حمضية خفيفة.
    وأهم آثار تعاطي المورفين: هي القيء الشديد، والغثيان، وإفراز العرق بشدة، وحكة الجلد، وإطالة مدة الولادة، ويبطيء النبض ويخفض الدم، والمعروف عن المورفين أنه مسكن قوي ومسكر ويسبب الإدمان عند إساءة استخدامه.([15])
    (5) الكوكايين:
    وهو عبارة عن مسحوق بلوري يستخرج من أوراق نبات الكوكا، ويقول المختصون في هذا المجال عن وصف أثر الكوكايين على المتعاطي: بأنه منبه للجهاز العصبي المركزي
    وتعاطيه يؤدي إلى حالة سكر خفيفة وزيادة الحركة واختفاء الحياء، وأحياناً هياج حركي وزيادة القوة العضلية، وعدم الشعور بالتعب وعدم الخوف من المخاطر، وتعاطي الكوكايين يقتل من شهوة الطعام فلا يشعر بالجوع، ويؤدي تعاطي الكوكايين إلى توسع بؤرة العين، وتسارع في نظام التنفس وفي ضربات القلب، مع ارتفاع ضغط الدم وارتفاع حرارة الجسم، وتدوم الحالة من ساعة إلى ساعتين، بعد ذلك تختفي النشوة ويظهر تشوش الأفكار وهلوسات سمعية ولمسية ثم يعقب ذلك نعاس.([16])
    (2) الكواديين:
    ويستخلص من نبات الخشخاش "الأفيون"، ويتعاطى إما عن طريق الفم أو عن طريق الحقن، ويصنع على هيئة أقراص أو مسحوق أبيض اللون لا رائحة له ولكنه مر المذاق.([17])
    وأهم آثار تعاطي الكواديين على المدى الطويل هي: "الاضطراب المزاجي" والعَشَا الليلي "إضعاف الرؤية الليلية"، والإمساك، والاضطرابات التنفسية، وكثيراً ما يحدث عدم استقرار وتوتر وتقلصات عضلية في حالات الإدمان المتواصل.([18])
    المخدرات المصنعة كيميائياً:
    وهذه المجموعة من المخدرات لا يتم استخراجها من نباتات طبيعية أو مشتقاتها، ولكن يتم صناعتها داخل المعامل من تركيبات كيميائية"، وقد أدى التقدم العلمي

    الهائل إلى انتشار تلك المخدرات كما أدى إلى صعوبة الرقابة على صناعتها، ويمكن تقسيم هذه المجموعة إلى:
    (أ‌) عقاقير الهلوسة:
    ويمكن تعيين هذه العقاقير "بأن لها القدرة على إحداث اختلال في الاستجابات الحسية، مع اختلالات في الشخصية، وتأثيرات مختلفة على الذاكرة، وكذلك على السلوك التعليمي وبعض الوظائف الأخرى.([19]) ومن هذه العقاقير ما ذكرها صاحب مؤلف الكشف عن المواد المخدرة، نذكر منها:([20])
    1- داي إيثيل أميد حمض الليثرجيك "ال.اس.دي":
    مادة تسبب الهلوسة بدرجة بالغة الشدة، وينتج على شكل سائل عديم اللون والرائحة والطعم، ولكنه قد يوجد على شكل مسحوق أبيض أو شكل أقراص أو حبوب بيضاء أو ملونة.
    2- داي ميثيل تربتابين (و.م.ت)، ال داي إيثيل، نربتامين (د.ي.ت):
    وتنتج هذه العقاقير بالتحضير في المعامل الكيميائية على شكل مسحوق متبلور، أو مذاب على هيئة محلول، وتأثيره مشابه لتأثير (ال.اس.دي).
    3- س.ت.ب (د.و.م):
    هناك كثير من المواد التي تحمل هذا الاسم، وتوجد على شكل مسحوق أو أقراص أو كبسولات ذات أحجام وأشكال مختلفة، ولها نفس تأثير "ال.اس.دي).

    (ب‌)     المهبطات: وتشمل:([21])
    1-         المسكنات المخدرة.
    2-         المنومات والمهدئات.
    3-         المذيبات الطيارة.
    (1) المسكنات المخدرة:
    ومنها على سبيل المثال: الهيرويين:
    فالهيرويين "أكثر المخدرات فعالية، إذ تعادل فعاليته 5-6 مرات فعالية المورفين، كما أنه يسبب الإدمان بسرعة، ولا يستخدم الهيرويين إلا في علاج المدمنين في بريطانيا في تخفيف آلام مرضى السرطان الميؤوس من شفائهم.
    (2)المنومات والمهدئات:
    أما المنومات فإن لها تأثير على وظائف المخ، حيث تهبط وظائف المخ مثل الخمر فتضعف القدرة على التركيز والانتباه، وتنخفض القدرة على قيادة المركبات بكفاءة والمهارات الحركية الأخرى كالسباحة.
    أما المهدئات فتأثيرها أن تجعل الفرد هادئاً، وتخفف من الألم، ويبقى الفرد غير مبال بالمشاكل التي تعترض سبيله، ورغم ما تسببه من اليرقان والالتهابات والهزات العصبية وتنقص المقاومة المرضية وغير ذلك، إلا أنها تسمى في الأسواق حبوب السعادة.
    وتشمل المنومات والمهدئات:
    *المهدئات العظمى مثل: الأرجاكتيل.
    *مضادات الاكتئاب مثل: التربيتزول.
    *المهدئات الصغرى مثل: الفاليوم.

    (3) المذيبات الطيارة (المشتقات):
    لقد تم إدراج مجموعة من المذيبات الطيارة ضمن مواد الإدمان، وذلك من قبل هيئة الصحة العالمية، أما عن متعاطي هذه المواد فيكثر في الأحداث، ومنهم في سن الشباب، وذلك باستنشاق الأبخرة المتصاعدة منها ومن هذه المواد:
    -       الغراء.
    -       البنزين.
    -       مذيبات الطلاء.
    -       سائل القداحات.
    -       سائل تنظيف الملابس (تراي كلورو ايثلين. ت ر م).([22])
    ومن تأثير هذه المواد المتطايرة: أن المتعاطي يشعر بالدوار والاسترخاء، والهلوسات البصرية، والغثيان والقيء أحياناً، أو يشعر بالنعاس. ومن أهم المضاعفات ما قد يحدث الوفاة الفجائية نتيجة لتقلص أُذَيْن القلب وتوقف نبض القلب أو هبوط التنفس، كما يكون تأثير هذه المذيبات ذا ضرر بالغ على المخ كتأثير المخدرات العامة.([23])

    الإدمان وأسباب السقوط في أسره
    إن تعاطي المخدرات منحدر زلق خطير، إذا وقع الفرد في بدايته لابد حتماً من الانزلاق إلى نهايته المعروفة وهي الإدمان.
    وتعرف منظمة الصحة العالمية مصطلح الإدمان: "بأنه حالة من التخدير المؤقتة أو المزمنة التي تنشأ عن تكرار تعاطي مادة مخدرة طبيعية أو تخليقية".([24])
    ونظراً لتفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية، أصبحت ظاهرة إدمان أفراد المجتمع للمخدرات "خاصة الشباب" ظاهرة أخطر من الغزو الثقافي، ذلك لأن الغزو الثقافي إنما يستهدف العقول للنيل منها والسيطرة عليها، بينما الإدمان وترويج المخدرات بين الشباب إنما يهدف إلى القضاء على عقول الشباب وأبدانهم في آن واحد، والقضاء عليهما معاً، وهذا أمر إن تمكن من نشب أظفاره في شباب المجتمع وأفراده عامة … ذهب هذا المجتمع وضاع مستقبله؛ ولذلك أصبحت ظاهرة إدمان المخدرات من أخطر المشكلات التي تشغل بال المسؤولين في جميع أنحاء العالم، وخاصة عالمنا الإسلامي الواعد.
    ويوم بعد يوم يستفحل خطر الإدمان، لأنه يزداد كل يوم مع انخفاض سن الإدمان ودخول نوعيات جديدة من الصبية والشباب صغيري السن من تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات، دائرة الموت والهلاك.
    كما يستفحل خطر الإدمان يوماً بعد آخر، لأن الفئات المدمنة تدمن تعاطي المخدرات المختلفة مثل الهيرويين والكوكايين وهي ما تعرف بالمخدرات البيضاء، وهي عظيمة الخطر باهظة الثمن، ولا يأتي إدمان الشباب لها من فراغ، فلا يحدث أن يدمن

    الشخص الهيروين أو الكوكايين مباشرة، ولكنه يبدأ بأنواع أخرى من المخدرات، ثم يتعرف على الهيروين، وعادة ما يعرفه عن طريق التاجر أو صديق السوء، حيث يبدأ أي منهما بإغرائه بأن يمنحه جرعة بلا مقابل مادي، ويوهمه بأنه نوع أفضل من الذي يعتاده، وبعد أول مرة أو بعد الثانية يحدث الإدمان، فيعود إليه ثانية، ولكن هذه المرة يدفع المقابل ويصبح زبوناً مدمناً للهيروين.
    ولا يقتصر الأمر على الذكور من الشباب، بل إن إدمان الهيروين والمخدرات البيضاء تفشت بين الفتيات بنسبة تعادل 5% إن الشباب المدمنين، وعادة ما تتعرف عليهم الفتاة أو المرأة بصفة عامة عن طريق الزوج إذا كان مدمناً، أو أحد الأصدقاء سيئي الخلق.([25])
    تلكم هي الخطوة الأولى للإدمان، تبدأ بالجرعة الأولى على شبه مجاملة عفوية، وتَوَرِّطٍ خال من الإرادة، وبعد أن يستهين الإنسان ، ويظل مع قرناء السوء من بني جنسه أو الجنس الآخر، حتى ينقلب الأمر عليه ويصير طالباً لا مطلوباً، ومستدعياً لها لا مدعواً، ويهلك فيها صحته ونفسه وماله، ويخسر كل من حوله، إذ يصبح بها مولعاً مغرماً، وعاشقاً متيماً، ويستدين في سبيلها، بل يسرق ويختلس وينهب ويقامر ويقتل، ويتعامل مع الممنوع والمحرم، ابتغاء الوصول لمراده وكؤوسه وشرابه. ومن ثم يصير بؤرة فساد، ومجموعة من الأخطاء، وجرثومة من المرض تعدي وتصيب كل من جاورها وخالطها، إن لم يودع متعاطيها في أحد المصحات، وتتداركه رحمة الله، أو يتحفظ عليه في أحد السجون أسير أهوائه المردية ونزيل شهواته القاتلة.

    ويقسّم الدكتور "كوميرس" المراحل التي يمر بها المراهق حتى يصل إلى مرحلة الإدمان إلى خمس مراحل:([26])
    أولا: الاستعداد لارتكاب الخطأ وتوافر مقومات ذلك ،من استغلال سهولة الحصول على المخدر، ثم عدم احترام الشخص لنفسه، ثم العيوب الطبيعية الشخصية.
    ثانياً: هي مرحلة التجريب، وهي مرحلة عادة ما يقلل من شأنها متعاطي المخدرات، وهي التي تقود للمرحلة التالية.
    ثالثاً: وهي تمكُّن المخدرات من الجسم، والتي يبيع فيها الشخص كل ممتلكاته لشراء أي نوع من المخدرات.
    رابعاً: الإدمان الحقيقي، ومعها يصبح الهدف الأول في حياة المدمن هو فقدان الوعي.
    خامساً: وهي التي تترتب على الإدمان وفيها يحدث التدهور الجسمي والنفسي للمدمن..
    وهكذا يحدث إدمان المخدر عندما يحصل الشخص على الجرعة للمرة الثانية أو الثالثة منه، فتعتاد خلايا الجسم عليه وتحدث الأمراض والأعراض الجسمانية، فإذا تأخر عن تعاطيه في موعده، يشعر المدمن بإسهال ورشح ونشر في الجسم وعدم التحكم في انفعالاته، وهمدان الجسم مع عدم القدرة على التركيز، وفقدان الشهية، أما إذا استمر في تعاطيه بعد المرة الثالثة وحاول الانسحاب، فيحدث في هذه الحالة انهيار في الوظائف الحيوية، وانهيار في وظائف الكبد الذي يعتبر فلتر تنقية السموم، وبالتالي تتسرب السموم إلى الجهاز العصبي، لأن الفلتر قد تعطل بدرجة عالية، مما يؤدي إلى الصرع وغيره من الآثار الضارة بالجسم.([27]) وذلك لأن المخدر كما هو
    مدلول اسمه يخدر، ولما كان ا لجهاز العصبي هو مركز الحس والإدراك، فإن المخدرات تتعامل في المقام الأول مع الجهاز العصبي وتفقده حساسيته ، والجهاز العصبي هو مصدر الإبصار والسمع واللمس والتفكير، وبذلك فإن المخدرات تتعامل مع هذه القدرات.
    والمخدرات في تعاملها مع الجهاز العصبي تعمل على إزالة القشرة المخية الخارجية وطبقات المخ العليا من المراكز الحيوية في هذه الطبقات. ولما كان هذا الجهاز العصبي هو المسيطر والمحرك لوظائف الجسم، فإن ذلك يستتبع أن تتأثر كافة أعضاء الجسم تبعاً لتأثير المخدر على الجهاز العصبي.([28]) ويقودنا هذا إلى الحديث عن نوعين رئيسيين من الإدمان هما:([29])
    أولاً: الإدمان الجسمي: وفي هذا النوع من الإدمان يتعود المدمن على نوع المخدر، يتشبع بها الجسم تشبعاً كبيراً يصعب معه التوقف عن تعاطي هذه المواد المخدرة، لأن توقفه فجأة يصيب الجسم بمضاعفات خطيرة قد تؤدي بالمدمن إلى الوفاة، خصوصاً أولئك الذين يتعاطون الأفيون ومشتقاته، والكوكايين والحبوب المنومة، وهذا ما يسميه البعض بالإدمان التام.
    ثانياً: الإدمان النفسي: وفي هذا النوع من الإدمان يتعود المدمن على نوع من المخدرات الذي ليس من الصعوبة بمكان التوقف عنها فجأة، لأن هذا النوع يسهل علاجه، ويمكن التخلص من مضاعفاته، مثل: تعاطي الحشيش والقات، والحبوب المنبهة والمنشطة، وشم البنزين وطلاء الأظفار.
    ويرجع البعض من العلماء مشكلة الإدمان لتفاعل عاملين أساسيين هما:
    -       الاستعداد الشخصي والنفسي.
    -       عدم تكيف المدمن مع مجتمعه بما فيه من مشاكل.
    ونتيجة لذلك يبدأ الإدمان مراحله الأولى التي ما تلبث أن تتلوها مراحل أخرى، تجرّ على الشخص مخاطر لا قبل له بها.([30])
    والخطورة في تعاطي المخدرات للمرات الأولى، لا ترجع لما تحدثه من آثار سيئة على صحة الفرد وعقله فحسب، بل إن مَكْمَن الخطورة في الانزلاق إلى دائرة الإدمان، الذي يصعب الخلاص منها، لأن الأنسجة والخلايا عند تناول المخدرات في بادئ الأمر تستجيب للتغير الذي يحدثه المخدر، ثم يقل التجاوب بالتدريج، وتقل الاستجابة لمفعول المخدر، مما يضطر المدمن إلى الإكثار من كميته للحصول على التأثير المطلوب، إلى أن تغدو المادة المخدرة للمدمن كالماء للإنسان السليم. وهكذا تصبح حالة المدمن شديدة، حيث يصعب عليه التوقف عن تعاطي المواد المخدرة، بل يتناول هذه المواد بشكل لا إرادي، ليس ذلك فحسب، بل ويضطر لزيادة الجرعة التي يتناولها بشكل مستمر.
    وثمة فرق ظاهر بين ظاهرتي الإدمان والتعود .. حيث إن التعود ظاهرة نفسية مزاجية تنشأ عن رغبة إرادية واعية في الحصول على الأثر الناجم عن التعاطي، أما الإدمان فهو ظاهرة بدنية تنشأ عن رغبة لا إرادية في تعاطي المخدر بسبب حدوث ما يسمى بالتواكل البدني على هذا العقار.([31])

    تاريخ إساءة استعمال
    المخدرات في البلاد العربية
    تشير دراسات عديدة إلى أن ظاهرة تعاطي المخدرات والمسكرات قد عرفت في المجتمعات والحضارات القديمة، كالحضارة الفرعونية والرومانية واليونانية والصينية والعربية وغيرها.
    ويقال بأن الفراعنة هم أول من عرف المخدرات في منطقتنا العربية. وكان أهمها المخدرات المشتقة من نبات الخشخاش والقنب، لكن استعمال هذه النباتات وما يشتق منها من المخدرات كان مقصوراً على مجالات بعيدة عن الإدمان، حيث كانت تستعمل في مجال الطب، فالأفيون كان يستخدم لعلاج أمراض العيون وعمل مراهم لآلام الجسم، وكذلك كان يصنع منه مساحيق لنفس الأغراض، كما كان الخشخاش المعروف باسم نبات "شبن" في ذلك الوقت يستعمل كدواء لتهدئة الأطفال من الصراخ.([38])
    وقد عرف العرب في الجاهلية قبل الإسلام الخمر، وكذلك في بداية العهد الإسلامي حتى نزل تحريمها، وقد عرف العرب فيما بعد الأفيون والحشيش، ويذكر الباحثون أنه دخل إلى الجزيرة العربية وبعض الدول العربية الأخرى عن طريق الغزوات التي تعرضت لها الجزيرة العربية، وكذلك بعض الدول العربية، حيث دخلها المغول واختلطت حضارة العرب بالحضارات الأخرى، مما كان له أبعد الأثر في ترويج انتشار هذه المخدرات في عالمنا العربي والإسلامي، وإن كانت في البداية تستعمل لبعض الأغراض الطبية، ثم أسيء استعمالها.([39])

    ولكن تعاطي الحشيش والأفيون لم يدخل دائرة الخطر من حيث التعاطي والإدمان إلا في عصور المماليك والعثمانيين، حيث يقرر بعض  المؤرخين أن إساءة استخدام الحشيش كمخدر لم يعرفها العرب إلا في القرن السابع الهجري، نتيجة لاحتكاكهم بالشعوب الأخرى التي جربت الحشيش كمخدر يبعث على السعادة والسرور.([40])
    ومع بداية القرن الحالي أخذت إساءة استعمال المخدرات تشغل بال ولاة الأمور، حيث بدأت تتدفق على البلاد كميات ضخمة من الحشيش والأفيون من بلاد اليونان، وأقبل على تعاطيها كثير من فئات الشعب في الريف والمدن، بعد أن كان التعاطي محصوراً في نطاق ضيق على بعض الأحياء الوضيعة في المدن، وذلك حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما تمكن كيميائي يوناني من إدخال الكوكايين إلى مصر وتقديمه إلى الطبقة العليا. ثم انتشرت بعد ذلك عادة تعاطي الكوكايين بسرعة امتدت إلى الطبقات الأخرى، نظراً لكونه أسهل تناولاً وأنفذ أثراً، ثم أخذ الهيروين يظهر مع العمال الذين كانوا قد رحلوا إلى فلسطين أثناء الحرب للعمل مع القوات المتحاربة، وهناك شاهدوا ما يفعله الهيروين في تسكين الآلام للخيول وكبح جماحها، فلذَّ لهم أن يجربوه لينسيهم همومهم.([41]) وعاد الهيروين معهم يوم أن عادوا إلى بلادهم، مع مرور الوقت أخذ الهيروين يحتل المكانة الأولى في التعاطي والاتجار غير المشروع، حتى قامت الحرب العالمية الثانية وتقلصت حركة تهريب المخدرات البيضاء إلى البلاد العربية، وهنا ارتفع ثمنها، فقام التجار الجشعون بترويج كميات كبيرة من المخدرات السوداء "الحشيش والأفيون" التي غمرت السوق، وبأثرها انتشر التعاطي واتسع مداه لرخص ثمنه.
    وفي السنوات التي أعقبت حرب 1968م قل المعروض من الحشيش والأفيون في البلاد العربية، كنتيجة لإغلاق الطريق البري عبر سيناء في وجه المهربين،، وكان من جراء ذلك أن ظهرت مشكلة إساءة استعمال المواد المؤثرة على الحالة النفسية "الباربتيورات والأمفيتامينات"، وهي مواد تحدث آثاراً مشابهة لتلك التي تحدثها المخدرات الطبيعية، وإن كانت تتسم بوفرتها ورخص ثمنها، وأن أغلبها لم يكن يشمله التجريم.([42])
    ونتيجة لحركة التغيير الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تعرض لها العالم العربي والإسلامي منذ ستينيات هذا القرن، وعلى أثرها بدأ يلعب دوره بشكل بارز وواضح في معظم القضايا المحلية والعالمية، وأصبح لدية طاقة شبابية وفكرية واعدة، ظهر تأثيرها وتفاعلها الخارجي عما كان عليه في السابق، أضحى هذا التأثير والتفاعل مصدر إزعاج وخطر لبعض الدول التي حز في نفسها هذا التأثير والتفاعل، ورغم تحرر معظم الدول العربية والإسلامية في ذلك الحين من ربقة الاستعمار والتبعية، إلا أن الدول المستعمرة أبت ألا تترك مستعمراتها دون إحداث تخلخل في البيئة الداخلية لهذه الدول، فلجأت إلى غزو جديد من نوع جديد بسلاح جديد سُمَّي غزو المخدرات، عملت عن طريقه على إضعاف التركيبة الداخلية لتلك المجتمعات، وتقويض مقوماتها الأساسية وإتلاف شرايين حركته المتمثلة في شبابه، الذي إن تم السيطرة عليه ضعف تأثيره، وضعف تبعاً له تأثير هذه الدول في الإطار العالمي.([43])
    وطبقاً لهذه الخطة المحكمة التي خطط لها ذئاب الاستعمار والصهاينة، انتشرت المخدرات بأنواعها المختلفة وبكميات كبيرة، وغزت أغلب المجتمعات العربية حتى أشد المحافظين منها، وتبعاً لذلك ازدادت ظاهرة الإدمان توهجاً واشتعالاً واتسع مداها
    وتزايدت أعداد أعداد ضحاياها يوماً بعد يوم، وصارت تستنزف جزءاً غالياً من ثروات البلاد المالية والمعنوية، يزيد الأمر ضرواة أن حجم آفة الإدمان في بلادنا غير معروفة تماماً، وأن ما ينشر من أرقام وإحصائيات لا يعبر بصدق تام عن حجم المشكلة وشدتها، ففي الوقت الذي تضبط فيه حالة أو حالتين تفلت حالات كثيرة، لأن المشتركين في هذه المشكلة أطراف عديدة، تبدأ من الممول والمهرب، مروراً بالتاجر والموزع وأخيراً المتعاطي.

    أسباب تعاطي المخدرات
    -       الأسباب الحضارية.
    -       الأسباب الأسرية.
    -       الأسباب الخاصة بالمتعاطي.
    *أما الأسباب الحضارية فهي الأسباب المرتبطة بالبيئة الاجتماعية وأهمها:
    1-         غياب القيم الأخلاقية الإسلامية.
    2-         وجود الفراغ الروحي "الغفلة عن الصلة بالله" في المجتمع بصفة عامة.
    3-  عدم توافر الوعي الاجتماعي الكامل بالأضرار الناتجة عن تعاطي المخدرات.
    4-         عدم استخدام وسائل الإعلام لدرجة كافية في مكافحة المخدرات.
    5-         انتشار المخدرات في المجتمع المحيط بالشباب.
    6-         عدم تطهير البيئة الاجتماعية من عوامل الانحراف وتعاطي المخدرات.
    7-         غياب جماعة الرفاق الصالحين.
    8-  غياب وسائل الترويح المناسبة والهادفة في البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد.
    9-         وجود الإغراءات من مروجي المخدرات بوضع مسميات جذابة لها.
    10- تقصير بعض المسؤولين من المؤسسات الاجتماعية مثل المدرسة والجامعة وغير ذلك في دورهم تجاه التحذير من تعاطي المخدرات وكشف أضرارها.
    11- تقصير بعض أئمة المساجد ورجال الدين نحو التوعية بأضرار المخدرات في البيئة الاجتماعية.
    12- الحملة الشرسة التي يواجهها أعداء الإسلام ضده وضد أبنائه مع قلة جهود التصدي لها.
    13-  ظهور فئة من المواطنين تبغي الثراء السريع عن طريق تجارة المخدرات.
    14-  التقليد الأعمى للغرب.
      *أما الأسباب الأسرية فكانت:
    1-  عدم وعي الأسرة بخطورة تعاطي المخدرات، وتقصير الأسرة في التحذير منها.
    2-         وجود الخلافات العائلية والتفكك الأسري.
    3-         انشغال الأب بأعمال كثيرة خارج المنزل ولفترات طويلة.
    4-         ارتباط الأم بالعمل خارج المنزل ولفترات طويلة.
    5-         تعاطي الأبوين أو أحدهما للمخدرات أو المواد المهدئة.
    6-         قصور التربية الأسرية والدور التربوي الذي ينبغي تأديته في المنزل.
    7-  عدم قيام الأسرة بدور الرقيب المباشر على الابن، وترك الحرية له كما يشاء، والخروج من المنزل في أي وقت والعودة في أي وقت.
    8-         استقدام الخدم في البيوت من غير الملتزمين بقواعد الإسلام فهماً وسلوكاً.
    9-  تكاسل الأسرة في تأدية دورها نحو أمر الابن بالمواظبة على الصلاة في جماعة المسجد.
    10-  استقدام أفلام فيديو التي تدعو لقيم خبيثة وعرضها باستمرار داخل المنزل.
    *أما عن الأسباب المتعلقة بالمتعاطي نفسه فكانت أهمها:
    1-         الرغبة لدى المتعاطي في اقتحام سور الممنوع.
    2-         عدم الاستغلال الأمثل لوقت الفراغ في ما يفيد الفرد ومجتمعه.
    3-         التخلف الدراسي وكثرة الرسوب عند الفرد.
    4-         وجود الاضطرابات النفسية ومسببات القلق النفسي.
    5-         اطلاع الشخص على المجلات التي تدعو إلى الانحراف والقيم الهابطة.
    6-         مصاحبة رفاق السوء في كثير من الأماكن العامة والخاصة.  

    كيفية التعرف على متعاطي المخدرات
    إن التعرف على أي من الظواهر التي تكشف تعاطي الفرد للمخدرات وإدمانه أياً كان نوع المخدرات التي يتناولها هذا الفرد، تعتبر خطوة هامة في سبيل علاج هذا الانحراف الخطير، ولذلك يجب أولاً حينما نواجه ظاهرة الإدمان أن يكون هناك معرفة علمية وصحيحة بكل جوانب المشكلة نفسياً وصحياً واجتماعياً، وظواهرها التي يتم ملاحظتها على المتعاطي.
    وكيفية اكتشاف الإدمان مبكراً أمر هام وضروري في سبيل علاج المدمن في المراكز المتخصصة بالطرق العلمية السليمة، رغم أن اكتشاف سقوط المدمنين في البداية أمر غاية في الصعوبة، خاصة للآباء على أبنائهم حتى ولو أوتوا نصيباً من العلم والثقافة، ذلك أنهم قد لا يكونوا على علم بسمات وسلوك المدمن الذي يعتمد تناول العقاقير المخدرة وزالكيماويات، أو أنهم يقللون من خطورة الموقف، والذي يزيد الأمر صعوبة هو استخدام الأبناء ذكائهم لتضليل آبائهم وإبعاد انتباههم عن تلك العلامات والظواهر التي تظهر على الشخص وتبين أنه يدمن أي نوع من أنواع المخدرات.
    وقد أجريت دراسات عديدة بهدف التعرف على الأغراض والظواهر التي تظهر على الشخص المدمن وعن طريقها يمكن التعرف على أن هذا الشخص يدمن المخدرات، فتشير أحد هذه الدراسات أن الشخص المدمن الذي يعتمد على الكيماويات المخدرة يتسم بصفات أربع:
    1-  أن لديه دافعاً يسيطر عليه كلية لأن يكون في حالة فقدان للوعي بصفة متكررة.
    2-  يكون هذا الدافع أكثر قوة من الحاجات الفطرية أو حتى المكتسبة بالتجربة.
    3-  يكون هذا الدافع آلياً أو يفرض نفسه على المدمن غماً عنه.
    4-  يصبح هذا الدافع جزءا من خبرات المدمن وتجربته فلا يمكن نسيانه عن عمد أو غير عمد.([48])
    وتشير بعض الدراسات إلى أن هناك أعراضاً للإدمان يمكن بالتدقيق الشديد ملاحظتها والتنبه لها، وهي قسمان: أعراض جسمية وأعراض حسية.
    والأعراض الجسمية من أهمها:
    -  ظهور أعراض على الشخص مثل أعراض الأنفلونزا من كثرة الرشح من الأنف وارتعاش وسعال وحرارة وهمدان في الجسم وغيرها، وقد يفلح المدمن المخضرم في إقناع والديه والمحيطين به أن لديه نزلة برد.
    -  ظهور أعراض مثل أعراض الإجهاد والعمل الزائد، أو وجود مشكلات صحية أهمها احمرار العينين بشدة وشحوب لونهما وتساقط الدموع منها بكثرة وظهور النعاس فيها.
    -  ظهور علامات تعاطي الحقن في الذراعين وانخفاض في الوزن، وظهور علامات سوء التغذية.
    أما مجموعة الأمراض الحسية للإدمان والتي يمكن من خلالها التعرف على المدمن فأهمها:
    _ حدوث تغيرات في سلوك الشخص وخاصة السلوك العاطفي الحسي الزائد نحو أفراد أسرته وتغيير العديد من القيم التي كان يؤمن بها الشخص قبل الإدمان.
    كثيراً ما يشاهد على الشخص المدمن كثرة الاحتجاج على القواعد والأسس
        التي يقوم عليها نظام الأسرة أو المدرسة أو المؤسسة الاجتماعية التي يتواجد بها وينتمي إليها، مع ازدياد الجدال والنقاش مع أفراد هذه المؤسسات.
    -  يلاحظ على الشخص المدمن فقدان الوعي والدخول في عالم الأوهام، مما يجعله مائلاً إلى الانطوائية والانعزال عن نشاط الأسرة أو الأقران والزملاء.
    -  يكون لدى المدمن الرغبة الدائمة في الابتعاد عن المنزل وتغيير مفردات الحديث وألفاظه من حيث الإسراع بالكلام أو الإبطاء به، وأيضاً تعود النسيان والاندفاع إلى الكذب لتبرير كثير من المواقف والسلوكيات.([49])
    ويجمل الدكتور أحمد عكاشة. العلامات التي يمكن عن طريقها كشف المدمن والتعرف عليه في الآتي:([50])
    1-  الانطوائية والانعزال عن الآخرين بصورة غير عادية.
    2-  الإهمال وعدم الاهتمام بالمظهر والعناية به.
    3-الكسل الدائم والتثاؤب المستمر.
    4- شحوب في الوجه وعرق ورعشة في الأطراف.
    5-  فقدان الشهية والهزال وال‘مساك.
    6- الهياج الشديد لأقل سبب مما يخالف لطبيعة الشخص المعتادة.
    7-  الإهمال الواضح في الأمور الذاتية وعدم الانتظام في الدراسة والعمل.
    8-  إهمال الهوايات الرياضية أو الثقافية.
    9-  اللجوء إلى الكذب والحيل الخادعة للحصول على مزيد من المال.
    10-  اختفاء أو سرقة الأشياء الثمينة من المنزل دون اكتشاف السارق.
    11-  هذا بالإضافة إلى ما يلي:
    -  اختفاء العقاقير من أماكن حفظها خاصة العقاقير التي لها صفة التخدير ولو لدرجة بسيطة.
    -       الفشل الدراسي والهروب من المدرسة.
    -  تلقي مكالمات متأخرة والاختلاط بقرناء السوء في الشارع أو المدرسة أو غيرهما.
    -  تكرار فقدان الملابس أو المتعلقات الأخرى وعدم القدرة على تحديد أماكن وجودها وإيداعها.
    - حمل علب أو حاويات غريبة الشكل في الجيوب والحقائب والأدراج الخاصة.
    - الابتعاد العاطفي عن الأسرة.
    - القلق النفسي والاكتئاب النفسي.
    - عدم الثقة في النفس والشعور بالتقليل من قيمة الذات.
    - عدم وجود حافز على التفوق والعمل ووجود الفشل الدراسي.
    -عدم احترام التقاليد والقوانين.
    - ضعف الميول الدينية.
    - البحث الدائم عن اللذة المؤقتة.
    - استعمال المواد المهدئة والمنومة
    آثار وأضرار تعاطي المخدرات
     إن أضرار المخدرات ومخاطرها الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد تضخمت لدرجة اصبح معها هذا الأمر وكأنه حرب حقيقية يجب أن تعلن له حالة الطوارئ. فأضرار تعاطي المخدرات وإدمانها تتخطى حدود الفرد والأسرة والمجتمع، بل والمجتمعات كلها والإنسانية بوجه عام، كما تتخطى حدود الحاضر والمستقبل القريب والبعيد، فهي خراب خلقي واجتماعي ومادي ومعنوي وصحي وفكري وثقافي، إنهاء داء رهيب يفتك بالفرد والأسرة والمجتمع من كل النواحي، إنها لعنة تصيب الفرد وكارثة تحل بالأسرة وخسارة تلحق بالوطن.
      ونظراً لتعدد الأضرار والآثار التي تنجم عن تعاطي المخدرات سندرسها بنوع من التجزيء والتقسيم وإن كانت مترابطة ببعضها البعض وكأنها قنابل عنقودية تعمي العيون ثم تعيد لتعميها مرة أخرى وهكذا.
    أولاً: الأضرار الصحية لتعاطي المخدرات:
    لقد ثبت علمياً بما لا يدع مجالاً للشك أن تعاطي المخدرات أياً كان نوعها يؤثر تأثيراً مباشراً على أجهزة البدن، من حيث القوة والحيوية والنشاط ومن حيث المستوى الوظيفي أعضاء الجسم وحواسه المختلفة.
    1- أثر تعاطي المخدرات على العقل:
    أكد العلماء من خلا لدراساتهم أن متعاطي المخدرات تصيبه أضرار جسيمة في قواه العقلية وقدراته الفكرية وطاقاته المدركة، حيث يصل الأمر به ساعة سكره إلى الحال التي يصبح فيها عاجزاً عن أن يتبين حقاً، وهذا أمر لا ننتظر سواه من إنسان غائب العقل، مذبذب الوجدان مهتز الشعور، مضطرب الإدراك معطل التفكير.
    والمخدرات تؤثر في حكم العقل على الأشياء والأحداث، فيرى تعاطيها البعيد قريباً والقريب بعيداً، ويذهل عن الواقع ويتخيل ما ليس بواقع ويسبح في بحر من الأحلام والأوهام غير الواقعية والمستحيلة الحدوث، ولعل هذا من أهم الأسباب التي تجعل متناوليها يسعون لتعاطيها ـ حسب ما يروي لهم البعض ـ حتى ينسوا أنفسهم ودينهم ودنياهم ويهيموا في أودية الخيال.([53])
    والمخدرات تؤثر تأثيراً مباشراً ومتفاوت الدرجات على العقل والوظائف العقلية للفرد، فقد ثبت من التجارب أن استعمال الحشيش بانتظام يصيب المتعاطي بالتبلد والعزوف عن الواجبات المنوطة به، كما يعوق التعليم لأنه يضعف الذاكرة والتفكير والفهم، ويؤثر تأثيراً سيئاً على المهارات اللغوية والحسابية ويعمل على سرعة نسيان المواد المتعلمة سواء كانت دروساً أو تجارباً.
    2- أثر تعاطي المخدرات على المخ والأعصاب:
    يعتبر المخ هو أهم عضو في تكوين الإنسان وهو الجوهرة الغالية والكنز الثمين الذي وهبه الله للإنسان، والمخ يتكون من بلايين الخلايا العصبية التي تعمل ليل نهار بطريقة متجانسة، بواسطة إشارات كهر وكيميائية وكل مجموعة من خلايا المخ متخصصة في أداء وظيفة معينة، فمجموعة نجدها مسؤولة عن الكلام وأخرى مسؤولة عن الإبصار، وهكذا بقية الحواس والقدرات والمركبات المخدرة التي يتعاطها الفرد يكون لها تأثير مباشر على أماكن معينة في الجهاز العصبي تسمى المستقبلات، وهي التي تكون موجودة على جدران الخلية العصبية ثم تتدخل تلك المركبات تدريجياً في عمل وظائف المخ، فيصبح المخ معتمداً عليها اعتماداً كلياً، حتى يدخل الفرد مرحلة الإدمان وهنا تختل وظيفة المخ ككل وتختل

     جميع الأجهزة التي يتحكم فيها المخ مثل الجهاز الهضمي والتنفسي والعضلي والدورة الدموية ….الخ.
    حيث إنه بدخول المخدر إلى الأوعية الدموية المتصلة بالمخ ينتقل مفعول هذا المخدر إلى موقع الخطر الكامل، فيرتبك عمل المخ وتشل وظيفته الطبيعية بوصول المخدر إلى الجهاز العصبي المركزي، وبإدمان الفرد لهذا المخدر يصبح الفرد أسيراً لهذه المادة المخدرة التي ما تلبث أن تسبب ضموراً وتلفياً تدريجياً للخلايا العصبية للمخ، وبذلك يضمحل مخ المدمن ويقصر في أداء مهامه، فيصبح هذا المدمن ضعيف الذاكرة، قلقاً، مضطرباً، لا يتحكم في عمليات الإخراج أو الكلام أو غيرها.([54])
    3- أثر تعاطي المخدرات على الدم:
    الدم سائل حيوي هام له وظائف هامة تتوقف عليها حياة الشخص، ومن أهمها:
    -  نقل المواد الغذائية المهضومة من الجهاز الهضمي إلى الكبد وكافة أجزاء الجسم.
    -       نقل الأكسجين من الرئتين إلى خلايا الجسم.
    -  نقل المواد الناتجة من تمثيل الغذاء أو غيرها من المواد التي تدخل الجسم بواسطة الحقن الوريدية أو العضلية أو بطريق الفم.
    -  المحافظة على الكميات السائلة الموجودة في الجسم وعلى درجة قلوية الجسم والدم.
    -  نقل هرمونات الغدد الصماء العامة بالبنكرياس التي تفرز مادة الأنسولين ذات الأهمية البالغة.
    -  تكوين وسائل الدفاع عن الجسم وذلك بواسطة كرات الدم البيضاء والمضادات البروتينية.

    وتعاطي المخدرات يمزج السم الزعاف بهذا السائل الحيوي الهام فيعيق من دورانه، وقد يوقفها فيموت الشخص في الحال، والمواد المخدرة تسبب نقصاً في كمية هذا السائل وتكسر كراته الحمراء والبيضاء، كما تسبب فقراً به نتيجة لسوء التغذية، المرتب على سوء الهضم والامتصاص الذي يسببه الإدمان، كما تؤثر المخدرات على الشرايين، فتفقد مرونتها وتتمدد وتغلظ حتى تنسد أحياناً بتكون الجلطات، أو تضيق وتصاب بالتصلب وكلها تؤدي إلى أمراض القلب، التي تؤدي إلى الوفاة فجأة، أو إلى حدوث جلطات في الأوعية الدموية للمخ، وهذا ينتج عنه شلل ووفاة وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المخدرات تساعد في الإصابة بمرض الإيدز، من خلال استعمال الحقن الملوثة بالدماء.([55])
    4- أر تعاطي المخدرات على الكبد:
    الكبد من الأعضاء الرئيسية في الجسم، ومنوط به وظائف في غاية الأهمية، يتوقف عليها حياة الشخص، وأهم وظيفة الكبد … هي حماية الجسم ضد كثير من السموم السابحة فيه، وتعاطي المخدرات عن طريق الحقن وغيرها من الأمور التي تسمم الدم بدرجة أكبر وبالتالي يزداد العبء لدرجة أن يصبح معها الكبد تالفاً ومتليفاً وغير قادر على أداء وظائفه بنجاح. وأشارت الدكتورة "شرلوك" أخصائية الكبد في كتابها "أمراض الكبد" إلى أن تليف الكبد يصيب مدمني الخمر والمواد المسكرة والمخدرة أكثر من غيرهم وأن نسبة المصابين بهذا المرض بهذا المرض بين المدمنين وغير المدمنين كنسبة (1:7) وتتوقف نسبة تليف الكبد على كمية المادة المسكرة ومدة تعاطيها.([56])

    5-  أثر تعاطي المخدرات على الأنف والأذن والحنجرة:
    إن استخدام الأنف كطريق لتعاطي المخدرات عن طريق الشم يؤدي من حيث الأثر الضار والمفعول لأكثر من الحقن في الوريد ذلك أن الغشاء المخاطي للأنف يحتوي على شبكة متشعبة جداً من الشعيرات الدموية، مما يسهل الامتصاص عن طريقها ثم نقل هذه المادة لباقي أجزاء الجسم عن طريق هذه الشعيرات، ولذلك يلجأ المدمن إلى أخذ شمة واحدة في اليوم تجنبه مشقة أخذ الحقن مرات، خاصة لما يتوهم من توفر السرية في الشم.
    وتعاطي المخدرات عن طريق الشم يؤدي إلى تآكل وضمور الغشاء المخاطي للأنف ومع استمرار التعاطي يحث ثقب في الحاجز الأنفي وتشوهات بالأنف مما يؤدي إلى تكوين قشور سميكة بالأنف عند محاولة التخلص منها ينتج نزيف متكرر، كما يؤدي ضمور الأغشية المخاطية إلى فقد كامل لحاسة الشم، وما يتبعها من عدم التذوق، وبسبب التعاطي أيضاً يتم احتقان أغشية "دهليز" الأنف في الحاجز الأنفي، مما يسبب صعوبة واستحالة التنفس عن طريق الأنف ونتيجة لفقد مهام الأنف كصمام أمان للوقاية من حرارة الجو والرطوبة والأتربة والجراثيم، ويشعر المدمن بجفاف في الحلق والتهابات متكررة في الحنجرة والذبحة في الصوت، وطنين في الأذن، وتأثر الدورة الدموية لجاز التوازن بالأذن الداخلية وإحساس بالغثيان والدوار وعدم القدرة على الاتزان خاصة أثناء المشي والحركة.([57])
    6-  أثر تعاطي المخدرات على الحالة النفسية:
    يؤكد بعض الباحثين على أن كلاً من الإدمان والمرض النفسي على علاقة وثيقة ببعضها وتتبين أبعاد هذه العلاقة مما يلي:
    -       قد ينشأ كل منهما من نفس الأسباب التي تدفع شخصاً بذاته إلى نوعية المرض النفسي قد تدفع شخصاً آخر إلى الإدمان.
    -  الإدمان قد يكون محاولة من الفرد للتغلب على الصعوبات التي تواجهه وذلك بالهروب منها.
    -  الإدمان قد يكون محاولة دفاعية من المدمن ضد المرض النفسي المهدد وكأنه بديل عن المرض النفسي.
    -       الإدمان عادة ما تصاحبه اضطرابات نفسية مختلفة نتيجة للتسمم بالعقار.
    -       الإدمان عادة ما ينتهي باضطرابات نفسية مختلفة.([58])
    كما يؤكد المتخصصون من علماء النفس والأطباء النفسانيين ان ظاهرة الإدمان في حد ذاتها هي مرض نفسي، بل طاعون نفسي، وأن أفضل تسمية لها هو أنها "سرطان الوعي" فكما أن السرطان ينتشر فتأكل خلاياه الخبيثة الخلايا الصحيحة، فإن هذه الظاهرة تغير على الوعي، حتى يتشه ويتحول الإنسان إلى خرقة من اللحم النتن، بلا غاية ولا كرامة ولا كيان، وقد توصلت دراسات عديدة إلى أن تعاطي المخدرات ينتهي غالباً إلى الإدمان الذي يحدث أسوأ الأثر في المستوى الخلقي والنفسي لضحاياه فيتميز أغلبهم بالأثرة وانهيار العاطفة وعدم الإحساس بالمسئولية الاجتماعية والعائلية وضعف الإرادة والجبن وكراهية العمل وزيادة الاضطرابات النفسية والسلوكية. وللمخدرات تأثير ضار على الناحية النفسية، سواء في المراحل الأولى من تعاطيها أو في المرحلة المتأخرة منها وهي الإدمان، فعندما يبدأ الشخص في تعاطي المخدرات يختلط عنده التفكير ولا يحسن التمييز ويكون سريع الانفعال، ثم تتبلد عواطفه وحواسه بعد ذلك، وبتكرار التعاطي يصبح الشخص كسولاً قليل النشاط
    يضيع وقته في أحلام اليقظة ولا يمكنه أن يخفي هذه الظواهر عن المجتمع فليلجأ إلى الخداع والغش والكذب والتزوير وحيل نفسية متعددة وخرق القانون.
    كما أن كثيراً من الشباب الذين يتعاطون المخدرات يسقطون صرعى الأمراض العقلية والنفسية، فتظهر عليهم الهلاوس السمعية والبصرية والحسية كأن يحس الشباب إحساساً خاطئاً بآلام في الجسم أو ضمور في أطرافه أو كأن هناك حشرات تمشي على جلده، وقد يظهر المرض العقلي على صورة شك عنيف في أفراد أسرته والمحيطين به وكل من يتعامل معهم، وعندئذ تكثر عنده الأفكار الخاطئة ضد الغير، وفي الصورة النهائية تتدهور شخصية المدمن تماماً.([59])
    7-  أثر تعاطي المخدرات على الطفل:
    أكدت الأبحاث عديدة على أن آثار المخدرات تتغلغل في الدم الذي يصل إلى جميع خلايا الجسم، وكذلك في جميع الخلايا العصبية، وبالتالي فهذه الآثار تشمل الحيوانات المنوية للذكر والتي تنتقل إلى بويضة الأنثى عند التلقيح وبذلك يكون العلقة المتكونة منها مريضة، ويكون نهايتها الإجهاض، وهو لفظ الجنين خارج الرحم قبل ميعاده، أو ولادة طفل قبل بلوغ كمال نموه الطبيعي، وهذا أمر له مضاعفات خطيرة على صحة الأم وصحة الطفل قد تصل إلى أن تودي بحياتها.([60])
    وإذا كانت المرأة التي تدمن أي نوع من المخدرات فلا يقف حد الضرر عندها فقط، بل يمتد ليؤثر على جنينها وهي حامل أو طفلها الرضيع بعد الولادة، فأثبتت
    الدراسات العلمية في هذا المجال أن جميع أنواع المخدرات تصل إلى الجنين عن طريق "المشيمة" وفي حالة إدمان الأم تتزايد الجرعة التي تصل إلى الجنين يوماً بعد يوم إلى أن تؤثر كلية على تغذية الجنين داخل رحم أمه. بما يضعفه ويمرضه، فيكون عرضة للسقوط قبل موعد اكتمال نموه، وهنا يحدث الإجهاض ويولد بذلك ناقص النمو وأقل من الوزن الطبيعي وقد يكون مشوهاً، وقد يكون مصاباً بأمراض خلقية قد تؤدي إلى وفاته بعد ولادته مباشرة كما تؤثر تلك المخدرات على المراكز الحيوية في مخ الجنين، مثل مركز التنفس ومركز تنظيم ضربات القلب قبل الولادة مما ينتج عنه ولادة طفل مصاب باضطرابات شديدة في عملية التنفس أو يعاني من سرعة ضربات القلب ويعيش بذلك مريضاً إلى أن يتوفى.([61])
    وإذا كانت مجرد جرعة بسيطة من المسكنات تتناولها الأمم لتخفيف آلام الولادة تؤدي أحياناً إلى اضطرابات في تنفس المولود وهبوط درجة استجابة مراكز المخ، فما بالنا بأثر الجرعات المتعددة التي تتناولها الأم المدمنة سواء على الجنين في بطنها أو على الطفل بعد ولادته، حيث تفرز هذه السموم مع اللبن بكميات كثيرة تؤدي إلى أضرار بالغة بالطفل الوليد. فمعظم أولاد المدمنين يكونون عرضة للتشنجات العصبية وسرعة التهيج، وبجانب ذلك يكونوا ضعيفي الجسم لأنهم عادة يميلون إلى النوم بكثرة وهذا لا يعطيهم فرصة التغذية السليمة عن طريق الرضاعة، مما يعرضهم لسوء التغذية ولذلك نجدهم  خائري القوى، وعادة يكونوا معرضين للأمراض المتعددة التي تجد في أجسامهم مرتعاً خصباً، مثل النزلات المعوية والالتهابات الرئوية وأعراض الهستريا، هذا إلى جانب فساد الأخلاق وضعف التنفس والميل إلى الإجرام وغيرها من الصفات التي يتصف بها متعاطي المخدرات ومدمنيها.([62])
     
    ثانياً: الآثار الاجتماعية لتعاطي المخدرات
    إن تعاطي المخدرات وإدمانها يمثل مشكلة اجتماعية خطيرة باتت تهد أمن المجتمع وسلامته، ولا يقتصر ذلك على المجتمع الكويتي فقط، بل أصبحت خطراً داهماً يجتاح المجتمعات الإنسانية جمعاء، وتنعكس آثارها على المجتمع من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.
    فالمخدرات لعنة تصيب الفرد وكارثة تحل بأسرته وخسارة محققة لوطنه، ذلك أن التعاطي يعود بأسوأ النتائج على الفرد في إرادته وعمله ووضعه الاجتماعي، حيث أنه بفعل المخدرات يصبح شخصاً مفتقراً لتحقيق الواجبات العادية والمألوفة الملقاة على عاتقه.
    والمدمن بما ينفقه من مال على تعاطي المخدرات يقتطع جزءاً كبيراً من دخل الأسرة، وهو بذلك يمثل عبئاً اقتصادياً عليها، وباستقطاع ذلك الجزء من الدخل تتأثر الحالة المعيشية للأسرة، ولا يستطيع تلبية الاحتياجات الضرورية لأفراد الأسرة، مما يدفع الأبناء إلى الشروع في بعض الأعمال غير المشروعة، كالتسول أو السرقة أو الدعارة، وكلها من الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالفرد والأسرة والمجتمع. كما أن المتعاطي الذي ينفق ماله على إدمانه للمخدرات لا يكون مقدراً للمسؤولية الملقاة على عاتقه كرب أسرة ومسئول عنها لأنه راعيها الأول، بل هو قدوة سيئة وبالتالي ينشأ هؤلاء الأولاد وليس لديهم أي شعور بالمسؤولية حيال أسرهم ومجتمعاتهم مستقبلاً وهذا الأمر خطر على المجتمع حينما ينشأ أفراده على اتجاهات وسلوكيات سالبة نحو المجتمع هذا بالإضافة إلى أن أسرة المتعاطي دائماً يسودها جو من التوتر والشقاق والخلاف بين أفرادها، فقد أثبتت البحوث والدراسات ارتفاع معدلات سوء العلاقات الزوجية والنزاع الدائم بين الزوجين وانفصالهما في الأسر التي يوجد بها مدمني مخدرات،
    وتبعاً لذلك يرتفع معدل حدوث الاضطرابات بين الأطفال في هذه الأسر، مما يؤدي إلى لجوء الأحداث أيضاً إلى التعاطي، وكذلك انحرافهم.([65])
    وهكذا يصبح تعاطي أفراد الأسرة للمخدرات مجموعة من الحلقات المتتالية والمتشابكة التي لا تنفصل إحداها عن الأخرى، وتؤدي في النهاية إلى دمار كامل للأسرة ومن ثم المجتمع، فقد ثبت من مراجعة ملفات القضاء بكثير من المحاكم الشرعية أن هناك مئات من القضايا التي تطلب فيها الزوجة الطلاق بسبب عجز الزوج من القيام بواجباته الزوجية، كرب عائلة، وكوالد، وكزوج، وبتحليل أسباب تلك القضايا اتضح أن أغلب الأزواج ممن يتعاطون المخدرات ويدمنونها، وبسبب ذلك خارت قواهم الجسمية وأصبحوا في حاجة إلى من يعولهم، بعدما فقدوا مصادر دخولهم الأصلية، أو ثرواتهم، وأصبح ما لديهم لا يكفي لمعيشة الأسرة وسد حاجاتها الأساسية، وهنا يصبح هذا الزوج شرير بائس يلتمس العيش من السرقة والنهب، وزوجته تذوق المرار وهي تحتضن أطفالها صغاراً وتدور بهم مستجدية تبحث عن الرزق الحلال، وقد لا تجد ما يكفيها وأولادها فيضطرها صراخ الأبناء وهي بين بؤس العيش ول الحاجة إلى ما لا ترضاه لنفسها، وهنا تتفكك الصلات والروابط بين الأفراد والعائلات وتنهدم السعادة المنزلية …. وشر جناية يجنيها الأب على أولاده تكون بسبب تعاطيه المخدرات.([66])
    كما أن تعاطي المخدرات يعد سبباً مباشراً لوقوع العداوة والبغضاء بين الناس حتى الأصدقاء منهم، لأن المدمن حينما يسكر ويفقد العقل، الذي يمنع من الأقوال والأفعال التي تسيء إلى الناس، يستولي عليه حب الفخر الكاذب والكبر، ويسرع إليه الغضب بالباطل مما يدفع إلى ألوان من البغضاء والعداوة كثير من المشاجرات
    والمنازعات والحزازات بين المدمن وعامة الناس فينشأ القتل والضرب والسلب والنهب وإفشاء الأسرار وهتك الأستار والأعراض، وخيانة الحكومات والأوطان، وهذه أسقام اجتماعية تؤدي بالمجتمع وتورده شر مورد.
    أما أضرار المخدرات من الناحية الخلقية والكرامة الإنسانية فهي كثيرة، فغالباً ما يرى المدمن وهو يترنح ويهذي وينجدل على الأرض في قارعة الطريق، فيصيبه الأذى والقذر وهذا يذهب بكرامة الشخص وشرفه وحياته.([67])
    وهكذا تضيع الإرادة الإنسانية عند المتعاطي للمخدرات، وتقتل فيه العواطف السامية، كالحنان والعطف والواجب، وهذا يعلل ما نشاهده من حالات للاعتداء على الفتيات والعربدة في المواخير والاتصال بنساء الطبقات الدنيا من العاهرات والمومسات والزانيات والقوادين وذوي الأخلاق الساقطة من الشباب والرجال والفحش من الحديث والسماجة وغيرها من الصفات الدنيا التي يتصف بها مدمنو المخدرات، ولذلك فالزنا وتعاطي المخدرات صنوان، وهنك ارتباط شديد بينهما، فتحف الرذائل بهما من كل جهة، الداعرة والقواد والفحش والفجور وضعف الخلق وفساد النفس والخبث والعذر والنفاق والخديعة والرياء، وغير ذلك من الصفات الدنيئة.
    وفي النهاية نستطيع أن نقرر أن انتشار المخدرات سبب لكثير من الأمراض الاجتماعية كالرشوة والسرقة والانحرافات الخلقية التي تعكر صفو النظام العام، عن طريق العنف والفظاظة وإتلاف الممتلكات، والخيانة والدعارة وغيرها من الأسقام التي إن تفشى في المجتمع جزء منها لانهار في جرف هار، المجتمع الذي يقع فريسة للإدمان هو لا مجتمع لأنه سيكون بلا كيان وبلا وعي وبلا إبداع.
    ولا غرو فالمخدرات تقوض أخلاق الأمة وتمزق اجتماعها وتهز اقتصادها وتؤدي بكيان أجيالها وتدمرها من الداخل من خلال مخطط إجرامي تشارك فيه مافيا المخدرات في العالم وزبانية الشيطان في كل مكان من البشر الذين باعوا ضمائرهم لإبليس، مقابل فلوس شريرة سوداء، ومال حرام، وشاركهم شياطين من أهل وطننا، أنهم يدمرون جيلاً عربياً بكامله، فها هي المخدرات ما هي إلا مواد جامعة لكثير من مختلف النتائج الضارة بحياة الفرد والجماعة على السواء، حيث أنها تشمل بخطرها عقل الإنسان وفكره وقيمه وفضائله وروحه وبدنه وعلائقه الشريفة وصلاته العليا…. أليست بذلك أم الخبائث وقرينة كل شر وباعثة كل فساد ومنكر.

    ثالثاً: الآثار الاقتصادية لتعاطي المخدرات
    كما تفتك المخدرات بالجسم، فهي تفتك أيضاً بالمال، مال الفرد ومال الأمة فهي تخرب البيوت العامرة وتيتم الأطفال، وتجعلهم يعيشون عيشة الفقر والشقاء والحرمان، فالمخدرات تذهب بأموال شاربها سفها بغير علم إلى خزائن الذئاب من تجار السوء وعصابات العالمية والفرد الذي يقبل على المخدر يضطر إلى استقطاع جانب كبير من دخله لشراء المخدر، وعليه تسوء أحواله المالية ويفقد الفرد ماله الذي وهبه الله إياه، في تعاطي المخدر وفي التبذير من أجل الحصول على ويصبح بذلك من إخوان الشياطين.
    والمخدرات وراء ارتفاع الدولار، حيث يجمعه التجار ويهربونه لشرائها، والمخدرات بما تحدثه من آثار صحية ضارة تجعل الأفراد قليلي الإنتاج وبها أيضاً تخسر الدولة جزءاً من خيرة شبابها الذين تنتهي رحلتهم سريعاً مع الإدمان إما بالجنون أو الوفاة، وهذه خسارة كبرى وضرر فادح بالاقتصاد الوطني، يتحمل سوء تبعاته الأمة جمعاء، ويؤدي بها لا محالة إلى التلف والضعف والإعياء.([75])
    ولا يقتصر الأمر على انخفاض إنتاج الفرد المتعاطي للمخدرات في عمله فحسب بل ينخفض إنتاج المجتمع وتتقلص جهود التنمية فيه تبعاً للأسباب الآتية:([76])
    1- انتشار تعاطي المخدرات يؤدي إلى زيادة أفراد الشرطة وموظفي السجون والمحاكم والنيابة والمستشفيات، بحيث إذا لم تكن هناك ظاهرة التعاطي، لأمكن أن يتجه هؤلاء الأفراد إلى أمال إنتاجية أو صحية أو ثقافية بدلاً من قيامهم بمطاردة المجرمين وتجار المخدرات والمتعاطين ومحاكمتهم وعلاج المدمنين وإعادة تأهيلهم.
    2- تعاطي المخدرات يمثل عبئاً كبيراً على الدخل القومي، فهناك خسارة مادية اقتصادية تتمثل فيما يتحصل عليه المشتغلون بعلاج ومكافحة المشكلة وفي النفقات الباهظة التي تستهلكها عمليات الوقاية والعلاج والمكافحة والمؤسسات التي تنشأ من أجل ذلك، وكذلك في عمليات الإنفاق على المتعاطين أنفسهم، والمحكوم عليهم في جرائم المخدرات داخل السجون والمستشفيات، هذه النفقات كان من الممكن لو لم ينتشر التعاطي ـ أن توجه إلى ما يرفع إنتاجية المجتمع وجهود التنمية الاقتصادية ولاجتماعية.
    والإنفاق على المتعاطين أنفسهم وعطاء حوافز مجزية للمشرفين على علاجهم ومكافحة المشكلة أصبح أمراً ضرورياً لشعور كثير من الدول بخطر الجريمة على الأمة وتهديد كيان المجتمع، خاصة وأن مطالب الأمن والاستقرار مطلب عالمي تسعى إليه جميع الدول على اختلاف مشاربها وثقافتها …وللجريمة اثر مباشر في زعزعة الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع.([77])
    3- المبالغ التي تنفق على المخدرات ذاتها غالباً ما تكون على جانب كبير من الضخامة، فإذا كانت المخدرات تزرع في المجتمع الذي تستهلك فيه فإن معنى ذلك إضاعة جزء من الثروة القومية تتمثل في الأراضي التي كان من الممكن أن تستغل في زراعات مفيدة، وفي الجهد البشري الذي يضيع في زراعة النباتات المخدرة، وإذا كان المجتمع مجتمعاً مستهلكاً للمواد المخدرة، فإن مبالغ كبيرة تخرج من المجتمع وتكون عادة في صورة عملة صعبة مهربة أو عن طريق تهريب السلع، وعمليات المقاومة كان من الممكن استغلال هذه المبالغ في استيراد آلات للإنتاج أو للتعليم أو للصحة أو استغلالها في سبيل آخر للإنفاق على تحسين أوضاعنا المادية والاجتماعية والاقتصادية.

    رابعاً: الآثار السياسية لتعاطي المخدرات
    إن أخطار المخدرات وتعاطيها يزداد يوماً بعد يوم، لدرجة أن أصبحت مواجهة هذه الأخطار معركة حقيقية وشرسة نخوضها مع تجار هذه السموم التي أصبحت على قدر بالغ من القوة والثراء، وتديرها المنظمات والشخصيات الكبرى من دول العالم الثالث ولا سيما في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
    والأمر بذلك لم يعد مقتصراً على أشخاص فرادى، بل أن هناك منظمات دولية بات خطرها على الصعيد السياسي أمر واضح وخطير، فهناك دولاً بعينها وراء هذا التورط المتزايد في عالم المخدرات، وان هذا التنظيم الدولي يستخدم المخدرات كسلاح من أسلحة الحرب ضد الشعوب المستهدفة، وأنه يرمي إلى زرع الوهن والضعف بين شباب الأمة المستهدفة، والذي سيفقد مع المخدرات كل إرادته وعنفوانه ويستسلم للاضمحلال والتفكك وهو ما تحققه المخدرات أكثر من أي سلاح آخر.([78])
    وقد ثبت بما لا بدع مجالا للشك أن الصهيونية العالمية من أخطر هذه المنظمات فمن خلال مالها من أياد مدمرة في أنحاء العالم وقنوات تحميها ومنافذ وعملاء روجت المخدرات وخاصة في دول العالم الإسلامي بهدف القضاء على ثروة هذه البلاد، المتمثلة في شبابها الواعد حتى يتم الانحلال الخلقي فيها، وتشيع الفاحشة ويصبح الشباب في خواء روحي وعقائدي، ويصبح خائر القوى غير مؤثر في الحاضر، عديم التأثير في المستقبل وبذلك تسلب قوى الأمة وتصبح عديمة القيمة، تابعة لا متبوعة مقوده لا قائدة…وتكون نهايتها الهلاك المحتوم.
    ويرى المحللون أن الشعوب العربية تأتي على قمة الشعوب المستهدفة من قبل المنظمات الصهيونية العالمية، وليست الغاية الكبرى من وراء ذلك هو الانهيار
    الاجتماعي فحسب، بل الهدف ما يعقب ذلك من انهيار اقتصادي واستسلام الإرادة للدول الخارجية وهذا هو أمر منتهى أي هدف سياسي في أي مكان في العالم على مدى التاريخ.([79])
    لذا ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن المخدرات هي أعظم سلاح بيد الاستعمار يحاول به إبادة الشعوب الضعيفة أو القوية على السواء بهدف إخضاعها له واستسلامها له، وهذه حقيقة أتثبتها التاريخ المعاصر، وإن تمكن العدو من نشر مخططاته بأي من الطرق المختلفة التي يتقنها لذهب هذا المجتمع، وذهبت قيمته ومكانته وزال تأثيره وانقضى نحبه تحت الأنقاض، ولذلك فمشكلة تعاطي المخدرات وإدمانها هي مشكلة قوية يجب التصدي لها على مستوى كل دولة، ثم على مستوى الدول العربية والإسلامية بعامة، ولذا ينبغي أن تتصدى لها الجيوش العربية بقواتها المسلحة وكل عتادها ([80]) ،وهذا الأمر يحتاج إلى اهتمام من أعلى مستوى سياسي عربي، لأنها حرب حقيقية تستهدف القضاء على مقدرات الأمة واغتصابها.

    علاج ظاهرة تعاطي المخدرات

      إن مشكلة إدمان المخدرات، كما ذكرنا في الفصول السابقة، لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والدينية والتربوية وغيرها، وبالتالي فهي تدخل في نطاق اهتمام معظم أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة.
    -       وقضية الإدمان والمدمنين هي قضية أمن المجتمع بالدرجة الأولى، ولذلك فإننا مطالبون بأسلوب جديد وشامل في مواجهة هذه الظاهرة، فإذا كانت حرب فيجب أن تكون حرب تطهير شعبية أولًا،فليست الدولة أو أحد أجهزتها القادرة على مواجهة العدو فقط، لأن العدو من أنفسنا، ولذلك تأتي أهمية المؤسسات الاجتماعية في مواجهة هذه الظاهرة وعلاجها.
    -       ولذلك سنخصص هذا الفصل لدراسة دور المؤسسات المجتمعية المختلفة في علاج ظاهرة تعاطي المخدرات.

    دور الأسرة في علاج
    ظاهرة تعاطي المخدرات والوقاية منها
    لقد عني الإسلام ببناء المجتمع الذي أساسه بناء أسرة المسلمة، حيث إن الأسرة هي: المحضن الأساسي الذي يتلقي فيها النشء الفضائل والقيم والآداب في جو من التربية الإسلامية من أب وأم وأولاد.
    والأسرة لغة:
    "الدرع الحصين"، وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون، لأنه يتوقى بهم.([121])
    أما الأسرة اصطلاحاً:
    فتتعدد تعريفاتها تبعاً لاختلاف المدخل الذي يتم من خلاله الدراسة.. فعلى اعتبار أن الأسرة جماعة اجتماعية، تعرف بأنها "جماعة اجتماعية مكونة من أفراد ارتبطوا مع بعضهم برباط الزواج أو الدم أو التبني، وهم غالباً يشتركون مع بعضهم في عادات عامة، ويتفاعلون مع بعضهم تبعاً للأدوار الاجتماعية المحددة من قبل المجتمع.([122])
    أما الأسرة كنظام اجتماعي:
    حيث تعرف النظم الاجتماعية: بأنها الطرق التي ينشئها المجتمع وينظمها لتحقيق حاجات إنسانية ضرورية. والأسرة من الظواهر الاجتماعية التي ينطبق عليها تعريف
    النظام الاجتماعي، فهي عبارة عن وظائف حيوية متشابكة ومتداخلة محاطة بمجموعة من المعايير الاجتماعية، تنسق عملها وتسهل مهمتها وتربطها بنظم أخرى، كالنظم التربوية والدينية والاقتصادية، ولذلك فالأسرة كنظام اجتماعي يتصل بمعظم أوجه النشاط في المجتمع.
    ولذلك يعرفها "قاموس فيرتشيلد" بأنها: منظمة اجتماعية رئيسية، فيها يعيش رجل مع امرأة في علاقة جنسية دائمة أو مؤقتة يقرها المجتمع، بالإضافة إلى الواجبات والحقوق الاجتماعية المعترف بها مع إقامة الأولاد معهم في معيشة واحدة.
    ويوضح مصطفى الخشاب: أن الأسرة في طبيعتها هي مؤسسة اجتماعية تخضع في تكوينها للدوافع الطبيعية والاستعدادات والقدرات الكامنة في الطبيعة البشرية النازعة إلى الاجتماع، وهي بأوضاعها ومراسيمها عبارة عن: مؤسسة اجتماعية تنبعث عن ظروف الحياة الطبيعية التلقائية للنظم والأوضاع الاجتماعية، وهي ضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري ودوام الوجود الاجتماعي.([123])
    والواقع أن الأسرة كنظام أو الأسرة كجماعة لا تختلفان كثيراً، حيث إن الجماعة والنظام يتضمنان نوعاً من التنظيم الاجتماعي، وإن كان هناك تفضيل لدى العلماء على اعتبار أن الأسرة نظام اجتماعي. من العرض السابق نجد أن الأسرة تعتبر جماعة ذات تنظيم داخلي خاص، كما أنها في نفس الوقت تمثل وحدة أساسية في التنظيم العام للمجتمع.
    ويتم دور الأسرة في علاج ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال بعض الوظائف السابقة التي تضطلع الأسرة بالقيام بها يمكن علاج ظاهرة تعاطي المخدرات… والوقاية منها؛ فعلى الآباء والأمهات واجبات نحو أبنائهم، قبل أن يكون على الأبناء واجبات نحو آبائهم، ومسئولية الأسرة ليست قاصرة على المصروف والكسوة والأكل وتوفير أسباب الراحة وغير ذلك من الأمور المادية، بل إن الأسرة عليها معول كبير في تنشئة الطفل حسنَ الخلق وسويَّ الطباع، متشرباً للقيم والعادات الإسلامية الصحيحة، وفي ذلك وقاية للطفل الناشئ من الانحراف وتعاطي المخدرات.
    كما أن الأسرة من خلال حماية أفراد الأسرة تدفع عنهم كل خطر يهدد حياتهم، سواء من التصرفات غير الاجتماعية أو غير ذلك، وحماية الأفراد من خطر تعاطي المخدرات إنما يتم للأسرة من خلال حديث الأب مع أبنائه وتبصيرهم بهذا الخطر

    الداهم، وجذب انتباههم لمواجهة هذه المشكلة المجتمعية الخطيرة بإمدادهم ببعض الكتب والمنشورات التي تحثهم على تكوين اتجاهات سالبة نحو المخدرات والعقاقير، وفي حالة خطأ أحد الأبناء وانحرافه لتعاطي المخدرات، فعلى الأب أن يصطحب ابنه لأقرب مؤسسة علاجية حينما يشاهد عليه أيًّا من السمات التي يمكن من خلالها الحكم على هذا الابن أنه يتعاطى المخدرات.
    ومن خلال وظيفة المراقبة والضبط الاجتماعي.. يمكن للأسرة أن تربي في أبنائها مراقبة الله عز وجل، وأن يتقي الله في أي مكان كان، حيث قال r  "اتق الله حيثما كنت"، وحينما تكون المراقبة الذاتية هي عنوان الفرد في كل مكان وفي سائر سلوكه وتصرفاته، سيتم تنمية الصلة بالله تعالى، والأسرة حينما تحرص على ذلك فهي تقوي الصلة بين العبد وربه، ويكون بذلك لدى الفرد سياج منيع وحصن شامخ عن تعاطي المخدرات.
    ومن خلال التربية داخل الأسرة عن طريق التعليم غير المقصود يمكن تربية الطفل على الأخلاق الإسلامية العليا، بأن يكون الوالدان قدوة حسنة لأطفالهم وبقية أفراد الأسرة، لأن الناشئة في الأسرة يتعلمون عن طريق التقليد والمحاكاة لكل السلوكيات والتصرفات التي يقوم بها الكبار.
    وحينما تكون الأسرة قدوة صالحة لأبنائها ستصدق أعمالها وأقوالها، وينشأ الفتى في بيئة نقية بإذن الله بعيدة عن الانحراف، وترسم لهم الأسرة بذلك الطريق السليم بعيداً عن تعاطي المخدرات والسلوكيات المنحرفة الأخرى.
    وكذلك على الأسرة أن تطهر دائماً البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الابن من كل السلوكيات الخاطئة، وكل ما يسبب ذلك، وقد لوحظ في الفترة الأخيرة انتشار أجهزة الفيديو داخل المنازل وغالباً ما يستقدم الآباء أو الأبناء بعض الأفلام التي تدعو

    للانحراف بطريق غير مباشر، وعلى الآباء هنا مراقبة الأبناء وعدم استقدام أي أفلام تدعو إلى سلوكيات شاذة، خاصة أن بعض الأفلام حتى التي تحارب المخدرات وانتشارها يكون فيهاـ بطريقة غير مقصودة ـ أمور تدفع الفرد لاقتحام سور الممنوع، وهذا سبب انتشار المخدرات، بل تظهر على البطل في الفيلم علامات النشوة والابتهاج عند تعاطي المخدرات للمرات الأولى أو غير ذلك .. وذلك قد يدفع الفرد للبحث عن هذا المخدر، أو أن هذه الأفلام قد تبين كيف حصل البطل عن طريق السرقة أو القتل مثلاً على مبلغ النقود الذي كان سيشتري به المخدرات، وقد تُبين هذه الأفلام للفرد كيف يذهب للمكان الذي يوجد به تجار السموم أو غير ذلك.
    فعلى الآباء من خلال وظيفة المراقبة والضبط أن يمنعوا مثل هذه الأفلام أو غيرها من أن يشاهدها الأبناء.
    وقد وجد أن كثيراً من جرائم التعاطي للمخدرات والانحرافات إنما تتم في الأسر المفككة التي تكثر فيها الخلافات العائلية ويحدث فيها الشقاق بين الوالدين والأبناء، ولكن يمكن للأسرة من خلال سيادة جو الوفاق وروح الاطمئنان والاستقرار العائلي أن تحكم عملية الإشراف والرقابة وحسن التربية للأبناء، وعلى الأسرة بذلك أن تتخطى أي عقبات أو مؤثرات قد تدفع لحدوث تفكك وشقاق بها حتى لا تلحق آثاره بالأبناء.
    وكذلك وجد أن جرائم تعاطي المخدرات إنما تكثر في الأسر التي يغيب الأب فيها لفترة طويلة خارج المنزل، سواء في العمل أم السفر للخارج أم غيره، وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بألا يغيب الرجل عن بيته حتى في حالة الحرب عن أربعة شهور، فبالأحرى يجب ألا يغيب الأب عن الأسرة في الظروف العادية لهذه المدة، وإذا كان من الضروري تغيب الأب مثلاً للسفر (وهو ضروري اليوم)، فعلى الأم وبقية أفراد الأسرة من الأجداد والأخوال والأعمام، القيام بدور المراقبة وتولي مهام الأب وقت غيابه.
    وهناك مجموعة من الأمور يجب على الأسرة مراعاتها للوقاية من تعاطي الأبناء للمخدرات أهمها:
    -       يجب أن تُعَوِّد الأسرة أبناءها على استثمار وقت الفراغ في عمل مفيد.
    -  يجب على الأسرة ألا تستقدم الخدم للعمل في المنزل قبل التأكد من حسن أخلاقهم.
    -  يجب أن تنمي الأسرة جانب الصدق مع الأبناء والتحذير من الكذب وعواقبه الوخيمة.
    -  يجب أن تشرف الأسرة على اختيار أبنائهم لأصدقائهم، سواء في المنزل أو المدرسة أو النادي أو غيره.
    -  يجب على الأسرة أن تتابع الأبناء دراسياً، خاصة عند الرسوب أو التخلف الدراسي؟.
    -  يجب على الأسرة أن تستقدم للأبناء وسائل ترويح مفيدة، وكذلك اقتيادهم للأندية الرياضية والاجتماعية مع المراقبة عليهم.
    -  يجب ألا تتمادى الأسرة في خروج الأم للعمل خارج المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى، كفقد العائل أو ضآلة راتبه مثلاً.
    -  يجب على الأسرة أن تعود أبناءها على حضور الصلاة في جماعة في المسجد دائماً من خلال ترغيب وترهيب جيد، حتى يمكن لها أن تقيهم من الانزلاق إلى الرذيلة والاستجابة لدعاة الشر والفساد من رواد تعاطي المخدرات.
    -  كما يجب عليها أيضاً أن تقوي صلة الأبناء بالله والتقرب إليه لملء الفراغ الروحي لديهم، وإنما يكون ذلك بوجود القدوة الصالحة وأسلوب التربية الرشيد.

    دور المدرسة في علاج ظاهرة
    تعاطي المخدرات والوقاية منها
    المدرسة مؤسسة اجتماعية أنشأها المجتمع بهدف تعليم أبنائه وتربيتهم وتزويدهم بالثقافات والتراث الثقافي، وقد أصبحت المدرسة منظمة رسمية من منظمات الدولة يتخرج فيها عمال الدولة، وأصبحت الدراسة فيها رسمية تسير وفق لوائح وقوانين محددة (1)
    والتربية في المدرسة ليست من أجل منطلق حر لا ضابط له، ولكن من أجل دعم نظرية الحياة للأمة، ذلك أن الأمة صاحبة الرسالة يجب أن تقوم على الصغار بالتربية والتعليم ليكونوا ورثة صالحين، لهدف حياتها ولنظام مجتمعها وعليها من أجل أن تصوغهم في قوالب عقائدها ومناهج حياتها.(2)
    وقد تطورت المدرسة الحديثة تطوراً ملحوظاً ساعدها على تأدية المهام المنوطة بها بكفاءة عالية، فهي كأداة من أدوات التربية وإحدى وسائطها، لها وظائف محددة.
    وظائف المدرسة:
    يلخص عبد الرحمن النحلاوي وظائف المدرسة اليوم: في توسيع آفاق الناشئ وزيادة خبراته، بنقل التراث الثقافي والتوجيه، وتنسيق الجهود التربوية المختلفة، وتكملة مهمة المنزل التربوية.(3)
    ويمكن للمدرسة أن تؤدي دورها في علاج ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال الوظائف التي تقوم بها، فمن خلال المناهج والمواد المقررة يمكن أن يدرس الطالب آثار تعاطي المخدرات وانعكاساتها المختلفة على الحالة الصحية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية وغيرها على الفرد والمجتمع.
    وكذلك يمكن للمدرسة محاربة المخدرات من خلال عمل جماعات النشاط المختلفة التي تثبت نشاطها بين الطلبة.
    وللمدرسة دور هام في ربط البيئة بخطة التعليم في الدولة، وعن طريق لجان مجلس الآباء وغيرها تتم توعية أفراد المجتمع بأضرار المخدرات، وكيفية مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تنتشر في المجتمع بصور مخيفة.
    ويمكن للإذاعة المدرسية والصحافة المدرسية عمل لوحات فنية تعبر عن مساوئ المخدرات وآثارها، وكذلك عمل مجلات ونشرات دورية وغير دورية تحث على محاربة هذه المخدرات وتساهم في علاج هذه الظاهرة.

    دور الجامعة في علاج ظاهرة
    تعاطي المخدرات والوقاية منها
    الجامعة هي معقل الفكر الإنساني في أرفع مستوياته، ومصدر لاستثمار وتنمية أهم ثروات المجتمع وأغلاها وهي الثروة البشرية، وتهتم الجامعة ببعث الحضارة العربية والتراث التاريخي والتقاليد الأصيلة، ومراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والخلقية والوطنية، وتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات الأخرى والهيئات العلمية والعربية والأجنبية.
    وتختص الجامعات بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعي والبحث العلمي الذي تقوم به كلياتها ومعاهدها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضارياً، متوخية في ذلك المساهمة في رقي الفكر وتقدم العلم وتنمية القيم الإسلامية، وتزويد البلاد بالمختصين الفنيين والخبراء في مختلف المجالات، وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة، ليساهم في بناء وتدعيم المجتمع المجتمع، وصنع مستقبل الوطن وخدمة الانسانية.(1)
    ووظائف الجامعة حددها الباحثون طبقاً لقانون الجامعات فيما يلي: (2)
    1-         التدريس (التعليم)
    2-         البحث العلمي.
    3-         خدمة المجتمع
    ويمكن للجامعة أن تؤدي دورها في علاج ظاهرة تعاطي المخدرات والوقاية منها
    من خلال وظائفها المنوطة بها، حسبما حددها القانون الجامعات، فمن خلال التدريس(التعليم) يتم دراسة مقررات ومناهج دراسية تعالج ظاهرة تعاطي المخدرات، وتوضح آثارها الصحية والاجتماعية وغيرها.
    وكذلك من خلال وظيفة البحث العلمي يتم عمل أبحاث علمية متخصصة حول ظاهرة تعاطي المخدرات، بدراسة الأسباب المختلفة التي أدت إليها وتحليل نتائجها للوصول إلى توصيات لعلاج الظاهرة.
    كذلك عمل مسابقات للطلبة حول هذه الظاهرة بهدف تزويد ثقافتهم من خلال البحث بالمعلومات المتعلقة بهذه الظاهرة وطرق علاجها.
    طرح مسابقات لتأليف الكتب العلمية حول هذه الظاهرة والمتخصصين من أساتذة الجامعات، ومنح الكتب الفائزة مكافآت مادية، وطبعها ضمن منشورات الجامعة وتوزيعها على الطلاب بأسعار رمزية.
    كذلك عمل الندوات العلمية والمؤتمرات العلمية السنوية وغير الدورية، لدراسة هذه الظاهرة دراسة علمية مستفيضة من كافة الجوانب المتعلقة بها.
    تشجيع البحث العلمي وعمل رسائل الماجستير والدكتوراه حول هذه الظاهرة، ودراسة أبعادها المختلفة وآثارها على الفرد والمجتمع.
    ومن خلال وظيفة خدمة المجتمع تقوم الجامعة بعمل مجموعات توعية من الأساتذة والمختصين بها تجوب النوادي الرياضية والمدارس والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، لتبين مخاطر هذه الظاهرة وكيفية التعرف على المتعاطي وكيف يمكن علاجه. عمل معسكرات للخدمة العامة تقوم مهمتها على كشف أبعاد الظاهرة لأفراد المجتمع في كل مكان.
    عمل ندوات للمرأة يحاضر فيها العديد من الأساتذة المختصين لإعلام المرأة بسمات الفرد المتعاطي، وكيف لها أن تتعرف عليه مبكراً، وكيف يمكن لها أن تقتاده للعلاج، وخاصة الأمهات اللاتي يسافر أزواجهن للخارج.

    دور المسجد في علاج
    ظاهرة تعاطي المخدرات
    إن مكانة المسجد في المجتمع الإسلامي أوضح من أن يشار إليها بحديث مثل ما نعرض له، وما عرضنا لهذه المكانة إلا من باب معرفة ولو جزء بسيط من أثره في حماية المجتمع من الآفات والرذائل وخاصة تعاطي المخدرات.
    المسجد لغة اسم لمكان السجود. أما شرعاً: فكل موضع من الأرض هو مسجد لقول رسول الله r  "جعلت لي الأرض مسجداً" (1)
    ونحن نقصد بالمسجد هنا في هذا البحث ذلك المكان المخصص لإقامة الصلاة وإلقاء الدروس والمحاضرات والندوات.
    وإطلاق اسم مسجد على دور العبادة في الإسلام، توحي بأن كل عمل المسلم يجب أن يكون عبادة، وأن يكون المسجد لله، والاتصال به محور المسلم في حياته كلها قلباً وقالباً، فدائرة العبادة ـ التي خلق الله لها الإنسان وجعلها غايته في الحياة ومهمته في الأرض ـ دائرة واسعة، إنها تشمل شؤون الإنسان كلها وتستوعب حياته جميعاً.
    والمسجد في الإسلام هو محور لشؤون الجماعة المسلمة، بجانب أنه المكان الذي يؤذن فيه للصلاة، ومعنى ذلك أنه ليس دير للرهبنة ولا زاوية للمتعطلين ولا تكية للدراويش، فليس في الإسلام رهبنة ولا دروشة.
    هذا ولم يكن المسجد للصلاة فقط في عصور الإسلام الماضية، فقد ظلت المساجد حارسة الإسلام، فهي مراكز الإيمان ورموزه، وكان الرسول r  يستقبل فيها

    الوفود، كما كانت بمثابة مكاتب الخدمة الاجتماعية وجمع التبرعات ومعونة المحتاجين ودراسة أحوال المسلمين السياسية، وبناء الجيوش، بل إن دَوْر المسجد امتد ليشمل مهام أخرى، حيث التعليم والتربية بالمعنى الشامل لكلمة تربية، ذلك المعنى الذي يكاد يرادف معنى الحياة بكافة جوانبها.(1)
    مدى أهمية المسجد في المجتمع الإسلامي:
    يمكن لنا أن نتبين أهمية المسجد في المجتمع الإسلامي من خلال حادثة الهجرة النبوية، حيث أقبل الرسول r  ـ لمجرد وصوله واستقراره فيهاـ على إقامة مجتمع إسلامي راسخ متماسك، وكان أول خطوة في سبيل هذا الأمر هو بناء المسجد.
    ولا غرور ولا عجب، فإن إقامة المسجد أول وأهم ركيزة في بناء المجتمع الإسلامي، ذلك المجتمع المسلم، إنما يكتسب صفة الرسوخ والتماسك بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه، وإنما ينبع ذلك كله من روح المسجد ووحيه.(2)
    كما أن من نظام الإسلام وآدابه شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين، لكن شيوع هذه الآصرة لا يتم إلا في المسجد، فما لم يتلاق المسلمون يومياً على مرات متعددة في بيت من بيوت الله، وقد تساقطت ما بينهم من فوارق الجاه والمال والاعتبار، لا يمكن لروح التآلف والتآخي أن تؤلف بينهم.
    فالمسجد إذن هو المنطلق لتكوين الفرد المسلم والمجتمع بأبعاده الإنسانية والاجتماعية والفكرية، لما يقوم به المسجد من دور هام في الإرشاد والتوجيه.

    كما أنه دار إشباع ومركز النور الساطع، وهو ميدان للتربية الروحية والسمو النفسي، بل معقل من معاقل الهداية والتوجيه، وكذلك مركز من مراكز التعليم والتوجيه لما ينفع الناس في الدنيا والآخرة، وهو مدرسة لتقويم سلوك الإنسان وتقوية إرادته ودفعه إلى الاستقامة والخير.
    ويمكن محاربة ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال الدور التربوي للمسجد، حيث يعتبر المسجد أحد المؤسسات التربوية ذات الدور المباشر في التأثير على حياة الفرد المسلم وسلوكياته ومعاملته مع أفراد المجتمع حوله، فالمسجد جامع وجامعة لأنه يمثل الحياة، وهو بحق أفضل مكان وأطهر بقعة وأقدس محل يمكن أن يتم فيه تربية المسلم وتنشئته، ليكون فرداً صالحاً في المجتمع الإسلامي الكبير.
    هذا ويجب أن تتم محاربة ظاهرة تعاطي المخدرات من خلال الخطب والمحاضرات التي تلقى في المساجد والندوات التي تعقد به لمناقشة آثارها المختلفة على الفرد والمجتمع عامة.
    والمسجد هو المدرسة التي وضعت فيها أسس الثقافة الإسلامية الأولى والفقه الإسلامي، وكان يدرس في المساجد في الماضي علوم القرآن والسنة والشريعة وغيرها، ويمكن أن يتم من خلال المسجد دراسة الفتاوى والفقه المتعلق بظاهرة المخدرات، والرد على الافتراءات التي يوجهها البعض لفئة من الناس قليلي الثقافة وممن تنقصهم الخلفية الثقافية الإسلامية السليمة، وبها يندرجون لمستنقع تعاطي المخدرات، بحجة أن القرآن والسنة لم تحرمها. فالمسجد من أعظم المؤثرات التربوية في نفوس الناشئة ، خاصة حينما يرون الكبار من آبائهم وأهلهم مجتمعين في المسجد لذكر الله والصلاة، فينشأ الصغار على حب المسجد وارتياده دائماً، وهذا أمر هام في مواجهة ظاهرة انحراف الأحداث نحو تعاطي المخدرات، فوجود الصبية في
    المسجد خير لهم من أن يذهبوا لدور اللهو واللعب مع أقرانهم الذين قلما يخلون من سيئي الأخلاق.(1)
    المسجد هنا هو منتدى المسلمين وملتقاهم الذي يتلقون فيه العلم النافع ويتشاورون فيما بينهم، ومن خلال هذه الشورى والتناصح يتم محاربة المخاطر التي تواجه الأمة بعد مشاورة أهل الرأي فيها والاستماع لنصحهم وتوجيههم، ومن خلال دراسة مخاطر تعاطي المخدرات في المجتمع المسلم بصفة عامة والفرد المسلم بصفة خاصة، وعن طريق التشاور والتناصح بينهم يتم وضع العلاج المحدد لهذه الآفة: من حيث فتح عيادات ملحقة بالمسجد لرعاية المدمنين وعلاجهم، أو من خلال جمع مبالغ مالية لعلاج هذه الحالات المدمنة في المصحات المخصصة.
    وهكذا نجد أن هناك رسالة عظمى للمسجد المسلم في الوقت الحاضر، فمن خلال الصلاة يتم تقويم السلوك الشخصي الاجتماعي، حيث يتم صقل نفس المؤمن وإرهاف حسه ووجدانه (2) ، فلا ينحرف لاقتراف الرذائل من الأعمال والسلوكيات الخاطئة التي منها تعاطي المخدرات.
    وكذلك من خلال الدور التعليمي التربوي الذي عن طريقه يمكن غرس القيم الإسلامية الصحيحة في نفوس الأفراد، وكذلك من خلال الندوات المتخصصة التي يلقيها أطباء مسلمون وغيرهم ممن لهم اتصال بدراسة ظاهرة تعاطي المخدرات.
    ولكن ما نراه اليوم من انحسار لدور المسجد عن تلك المعاني والمهام التربوية الهامة (حيث نراه اليوم مقتصراً على تأدية الصلاة) فإنه يرجع لعدة أسباب أهمها:

    -       ضعف الكثير من المسلمين في تمسكهم بدينهم.
    -       انخداع بعض المسلمين بزخرف الحياة في المجتمعات غير الإسلامية.
    -       البدع والشوائب التي انتشرت لجهل المسلمين بدينهم.(1)
    -  ولكن يمكن أن يكون للمسجد دوره المؤثر عن طريق إنشاء المكتبات الملحقة به، وتزويده بأئمة ودعاة متفهمين لدورهم في مجال الدعوة وفي مواجهة هذه المشكلات المجتمعية.
    وعليه يجب أن يتم اختيار أئمة المساجد بعناية فائقة حتى يقوموا بالدور المطلوب على أكمل وجه، فليست رسالة إمام المسجد مقتصرة على أداء الصلوات فحسب، بل تتعدى ذلك لشرح دروس التوعية وتوجيه المسلمين عن طريق الخطب والمحاضرات التي تمس صميم المشكلات المعاصرة في المجتمع، ومن أهم هذه المشكلات مشكلة تعاطي المخدرات، فعليه أن يبين للناس حكمها من حيث التعاطي أو الاتجار أو التهريب أو التمويل أو زراعة النباتات التي تستخرج منها أو استعمالها للعلاج.
    فلا شك في أن هذا الدور لرجل الدين لدور خطير، إن استثمر كما يجب لكان وقاية للمجتمع من آثار وشرور تعاطي المخدرات وانتشارها.

    دور وسائل الإعلام في علاج ظاهرة
     تعاطي المخدرات والوقاية منها
    إن وسائل الإعلام المختلفة في عالمنا المعاصر سواء كانت مسموعة أم مرئية أم مقروءة تعتبر من أهم المؤسسات التربوية ذات التأثير القوي على الرأي العام وتوجيه الأمة الوجهة الصحيحة المعدة لها.
    ووسائل الإعلام كمؤسسات تربوية تمتاز بأن لديها قدرة عالية على جذب الناس من مختلف الأعمار ومن الجنسين، وهي أداة هامة من أدوات النهوض بالمجتمعات ثقافياً، كما أنها تمتاز بمميزات لا تتوافر في غيرها من وسائط الثقافة الأخرى، حيث إنها سريعة الاستجابة لنشر المستحدثات في مجال العلم والمعرفة والتطبيق، سريعة الإذاعة لها وقد مكنها من ذلك اعتمادها أساساً على أحدث وسائل العلم الحديث والتكنولوجيا.(1)
    وإذا سلمنا بدور وسائل الإعلام في صياغة شخصية الفرد وتوجيهه، وتأثيرها على صياغة تفكيره بما تملك هذه المؤسسات الإعلامية من وسائل مطبوعة مثل: الكتب والصحف والمجلات والنشرات والملصقات، أو بالوسائل السمعية والمرئية: كالإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح والمهرجانات والمعارض، فلابد أن نسلم بدور هذه الوسائل والمؤسسات في علاج ظاهرة تعاطي المخدرات.
    إن مواجهة ظاهرة تعاطي المخدرات عبر وسائل الإعلام تحتاج منا إلى خطة مدروسة تتوخى نشر المعلومات والحقائق المتعلقة بظاهرة تعاطي المخدرات بموضوعية كاملة، دون تهويل أو تهوين، مما يتطلب ذلك توظيف كافة الطاقات والكفاءات المتميزة بالإبداع بالتصدي لهذه الظاهرة من خلال البرامج المختلفة ونشر الوعي العلمي بين فئات المجتمع المهنية والعمرية.(2)
    ولذلك فعلينا أن نوجه هذا المنبر التربوي الهام الوجهة التي تتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف، واستخدامه في مواجهة ظاهرة تعاطي المخدرات مع مراعاة الأمور الآتية:
    1-  توجيه هذه الوسائل الوجهة الصحيحة، حتى لا تكون سلاحًا ذا حدين، فلا تعرض أعمال تحارب المخدرات وأعمال أخرى تساعد على تعاطيها وانتشارها، وهذا يتطلب مراجعة كل ما يقدم من خلال هذه الوسائل مراجعة دقيقة حتى تتفق والهدف المطلوب.
    2-  عقد دورات تدريبية بصفة دائمة للقائمين على أمر هذه الوسائل وتزويدهم بالطرق والأساليب والمعلومات الصحيحة حول هذه الظاهرة وكيفية علاجها.
    3-  أن تكون البرامج والمشروعات المقدمة من خلال هذه الوسائل التي غايتها محاربة ظاهرة تعاطي المخدرات وعلاجها متصفة بالسمات التي ترغِّب الشخص في الاستماع إليها والاستفادة بها، مع مراعاة الإخراج الجيد وبالشكل المناسب الجذاب، ومع مراعاة تجويد المحتوى، وأن تكون متفقة مع التعاليم الإسلامية وثقافتنا السائدة.
    4-  يجب أن تخاطب هذه البرامج كافة الأعمار، وبلغة يفهمها معظم الناس حتى تعم الفائدة من هذه البرامج.
    ويجب أن ندرك جيداً عدم الاستخدام الأمثل لوسائل الإعلام، وعدم الاستفادة من جهودها المثمرة من العوامل التي تُمَكِّن الإدمان من نشر مخالبه في المجتمع لدرجة يصعب معها العلاج.
    كما أن انتشار أفلام الفيديو بصفة خاصة وما تحويه من قيم سلبية وخاطئة عامل هام من عوامل انتشار المخدرات، ويزداد خطر هذه الوسيلة (الفيديو) لدرجة كبيرة، حيث إن كثيرأً من الأسر اليوم توفر لأبنائها كماً هائلاً من الأفلام دون تمحيص أو مراقبة لما يشاهده الأبناء من هذا الغزو المباشر عبر الفيديو.. داخل البيوت.