-->

نظرية بياجية في التعلم

نظرية بياجية في التعلم
    نظرية بياجية في التعـلم 

    تنسب هذه النظرية إلى العالم السويسري المعاصر جان بياجيه 1896م، والذي بدأ نشاطه عام 1920م، في معلمه في جامعة جنيف والذي ركز اهتمامه في أبحاثه على دراسة النمو العقلي و المعرفي الذي يطرأ على الفرد السوي خلال انتقاله في المراحل النمائية المختلفة مبتدأ بمرحلة الطفولة منتهيا بمرحلة الرشد.
    ولقد بدأ بياجيه دراسته النفسية معتمدا على تخصصه الأول وهو علم الأحياء حيث طبق قوانين العلوم الطبيعية على الانسان، وكذلك فقد كان متأثرا بالفلسفة وخاصة فلسفة المعرفة مما دفعه أيضا إلى التركيز على تفسير كيفية حدوث المعرفة وما علاقتها بالعقل الانساني، عدا أنه قد تأثر تأثرا بالغا بعمله المبكر في تنمية اختبارات الذكاء عندما عمل عمل لفترة في مختبر (بينيه) في باريس، ومارس وطبق اختبارات الذكاء على الأطفال.
    ولقد اجتمعت الأسباب السابقة لتدفع بياجيه ليدرس العمليات العقلية وكيف يتكون السلوك المعرفي، وما هي طبيعة الوظائف العقلية، وبشكل اجمالي فقد درس ما يسمى بالتطور العقلي عند الفرد.

    نظرية بياجية


    أولا : طرق التطور المعرفي :
    إن أساس التطور العقلي في النظرية المعرفية هو تغير التراكيب المعرفية نتيجة لعمليتي التمثيل والتأقلم وذلك عندما يتعرض الفرد لخبرة جديدة ويحتاج إلى دمجها في بنائه المعرفي حيث يحدث لديه اختلال في التوازن العقلي فيلجأ إلى استخدام احدى العمليتين السابقتين ( التمثل والتأقلم) ليعيد لبنائه المعرفي.
    ولقد وضع المعرفيون نموذجا يوضح كيفية تطور البناء المعرفي وعلاقته بالدافعية والسلوك المعرفي وطبيعة الموقف وأثر التغذية الراجعة وذلك النموذج عبارة عن تمثيل تخطيط للعملية التي عن طريقها يحدث السلوك، وان هذا النموذج لا يتضمن المعرفة فحسب بل يتضمن الدافعية كعملية نفسية أخرى تتدخل بين الموقف والسلوك.
    يمثل الشكل السابق نموذجا للسلوك الموجه نحو الهدف كما تراه وجهة النظر المعرفية، حيث يقصد بالمعرفة التمثيل العقلي للمواقف عند الفرد، إما البناء المعرفي : الموقف : فيشير إلى بيئة الفرد ومركزه فيها، فهو يتضمن البيئة التي يحس فيها الفرد مباشرة من خلال احدى الحواس أو أكثر والبيئة التي يمكن أن يفكر فيها دون أن يدركها مباشرة.
    أما السلوك : فهو كل نشاط ظاهر يقوم به الفرد وموجه نحو هدف من نوع ما، أنه لا يتضمن النشاط الحركي العام فقط ولكن النشاطات مثل الكلام والنظر أيضا.

    وتشير الدافعية إلى حقيقة أن الفرد يحاول تحقيق أهداف معينة من خلال سلوكه أو انه يسلك لتحقيق أهداف معينة.
    وحسب رأي المعرفيين فإن النمو العقلي هو عبارة عن اكتساب أنماط هرمية مترابطة ومعقدة أو مجردة قوامها المعاني و الاتجاهات و الدوافع و المهارات، إن التعلم الجديد يجب ان يكون متفقا مع المستوى الحالي للتطور المعرفي عند المتعلم، حيث ان التعلم السابق قد تولدت عنه أبنية معرفية سيرتبط التعلم الجديد بها ويتأثر بها إلى حد كبير.
    إن عملية ربط التعلم الحاضر بالماضي والخروج من ذلك بتعلم متكامل، وربط المدخلات الحسية الحالية مع الأبنية المعرفية الموجودة سابقا والمناسبة بها على أساس من التطابق أو التشبه او الاختلاف يؤدي إلى تطوير أبنية ادراكية ومفاهيمية عامة.
    ويصر المعرفيون على أن المتعلم يقوم بعمليات الفهم والادراك والمحاكمة العقلية بشكل شعوري وواعي وقصدي، حيث ان العقلية على اختلافها (إدراك، تخيل ، انتباه، تفكير، تحليل)، تتوسط بين ظهور المثير وصدور الاستجابة، حيث يطلق المعرفيون أحيانا على تلك العمليات اسم العمليات العقلية الوسطية.

                    عمليات عقلية وسطية
    مثير          انتباه، تفكير، إدراك  استجابة
                     تخيل،……….

      إن البناء المعرفي عند الفرد يتألف من منظومة من المجموعات أوالفئات الادراكية (مخلوقات، رجال، أولاد، بنات) ومن مفاهيم مجردة مثل (الزوجة، الجمع، الاعتماد على الآخرين، الصادق)، ومن احتمالات أو توقعات ذاتية (الناس بشكل عام ودودين، أن المستقبل غير مؤكد، إن الاجتهاد والمثابرة يقودان إلى النجاح)، وبذا فإن المعلومات الجديدة يتم بناء على ذلك معالجتها وترتيبها".(توق، عدس 189).
    ولقد حدد بياجيه مجموعة عوامل تحدد معدل التعلم و التطور في نطاق مراحل النمو المعرفي، وتلك العوامل هي :
    1 – النضج : وهو حدوث النمو بأبعاده تلقائيا بغض النظر عن الظروف البيئية التي قد تساعد في حدوثه، وأن العوامل البيئية تؤثر في النمو المعرفي للطفل فقط عندما يكون الطفل مستعدا( ناضجا بيولوجيا).
    2 – الخبرة ( النشاط) : يحدث التطور العقلي المعرفي من خلال التفاعل النشط الذي يحدث بين الطفل و البيئة بما يتناسب ونضجه البيولوجي وبالقدر الذي يكون فيه التفاعل ذا معنى له، إن الخبرة تساهم في فهم الطفل للعالم حوله.
    3 – البيئة (على اختلاف أبعادها) : إن توفر البيئة المناسبة للتطور العقلي والغنية بالمؤثرات المعرفية والمعلومات تدفع بالطفل إلى النضج المعرفي نتيجة للتفاعل معها سواء كانت بيئة اجتماعية أومادية.
    4 – التوازن : يحدث النمو المعرفي في التعليم، عندما يواجه الطفل موقفا جديدا يؤدي إلى اختلال التوازن العقلي نتيجة لمحاولة للتوفيق بين ما لديه من مقدرات واستراتيجيات وما يتطلبه الموقف الجديد المواجه، وهذا يجبر الطفل على تطوير مالديه من بني معرفية واعادة تنظيم الموقف بما يتناسب والعناصر المستجدة عليه.
    ثانيا : العمليات المعرفية الأساسية :
           عندما وضع بياجيه فرضيات نظريته نظر إلى النمو المعرفي ( النمو العقلي) من منظورين اثنين هما.
    أ – البنية العقلية ( البناء المعرفي) : والذي يشير إلى حالة التفكير التي توجد لدى الفرد في مرحلة ما من مراحل نموه، وهي عبارة عن خصائص منظمة للذكاء وتتغير مع النمو العمري وتتطور من خلال التفاعل مع البيئة.
    ب – الوظائف العقلية : والتي تشير إلى العمليات التي يلجأ إليه الفرد عند تفاعله مع  مثيرات البيئة التي يتعامل معها، وهي خصائص عامة للنشاط العقلي وتمثيل ماهية الذكاء وهي ثابتة لا تتغير عند الانسان فهي مورثة.
           وهناك وظيفتان عقليتان أساسيتين ثابتتان ولا تتغيران بتغير العمر، وهما أساس ترتيب المعلومات في البناء المعرفي وهما :
    1- التنظيم ( Organization ) : وتعني نزعة الفرد إلى ترتيب وتنسيق العمليات العقلية في أنظمة كلية متناسقة ومتكاملة، ويظهر التنظيم في تعلم الرياضيات، حيث يسبق تعلم الرياضيات القراءة والكتابة وفهم معطيات البيئة.
    2- التكيف ( Adaptation) : وتعني نزعة الفرد إلى التلائم والتآلف مع البيئة التي يعيش فيها فالطالب الجديد يبقى في حالة عدم إتزان حتى يتكيف مع متغيرات صفة الجديد. ويحدث التكيف عند الفرد من خلال عمليتين أساسيتين أيضا هما :
    -   التمثيل ( Assimitation ) : وتعني نزعة الفرد لأن يدمج أمورا من العالم الخارجي في بنائه العقلي أو التركيب الموجود لديه، كأن يغير الفرد من صورة الشيئ لتتناسب مع ما يعرفه، بمعنى احداث تغيير ودمج المثيرات البيئية ( الخبرات الجديدة) بما يتناسب مع البناء المعرفي عند الفرد.
    -   الاستيعاب (Accommodation) : ويعني نزعة الفرد لأن يغير استجابةاته لتتلائم مع البيئة المحيطة به، كأن يغير الفرد من تراكيبه المعرفية العقلية ليواجه متطلبات البيئة، بمعنى احداث تغيير أو تعديل في البناء المعرفي بما يتناسب مع المثيرات الخارجية.
    1 – تتألف كل مرحلة من مراحل الأربعة من فترة تشكل ( Formation) وفترة تحصيل
    ( Attainment) تتميز فترة التحصيل بالتنظيم المضطر للعمليات العقلية في المرحلة المعنية، كما تكون نقطة الانطلاق لتشكل المرحلة التي تليها.
    2 – كل مرحلة من المراحل تتكون في نفس الوقت من فترة تحصيل لتلك المرحلة ونقطة البداية للمرحلة التي تليها، وبهذا نرى أن المراحل ليست منفصلة عن بعضها البعض، بل أنها متداخلة تداخلا عضويا.
    3 – إن ترتيب ظهور المراحل الأربعة ثابت لا يتغير، إلا أن من تحصيل المرحلة يتغير إلى حد ما حسب تأثير الدوافع و التدريب و العوامل الحضارية و الثقافية، وهذا يعني أن السنوات التي وضعها بياجيه لتحديد الفترات لا تشكل حدودا جامدة غير قابلة للتغير.
    4 – يسير الاضطراد من مرحلة سابقة إلى مرحلة لاحقة حسب قانون يشبه قانون التكامل، بمعنى أن الأبنية السابقة تصبح جزءا لا يتجزأ من الأبنية اللاحقة، أي أن المراحل اللاحقة تحتوي ما قبلها، وحول هذه النقطة نشأ خلاف محتدم شكل نقاط :

    أ – مرحلة التفكير الحس – حركي ( Sensorimotor Stage) :
    سميت هذه المرحلة بهذا الاسم نتيجة لاعتقاد بياجيه بأن التفاعل القائم بين النشاط الحركي والادراك هو الأساس الذي يقوم عليه تفكير الأطفال خلالها، وهي فترة تمتد منذ الولادة وحتى نهاية السنتين الأوليتين من حياة الطفل.
    ويستطيع الطفل ادراك الأشياء التالية في هذه المرحلة :
    1 – يدرك أجزاء الجسم وتظهر لديه الحركات العشوائية والحركات الاتعكاسية.
    2 – يدرك ظاهرة ثبات ( بقاء) الأشياء ومعناها : القدرة على ادراك أن الأشياء تبقى موجودة بالرغم من اختفائها عن مجال الادراك.
    ( إخفاء اللعبة تحت السرير، يدرك الطفل أنها موجودة حتى وإن كان لا يبصرها).
    3 – التمييز بين الوسيلة والغاية.
    4 – اعادة الاستجابات السارة ( اللعب).
    5 – حب الاستكشاف و الفضول.
    6 – تبدأ عملية اكتساب اللغة حيث يتعرف على الأشياء باستخدام اللغة بدلا من أن يقوم بالسلوك الحركي للتعرف عليها.
    7 – تطور السلوك الاستنادي، حيث يلجأ الطفل إليه الطفل كحل لمشكلة عدم وصوله لشيئ على وسادة، مثلا، ويبدأ بسحب الوسادة لأقرب نقطة إليه، حيث يبدو متأكدا أنه يستطيع تحريك الجسم بتحريك جسم آخر، وهذا يوضح تزايد فهم الطفل للعلاقات السببية بين الأشياء.
    8 – يتطور لدى الطفل مفهوم الوعي بالذات ( تحديد جسم الطفل منفصلا عن الثورة الخارجية)، ويسميه بياجيه ( الذكاء العلمي)، والذي ينتج عن مفهوم الثورة الكوبرنيكوسية.
    9 – في بداية المرحلة لا يكون لدى الطفل القدرة على ادراك مفهوم المكان، وقبل نهاية هذه المرحلة يبدأ الطفل بفهم هذا المفهوم بشكل يكفي للقيام بالتحويلات اللازمة.
    ب – مرحلة ما قبل العمليات ( Preoperational) :
           سميت هذه المرحلة بهذا الاسم لعدم امتلاك الطفل القدرة على اجراء العمليات بشكلها المنطقي وتمتد هذه المرحلة من السنة الثانية إلى السنة السابعة ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين ( طورين) :
    1 – طور ما قبل المفاهيم ( 2 – 4 سنوات) وفي هذا الطور يستطيع الطفل القيام بعمليات التصنيف البسيطة حسب مظهر واحد كالحجم، كما أن المتناقضات لا تزعج الطفل ( كطفو جسم كبير وغرق جسم صغير، العلاقة بين الحجم و الوزن ).
    2 – الطور الحدسي (4 – 7 سنوات) يقوم الطفل في هذا الطور ببعض التصنيفات الأصعب حدسا أي بدون قاعدة يعرفها، كما لا يهتم اهتماما واضحا بما يفعله، وفي هذه المرحلة يبدأ الوعي التدريجي بثبات الخصائص. وتتميز هذه المرحلة بشكل عام بالخصائص التالية وهي :
    1 – اللعب الايهامي ( الركوب على العصا كالحصان).
    2 – استخدام اللغة بشكل مقبول وواضح.
    3 – ظاهرة التمركز حول الذات، وتعني عدم قدرة الطفل على ادراك وجهات نظر الآخرين.
    4 – لايدرك الطفل مفهوم المقلوبية ( المعكوسية)، أي أنه إذا عكس الشييء لا يستطيع الطفل وصفه في الوضع الثاني من خياله.
    5 – تظهر لدى الطفل ما يسمى بالوظيفة الاشارية،، وهو القدرة على التميز ما بين المشير والمشار إليه، وذلك بفهم عدم التشابه بينهما، مما يوضح تطور الطفل في التميييز بين خصائص الأشياء، وتطور الموز لديه ( المادية)، واللفظية) حيث يبدأ بإعطاء الأشياء رموز لفظية سمعها أو استنتجها – بغض النظر عن صحتها – وهذا يدل على التراكيب المعرفية لديه.
    6 – يظهر في هذه المرحلة أسلوب التفكير البديهي – كما يسيه بياجيه – حيث يمتلك الطفل بعض البديهيات دون التفكير بها مما يقوده إلى نتائج خاطئة، فهو لا يستطيع فهم مفهوم الكمية، مثلا، فقد نأخذ نفس الكمية من الماء ونوزعها في قوارير مختلفة فيجب الطفل، أن الكميات غير متساوية، وسبب ذلك أن الطفل يركز انتباهه على جانب واحد من الموقف الذي يستجيب إليه.
    7 – لا يدرك ثبات العدد أي أن العدد نفسه لا يتغير في الحال اختلاف مكانه في علبة أو على الأرض، وعادة لا يلجأ الطفل إلى العدد وإنما يجب اعتمادا على الادراك البصري.
    8 – لا يدرك ثبات الوزن و الحجم ( الوزن نفسه مع تغير شكله ).
    9 – لا يدرك ثبات المساحة.
    10 – لا يدرك ثبات المفاهيم، أي لا يدرك أن المفاهيم تبقى ثابتة بالرغم من التغيرات الثانوية التي تتطرأ عليها.
    11 – الفشل في التفكير في أكثر من بعد أو طريقة واحدة.
    12 – يتقدم الادراك البصري على التفكير المنطقي.
    جـ – مرحلة العمليات المادية  Concrete Operational Stage :
           وتمتد من ( 7 – 12 سنة)، حيث يبدأ الطفل يمر بمراحل العمليات المادية و العملية في رأي بياجيه: ( هي عمل عقلي داخلي يناسب نمطا من التركيب المعرفي ) وفي هذه المرحلة نتعامل مع الأطفال الذين يستجبون لمشكلة بقاء المادة. وتتميز هذه المرحلة بالمميزات التالية :
    1 – يصبح لدى الأطفال القدرة على التفكير في أكثر من بعد كالطول و العرض معا، وهذا ما ندعوه بالتوازنات العقلية للسلوك كالمزج والفصل وتظهر لديه القدرة على التصنيف في أكثر من بعد.
    2 – إن أهم ما يميز هذه المرحلة ظهور القدرة لدى الطفل على قلب العمليات العقلية حيث أنها صفة من صفات التفكير العملي، وتظهر غالبا في مفاهيم بقاء المادة وفي شمول النوع، والقدرة على عكس العمليات العقلية قريبة جدا من مفهوم الامركزية في المرحلة السابقة.
    3 – في نهاية هذه المرحلة يبدأ الطفل يدرك مفهوم الانتقال، الذي يطبق على عدد من الأشياء المادية، وهو نوع أساسي من التفكير كبداية لأي استقصاء علمي فمثلا : ( أ < ب < جـ     أ < جـ )
    4 – يتدرج الطفل ببطء في تكوين مفهوم الزمن ( يتكون في حدود التاسعة ) ويصبح قادرا على ادراك أن الزيادة في الأعمار يقابلها نقص في الأعياد الميلاد المقبلة، وأن العمر يوازي عدد السنوات السابقة.
    5 – يفشل في التفكير في الاحتمالات المستقبلية دون خبر مباشرة بالموضوعات المادية.
    6 – تظهر لديه عدة صعوبات أهماها :
    -         ضعف قدرته على الاستدلال اللفظي.
    -         ضعف قدرته على اكتشاف المغالطات المنطقية.
    -         عجزه أمام الفروض التي تغاير الواقع.
    د – مرحلة التفكير المجرد ( Formal Operational Stage) :
    وتبدأ من سن (12) وليس لها حد أعلى إلا أنها تتمركز غالبا من ( 12-18) سنة تقريبا، وفيها يستخدم الفرد كل العمليات التي تطورت في المراحل السابقة، ويطورها أو يدمجها معا بهدف اجراء عمليات مادية مجردة، تساعده على التصور بعيدا عن خبراته الحقيقية، فمثلا، يصبح الفرد قادرا على وصف الأشياء بتفاصيلها، وكذلك يستطيع الربط بين العلاقات المتنوعة، وبناء افتراضات و محاولة التحقق منها.
    وتتميز هذه المرحلة بأنها أكثر المراحل تعقيدا من ناحية النمو المعرفي، ولا يرتبط النمو بأشكال معينة من السلوك.
       " ويتصف الاتزان في هذه المرحلة بأربعة مزايا اجتماعية مهمة تصف التنظيم الذاتي العالي الدرجة للفكر الانساني وهي :
    1 – يصبح العالم الاجتماعي موحدا ذا قوانين وتنظيمات وقواعد وتقسيمات ووظائف.
    2 – يتلاشى التمركز حول الذات وينطلق الفرد نحو الشعور بالتكامل الاجتماعي.
    3 – يحل معنى المساواة محل الخضوع لسلوك الكبار.
           وتشكل هذه الخصائص أسس النمو الخلقي والاجتماعي للفرد في هذه المرحلة من العمر"(توق، عدس 102) ومن أهم خصائص هذه المرحلة هي :
    1 – يقل اعتماده على معالجة الأشياء المادية وذلك لقناعته بأن الطرق و الوسائل الخاصة بمعالجة المفاهيم في المرحلة السابقة لا تعطي فهما كاملا أو شاملا للمشكلات.
    2 – يصل إلى مرحلة متطورة وعالية من التوازن نظرا لاتزان عمليتا التمثيل والاستيعاب.
    3 – تظهر لديه القدرة على تخيل الاحتمالات المفترضة لحل مشكلة ما، ويستطيع الاستنتاج واشتقاق تفسيرات محتملة جديدة لمشكلة ما.
    4 – يبدأ يفكر بأسلوب مجرد حيث يركز على العلاقات بين الاشياء وليس على المحتوى ويقل اعتماده على الحقائق والأشياء المادية ويبدأ يفكر بما وراء الحاضر ويبدأ يبني نظرياته حول كل شيئ.
    5 – تظهر قدرته على التفكير العلمي، حيث أن قدرته على عكس الأفكار، أي التفكير فيها ونقدها منطقيا، تساعده على الخوض في الامكانية دون أن يفقد الواقع عن طريقة وضع الفرضيات وفحصها وملاحظة النتائج بأشكال منطقية.
    6 – يبدأ الفرد بالانتقال من التمركز حول الذات إلى التفكير بالعلاقات الاجتماعية المتبادلة، وذلك نتيجة للتنشئة الاجتماعية و الموضوعية في التفكير وقد لخص توق عدس مراحل بياجيه في النمو المعرفي على شكل جدول مختصر، وفي مايلي عرض لذلك الجدول:

    مراحل بياجيه في النمو المعرفي

    المرحلة

    السنوات بالتقريب

    الخصائص


     الحس  حركية
    الولادة  2
    يميز الحضين نفسه عن باقي الموضوعات، ويصبح تدريجيا على وعي بالعلاقة بين أفعاله ونتائجها على البيئة، وبالتالي يصبح قادرا على التعرف وأن يجعل الحوادث المثيرة تستمر فترة أطول، ( هز الخرخيشة يصدر صوتا) وتعلم أن الموضوعات تستمر في بقائها حتى ولو لم تر.
     ماقبل العمليات
    7 سنوات
    يستخدم اللغة، ويتمكن من تمثيل الموضوعات عن طريق الخيالات و الكلمات، لايزال متركزا حول الذات، فالعالم يدور حوله، ولا يستطيع التصور وجهة نظر الآخرين، يصنف الموضوعات بناء على بعد واحد وفي نهاية الفترة يبدأ باستخدام العدد وينمي مفاهيم الحفظ.
     العمليات المادية
     12 سنة
    يصبح قادرا على التفكير المنطقي ويتعلم مفاهيم الحفظ بالترتيب التالي، العدد (6 سنوات) الكتلة ( 7 سنوات) الوزن (9 سنوات ) يصنف الموضوعات ويرتبها في سلاسـل على أسـاس أبعـاد، ويفهـم مفرادات العلاقة ( أ أطول من ب ).

     العمليات المجردة
    12  فما فوق
    يفكر بالمجردات ويتابع افتراضات منطقية، ويعلل بناء على فرضيـات يعزل عناصر المشكلة ويعالج كل الحلول الممكنـة بانتظـام ويصبح مهتما بالأمور الفرضية والمستقبلية و المشكلات الايديولوجية.

      وفي ختام الحديث عن مراحل النمو عند بياجيه فلابد من توضيح العلاقة بين تلك المراحل واتجاهات النمو، حيث يمكن تحديدها في النقاط التالية:
    1 – الانحسار المتزايد لمفهوم الذاتية : إن مرور الطفل في المراحل الاربعة يفقد التمركز حول الذات ( الذاتية ) ويكسبه الموضوعية التي تعني درجة ارتباط التركيب المعرفي بالواقع.
    2 – الاتجاه نحو التوازن في عمليتي التمثل والتأقلم.
    3 – الاستمرارية في التطور وعدم الانتقال المفاجئ من مرحلة إلى أخرى ( التدرجية والتدخل في النمو ) أنظر الشكل التالي :


    مرحــــلة

    الحس - حركية


    مرحـــلة

    ما قبل العمليات

     

    مرحــــــلة

    العمليات
    المادية

     

    مرحـــــلة

    العمليات
    المجردة


    يتضح من الشكل بأن هناك خصائص تبدأ في الظهور في المرحلة التالية علما بان الطفل مازال في المرحلة السابقة عمريا، وأن هناك مظاهر تتاخر في الظهور أحيانا علما بأن المرحلة العمرية تتطلبها وعندما يكتسب الطفل تراكيب معرفية لبعض جوانب المرحلة ولا يكتسب الباقي، يوصف بأن لديه تباطئ زمني كما سماه بياجيه وهو نوعان:
    أ – تباطؤ زمني أفقي : كأن يكتسب الطفل حفظ الكمية قبل حفظ الوزن.
    ب – تباطؤ زمني عمودي : كان يفقد الذاتية على المستوى العام، ثم المادي ثم على مستوى التفكير المجرد.
    لإن المستويين السابقيين يدلان على اختلاط مميزات المراحل الأربعة معا ولهذا فإننا لا نستطيع بدقة تحديد بداية ونهاية كل مرحلة، وكذلك فغن افتراض المراحل هو بحد ذاته فكرة مجردة.
    وهنا لابد من التذكير بأن الطفل يسير في المراحل الأربعة بتسلسل تام ومنظم، حيث تتحدد كل مرحلة بالعتماد على المراحل التي سبقتها، ففي المرحلة الاولى تتطور الوظيفة الاشارية، ثم يصبح هيكل عمل الطفل ذاتيا في مرحلة ما قبل العمليات، ثم تلتئم العمليات الداخلية في مرحلة العمليات المادية، في بني لها خاصية المقلوبية، إما بالنفي أوالتبادلية، ويتم ايجاد هذين النمطين في فترة العمليات المجردة.
    وكذلك فإن البنى المعرفية قد  تكونت من هذين النمطين الذين تطورا في فترة سابقة، إذ يتم اختزان المباني السابقة باللاحقة أي أن النظام الأعقد والأكثر تقدما يحتوي على النظام للتفكير في أن واحد إذا كان كل منهما من مرحلة معينة.

    رابعا : التطبيقات التربوية لنظرية بياجيه :
    تساعد النظرية المعرفية المدرسين في اقتراح استراتيجيات التعليم، فهي تقترح طرقا لتوسيع بنية الطالب المعرفية القديمة، وذلك بدمج المحتوى المتعلم الجديد معها، وكذلك فهي تعطينا مضمونين رئيسيين في التربية وهما:
           أ – إن المتعلم يتطور عبر سلسلة من المراحل المتدرجة.
           ب – إن المتعلم يبني مفاهيم وقيم جديدة من خلال نشاطة الشخصي وبتوجيه من المعلم.
           ويذكر ( النشوائي 1984)، أربعة تطبيقات تربوية يمكن الاستفادة منها والتي تضمنتها هذه النظرية وهي:
    1 – إن الوقوف على خصائص النمو المعرفي ومراحله، يمكن المعلم من التعرف على طبيعة تفكير الطفل في مراحل نموه المختلفة، بحيث يوجه انتباهه إلى الاستجابات المرتبطة بمرحلة نموه، ويحدد أهدافه في ضوء السلوك المتوقع أداؤه في هذه المرحلة.
    2 – لما كانت عملية النمو المعرفي تقوم أساسا على ايجاد التوازن بين الطفل و البيئة، وهو امر يستلزم التفاعل بين الطفل والعالم المحيط به، لذا يجب وضع الطفل في بيئة نشطة و فعالة، لتسهيل التعلم، وممارسة أساليب الاكتشاف الذاتي التي يقول بها بياجيه.
    3 – تساعد مراحل النمو المعرفي وخصائصه مصممي المناهج على وضع مواد دراسية تتفق مع طبيعة العمليات العقلية لأطفال المراحل التعليمية المختلفة، ففي الحين الذي يحتاج فيه تلاميذ المرحلة الابتدائية موادا واقعية تسهل معالجتها من خلال عملياتهم المعرفية، يحتاج طلاب المرحلة الاعدادية إلى مواد دراسية تساعده إلى ادراك المشكلات وحلها وتعزز قدراتهم على اجراء العمليات المعرفية المجردة.
    4 – توفر خصائص النمو المعرفي امكانية وضع اختبارات تقيس مستوى النمو العقلي من المتعلمين، بحيث تحل محل اختبارات الذكاء التقليدية وتمكن المعلمين من الوقوف على مرحلة النمو المعرفي التي وصل إليها طلابه.( ص163).
      ويذكر ( روث م . بيرد جان بياجيه) في كتابه سيكولوجية نمو الأطفال أربع عشر مبدأ تربويا يرجع إليها التربويون و المعلمون وهي:
    1 – يجب توفير المواد المحسوسة في غرفة الصف بهدف تنظيم تعلم الأطفال لما لها من قيمة في اكتشاف طرق الاطفال في التفكير.
    2 – يجب وضع الاطفال في مواقف تحدي معقولة وخاصة في المدرسة الابتدائية، وذلك اعتمادا على المستوى المعرفي لديهم على ان تكون تلك المواقع معجزة.
    3 – يجب توفير الالعاب التربوية و تطعيم الانشطة التعليمية بروح اللعب والتي تتمثل في الحرية و التلقائية والذاتية والمتعة، وذلك لأنه لا جدوى في التفويق بين اللعب و التعلم.
    4 – يجب أن لا نواجه الطفل بالمشكلات تتطلب أعمالا عقلية تتفوق كثيرا على مرحلة تطوره المعرفي كما يجب ألا نمنعه من ممارسة الاعمال العقلية التي يؤهله نموه المعرفي لممارستها.
    5 – ضرورة تزويد الطلاب بالتغذية الراجعة، وذلك لأن أغلاط الطلاب وأخطائهم يمكن أن تلعب دورا تعليميا عاما إذا ما اتخذى المعلم منها موقفا تحليليا ومنطقيا بدلا من اعلان الطلاب انهم وقعوا في الخطأ وحسب.
    6 – يجب أن لا ننصت كمعلمين إلى ما نريد سمعه من الأطفال، بل نستمع إلى كل ما يقولون، ويجب ألا نلجأ إلى تأويلات غير سليمة لما يقوله الطفل مشوهين بذلك المعاني الحقيقية لديه.
    7 – يجب أن لا نصنف إجابات الأطفال عن أسئلتنا إلى اجابات صحيحة و اجابات خاطئة، أن كثيرا ما نسميه إجابات خاطئة إنما هو صحيح بالإشارة إلى الإطار المرجعي لتفكير الأطفال.
    8 – يقول بياجيه أن التطور المعرفي يتأثر بفرص تفاعل الطفل مع المثيرات البيئية، وهكذا فإن إتاحة العديد من الفرص أمام الأطفال للتفاعل مع الأشياء وتجربتها، ومع الأشخاص ومناقشتهم يساعد كثيرا على تطوير قدراتهم المعرفية.
    9 – يجب الانتباه إلى أن سرعة تقدم الطفل من مرحلة إلى أخرى تتأثر بالعوامل التكونية والعوامل الثقافية العامة والبيئة وما يرتبط بها من عامل الخبرة الشخصية لذا على المعلم أن يقدر أن هناك فروق فردية بين الطلاب في التعامل مع نفس الموقف ناتجة عن العوامل السابقة.
    10 – يجب التعامل مع الطفل على انه ليس رجلا صغيرا، لأن له طرائقه الخاصة في التفكير التي تميزه من مرحلة نمائية معينة إلى مرحلة أخرى.
           فالاطفال يفكرون بطرائق لا يستطيع الكبار أن يتذكروها أو يستعيدوها، ويقع الأطفال في أخطاء يصعب على الكبار التنبؤ بها.
    11 – يجب دفع الطالب إلى التفاعل مع الآخرين وذلك لما للتفاعل النشط بينهم من دور تعليمي تعلمي هام في تطوير البناء المعرفي والقدرات العقلية لدى الطفل، عدا أن ذلك التفاعل يخدم في تقويم المجال الوجداني للطفل، حيث يبدأ بالتخلي عن الأنانية والتمركز حول الذات، حيث يتعلم الطفل كيف ينظر الآخرون للأشياء و الأمور، ويحاول شرح وجهة نظره و الدفاع عنها أمام أسئلتهم وتساؤلاتهم وآرائم ومناقشاتهم، وكذلك فإن التفاعل مع الآخرين يرقى بمستوى تفكير الطفل من المرحلة الحسية الحركية إلى المرحلة اللفظية.